وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَإِمَّا تَخَافَن مِنْ قَوْم خِيَانَة وَغَدْرًا , فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء وَآذِنهمْ بِالْحَرْبِ . { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } وَإِنْ مَالُوا إِلَى مُسَالَمَتك وَمُتَارَكَتك الْحَرْب , إِمَّا بِالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَام , وَإِمَّا بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَة , وَإِمَّا بِمُوَادَعَةٍ , وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ أَسْبَاب السَّلْم وَالصُّلْح ; { فَاجْنَحْ لَهَا } يَقُول : فَمِلْ إِلَيْهَا , وَابْذُلْ لَهُمْ مَا مَالُوا إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَسَأَلُوكُهُ . يُقَال مِنْهُ : جَنَحَ الرَّجُل إِلَى كَذَا يَجْنُح إِلَيْهِ جُنُوحًا , وَهِيَ لِتَمِيمٍ وَقَيْس فِيمَا ذُكِرَ عَنْهَا , تَقُول : يَجْنُح بِضَمِّ النُّون . وَآخَرُونَ : يَقُولُونَ : يَجْنِح بِكَسْرِ النُّون , وَذَلِكَ إِذَا مَالَ , وَمِنْهُ قَوْل نَابِغَة بَنِي ذُبْيَان : جَوَانِح قَدْ أَيْقَنَ أَنَّ قَبِيله إِذَا مَا اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ أَوَّل غَالِب جَوَانِح : مَوَائِل . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12610 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَإِذَا جَنَحُوا لِلسَّلْمِ } قَالَ : لِلصُّلْحِ . وَنَسَخَهَا قَوْله : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } 9 5 . 12611 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ } إِلَى الصُّلْح { فَاجْنَحْ لَهَا } قَالَ : وَكَانَتْ هَذِهِ قَبْل بَرَاءَة , كَانَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوَادِع الْقَوْم إِلَى أَجَل , فَإِمَّا أَنْ يُسْلِمُوا وَإِمَّا أَنْ يُقَاتَلُوا , ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بَعْد فِي بَرَاءَة فَقَالَ : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } 9 5 وَقَالَ : { قَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّة } 9 36 وَنَبَذَ إِلَى كُلّ ذِي عَهْد عَهْده , وَأَمَرَهُ بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَيُسْلِمُوا , وَأَنْ لَا يَقْبَل مِنْهُمْ إِلَّا ذَلِكَ , وَكُلّ عَهْد كَانَ فِي هَذِهِ السُّورَة وَفِي غَيْرهَا , وَكُلّ صُلْح يُصَالِح بِهِ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ يَتَوَادَعُونَ بِهِ فَإِنَّ بَرَاءَة جَاءَتْ . تَنْسَخ ذَلِكَ , فَأَمَرَ بِقِتَالِهِمْ عَلَى كُلّ حَال حَتَّى يَقُولُوا : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . 12612 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , عَنْ الْحَسَن , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ , قَالَا : { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } نَسَخَتْهَا الْآيَة الَّتِي فِي بَرَاءَة قَوْله : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر } إِلَى قَوْله : { وَهُمْ صَاغِرُونَ } 9 29 . 12613 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } يَقُول : وَإِنْ أَرَادُوا الصُّلْح فَأَرِدهُ . 12614 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } أَيْ إِنْ دَعَوْك إِلَى السَّلْم إِلَى الْإِسْلَام , فَصَالِحْهُمْ عَلَيْهِ . 12615 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } قَالَ : فَصَالِحْهُمْ . قَالَ : وَهَذَا قَدْ نَسَخَهُ الْجِهَاد . فَأَمَّا مَا قَالَهُ قَتَادَة وَمَنْ قَالَ مِثْل قَوْله مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة , فَقَوْل لَا دَلَالَة عَلَيْهِ مِنْ كِتَاب وَلَا سُنَّة وَلَا فِطْرَة عَقْل . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ كِتَابنَا هَذَا وَغَيْره عَلَى أَنَّ النَّاسِخ لَا يَكُون إِلَّا مَا نَفَى حُكْم الْمَنْسُوخ مِنْ كُلّ وَجْه , فَأَمَّا مَا كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَغَيْر كَائِن نَاسِخًا . وَقَوْل اللَّه فِي بَرَاءَة : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } 9 5 غَيْر نَافٍ حُكْمه حُكْم قَوْله . { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } لِأَنَّ قَوْله : { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ } إِنَّمَا عُنِيَ بِهِ بَنُو قُرَيْظَة , وَكَانُوا يَهُودًا أَهْل كِتَاب , وَقَدْ أَذِنَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِصُلْحِ أَهْل الْكِتَاب وَمُتَارَكَتهمْ الْحَرْب عَلَى أَخْذ الْجِزْيَة مِنْهُمْ . وَأَمَّا قَوْله : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } 9 5 فَإِنَّمَا عُنِيَ بِهِ مُشْرِكُو الْعَرَب مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان الَّذِينَ لَا يَجُوز قَبُول الْجِزْيَة مِنْهُمْ , فَلَيْسَ فِي إِحْدَى الْآيَتَيْنِ نَفْي حُكْم الْأُخْرَى , بَلْ كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا مُحْكَمَة فِيمَا أُنْزِلَتْ فِيهِ . 12616 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ } قَالَ : قُرَيْظَة .
وَأَمَّا قَوْله : { وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه } يَقُول : فَوِّضْ إِلَى اللَّه يَا مُحَمَّد أَمْرك , وَاسْتَكْفِهِ وَاثِقًا بِهِ أَنَّهُ يَكْفِيك . كَاَلَّذِي : 12617 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه } إِنَّ اللَّه كَافِيك .
وَقَوْله : { إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم } يَعْنِي بِذَلِكَ : إِنَّ اللَّه الَّذِي تَتَوَكَّل عَلَيْهِ سَمِيع لِمَا تَقُول أَنْتَ , وَمَنْ تُسَالِمهُ وَتُتَارِكهُ الْحَرْب مِنْ أَعْدَاء اللَّه وَأَعْدَائِك عِنْد عَقْد السَّلْم بَيْنك وَبَيْنه , وَيَشْرُط كُلّ فَرِيق مِنْكُمْ عَلَى صَاحِبه مِنْ الشُّرُوط , وَالْعَلِيم بِمَا يُضْمِرهُ كُلّ فَرِيق مِنْكُمْ لِلْفَرِيقِ الْآخَر مِنْ الْوَفَاء بِمَا عَاقَدَهُ عَلَيْهِ , وَمَنْ الْمُضْمِر ذَلِكَ مِنْكُمْ فِي قَلْبه وَالْمُنْطَوِي عَلَى خِلَافه لِصَاحِبِهِ .
وَأَمَّا قَوْله : { وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه } يَقُول : فَوِّضْ إِلَى اللَّه يَا مُحَمَّد أَمْرك , وَاسْتَكْفِهِ وَاثِقًا بِهِ أَنَّهُ يَكْفِيك . كَاَلَّذِي : 12617 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه } إِنَّ اللَّه كَافِيك .
وَقَوْله : { إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم } يَعْنِي بِذَلِكَ : إِنَّ اللَّه الَّذِي تَتَوَكَّل عَلَيْهِ سَمِيع لِمَا تَقُول أَنْتَ , وَمَنْ تُسَالِمهُ وَتُتَارِكهُ الْحَرْب مِنْ أَعْدَاء اللَّه وَأَعْدَائِك عِنْد عَقْد السَّلْم بَيْنك وَبَيْنه , وَيَشْرُط كُلّ فَرِيق مِنْكُمْ عَلَى صَاحِبه مِنْ الشُّرُوط , وَالْعَلِيم بِمَا يُضْمِرهُ كُلّ فَرِيق مِنْكُمْ لِلْفَرِيقِ الْآخَر مِنْ الْوَفَاء بِمَا عَاقَدَهُ عَلَيْهِ , وَمَنْ الْمُضْمِر ذَلِكَ مِنْكُمْ فِي قَلْبه وَالْمُنْطَوِي عَلَى خِلَافه لِصَاحِبِهِ .
وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوك فَإِنَّ حَسْبك اللَّه هُوَ الَّذِي أَيَّدَك بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنْ يُرِدْ يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَمَرْتُك بِأَنْ تَنْبِذ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء , إِنْ خِفْت مِنْهُمْ خِيَانَة , وَبِمُسَالَمَتِهِمْ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ خِدَاعك وَالْمَكْر بِك ; { فَإِنَّ حَسْبك اللَّه } يَقُول : فَإِنَّ اللَّه كَافِيكَهُمْ وَكَافِيك خِدَاعهمْ إِيَّاكَ , لِأَنَّهُ مُتَكَفِّل بِإِظْهَارِ دِينك عَلَى الْأَدْيَان وَمُتَضَمِّن أَنْ يَجْعَل كَلِمَته الْعُلْيَا وَكَلِمَة أَعْدَائِهِ السُّفْلَى . { هُوَ الَّذِي أَيَّدَك بِنَصْرِهِ } يَقُول : اللَّه الَّذِي قَوَّاك بِنَصْرِهِ إِيَّاكَ عَلَى أَعْدَائِهِ , { وَبِالْمُؤْمِنِينَ } يَعْنِي بِالْأَنْصَارِ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12618 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوك } قَالَ : قُرَيْظَة . 12619 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوك فَإِنَّ حَسْبك اللَّه } هُوَ مِنْ وَرَاء ذَلِكَ . 12620 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { هُوَ الَّذِي أَيَّدَك بِنَصْرِهِ } قَالَ : بِالْأَنْصَارِ .
وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبهمْ لَوْ أَنْفَقْت مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا مَا أَلَّفْت بَيْن قُلُوبهمْ وَلَكِنَّ اللَّه أَلَّفَ بَيْنهمْ } يُرِيد جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبهمْ } وَجَمَعَ بَيْن قُلُوب الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج بَعْد التَّفَرُّق وَالتَّشَتُّت عَلَى دِينه الْحَقّ , فَصَيَّرَهُمْ بِهِ جَمِيعًا بَعْد أَنْ كَانُوا أَشْتَاتًا , وَإِخْوَانًا بَعْد أَنْ كَانُوا أَعْدَاء . وَقَوْله : { لَوْ أَنْفَقْت مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا مَا أَلَّفْت بَيْن قُلُوبهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ أَنْفَقْت يَا مُحَمَّد مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا مِنْ ذَهَب وَوَرِق وَعَرَض , مَا جَمَعْت أَنْتَ بَيْن قُلُوبهمْ بِحِيَلِك , وَلَكِنَّ اللَّه جَمَعَهَا عَلَى الْهُدَى , فَائْتَلَفَتْ وَاجْتَمَعَتْ تَقْوِيَة مِنْ اللَّه لَك و تَأْيِيدًا مِنْهُ وَمَعُونَة عَلَى عَدُوّك . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاَلَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ وَسَبَّبَهُ لَك حَتَّى صَارُوا لَك أَعْوَانًا وَأَنْصَارًا وَيَدًا وَاحِدَة عَلَى مَنْ بَغَاك سُوءًا هُوَ الَّذِي إِنْ رَامَ عَدُوّ مِنْك مَرَامًا يَكْفِيك كَيْده وَيَنْصُرك عَلَيْهِ , فَثِقْ بِهِ وَامْضِ لِأَمْرِهِ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12621 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبهمْ } قَالَ : هَؤُلَاءِ الْأَنْصَار أَلَّفَ بَيْن قُلُوبهمْ مِنْ بَعْد حَرْب فِيمَا كَانَ بَيْنهمْ . 12622 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ بَشِير بْن ثَابِت رَجُل مِنْ الْأَنْصَار , أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { لَوْ أَنْفَقْت مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا مَا أَلَّفْت بَيْن قُلُوبهمْ } يَعْنِي الْأَنْصَار . 12623 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبهمْ } عَلَى الْهُدَى الَّذِي بَعَثَك بِهِ إِلَيْهِمْ . { لَوْ أَنْفَقْت مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا مَا أَلَّفْت بَيْن قُلُوبهمْ وَلَكِنَّ اللَّه أَلَّفَ بَيْنهمْ } بِدِينِهِ الَّذِي جَمَعَهُمْ عَلَيْهِ , يَعْنِي الْأَوْس وَالْخَزْرَج . 12624 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ إِبْرَاهِيم الْجَزَرِيّ , عَنْ الْوَلِيد بْن أَبِي مُغِيث , عَنْ مُجَاهِد قَالَ : إِذَا اِلْتَقَى الْمُسْلِمَانِ فَتَصَافَحَا غُفِرَ لَهُمَا . قَالَ : قُلْت لِمُجَاهِدٍ : بِمُصَافَحَةٍ يُغْفَر لَهُمَا ؟ فَقَالَ مُجَاهِد : أَمَا سَمِعْته يَقُول : { لَوْ أَنْفَقْت مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا مَا أَلَّفْت بَيْن قُلُوبهمْ } ؟ فَقَالَ الْوَلِيد لِمُجَاهِدٍ : أَنْتَ أَعْلَم مِنِّي . 12625 - حَدَّثَنَا عَبْد الْكَرِيم بْن أَبِي عُمَيْر , قَالَ : ثني الْوَلِيد , عَنْ أَبِي عَمْرو , قَالَ : ثني عَبْدَة بْن أَبِي لُبَابَة , عَنْ مُجَاهِد , وَلَقِيته وَأَخَذَ بِيَدِي , فَقَالَ : إِذَا تَرَاءَى الْمُتَحَابَّانِ فِي اللَّه فَأَخَذَ أَحَدهمَا بِيَدِ صَاحِبه وَضَحِكَ إِلَيْهِ , تَحَاتَتْ خَطَايَاهُمَا كَمَا يَتَحَاتّ وَرَق الشَّجَر . قَالَ عَبْدَة : فَقُلْت لَهُ : إِنَّ هَذَا لَيَسِير ! قَالَ : لَا تَقُلْ ذَلِكَ , فَإِنَّ اللَّه يَقُول : { لَوْ أَنْفَقْت مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا مَا أَلَّفْت بَيْن قُلُوبهمْ } . قَالَ عَبْدَة : فَعَرَفْت أَنَّهُ أَفْقَه مِنِّي . 12626 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن خَلَف , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا فُضَيْل بْن غَزْوَان , قَالَ : أَتَيْت أَبَا إِسْحَاق , فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَقُلْت : أَتَعْرِفُنِي ؟ فَقَالَ فُضَيْل : نَعَمْ لَوْلَا الْحَيَاء مِنْك لَقَبَّلْتُك . 12627 - حَدَّثَنِي أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الْمُتَحَابِّينَ فِي اللَّه : { لَوْ أَنْفَقْت مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا مَا أَلَّفْت بَيْن قُلُوبهمْ } . 12628 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عَوْن , عَنْ عُمَيْر بْن إِسْحَاق , قَالَ : كُنَّا نَتَحَدَّث أَنَّ أَوَّل مَا يُرْفَع مِنْ النَّاس - أَوْ قَالَ عَنْ النَّاس - الْأُلْفَة . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثَنَا أَيُّوب بْن سُوَيْد , عَنْ الْأَوْزَاعِيّ , قَالَ : ثَنِي عَبْدَة بْن أَبَى لُبَابَة , عَنْ مُجَاهِد , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث عَبْد الْكَرِيم , عَنْ الْوَلِيد . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة وَابْن نُمَيْر وَحَفْص بْن غِيَاث , عَنْ فُضَيْل بْن غَزْوَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه يَقُول : { لَوْ أَنْفَقْت مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا مَا أَلَّفْت بَيْن قُلُوبهمْ } الْآيَة , قَالَ : هُمْ الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّه .
يَقُول : إِنَّ اللَّه الَّذِي أَلَّفَ بَيْن قُلُوب الْأَوْس وَالْخَزْرَج بَعْد تَشَتُّت كَلِمَتهمَا وَتَعَادِيهمَا وَجَعَلَهُمْ لَك أَنْصَارًا ; عَزِيز لَا يَقْهَرهُ شَيْء وَلَا يَرُدّ قَضَاءَهُ رَادّ , وَلَكِنَّهُ يَنْفُذ فِي خَلْقه حُكْمه . يَقُول : فَعَلَيْهِ فَتَوَكَّلْ , وَبِهِ فَثِقْ , { حَكِيم } فِي تَدْبِير خَلْقه .
يَقُول : إِنَّ اللَّه الَّذِي أَلَّفَ بَيْن قُلُوب الْأَوْس وَالْخَزْرَج بَعْد تَشَتُّت كَلِمَتهمَا وَتَعَادِيهمَا وَجَعَلَهُمْ لَك أَنْصَارًا ; عَزِيز لَا يَقْهَرهُ شَيْء وَلَا يَرُدّ قَضَاءَهُ رَادّ , وَلَكِنَّهُ يَنْفُذ فِي خَلْقه حُكْمه . يَقُول : فَعَلَيْهِ فَتَوَكَّلْ , وَبِهِ فَثِقْ , { حَكِيم } فِي تَدْبِير خَلْقه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ حَسْبك اللَّه وَمَنْ اِتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَيّهَا النَّبِيّ حَسْبك اللَّه , وَحَسْب مَنْ اِتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اللَّه . يَقُول لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : نَاهِضُوا عَدُوّكُمْ , فَإِنَّ اللَّه كَافِيكُمْ أَمْرهمْ , وَلَا يَهُولَنكُمْ كَثْرَة عَدَدهمْ وَقِلَّة عَدَدكُمْ , فَإِنَّ اللَّه مُؤَيِّدكُمْ بِنَصْرِهِ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12629 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا مُؤَمَّل بْن إِسْمَاعِيل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ شَوْذَب بْن مُعَاذ , عَنْ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ حَسْبك اللَّه وَمَنْ اِتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : حَسْبك اللَّه وَحَسْب مَنْ اِتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اللَّه . * - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن عُثْمَان بْن حَكِيم الْأَوْدِيّ , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَان , عَنْ شَوْذَب , عَنْ الشَّعْبِيّ , فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ حَسْبك اللَّه وَمَنْ اِتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : حَسْبك اللَّه وَحَسْب مَنْ مَعَك . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ سُفْيَان , عَنْ شَوْذَب , عَنْ عَامِر , بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : حَسْبك اللَّه وَحَسْب مَنْ شَهِدَ مَعَك . 12630 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , عَنْ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ حَسْبك اللَّه وَمَنْ اِتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : يَا أَيّهَا النَّبِيّ حَسْبك اللَّه وَحَسْب مَنْ اِتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ , إِنَّ حَسْبك أَنْتَ وَهُمْ اللَّه . ف " مَنْ " قَوْله : { وَمَنْ اِتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } عَلَى هَذَا التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ الشَّعْبِيّ نُصِبَ عَطْفًا عَلَى مَعْنَى الْكَاف فِي قَوْله : { حَسْبك اللَّه } لَا عَلَى لَفْظه , لِأَنَّهَا فِي مَحَلّ خَفْض فِي الظَّاهِر وَفِي مَحَلّ نَصْب فِي الْمَعْنَى , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : يَكْفِيك اللَّه , وَيَكْفِي مَنْ اِتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . وَقَدْ قَالَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي " مَنْ " : إِنَّهَا فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى الْعَطْف عَلَى اِسْم اللَّه , كَأَنَّهُ قَالَ : حَسْبك اللَّه وَمُتَّبِعُوك إِلَى جِهَاد الْعَدُوّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ دُون الْقَاعِدِينَ عَنْك مِنْهُمْ . وَاسْتُشْهِدَ عَلَى صِحَّة قَوْله ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَال } .
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَال } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَال } حُثَّ مُتَّبِعِيك وَمُصَدِّقِيك عَلَى مَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ الْحَقّ عَلَى قِتَال مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى عَنْ الْحَقّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ .
{ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ } رَجُلًا { صَابِرُونَ } عِنْد لِقَاء الْعَدُوّ , يَحْتَسِبُونَ أَنْفُسهمْ وَيَثْبُتُونَ لِعَدُوِّهِمْ ; { يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } مِنْ عَدُوّهُمْ وَيَقْهَرُوهُمْ . { وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة } عِنْد ذَلِكَ { يَغْلِبُوا } مِنْهُمْ { أَلْفًا } . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12631 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن مُحَبَّب , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ عَطَاء فِي قَوْله : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } قَالَ : كَانَ الْوَاحِد لِعَشَرَةٍ , ثُمَّ جُعِلَ الْوَاحِد بِاثْنَيْنِ ; لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفِرّ مِنْهُمَا . 12632 - حَدَّثَنَا سَعِيد بْن يَحْيَى , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : جَعَلَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى الرَّجُل عَشَرَة مِنْ الْكُفَّار , فَقَالَ : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } فَخَفَّفَ ذَلِكَ عَنْهُمْ , فَجَعَلَ عَلَى الرَّجُل رَجُلَانِ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَمَا أُحِبّ أَنْ يَعْلَم النَّاس تَخْفِيف ذَلِكَ عَنْهُمْ . 12633 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , ثني عَبْد اللَّه بْن أَبِي نَجِيح الْمَكِّيّ , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة ثَقُلَتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَعْظَمُوا أَنْ يُقَاتِل عِشْرُونَ مِائَتَيْنِ وَمِائَة أَلْفًا , فَخَفَّفَ اللَّه عَنْهُمْ , فَنَسَخَهَا بِالْآيَةِ الْأُخْرَى فَقَالَ : { الْآن خَفَّفَ اللَّه عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة صَابِرَة يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْف يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ } قَالَ : وَكَانُوا إِذَا كَانُوا عَلَى الشَّطْر مِنْ عَدُوّهُمْ لَمْ يَنْبَغِ لَهُمْ أَنْ يَفِرُّوا مِنْهُمْ , وَإِنْ كَانُوا دُون ذَلِكَ لَمْ يَجِب عَلَيْهِمْ أَنْ يُقَاتِلُوا , وَجَازَ لَهُمْ أَنْ يَتَحَوَّزُوا عَنْهُمْ . 12634 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } قَالَ : كَانَ لِكُلِّ رَجُل مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَشَرَة لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفِرّ مِنْهُمْ , فَكَانُوا كَذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّه : { الْآن خَفَّفَ اللَّه عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا } { فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة صَابِرَة يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } فَعَبَّأَ لِكُلِّ رَجُل مِنْ الْمُسْلِمِينَ رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , فَنَسَخَ الْأَمْر الْأَوَّل . وَقَالَ مَرَّة أُخْرَى فِي قَوْله : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } فَأَمَرَ اللَّه الرَّجُل مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُقَاتِل عَشَرَة مِنْ الْكُفَّار , فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَرَحِمَهُمْ اللَّه , فَقَالَ : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة صَابِرَة يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْف يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّه وَاَللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } فَأَمَرَ اللَّه الرَّجُل مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُقَاتِل رَجُلَيْنِ مِنْ الْكُفَّار . 12635 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَال } إِلَى قَوْله : { بِأَنَّهُمْ قَوْم لَا يَفْقَهُونَ } وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ جَعَلَ عَلَى كُلّ رَجُل مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَشَرَة مِنْ الْعَدُوّ يُؤَشِّبهُمْ , يَعْنِي يُغْرِيهِمْ بِذَلِكَ لِيُوَطِّنُوا أَنْفُسهمْ عَلَى الْغَزْو , وَإِنَّ اللَّه نَاصِرهمْ عَلَى الْعَدُوّ , وَلَمْ يَكُنْ أَمْرًا عَزَمَهُ اللَّه عَلَيْهِمْ وَلَا أَوْجَبَهُ , وَلَكِنْ كَانَ تَحْرِيضًا وَوَصِيَّة أَمَرَ اللَّه بِهَا نَبِيّه . ثُمَّ خَفَّفَ عَنْهُمْ فَقَالَ : { الْآن خَفَّفَ اللَّه عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا } فَجَعَلَ عَلَى كُلّ رَجُل رَجُلَيْنِ بَعْد ذَلِكَ تَخْفِيفًا , لِيَعْلَم الْمُؤْمِنُونَ أَنَّ اللَّه بِهِمْ رَحِيم , فَتَوَكَّلُوا عَلَى اللَّه وَصَبَرُوا وَصَدَقُوا , وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِمْ وَاجِبًا الْغَزْو إِذَنْ بَعْد كُلّ رَجُل مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَمَّنْ لَقِيَ مِنْ الْكُفَّار إِذَا كَانُوا أَكْثَر مِنْهُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوهُمْ . فَلَا يَغُرَّنك قَوْل رِجَال , فَإِنِّي قَدْ سَمِعْت رِجَالًا يَقُولُونَ : إِنَّهُ لَا يَصْلُح لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُقَاتِل حَتَّى يَكُون عَلَى كُلّ رَجُل رَجُلَانِ , وَحَتَّى يَكُون عَلَى كُلّ رَجُلَيْنِ أَرْبَعَة , ثُمَّ بِحِسَابِ ذَلِكَ , وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ يَعْصُونَ اللَّه إِنْ قَاتَلُوا حَتَّى يَبْلُغُوا عِدَّة ذَلِكَ , وَإِنَّهُ لَا حَرَج عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُقَاتِلُوا حَتَّى يَبْلُغُوا عِدَّة أَنْ يَكُون عَلَى كُلّ رَجُل رَجُلَانِ , وَعَلَى كُلّ رَجُلَيْنِ أَرْبَعَة , وَقَدْ قَالَ اللَّه : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسه اِبْتِغَاء مَرْضَات اللَّه وَاَللَّه رَءُوف بِالْعِبَادِ } 2 207 وَقَالَ اللَّه : { فَقَاتِلْ فِي سَبِيل اللَّه لَا تُكَلَّف إِلَّا نَفْسك وَحَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ } 4 84 فَهُوَ التَّحْرِيض الَّذِي أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ فِي الْأَنْفَال , فَلَا يُعْجِزك قَائِل : قَدْ سَقَطْت بَيْن ظَهْرَيْ أُنَاس كَمَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَكُونُوا . 12636 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , عَنْ الْحُصَيْن , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة وَالْحَسَن قَالَا : قَالَ فِي سُورَة الْأَنْفَال : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْم لَا يَفْقَهُونَ } ثُمَّ نُسِخَ فَقَالَ : { الْآن خَفَّفَ اللَّه عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا } إِلَى قَوْله : { وَاَللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } . 12637 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ } قَالَ : وَاحِد مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَعَشَرَة مِنْ الْمُشْرِكِينَ , ثُمَّ خَفَّفَ عَنْهُمْ فَجَعَلَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرّ رَجُل مِنْ رَجُلَيْنِ . 12638 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ } إِلَى قَوْله : { وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة } قَالَ : هَذَا لِأَصْحَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بَدْر , جَعَلَ عَلَى الرَّجُل مِنْهُمْ عَشَرَة مِنْ الْكُفَّار , فَضَجُّوا مِنْ ذَلِكَ , فَجَعَلَ عَلَى الرَّجُل رَجُلَيْنِ تَخْفِيفًا مِنْ اللَّه . 12639 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن يَزِيد , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار وَأَبِي مَعْبَد عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : إِنَّمَا أُمِرَ الرَّجُل أَنْ يَصْبِر نَفْسه لِعَشَرَةٍ , وَالْعَشَرَة لِمِائَة إِذْ الْمُسْلِمُونَ قَلِيل ; فَلَمَّا كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ خَفَّفَ اللَّه عَنْهُمْ , فَأُمِرَ الرَّجُل أَنْ يَصْبِر لِرَجُلَيْنِ , وَالْعَشَرَة لِلْعِشْرِينَ , وَالْمِائَة لِلْمِائَتَيْنِ . 12640 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } قَالَ : كَانَ فُرِضَ عَلَيْهِمْ إِذَا لَقِيَ عِشْرُونَ مِائَتَيْنِ أَنْ لَا يَفِرُّوا فَإِنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَفِرُّوا غَلَبُوا , ثُمَّ خَفَّفَ اللَّه عَنْهُمْ وَقَالَ : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة صَابِرَة يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْف يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ } فَيَقُول : لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفِرّ أَلْف مِنْ أَلْفَيْنِ , فَإِنَّهُمْ إِنْ صَبَرُوا لَهُمْ غَلَبُوهُمْ . 12641 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { الْآن خَفَّفَ اللَّه عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة صَابِرَة يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْف يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ } جَعَلَ اللَّه عَلَى كُلّ رَجُل رَجُلَيْنِ بَعْدَمَا كَانَ عَلَى كُلّ رَجُل عَشَرَة . وَهَذَا الْحَدِيث عَنْ اِبْن عَبَّاس . 12642 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ جَرِير بْن حَازِم , عَنْ الزُّبَيْر بْن الْخِرِّيت , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : كَانَ فُرِضَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُقَاتِل الرَّجُل مِنْهُمْ عَشَرَة مِنْ الْمُشْرِكِينَ , قَوْله : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة يَغْلِبُوا أَلْفًا } فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , فَأَنْزَلَ اللَّه التَّخْفِيف , فَجَعَلَ عَلَى الرَّجُل أَنْ يُقَاتِل الرَّجُلَيْنِ , قَوْله : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة صَابِرَة يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } فَخَفَّفَ اللَّه عَنْهُمْ , وَنَقَصُوا مِنْ الصَّبْر بِقَدْرِ ذَلِكَ . 12643 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } يَقُول : يُقَاتِلُوا مِائَتَيْنِ , فَكَانُوا أَضْعَف مِنْ ذَلِكَ , فَنَسَخَهَا اللَّه عَنْهُمْ , فَخَفَّفَ فَقَالَ : { فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة صَابِرَة يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } فَحَمَلَ أَوَّل مَرَّة الرَّجُل لِعَشَرَةٍ , ثُمَّ جَعَلَ الرَّجُل لِاثْنَيْنِ . 12644 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } قَالَ : كَانَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ إِذَا لَقِيَ عِشْرُونَ مِائَتَيْنِ أَنْ لَا يَفِرُّوا , فَإِنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَفِرُّوا غَلَبُوا , ثُمَّ خَفَّفَ اللَّه عَنْهُمْ فَقَالَ : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة صَابِرَة يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْف يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّه } فَيَقُول : لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفِرّ أَلْف مِنْ أَلْفَيْنِ , فَإِنَّهُمْ إِنْ صَبَرُوا لَهُمْ غَلَبُوهُمْ . 12645 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : كَانَ هَذَا وَاجِبًا أَنْ لَا يَفِرّ وَاحِد مِنْ عَشَرَة . 12646 - وَبِهِ قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ لَيْث , عَنْ عَطَاء , مِثْل ذَلِكَ .
يَقُول : مِنْ أَجْل أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَوْم يُقَاتِلُونَ عَلَى غَيْر رَجَاء ثَوَاب وَلَا لِطَلَبِ أَجْر وَلَا اِحْتِسَاب ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَفْقَهُوا أَنَّ اللَّه مُوجِب لِمَنْ قَاتَلَ اِحْتِسَابًا وَطَلَب مَوْعُود اللَّه فِي الْمَعَاد مَا وَعَدَ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيله , فَهُمْ لَا يَثْبُتُونَ إِذَا صَدَقُوا فِي اللِّقَاء خَشْيَة أَنْ يُقْتَلُوا فَتَذْهَب دُنْيَاهُمْ . وَكَانَ اِبْن إِسْحَاق يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 12647 - حَدَّثَنَا بِهِ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { بِأَنَّهُمْ قَوْم لَا يَفْقَهُونَ } أَيْ لَا يُقَاتِلُونَ عَلَى نِيَّة , وَلَا حَقّ فِيهِ , وَلَا مَعْرِفَة لِخَيْرٍ وَلَا شَرّ .
{ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ } رَجُلًا { صَابِرُونَ } عِنْد لِقَاء الْعَدُوّ , يَحْتَسِبُونَ أَنْفُسهمْ وَيَثْبُتُونَ لِعَدُوِّهِمْ ; { يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } مِنْ عَدُوّهُمْ وَيَقْهَرُوهُمْ . { وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة } عِنْد ذَلِكَ { يَغْلِبُوا } مِنْهُمْ { أَلْفًا } . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12631 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن مُحَبَّب , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ عَطَاء فِي قَوْله : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } قَالَ : كَانَ الْوَاحِد لِعَشَرَةٍ , ثُمَّ جُعِلَ الْوَاحِد بِاثْنَيْنِ ; لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفِرّ مِنْهُمَا . 12632 - حَدَّثَنَا سَعِيد بْن يَحْيَى , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : جَعَلَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى الرَّجُل عَشَرَة مِنْ الْكُفَّار , فَقَالَ : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } فَخَفَّفَ ذَلِكَ عَنْهُمْ , فَجَعَلَ عَلَى الرَّجُل رَجُلَانِ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَمَا أُحِبّ أَنْ يَعْلَم النَّاس تَخْفِيف ذَلِكَ عَنْهُمْ . 12633 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , ثني عَبْد اللَّه بْن أَبِي نَجِيح الْمَكِّيّ , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة ثَقُلَتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَعْظَمُوا أَنْ يُقَاتِل عِشْرُونَ مِائَتَيْنِ وَمِائَة أَلْفًا , فَخَفَّفَ اللَّه عَنْهُمْ , فَنَسَخَهَا بِالْآيَةِ الْأُخْرَى فَقَالَ : { الْآن خَفَّفَ اللَّه عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة صَابِرَة يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْف يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ } قَالَ : وَكَانُوا إِذَا كَانُوا عَلَى الشَّطْر مِنْ عَدُوّهُمْ لَمْ يَنْبَغِ لَهُمْ أَنْ يَفِرُّوا مِنْهُمْ , وَإِنْ كَانُوا دُون ذَلِكَ لَمْ يَجِب عَلَيْهِمْ أَنْ يُقَاتِلُوا , وَجَازَ لَهُمْ أَنْ يَتَحَوَّزُوا عَنْهُمْ . 12634 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } قَالَ : كَانَ لِكُلِّ رَجُل مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَشَرَة لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفِرّ مِنْهُمْ , فَكَانُوا كَذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّه : { الْآن خَفَّفَ اللَّه عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا } { فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة صَابِرَة يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } فَعَبَّأَ لِكُلِّ رَجُل مِنْ الْمُسْلِمِينَ رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , فَنَسَخَ الْأَمْر الْأَوَّل . وَقَالَ مَرَّة أُخْرَى فِي قَوْله : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } فَأَمَرَ اللَّه الرَّجُل مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُقَاتِل عَشَرَة مِنْ الْكُفَّار , فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَرَحِمَهُمْ اللَّه , فَقَالَ : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة صَابِرَة يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْف يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّه وَاَللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } فَأَمَرَ اللَّه الرَّجُل مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُقَاتِل رَجُلَيْنِ مِنْ الْكُفَّار . 12635 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَال } إِلَى قَوْله : { بِأَنَّهُمْ قَوْم لَا يَفْقَهُونَ } وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ جَعَلَ عَلَى كُلّ رَجُل مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَشَرَة مِنْ الْعَدُوّ يُؤَشِّبهُمْ , يَعْنِي يُغْرِيهِمْ بِذَلِكَ لِيُوَطِّنُوا أَنْفُسهمْ عَلَى الْغَزْو , وَإِنَّ اللَّه نَاصِرهمْ عَلَى الْعَدُوّ , وَلَمْ يَكُنْ أَمْرًا عَزَمَهُ اللَّه عَلَيْهِمْ وَلَا أَوْجَبَهُ , وَلَكِنْ كَانَ تَحْرِيضًا وَوَصِيَّة أَمَرَ اللَّه بِهَا نَبِيّه . ثُمَّ خَفَّفَ عَنْهُمْ فَقَالَ : { الْآن خَفَّفَ اللَّه عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا } فَجَعَلَ عَلَى كُلّ رَجُل رَجُلَيْنِ بَعْد ذَلِكَ تَخْفِيفًا , لِيَعْلَم الْمُؤْمِنُونَ أَنَّ اللَّه بِهِمْ رَحِيم , فَتَوَكَّلُوا عَلَى اللَّه وَصَبَرُوا وَصَدَقُوا , وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِمْ وَاجِبًا الْغَزْو إِذَنْ بَعْد كُلّ رَجُل مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَمَّنْ لَقِيَ مِنْ الْكُفَّار إِذَا كَانُوا أَكْثَر مِنْهُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوهُمْ . فَلَا يَغُرَّنك قَوْل رِجَال , فَإِنِّي قَدْ سَمِعْت رِجَالًا يَقُولُونَ : إِنَّهُ لَا يَصْلُح لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُقَاتِل حَتَّى يَكُون عَلَى كُلّ رَجُل رَجُلَانِ , وَحَتَّى يَكُون عَلَى كُلّ رَجُلَيْنِ أَرْبَعَة , ثُمَّ بِحِسَابِ ذَلِكَ , وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ يَعْصُونَ اللَّه إِنْ قَاتَلُوا حَتَّى يَبْلُغُوا عِدَّة ذَلِكَ , وَإِنَّهُ لَا حَرَج عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُقَاتِلُوا حَتَّى يَبْلُغُوا عِدَّة أَنْ يَكُون عَلَى كُلّ رَجُل رَجُلَانِ , وَعَلَى كُلّ رَجُلَيْنِ أَرْبَعَة , وَقَدْ قَالَ اللَّه : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسه اِبْتِغَاء مَرْضَات اللَّه وَاَللَّه رَءُوف بِالْعِبَادِ } 2 207 وَقَالَ اللَّه : { فَقَاتِلْ فِي سَبِيل اللَّه لَا تُكَلَّف إِلَّا نَفْسك وَحَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ } 4 84 فَهُوَ التَّحْرِيض الَّذِي أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ فِي الْأَنْفَال , فَلَا يُعْجِزك قَائِل : قَدْ سَقَطْت بَيْن ظَهْرَيْ أُنَاس كَمَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَكُونُوا . 12636 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , عَنْ الْحُصَيْن , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة وَالْحَسَن قَالَا : قَالَ فِي سُورَة الْأَنْفَال : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْم لَا يَفْقَهُونَ } ثُمَّ نُسِخَ فَقَالَ : { الْآن خَفَّفَ اللَّه عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا } إِلَى قَوْله : { وَاَللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } . 12637 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ } قَالَ : وَاحِد مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَعَشَرَة مِنْ الْمُشْرِكِينَ , ثُمَّ خَفَّفَ عَنْهُمْ فَجَعَلَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرّ رَجُل مِنْ رَجُلَيْنِ . 12638 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ } إِلَى قَوْله : { وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة } قَالَ : هَذَا لِأَصْحَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بَدْر , جَعَلَ عَلَى الرَّجُل مِنْهُمْ عَشَرَة مِنْ الْكُفَّار , فَضَجُّوا مِنْ ذَلِكَ , فَجَعَلَ عَلَى الرَّجُل رَجُلَيْنِ تَخْفِيفًا مِنْ اللَّه . 12639 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن يَزِيد , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار وَأَبِي مَعْبَد عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : إِنَّمَا أُمِرَ الرَّجُل أَنْ يَصْبِر نَفْسه لِعَشَرَةٍ , وَالْعَشَرَة لِمِائَة إِذْ الْمُسْلِمُونَ قَلِيل ; فَلَمَّا كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ خَفَّفَ اللَّه عَنْهُمْ , فَأُمِرَ الرَّجُل أَنْ يَصْبِر لِرَجُلَيْنِ , وَالْعَشَرَة لِلْعِشْرِينَ , وَالْمِائَة لِلْمِائَتَيْنِ . 12640 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } قَالَ : كَانَ فُرِضَ عَلَيْهِمْ إِذَا لَقِيَ عِشْرُونَ مِائَتَيْنِ أَنْ لَا يَفِرُّوا فَإِنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَفِرُّوا غَلَبُوا , ثُمَّ خَفَّفَ اللَّه عَنْهُمْ وَقَالَ : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة صَابِرَة يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْف يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ } فَيَقُول : لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفِرّ أَلْف مِنْ أَلْفَيْنِ , فَإِنَّهُمْ إِنْ صَبَرُوا لَهُمْ غَلَبُوهُمْ . 12641 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { الْآن خَفَّفَ اللَّه عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة صَابِرَة يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْف يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ } جَعَلَ اللَّه عَلَى كُلّ رَجُل رَجُلَيْنِ بَعْدَمَا كَانَ عَلَى كُلّ رَجُل عَشَرَة . وَهَذَا الْحَدِيث عَنْ اِبْن عَبَّاس . 12642 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ جَرِير بْن حَازِم , عَنْ الزُّبَيْر بْن الْخِرِّيت , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : كَانَ فُرِضَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُقَاتِل الرَّجُل مِنْهُمْ عَشَرَة مِنْ الْمُشْرِكِينَ , قَوْله : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة يَغْلِبُوا أَلْفًا } فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , فَأَنْزَلَ اللَّه التَّخْفِيف , فَجَعَلَ عَلَى الرَّجُل أَنْ يُقَاتِل الرَّجُلَيْنِ , قَوْله : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة صَابِرَة يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } فَخَفَّفَ اللَّه عَنْهُمْ , وَنَقَصُوا مِنْ الصَّبْر بِقَدْرِ ذَلِكَ . 12643 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } يَقُول : يُقَاتِلُوا مِائَتَيْنِ , فَكَانُوا أَضْعَف مِنْ ذَلِكَ , فَنَسَخَهَا اللَّه عَنْهُمْ , فَخَفَّفَ فَقَالَ : { فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة صَابِرَة يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } فَحَمَلَ أَوَّل مَرَّة الرَّجُل لِعَشَرَةٍ , ثُمَّ جَعَلَ الرَّجُل لِاثْنَيْنِ . 12644 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } قَالَ : كَانَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ إِذَا لَقِيَ عِشْرُونَ مِائَتَيْنِ أَنْ لَا يَفِرُّوا , فَإِنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَفِرُّوا غَلَبُوا , ثُمَّ خَفَّفَ اللَّه عَنْهُمْ فَقَالَ : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة صَابِرَة يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْف يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّه } فَيَقُول : لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفِرّ أَلْف مِنْ أَلْفَيْنِ , فَإِنَّهُمْ إِنْ صَبَرُوا لَهُمْ غَلَبُوهُمْ . 12645 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : كَانَ هَذَا وَاجِبًا أَنْ لَا يَفِرّ وَاحِد مِنْ عَشَرَة . 12646 - وَبِهِ قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ لَيْث , عَنْ عَطَاء , مِثْل ذَلِكَ .
يَقُول : مِنْ أَجْل أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَوْم يُقَاتِلُونَ عَلَى غَيْر رَجَاء ثَوَاب وَلَا لِطَلَبِ أَجْر وَلَا اِحْتِسَاب ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَفْقَهُوا أَنَّ اللَّه مُوجِب لِمَنْ قَاتَلَ اِحْتِسَابًا وَطَلَب مَوْعُود اللَّه فِي الْمَعَاد مَا وَعَدَ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيله , فَهُمْ لَا يَثْبُتُونَ إِذَا صَدَقُوا فِي اللِّقَاء خَشْيَة أَنْ يُقْتَلُوا فَتَذْهَب دُنْيَاهُمْ . وَكَانَ اِبْن إِسْحَاق يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 12647 - حَدَّثَنَا بِهِ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { بِأَنَّهُمْ قَوْم لَا يَفْقَهُونَ } أَيْ لَا يُقَاتِلُونَ عَلَى نِيَّة , وَلَا حَقّ فِيهِ , وَلَا مَعْرِفَة لِخَيْرٍ وَلَا شَرّ .
الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ↓
ثُمَّ خَفَّفَ تَعَالَى ذِكْره عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ عَلِمَ ضَعْفهمْ فَقَالَ لَهُمْ : { الْآن خَفَّفَ اللَّه عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا } يَعْنِي أَنَّ فِي الْوَاحِد مِنْهُمْ عَنْ لِقَاء الْعَشَرَة مِنْ عَدُوّهُمْ ضَعْفًا , { فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة صَابِرَة } عِنْد لِقَائِهِمْ لِلثَّبَاتِ لَهُمْ , { يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } مِنْهُمْ , { وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْف يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ } مِنْهُمْ { بِإِذْنِ اللَّه } يَعْنِي بِتَخْلِيَةِ اللَّه إِيَّاهُمْ لِغَلَبَتِهِمْ وَمَعُونَته إِيَّاهُمْ . وَهَذِهِ الْآيَة , أَعْنِي قَوْله : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } وَإِنْ كَانَ مَخْرَجهَا مَخْرَج الْخَبَر , فَإِنَّ مَعْنَاهَا الْأَمْر , يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله : { الْآن خَفَّفَ اللَّه عَنْكُمْ } فَلَمْ يَكُنْ التَّخْفِيف إِلَّا بَعْد التَّثْقِيل , وَلَوْ كَانَ ثُبُوت الْعَشَرَة مِنْهُمْ لِلْمِائَةِ مِنْ عَدُوّهُمْ كَانَ غَيْر فَرْض عَلَيْهِمْ قَبْل التَّخْفِيف وَكَانَ نَدْبًا لَمْ يَكُنْ لِلتَّخْفِيفِ وَجْه ; لِأَنَّ التَّخْفِيف إِنَّمَا هُوَ تَرْخِيص فِي تَرْك الْوَاحِد مِنْ الْمُسْلِمِينَ الثُّبُوت لِلْعَشَرَةِ مِنْ الْعَدُوّ , وَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَّشْدِيد قَدْ كَانَ لَهُ مُتَقَدِّمًا لَمْ يَكُنْ لِلتَّرْخِيصِ وَجْه , إِذْ كَانَ الْمَفْهُوم مِنْ التَّرْخِيص إِنَّمَا هُوَ بَعْد التَّشْدِيد . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَعْلُوم أَنَّ حُكْم قَوْله : { الْآن خَفَّفَ اللَّه عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا } نَاسِخ لِحُكْمِ قَوْله : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا } , وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابنَا " لَطِيف الْبَيَان عَنْ أُصُول الْأَحْكَام " أَنَّ كُلّ خَبَر مِنْ اللَّه وَعَدَ فِيهِ عِبَاده عَلَى عَمَل ثَوَابًا وَجَزَاء , وَعَلَى تَرْكه عِقَابًا وَعَذَابًا , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَارِجًا ظَاهِره مَخْرَج الْأَمْر , فَفِي مَعْنَى الْأَمْر بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا } فَقَرَأَهُ بَعْض الْمَدَنِيِّينَ وَبَعْض الْبَصْرِيِّينَ : " وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضُعْفًا " بِضَمِّ الضَّاد فِي جَمِيع الْقُرْآن وَتَنْوِينَ الضُّعْف عَلَى الْمَصْدَر مِنْ ضَعُفَ الرَّجُل ضُعْفًا . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا } بِفَتْحِ الضَّاد عَلَى الْمَصْدَر أَيْضًا مِنْ ضَعْف . وَقَرَأَهُ بَعْض الْمَدَنِيِّينَ : " ضُعَفَاء " عَلَى تَقْدِير فُعَلَاء , جَمْع ضَعِيف عَلَى ضُعَفَاء كَمَا يُجْمَع الشَّرِيك شُرَكَاء وَالرَّحِيم رُحَمَاء . وَأَوْلَى الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ : " وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا " و " ضُعْفًا " , بِفَتْحِ الضَّاد أَوْ ضَمّهَا , لِأَنَّهُمَا الْقِرَاءَتَانِ الْمَعْرُوفَتَانِ , وَهُمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي كَلَام الْعَرَب فَصَيْحَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَهُوَ مُصِيب الصَّوَاب . فَأَمَّا قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : " ضُعَفَاء " فَإِنَّهَا عَنْ قِرَاءَة الْقُرَّاء شَاذَّة , وَإِنْ كَانَ لَهَا فِي الصِّحَّة مَخْرَج , فَلَا أُحِبّ لِقَارِئِ الْقِرَاءَة بِهَا .
{ وَاَللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } لِعَدُوِّهِمْ وَعَدُوّ اللَّه , اِحْتِسَابًا فِي صَبْره وَطَلَبًا لِجَزِيلِ الثَّوَاب مِنْ رَبّه , بِالْعَوْنِ مِنْهُ لَهُ وَالنَّصْر عَلَيْهِ .
{ وَاَللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } لِعَدُوِّهِمْ وَعَدُوّ اللَّه , اِحْتِسَابًا فِي صَبْره وَطَلَبًا لِجَزِيلِ الثَّوَاب مِنْ رَبّه , بِالْعَوْنِ مِنْهُ لَهُ وَالنَّصْر عَلَيْهِ .
مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُون لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِن فِي الْأَرْض تُرِيدُونَ عَرَض الدُّنْيَا وَاَللَّه يُرِيد الْآخِرَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَحْتَبِس كَافِرًا قَدْر عَلَيْهِ وَصَارَ فِي يَده مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان لِلْفِدَاءِ أَوْ لِلْمَنِّ . وَالْأَسْر فِي كَلَام الْعَرَب : الْحَبْس , يُقَال مِنْهُ : مَأْسُور , يُرَاد بِهِ : مَحْبُوس , وَمَسْمُوع مِنْهُمْ : أَنَالهُ لِلَّهِ أَسْرًا . وَإِنَّمَا قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَرِّفهُ أَنَّ قَتْل الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَسَرَهُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بَدْر ثُمَّ فَادَى بِهِمْ كَانَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ أَخْذ الْفِدْيَة مِنْهُمْ وَإِطْلَاقهمْ . وَقَوْله : { حَتَّى يُثْخِن فِي الْأَرْض } يَقُول : حَتَّى يُبَالِغ فِي قَتْل الْمُشْرِكِينَ فِيهَا , وَيَقْهَرهُمْ غَلَبَة وَقَسْرًا , يُقَال مِنْهُ : أَثْخَنَ فُلَان فِي هَذَا الْأَمْر إِذَا بَالَغَ فِيهِ , وَحُكِيَ أَثْخَنْته مَعْرِفَة , بِمَعْنَى : قَتَلْته مَعْرِفَة . { تُرِيدُونَ عَرَض الدُّنْيَا } يَقُول لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تُرِيدُونَ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَرَض الدُّنْيَا بِأَسْرِكُمْ الْمُشْرِكِينَ , وَهُوَ مَا عَرَضَ لِلْمَرْءِ مِنْهَا مِنْ مَال وَمَتَاع , يَقُول : تُرِيدُونَ بِأَخْذِكُمْ الْفِدَاء مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَتَاع الدُّنْيَا وَطَعْمهَا . { وَاَللَّه يُرِيد الْآخِرَة } يَقُول : وَاَللَّه يُرِيد لَكُمْ زِينَة الْآخِرَة , وَمَا أَعَدَّ لِلْمُؤْمِنِينَ وَأَهْل وِلَايَته فِي جَنَّاته بِقَتْلِكُمْ إِيَّاهُمْ وَإِثْخَانكُمْ فِي الْأَرْض , يَقُول لَهُمْ : وَاطْلُبُوا مَا يُرِيد اللَّه لَكُمْ وَلَهُ اِعْمَلُوا لَا مَا تَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ أَهْوَاء أَنْفُسكُمْ مِنْ الرَّغْبَة فِي الدُّنْيَا وَأَسْبَابهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12648 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُون لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِن فِي الْأَرْض } وَذَلِكَ يَوْم بَدْر وَالْمُسْلِمُونَ يَوْمئِذٍ قَلِيل ; فَلَمَّا كَثُرُوا وَاشْتَدَّ سُلْطَانهمْ , أَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَعْد هَذَا فِي الْأُسَارَى : { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء } 47 4 فَجَعَلَ اللَّه النَّبِيّ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي أَمْر الْأُسَارَى بِالْخِيَارِ , إِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُمْ وَإِنْ شَاءُوا اِسْتَعْبَدُوهُمْ وَإِنْ شَاءُوا فَادَوْهُمْ . 12649 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُون لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِن فِي الْأَرْض تُرِيدُونَ عَرَض الدُّنْيَا } الْآيَة , قَالَ : أَرَادَ أَصْحَاب نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بَدْر الْفِدَاء , فَفَادَوْهُمْ بِأَرْبَعَةِ آلَاف , وَلَعَمْرِي مَا كَانَ أَثْخَنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ ! وَكَانَ أَوَّل قِتَال قَاتَلَهُ الْمُشْرِكِينَ . 12650 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي عَمْرَة , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْإِثْخَان : الْقَتْل . 12651 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُون لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِن فِي الْأَرْض } قَالَ : إِذَا أَسَرْتُمُوهُمْ فَلَا تُفَادُوهُمْ حَتَّى تُثْخِنُوا فِيهِمْ الْقَتْل . 12652 - قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُون لَهُ أَسْرَى } الْآيَة , نَزَلَتْ الرُّخْصَة بَعْد , إِنْ شِئْت فَمُنَّ وَإِنْ شِئْت فَفَادِ . 12653 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُون لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِن فِي الْأَرْض } يَعْنِي : الَّذِينَ أُسِرُوا بِبَدْرٍ . 12654 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُون لَهُ أَسْرَى } مِنْ عَدُوّهُ . { حَتَّى يُثْخِن فِي الْأَرْض } أَيْ يُثْخِن عَدُوّهُ , حَتَّى يَنْفِيهِمْ مِنْ الْأَرْض . { تُرِيدُونَ عَرَض الدُّنْيَا } أَيْ الْمَتَاع وَالْفِدَاء بِأَخْذِ الرِّجَال . { وَاَللَّه يُرِيد الْآخِرَة } بِقَتْلِهِمْ لِظُهُورِ الدِّين الَّذِي يُرِيدُونَ إِطْفَاءَهُ , الَّذِي بِهِ تُدْرَك الْآخِرَة . 12655 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , قَالَ : ثنا الْأَعْمَش , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْم بَدْر وَجِيءَ بِالْأَسْرَى , قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا تَقُولُونَ فِي هَؤُلَاءِ الْأَسْرَى ؟ " فَقَالَ أَبُو بَكْر : يَا رَسُول اللَّه قَوْمك وَأَهْلك , اِسْتَبْقِهِمْ وَاسْتَأْنَ بِهِمْ , لَعَلَّ اللَّه أَنْ يَتُوب عَلَيْهِمْ ! وَقَالَ عُمَر : يَا رَسُول اللَّه كَذَّبُوك وَأَخْرَجُوك , قَدِّمْهُمْ فَاضْرِبْ أَعْنَاقهمْ ! وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة : يَا رَسُول اللَّه , اُنْظُرْ وَادِيًا كَثِير الْحَطَب فَأَدْخِلْهُمْ فِيهِ , ثُمَّ أَضْرَمَهُ عَلَيْهِمْ نَارًا ! قَالَ : فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس : قَطَعْت رَحِمك . قَالَ : فَسَكَتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُمْ , ثُمَّ دَخَلَ فَقَالَ نَاس : يَأْخُذ بِقَوْلِ أَبِي بَكْر , وَقَالَ نَاس : يَأْخُذ بِقَوْلِ عُمَر , وَقَالَ نَاس : يَأْخُذ بِقَوْلِ عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة . ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : " إِنَّ اللَّه لَيُلِين قُلُوب رِجَال حَتَّى تَكُون أَلْيَن مِنْ اللَّبَن , وَإِنَّ اللَّه لَيُشَدِّد قُلُوب رِجَال حَتَّى تَكُون أَشَدّ مِنْ الْحِجَارَة ; وَإِنَّ مَثَلك يَا أَبَا بَكْر مَثَل إِبْرَاهِيم , قَالَ : { مَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّك غَفُور رَحِيم } 14 36 وَمَثَلك يَا أَبَا بَكْر مَثَل عِيسَى , قَالَ : { إِنْ تُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادك } 5 118 الْآيَة , وَمَثَلك يَا عُمَر مَثَل نُوح قَالَ : { رَبّ لَا تَذَر عَلَى الْأَرْض مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا } 71 26 , وَمَثَلك يَا اِبْن رَوَاحَة كَمَثَلِ مُوسَى , قَالَ : { رَبّنَا اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبهمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَاب الْأَلِيم } 10 88 " قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنْتُمْ الْيَوْم عَالَة , فَلَا يَنْفَلِتَن أَحَد مِنْهُمْ إِلَّا بِفِدَاءٍ أَوْ ضَرْب عُنُق ! " قَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : إِلَّا سُهَيْل ابْن بَيْضَاء , فَإِنِّي سَمِعْته يَذْكُر الْإِسْلَام ! فَسَكَتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَمَا رَأَيْتنِي فِي يَوْم أَخْوَف أَنْ تَقَع عَلَيَّ الْحِجَارَة مِنْ السَّمَاء مِنِّي فِي ذَلِكَ الْيَوْم , حَتَّى قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِلَّا سُهَيْل ابْن بَيْضَاء " قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُون لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِن فِي الْأَرْض } إِلَى آخِر الثَّلَاث الْآيَات . 12656 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عِكْرِمَة بْن عَمَّار , قَالَ : ثنا أَبُو زُمَيْل , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى - يَعْنِي يَوْم بَدْر - قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيْنَ أَبُو بَكْر وَعُمَر وَعَلِيّ ؟ " قَالَ : " مَا تَرَوْنَ فِي الْأُسَارَى ؟ " فَقَالَ أَبُو بَكْر : يَا رَسُول اللَّه هُمْ بَنُو الْعَمّ وَالْعَشِيرَة , وَأَرَى أَنْ تَأْخُذ مِنْهُمْ فِدْيَة تَكُون لَنَا قُوَّة عَلَى الْكُفَّار , وَعَسَى اللَّه أَنْ يَهْدِيهِمْ لِلْإِسْلَامِ . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا تَرَى يَا اِبْن الْخَطَّاب ؟ " فَقَالَ : لَا وَاَلَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْر يَا نَبِيّ اللَّه , وَلَكِنْ أَرَى أَنْ تُمَكِّننَا مِنْهُمْ , فَتُمَكِّن عَلِيًّا مِنْ عَقِيل فَيَضْرِب عُنُقه , وَتُمَكِّن حَمْزَة مِنْ الْعَبَّاس فَيَضْرِب عُنُقه , وَتُمَكِّننِي مِنْ فُلَان - نَسِيب لِعُمَر - فَأَضْرِب عُنُقه , فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّة الْكُفْر وَصَنَادِيدهَا . فَهَوِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْر , وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْت . قَالَ عُمَر : فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَد جِئْت إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِذَا هُوَ وَأَبُو بَكْر قَاعِدَانِ يَبْكِيَانِ , فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه أَخْبِرْنِي مِنْ أَيّ شَيْء تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبك , فَإِنْ وَجَدْت بُكَاء بَكَيْت وَإِنْ لَمْ أَجِد بُكَاء تَبَاكَيْت ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ لِأَصْحَابِي مِنْ أَخْذهمْ الْفِدَاء , وَلَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابكُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَة " - لِشَجَرَةٍ قَرِيبَة مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُون لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِن فِي الْأَرْض } إِلَى قَوْله : { حَلَالًا طَيِّبًا } وَأَحَلَّ اللَّه الْغَنِيمَة لَهُمْ .
{ وَاَللَّه عَزِيز } يَقُول : إِنْ أَنْتُمْ أَرَدْتُمْ الْآخِرَة لَمْ يَغْلِبكُمْ عَدُوّ لَكُمْ , لِأَنَّ اللَّه عَزِيز لَا يُقْهَر وَلَا يُغْلَب , وَإِنَّهُ { حَكِيم } فِي تَدْبِيره أَمْره خَلْقه .
{ وَاَللَّه عَزِيز } يَقُول : إِنْ أَنْتُمْ أَرَدْتُمْ الْآخِرَة لَمْ يَغْلِبكُمْ عَدُوّ لَكُمْ , لِأَنَّ اللَّه عَزِيز لَا يُقْهَر وَلَا يُغْلَب , وَإِنَّهُ { حَكِيم } فِي تَدْبِيره أَمْره خَلْقه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَاب عَظِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِأَهْلِ بَدْر الَّذِينَ غَنِمُوا وَأَخَذُوا مِنْ الْأَسْرَى الْفِدَاء : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } يَقُول : لَوْلَا قَضَاء مِنْ اللَّه سَبَقَ لَكُمْ أَهْل بَدْر فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ بِأَنَّ اللَّه مُحِلّ لَكُمْ الْغَنِيمَة , وَأَنَّ اللَّه قَضَى فِيمَا قَضَى أَنَّهُ لَا يُضِلّ قَوْمًا بَعْد إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّن لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ , وَأَنَّهُ لَا يُعَذِّب أَحَدًا شَهِدَ الْمَشْهَد الَّذِي شَهِدْتُمُوهُ بِبَدْرٍ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاصِرًا دِين اللَّه ; لَنَالَكُمْ مِنْ اللَّه بِأَخْذِكُمْ الْغَنِيمَة وَالْفِدَاء عَذَاب عَظِيم . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12657 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } الْآيَة , قَالَ : إِنَّ اللَّه كَانَ مُطْعِم هَذِهِ الْأُمَّة الْغَنِيمَة , وَإِنَّهُمْ أَخَذُوا الْفِدَاء مِنْ أُسَارَى بَدْر قَبْل أَنْ يُؤْمَرُوا بِهِ . قَالَ : فَعَابَ اللَّه ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , ثُمَّ أَحَلَّهُ اللَّه . 12658 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْل اللَّه : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } الْآيَة , وَذَلِكَ يَوْم بَدْر , أَخَذَ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغَانِم وَالْأُسَارَى قَبْل أَنْ يُؤْمَرُوا بِهِ , وَكَانَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ كَتَبَ فِي أُمّ الْكِتَاب الْمَغَانِم وَالْأُسَارَى حَلَال لِمُحَمَّدٍ وَأُمَّته , وَلَمْ يَكُنْ أَحَلَّهُ لِأُمَّةٍ قَبْلهمْ . وَأَخَذُوا الْمَغَانِم , وَأَسَرُوا الْأُسَارَى قَبْل أَنْ يُنَزِّل إِلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ , قَالَ اللَّه : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } يَعْنِي فِي الْكِتَاب الْأَوَّل أَنَّ الْمَغَانِم وَالْأُسَارَى حَلَال لَكُمْ { لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَاب عَظِيم } . 12659 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } الْآيَة , وَكَانَتْ الْغَنَائِم قَبْل أَنْ يَبْعَث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأُمَم إِذَا أَصَابُوا مَغْنَمًا جَعَلُوهُ لِلْقُرْبَانِ , وَحَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا , حَرَّمَ ذَلِكَ عَلَى كُلّ نَبِيّ وَعَلَى أُمَّته , فَكَانُوا لَا يَأْكُلُونَ مِنْهُ وَلَا يَغُلُّونَ مِنْهُ وَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا إِلَّا عَذَّبَهُمْ اللَّه عَلَيْهِ . وَكَانَ اللَّه حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ تَحْرِيمًا شَدِيدًا , فَلَمْ يُحِلّهُ لِنَبِيٍّ إِلَّا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَكَانَ قَدْ سَبَقَ مِنْ اللَّه فِي قَضَائِهِ أَنَّ الْمَغْنَم لَهُ وَلِأُمَّتِهِ حَلَال , فَذَلِكَ قَوْله يَوْم بَدْر فِي أَخْذ الْفِدَاء مِنْ الْأُسَارَى : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَاب عَظِيم } . 12660 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ عُرْوَة , عَنْ الْحَسَن : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } قَالَ : إِنَّ اللَّه كَانَ مُعْطِي هَذِهِ الْأُمَّة الْغَنِيمَة , وَفَعَلُوا الَّذِي فَعَلُوا قَبْل أَنْ تَحِلّ الْغَنِيمَة . 12661 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر قَالَ : قَالَ الْأَعْمَش , فِي قَوْله : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } قَالَ : سَبَقَ مِنْ اللَّه أَنْ أَحَلَّ لَهُمْ الْغَنِيمَة . 12662 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ بَشِير بْن مَيْمُون , قَالَ : سَمِعْت سَعِيدًا يُحَدِّث عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَاب عَظِيم } قَالَ : يَعْنِي : لَوْلَا أَنَّهُ سَبَقَ فِي عِلْمِي أَنِّي سَأُحِلُّ الْغَنَائِم , لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ مِنْ الْأُسَارَى عَذَاب عَظِيم . 12663 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا جَابِر بْن نُوح , وَأَبُو مُعَاوِيَة , بِنَحْوِهِ , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا أُحِلَّتْ الْغَنَائِم لِأَحَدٍ سُود الرُّءُوس مِنْ قَبْلكُمْ , كَانَتْ تَنْزِل نَار مِنْ السَّمَاء وَتَأْكُلهَا " , حَتَّى كَانَ يَوْم بَدْر , فَوَقَعَ النَّاس فِي الْغَنَائِم , فَأَنْزَلَ اللَّه { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ لَمَسَّكُمْ } حَتَّى بَلَغَ { حَلَالًا طَيِّبًا } . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِنَحْوِهِ , قَالَ : فَلَمَّا كَانَ يَوْم بَدْر أَسْرَعَ النَّاس فِي الْغَنَائِم . 12664 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن فُضَيْل , عَنْ أَشْعَث بْن سَوَّار , عَنْ اِبْن سِيرِين , عَنْ عُبَيْدَة , قَالَ : أَسَرَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ سَبْعِينَ وَقَتَلُوا سَبْعِينَ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اِخْتَارُوا أَنْ تَأْخُذُوا مِنْهُمْ الْفِدَاء فَتَقْوَوْا بِهِ عَلَى عَدُوّكُمْ , وَإِنْ قَبِلْتُمُوهُ قُتِلَ مِنْكُمْ سَبْعُونَ , أَوْ تَقْتُلُوهُمْ ! " فَقَالُوا : بَلْ نَأْخُذ الْفِدْيَة مِنْهُمْ , وَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ . قَالَ عُبَيْدَة : وَطَلَبُوا الْخِيرَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا . 12665 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ أَشْعَث , عَنْ اِبْن سِيرِين , عَنْ عُبَيْدَة , قَالَ : كَانَ فِدَاء أُسَارَى بَدْر : مِائَة أُوقِيَّة , وَالْأُوقِيَّة أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا , وَمِنْ الدَّنَانِير : سِتَّة دَنَانِير 12666 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَيَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَا : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا اِبْن عَوْن , عَنْ اِبْن سِيرِين , عَنْ عُبَيْدَة , أَنَّهُ قَالَ فِي أُسَارَى بَدْر : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنْ شِئْتُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ , وَإِنْ شِئْتُمْ فَادَيْتُمُوهُمْ وَاسْتُشْهِدَ مِنْكُمْ بِعِدَّتِهِمْ " فَقَالُوا : بَلَى , نَأْخُذ الْفِدَاء فَنَسْتَمْتِع بِهِ وَيُسْتَشْهَد مِنَّا بِعِدَّتِهِمْ . 12667 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن مُحَمَّد الطُّوسِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد بْن عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثنا هَمَّام بْن يَحْيَى , قَالَ : ثنا عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , قَالَ : أَمَرَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِقَتْلِ الْأُسَارَى , فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَاب عَظِيم } . 12668 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } قَالَ : كَانَ الْمَغْنَم مُحَرَّمًا عَلَى كُلّ نَبِيّ وَأُمَّته , وَكَانُوا إِذَا غَنِمُوا يَجْعَلُونَ الْمَغْنَم لِلَّهِ قُرْبَانًا تَأْكُلهُ النَّار , وَكَانَ سَبَقَ فِي قَضَاء اللَّه وَعِلْمه أَنْ يُحِلّ الْمَغْنَم لِهَذِهِ الْأُمَّة يَأْكُلُونَ فِي بُطُونهمْ . 12669 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ عَطَاء فِي قَوْل اللَّه : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ لَمَسَّكُمْ } قَالَ : كَانَ فِي عِلْم اللَّه أَنْ تَحِلّ لَهُمْ الْغَنَائِم , فَقَالَ : لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ بِأَنَّهُ أَحَلَّ لَكُمْ الْغَنَائِم , لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَاب عَظِيم . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ لِأَهْلِ بَدْر أَنْ لَا يُعَذِّبهُمْ لَمَسَّهُمْ عَذَاب عَظِيم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12670 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , عَنْ شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } قَالَ : لِأَهْلِ بَدْر مِنْ السَّعَادَة . 12671 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع قَالَ : ثَنَا اِبْن نُمَيْر , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } لِأَهْلِ بَدْر مَشْهَدهمْ . 12672 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } قَالَ : سَبَقَ مِنْ اللَّه خَيْر لِأَهْلِ بَدْر . 12673 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَاب عَظِيم } كَانَ سَبَقَ لَهُمْ مِنْ اللَّه خَيْر , وَأَحَلَّ لَهُمْ الْغَنَائِم . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث بْن سَعِيد , عَنْ عَمْرو بْن عُبَيْد , عَنْ الْحَسَن : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } قَالَ : سَبَقَ أَنْ لَا يُعَذِّب أَحَدًا مِنْ أَهْل بَدْر . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } لِأَهْلِ بَدْر وَمَشْهَدهمْ إِيَّاهُ . 12674 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَاب عَظِيم } لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ مِنْ الْغَنَائِم يَوْم بَدْر قَبْل أَنْ أُحِلَّهَا لَكُمْ فَقَالَ : سَبَقَ مِنْ اللَّه الْعَفْو عَنْهُمْ , وَالرَّحْمَة لَهُمْ ; سَبَقَ أَنْ لَا يُعَذِّب الْمُؤْمِنِينَ , لِأَنَّهُ لَا يُعَذِّب رَسُوله وَمَنْ آمَنَ بِهِ وَهَاجَرَ مَعَهُ وَنَصَرَهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ أَنْ لَا يُؤَاخِذ أَحَدًا بِفِعْلٍ أَتَاهُ عَلَى جَهَالَة , لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَاب عَظِيم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12675 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } لِأَهْلِ بَدْر وَمَشْهَدهمْ إِيَّاهُ , قَالَ : كِتَاب سَبَقَ لِقَوْلِهِ : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُضِلّ قَوْمًا بَعْد إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّن لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ } 9 115 سَبَقَ ذَلِكَ وَسَبَقَ أَنْ لَا يُؤَاخِذ قَوْمًا فَعَلُوا شَيْئًا بِجَهَالَةٍ . { لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ } قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ اِبْن عَبَّاس : فِيمَا أَخَذْتُمْ مِمَّا أَسَرْتُمْ . ثُمَّ قَالَ بَعْد : { فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ } . 12676 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : عَاتَبَهُ فِي الْأُسَارَى وَأَخْذ الْغَنَائِم , وَلَمْ يَكُنْ أَحَد قَبْله مِنْ الْأَنْبِيَاء يَأْكُل مَغْنَمًا مِنْ عَدُوّ لَهُ . 12677 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد , قَالَ : ثني أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نُصِرْت بِالرُّعْبِ وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْض مَسْجِدًا وَطَهُورًا , وَأُعْطِيت جَوَامِع الْكَلِم , وَأُحِلَّتْ لِيَ الْمَغَانِم وَلَمْ تُحَلّ لِنَبِيٍّ كَانَ قَبْلِي , وَأُعْطِيت الشَّفَاعَة , خَمْس لَمْ يُؤْتَهُنَّ نَبِيّ كَانَ قَبْلِي " . , قَالَ مُحَمَّد : فَقَالَ : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ } أَيْ قَبْلك { أَنْ يَكُون لَهُ أَسْرَى } إِلَى قَوْله : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ } أَيْ مِنْ الْأُسَارَى وَالْمَغَانِم . { عَذَاب عَظِيم } أَيْ لَوْلَا أَنَّهُ سَبَقَ مِنِّي أَنْ لَا أُعَذِّب إِلَّا بَعْد النَّهْي وَلَمْ أَكُنْ نَهَيْتُكُمْ لَعَذَّبْتُكُمْ فِيمَا صَنَعْتُمْ , ثُمَّ أَحَلَّهَا لَهُ وَلَهُمْ رَحْمَة وَنِعْمَة وَعَائِدَة مِنْ الرَّحْمَن الرَّحِيم . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ مَا قَدْ بَيَّنَّاهُ قَبْل , وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } خَبَر عَامّ غَيْر مَحْصُور عَلَى مَعْنَى دُون مَعْنَى . وَكُلّ هَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْتهَا عَمَّنْ ذَكَرْت مِمَّا قَدْ سَبَقَ فِي كِتَاب اللَّه أَنَّهُ لَا يُؤَاخِذ بِشَيْءٍ مِنْهَا هَذِهِ الْأُمَّة , وَذَلِكَ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَل بِجَهَالَةٍ , و إِحْلَال الْغَنِيمَة وَالْمَغْفِرَة لِأَهْلِ بَدْر , وَكُلّ ذَلِكَ مِمَّا كَتَبَ لَهُمْ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا وَجْه لِأَنْ يُخَصّ مِنْ ذَلِكَ مَعْنَى دُون مَعْنَى , وَقَدْ عَمَّ اللَّه الْخَبَر بِكُلِّ ذَلِكَ بِغَيْرِ دَلَالَة تُوجِب صِحَّة الْقَوْل بِخُصُوصِهِ . 12678 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَحَد مِمَّنْ نُصِرَ إِلَّا أَحَبَّ الْغَنَائِم إِلَّا عُمَر بْن الْخَطَّاب , جَعَلَ لَا يَلْقَى أَسِيرًا إِلَّا ضَرَبَ عُنُقه , وَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه مَا لَنَا وَلِلْغَنَائِمِ , نَحْنُ قَوْم نُجَاهِد فِي دِين اللَّه حَتَّى يُعْبَد اللَّه ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَوْ عُذِّبْنَا فِي هَذَا الْأَمْر يَا عُمَر مَا نَجَا غَيْرك ! " . قَالَ اللَّه : لَا تَعُودُوا تَسْتَحِلُّونَ قَبْل أَنْ أُحِلّ لَكُمْ . 12679 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ اِبْن إِسْحَاق : لَمَّا نَزَلَتْ : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } الْآيَة , قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَوْ نَزَلَ عَذَاب مِنْ السَّمَاء لَمْ يَنْجُ مِنْهُ إِلَّا سَعْد بْن مُعَاذ " لِقَوْلِهِ : يَا نَبِيّ اللَّه كَانَ الْإِثْخَان فِي الْقَتْل أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ اِسْتِبْقَاء الرِّجَال .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْل بَدْر : فَكُلُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِمَّا غَنِمْتُمْ مِنْ أَمْوَال الْمُشْرِكِينَ حَلَالًا بِإِحْلَالِهِ لَكُمْ طَيِّبًا .
{ وَاتَّقُوا اللَّه } يَقُول : وَخَافُوا اللَّه أَنْ تَعُودُوا أَنْ تَفْعَلُوا فِي دِينكُمْ شَيْئًا بَعْد هَذِهِ مِنْ قَبْل أَنْ يُعْهَد فِيهِ إِلَيْكُمْ , كَمَا فَعَلْتُمْ فِي أَخْذ الْفِدَاء وَأَكْل الْغَنِيمَة وَأَخَذْتُمُوهُمَا مِنْ قَبْل أَنْ يَحِلَّا لَكُمْ .
{ إِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } وَهَذَا مِنْ الْمُؤَخَّر الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيم , وَتَأْوِيل الْكَلَام : فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا , إِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم , وَاتَّقُوا اللَّه . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { إِنَّ اللَّه غَفُور } لِذُنُوبِ أَهْل الْإِيمَان مِنْ عِبَاده , { رَحِيم } بِهِمْ أَنْ يُعَاقِبهُمْ بَعْد تَوْبَتهمْ مِنْهَا .
{ وَاتَّقُوا اللَّه } يَقُول : وَخَافُوا اللَّه أَنْ تَعُودُوا أَنْ تَفْعَلُوا فِي دِينكُمْ شَيْئًا بَعْد هَذِهِ مِنْ قَبْل أَنْ يُعْهَد فِيهِ إِلَيْكُمْ , كَمَا فَعَلْتُمْ فِي أَخْذ الْفِدَاء وَأَكْل الْغَنِيمَة وَأَخَذْتُمُوهُمَا مِنْ قَبْل أَنْ يَحِلَّا لَكُمْ .
{ إِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } وَهَذَا مِنْ الْمُؤَخَّر الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيم , وَتَأْوِيل الْكَلَام : فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا , إِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم , وَاتَّقُوا اللَّه . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { إِنَّ اللَّه غَفُور } لِذُنُوبِ أَهْل الْإِيمَان مِنْ عِبَاده , { رَحِيم } بِهِمْ أَنْ يُعَاقِبهُمْ بَعْد تَوْبَتهمْ مِنْهَا .
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَم اللَّه فِي قُلُوبكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِر لَكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي يَدَيْك وَفِي يَدَيْ أَصْحَابك مِنْ أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أُخِذَ مِنْهُمْ مِنْ الْفِدَاء مَا أُخِذَ { إِنْ يَعْلَم اللَّه فِي قُلُوبكُمْ خَيْرًا } يَقُول : إِنْ يَعْلَم اللَّه فِي قُلُوبكُمْ إِسْلَامًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ مِنْ الْفِدَاء . { وَيَغْفِر لَكُمْ } يَقُول : وَيَصْفَح لَكُمْ عَنْ عُقُوبَة جُرْمكُمْ الَّذِي اجْتَرَمْتُمُوهُ بِقِتَالِكُمْ نَبِيّ اللَّه وَأَصْحَابه وَكُفْركُمْ بِاَللَّهِ . وَذُكِرَ أَنَّ الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِب كَانَ يَقُول : فِيَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12680 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ الْعَبَّاس : فِيَّ نَزَلَتْ : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُون لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِن فِي الْأَرْض } , فَأَخْبَرْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْلَامِي , وَسَأَلْته أَنْ يُحَاسِبنِي بِالْعِشْرِينَ الْأُوقِيَّة الَّتِي أَخَذَ مِنِّي فَأَبَى , فَأَبْدَلَنِي اللَّه بِهَا عِشْرِينَ عَبْدًا كُلّهمْ تَاجِر , مَالِي فِي يَدَيْهِ . * - وَقَدْ حَدَّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيث اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ مُحَمَّد , ثني الْكَلْبِيّ , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه بْن رِئَاب , قَالَ : كَانَ الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِب يَقُول : فِيَّ وَاَللَّه نَزَلَتْ حِين ذَكَرْت لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِسْلَامِي . ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث اِبْن وَكِيع . 12681 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ الْأَسْرَى } الْآيَة , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ مَال الْبَحْرَيْنِ ثَمَانُونَ أَلْفًا , وَقَدْ تَوَضَّأَ لِصَلَاةِ الظُّهْر , فَمَا أَعْطَى يَوْمئِذٍ شَاكِيًا وَلَا حَرَمَ سَائِلًا وَمَا صَلَّى يَوْمئِذٍ حَتَّى فَرَّقَهُ , وَأَمَرَ الْعَبَّاس أَنْ يَأْخُذ مِنْهُ وَيَحْتَثِي , فَأَخَذَ . قَالَ : وَكَانَ الْعَبَّاس يَقُول : هَذَا خَيْر مِمَّا أُخِذَ مِنَّا وَأَرْجُو الْمَغْفِرَة . 12682 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ الْأَسْرَى } الْآيَة , وَكَانَ الْعَبَّاس أُسِرَ يَوْم بَدْر , فَافْتَدَى نَفْسه بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّة مِنْ ذَهَب , فَقَالَ الْعَبَّاس حِين نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : لَقَدْ أَعْطَانِي اللَّه خَصْلَتَيْنِ مَا أُحِبّ أَنَّ لِي بِهِمَا الدُّنْيَا : أَنِّي أُسِرْت يَوْم بَدْر فَفَدَيْت نَفْسِي بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّة , فَآتَانِي أَرْبَعِينَ عَبْدًا وَأَنَا أَرْجُو الْمَغْفِرَة الَّتِي وَعَدَنَا اللَّه . 12683 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ الْأَسْرَى } إِلَى قَوْله : { وَاَللَّه غَفُور رَحِيم } يَعْنِي بِذَلِكَ مَنْ أُسِرَ يَوْم بَدْر , يَقُول : إِنْ عَمِلْتُمْ بِطَاعَتِي وَنَصَحْتُمْ لِرَسُولِي , آتَيْتُكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَغَفَرْت لَكُمْ . 12684 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ الْأَسْرَى } عَبَّاس وَأَصْحَابه , قَالَ : قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : آمَنَّا بِمَا جِئْت بِهِ , وَنَشْهَد أَنَّك لَرَسُول اللَّه , لَأَنْصَحَن لَك عَلَى قَوْمنَا ! فَنَزَلَ : { إِنْ يَعْلَم اللَّه فِي قُلُوبكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ } إِيمَانًا وَتَصْدِيقًا , يُخْلِف لَكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُصِيبَ مِنْكُمْ , { وَيَغْفِر لَكُمْ } الشِّرْك الَّذِي كُنْتُمْ عَلَيْهِ . قَالَ : فَكَانَ الْعَبَّاس يَقُول : مَا أُحِبّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة لَمْ تَنْزِل فِينَا وَأَنَّ لِي الدُّنْيَا , لَقَدْ قَالَ : { يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ } فَقَدْ أَعْطَانِي خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنِّي مِائَة ضِعْف , وَقَالَ : { وَيَغْفِر لَكُمْ } وَأَرْجُو أَنْ يَكُون قَدْ غَفَرَ لِي . 12685 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ الْأَسْرَى } الْآيَة , يَعْنِي الْعَبَّاس وَأَصْحَابه أُسِرُوا يَوْم بَدْر , يَقُول اللَّه : إِنْ عَمِلْتُمْ بِطَاعَتِي وَنَصَحْتُمْ لِي وَلِرَسُولِي أَعْطَيْتُكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَغَفَرْت لَكُمْ . وَكَانَ الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِب يَقُول : لَقَدْ أَعْطَانَا اللَّه خَصْلَتَيْنِ مَا شَيْء هُوَ أَفْضَل مِنْهُمَا : عِشْرِينَ عَبْدًا . وَأَمَّا الثَّانِيَة : فَنَحْنُ فِي مَوْعُود الصَّادِق , نَنْتَظِر الْمَغْفِرَة مِنْ اللَّه سُبْحَانه .
{ وَاَللَّه غَفُور } لِذُنُوبِ عِبَاده إِذَا تَابُوا , { رَحِيم } بِهِمْ أَنْ يُعَاقِبهُمْ عَلَيْهَا بَعْد التَّوْبَة .
{ وَاَللَّه غَفُور } لِذُنُوبِ عِبَاده إِذَا تَابُوا , { رَحِيم } بِهِمْ أَنْ يُعَاقِبهُمْ عَلَيْهَا بَعْد التَّوْبَة .
وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ↑
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتك فَقَدْ خَانُوا اللَّه مِنْ قَبْل فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ : وَإِنْ يُرِدْ هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى الَّذِينَ فِي أَيْدِيكُمْ خِيَانَتك : أَيْ الْغَدْر بِك وَالْمَكْر وَالْخِدَاع , بِإِظْهَارِهِمْ لَك بِالْقَوْلِ خِلَاف مَا فِي نُفُوسهمْ , { فَقَدْ خَانُوا اللَّه مِنْ قَبْل } يَقُول : فَقَدْ خَالَفُوا أَمْر اللَّه مِمَّنْ قَبْل وَقْعَة بَدْر , وَأَمْكَنَ مِنْهُمْ بِبَدْرٍ الْمُؤْمِنِينَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12686 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتك } يَعْنِي : الْعَبَّاس وَأَصْحَابه فِي قَوْلهمْ : آمَنَّا بِمَا جِئْت بِهِ , وَنَشْهَد أَنَّك رَسُول اللَّه , لَأَنْصَحَن لَك عَلَى قَوْمنَا ! يَقُول : إِنْ كَانَ قَوْلهمْ خِيَانَة فَقَدْ خَانُوا اللَّه مِنْ قَبْل , { فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ } يَقُول : قَدْ كَفَرُوا وَقَاتَلُوك , فَأَمْكَنَك اللَّه مِنْهُمْ . 12687 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتك } الْآيَة . قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا كَتَبَ لِنَبِيِّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ عَمَدَ فَنَافَقَ , فَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ بِمَكَّة , ثُمَّ قَالَ : مَا كَانَ مُحَمَّد يَكْتُب إِلَّا مَا شِئْت ! فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار , نَذَرَ لَئِنْ أَمْكَنَهُ اللَّه مِنْهُ لَيَضْرِبَنهُ بِالسَّيْفِ . فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْفَتْح أَمَّنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاس إِلَّا عَبْد اللَّه بْن سَعْد بْن أَبِي سَرْح , وَمَقِيس بْن صُبَابَة , وَابْن خَطَل , وَامْرَأَة كَانَتْ تَدْعُو عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلّ صَبَاح . فَجَاءَ عُثْمَان بِابْنِ أَبِي سَرْح , وَكَانَ رَضِيعه أَوْ أَخَاهُ مِنْ الرَّضَاعَة , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه هَذَا فُلَان أَقْبَلَ تَائِبًا نَادِمًا , فَأَعْرَضَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَلَمَّا سَمِعَ بِهِ الْأَنْصَارِيّ أَقْبَلَ مُتَقَلِّدًا سَيْفه , فَأَطَافَ بِهِ , وَجَعَلَ يَنْظُر إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَاء أَنْ يُومِئ إِلَيْهِ . ثُمَّ إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَّمَ يَده فَبَايَعَهُ , فَقَالَ : " أَمَا وَاَللَّه لَقَدْ تَلَوَّمْتك فِيهِ لِتُوفِيَ نَذْرك " , فَقَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه إِنِّي هِبْتُك , فَلَوْلَا أَوْمَضْت إِلَيَّ ! فَقَالَ : " إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يُومِض " . 12688 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتك فَقَدْ خَانُوا اللَّه مِنْ قَبْل فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ } يَقُول : قَدْ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَنَقَضُوا عَهْده , فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ بِبَدْرٍ .
{ وَاَللَّه عَلِيم } بِمَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَيُضْمِرُونَهُ فِي نُفُوسهمْ , { حَكِيم } فِي تَدْبِيرهمْ وَتَدْبِير أُمُور خَلْقه سِوَاهُمْ .
{ وَاَللَّه عَلِيم } بِمَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَيُضْمِرُونَهُ فِي نُفُوسهمْ , { حَكِيم } فِي تَدْبِيرهمْ وَتَدْبِير أُمُور خَلْقه سِوَاهُمْ .
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ فِي سَبِيل اللَّه وَاَلَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه وَرَسُوله . { وَهَاجَرُوا } يَعْنِي : هَجَرُوا قَوْمهمْ وَعَشِيرَتهمْ وَدُورهمْ , يَعْنِي : تَرَكُوهُمْ وَخَرَجُوا عَنْهُمْ , وَهَجَرَهُمْ قَوْمهمْ وَعَشِيرَتهمْ . { وَجَاهَدُوا فِي سَبِيل اللَّه } يَقُول : بَالَغُوا فِي إِتْعَاب نُفُوسهمْ وَإِنْصَابهَا فِي حَرْب أَعْدَاء اللَّه مِنْ الْكُفَّار فِي سَبِيل اللَّه , يَقُول فِي دِين اللَّه الَّذِي جَعَلَهُ طَرِيقًا إِلَى رَحْمَته وَالنَّجَاة مِنْ عَذَابه . { وَاَلَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا } يَقُول : وَاَلَّذِينَ آوَوْا رَسُول اللَّه وَالْمُهَاجِرِينَ مَعَهُ ; يَعْنِي أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُمْ مَأْوَى يَأْوُونَ إِلَيْهِ , وَهُوَ الْمَثْوَى وَالْمَسْكَن , يَقُول : أَسْكَنُوهُمْ وَجَعَلُوا لَهُمْ مِنْ مَنَازِلهمْ مَسَاكِن , إِذْ أَخْرَجَهُمْ قَوْمهمْ مِنْ مَنَازِلهمْ { وَنَصَرُوا } يَقُول : وَنَصَرُوهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ وَأَعْدَاء اللَّه مِنْ الْمُشْرِكِينَ . { أُولَئِكَ بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } يَقُول : هَاتَانِ الْفِرْقَتَانِ , يَعْنِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار , بَعْضهمْ أَنْصَار بَعْض , وَأَعْوَان عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , وَأَيْدِيهمْ وَاحِدَة عَلَى مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ , وَبَعْضهمْ إِخْوَان لِبَعْضٍ دُون أَقْرِبَائِهِمْ الْكُفَّار . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ أَنَّ بَعْضهمْ أَوْلَى بِمِيرَاثِ بَعْض , وَأَنَّ اللَّه وَرَّثَ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض بِالْهِجْرَةِ وَالنُّصْرَة دُون الْقَرَابَة وَالْأَرْحَام , وَأَنَّ اللَّه نَسَخَ ذَلِكَ بَعْد بِقَوْلِهِ : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه } 33 6 . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12689 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ فِي سَبِيل اللَّه وَاَلَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } يَعْنِي فِي الْمِيرَاث . جَعَلَ الْمِيرَاث لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار دُون ذَوِي الْأَرْحَام , قَالَ اللَّه : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتهمْ مِنْ شَيْء حَتَّى يُهَاجِرُوا } يَقُول : مَا لَكُمْ مِنْ مِيرَاثهمْ مِنْ شَيْء , وَكَانُوا يَعْمَلُونَ بِذَلِكَ , حَتَّى أَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه } 33 6 . فِي الْمِيرَاث , فَنَسَخَتْ الَّتِي قَبْلهَا , وَصَارَ الْمِيرَاث لِذَوِي الْأَرْحَام . 12690 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ فِي سَبِيل اللَّه } يَقُول : لَا هِجْرَة بَعْد الْفَتْح , إِنَّمَا هُوَ الشَّهَادَة بَعْد ذَلِكَ ; { وَاَلَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } إِلَى قَوْله : { حَتَّى يُهَاجِرُوا } وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ثَلَاث مَنَازِل . مِنْهُمْ الْمُؤْمِن الْمُهَاجِر الْمُبَايِن لِقَوْمِهِ فِي الْهِجْرَة , خَرَجَ إِلَى قَوْم مُؤْمِنِينَ فِي دِيَارهمْ وَعَقَارهمْ وَأَمْوَالهمْ , و { آوَوْا وَنَصَرُوا } وَأَعْلَنُوا مَا أَعْلَنَ أَهْل الْهِجْرَة , وَشَهَرُوا السُّيُوف عَلَى مَنْ كَذَبَ وَجَحَدَ , فَهَذَانِ مُؤْمِنَانِ جَعَلَ اللَّه بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض , فَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ بَيْنهمْ إِذَا تُوُفِّيَ الْمُؤْمِن الْمُهَاجِر وَرِثَهُ الْأَنْصَارِيّ بِالْوِلَايَةِ فِي الدِّين , وَكَانَ الَّذِي آمَنَ وَلَمْ يُهَاجِر لَا يَرِث مِنْ أَجْل أَنَّهُ لَمْ يُهَاجِر وَلَمْ يَنْصُر . فَبَرَّأَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ مِيرَاثهمْ , وَهِيَ الْوَلَايَة الَّتِي قَالَ اللَّه : { مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتهمْ مِنْ شَيْء حَتَّى يُهَاجِرُوا } وَكَانَ حَقًّا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا إِذَا اِسْتَنْصَرُوهُمْ فِي الدِّين أَنْ يَنْصُرُوهُمْ إِنْ قَاتَلُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَنْصِرُوا عَلَى قَوْم بَيْنهمْ وَبَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِيثَاق , فَلَا نَصْر لَهُمْ عَلَيْهِمْ إِلَّا عَلَى الْعَدُوّ الَّذِينَ لَا مِيثَاق لَهُمْ . ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه بَعْد ذَلِكَ أَنْ أَلْحَق كُلّ ذِي رَحِم بِرَحِمِهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هَاجَرُوا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا , فَجَعَلَ لِكُلِّ إِنْسَان مِنْ الْمُؤْمِنِينَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا بِقَوْلِهِ : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه إِنَّ اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيم } 8 75 , وَبِقَوْلِهِ : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } 971 . 12691 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الثَّلَاث الْآيَات خَوَاتِيم الْأَنْفَال فِيهِنَّ ذِكْر مَا كَانَ مِنْ وِلَايَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن مُهَاجِرِي الْمُسْلِمِينَ وَبَيْن الْأَنْصَار فِي الْمِيرَاث , ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ آخِرهَا : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه إِنَّ اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيم } 8 75 . 12692 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا } إِلَى قَوْله : { بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير } قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّهَا كَانَتْ فِي الْمِيرَاث لَا يَتَوَارَث الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هَاجَرُوا وَالْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا , قَالَ : ثُمَّ نَزَلَ بَعْد : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه إِنَّ اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيم } 875 فَتَوَارَثُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا . قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ مُجَاهِد : خَوَاتِيم الْأَنْفَال الثَّلَاث الْآيَات فِيهِنَّ ذِكْر مَا كَانَ وَالَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن الْمُهَاجِرِينَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْن الْأَنْصَار فِي الْمِيرَاث , ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ آخِرهَا : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه } 8 75 . 12693 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ فِي سَبِيل اللَّه وَاَلَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا } إِلَى قَوْله : { مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتهمْ مِنْ شَيْء حَتَّى يُهَاجِرُوا } قَالَ : لَبِثَ الْمُسْلِمُونَ زَمَانًا يَتَوَارَثُونَ بِالْهِجْرَةِ , وَالْأَعْرَابِيّ الْمُسْلِم لَا يَرِث مِنْ الْمُهَاجِر شَيْئًا , فَنَسَخَ ذَلِكَ بَعْد ذَلِكَ قَوْل اللَّه : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا } 33 6 ; أَيْ مِنْ أَهْل الشِّرْك . فَأُجِيزَتْ الْوَصِيَّة , وَلَا مِيرَاث لَهُمْ , وَصَارَتْ الْمَوَارِيث بِالْمِلَلِ , وَالْمُسْلِمُونَ يَرِث بَعْضهمْ بَعْضًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ , وَلَا يَرِث أَهْل مِلَّتَيْنِ . 12694 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , عَنْ الْحَسَن , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة وَالْحَسَن , قَالَا : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيل اللَّه } إِلَى قَوْله : { مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتهمْ مِنْ شَيْء حَتَّى يُهَاجِرُوا } كَانَ الْأَعْرَابِيّ لَا يَرِث الْمُهَاجِر وَلَا يَرِثهُ الْمُهَاجِر , فَنَسَخَهَا فَقَالَ : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه إِنَّ اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيم } 8 75 . 12695 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ فِي سَبِيل اللَّه وَاَلَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } فِي الْمِيرَاث , { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا } وَهَؤُلَاءِ الْأَعْرَاب , { مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتهمْ مِنْ شَيْء } فِي الْمِيرَاث , { وَإِنْ اِسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّين } يَقُول بِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ , { فَعَلَيْكُمْ النَّصْر إِلَّا عَلَى قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } . { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } فِي الْمِيرَاث , { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْد وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ } الَّذِينَ تَوَارَثُوا عَلَى الْهِجْرَة فِي كِتَاب اللَّه , ثُمَّ نَسَخَتْهَا الْفَرَائِض وَالْمَوَارِيث , فَتَوَارَثَ الْأَعْرَاب وَالْمُهَاجِرُونَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتهمْ مِنْ شَيْء حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنْ اِسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّين فَعَلَيْكُمْ النَّصْر إِلَّا عَلَى قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا } الَّذِينَ صَدَّقُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله , { وَلَمْ يُهَاجِرُوا } قَوْمهمْ الْكُفَّار , وَلَمْ يُفَارِقُوا دَار الْكُفْر إِلَى دَار الْإِسْلَام . { مَا لَكُمْ } أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله الْمُهَاجِرُونَ قَوْمهمْ الْمُشْرِكِينَ وَأَرْض الْحَرْب , { مِنْ وَلَايَتهمْ } يَعْنِي : مِنْ نُصْرَتهمْ وَمِيرَاثهمْ . وَقَدْ ذَكَرْت قَوْل بَعْض مَنْ قَالَ : مَعْنَى الْوِلَايَة هَاهُنَا الْمِيرَاث , وَسَأَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّه مَنْ حَضَرَنِي ذِكْره بَعْد . { مِنْ شَيْء حَتَّى يُهَاجِرُوا } قَوْمهمْ وَدُورهمْ مِنْ دَار الْحَرْب إِلَى دَار الْإِسْلَام . { وَإِنْ اِسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّين } يَقُول : إِنْ اِسْتَنْصَرَكُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا فِي الدِّين , يَعْنِي بِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْل دِينكُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ وَأَعْدَائِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , فَعَلَيْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار النَّصْر , إِلَّا أَنْ يَسْتَنْصِرُوكُمْ عَلَى قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق , يَعْنِي عَهْد قَدْ وَثِقَ بِهِ بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض أَنْ لَا يُحَارِبهُ . 12696 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتهمْ مِنْ شَيْء حَتَّى يُهَاجِرُوا } قَالَ : كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَوَارَثُونَ بِالْهِجْرَةِ , وَآخَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنهمْ , فَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَة , وَكَانَ الرَّجُل يُسْلِم وَلَا يُهَاجِر لَا يَرِث أَخَاهُ , فَنَسَخَ ذَلِكَ قَوْله : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ } 33 6 . 12697 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ عَلَى رَجُل دَخَلَ فِي الْإِسْلَام , فَقَالَ : " تُقِيم الصَّلَاة , وَتُؤْتِي الزَّكَاة , وَتَحُجّ الْبَيْت , وَتَصُوم رَمَضَان , وَأَنَّك لَا تَرَى نَار مُشْرِك إِلَّا وَأَنْتَ حَرْب " . 12698 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَإِنْ اِسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّين } يَعْنِي : إِنْ اِسْتَنْصَرَكُمْ الْأَعْرَاب الْمُسْلِمُونَ أَيّهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار عَلَى عَدُوّهُمْ فَعَلَيْكُمْ أَنْ تَنْصُرُوهُمْ . { إِلَّا عَلَى قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } . 12699 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : تَرَكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاس يَوْم تُوُفِّيَ عَلَى أَرْبَع مَنَازِل : مُؤْمِن مُهَاجِر , وَالْأَنْصَار , وَأَعْرَابِيّ مُؤْمِن لَمْ يُهَاجِر ; إِنْ اِسْتَنْصَرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَرَهُ وَإِنْ تَرَكَهُ فَهُوَ إِذْن لَهُ وَإِنْ اِسْتَنْصَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدِّين كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَنْصُرهُ , فَذَلِكَ قَوْله : { وَإِنْ اِسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّين فَعَلَيْكُمْ النَّصْر } . وَالرَّابِعَة : التَّابِعُونَ بِإِحْسَانٍ . 12700 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا } إِلَى آخِر السُّورَة , قَالَ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ النَّاس عَلَى أَرْبَع مَنَازِل : مُؤْمِن مُهَاجِر , وَمُسْلِم أَعْرَابِيّ , وَاَلَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا , وَالتَّابِعُونَ بِإِحْسَانٍ .
يَقُول : وَاَللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ مِنْ وِلَايَة بَعْضكُمْ بَعْضًا أَيّهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار , وَتَرَكَ وِلَايَة مَنْ آمَنَ وَلَمْ يُهَاجِر , وَنُصْرَتكُمْ إِيَّاهُمْ عِنْد اِسْتِنْصَاركُمْ فِي الدِّين , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ فَرَائِض اللَّه الَّتِي فَرَضَهَا عَلَيْكُمْ . { بَصِير } يَرَاهُ وَيُبْصِرهُ , فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَلَا مِنْ غَيْره شَيْء .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتهمْ مِنْ شَيْء حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنْ اِسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّين فَعَلَيْكُمْ النَّصْر إِلَّا عَلَى قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا } الَّذِينَ صَدَّقُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله , { وَلَمْ يُهَاجِرُوا } قَوْمهمْ الْكُفَّار , وَلَمْ يُفَارِقُوا دَار الْكُفْر إِلَى دَار الْإِسْلَام . { مَا لَكُمْ } أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله الْمُهَاجِرُونَ قَوْمهمْ الْمُشْرِكِينَ وَأَرْض الْحَرْب , { مِنْ وَلَايَتهمْ } يَعْنِي : مِنْ نُصْرَتهمْ وَمِيرَاثهمْ . وَقَدْ ذَكَرْت قَوْل بَعْض مَنْ قَالَ : مَعْنَى الْوِلَايَة هَاهُنَا الْمِيرَاث , وَسَأَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّه مَنْ حَضَرَنِي ذِكْره بَعْد . { مِنْ شَيْء حَتَّى يُهَاجِرُوا } قَوْمهمْ وَدُورهمْ مِنْ دَار الْحَرْب إِلَى دَار الْإِسْلَام . { وَإِنْ اِسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّين } يَقُول : إِنْ اِسْتَنْصَرَكُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا فِي الدِّين , يَعْنِي بِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْل دِينكُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ وَأَعْدَائِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , فَعَلَيْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار النَّصْر , إِلَّا أَنْ يَسْتَنْصِرُوكُمْ عَلَى قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق , يَعْنِي عَهْد قَدْ وَثِقَ بِهِ بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض أَنْ لَا يُحَارِبهُ . 12696 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتهمْ مِنْ شَيْء حَتَّى يُهَاجِرُوا } قَالَ : كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَوَارَثُونَ بِالْهِجْرَةِ , وَآخَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنهمْ , فَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَة , وَكَانَ الرَّجُل يُسْلِم وَلَا يُهَاجِر لَا يَرِث أَخَاهُ , فَنَسَخَ ذَلِكَ قَوْله : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ } 33 6 . 12697 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ عَلَى رَجُل دَخَلَ فِي الْإِسْلَام , فَقَالَ : " تُقِيم الصَّلَاة , وَتُؤْتِي الزَّكَاة , وَتَحُجّ الْبَيْت , وَتَصُوم رَمَضَان , وَأَنَّك لَا تَرَى نَار مُشْرِك إِلَّا وَأَنْتَ حَرْب " . 12698 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَإِنْ اِسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّين } يَعْنِي : إِنْ اِسْتَنْصَرَكُمْ الْأَعْرَاب الْمُسْلِمُونَ أَيّهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار عَلَى عَدُوّهُمْ فَعَلَيْكُمْ أَنْ تَنْصُرُوهُمْ . { إِلَّا عَلَى قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } . 12699 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : تَرَكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاس يَوْم تُوُفِّيَ عَلَى أَرْبَع مَنَازِل : مُؤْمِن مُهَاجِر , وَالْأَنْصَار , وَأَعْرَابِيّ مُؤْمِن لَمْ يُهَاجِر ; إِنْ اِسْتَنْصَرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَرَهُ وَإِنْ تَرَكَهُ فَهُوَ إِذْن لَهُ وَإِنْ اِسْتَنْصَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدِّين كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَنْصُرهُ , فَذَلِكَ قَوْله : { وَإِنْ اِسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّين فَعَلَيْكُمْ النَّصْر } . وَالرَّابِعَة : التَّابِعُونَ بِإِحْسَانٍ . 12700 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا } إِلَى آخِر السُّورَة , قَالَ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ النَّاس عَلَى أَرْبَع مَنَازِل : مُؤْمِن مُهَاجِر , وَمُسْلِم أَعْرَابِيّ , وَاَلَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا , وَالتَّابِعُونَ بِإِحْسَانٍ .
يَقُول : وَاَللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ مِنْ وِلَايَة بَعْضكُمْ بَعْضًا أَيّهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار , وَتَرَكَ وِلَايَة مَنْ آمَنَ وَلَمْ يُهَاجِر , وَنُصْرَتكُمْ إِيَّاهُمْ عِنْد اِسْتِنْصَاركُمْ فِي الدِّين , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ فَرَائِض اللَّه الَّتِي فَرَضَهَا عَلَيْكُمْ . { بَصِير } يَرَاهُ وَيُبْصِرهُ , فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَلَا مِنْ غَيْره شَيْء .
وَالَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا } بِاَللَّهِ وَرَسُوله , { بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } يَقُول : بَعْضهمْ أَعْوَان بَعْض وَأَنْصَاره , وَأَحَقّ بِهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله . وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بَيَان أَنَّ بَعْضهمْ أَحَقّ بِمِيرَاثِ بَعْض مِنْ قَرَابَتهمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ , وَسَنَذْكُرُ بَقِيَّة مَنْ حَضَرَنَا ذِكْره . 12701 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك , قَالَ : قَالَ رَجُل : نُوَرِّث أَرْحَامنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ ! فَنَزَلَتْ : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } الْآيَة . 12702 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير } نَزَلَتْ فِي مَوَارِيث مُشْرِكِي أَهْل الْعَهْد . 12703 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتهمْ مِنْ شَيْء حَتَّى يُهَاجِرُوا } إِلَى قَوْله : { وَفَسَاد كَبِير } قَالَ : كَانَ الْمُؤْمِن الْمُهَاجِر , وَالْمُؤْمِن الَّذِي لَيْسَ بِمُهَاجِرٍ لَا يَتَوَارَثَانِ وَإِنْ كَانَا أَخَوَيْنِ مُؤْمِنَيْنِ . قَالَ : وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا الدِّين كَانَ بِهَذَا الْبَلَد قَلِيلًا حَتَّى كَانَ يَوْم الْفَتْح ; فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْفَتْح وَانْقَطَعَتْ الْهِجْرَة تَوَارَثُوا حَيْثُمَا كَانُوا بِالْأَرْحَامِ , وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا هِجْرَة بَعْد الْفَتْح " . وَقَرَأَ : { وَأُولُو الْأَرْحَام أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه } 33 6 . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِنَّ الْكُفَّار بَعْضهمْ أَنْصَار بَعْض وَإِنَّهُ لَا يَكُون مُؤْمِنًا مَنْ كَانَ مُقِيمًا بِدَارِ الْحَرْب وَلَمْ يُهَاجِر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12704 - حَدَّثَنَا بِشْر قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } قَالَ : كَانَ يَنْزِل الرَّجُل بَيْن الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فَيَقُول : إِنْ ظَهَرَ هَؤُلَاءِ كُنْت مَعَهُمْ , وَإِنْ ظَهَرَ هَؤُلَاءِ كُنْت مَعَهُمْ . فَأَبَى اللَّه عَلَيْهِمْ ذَلِكَ , وَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ ; فَلَا تَرَاءَى نَار مُسْلِم وَنَار مُشْرِك إِلَّا صَاحِب جِزْيَة مُقِرًّا بِالْخَرَاجِ . 12705 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : حَضَّ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ عَلَى التَّوَاصُل , فَجَعَلَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار أَهْل وِلَايَة فِي الدِّين دُون مَنْ سِوَاهُمْ , وَجَعَلَ الْكُفَّار بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض .
وَأَمَّا قَوْله : { إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : إِلَّا تَفْعَلُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ مِنْ مُوَارَثَة الْمُهَاجِرِينَ مِنْكُمْ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض بِالْهِجْرَةِ وَالْأَنْصَار بِالْإِيمَانِ دُون أَقْرِبَائِهِمْ مِنْ أَعْرَاب الْمُسْلِمِينَ وَدُون الْكُفَّار { تَكُنْ فِتْنَة } يَقُول : يَحْدُث بَلَاء فِي الْأَرْض بِسَبَبِ ذَلِكَ , { وَفَسَاد كَبِير } يَعْنِي : وَمَعَاصِي اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12706 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير } إِلَّا تَفْعَلُوا هَذَا تَتْرُكُوهُمْ يَتَوَارَثُونَ كَمَا كَانُوا يَتَوَارَثُونَ , تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير . قَالَ : وَلَمْ يَكُنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَل الْإِيمَان إِلَّا بِالْهِجْرَةِ , وَلَا يَجْعَلُونَهُمْ مِنْهُمْ إِلَّا بِالْهِجْرَةِ . 12707 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } يَعْنِي فِي الْمِيرَاث . { إِلَّا تَفْعَلُوهُ } يَقُول : إِلَّا تَأْخُذُوا فِي الْمِيرَاث بِمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ . { تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير } وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِلَّا تَنَاصَرُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي الدِّين تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12708 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : جَعَلَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار أَهْل وِلَايَة فِي الدِّين دُون مَنْ سِوَاهُمْ , وَجَعَلَ الْكُفَّار بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض , ثُمَّ قَالَ : { إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير } أَنْ يَتَوَلَّى الْمُؤْمِن الْكَافِر دُون الْمُؤْمِن . ثُمَّ رَدَّ الْمَوَارِيث إِلَى الْأَرْحَام . 12709 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير } قَالَ : إِلَّا تَعَاوَنُوا وَتَنَاصَرُوا فِي الدِّين , تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِتَأْوِيلِ قَوْله : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : أَنَّ بَعْضهمْ أَنْصَار بَعْض دُون الْمُؤْمِنِينَ , وَأَنَّهُ دَلَالَة عَلَى تَحْرِيم اللَّه عَلَى الْمُؤْمِن الْمَقَام فِي دَار الْحَرْب وَتَرْك الْهِجْرَة ; لِأَنَّ الْمَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب مِنْ مَعْنَى الْوَلِيّ أَنَّهُ النَّصِير وَالْمُعِين أَوْ اِبْن الْعَمّ وَالنَّسِيب . فَأَمَّا الْوَارِث فَغَيْر مَعْرُوف ذَلِكَ مِنْ مَعَانِيه إِلَّا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَلِيه فِي الْقِيَام بِإِرْثِهِ مِنْ بَعْده , وَذَلِكَ مَعْنَى بَعِيد وَإِنْ كَانَ قَدْ يَحْتَمِلهُ الْكَلَام . وَتَوْجِيه مَعْنَى كَلَام اللَّه إِلَى الْأَظْهَر الْأَشْهَر أَوْلَى مِنْ تَوْجِيهه إِلَى خِلَاف ذَلِكَ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَبَيِّن أَنَّ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِقَوْلِهِ : { إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير } تَأْوِيل مَنْ قَالَ : إِلَّا تَفْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ التَّعَاوُن وَالنُّصْرَة عَلَى الدِّين تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض , إِذْ كَانَ مُبْتَدَأ الْآيَة مِنْ قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ فِي سَبِيل اللَّه } بِالْحَثِّ عَلَى الْمُوَالَاة عَلَى الدِّين وَالتَّنَاصُر جَاءَ , وَكَذَلِكَ الْوَاجِب أَنْ يَكُون خَاتِمَتهَا بِهِ .
وَأَمَّا قَوْله : { إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : إِلَّا تَفْعَلُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ مِنْ مُوَارَثَة الْمُهَاجِرِينَ مِنْكُمْ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض بِالْهِجْرَةِ وَالْأَنْصَار بِالْإِيمَانِ دُون أَقْرِبَائِهِمْ مِنْ أَعْرَاب الْمُسْلِمِينَ وَدُون الْكُفَّار { تَكُنْ فِتْنَة } يَقُول : يَحْدُث بَلَاء فِي الْأَرْض بِسَبَبِ ذَلِكَ , { وَفَسَاد كَبِير } يَعْنِي : وَمَعَاصِي اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12706 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير } إِلَّا تَفْعَلُوا هَذَا تَتْرُكُوهُمْ يَتَوَارَثُونَ كَمَا كَانُوا يَتَوَارَثُونَ , تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير . قَالَ : وَلَمْ يَكُنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَل الْإِيمَان إِلَّا بِالْهِجْرَةِ , وَلَا يَجْعَلُونَهُمْ مِنْهُمْ إِلَّا بِالْهِجْرَةِ . 12707 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } يَعْنِي فِي الْمِيرَاث . { إِلَّا تَفْعَلُوهُ } يَقُول : إِلَّا تَأْخُذُوا فِي الْمِيرَاث بِمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ . { تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير } وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِلَّا تَنَاصَرُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي الدِّين تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12708 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : جَعَلَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار أَهْل وِلَايَة فِي الدِّين دُون مَنْ سِوَاهُمْ , وَجَعَلَ الْكُفَّار بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض , ثُمَّ قَالَ : { إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير } أَنْ يَتَوَلَّى الْمُؤْمِن الْكَافِر دُون الْمُؤْمِن . ثُمَّ رَدَّ الْمَوَارِيث إِلَى الْأَرْحَام . 12709 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير } قَالَ : إِلَّا تَعَاوَنُوا وَتَنَاصَرُوا فِي الدِّين , تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِتَأْوِيلِ قَوْله : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : أَنَّ بَعْضهمْ أَنْصَار بَعْض دُون الْمُؤْمِنِينَ , وَأَنَّهُ دَلَالَة عَلَى تَحْرِيم اللَّه عَلَى الْمُؤْمِن الْمَقَام فِي دَار الْحَرْب وَتَرْك الْهِجْرَة ; لِأَنَّ الْمَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب مِنْ مَعْنَى الْوَلِيّ أَنَّهُ النَّصِير وَالْمُعِين أَوْ اِبْن الْعَمّ وَالنَّسِيب . فَأَمَّا الْوَارِث فَغَيْر مَعْرُوف ذَلِكَ مِنْ مَعَانِيه إِلَّا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَلِيه فِي الْقِيَام بِإِرْثِهِ مِنْ بَعْده , وَذَلِكَ مَعْنَى بَعِيد وَإِنْ كَانَ قَدْ يَحْتَمِلهُ الْكَلَام . وَتَوْجِيه مَعْنَى كَلَام اللَّه إِلَى الْأَظْهَر الْأَشْهَر أَوْلَى مِنْ تَوْجِيهه إِلَى خِلَاف ذَلِكَ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَبَيِّن أَنَّ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِقَوْلِهِ : { إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير } تَأْوِيل مَنْ قَالَ : إِلَّا تَفْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ التَّعَاوُن وَالنُّصْرَة عَلَى الدِّين تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض , إِذْ كَانَ مُبْتَدَأ الْآيَة مِنْ قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ فِي سَبِيل اللَّه } بِالْحَثِّ عَلَى الْمُوَالَاة عَلَى الدِّين وَالتَّنَاصُر جَاءَ , وَكَذَلِكَ الْوَاجِب أَنْ يَكُون خَاتِمَتهَا بِهِ .
وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِي آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيل اللَّه وَاَلَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيل اللَّه وَاَلَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا } آوَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُهَاجِرِينَ مَعَهُ وَنَصَرُوهُمْ وَنَصَرُوا دِين اللَّه , أُولَئِكَ هُمْ أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله حَقًّا , لَا مَنْ آمَنَ وَلَمْ يُهَاجِر دَار الشِّرْك وَأَقَامَ بَيْن أَظْهُر أَهْل الشِّرْك وَلَمْ يَغْزُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ عَدُوّهُمْ . وَهَذِهِ الْآيَة تُنْبِئ عَنْ صِحَّة مَا قُلْنَا أَنَّ مَعْنَى قَوْل اللَّه : { بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } فِي هَذِهِ الْآيَة , وَقَوْله : { مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتهمْ مِنْ شَيْء } إِنَّمَا هُوَ النُّصْرَة وَالْمَعُونَة دُون الْمِيرَاث ; لِأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَقِب ذَلِكَ بِالثَّنَاءِ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار وَالْخَبَر عَمَّا لَهُمْ عِنْده دُون مَنْ لَمْ يُهَاجِر بِقَوْلِهِ : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيل اللَّه وَاَلَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا } الْآيَة , وَلَوْ كَانَ مُرَادًا بِالْآيَاتِ قَبْل ذَلِكَ الدَّلَالَة عَلَى حُكْم مِيرَاثهمْ لَمْ يَكُنْ عَقِيب ذَلِكَ لَا الْحَثّ عَلَى مُضِيّ الْمِيرَاث عَلَى مَا أَمَرَ , وَفِي صِحَّة ذَلِكَ كَذَلِكَ الدَّلِيل الْوَاضِح عَلَى أَنْ لَا نَاسِخ فِي هَذِهِ الْآيَات لِشَيْءٍ وَلَا مَنْسُوخ .
يَقُول : لَهُمْ سِتْر مِنْ اللَّه عَلَى ذُنُوبهمْ بِعَفْوِهِ لَهُمْ عَنْهَا.
يَقُول : لَهُمْ فِي الْجَنَّة مَطْعَم وَمَشْرَب هَنِيّ كَرِيم , لَا يَتَغَيَّر فِي أَجْوَافهمْ فَيَصِير نَجْوًا , وَلَكِنَّهُ يَصِير رَشْحًا كَرَشْحِ الْمِسْك .
يَقُول : لَهُمْ سِتْر مِنْ اللَّه عَلَى ذُنُوبهمْ بِعَفْوِهِ لَهُمْ عَنْهَا.
يَقُول : لَهُمْ فِي الْجَنَّة مَطْعَم وَمَشْرَب هَنِيّ كَرِيم , لَا يَتَغَيَّر فِي أَجْوَافهمْ فَيَصِير نَجْوًا , وَلَكِنَّهُ يَصِير رَشْحًا كَرَشْحِ الْمِسْك .
وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْد وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاَلَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله مِنْ بَعْد تِبْيَانِي مَا بَيَّنْت مِنْ وِلَايَة الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار بَعْضهمْ بَعْضًا وَانْقِطَاع وِلَايَتهمْ مِمَّنْ آمَنَ وَلَمْ يُهَاجِر حَتَّى يُهَاجِر وَهَاجَرُوا دَار الْكُفْر إِلَى دَار الْإِسْلَام وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ فِي الْوِلَايَة يَجِب عَلَيْكُمْ لَهُمْ مِنْ الْحَقّ وَالنُّصْرَة فِي الدِّين وَالْمُوَارَثَة مِثْل الَّذِي يَجِب لَكُمْ عَلَيْهِمْ وَلِبَعْضِكُمْ عَلَى بَعْض . كَمَا : 12710 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثُمَّ رَدَّ الْمَوَارِيث إِلَى الْأَرْحَام الَّتِي بَيَّنَهَا فَقَالَ : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْد وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه } أَيْ فِي الْمِيرَاث , { إِنَّ اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيم } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالْمُتَنَاسِبُونَ بِالْأَرْحَامِ بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي الْمِيرَاث , إِذَا كَانُوا مِمَّنْ قَسَمَ اللَّه لَهُ مِنْهُ نَصِيبًا وَحَظًّا مِنْ الْحَلِيف وَالْوَلِيّ , { فِي كِتَاب اللَّه } يَقُول : فِي حُكْم اللَّه الَّذِي كَتَبَهُ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَالسَّابِق مِنْ الْقَضَاء . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12711 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثَنَا قَتَادَة أَنَّهُ قَالَ : كَانَ لَا يَرِث الْأَعْرَابِيّ الْمُهَاجِر حَتَّى أَنْزَلَ اللَّه : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه } . 12712 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُعَاذ بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا اِبْن عَوْن , عَنْ عِيسَى بْن الْحَارِث , أَنَّ أَخَاهُ شُرَيْح بْن الْحَارِث كَانَتْ لَهُ سُرِّيَّة فَوَلَدَتْ مِنْهُ جَارِيَة , فَلَمَّا شَبَّتْ الْجَارِيَة زُوِّجَتْ , فَوَلَدَتْ غُلَامًا , ثُمَّ مَاتَتْ السُّرِّيَّة , وَاخْتَصَمَ شُرَيْح بْن الْحَارِث وَالْغُلَام إِلَى شُرَيْح الْقَاضِي فِي مِيرَاثهَا , فَجَعَلَ شُرَيْح بْن الْحَارِث يَقُول : لَيْسَ لَهُ مِيرَاث فِي كِتَاب اللَّه . قَالَ : فَقَضَى شُرَيْح بِالْمِيرَاثِ لِلْغُلَامِ . قَالَ : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه } فَرَكِبَ مَيْسَرَة بْن يَزِيد إِلَى اِبْن الزُّبَيْر , وَأَخْبَرَهُ بِقَضَاءِ شُرَيْح وَقَوْله , فَكَتَبَ اِبْن الزُّبَيْر إِلَى شُرَيْح أَنَّ مَيْسَرَة أَخْبَرَنِي أَنَّك قَضَيْت بِكَذَا وَكَذَا وَقُلْت : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه } وَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ , إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : أَنَّ الرَّجُل كَانَ يُعَاقِد الرَّجُل يَقُول : تَرِثنِي وَأَرِثك , فَنَزَلَتْ : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه } . فَجَاءَ بِالْكِتَابِ إِلَى شُرَيْح , فَقَالَ شُرَيْح : أَعْتَقَهَا جَنِين بَطْنهَا ! وَأَبَى أَنْ يَرْجِع عَنْ قَضَائِهِ . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ اِبْن عَوْن , قَالَ : ثني عِيسَى بْن الْحَارِث , قَالَ : كَانَتْ لِشُرَيْح بْن الْحَارِث سُرِّيَّة , فَذَكَرَ نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثه : كَانَ الرَّجُل يُعَاقِد الرَّجُل يَقُول : تَرِثنِي وَأَرِثك ; فَلَمَّا نَزَلَتْ تُرِكَ ذَلِكَ .
يَقُول : إِنَّ اللَّه عَالِم بِمَا يُصْلِح عِبَاده فِي تَوْرِيثه بَعْضهمْ مِنْ بَعْض فِي الْقَرَابَة وَالنَّسَب دُون الْحِلْف بِالْعَقْدِ , وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُور كُلّهَا , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالْمُتَنَاسِبُونَ بِالْأَرْحَامِ بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي الْمِيرَاث , إِذَا كَانُوا مِمَّنْ قَسَمَ اللَّه لَهُ مِنْهُ نَصِيبًا وَحَظًّا مِنْ الْحَلِيف وَالْوَلِيّ , { فِي كِتَاب اللَّه } يَقُول : فِي حُكْم اللَّه الَّذِي كَتَبَهُ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَالسَّابِق مِنْ الْقَضَاء . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12711 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثَنَا قَتَادَة أَنَّهُ قَالَ : كَانَ لَا يَرِث الْأَعْرَابِيّ الْمُهَاجِر حَتَّى أَنْزَلَ اللَّه : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه } . 12712 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُعَاذ بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا اِبْن عَوْن , عَنْ عِيسَى بْن الْحَارِث , أَنَّ أَخَاهُ شُرَيْح بْن الْحَارِث كَانَتْ لَهُ سُرِّيَّة فَوَلَدَتْ مِنْهُ جَارِيَة , فَلَمَّا شَبَّتْ الْجَارِيَة زُوِّجَتْ , فَوَلَدَتْ غُلَامًا , ثُمَّ مَاتَتْ السُّرِّيَّة , وَاخْتَصَمَ شُرَيْح بْن الْحَارِث وَالْغُلَام إِلَى شُرَيْح الْقَاضِي فِي مِيرَاثهَا , فَجَعَلَ شُرَيْح بْن الْحَارِث يَقُول : لَيْسَ لَهُ مِيرَاث فِي كِتَاب اللَّه . قَالَ : فَقَضَى شُرَيْح بِالْمِيرَاثِ لِلْغُلَامِ . قَالَ : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه } فَرَكِبَ مَيْسَرَة بْن يَزِيد إِلَى اِبْن الزُّبَيْر , وَأَخْبَرَهُ بِقَضَاءِ شُرَيْح وَقَوْله , فَكَتَبَ اِبْن الزُّبَيْر إِلَى شُرَيْح أَنَّ مَيْسَرَة أَخْبَرَنِي أَنَّك قَضَيْت بِكَذَا وَكَذَا وَقُلْت : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه } وَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ , إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : أَنَّ الرَّجُل كَانَ يُعَاقِد الرَّجُل يَقُول : تَرِثنِي وَأَرِثك , فَنَزَلَتْ : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه } . فَجَاءَ بِالْكِتَابِ إِلَى شُرَيْح , فَقَالَ شُرَيْح : أَعْتَقَهَا جَنِين بَطْنهَا ! وَأَبَى أَنْ يَرْجِع عَنْ قَضَائِهِ . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ اِبْن عَوْن , قَالَ : ثني عِيسَى بْن الْحَارِث , قَالَ : كَانَتْ لِشُرَيْح بْن الْحَارِث سُرِّيَّة , فَذَكَرَ نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثه : كَانَ الرَّجُل يُعَاقِد الرَّجُل يَقُول : تَرِثنِي وَأَرِثك ; فَلَمَّا نَزَلَتْ تُرِكَ ذَلِكَ .
يَقُول : إِنَّ اللَّه عَالِم بِمَا يُصْلِح عِبَاده فِي تَوْرِيثه بَعْضهمْ مِنْ بَعْض فِي الْقَرَابَة وَالنَّسَب دُون الْحِلْف بِالْعَقْدِ , وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُور كُلّهَا , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْهَا .