اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اِتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : اِتَّخَذَ الْيَهُود أَحْبَارهمْ , وَهُمْ الْعُلَمَاء . وَقَدْ بَيَّنْت تَأْوِيل ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا . قِيلَ وَاحِدهمْ حَبْر وَحِبْر بِكَسْرِ الْحَاء مِنْهُ وَفَتْحهَا . وَكَانَ يُونُس الْجَرْمِيّ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ يَزْعُم أَنَّه لَمْ يَسْمَع ذَلِكَ إِلَّا " حِبْر " بِكَسْرِ الْحَاء , وَيَحْتَجّ بِقَوْلِ النَّاس : هَذَا مِدَاد حِبْر , يُرَاد بِهِ : مِدَاد عَالِم . وَذَكَرَ الْفَرَّاء أَنَّهُ سَمِعَهُ حَبْرًا وَحِبْرًا بِكَسْرِ الْحَاء وَفَتْحهَا. وَالنَّصَارَى رُهْبَانهمْ , وَهُمْ أَصْحَاب الصَّوَامِع وَأَهْل الِاجْتِهَاد فِي دِينهمْ مِنْهُمْ . كَمَا : 12924 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سَلَمَة , عَنْ الضَّحَّاك : { اِتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ } قَالَ : قُرَّاءَهُمْ وَعُلَمَاءَهُمْ . { أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه } يَعْنِي : سَادَة لَهُمْ مِنْ دُون اللَّه يُطِيعُونَهُمْ فِي مَعَاصِي اللَّه , فَيُحِلُّونَ مَا أَحَلُّوهُ لَهُمْ مِمَّا قَدْ حَرَّمَهُ اللَّه عَلَيْهِمْ وَيُحَرِّمُونَ مَا يُحَرِّمُونَهُ عَلَيْهِمْ مِمَّا قَدْ أَحَلَّهُ اللَّه لَهُمْ . كَمَا : 12925 - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن يَزِيد الطَّحَّان , قَالَ : ثنا عَبْد السَّلَام بْن حَرْب الْمُلَائِيّ , عَنْ غُطَيْف بْن أَعْيَن , عَنْ مُصْعَب بْن سَعْد , عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم , قَالَ : اِنْتَهَيْت إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأ فِي سُورَة بَرَاءَة : { اِتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه } فَقَالَ : " أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ , وَلَكِنْ كَانُوا يُحِلُّونَ لَهُمْ فَيُحِلُّونَ " . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا مَالِك بْن إِسْمَاعِيل , وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد جَمِيعًا عَنْ عَبْد السَّلَام بْن حَرْب , قَالَ : ثنا غُطَيْف بْن أَعْيَن , عَنْ مُصْعَب بْن سَعْد , عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم , قَالَ : أَتَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِي صَلِيب مِنْ ذَهَب , فَقَالَ : " يَا عَدِيّ اِطْرَحْ هَذَا الْوَثَن مِنْ عُنُقك ! " قَالَ : فَطَرَحْته وَانْتَهَيْت إِلَيْهِ وَهُوَ يَقْرَأ فِي سُورَة بَرَاءَة , فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { اِتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه } قَالَ : قُلْت : يَا رَسُول اللَّه إِنَّا لَسْنَا نَعْبُدهُمْ ! فَقَالَ : " أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّه فَتُحَرِّمُونَهُ , وَيُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّه فَتُحِلُّونَهُ ؟ " قَالَ : قُلْت : بَلَى . قَالَ : " فَتِلْكَ عِبَادَتهمْ " وَاللَّفْظ لِحَدِيثِ أَبِي كُرَيْب . * - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن عَمْرو السَّكُونِيّ , قَالَ : ثنا بَقِيَّة عَنْ قَيْس بْن الرَّبِيع , عَنْ عَبْد السَّلَام بْن حَرْب النَّهْدِيّ , عَنْ غُطَيْف , عَنْ مُصْعَب بْن سَعْد , عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم , قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأ سُورَة بَرَاءَة ; فَلَمَّا قَرَأَ : { اِتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه } قُلْت : يَا رَسُول اللَّه , أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُصَلُّونَ لَهُمْ ؟ قَالَ : " صَدَقْت , وَلَكِنْ كَانُوا يُحِلُّونَ لَهُمْ مَا حَرَّمَ اللَّه فَيَسْتَحِلُّونَهُ , وَيُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّه لَهُمْ فَيُحَرِّمُونَهُ " . 12926 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ , عَنْ حُذَيْفَة , أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْله : { اِتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه } كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ ؟ قَالَ : لَا , كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اِسْتَحَلُّوهُ , وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَبِيب , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ , قَالَ : قِيلَ لِأَبِي حُذَيْفَة فَذَكَرَ نَحْوه , غَيْر أَنَّهُ قَالَ : وَلَكِنْ كَانُوا يُحِلُّونَ لَهُمْ الْحَرَام فَيَسْتَحِلُّونَهُ , وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْهِمْ الْحَلَال فَيُحَرِّمُونَهُ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ الْعَوَّام بْن حَوْشَب , عَنْ حَبِيب , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ قَالَ : قِيلَ لِحُذَيْفَة : أَرَأَيْت قَوْل اللَّه : { اِتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ } ؟ قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَصُومُونَ لَهُمْ , وَلَا يُصَلُّونَ لَهُمْ , وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اِسْتَحَلُّوهُ , وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا أَحَلَّهُ اللَّه لَهُمْ حَرَّمُوهُ , فَتِلْكَ كَانَتْ رُبُوبِيَّتهمْ . 12927 - قَالَ : ثنا جَرِير وَابْن فُضَيْل , عَنْ عَطَاء , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ : { اِتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه } قَالَ : اِنْطَلَقُوا إِلَى حَلَال اللَّه فَجَعَلُوهُ حَرَامًا , وَانْطَلَقُوا إِلَى حَرَام اللَّه فَجَعَلُوهُ حَلَالًا , فَأَطَاعُوهُمْ فِي ذَلِكَ , فَجَعَلَ اللَّه طَاعَتهمْ عِبَادَتهمْ , وَلَوْ قَالُوا لَهُمْ اُعْبُدُونَا لَمْ يَفْعَلُوا . * - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ , قَالَ : سَأَلَ رَجُل حُذَيْفَة , فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْد اللَّه أَرَأَيْت قَوْله : { اِتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه } أَكَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ ؟ قَالَ : لَا , كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اِسْتَحَلُّوهُ , وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ . 12928 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ أَشْعَث , عَنْ الْحَسَن : { اِتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا } قَالَ : فِي الطَّاعَة . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { اِتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه } يَقُول : وَزَيَّنُوا لَهُمْ طَاعَتهمْ . 12929 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { اِتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه } قَالَ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس : لَمْ يَأْمُرُوهُمْ أَنْ يَسْجُدُوا لَهُمْ , وَلَكِنْ أَمَرُوهُمْ بِمَعْصِيَةِ اللَّه , فَأَطَاعُوهُمْ , فَسَمَّاهُمْ اللَّه بِذَلِكَ أَرْبَابًا . 12930 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن نُمَيْر , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { اِتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا } قَالَ : قُلْت لِأَبِي الْعَالِيَة : كَيْف كَانَتْ الرُّبُوبِيَّة الَّتِي كَانَتْ فِي بَنِي إِسْرَائِيل ؟ قَالَ قَالُوا : مَا أَمَرُونَا بِهِ اِئْتَمَرْنَا , وَمَا نَهَوْنَا عَنَّا اِنْتَهَيْنَا ! لِقَوْلِهِمْ : وَهُمْ يَجِدُونَ فِي كِتَاب اللَّه مَا أُمِرُوا بِهِ وَمَا نُهُوا عَنْهُ , فَاسْتَنْصَحُوا الرِّجَال , وَنَبَذُوا كِتَاب اللَّه وَرَاء ظُهُورهمْ . 12931 - حَدَّثَنِي بِشْر بْن سُوَيْد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ , عَنْ حُذَيْفَة : { اِتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه } قَالَ : لَمْ يَعْبُدُوهُمْ , وَلَكِنَّهُمْ أَطَاعُوهُمْ فِي الْمَعَاصِي .
وَأَمَّا قَوْله : { وَالْمَسِيح اِبْن مَرْيَم } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : اِتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ وَالْمَسِيح اِبْن مَرْيَم أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه .
وَأَمَّا قَوْله : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : وَمَا أُمِرَ هَؤُلَاءِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذِينَ اِتَّخَذُوا الْأَحْبَار وَالرُّهْبَان وَالْمَسِيح أَرْبَابًا إِلَّا أَنْ يَعْبُدُوا مَعْبُودًا وَاحِدًا , وَأَنْ يُطِيعُوا إِلَّا رَبًّا وَاحِدًا دُون أَرْبَاب شَتَّى ; وَهُوَ اللَّه الَّذِي لَهُ عِبَادَة كُلّ شَيْء وَطَاعَة كُلّ خَلْق , الْمُسْتَحِقّ عَلَى جَمِيع خَلْقه الدَّيْنُونَة لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّة , لَا إِلَه إِلَّا هُوَ . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَا تَنْبَغِي الْأُلُوهَة إِلَّا لِوَاحِدٍ الَّذِي أَمَرَ الْخَلْق بِعِبَادَتِهِ , وَلَزِمَتْ جَمِيع الْعِبَاد طَاعَته .
{ سُبْحَانه عَمَّا يُشْرِكُونَ } يَقُول : تَنْزِيهًا وَتَطْهِيرًا لِلَّهِ عَمَّا يُشْرِك فِي طَاعَته وَرُبُوبِيَّته الْقَائِلُونَ عُزَيْر اِبْن اللَّه , وَالْقَائِلُونَ الْمَسِيح اِبْن اللَّه , الْمُتَّخِذُونَ أَحْبَارهمْ أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه .
وَأَمَّا قَوْله : { وَالْمَسِيح اِبْن مَرْيَم } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : اِتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ وَالْمَسِيح اِبْن مَرْيَم أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه .
وَأَمَّا قَوْله : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : وَمَا أُمِرَ هَؤُلَاءِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذِينَ اِتَّخَذُوا الْأَحْبَار وَالرُّهْبَان وَالْمَسِيح أَرْبَابًا إِلَّا أَنْ يَعْبُدُوا مَعْبُودًا وَاحِدًا , وَأَنْ يُطِيعُوا إِلَّا رَبًّا وَاحِدًا دُون أَرْبَاب شَتَّى ; وَهُوَ اللَّه الَّذِي لَهُ عِبَادَة كُلّ شَيْء وَطَاعَة كُلّ خَلْق , الْمُسْتَحِقّ عَلَى جَمِيع خَلْقه الدَّيْنُونَة لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّة , لَا إِلَه إِلَّا هُوَ . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَا تَنْبَغِي الْأُلُوهَة إِلَّا لِوَاحِدٍ الَّذِي أَمَرَ الْخَلْق بِعِبَادَتِهِ , وَلَزِمَتْ جَمِيع الْعِبَاد طَاعَته .
{ سُبْحَانه عَمَّا يُشْرِكُونَ } يَقُول : تَنْزِيهًا وَتَطْهِيرًا لِلَّهِ عَمَّا يُشْرِك فِي طَاعَته وَرُبُوبِيَّته الْقَائِلُونَ عُزَيْر اِبْن اللَّه , وَالْقَائِلُونَ الْمَسِيح اِبْن اللَّه , الْمُتَّخِذُونَ أَحْبَارهمْ أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه .
يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُور اللَّه بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّه إِلَّا أَنْ يُتِمّ نُوره وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يُرِيد هَؤُلَاءِ الْمُتَّخِذُونَ أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ وَالْمَسِيح. اِبْن مَرْيَم أَرْبَابًا { أَنْ يُطْفِئُوا نُور اللَّه بِأَفْوَاهِهِمْ } يَعْنِي : أَنَّهُمْ يُحَاوِلُونَ بِتَكْذِيبِهِمْ بِدِينِ اللَّه الَّذِي اُبْتُعِثَ بِهِ رَسُوله وَصَدَّهُمْ النَّاس عَنْهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ أَنْ يُبْطِلُوهُ , وَهُوَ النُّور الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه لِخَلْقِهِ ضِيَاء . { وَيَأْبَى اللَّه إِلَّا أَنْ يُتِمّ نُوره } يَعْلُو دِينه وَتَظْهَر كَلِمَته , وَيَتِمّ الْحَقّ الَّذِي بَعَثَ بِهِ رَسُوله مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَوْ كَرِهَ إِتْمَام اللَّه إِيَّاهُ الْكَافِرُونَ , يَعْنِي : جَاحِدِيهِ الْمُكَذِّبِينَ بِهِ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12932 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُور اللَّه بِأَفْوَاهِهِمْ } يَقُول : يُرِيدُونَ : أَنْ يُطْفِئُوا الْإِسْلَام بِكَلَامِهِمْ .
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوله بِالْهُدَى وَدِين الْحَقّ لِيُظْهِرهُ عَلَى الدِّين كُلّه وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : اللَّه الَّذِي يَأْبَى إِلَّا إِتْمَام دِينه وَلَوْ كَرِهَ ذَلِكَ جَاحِدُوهُ وَمُنْكِرُوهُ , الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوله مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهُدَى , يَعْنِي : بِبَيَانِ فَرَائِض اللَّه عَلَى خَلْقه , وَجَمِيع اللَّازِم لَهُمْ , وَبِدِينِ الْحَقّ وَهُوَ الْإِسْلَام , { لِيُظْهِرهُ عَلَى الدِّين كُلّه } يَقُول : لِيَعْلَى الْإِسْلَام عَلَى الْمِلَل كُلّهَا . { وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } بِاَللَّهِ ظُهُوره عَلَيْهَا . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { لِيُظْهِرهُ عَلَى الدِّين كُلّه } فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ عِنْد خُرُوج عِيسَى حِين تَصِير الْمِلَل كُلّهَا وَاحِدَة. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12933 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد الْقَطَّان , قَالَ : ثنا شَقِيق , قَالَ : ثني ثَابِت الْحَدَّاد أَبُو الْمِقْدَام , عَنْ شَيْخ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِي قَوْله : { لِيُظْهِرهُ عَلَى الدِّين كُلّه } قَالَ : حِين خُرُوج عِيسَى اِبْن مَرْيَم . 12934 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ فُضَيْل بْن مَرْزُوق , قَالَ : ثني مَنْ سَمِعَ أَبَا جَعْفَر : { لِيُظْهِرهُ عَلَى الدِّين كُلّه } قَالَ : إِذَا خَرَجَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام اِتَّبَعَهُ أَهْل كُلّ دِين . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : لِيُعَلِّمهُ شَرَائِع الدِّين كُلّهَا فَيُطْلِعهُ عَلَيْهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12935 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لِيُظْهِرهُ عَلَى الدِّين كُلّه } قَالَ : لِيُظْهِر اللَّه نَبِيّه عَلَى أَمْر الدِّين كُلّه , فَيُعْطِيه إِيَّاهُ كُلّه , وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْء . وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُود يَكْرَهُونَ ذَلِكَ .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْبَار وَالرُّهْبَان لَيَأْكُلُونَ أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه وَرَسُوله وَأَقَرُّوا بِوَحْدَانِيَّةِ رَبّهمْ , إِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْعُلَمَاء وَالْقُرَّاء مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى ; { لَيَأْكُلُونَ أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ } يَقُول : يَأْخُذُونَ الرَّشَا فِي أَحْكَامهمْ , وَيُحَرِّفُونَ كِتَاب اللَّه , وَيَكْتُبُونَ بِأَيْدِيهِمْ كُتُبًا ثُمَّ يَقُولُونَ : هَذِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , وَيَأْخُذُونَ بِهَا ثَمَنًا قَلِيلًا مِنْ سَفَلَتهمْ . { وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه } يَقُول : وَيَمْنَعُونَ مَنْ أَرَادَ الدُّخُول فِي الْإِسْلَام الدُّخُول فِيهِ بَيْنهمْ إِيَّاهُمْ عَنْهُ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12936 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْبَار وَالرُّهْبَان لَيَأْكُلُونَ أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ } أَمَّا الْأَحْبَار , فَمِنْ الْيَهُود ; وَأَمَّا الرُّهْبَان : فَمِنْ النَّصَارَى ; وَأَمَّا سَبِيل اللَّه : فَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل اللَّه فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { إِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْبَار وَالرُّهْبَان لَيَأْكُلُونَ أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ } وَيَأْكُلهَا أَيْضًا مَعَهُمْ { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل اللَّه فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم } يَقُول : بَشِّرْ الْكَثِير مِنْ الْأَحْبَار وَالرُّهْبَان الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ , وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل اللَّه , بِعَذَابٍ أَلِيم لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة مُوجِع مِنْ اللَّه. وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي مَعْنَى الْكَنْز , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ كُلّ مَال وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاة فَلَمْ تُؤَدَّ زَكَاته . قَالُوا : وَعَنَى بِقَوْلِهِ : { وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل اللَّه } وَلَا يُؤَدُّونَ زَكَاتهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12937 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا أَيُّوب , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : كُلّ مَال أُدِّيَتْ زَكَاته فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَإِنْ كَانَ مَدْفُونًا , وَكُلّ مَال لَمْ تُؤَدَّ زَكَاته فَهُوَ الْكَنْز الَّذِي ذِكْره اللَّه فِي الْقُرْآن يُكْوَى بِهِ صَاحِبه وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَدْفُونًا. * - حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن الْجُنَيْد , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن مَسْلَمَة , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن أُمَيَّة , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , أَنَّهُ قَالَ : كُلّ مَال أُدِّيَتْ مِنْهُ الزَّكَاة فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَإِنْ كَانَ مَدْفُونًا , وَكُلّ مَال لَمْ تُؤَدَّ مِنْهُ الزَّكَاة وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَدْفُونًا فَهُوَ كَنْز . * - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : أَيّمَا مَال أُدِّيَتْ زَكَاته فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَإِنْ كَانَ مَدْفُونًا فِي الْأَرْض , وَأَيّمَا مَال لَمْ تُؤَدَّ زَكَاته فَهُوَ بِكَنْزٍ يُكْوَى بِهِ صَاحِبه , وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْه الْأَرْض. 12938 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي وَجَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَطِيَّة , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : مَا أُدِّيَتْ زَكَاته فَلَيْسَ بِكَنْزٍ . * - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْعُمَرِيّ , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : مَا أُدِّيَتْ زَكَاته فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَإِنْ كَانَ تَحْت سَبْع أَرَضِينَ , وَمَا لَمْ تُؤَدَّ زَكَاته فَهُوَ كَنْز وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا . 12939 - قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ الشَّيْبَانِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : مَا أُدِّيَتْ زَكَاته فَلَيْسَ بِكَنْزٍ. 12940 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : أَمَّا الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة فَهَؤُلَاءِ أَهْل الْقِبْلَة . وَالْكَنْز : مَا لَمْ تُؤَدَّ زَكَاته وَإِنْ كَانَ عَلَى ظَهْر الْأَرْض وَإِنْ قَلَّ ; وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا قَدْ أُدِّيَتْ زَكَاته . فَلَيْسَ بِكَنْزٍ . 12941 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل . عَنْ جَابِر , قَالَ : قُلْت لِعَامِرٍ : مَال عَلَى رَفّ بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض لَا تُؤَدَّى زَكَاته , أَكَنْز هُوَ ؟ قَالَ : يُكْوَى بِهِ يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَ آخَرُونَ : كُلّ مَال زَادَ عَلَى أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم , فَهُوَ كَنْز , أُدِّيَتْ مِنْهُ الزَّكَاة أَوْ لَمْ تُؤَدَّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12942 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ جَعْدَة بْن هُبَيْرَة , عَنْ عَلِيّ رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِ قَالَ : أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم فَمَا دُونهَا نَفَقَة , فَمَا كَانَ أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ كَنْز. * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ جَعْدَة بْن هُبَيْرَة , عَنْ عَلِيّ , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الشَّعْبِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو حُصَيْن , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ جَعْدَة بْن هُبَيْرَة , عَنْ عَلِيّ رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِ , فِي قَوْله : { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة } قَالَ : أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم فَمَا دُونهَا نَفَقَة , وَمَا فَوْقهَا كَنْز . وَقَالَ آخَرُونَ : الْكَنْز كُلّ مَا فَضَلَ مِنْ الْمَال عَنْ حَاجَة صَاحِبه إِلَيْهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12943 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَنَس , عَنْ عَبْد الْوَاحِد أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مُجِيب قَالَ : كَانَ نَعْل سَيْف أَبِي هُرَيْرَة مِنْ فِضَّة , فَنَهَاهُ عَنْهَا أَبُو ذَرّ , وَقَالَ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ تَرَكَ صَفْرَاء أَوْ بَيْضَاء كُوِيَ بِهَا ". 12944 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمِّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ الْأَعْمَش وَعَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل اللَّه } قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَبًّا لِلذَّهَبِ تبا لِلْفِضَّةِ " يَقُولهَا ثَلَاثًا . قَالَ : فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالُوا : فَأَيّ مَال نَتَّخِذهُ ؟ فَقَالَ عُمَر : أَنَا أَعْلَم لَكُمْ ذَلِكَ . فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ أَصْحَابك قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا : فَأَيّ الْمَال نَتَّخِذ , فَقَالَ : " لِسَانًا ذَاكِرًا , وَقَلْبًا شَاكِرًا , وَزَوْجَة تُعِين أَحَدكُمْ عَلَى دِينه " . 12945 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمِّل , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ مَنْصُور , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , عَنْ ثَوْبَان , بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ مَنْصُور , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل اللَّه } قَالَ الْمُهَاجِرُونَ : وَأَيّ الْمَال نَتَّخِذ ؟ فَقَالَ عُمَر : اِسْأَلْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ . قَالَ : فَأَدْرَكْته عَلَى بَعِير , فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ الْمُهَاجِرِينَ قَالُوا : فَأَيّ الْمَال نَتَّخِذهُ ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لِسَانًا ذَاكِرًا , وَقَلْبًا شَاكِرًا , وَزَوْجَة مُؤْمِنَة لِدِينِ أَحَدكُمْ عَلَى دِينه " . 12946 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ أَبِي أُمَامَةَ , قَالَ : تُوُفِّيَ رَجُل مِنْ أَهْل الصُّفَّة , فَوَجَدَ فِي مِئْزَره دِينَار , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَيَّة " ثُمَّ تُوُفِّيَ آخَر , فَوَجَدَ فِي مِئْزَره دِينَارَانِ , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَيَّتَانِ " . * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ صُدَيّ بْن عَجْلَان أَبِي أُمَامَةَ , قَالَ : مَاتَ رَجُل مِنْ أَهْل الصُّفَّة , فَوَجَدَ فِي مِئْزَره دِينَار , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَيَّة " ثُمَّ تُوُفِّيَ آخَر , فَوَجَدَ فِي مِئْزَره دِينَارَانِ فَقَالَ نَبِيّ اللَّه : " كَيَّتَانِ " . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ سَالِم , عَنْ ثَوْبَان , قَالَ : كُنَّا فِي سَفَر وَنَحْنُ نَسِير مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ الْمُهَاجِرُونَ : لَوَدِدْنَا أَنَّا عَلِمْنَا أَيّ الْمَال خَيْر فَنَتَّخِذهُ ! إِذْ نَزَلَ فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة مَا نَزَلَ , فَقَالَ عُمَر : إِنْ شِئْتُمْ سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ . فَقَالُوا : أَجَلْ . فَانْطَلَقَ فَتَبِعْته أُوضَع عَلَى بَعِيرِي , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ الْمُهَاجِرِينَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة مَا أَنْزَلَ قَالُوا : وَدِدْنَا أَنَّا عَلِمْنَا أَيّ الْمَال خَيْر فَنَتَّخِذهُ , قَالَ : " نَعَمْ , فَيَتَّخِذ أَحَدكُمْ لِسَانًا ذَاكِرًا , وَقَلْبًا شَاكِرًا , وَزَوْجَة تُعِين أَحَدكُمْ عَلَى إِيمَانه " . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ : الْقَوْل الَّذِي ذُكِرَ عَنْ اِبْن عُمَر مِنْ أَنَّ كُلّ مَال أُدِّيَتْ زَكَاته فَلَيْسَ بِكَنْزٍ يَحْرُم عَلَى صَاحِبه اِكْتِنَازه وَإِنْ كَثُرَ , وَأَنَّ كُلّ مَا لَمْ تُؤَدَّ زَكَاته فَصَاحِبه مُعَاقَب مُسْتَحِقّ وَعَبْد اللَّه إِلَّا أَنْ يَتَفَضَّل اللَّه عَلَيْهِ بِعَفْوِهِ وَإِنْ قَلَّ إِذَا كَانَ مِمَّا يَجِب فِيهِ الزَّكَاة . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه أَوْجَبَ فِي خَمْس أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِق عَلَى لِسَان رَسُوله رُبْع عُشْرهَا , وَفِي عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنْ الذَّهَب مِثْل ذَلِكَ رُبْع عُشْرهَا . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ فَرَضَ اللَّه فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة عَلَى لِسَان رَسُوله , فَمَعْلُوم أَنَّ الْكَثِير مِنْ الْمَال وَإِنْ بَلَغَ فِي الْكَثْرَة أُلُوف أُلُوف لَوْ كَانَ , وَإِنْ أُدِّيَتْ زَكَاته مِنْ الْكُنُوز الَّتِي أَوْعَدَ اللَّه أَهْلهَا عَلَيْهَا الْعِقَاب , لَمْ يَكُنْ فِيهِ الزَّكَاة الَّتِي ذَكَرْنَا مِنْ رُبْع الْعُشْر , لِأَنَّ مَا كَانَ فَرْضًا إِخْرَاج جَمِيعه مِنْ الْمَال وَحَرَام اِتِّخَاذه فَزَكَاته الْخُرُوج مِنْ جَمِيعه إِلَى أَهْله لَا رُبْع عُشْره , وَذَلِكَ مِثْل الْمَال الْمَغْصُوب الَّذِي هُوَ حَرَام عَلَى الْغَاصِب إِمْسَاكه وَفُرِضَ عَلَيْهِ إِخْرَاجه مِنْ يَده إِلَى يَده , فَالتَّطَهُّر مِنْهُ رَدّه إِلَى صَاحِبه . فَلَوْ كَانَ مَا زَادَ مِنْ الْمَال عَلَى أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم , أَوْ مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَة رَبّه الَّتِي لَا بُدّ مِنْهَا مِمَّا يَسْتَحِقّ صَاحِبه بِاقْتِنَائِهِ - إِذَا أَدَّى إِلَى أَهْل السُّهْمَان حُقُوقهمْ مِنْهَا مِنْ الصَّدَقَة - وَعِيد اللَّه لَمْ يَكُنْ اللَّازِم رَبّه فِيهِ رُبْع عُشْره , بَلْ كَانَ اللَّازِم لَهُ الْخُرُوج مِنْ جَمِيعه إِلَى أَهْله وَصَرْفه فِيمَا يَجِب عَلَيْهِ صَرْفه , كَاَلَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْوَاجِب عَلَى غَاصِب رَجُل مَاله رَدّه عَلَى رَبّه . وَبَعْد , فَإِنَّ فِيمَا : 12947 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , قَالَ : قَالَ مَعْمَر : أَخْبَرَنِي سُهَيْل بْن أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " مَا مِنْ رَجُل لَا يُؤَدِّي زَكَاة مَاله إِلَّا جُعِلَ يَوْم الْقِيَامَة صَفَائِح مِنْ نَار يُكْوَى بِهَا جَنْبه وَجَبْهَته وَظَهْره فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خَمْسِينَ أَلْف سَنَة حَتَّى يُمْضَى بَيْن النَّاس ثُمَّ يَرَى سَبِيله وَإِذْ كَانَتْ إِبِلًا إِلَّا بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَر تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا " حَسِبْته قَالَ : " وَتَعَضّهُ بِأَفْوَاهِهَا , يَرِد أُولَاهَا عَلَى أُخْرَاهَا , حَتَّى يُقْضَى بَيْن النَّاس ثُمَّ يَرَى سَبِيله . وَإِنْ كَانَتْ غَنَمًا فَمِثْل ذَلِكَ , إِلَّا أَنَّهَا تَنْطَحهُ بِقُرُونِهَا , وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا " . وَفِي ذَلِكَ نَظَائِر مِنْ الْأَخْبَار الَّتِي كَرِهْنَا الْإِطَالَة بِذِكْرِهَا الدَّلَالَة الْوَاضِحَة عَلَى أَنَّ الْوَعِيد إِنَّمَا هُوَ مِنْ اللَّه عَلَى الْأَمْوَال الَّتِي لَمْ تُؤَدِّ الْوَظَائِف الْمَفْرُوضَة فِيهَا لِأَهْلِهَا مِنْ الصَّدَقَة , لَا عَلَى اِقْتِنَائِهَا وَاكْتِنَازهَا. وَفِيمَا بَيَّنَّا مِنْ ذَلِكَ الْبَيَان الْوَاضِح عَلَى أَنَّ الْآيَة لِخَاصٍّ كَمَا قَالَ اِبْن عَبَّاس , وَذَلِكَ مَا : 12948 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل اللَّه فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم } يَقُول : هُمْ أَهْل الْكِتَاب , وَقَالَ : هِيَ خَاصَّة وَعَامَّة . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : هِيَ خَاصَّة وَعَامَّة ; هِيَ خَاصَّة مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِيمَنْ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاة مَاله مِنْهُمْ , وَعَامَّة فِي أَهْل الْكِتَاب لِأَنَّهُمْ كُفَّار لَا تُقْبَل مِنْهُمْ نَفَقَاتهمْ إِنْ أَنْفَقُوا. يَدُلّ عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْل اِبْن عَبَّاس هَذَا مَا : 12949 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا } إِلَى قَوْله : { هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ } قَالَ : هُمْ الَّذِينَ لَا يُؤَدُّونَ زَكَاة أَمْوَالهمْ . قَالَ : وَكُلّ مَال لَا تُؤَدَّى زَكَاته كَانَ عَلَى ظَهْر الْأَرْض أَوْ فِي بَطْنهَا فَهُوَ كَنْز , وَكُلّ مَال تُؤَدَّى زَكَاته فَلَيْسَ بِكَنْزٍ كَانَ عَلَى ظَهْر الْأَرْض أَوْ فِي بَطْنهَا . 12950 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة } قَالَ : الْكَنْز : مَا كُنِزَ عَنْ طَاعَة اللَّه وَفَرِيضَته , وَذَلِكَ الْكَنْز . وَقَالَ : اُفْتُرِضَتْ الزَّكَاة وَالصَّلَاة جَمِيعًا لَمْ يُفَرَّق بَيْنهمَا . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ عَلَى الْخُصُوص , لِأَنَّ الْكَنْز فِي كَلَام الْعَرَب : كُلّ شَيْء مَجْمُوع بَعْضه عَلَى بَعْض فِي بَطْن الْأَرْض كَانَ أَوْ عَلَى ظَهْرهَا , يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : لَا دَرَّ دَرِّي إِنْ أَطْعَمْت نَازِلهمْ قِرْف الْحَتِيّ وَعِنْدِيّ الْبُرّ مَكْنُوز يَعْنِي بِذَلِكَ : وَعِنْد الْبُرّ مَجْمُوع بَعْضه عَلَى بَعْض , وَكَذَلِكَ تَقُول الْعَرَب لِلْبَدَنِ الْمُجْتَمِع : مُكْتَنِز لِانْضِمَامِ بَعْضه إِلَى بَعْض . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَى الْكَنْز عِنْدهمْ , وَكَانَ قَوْله : { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة } مَعْنَاهُ : وَاَلَّذِينَ يَجْمَعُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة بَعْضهَا إِلَى بَعْض , { وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل اللَّه } وَهُوَ عَامّ فِي التِّلَاوَة , لَمْ يَكُنْ فِي الْآيَة بَيَان كَمْ ذَلِكَ الْقَدْر مِنْ الذَّهَب وَالْفِضَّة الَّذِي إِذَا جُمِعَ بَعْضه إِلَى بَعْض اِسْتَحَقَّ الْوَعِيد ; كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ خُصُوص ذَلِكَ إِنَّمَا أَدْرَكَ بِوَقْفِ الرَّسُول عَلَيْهِ , وَذَلِكَ كَمَا بَيَّنَّا مِنْ أَنَّهُ الْمَال الَّذِي لَمْ يُؤَدَّ حَقّ اللَّه مِنْهُ مِنْ الزَّكَاة دُون غَيْره لِمَا قَدْ أَوْضَحْنَا مِنْ الدَّلَالَة عَلَى صِحَّته. وَقَدْ كَانَ بَعْض الصَّحَابَة يَقُول : هِيَ عَامَّة فِي كُلّ كَنْز , غَيْر أَنَّهَا خَاصَّة فِي أَهْل الْكِتَاب وَإِيَّاهُمْ عَنَى اللَّه بِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12951 - حَدَّثَنِي أَبُو حُصَيْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يُونُس , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : ثنا حُصَيْن عَنْ زَيْد بْن وَهْب , قَالَ : مَرَرْت بِالرَّبَذَةِ , فَلَقِيت أَبَا ذَرّ , فَقُلْت : يَا أَبَا ذَرّ , مَا أَنْزَلَك هَذِهِ الْبِلَاد ؟ قَالَ : كُنْت بِالشَّأْمِ , فَقَرَأْت هَذِهِ الْآيَة : { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة } الْآيَة , فَقَالَ مُعَاوِيَة : لَيْسَتْ هَذِهِ الْآيَة فِينَا , إِنَّمَا هَذِهِ الْآيَة فِي أَهْل الْكِتَاب . قَالَ : فَقُلْت إِنَّهَا لِفِينَا وَفِيهِمْ . قَالَ : فَارْتَفَعَ فِي ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنه الْقَوْل , فَكَتَبَ إِلَى عُثْمَان يَشْكُونِي , فَكَتَبَ إِلَيَّ عُثْمَان : أَنْ أَقْبِلْ إِلَيَّ ! قَالَ : فَأَقْبَلْت ; فَلَمَّا قَدِمْت الْمَدِينَة رَكِبَنِي النَّاس كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي قَبْل يَوْمئِذٍ , فَشَكَوْت ذَلِكَ إِلَى عُثْمَان , فَقَالَ لِي : تَنَحَّ قَرِيبًا ! قُلْت : وَاَللَّه لَنْ أَدَع مَا كُنْت أَقُول . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب وَابْن وَكِيع , قَالُوا : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ ثنا حُصَيْن , عَنْ زَيْد بْن وَهْب , قَالَ : مَرَرْنَا بِالرَّبَذَةِ , ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ أَبِي ذَرّ نَحْوه. 12952 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ أَشْعَث , وَهِشَام , عَنْ أَبِي بِشْر , قَالَ : قَالَ أَبُو ذَرّ : خَرَجْت إِلَى الشَّام فَقَرَأْت هَذِهِ الْآيَة : { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل اللَّه } فَقَالَ مُعَاوِيَة : إِنَّمَا هِيَ فِي أَهْل الْكِتَاب , قَالَ : فَقُلْت : إِنَّهَا لَفِينَا وَفِيهِمْ . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ زَيْد بْن وَهْب , قَالَ : مَرَرْت بِالرَّبَذَةِ فَإِذَا أَنَا بِأَبِي ذَرّ , قَالَ : قُلْت لَهُ : مَا أَنْزَلَك مَنْزِلك هَذَا ؟ قَالَ : كُنْت بِالشَّامِّ , فَاخْتَلَفْت أَنَا وَمُعَاوِيَة فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل اللَّه } قَالَ : فَقَالَ : نَزَلَتْ فِي أَهْل الْكِتَاب . فَقُلْت : نَزَلَتْ فِينَا وَفِيهِمْ . ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث هُشَيْم عَنْ حُصَيْن . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَكَيْف قِيلَ : { وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل اللَّه } فَأُخْرِجَتْ الْهَاء وَالْأَلِف مَخْرَج الْكِنَايَة عَنْ أَحَد النَّوْعَيْنِ ؟ قِيلَ : يَحْتَمِل ذَلِكَ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون الذَّهَب وَالْفِضَّة مُرَادًا بِهَا الْكُنُوز , كَأَنَّهُ قِيلَ : { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ } الْكُنُوز { وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل اللَّه } لِأَنَّ الذَّهَب وَالْفِضَّة هِيَ الْكُنُوز فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَالْآخَر أَنْ يَكُون اِسْتَغْنَى بِالْخَبَرِ عَنْ إِحْدَاهُمَا فِي عَائِد ذِكْرهمَا مِنْ الْخَبَر عَنْ الْأُخْرَى , لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَى الْخَبَر عَنْ الْأُخْرَى مِثْل الْخَبَر عَنْهَا . وَذَلِكَ كَثِير مَوْجُود فِي كَلَام الْعَرَب وَأَشْعَارهَا , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : نَحْنُ بِمَا عِنْدنَا وَأَنْتَ بِمَا عِنْدك رَاضٍ وَالرَّأْي مُخْتَلِف فَقَالَ : رَاضٍ , وَلَمْ يَقُلْ : رِضْوَان . وَقَالَ الْآخَر : إِنَّ شَرْح الشَّبَاب وَالشَّعَر الْأَسْوَد مَا لَمْ يُعَاصَ كَانَ جُنُونَا فَقَالَ : يُعَاصَ , وَلَمْ يَقُلْ : " يُعَاصِيَا " فِي أَشْيَاء كَثِيرَة . وَمِنْهُ قَوْل اللَّه : { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَة أَوْ لَهْوًا اِنْفَضُّوا إِلَيْهَا } وَلَمْ يَقُلْ : " إِلَيْهِمَا "
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل اللَّه فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { إِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْبَار وَالرُّهْبَان لَيَأْكُلُونَ أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ } وَيَأْكُلهَا أَيْضًا مَعَهُمْ { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل اللَّه فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم } يَقُول : بَشِّرْ الْكَثِير مِنْ الْأَحْبَار وَالرُّهْبَان الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ , وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل اللَّه , بِعَذَابٍ أَلِيم لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة مُوجِع مِنْ اللَّه. وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي مَعْنَى الْكَنْز , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ كُلّ مَال وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاة فَلَمْ تُؤَدَّ زَكَاته . قَالُوا : وَعَنَى بِقَوْلِهِ : { وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل اللَّه } وَلَا يُؤَدُّونَ زَكَاتهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12937 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا أَيُّوب , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : كُلّ مَال أُدِّيَتْ زَكَاته فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَإِنْ كَانَ مَدْفُونًا , وَكُلّ مَال لَمْ تُؤَدَّ زَكَاته فَهُوَ الْكَنْز الَّذِي ذِكْره اللَّه فِي الْقُرْآن يُكْوَى بِهِ صَاحِبه وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَدْفُونًا. * - حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن الْجُنَيْد , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن مَسْلَمَة , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن أُمَيَّة , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , أَنَّهُ قَالَ : كُلّ مَال أُدِّيَتْ مِنْهُ الزَّكَاة فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَإِنْ كَانَ مَدْفُونًا , وَكُلّ مَال لَمْ تُؤَدَّ مِنْهُ الزَّكَاة وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَدْفُونًا فَهُوَ كَنْز . * - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : أَيّمَا مَال أُدِّيَتْ زَكَاته فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَإِنْ كَانَ مَدْفُونًا فِي الْأَرْض , وَأَيّمَا مَال لَمْ تُؤَدَّ زَكَاته فَهُوَ بِكَنْزٍ يُكْوَى بِهِ صَاحِبه , وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْه الْأَرْض. 12938 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي وَجَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَطِيَّة , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : مَا أُدِّيَتْ زَكَاته فَلَيْسَ بِكَنْزٍ . * - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْعُمَرِيّ , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : مَا أُدِّيَتْ زَكَاته فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَإِنْ كَانَ تَحْت سَبْع أَرَضِينَ , وَمَا لَمْ تُؤَدَّ زَكَاته فَهُوَ كَنْز وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا . 12939 - قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ الشَّيْبَانِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : مَا أُدِّيَتْ زَكَاته فَلَيْسَ بِكَنْزٍ. 12940 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : أَمَّا الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة فَهَؤُلَاءِ أَهْل الْقِبْلَة . وَالْكَنْز : مَا لَمْ تُؤَدَّ زَكَاته وَإِنْ كَانَ عَلَى ظَهْر الْأَرْض وَإِنْ قَلَّ ; وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا قَدْ أُدِّيَتْ زَكَاته . فَلَيْسَ بِكَنْزٍ . 12941 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل . عَنْ جَابِر , قَالَ : قُلْت لِعَامِرٍ : مَال عَلَى رَفّ بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض لَا تُؤَدَّى زَكَاته , أَكَنْز هُوَ ؟ قَالَ : يُكْوَى بِهِ يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَ آخَرُونَ : كُلّ مَال زَادَ عَلَى أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم , فَهُوَ كَنْز , أُدِّيَتْ مِنْهُ الزَّكَاة أَوْ لَمْ تُؤَدَّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12942 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ جَعْدَة بْن هُبَيْرَة , عَنْ عَلِيّ رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِ قَالَ : أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم فَمَا دُونهَا نَفَقَة , فَمَا كَانَ أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ كَنْز. * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ جَعْدَة بْن هُبَيْرَة , عَنْ عَلِيّ , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الشَّعْبِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو حُصَيْن , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ جَعْدَة بْن هُبَيْرَة , عَنْ عَلِيّ رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِ , فِي قَوْله : { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة } قَالَ : أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم فَمَا دُونهَا نَفَقَة , وَمَا فَوْقهَا كَنْز . وَقَالَ آخَرُونَ : الْكَنْز كُلّ مَا فَضَلَ مِنْ الْمَال عَنْ حَاجَة صَاحِبه إِلَيْهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12943 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَنَس , عَنْ عَبْد الْوَاحِد أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مُجِيب قَالَ : كَانَ نَعْل سَيْف أَبِي هُرَيْرَة مِنْ فِضَّة , فَنَهَاهُ عَنْهَا أَبُو ذَرّ , وَقَالَ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ تَرَكَ صَفْرَاء أَوْ بَيْضَاء كُوِيَ بِهَا ". 12944 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمِّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ الْأَعْمَش وَعَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل اللَّه } قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَبًّا لِلذَّهَبِ تبا لِلْفِضَّةِ " يَقُولهَا ثَلَاثًا . قَالَ : فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالُوا : فَأَيّ مَال نَتَّخِذهُ ؟ فَقَالَ عُمَر : أَنَا أَعْلَم لَكُمْ ذَلِكَ . فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ أَصْحَابك قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا : فَأَيّ الْمَال نَتَّخِذ , فَقَالَ : " لِسَانًا ذَاكِرًا , وَقَلْبًا شَاكِرًا , وَزَوْجَة تُعِين أَحَدكُمْ عَلَى دِينه " . 12945 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمِّل , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ مَنْصُور , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , عَنْ ثَوْبَان , بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ مَنْصُور , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل اللَّه } قَالَ الْمُهَاجِرُونَ : وَأَيّ الْمَال نَتَّخِذ ؟ فَقَالَ عُمَر : اِسْأَلْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ . قَالَ : فَأَدْرَكْته عَلَى بَعِير , فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ الْمُهَاجِرِينَ قَالُوا : فَأَيّ الْمَال نَتَّخِذهُ ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لِسَانًا ذَاكِرًا , وَقَلْبًا شَاكِرًا , وَزَوْجَة مُؤْمِنَة لِدِينِ أَحَدكُمْ عَلَى دِينه " . 12946 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ أَبِي أُمَامَةَ , قَالَ : تُوُفِّيَ رَجُل مِنْ أَهْل الصُّفَّة , فَوَجَدَ فِي مِئْزَره دِينَار , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَيَّة " ثُمَّ تُوُفِّيَ آخَر , فَوَجَدَ فِي مِئْزَره دِينَارَانِ , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَيَّتَانِ " . * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ صُدَيّ بْن عَجْلَان أَبِي أُمَامَةَ , قَالَ : مَاتَ رَجُل مِنْ أَهْل الصُّفَّة , فَوَجَدَ فِي مِئْزَره دِينَار , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَيَّة " ثُمَّ تُوُفِّيَ آخَر , فَوَجَدَ فِي مِئْزَره دِينَارَانِ فَقَالَ نَبِيّ اللَّه : " كَيَّتَانِ " . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ سَالِم , عَنْ ثَوْبَان , قَالَ : كُنَّا فِي سَفَر وَنَحْنُ نَسِير مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ الْمُهَاجِرُونَ : لَوَدِدْنَا أَنَّا عَلِمْنَا أَيّ الْمَال خَيْر فَنَتَّخِذهُ ! إِذْ نَزَلَ فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة مَا نَزَلَ , فَقَالَ عُمَر : إِنْ شِئْتُمْ سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ . فَقَالُوا : أَجَلْ . فَانْطَلَقَ فَتَبِعْته أُوضَع عَلَى بَعِيرِي , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ الْمُهَاجِرِينَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة مَا أَنْزَلَ قَالُوا : وَدِدْنَا أَنَّا عَلِمْنَا أَيّ الْمَال خَيْر فَنَتَّخِذهُ , قَالَ : " نَعَمْ , فَيَتَّخِذ أَحَدكُمْ لِسَانًا ذَاكِرًا , وَقَلْبًا شَاكِرًا , وَزَوْجَة تُعِين أَحَدكُمْ عَلَى إِيمَانه " . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ : الْقَوْل الَّذِي ذُكِرَ عَنْ اِبْن عُمَر مِنْ أَنَّ كُلّ مَال أُدِّيَتْ زَكَاته فَلَيْسَ بِكَنْزٍ يَحْرُم عَلَى صَاحِبه اِكْتِنَازه وَإِنْ كَثُرَ , وَأَنَّ كُلّ مَا لَمْ تُؤَدَّ زَكَاته فَصَاحِبه مُعَاقَب مُسْتَحِقّ وَعَبْد اللَّه إِلَّا أَنْ يَتَفَضَّل اللَّه عَلَيْهِ بِعَفْوِهِ وَإِنْ قَلَّ إِذَا كَانَ مِمَّا يَجِب فِيهِ الزَّكَاة . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه أَوْجَبَ فِي خَمْس أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِق عَلَى لِسَان رَسُوله رُبْع عُشْرهَا , وَفِي عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنْ الذَّهَب مِثْل ذَلِكَ رُبْع عُشْرهَا . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ فَرَضَ اللَّه فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة عَلَى لِسَان رَسُوله , فَمَعْلُوم أَنَّ الْكَثِير مِنْ الْمَال وَإِنْ بَلَغَ فِي الْكَثْرَة أُلُوف أُلُوف لَوْ كَانَ , وَإِنْ أُدِّيَتْ زَكَاته مِنْ الْكُنُوز الَّتِي أَوْعَدَ اللَّه أَهْلهَا عَلَيْهَا الْعِقَاب , لَمْ يَكُنْ فِيهِ الزَّكَاة الَّتِي ذَكَرْنَا مِنْ رُبْع الْعُشْر , لِأَنَّ مَا كَانَ فَرْضًا إِخْرَاج جَمِيعه مِنْ الْمَال وَحَرَام اِتِّخَاذه فَزَكَاته الْخُرُوج مِنْ جَمِيعه إِلَى أَهْله لَا رُبْع عُشْره , وَذَلِكَ مِثْل الْمَال الْمَغْصُوب الَّذِي هُوَ حَرَام عَلَى الْغَاصِب إِمْسَاكه وَفُرِضَ عَلَيْهِ إِخْرَاجه مِنْ يَده إِلَى يَده , فَالتَّطَهُّر مِنْهُ رَدّه إِلَى صَاحِبه . فَلَوْ كَانَ مَا زَادَ مِنْ الْمَال عَلَى أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم , أَوْ مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَة رَبّه الَّتِي لَا بُدّ مِنْهَا مِمَّا يَسْتَحِقّ صَاحِبه بِاقْتِنَائِهِ - إِذَا أَدَّى إِلَى أَهْل السُّهْمَان حُقُوقهمْ مِنْهَا مِنْ الصَّدَقَة - وَعِيد اللَّه لَمْ يَكُنْ اللَّازِم رَبّه فِيهِ رُبْع عُشْره , بَلْ كَانَ اللَّازِم لَهُ الْخُرُوج مِنْ جَمِيعه إِلَى أَهْله وَصَرْفه فِيمَا يَجِب عَلَيْهِ صَرْفه , كَاَلَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْوَاجِب عَلَى غَاصِب رَجُل مَاله رَدّه عَلَى رَبّه . وَبَعْد , فَإِنَّ فِيمَا : 12947 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , قَالَ : قَالَ مَعْمَر : أَخْبَرَنِي سُهَيْل بْن أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " مَا مِنْ رَجُل لَا يُؤَدِّي زَكَاة مَاله إِلَّا جُعِلَ يَوْم الْقِيَامَة صَفَائِح مِنْ نَار يُكْوَى بِهَا جَنْبه وَجَبْهَته وَظَهْره فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خَمْسِينَ أَلْف سَنَة حَتَّى يُمْضَى بَيْن النَّاس ثُمَّ يَرَى سَبِيله وَإِذْ كَانَتْ إِبِلًا إِلَّا بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَر تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا " حَسِبْته قَالَ : " وَتَعَضّهُ بِأَفْوَاهِهَا , يَرِد أُولَاهَا عَلَى أُخْرَاهَا , حَتَّى يُقْضَى بَيْن النَّاس ثُمَّ يَرَى سَبِيله . وَإِنْ كَانَتْ غَنَمًا فَمِثْل ذَلِكَ , إِلَّا أَنَّهَا تَنْطَحهُ بِقُرُونِهَا , وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا " . وَفِي ذَلِكَ نَظَائِر مِنْ الْأَخْبَار الَّتِي كَرِهْنَا الْإِطَالَة بِذِكْرِهَا الدَّلَالَة الْوَاضِحَة عَلَى أَنَّ الْوَعِيد إِنَّمَا هُوَ مِنْ اللَّه عَلَى الْأَمْوَال الَّتِي لَمْ تُؤَدِّ الْوَظَائِف الْمَفْرُوضَة فِيهَا لِأَهْلِهَا مِنْ الصَّدَقَة , لَا عَلَى اِقْتِنَائِهَا وَاكْتِنَازهَا. وَفِيمَا بَيَّنَّا مِنْ ذَلِكَ الْبَيَان الْوَاضِح عَلَى أَنَّ الْآيَة لِخَاصٍّ كَمَا قَالَ اِبْن عَبَّاس , وَذَلِكَ مَا : 12948 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل اللَّه فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم } يَقُول : هُمْ أَهْل الْكِتَاب , وَقَالَ : هِيَ خَاصَّة وَعَامَّة . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : هِيَ خَاصَّة وَعَامَّة ; هِيَ خَاصَّة مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِيمَنْ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاة مَاله مِنْهُمْ , وَعَامَّة فِي أَهْل الْكِتَاب لِأَنَّهُمْ كُفَّار لَا تُقْبَل مِنْهُمْ نَفَقَاتهمْ إِنْ أَنْفَقُوا. يَدُلّ عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْل اِبْن عَبَّاس هَذَا مَا : 12949 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا } إِلَى قَوْله : { هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ } قَالَ : هُمْ الَّذِينَ لَا يُؤَدُّونَ زَكَاة أَمْوَالهمْ . قَالَ : وَكُلّ مَال لَا تُؤَدَّى زَكَاته كَانَ عَلَى ظَهْر الْأَرْض أَوْ فِي بَطْنهَا فَهُوَ كَنْز , وَكُلّ مَال تُؤَدَّى زَكَاته فَلَيْسَ بِكَنْزٍ كَانَ عَلَى ظَهْر الْأَرْض أَوْ فِي بَطْنهَا . 12950 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة } قَالَ : الْكَنْز : مَا كُنِزَ عَنْ طَاعَة اللَّه وَفَرِيضَته , وَذَلِكَ الْكَنْز . وَقَالَ : اُفْتُرِضَتْ الزَّكَاة وَالصَّلَاة جَمِيعًا لَمْ يُفَرَّق بَيْنهمَا . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ عَلَى الْخُصُوص , لِأَنَّ الْكَنْز فِي كَلَام الْعَرَب : كُلّ شَيْء مَجْمُوع بَعْضه عَلَى بَعْض فِي بَطْن الْأَرْض كَانَ أَوْ عَلَى ظَهْرهَا , يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : لَا دَرَّ دَرِّي إِنْ أَطْعَمْت نَازِلهمْ قِرْف الْحَتِيّ وَعِنْدِيّ الْبُرّ مَكْنُوز يَعْنِي بِذَلِكَ : وَعِنْد الْبُرّ مَجْمُوع بَعْضه عَلَى بَعْض , وَكَذَلِكَ تَقُول الْعَرَب لِلْبَدَنِ الْمُجْتَمِع : مُكْتَنِز لِانْضِمَامِ بَعْضه إِلَى بَعْض . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَى الْكَنْز عِنْدهمْ , وَكَانَ قَوْله : { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة } مَعْنَاهُ : وَاَلَّذِينَ يَجْمَعُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة بَعْضهَا إِلَى بَعْض , { وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل اللَّه } وَهُوَ عَامّ فِي التِّلَاوَة , لَمْ يَكُنْ فِي الْآيَة بَيَان كَمْ ذَلِكَ الْقَدْر مِنْ الذَّهَب وَالْفِضَّة الَّذِي إِذَا جُمِعَ بَعْضه إِلَى بَعْض اِسْتَحَقَّ الْوَعِيد ; كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ خُصُوص ذَلِكَ إِنَّمَا أَدْرَكَ بِوَقْفِ الرَّسُول عَلَيْهِ , وَذَلِكَ كَمَا بَيَّنَّا مِنْ أَنَّهُ الْمَال الَّذِي لَمْ يُؤَدَّ حَقّ اللَّه مِنْهُ مِنْ الزَّكَاة دُون غَيْره لِمَا قَدْ أَوْضَحْنَا مِنْ الدَّلَالَة عَلَى صِحَّته. وَقَدْ كَانَ بَعْض الصَّحَابَة يَقُول : هِيَ عَامَّة فِي كُلّ كَنْز , غَيْر أَنَّهَا خَاصَّة فِي أَهْل الْكِتَاب وَإِيَّاهُمْ عَنَى اللَّه بِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12951 - حَدَّثَنِي أَبُو حُصَيْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يُونُس , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : ثنا حُصَيْن عَنْ زَيْد بْن وَهْب , قَالَ : مَرَرْت بِالرَّبَذَةِ , فَلَقِيت أَبَا ذَرّ , فَقُلْت : يَا أَبَا ذَرّ , مَا أَنْزَلَك هَذِهِ الْبِلَاد ؟ قَالَ : كُنْت بِالشَّأْمِ , فَقَرَأْت هَذِهِ الْآيَة : { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة } الْآيَة , فَقَالَ مُعَاوِيَة : لَيْسَتْ هَذِهِ الْآيَة فِينَا , إِنَّمَا هَذِهِ الْآيَة فِي أَهْل الْكِتَاب . قَالَ : فَقُلْت إِنَّهَا لِفِينَا وَفِيهِمْ . قَالَ : فَارْتَفَعَ فِي ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنه الْقَوْل , فَكَتَبَ إِلَى عُثْمَان يَشْكُونِي , فَكَتَبَ إِلَيَّ عُثْمَان : أَنْ أَقْبِلْ إِلَيَّ ! قَالَ : فَأَقْبَلْت ; فَلَمَّا قَدِمْت الْمَدِينَة رَكِبَنِي النَّاس كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي قَبْل يَوْمئِذٍ , فَشَكَوْت ذَلِكَ إِلَى عُثْمَان , فَقَالَ لِي : تَنَحَّ قَرِيبًا ! قُلْت : وَاَللَّه لَنْ أَدَع مَا كُنْت أَقُول . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب وَابْن وَكِيع , قَالُوا : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ ثنا حُصَيْن , عَنْ زَيْد بْن وَهْب , قَالَ : مَرَرْنَا بِالرَّبَذَةِ , ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ أَبِي ذَرّ نَحْوه. 12952 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ أَشْعَث , وَهِشَام , عَنْ أَبِي بِشْر , قَالَ : قَالَ أَبُو ذَرّ : خَرَجْت إِلَى الشَّام فَقَرَأْت هَذِهِ الْآيَة : { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل اللَّه } فَقَالَ مُعَاوِيَة : إِنَّمَا هِيَ فِي أَهْل الْكِتَاب , قَالَ : فَقُلْت : إِنَّهَا لَفِينَا وَفِيهِمْ . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ زَيْد بْن وَهْب , قَالَ : مَرَرْت بِالرَّبَذَةِ فَإِذَا أَنَا بِأَبِي ذَرّ , قَالَ : قُلْت لَهُ : مَا أَنْزَلَك مَنْزِلك هَذَا ؟ قَالَ : كُنْت بِالشَّامِّ , فَاخْتَلَفْت أَنَا وَمُعَاوِيَة فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل اللَّه } قَالَ : فَقَالَ : نَزَلَتْ فِي أَهْل الْكِتَاب . فَقُلْت : نَزَلَتْ فِينَا وَفِيهِمْ . ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث هُشَيْم عَنْ حُصَيْن . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَكَيْف قِيلَ : { وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل اللَّه } فَأُخْرِجَتْ الْهَاء وَالْأَلِف مَخْرَج الْكِنَايَة عَنْ أَحَد النَّوْعَيْنِ ؟ قِيلَ : يَحْتَمِل ذَلِكَ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون الذَّهَب وَالْفِضَّة مُرَادًا بِهَا الْكُنُوز , كَأَنَّهُ قِيلَ : { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ } الْكُنُوز { وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل اللَّه } لِأَنَّ الذَّهَب وَالْفِضَّة هِيَ الْكُنُوز فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَالْآخَر أَنْ يَكُون اِسْتَغْنَى بِالْخَبَرِ عَنْ إِحْدَاهُمَا فِي عَائِد ذِكْرهمَا مِنْ الْخَبَر عَنْ الْأُخْرَى , لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَى الْخَبَر عَنْ الْأُخْرَى مِثْل الْخَبَر عَنْهَا . وَذَلِكَ كَثِير مَوْجُود فِي كَلَام الْعَرَب وَأَشْعَارهَا , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : نَحْنُ بِمَا عِنْدنَا وَأَنْتَ بِمَا عِنْدك رَاضٍ وَالرَّأْي مُخْتَلِف فَقَالَ : رَاضٍ , وَلَمْ يَقُلْ : رِضْوَان . وَقَالَ الْآخَر : إِنَّ شَرْح الشَّبَاب وَالشَّعَر الْأَسْوَد مَا لَمْ يُعَاصَ كَانَ جُنُونَا فَقَالَ : يُعَاصَ , وَلَمْ يَقُلْ : " يُعَاصِيَا " فِي أَشْيَاء كَثِيرَة . وَمِنْهُ قَوْل اللَّه : { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَة أَوْ لَهْوًا اِنْفَضُّوا إِلَيْهَا } وَلَمْ يَقُلْ : " إِلَيْهِمَا "
يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَوْم يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَار جَهَنَّم فَتُكْوَى بِهَا جِبَاههمْ وَجُنُوبهمْ وَظُهُورهمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَبَشِّرْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة , وَلَا يُخْرِجُونَ حُقُوق اللَّه مِنْهَا يَا مُحَمَّد بِعَذَابٍ أَلِيم ; { يَوْم يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَار جَهَنَّم } فَالْيَوْم مِنْ صِلَة الْعَذَاب الْأَلِيم , كَأَنَّهُ قِيلَ : يُبَشِّرهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم يُعَذِّبهُمْ اللَّه بِهِ فِي يَوْم يُحْمَى عَلَيْهَا . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { يُحْمَى عَلَيْهَا } تَدْخُل النَّار فَيُوقَد عَلَيْهَا ; أَيْ عَلَى الذَّهَب وَالْفِضَّة الَّتِي كَنَزُوهَا فِي نَار جَهَنَّم , فَتُكْوَى بِهَا جِبَاههمْ وَجُنُوبهمْ وَظُهُورهمْ , وَكُلّ شَيْء أُدْخِلَ النَّار فَقَدْ أُحْمِيَ إِحْمَاء , يُقَال مِنْهُ : أُحْمِيَتْ الْحَدِيدَة فِي النَّار أَحْمِيهَا إِحْمَاء . وَقَوْله : { فَتُكْوَى بِهَا جِبَاههمْ } يَعْنِي بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّة الْمَكْنُوزَة . يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَار جَهَنَّم يَكْوِي اللَّه بِهَا , يَقُول : يُحَرِّق اللَّه جِبَاه كَانِزِيهَا وَجُنُوبهمْ وَظُهُورهمْ. { هَذَا مَا كَنَزْتُمْ } وَمَعْنَاهُ : وَيُقَال لَهُمْ : هَذَا مَا كَنَزْتُمْ فِي الدُّنْيَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ الَّذِينَ مَنَعُوا كُنُوزهمْ مِنْ فَرَائِض اللَّه الْوَاجِبَة فِيهَا لِأَنْفُسِكُمْ { فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ } يَقُول : فَيُقَال لَهُمْ : فَأَطْعِمُوا عَذَاب اللَّه بِمَا كُنْتُمْ تَمْنَعُونَ مِنْ أَمْوَالكُمْ حُقُوق اللَّه وَتَكْنِزُونَهَا مُكَاثَرَة وَمُبَاهَاة. وَحُذِفَ مِنْ قَوْله " هَذَا مَا كَنَزْتُمْ " و " يُقَال لَهُمْ " لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12953 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَيُّوب , عَنْ حُمَيْد بْن هِلَال , قَالَ : كَانَ أَبُو ذَرّ يَقُول : بَشِّرْ الْكَنَّازِينَ بِكَيٍّ فِي الْجِبَاه وَكَيّ فِي الْجُنُوب وَكَيّ فِي الظُّهُور , حَتَّى يَلْتَقِي الْحَرّ فِي أَجْوَافهمْ ! . 12954 - قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ الْجُرَيْرِيّ , عَنْ أَبِي الْعَلَاء بْن الشِّخِّيرِ , عَنْ الْأَحْنَف بْن قَيْس , قَالَ : قَدِمْت الْمَدِينَة , فَبَيْنَا أَنَا فِي حَلْقَة فِيهَا مَلَأ مِنْ قُرَيْش إِذْ جَاءَ رَجُل خَشِن الثِّيَاب , خَشِن الْجَسَد , خَشِن الْوَجْه , فَقَامَ عَلَيْهِمْ , فَقَالَ : بَشِّرْ الْكَنَّازِينَ بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيْهِ فِي نَار جَهَنَّم فَيُوضَع عَلَى حَلَمَة ثَدْي أَحَدهمْ حَتَّى يَخْرُج مِنْ نُغْض كَتِفه , وَيُوضَع عَلَى نُغْض كَتِفه حَتَّى يَخْرُج مِنْ حَلَمَة ثَدْيَيْهِ يَتَزَلْزَل ! قَالَ : فَوَضَعَ الْقَوْم رُءُوسهمْ , فَمَا رَأَيْت أَحَدًا مِنْهُمْ رَجَعَ إِلَيْهِ شَيْئًا. قَالَ : وَأَدْبَرَ فَاتَّبَعْته , حَتَّى جَلَسَ إِلَى سَارِيَة , فَقُلْت : مَا رَأَيْت هَؤُلَاءِ إِلَّا كَرِهُوا مَا قُلْت ! فَقَالَ : إِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا. 12955 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم , قَالَ : ثني عَمْرو بْن قَيْس , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة الْجَمَلِيّ , عَنْ أَبِي نَصْر عَنْ الْأَحْنَف بْن قَيْس , قَالَ : رَأَيْت فِي مَسْجِد الْمَدِينَة رَجُلًا غَلِيظ الثِّيَاب رَثّ الْهَيْئَة , يَطُوف فِي الْحِلَق وَهُوَ يَقُول : بَشِّرْ أَصْحَاب الْكُنُوز بِكَيٍّ فِي جُنُوبهمْ , وَكَيّ فِي جِبَاههمْ , وَكَيّ فِي ظُهُورهمْ ! ثُمَّ اِنْطَلَقَ وَهُوَ يَتَذَمَّر يَقُول : مَا عَسَى تَصْنَع بِي قُرَيْش ؟. 12956 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : قَالَ أَبُو ذَرّ : بَشِّرْ أَصْحَاب الْكُنُوز بِكَيٍّ فِي الْجِبَاه , وَكَيّ فِي الْجُنُوب , وَكَيّ فِي الظُّهُور . 12957 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ قَابُوس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { يَوْم يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَار جَهَنَّم } قَالَ : حَيَّة تَنْطَوِي عَلَى جَبِينه وَجَبْهَته , تَقُول : أَنَا مَالك الَّذِي بَخِلْت بِهِ . 12958 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , عَنْ مَعْدَان بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ثَوْبَان , أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : " مَنْ تَرَكَ بَعْده كَنْزًا مِثْل لَهُ يَوْم الْقِيَامَة شُجَاعًا أَقْرَع لَهُ زَبِيبَتَانِ , يَتْبَعهُ يَقُول : وَيْلك مَا أَنْتَ ؟ فَيَقُول : أَنَا كَنْزك الَّذِي تَرَكْته بَعْدك فَلَا يَزَال يَتْبَعهُ حَتَّى يُلْقِمهُ يَده فَيَقْضِمهَا ثُمَّ يَتْبَعهُ سَائِر جَسَده ". 12959 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ : قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ الْكُنُوز تَتَحَوَّل يَوْم الْقِيَامَة شُجَاعًا يَتْبَع صَاحِبه , وَهُوَ يَفِرّ مِنْهُ وَيَقُول : أَنَا كَنْزك ! لَا يَدْرِك مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا أَخَذَهُ . 12960 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُرَّة , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : وَاَلَّذِي لَا إِلَه غَيْره , لَا يُكْوَى عَبْد بِكَنْزٍ فَيَمَسّ دِينَار دِينَارًا وَلَا دِرْهَم دِرْهَمًا , وَلَكِنْ يُوَسِّع جِلْده فَيُوضَع كُلّ دِينَار وَدِرْهَم عَلَى حِدَته . * - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُرَّة , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : مَا مِنْ رَجُل يُكْوَى بِكَنْزٍ فَيُوضَع دِينَار عَلَى دِينَار وَلَا دِرْهَم عَلَى دِرْهَم , وَلَكِنَّ يُوَسِّع جِلْده .
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ عِدَّة الشُّهُور عِنْد اللَّه اِثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَاب اللَّه يَوْم خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { إِنَّ عِدَّة الشُّهُور اِثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَاب اللَّه } الَّذِي كَتَبَ فِيهِ كُلّ مَا هُوَ كَائِن فِي قَضَائِهِ الَّذِي قَضَى , { يَوْم خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُم } يَقُول : هَذِهِ الشُّهُور الِاثْنَا عَشَرَ , مِنْهَا أَرْبَعَة أَشْهُر حُرُم كَانَتْ الْجَاهِلِيَّة تُعَظِّمهُنَّ وَتُحَرِّمهُنَّ وَتُحَرِّم الْقِتَال فِيهِنَّ , حَتَّى لَوْ لَقِيَ الرَّجُل مِنْهُمْ فِيهِنَّ قَاتِل أَبِيهِ لَمْ يُهِجْهُ . وَهُنَّ : رَجَب مُضَر وَثَلَاثَة مُتَوَالِيَات : ذُو الْقَعْدَة , وَذُو الْحِجَّة , وَالْمُحَرَّم . وَبِذَلِكَ تَظَاهَرَتْ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 12961 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقِيّ , قَالَ : ثنا زَيْد بْن الْحُبَاب , قَالَ : ثنا مُوسَى بْن عُبَيْدَة الرَّبَذِيّ قَالَ : ثني صَدَقَة بْن يَسَار , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : خَطَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّة الْوَدَاع بِمِنًى فِي أَوْسَط أَيَّام التَّشْرِيق , فَقَالَ : " يَا أَيّهَا النَّاس , إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض , وَإِنَّ عِدَّة الشُّهُور عِنْد اللَّه اِثْنَا عَشَرَ شَهْرًا , مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُم , أَوَّلهنَّ رَجَب مُضَر بَيْن جُمَادَى وَشَعْبَان وَذُو الْقَعْدَة وَذُو الْحِجَّة وَالْمُحَرَّم " . 12962 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مَعْمَر , قَالَ : ثنا رَوْح , قَالَ : ثنا أَشْعَث , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض , وَإِنَّ عِدَّة الشُّهُور عِنْد اللَّه اِثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَاب اللَّه يَوْم خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض , مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُم , ثَلَاثَة مُتَوَالِيَات وَرَجَب مُضَر بَيْن جُمَادَى وَشَعْبَان " . 12963 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا أَيُّوب , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , عَنْ أَبِي بَكْرَة : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ فِي حَجَّة الْوَدَاع , فَقَالَ : " أَلَا إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض , السَّنَة اِثْنَا عَشَرَ شَهْرًا , مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُم , ثَلَاثَة مُتَوَالِيَات : ذُو الْقَعْدَة , وَذُو الْحِجَّة , وَالْمُحَرَّم , وَرَجَب مُضَر الَّذِي بَيْن جُمَادَى وَشَعْبَان " . 12964 - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , قَالَ : ثني رَجُل بِالْبَحْرَيْنِ , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَته فِي حَجَّة الْوَدَاع : " أَلَا إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض , وَإِنَّ عِدَّة الشُّهُور عِنْد اللَّه اِثْنَا عَشَرَ شَهْرًا , مِنْهَا ثَلَاثَة مُتَوَالِيَات : ذُو الْقَعْدَة , وَذُو الْحِجَّة , وَالْمُحَرَّم , وَرَجَب الَّذِي بَيْن جُمَادَى وَشَعْبَان " . 12965 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , قَوْله : { إِنَّ عِدَّة الشُّهُور عِنْد اللَّه اِثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَاب اللَّه يَوْم خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُم } إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " ثَلَاثَة مُتَوَالِيَات : ذُو الْقَعْدَة , وَذُو الْحِجَّة , وَالْمُحَرَّم , وَرَجَب الَّذِي بَيْن جُمَادَى وَشَعْبَان " . 12966 - حَدَّثَنَا بِشْر قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ذَكَرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَته يَوْم مِنًى : " أَلَا إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض , وَإِنَّ عِدَّة الشُّهُور عِنْد اللَّه اِثْنَا عَشَرَ شَهْرًا , مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُم , ثَلَاثَة مُتَوَالِيَات ذُو الْقَعْدَة , وَذُو الْحِجَّة , وَالْمُحَرَّم , وَرَجَب مُضَر الَّذِي بَيْن جُمَادَى وَشَعْبَان " . وَهُوَ قَوْل عَامَّة أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12967 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إِنَّ عِدَّة الشُّهُور عِنْد اللَّه اِثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَاب اللَّه يَوْم خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُم } أَمَّا أَرْبَعَة حُرُم : فَذُو الْقَعْدَة , وَذُو الْحِجَّة , وَالْمُحَرَّم , وَرَجَب . وَأَمَّا كِتَاب اللَّه : فَاَلَّذِي عِنْده . 12968 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { إِنَّ عِدَّة الشُّهُور عِنْد اللَّه اِثْنَا عَشَرَ شَهْرًا } قَالَ : يُعْرَف بِهَا شَأْن النَّسِيء مَا نَقَصَ مِنْ السَّنَة . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { إِنَّ عِدَّة الشُّهُور عِنْد اللَّه اِثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَاب اللَّه } قَالَ : يَذْكُر بِهَا شَأْن النَّسِيء .
وَأَمَّا قَوْله : { ذَلِكَ الدِّين الْقَيِّم } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : هَذَا الَّذِي أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ , مِنْ أَنَّ عِدَّة الشُّهُور عِنْد اللَّه اِثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَاب اللَّه , وَأَنَّ مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُمًا : هُوَ الدِّين الْمُسْتَقِيم , كَمَا : 12969 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { ذَلِكَ الدِّين الْقَيِّم } يَقُول : الْمُسْتَقِيم . 12970 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { ذَلِكَ الدِّين الْقَيِّم } قَالَ : الْأَمْر الْقَيِّم يَقُول : قَالَ تَعَالَى : وَاعْلَمُوا أَيّهَا النَّاس أَنَّ عِدَّة الشُّهُور عِنْد اللَّه اِثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَاب اللَّه الَّذِي كَتَبَ فِيهِ كُلّ مَا هُوَ كَائِن , وَأَنَّ مِنْ هَذِهِ الِاثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا أَرْبَعَة أَشْهُر حُرُمًا ذَلِكَ دِين اللَّه الْمُسْتَقِيم , لَا مَا يَفْعَلهُ النَّسِيء مِنْ تَحْلِيله مَا يُحَلِّل مِنْ شُهُور السَّنَة وَتَحْرِيمه مَا يُحَرِّمهُ مِنْهَا .
وَأَمَّا قَوْله : { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : فَلَا تَعْصُوا اللَّه فِيهَا , وَلَا تُحِلُّوا فِيهِنَّ مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْكُمْ , فَتُكْسِبُوا أَنْفُسكُمْ مَا لَا قِبَل لَهَا بِهِ مِنْ سَخَط اللَّه وَعِقَابه . كَمَا : 12971 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : قَالَ أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ } قَالَ : الظُّلْم : الْعَمَل بِمَعَاصِي اللَّه وَالتَّرْك لِطَاعَتِهِ. ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِي عَادَتْ عَلَيْهِ الْهَاء وَالنُّون فِي قَوْله : { فِيهِنَّ } , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَادَ ذَلِكَ عَلَى الِاثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا , وَقَالَ : مَعْنَاهُ : فَلَا تَظْلِمُوا فِي الْأَشْهُر كُلّهَا أَنْفُسكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12972 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّ عِدَّة الشُّهُور عِنْد اللَّه اِثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَاب اللَّه يَوْم خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُم ذَلِكَ الدِّين الْقَيِّم فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ } فِي كُلّهنَّ. ثُمَّ خَصَّ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَة أَشْهُر فَجَعَلَهُنَّ حُرُمًا وَعِظَم حِرْمَاتهنَّ وَجَعَلَ الذَّنْب فِيهِنَّ أَعْظَم وَالْعَمَل الصَّالِح وَالْأَجْر أَعْظَم . 12973 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن عَمْرو , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد , عَنْ يُوسُف بْن مِهْرَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ } قَالَ : فِي الشُّهُور كُلّهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : فَلَا تَظْلِمُوا فِي الْأَرْبَعَة الْأَشْهُر الْحُرُم أَنْفُسكُمْ , وَالْهَاء وَالنُّون عَائِدَة عَلَى الْأَشْهُر الْأَرْبَعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12974 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , أَمَّا قَوْله : { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ } فَإِنَّ الظُّلْم فِي الْأَشْهُر الْحُرُم أَعْظَم خَطِيئَة وَوِزْرًا مِنْ الظُّلْم فِيمَا سِوَاهَا , وَإِنْ كَانَ الظُّلْم عَلَى كُلّ حَال عَظِيمًا ; وَلَكِنَّ اللَّه يُعَظِّم مِنْ أَمْره مَا شَاءَ وَقَالَ : إِنَّ اللَّه اِصْطَفَى صَفَايَا مِنْ خَلْقه اِصْطَفَى مِنْ الْمَلَائِكَة رُسُلًا وَمِنْ النَّاس رُسُلًا , وَاصْطَفَى مِنْ الْكَلَام ذِكْره , وَاصْطَفَى مِنْ الْأَرْض الْمَسَاجِد , وَاصْطَفَى مِنْ الشُّهُور رَمَضَان وَالْأَشْهُر الْحُرُم , وَاصْطَفَى مِنْ الْأَيَّام يَوْم الْجُمْعَة , وَاصْطَفَى مِنْ اللَّيَالِي لَيْلَة الْقَدْر , فَعَظِّمُوا مَا عَظَّمَ اللَّه , فَإِنَّمَا تُعَظَّم الْأُمُور بِمَا عَظَّمَهَا اللَّه عِنْد أَهْل الْفَهْم وَأَهْل الْعَقْل . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : فَلَا تَظْلِمُوا فِي تَصْيِيركُمْ حَرَام الْأَشْهُر الْأَرْبَعَة حَلَالًا وَحَلَالهَا حَرَامًا أَنْفُسكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12975 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { إِنَّ عِدَّة الشُّهُور عِنْد اللَّه اِثْنَا عَشَرَ شَهْرًا } إِلَى قَوْله : { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ } : أَيْ لَا تَجْعَلُوا حَرَامهَا حَلَالًا , وَلَا حَلَالهَا حَرَامًا , كَمَا فَعَلَ أَهْل الشِّرْك ; فَإِنَّمَا النَّسِيء الَّذِي كَانُوا يَصْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ { زِيَادَة فِي الْكُفْر يُضَلّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا } الْآيَة . 12976 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ الْحَسَن : { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ } قَالَ : ظُلْم أَنْفُسكُمْ : أَنْ لَا تُحَرِّمُوهُنَّ كَحُرْمَتِهِنَّ . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز . قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ : { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ } قَالَ : ظُلْم أَنْفُسكُمْ أَنْ لَا تُحَرِّمُوهُنَّ كَحُرْمَتِهِنَّ . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ الْحَسَن بْن مُحَمَّد , بِنَحْوِهِ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : فَلَا تَظْلِمُوا فِي الْأَشْهُر الْأَرْبَعَة أَنْفُسكُمْ بِاسْتِحْلَالِ حَرَامهَا , فَإِنَّ اللَّه عَظَّمَهَا وَعَظَّمَ حُرْمَتهَا . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيله لِقَوْلِهِ : { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ } فَأَخْرَجَ الْكِنَايَة عَنْهُ مَخْرَج الْكِنَايَة عَنْ جَمْع مَا بَيْن الثَّلَاثَة إِلَى الْعَشَرَة , وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب تَقُول فِيمَا بَيْن الثَّلَاثَة إِلَى الْعَشَرَة إِذَا كُنْت عَنْهُ : فَعَلْنَا ذَلِكَ لِثَلَاثِ لَيَالٍ خَلَوْنَ , وَلِأَرْبَعَةِ أَيَّام بَقِينَ , وَإِذَا أَخْبَرْت عَمَّا فَوْق الْعَشَرَة إِلَى الْعِشْرِينَ , قَالَتْ : فَعَلْنَا ذَلِكَ لِثَلَاث عَشْرَة خَلَتْ , وَلِأَرْبَع عَشْرَة مَضَتْ . فَكَانَ فِي قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ } وَإِخْرَاجه كِنَايَة عَدَد الشُّهُور الَّتِي نَهَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ ظُلْم أَنْفُسهمْ فِيهِنَّ مَخْرَج عَدَد الْجَمْع الْقَلِيل مِنْ الثَّلَاثَة إِلَى الْعَشَرَة الدَّلِيل الْوَاضِح عَلَى أَنَّ الْهَاء وَالنُّون مِنْ ذِكْر الْأَشْهُر الْأَرْبَعَة دُون الِاثْنَيْ الْعَشَر ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كِنَايَة عَنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا لَكَانَ : فَلَا تَظْلِمُوا فِيهَا أَنْفُسكُمْ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا أَنْكَرْت أَنْ يَكُون ذَلِكَ كِنَايَة عَنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ , وَإِنْ كَانَ الَّذِي ذَكَرْت هُوَ الْمَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب , فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَعْرُوف مِنْ كَلَامهَا إِخْرَاج كِنَايَة مَا بَيْن الثَّلَاث إِلَى الْعَشْر بِالْهَاءِ دُون النُّون , وَقَدْ قَالَ الشَّاعِر : أَصْبَحْنَ فِي قُرْح وَفِي دَارَاتهَا سَبْع لَيَالٍ غَيْر مَعْلُوفَاتهَا وَلَمْ يَقُلْ : مَعْلُوفَاتهنَّ , وَذَلِكَ كِنَايَة عَنْ السَّبْع ؟ قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فَلَيْسَ الْأَصَحّ الْأَعْرَف فِي كَلَامهَا , وَتَوْجِيه كَلَام اللَّه إِلَى الْأَفْصَح الْأَعْرَف أَوْلَى مِنْ تَوْجِيهه إِلَى الْأَنْكَر . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْت , فَقَدْ يَجِب أَنْ يَكُون مُبَاحًا لَنَا ظُلْم أَنْفُسنَا فِي غَيْرهنَّ مِنْ سَائِر شُهُور السَّنَة ؟ قِيلَ : لَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , بَلْ ذَلِكَ حَرَام عَلَيْنَا فِي كُلّ وَقْت وَزَمَان , وَلَكِنَّ اللَّه عَظَّمَ حُرْمَة هَؤُلَاءِ الْأَشْهُر وَشَرَّفَهُنَّ عَلَى سَائِر شُهُور السَّنَة , فَخَصَّ الذَّنْب فِيهِنَّ بِالتَّعْظِيمِ كَمَا خَصَّهُنَّ بِالتَّشْرِيفِ , وَذَلِكَ نَظِير قَوْله : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى } وَلَا شَكَّ أَنَّ اللَّه قَدْ أَمَرَنَا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَات كُلّهَا بِقَوْلِهِ : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات } وَلَمْ يُبِحْ تَرْك الْمُحَافَظَة عَلَيْهِنَّ بِأَمْرِهِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاة الْوُسْطَى , وَلَكِنَّهُ تَعَالَى ذِكْره زَادَهَا تَعْظِيمًا وَعَلَى الْمُحَافَظَة عَلَيْهَا تَوْكِيدًا وَفِي تَضْيِيعهَا تَشْدِيدًا , فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْله : { مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُم ذَلِكَ الدِّين الْقَيِّم فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ } .
وَأَمَّا قَوْله : { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّة كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّة } فَإِنَّهُ يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ جَمِيعًا غَيْر مُخْتَلِفِينَ , مُؤْتَلِفِينَ غَيْر مُفْتَرِقِينَ , كَمَا يُقَاتِلكُمْ الْمُشْرِكُونَ جَمِيعًا مُجْتَمِعِينَ غَيْر مُتَفَرِّقِينَ . كَمَا : 12977 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّة كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّة } أَمَّا كَافَّة فَجَمِيع وَأَمْركُمْ مُجْتَمِع. 12978 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّة } يَقُول : جَمِيعًا . 12979 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّة } : أَيْ جَمِيعًا . وَالْكَافَّة فِي كُلّ حَال عَلَى صُورَة وَاحِدَة لَا تُذَكَّر وَلَا تُجْمَع , لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ بِلَفْظِ فَاعِلَة فَإِنَّهَا فِي مَعْنَى الْمَصْدَر كَالْعَافِيَةِ وَالْعَاقِبَة , وَلَا تُدْخِل الْعَرَب فِيهَا الْأَلِف وَاللَّام لِكَوْنِهَا آخِر الْكَلَام مَعَ الَّذِي فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْمَصْدَر , كَمَا لَمْ يُدْخِلُوهَا إِذَا قَالُوا : قَامُوا مَعًا وَقَامُوا جَمِيعًا.
وَأَمَّا قَوْله : { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه مَعَ الْمُتَّقِينَ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَاعْلَمُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ أَنَّكُمْ إِنْ قَاتَلْتُمْ الْمُشْرِكِينَ كَافَّة , وَاتَّقَيْتُمْ اللَّه فَأَطَعْتُمُوهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ وَلَمْ تُخَالِفُوا أَمْره فَتَعْصُوهُ , كَانَ اللَّه مَعَكُمْ عَلَى عَدُوّكُمْ وَعَدُوّهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ; وَمَنْ كَانَ اللَّه مَعَهُ لَمْ يَغْلِبهُ شَيْء , لِأَنَّ اللَّه مَعَ مَنْ اِتَّقَاهُ فَخَافَهُ وَأَطَاعَهُ فِيمَا كَلَّفَهُ مِنْ أَمْره وَنَهْيه.
وَأَمَّا قَوْله : { ذَلِكَ الدِّين الْقَيِّم } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : هَذَا الَّذِي أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ , مِنْ أَنَّ عِدَّة الشُّهُور عِنْد اللَّه اِثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَاب اللَّه , وَأَنَّ مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُمًا : هُوَ الدِّين الْمُسْتَقِيم , كَمَا : 12969 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { ذَلِكَ الدِّين الْقَيِّم } يَقُول : الْمُسْتَقِيم . 12970 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { ذَلِكَ الدِّين الْقَيِّم } قَالَ : الْأَمْر الْقَيِّم يَقُول : قَالَ تَعَالَى : وَاعْلَمُوا أَيّهَا النَّاس أَنَّ عِدَّة الشُّهُور عِنْد اللَّه اِثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَاب اللَّه الَّذِي كَتَبَ فِيهِ كُلّ مَا هُوَ كَائِن , وَأَنَّ مِنْ هَذِهِ الِاثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا أَرْبَعَة أَشْهُر حُرُمًا ذَلِكَ دِين اللَّه الْمُسْتَقِيم , لَا مَا يَفْعَلهُ النَّسِيء مِنْ تَحْلِيله مَا يُحَلِّل مِنْ شُهُور السَّنَة وَتَحْرِيمه مَا يُحَرِّمهُ مِنْهَا .
وَأَمَّا قَوْله : { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : فَلَا تَعْصُوا اللَّه فِيهَا , وَلَا تُحِلُّوا فِيهِنَّ مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْكُمْ , فَتُكْسِبُوا أَنْفُسكُمْ مَا لَا قِبَل لَهَا بِهِ مِنْ سَخَط اللَّه وَعِقَابه . كَمَا : 12971 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : قَالَ أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ } قَالَ : الظُّلْم : الْعَمَل بِمَعَاصِي اللَّه وَالتَّرْك لِطَاعَتِهِ. ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِي عَادَتْ عَلَيْهِ الْهَاء وَالنُّون فِي قَوْله : { فِيهِنَّ } , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَادَ ذَلِكَ عَلَى الِاثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا , وَقَالَ : مَعْنَاهُ : فَلَا تَظْلِمُوا فِي الْأَشْهُر كُلّهَا أَنْفُسكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12972 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّ عِدَّة الشُّهُور عِنْد اللَّه اِثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَاب اللَّه يَوْم خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُم ذَلِكَ الدِّين الْقَيِّم فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ } فِي كُلّهنَّ. ثُمَّ خَصَّ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَة أَشْهُر فَجَعَلَهُنَّ حُرُمًا وَعِظَم حِرْمَاتهنَّ وَجَعَلَ الذَّنْب فِيهِنَّ أَعْظَم وَالْعَمَل الصَّالِح وَالْأَجْر أَعْظَم . 12973 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن عَمْرو , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد , عَنْ يُوسُف بْن مِهْرَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ } قَالَ : فِي الشُّهُور كُلّهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : فَلَا تَظْلِمُوا فِي الْأَرْبَعَة الْأَشْهُر الْحُرُم أَنْفُسكُمْ , وَالْهَاء وَالنُّون عَائِدَة عَلَى الْأَشْهُر الْأَرْبَعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12974 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , أَمَّا قَوْله : { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ } فَإِنَّ الظُّلْم فِي الْأَشْهُر الْحُرُم أَعْظَم خَطِيئَة وَوِزْرًا مِنْ الظُّلْم فِيمَا سِوَاهَا , وَإِنْ كَانَ الظُّلْم عَلَى كُلّ حَال عَظِيمًا ; وَلَكِنَّ اللَّه يُعَظِّم مِنْ أَمْره مَا شَاءَ وَقَالَ : إِنَّ اللَّه اِصْطَفَى صَفَايَا مِنْ خَلْقه اِصْطَفَى مِنْ الْمَلَائِكَة رُسُلًا وَمِنْ النَّاس رُسُلًا , وَاصْطَفَى مِنْ الْكَلَام ذِكْره , وَاصْطَفَى مِنْ الْأَرْض الْمَسَاجِد , وَاصْطَفَى مِنْ الشُّهُور رَمَضَان وَالْأَشْهُر الْحُرُم , وَاصْطَفَى مِنْ الْأَيَّام يَوْم الْجُمْعَة , وَاصْطَفَى مِنْ اللَّيَالِي لَيْلَة الْقَدْر , فَعَظِّمُوا مَا عَظَّمَ اللَّه , فَإِنَّمَا تُعَظَّم الْأُمُور بِمَا عَظَّمَهَا اللَّه عِنْد أَهْل الْفَهْم وَأَهْل الْعَقْل . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : فَلَا تَظْلِمُوا فِي تَصْيِيركُمْ حَرَام الْأَشْهُر الْأَرْبَعَة حَلَالًا وَحَلَالهَا حَرَامًا أَنْفُسكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12975 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { إِنَّ عِدَّة الشُّهُور عِنْد اللَّه اِثْنَا عَشَرَ شَهْرًا } إِلَى قَوْله : { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ } : أَيْ لَا تَجْعَلُوا حَرَامهَا حَلَالًا , وَلَا حَلَالهَا حَرَامًا , كَمَا فَعَلَ أَهْل الشِّرْك ; فَإِنَّمَا النَّسِيء الَّذِي كَانُوا يَصْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ { زِيَادَة فِي الْكُفْر يُضَلّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا } الْآيَة . 12976 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ الْحَسَن : { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ } قَالَ : ظُلْم أَنْفُسكُمْ : أَنْ لَا تُحَرِّمُوهُنَّ كَحُرْمَتِهِنَّ . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز . قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ : { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ } قَالَ : ظُلْم أَنْفُسكُمْ أَنْ لَا تُحَرِّمُوهُنَّ كَحُرْمَتِهِنَّ . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ الْحَسَن بْن مُحَمَّد , بِنَحْوِهِ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : فَلَا تَظْلِمُوا فِي الْأَشْهُر الْأَرْبَعَة أَنْفُسكُمْ بِاسْتِحْلَالِ حَرَامهَا , فَإِنَّ اللَّه عَظَّمَهَا وَعَظَّمَ حُرْمَتهَا . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيله لِقَوْلِهِ : { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ } فَأَخْرَجَ الْكِنَايَة عَنْهُ مَخْرَج الْكِنَايَة عَنْ جَمْع مَا بَيْن الثَّلَاثَة إِلَى الْعَشَرَة , وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب تَقُول فِيمَا بَيْن الثَّلَاثَة إِلَى الْعَشَرَة إِذَا كُنْت عَنْهُ : فَعَلْنَا ذَلِكَ لِثَلَاثِ لَيَالٍ خَلَوْنَ , وَلِأَرْبَعَةِ أَيَّام بَقِينَ , وَإِذَا أَخْبَرْت عَمَّا فَوْق الْعَشَرَة إِلَى الْعِشْرِينَ , قَالَتْ : فَعَلْنَا ذَلِكَ لِثَلَاث عَشْرَة خَلَتْ , وَلِأَرْبَع عَشْرَة مَضَتْ . فَكَانَ فِي قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ } وَإِخْرَاجه كِنَايَة عَدَد الشُّهُور الَّتِي نَهَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ ظُلْم أَنْفُسهمْ فِيهِنَّ مَخْرَج عَدَد الْجَمْع الْقَلِيل مِنْ الثَّلَاثَة إِلَى الْعَشَرَة الدَّلِيل الْوَاضِح عَلَى أَنَّ الْهَاء وَالنُّون مِنْ ذِكْر الْأَشْهُر الْأَرْبَعَة دُون الِاثْنَيْ الْعَشَر ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كِنَايَة عَنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا لَكَانَ : فَلَا تَظْلِمُوا فِيهَا أَنْفُسكُمْ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا أَنْكَرْت أَنْ يَكُون ذَلِكَ كِنَايَة عَنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ , وَإِنْ كَانَ الَّذِي ذَكَرْت هُوَ الْمَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب , فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَعْرُوف مِنْ كَلَامهَا إِخْرَاج كِنَايَة مَا بَيْن الثَّلَاث إِلَى الْعَشْر بِالْهَاءِ دُون النُّون , وَقَدْ قَالَ الشَّاعِر : أَصْبَحْنَ فِي قُرْح وَفِي دَارَاتهَا سَبْع لَيَالٍ غَيْر مَعْلُوفَاتهَا وَلَمْ يَقُلْ : مَعْلُوفَاتهنَّ , وَذَلِكَ كِنَايَة عَنْ السَّبْع ؟ قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فَلَيْسَ الْأَصَحّ الْأَعْرَف فِي كَلَامهَا , وَتَوْجِيه كَلَام اللَّه إِلَى الْأَفْصَح الْأَعْرَف أَوْلَى مِنْ تَوْجِيهه إِلَى الْأَنْكَر . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْت , فَقَدْ يَجِب أَنْ يَكُون مُبَاحًا لَنَا ظُلْم أَنْفُسنَا فِي غَيْرهنَّ مِنْ سَائِر شُهُور السَّنَة ؟ قِيلَ : لَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , بَلْ ذَلِكَ حَرَام عَلَيْنَا فِي كُلّ وَقْت وَزَمَان , وَلَكِنَّ اللَّه عَظَّمَ حُرْمَة هَؤُلَاءِ الْأَشْهُر وَشَرَّفَهُنَّ عَلَى سَائِر شُهُور السَّنَة , فَخَصَّ الذَّنْب فِيهِنَّ بِالتَّعْظِيمِ كَمَا خَصَّهُنَّ بِالتَّشْرِيفِ , وَذَلِكَ نَظِير قَوْله : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى } وَلَا شَكَّ أَنَّ اللَّه قَدْ أَمَرَنَا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَات كُلّهَا بِقَوْلِهِ : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات } وَلَمْ يُبِحْ تَرْك الْمُحَافَظَة عَلَيْهِنَّ بِأَمْرِهِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاة الْوُسْطَى , وَلَكِنَّهُ تَعَالَى ذِكْره زَادَهَا تَعْظِيمًا وَعَلَى الْمُحَافَظَة عَلَيْهَا تَوْكِيدًا وَفِي تَضْيِيعهَا تَشْدِيدًا , فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْله : { مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُم ذَلِكَ الدِّين الْقَيِّم فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ } .
وَأَمَّا قَوْله : { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّة كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّة } فَإِنَّهُ يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ جَمِيعًا غَيْر مُخْتَلِفِينَ , مُؤْتَلِفِينَ غَيْر مُفْتَرِقِينَ , كَمَا يُقَاتِلكُمْ الْمُشْرِكُونَ جَمِيعًا مُجْتَمِعِينَ غَيْر مُتَفَرِّقِينَ . كَمَا : 12977 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّة كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّة } أَمَّا كَافَّة فَجَمِيع وَأَمْركُمْ مُجْتَمِع. 12978 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّة } يَقُول : جَمِيعًا . 12979 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّة } : أَيْ جَمِيعًا . وَالْكَافَّة فِي كُلّ حَال عَلَى صُورَة وَاحِدَة لَا تُذَكَّر وَلَا تُجْمَع , لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ بِلَفْظِ فَاعِلَة فَإِنَّهَا فِي مَعْنَى الْمَصْدَر كَالْعَافِيَةِ وَالْعَاقِبَة , وَلَا تُدْخِل الْعَرَب فِيهَا الْأَلِف وَاللَّام لِكَوْنِهَا آخِر الْكَلَام مَعَ الَّذِي فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْمَصْدَر , كَمَا لَمْ يُدْخِلُوهَا إِذَا قَالُوا : قَامُوا مَعًا وَقَامُوا جَمِيعًا.
وَأَمَّا قَوْله : { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه مَعَ الْمُتَّقِينَ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَاعْلَمُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ أَنَّكُمْ إِنْ قَاتَلْتُمْ الْمُشْرِكِينَ كَافَّة , وَاتَّقَيْتُمْ اللَّه فَأَطَعْتُمُوهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ وَلَمْ تُخَالِفُوا أَمْره فَتَعْصُوهُ , كَانَ اللَّه مَعَكُمْ عَلَى عَدُوّكُمْ وَعَدُوّهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ; وَمَنْ كَانَ اللَّه مَعَهُ لَمْ يَغْلِبهُ شَيْء , لِأَنَّ اللَّه مَعَ مَنْ اِتَّقَاهُ فَخَافَهُ وَأَطَاعَهُ فِيمَا كَلَّفَهُ مِنْ أَمْره وَنَهْيه.
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر يُضَلّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا النَّسِيء إِلَّا زِيَادَة فِي الْكُفْر , وَالنَّسِيء مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : نَسَأْت فِي أَيَّامك وَنَسَأَ اللَّه فِي أَجَلك : أَيْ زَادَ اللَّه فِي أَيَّام عُمْرك وَمُدَّة حَيَاتك حَتَّى تَبْقَى فِيهَا حَيًّا. وَكُلّ زِيَادَة حَدَثَتْ فِي شَيْء , فَالشَّيْء الْحَادِث فِيهِ تِلْكَ الزِّيَادَة بِسَبَبِ مَا حَدَثَ فِيهِ نَسِيء , وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلَّبَنِ إِذَا كَثُرَ بِالْمَاءِ نَسِيء , وَقِيلَ لِلْمَرْأَةِ الْحُبْلَى نَسُوء , وَنُسِئَتْ الْمَرْأَة , لِزِيَادَةِ الْوَلَد فِيهَا ; وَقِيلَ : نَسَأْت النَّاقَة وَأَنْسَأْتهَا : إِذَا زَجَرْتهَا لِيَزْدَادَ سَيْرهَا . وَقَدْ يَحْتَمِل أَنَّ النَّسِيء فَعِيل صُرِفَ إِلَيْهِ مِنْ مَفْعُول , كَمَا قِيلَ : لَعِين وَقَتِيل , بِمَعْنَى : مَلْعُون وَمَقْتُول , وَيَكُون مَعْنَاهُ : إِنَّمَا الشَّهْر الْمُؤَخَّر زِيَادَة فِي الْكُفْر . وَكَأَنَّ الْقَوْل الْأَوَّل أَشْبَه بِمَعْنَى الْكَلَام , وَهُوَ أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : إِنَّمَا التَّأْخِير الَّذِي يُؤَخِّرهُ أَهْل الشِّرْك بِاَللَّهِ مِنْ شُهُور الْحُرُم الْأَرْبَعَة وَتَصْيِيرهمْ الْحَرَام مِنْهُنَّ حَلَالًا وَالْحَلَال مِنْهُنَّ حَرَامًا , زِيَادَة فِي كُفْرهمْ وَجُحُودهمْ أَحْكَام اللَّه وَآيَاته . وَقَدْ كَانَ بَعْض الْقُرَّاء يَقْرَأ ذَلِكَ : " إِنَّمَا النَّسِي " بِتَرْكِ الْهَمْز وَتَرْك مَدّه : { يُضَلّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا } . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة الْكُوفِيِّينَ : " يُضَلّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا " بِمَعْنَى : يُضَلّ اللَّه بِالنَّسِيءِ الَّذِي اِبْتَدَعُوهُ وَأَحْدَثُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ : { يُضَلّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا } بِمَعْنَى : يَزُول عَنْ حُجَّة اللَّه الَّتِي جَعَلَهَا لِعِبَادِهِ طَرِيقًا يَسْلُكُونَهُ إِلَى مَرْضَاته الَّذِينَ كَفَرُوا . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ : { يُضَلّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا } بِمَعْنَى : يُضَلّ بِالنَّسِيءِ الَّذِي سَنَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا , النَّاس . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : هُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ , قَدْ قَرَأَتْ بِكُلِّ وَاحِدَة الْقُرَّاء أَهْل الْعِلْم بِالْقُرْآنِ وَالْمَعْرِفَة بِهِ , وَهُمَا مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , لِأَنَّ مَنْ أَضَلَّهُ اللَّه فَهُوَ ضَالّ وَمَنْ ضَلَّ فَبِإِضْلَالِ اللَّه إِيَّاهُ وَخِذْلَانه لَهُ ضَلَّ , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَهُوَ لِلصَّوَابِ فِي ذَلِكَ مُصِيب . وَأَمَّا الصَّوَاب مِنْ الْقُرَّاء فِي النَّسِيء , فَالْهَمْز , وَقِرَاءَته عَلَى تَقْدِير فَعِيل , لِأَنَّهَا الْقِرَاءَة الْمُسْتَفِيضَة فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار الَّتِي لَا يَجُوز خِلَافهَا فِيمَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا قَوْله : { يُحِلُّونَهُ عَامًا } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : يُحِلّ الَّذِينَ كَفَرُوا النَّسِيء , وَالْهَاء فِي قَوْله : { يُحِلُّونَهُ } عَائِدَة عَلَيْهِ . وَمَعْنَى الْكَلَام : يُحِلُّونَ الَّذِينَ أَخَّرُوا تَحْرِيمه مِنْ الْأَشْهُر الْأَرْبَعَة الْحُرُم عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا , { لِيُوَاطِئُوا عِدَّة مَا حَرَّمَ اللَّه } يَقُول : لِيُوَافِقُوا بِتَحْلِيلِهِمْ مَا حَلَّلُوا مِنْ الشُّهُور وَتَحْرِيمهمْ مَا حَرَّمُوا مِنْهَا , عِدَّة مَا حَرَّمَ اللَّه { فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّه زَيَّنَ لَهُمْ سُوء أَعْمَالهمْ } يَقُول : حَسَّنَ لَهُمْ وَحَبَّبَ إِلَيْهِمْ سَيِّئ أَعْمَالهمْ وَقَبِيحهَا وَمَا خُولِفَ بِهِ أَمْر اللَّه وَطَاعَته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12980 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر } قَالَ : النَّسِيء : هُوَ أَنَّ جُنَادَة بْن عَوْف بْن أُمَيَّة الْكِنَانِيّ كَانَ يُوَافِي الْمَوْسِم فِي كُلّ عَام , وَكَانَ يُكَنَّى أَبَا ثُمَامَة , فَيُنَادِي : أَلَا إِنَّ أَبَا ثُمَامَة لَا يُحَاب وَلَا يُعَاب , أَلَا وَإِنَّ صَفَر الْعَام الْأَوَّل حَلَال ! فَيُحِلّهُ النَّاس , فَيُحَرِّم صَفَر عَامًا , وَيُحَرِّم الْمُحَرَّم عَامًا , فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر } إِلَى قَوْله : { الْكَافِرِينَ } وَقَوْله : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر } يَقُول : يَتْرُكُونَ الْمُحَرَّم عَامًا , وَعَامًا يُحَرِّمُونَهُ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا التَّأْوِيل مِنْ تَأْوِيل اِبْن عَبَّاس يَدُلّ عَلَى صِحَّة قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ " النَّسِي " بِتَرْكِ الْهَمْزَة وَتَرْك الْمَدّ , وَتَوْجِيهه مَعْنَى الْكَلَام إِلَى أَنَّهُ فِعْل مِنْ قَوْل الْقَائِل : نَسِيت الشَّيْء أَنْسَاهُ , وَمِنْ قَوْل اللَّه : { نَسُوا اللَّه فَنَسِيَهُمْ } بِمَعْنَى : تَرَكُوا اللَّه فَتَرَكَهُمْ . 12981 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر } قَالَ : فَهُوَ الْمُحَرَّم كَانَ يُحَرَّم عَامًا وَصَفَر عَامًا , وَزِيدَ صَفَر آخَر فِي الْأَشْهُر الْحُرُم , وَكَانُوا يُحَرِّمُونَ صَفَرًا مَرَّة وَيُحِلُّونَهُ مَرَّة , فَعَابَ اللَّه ذَلِكَ , وَكَانَتْ هَوَازِن وَغَطَفَان وَبَنُو سُلَيْم تَفْعَلهُ . 12982 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي وَائِل : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر } قَالَ : كَانَ النَّسِيء رَجُلًا مِنْ بَنِي كِنَانَة , وَكَانَ ذَا رَأْي فِيهِمْ , وَكَانَ يَجْعَل سَنَة الْمُحَرَّم صَفَرًا , فَيَغْزُونَ فِيهِ فَيَغْتَنِمُونَ فِيهِ وَيُصِيبُونَ , وَيُحَرِّمهُ سَنَة . * - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي وَائِل : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر } الْآيَة , وَكَانَ رَجُل مِنْ بَنِي كِنَانَة يُسَمَّى النَّسِيء , فَكَانَ يَجْعَل الْمُحَرَّم صَفَر وَيَسْتَحِلّ فِيهِ الْغَنَائِم , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . 12983 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت لَيْثًا , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانَ رَجُل مِنْ بَنِي كِنَانَة يَأْتِي كُلّ عَام فِي الْمَوْسِم عَلَى حِمَار لَهُ , فَيَقُول : أَيّهَا النَّاس إِنِّي لَا أُعَاب وَلَا أُحَابّ , وَلَا مَرَدّ لِمَا أَقُول ! إِنَّا قَدْ حَرَّمْنَا الْمُحَرَّم , وَأَخَّرْنَا صَفَر ! ثُمَّ يَجِيء الْعَام الْمُقْبِل بَعْده , فَيَقُول مِثْل مَقَالَته , وَيَقُول : إِنَّا قَدْ حَرَّمْنَا صَفَر , وَأَخَّرْنَا الْمُحَرَّم ! فَهُوَ قَوْله : { لِيُوَاطِئُوا عِدَّة مَا حَرَّمَ اللَّه } قَالَ : يَعْنِي الْأَرْبَعَة , فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّه لِتَأْخِيرِ هَذَا الشَّهْر الْحَرَام . 12984 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر } النَّسِيء : الْمُحَرَّم , وَكَانَ يُحَرِّم الْمُحَرَّم عَامًا وَيُحَرِّم صَفَرًا عَامًا , فَالزِّيَادَة صَفَر , وَكَانُوا يُؤَخِّرُونَ الشُّهُور حَتَّى يَجْعَلُونَ صَفَر الْمُحَرَّم , فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّه , وَكَانَتْ هَوَازِن وَغَطَفَان وَبَنُو سُلَيْم يُعَظِّمُونَهُ , هُمْ الَّذِينَ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّة . 12985 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر } إِلَى قَوْله : { الْكَافِرِينَ } عَمَدَ أُنَاس مِنْ أَهْل الضَّلَالَة , فَزَادُوا صَفَرًا فِي الْأَشْهُر الْحُرُم , فَكَانَ يَقُوم قَائِمهمْ فِي الْمَوْسِم , فَيَقُول : أَلَا إِنَّ آلِهَتكُمْ قَدْ حَرَّمَتْ الْعَام الْمُحَرَّم ! فَيُحَرِّمُونَهُ ذَلِكَ الْعَام. ثُمَّ يَقُول فِي الْعَام الْمُقْبِل فَيَقُول : أَلَا إِنَّ آلِهَتكُمْ قَدْ حَرَّمَتْ صَفَر ! فَيُحَرِّمُونَهُ ذَلِكَ الْعَام . وَكَانَ يُقَال لَهُمَا : الصَّفَرَانِ . قَالَ : فَكَانَ أَوَّل مَنْ نَسَأَ النَّسِيء بَنُو مَالِك بْن كِنَانَة , وَكَانُوا ثَلَاثَة : أَبُو ثُمَامَة صَفْوَان بْن أُمَيَّة أَحَد بَنِي فُقَيْم بْن الْحَارِث , ثُمَّ أَحَد بَنِي كِنَانَة . 12986 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر } قَالَ : فَرَضَ اللَّه الْحَجّ فِي ذِي الْحِجَّة . قَالَ : وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُسَمُّونَ الْأَشْهُر : ذُو الْحِجَّة , وَالْمُحَرَّم , وَصَفَر , وَرَبِيع , وَرَبِيع , وَجُمَادَى , وَجُمَادَى , وَرَجَب , وَشَعْبَان , وَرَمَضَان , وَشَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَذُو الْحِجَّة , يَحُجُّونَ فِيهِ مَرَّة ثُمَّ يَسْكُتُونَ عَنْ الْمُحَرَّم فَلَا يَذْكُرُونَهُ , ثُمَّ يَعُودُونَ فَيُسَمُّونَ صَفَر صَفَر , ثُمَّ يُسْمَوُنَّ رَجَب جُمَادَى الْآخِرَة , ثُمَّ يُسَمُّونَ شَعْبَان وَرَمَضَان , ثُمَّ يُسَمُّونَ رَمَضَان شَوَّالًا , ثُمَّ يُسَمُّونَ ذَا الْقَعْدَة شَوَّالًا , ثُمَّ يُسَمُّونَ ذَا الْحِجَّة ذَا الْقَعْدَة , ثُمَّ يُسَمُّونَ الْمُحَرَّم ذَا الْحِجَّة فَيَحُجُّونَ فِيهِ , وَاسْمه عِنْدهمْ ذُو الْحِجَّة . ثُمَّ عَادُوا بِمِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّة , فَكَانُوا يَحُجُّونَ فِي كُلّ شَهْر عَامَيْنِ , حَتَّى وَافَقَ حَجَّة أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ الْآخِر مِنْ الْعَامَيْنِ فِي ذِي الْقَعْدَة. ثُمَّ حَجَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّته الَّتِي حَجَّ , فَوَافَقَ ذَا الْحِجَّة , فَذَلِكَ حِين يَقُول النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَته : " إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض " . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر } قَالَ : حَجُّوا فِي ذِي الْحِجَّة عَامَيْنِ , ثُمَّ حَجُّوا فِي الْمُحَرَّم عَامَيْنِ , ثُمَّ حَجُّوا فِي صَفَر عَامَيْنِ , فَكَانُوا يَحُجُّونَ فِي كُلّ سَنَة فِي كُلّ شَهْر عَامَيْنِ , حَتَّى وَافَقَتْ حَجَّة أَبِي بَكْر الْآخِر مِنْ الْعَامَيْنِ فِي ذِي الْقَعْدَة قَبْل حَجَّة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَنَةٍ . ثُمَّ حَجَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَابِل فِي ذِي الْحِجَّة . فَذَلِكَ حِين يَقُول النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَته : " إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض " . 12987 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عِمْرَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر } قَالَ : كَانُوا يَجْعَلُونَ السَّنَة ثَلَاثَة عَشْرًا شَهْرًا , فَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّم صَفَرًا , فَيَسْتَحِلُّونَ فِيهِ الْحُرُمَات. فَأَنْزَلَ اللَّه : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر } 12988 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر يُضَلّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا } الْآيَة . قَالَ : هَذَا رَجُل مِنْ بَنِي كِنَانَة يُقَال لَهُ الْقَلَمَّس , كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة , وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة لَا يُغَيِّر بَعْضهمْ عَلَى بَعْض فِي الشَّهْر الْحَرَام , يَلْقَى الرَّجُل قَاتِل أَبِيهِ فَلَا يَمُدّ إِلَيْهِ يَده . فَلَمَّا كَانَ هُوَ , قَالَ : أَخْرَجُوا بِنَا ! قَالُوا لَهُ : هَذَا الْمُحَرَّم . فَقَالَ : نُنْسِئهُ الْعَام , هُمَا الْعَام صَفَرَانِ , فَإِذَا كَانَ عَام قَابِل قَضَيْنَا فَجَعَلْنَاهُمَا مُحَرَّمَيْنِ ! قَالَ : فَفَعَلَ ذَلِكَ. فَلَمَّا كَانَ عَام قَابِل , قَالَ : لَا تَغْزُوا فِي صَفَر حَرِّمُوهُ مَعَ الْمُحَرَّم , هُمَا مُحَرَّمَانِ ; الْمُحَرَّم أَنْسَأْنَاهُ عَامًا أَوَّل وَنَقْضِيه ; ذَلِكَ الْإِنْسَاء . وَقَالَ شَاعِرهمْ : وَمِنَّا مُنْسِئ الشَّهْر الْقَلَمَّسْ وَأَنْزَلَ اللَّه : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر } إِلَى آخِر الْآيَة. وَأَمَّا قَوْله : { زِيَادَة فِي الْكُفْر } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : زِيَادَة كُفْر بِالنَّسِيءِ إِلَى كُفْرهمْ بِاَللَّهِ . وَقِيلَ اِبْتِدَاعهمْ النَّسِيء ; كَمَا : 12989 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر } يَقُول : اِزْدَادُوا بِهِ كُفْرًا إِلَى كُفْرهمْ .
وَأَمَّا قَوْله : { لِيُوَاطِئُوا } فَإِنَّهُ مِنْ قَوْل الْقَائِل : وَاطَأْت فُلَانًا عَلَى كَذَا أُوَاطِئهُ مُوَاطَأَة : إِذَا وَافَقْته عَلَيْهِ , مُعِينًا لَهُ , غَيْر مُخَالِف عَلَيْهِ . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ مَا : 12990 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لِيُوَاطِئُوا عِدَّة مَا حَرَّمَ اللَّه } يَقُول : يُشْبِهُونَ . وَذَلِكَ قَرِيب الْمَعْنَى مِمَّا بَيَّنَّا , وَذَلِكَ أَنَّ مَا شَابَهَ الشَّيْء فَقَدْ وَافَقَهُ مِنْ الْوَجْه الَّذِي شَابَهَهُ . وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : أَنَّهُمْ يُوَافِقُونَ بِعِدَّةِ الشُّهُور الَّتِي يُحَرِّمُونَهَا عِدَّة الْأَشْهُر الْأَرْبَعَة الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّه , لَا يَزِيدُونَ عَلَيْهَا وَلَا يَنْقُصُونَ مِنْهَا , وَإِنْ قَدَّمُوا وَأَخَّرُوا فَذَلِك مُوَاطَأَة عِدَّتهمْ عِدَّة مَا حَرَّمَ اللَّه .
{ وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الْكَافِرِينَ } يَقُول : وَاَللَّه لَا يُوَفِّق لِمَحَاسِن الْأَفْعَال وَحِلّهَا وَمَا لِلَّهِ فِيهِ رِضَا , الْقَوْم الْجَاحِدِينَ تَوْحِيده وَالْمُنْكِرِينَ نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَكِنَّهُ يَخْذُلهُمْ عَنْ الْهُدَى كَمَا خُذِلَ هَؤُلَاءِ النَّاس عَنْ الْأَشْهُر الْحُرُم.
وَأَمَّا قَوْله : { يُحِلُّونَهُ عَامًا } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : يُحِلّ الَّذِينَ كَفَرُوا النَّسِيء , وَالْهَاء فِي قَوْله : { يُحِلُّونَهُ } عَائِدَة عَلَيْهِ . وَمَعْنَى الْكَلَام : يُحِلُّونَ الَّذِينَ أَخَّرُوا تَحْرِيمه مِنْ الْأَشْهُر الْأَرْبَعَة الْحُرُم عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا , { لِيُوَاطِئُوا عِدَّة مَا حَرَّمَ اللَّه } يَقُول : لِيُوَافِقُوا بِتَحْلِيلِهِمْ مَا حَلَّلُوا مِنْ الشُّهُور وَتَحْرِيمهمْ مَا حَرَّمُوا مِنْهَا , عِدَّة مَا حَرَّمَ اللَّه { فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّه زَيَّنَ لَهُمْ سُوء أَعْمَالهمْ } يَقُول : حَسَّنَ لَهُمْ وَحَبَّبَ إِلَيْهِمْ سَيِّئ أَعْمَالهمْ وَقَبِيحهَا وَمَا خُولِفَ بِهِ أَمْر اللَّه وَطَاعَته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12980 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر } قَالَ : النَّسِيء : هُوَ أَنَّ جُنَادَة بْن عَوْف بْن أُمَيَّة الْكِنَانِيّ كَانَ يُوَافِي الْمَوْسِم فِي كُلّ عَام , وَكَانَ يُكَنَّى أَبَا ثُمَامَة , فَيُنَادِي : أَلَا إِنَّ أَبَا ثُمَامَة لَا يُحَاب وَلَا يُعَاب , أَلَا وَإِنَّ صَفَر الْعَام الْأَوَّل حَلَال ! فَيُحِلّهُ النَّاس , فَيُحَرِّم صَفَر عَامًا , وَيُحَرِّم الْمُحَرَّم عَامًا , فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر } إِلَى قَوْله : { الْكَافِرِينَ } وَقَوْله : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر } يَقُول : يَتْرُكُونَ الْمُحَرَّم عَامًا , وَعَامًا يُحَرِّمُونَهُ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا التَّأْوِيل مِنْ تَأْوِيل اِبْن عَبَّاس يَدُلّ عَلَى صِحَّة قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ " النَّسِي " بِتَرْكِ الْهَمْزَة وَتَرْك الْمَدّ , وَتَوْجِيهه مَعْنَى الْكَلَام إِلَى أَنَّهُ فِعْل مِنْ قَوْل الْقَائِل : نَسِيت الشَّيْء أَنْسَاهُ , وَمِنْ قَوْل اللَّه : { نَسُوا اللَّه فَنَسِيَهُمْ } بِمَعْنَى : تَرَكُوا اللَّه فَتَرَكَهُمْ . 12981 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر } قَالَ : فَهُوَ الْمُحَرَّم كَانَ يُحَرَّم عَامًا وَصَفَر عَامًا , وَزِيدَ صَفَر آخَر فِي الْأَشْهُر الْحُرُم , وَكَانُوا يُحَرِّمُونَ صَفَرًا مَرَّة وَيُحِلُّونَهُ مَرَّة , فَعَابَ اللَّه ذَلِكَ , وَكَانَتْ هَوَازِن وَغَطَفَان وَبَنُو سُلَيْم تَفْعَلهُ . 12982 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي وَائِل : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر } قَالَ : كَانَ النَّسِيء رَجُلًا مِنْ بَنِي كِنَانَة , وَكَانَ ذَا رَأْي فِيهِمْ , وَكَانَ يَجْعَل سَنَة الْمُحَرَّم صَفَرًا , فَيَغْزُونَ فِيهِ فَيَغْتَنِمُونَ فِيهِ وَيُصِيبُونَ , وَيُحَرِّمهُ سَنَة . * - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي وَائِل : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر } الْآيَة , وَكَانَ رَجُل مِنْ بَنِي كِنَانَة يُسَمَّى النَّسِيء , فَكَانَ يَجْعَل الْمُحَرَّم صَفَر وَيَسْتَحِلّ فِيهِ الْغَنَائِم , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . 12983 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت لَيْثًا , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانَ رَجُل مِنْ بَنِي كِنَانَة يَأْتِي كُلّ عَام فِي الْمَوْسِم عَلَى حِمَار لَهُ , فَيَقُول : أَيّهَا النَّاس إِنِّي لَا أُعَاب وَلَا أُحَابّ , وَلَا مَرَدّ لِمَا أَقُول ! إِنَّا قَدْ حَرَّمْنَا الْمُحَرَّم , وَأَخَّرْنَا صَفَر ! ثُمَّ يَجِيء الْعَام الْمُقْبِل بَعْده , فَيَقُول مِثْل مَقَالَته , وَيَقُول : إِنَّا قَدْ حَرَّمْنَا صَفَر , وَأَخَّرْنَا الْمُحَرَّم ! فَهُوَ قَوْله : { لِيُوَاطِئُوا عِدَّة مَا حَرَّمَ اللَّه } قَالَ : يَعْنِي الْأَرْبَعَة , فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّه لِتَأْخِيرِ هَذَا الشَّهْر الْحَرَام . 12984 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر } النَّسِيء : الْمُحَرَّم , وَكَانَ يُحَرِّم الْمُحَرَّم عَامًا وَيُحَرِّم صَفَرًا عَامًا , فَالزِّيَادَة صَفَر , وَكَانُوا يُؤَخِّرُونَ الشُّهُور حَتَّى يَجْعَلُونَ صَفَر الْمُحَرَّم , فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّه , وَكَانَتْ هَوَازِن وَغَطَفَان وَبَنُو سُلَيْم يُعَظِّمُونَهُ , هُمْ الَّذِينَ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّة . 12985 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر } إِلَى قَوْله : { الْكَافِرِينَ } عَمَدَ أُنَاس مِنْ أَهْل الضَّلَالَة , فَزَادُوا صَفَرًا فِي الْأَشْهُر الْحُرُم , فَكَانَ يَقُوم قَائِمهمْ فِي الْمَوْسِم , فَيَقُول : أَلَا إِنَّ آلِهَتكُمْ قَدْ حَرَّمَتْ الْعَام الْمُحَرَّم ! فَيُحَرِّمُونَهُ ذَلِكَ الْعَام. ثُمَّ يَقُول فِي الْعَام الْمُقْبِل فَيَقُول : أَلَا إِنَّ آلِهَتكُمْ قَدْ حَرَّمَتْ صَفَر ! فَيُحَرِّمُونَهُ ذَلِكَ الْعَام . وَكَانَ يُقَال لَهُمَا : الصَّفَرَانِ . قَالَ : فَكَانَ أَوَّل مَنْ نَسَأَ النَّسِيء بَنُو مَالِك بْن كِنَانَة , وَكَانُوا ثَلَاثَة : أَبُو ثُمَامَة صَفْوَان بْن أُمَيَّة أَحَد بَنِي فُقَيْم بْن الْحَارِث , ثُمَّ أَحَد بَنِي كِنَانَة . 12986 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر } قَالَ : فَرَضَ اللَّه الْحَجّ فِي ذِي الْحِجَّة . قَالَ : وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُسَمُّونَ الْأَشْهُر : ذُو الْحِجَّة , وَالْمُحَرَّم , وَصَفَر , وَرَبِيع , وَرَبِيع , وَجُمَادَى , وَجُمَادَى , وَرَجَب , وَشَعْبَان , وَرَمَضَان , وَشَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَذُو الْحِجَّة , يَحُجُّونَ فِيهِ مَرَّة ثُمَّ يَسْكُتُونَ عَنْ الْمُحَرَّم فَلَا يَذْكُرُونَهُ , ثُمَّ يَعُودُونَ فَيُسَمُّونَ صَفَر صَفَر , ثُمَّ يُسْمَوُنَّ رَجَب جُمَادَى الْآخِرَة , ثُمَّ يُسَمُّونَ شَعْبَان وَرَمَضَان , ثُمَّ يُسَمُّونَ رَمَضَان شَوَّالًا , ثُمَّ يُسَمُّونَ ذَا الْقَعْدَة شَوَّالًا , ثُمَّ يُسَمُّونَ ذَا الْحِجَّة ذَا الْقَعْدَة , ثُمَّ يُسَمُّونَ الْمُحَرَّم ذَا الْحِجَّة فَيَحُجُّونَ فِيهِ , وَاسْمه عِنْدهمْ ذُو الْحِجَّة . ثُمَّ عَادُوا بِمِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّة , فَكَانُوا يَحُجُّونَ فِي كُلّ شَهْر عَامَيْنِ , حَتَّى وَافَقَ حَجَّة أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ الْآخِر مِنْ الْعَامَيْنِ فِي ذِي الْقَعْدَة. ثُمَّ حَجَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّته الَّتِي حَجَّ , فَوَافَقَ ذَا الْحِجَّة , فَذَلِكَ حِين يَقُول النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَته : " إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض " . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر } قَالَ : حَجُّوا فِي ذِي الْحِجَّة عَامَيْنِ , ثُمَّ حَجُّوا فِي الْمُحَرَّم عَامَيْنِ , ثُمَّ حَجُّوا فِي صَفَر عَامَيْنِ , فَكَانُوا يَحُجُّونَ فِي كُلّ سَنَة فِي كُلّ شَهْر عَامَيْنِ , حَتَّى وَافَقَتْ حَجَّة أَبِي بَكْر الْآخِر مِنْ الْعَامَيْنِ فِي ذِي الْقَعْدَة قَبْل حَجَّة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَنَةٍ . ثُمَّ حَجَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَابِل فِي ذِي الْحِجَّة . فَذَلِكَ حِين يَقُول النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَته : " إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض " . 12987 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عِمْرَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر } قَالَ : كَانُوا يَجْعَلُونَ السَّنَة ثَلَاثَة عَشْرًا شَهْرًا , فَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّم صَفَرًا , فَيَسْتَحِلُّونَ فِيهِ الْحُرُمَات. فَأَنْزَلَ اللَّه : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر } 12988 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر يُضَلّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا } الْآيَة . قَالَ : هَذَا رَجُل مِنْ بَنِي كِنَانَة يُقَال لَهُ الْقَلَمَّس , كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة , وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة لَا يُغَيِّر بَعْضهمْ عَلَى بَعْض فِي الشَّهْر الْحَرَام , يَلْقَى الرَّجُل قَاتِل أَبِيهِ فَلَا يَمُدّ إِلَيْهِ يَده . فَلَمَّا كَانَ هُوَ , قَالَ : أَخْرَجُوا بِنَا ! قَالُوا لَهُ : هَذَا الْمُحَرَّم . فَقَالَ : نُنْسِئهُ الْعَام , هُمَا الْعَام صَفَرَانِ , فَإِذَا كَانَ عَام قَابِل قَضَيْنَا فَجَعَلْنَاهُمَا مُحَرَّمَيْنِ ! قَالَ : فَفَعَلَ ذَلِكَ. فَلَمَّا كَانَ عَام قَابِل , قَالَ : لَا تَغْزُوا فِي صَفَر حَرِّمُوهُ مَعَ الْمُحَرَّم , هُمَا مُحَرَّمَانِ ; الْمُحَرَّم أَنْسَأْنَاهُ عَامًا أَوَّل وَنَقْضِيه ; ذَلِكَ الْإِنْسَاء . وَقَالَ شَاعِرهمْ : وَمِنَّا مُنْسِئ الشَّهْر الْقَلَمَّسْ وَأَنْزَلَ اللَّه : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر } إِلَى آخِر الْآيَة. وَأَمَّا قَوْله : { زِيَادَة فِي الْكُفْر } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : زِيَادَة كُفْر بِالنَّسِيءِ إِلَى كُفْرهمْ بِاَللَّهِ . وَقِيلَ اِبْتِدَاعهمْ النَّسِيء ; كَمَا : 12989 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر } يَقُول : اِزْدَادُوا بِهِ كُفْرًا إِلَى كُفْرهمْ .
وَأَمَّا قَوْله : { لِيُوَاطِئُوا } فَإِنَّهُ مِنْ قَوْل الْقَائِل : وَاطَأْت فُلَانًا عَلَى كَذَا أُوَاطِئهُ مُوَاطَأَة : إِذَا وَافَقْته عَلَيْهِ , مُعِينًا لَهُ , غَيْر مُخَالِف عَلَيْهِ . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ مَا : 12990 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لِيُوَاطِئُوا عِدَّة مَا حَرَّمَ اللَّه } يَقُول : يُشْبِهُونَ . وَذَلِكَ قَرِيب الْمَعْنَى مِمَّا بَيَّنَّا , وَذَلِكَ أَنَّ مَا شَابَهَ الشَّيْء فَقَدْ وَافَقَهُ مِنْ الْوَجْه الَّذِي شَابَهَهُ . وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : أَنَّهُمْ يُوَافِقُونَ بِعِدَّةِ الشُّهُور الَّتِي يُحَرِّمُونَهَا عِدَّة الْأَشْهُر الْأَرْبَعَة الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّه , لَا يَزِيدُونَ عَلَيْهَا وَلَا يَنْقُصُونَ مِنْهَا , وَإِنْ قَدَّمُوا وَأَخَّرُوا فَذَلِك مُوَاطَأَة عِدَّتهمْ عِدَّة مَا حَرَّمَ اللَّه .
{ وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الْكَافِرِينَ } يَقُول : وَاَللَّه لَا يُوَفِّق لِمَحَاسِن الْأَفْعَال وَحِلّهَا وَمَا لِلَّهِ فِيهِ رِضَا , الْقَوْم الْجَاحِدِينَ تَوْحِيده وَالْمُنْكِرِينَ نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَكِنَّهُ يَخْذُلهُمْ عَنْ الْهُدَى كَمَا خُذِلَ هَؤُلَاءِ النَّاس عَنْ الْأَشْهُر الْحُرُم.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ اِنْفِرُوا فِي سَبِيل اللَّه اِثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْض } وَهَذِهِ الْآيَة حَثّ مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ أَصْحَاب رَسُوله عَلَى غَزْو الرُّوم , وَذَلِكَ غَزْوَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبُوك . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه وَرَسُوله { مَا لَكُمْ } أَيْ شَيْء أَمَرَكُمْ , { إِذَا قِيلَ لَكُمْ اِنْفِرُوا فِي سَبِيل اللَّه } يَقُول : إِذَا قَالَ لَكُمْ رَسُول اللَّه مُحَمَّد : اِنْفِرُوا ! أَيْ اُخْرُجُوا مِنْ مَنَازِلكُمْ إِلَى مَغْزَاكُمْ. وَأَصْل النَّفْر : مُفَارَقَة مَكَان إِلَى مَكَان لِأَمْرٍ هَاجَهُ عَلَى ذَلِكَ , وَمِنْهُ نُفُور الدَّابَّة غَيْر أَنَّهُ يُقَال مِنْ النَّفْر إِلَى الْغَزْو : نَفَرَ فُلَان إِلَى ثَغْر كَذَا يَنْفِر نَفْرًا وَنَفِيرًا , وَأَحْسِب أَنَّ هَذَا مِنْ الْفُرُوق الَّتِي يُفَرِّقُونَ بِهَا بَيْن اِخْتِلَاف الْمُخْبَر عَنْهُ وَإِنْ اِتَّفَقَتْ مَعَانِي الْخَبَر ; فَمَعْنَى الْكَلَام : مَا لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِذَا قِيلَ لَكُمْ : اُخْرُجُوا غُزَاة فِي سَبِيل اللَّه ; أَيْ فِي جِهَاد أَعْدَاء اللَّه , { اِثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْض } يَقُول تَثَاقَلْتُمْ إِلَى لُزُوم أَرْضكُمْ وَمَسَاكِنكُمْ وَالْجُلُوس فِيهَا . وَقِيلَ : " اِثَّاقَلْتُمْ " لِأَنَّهُ أُدْغِمَ التَّاء فِي الثَّاء . فَأَحْدَثَ لَهَا أَلِف لِيُتَوَصَّل إِلَى الْكَلَام بِهَا . لِأَنَّ التَّاء مُدْغِمَة فِي الثَّاء , وَلَوْ أُسْقِطَتْ الْأَلِف وَابْتُدِئَ بِهَا لَمْ تَكُنْ إِلَّا مُتَحَرِّكَة , فَأَحْدَثَتْ الْأَلِف لِتَقَع الْحَرَكَة بِهَا , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { حَتَّى إِذَا اِدَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا } 7 38 وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر : تُولِي الضَّجِيع إِذَا مَا اِسْتَافَهَا خَصِرًا عَذْب الْمَذَاق إِذَا مَا اتَّابَعَ الْقُبَل فَهُوَ بَنَى الْفِعْل اِفْتَعَلْتُمْ مِنْ التَّثَاقُل. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12991 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ اِنْفِرُوا فِي سَبِيل اللَّه اِثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْض } أَمَرُوا بِغَزْوَةِ تَبُوك بَعْد الْفَتْح وَبَعْد الطَّائِف , وَبَعْد حُنَيْنٍ . أُمِرُوا بِالنَّفِيرِ فِي الصَّيْف حِين خَرِفَتْ النَّخْل , وَطَابَتْ الثِّمَار , وَاشْتُهُوا الظِّلَال , وَشَقَّ عَلَيْهِمْ الْمَخْرَج . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ اِنْفِرُوا فِي سَبِيل اللَّه اِثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْض } الْآيَة , قَالَ : هَذَا حِين أُمِرُوا بِغَزْوَةِ تَبُوك بَعْد الْفَتْح وَحُنَيْن , وَبَعْد الطَّائِف أَمَرَهُمْ بِالنَّفِيرِ فِي الصَّيْف , حِين اِخْتَرَفَتْ النَّخْل , وَطَابَتْ الثِّمَار , وَاشْتُهُوا الظِّلَال , وَشَقَّ عَلَيْهِمْ الْمَخْرَج . قَالَ : فَقَالُوا : مِنَّا الثَّقِيل , وَذُو الْحِجَّة , وَالضَّيْعَة , وَالشُّغْل , وَالْمُنْتَشِر بِهِ أَمْره فِي ذَلِكَ كُلّه . فَأَنْزَلَ اللَّه : { اِنْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا } 9 41
وَقَوْله : { أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الْآخِرَة } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ , أَرَضِيتُمْ بِحَظِّ الدُّنْيَا وَالدَّعَة فِيهَا عِوَضًا مِنْ نَعِيم الْآخِرَة وَمَا عِنْد اللَّه لِلْمُتَّقِينَ فِي جِنَانه ؟ { فَمَا مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة } يَقُول : فَمَا الَّذِي يَسْتَمْتِع بِهِ الْمُتَمَتِّعُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ عَيْشهَا وَلَذَّاتهَا فِي نَعِيم الْآخِرَة وَالْكَرَامَة الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّه لِأَوْلِيَائِهِ وَأَهْل طَاعَته { إِلَّا قَلِيل } يَسِير . يَقُول لَهُمْ : فَاطْلُبُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ نَعِيم الْآخِرَة وَتَرَف الْكَرَامَة الَّتِي عِنْد اللَّه لِأَوْلِيَائِهِ بِطَاعَتِهِ , وَالْمُسَارَعَة إِلَى الْإِجَابَة إِلَى أَمْره فِي النَّفِير لِجِهَادِ عَدُوّهُ .
وَقَوْله : { أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الْآخِرَة } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ , أَرَضِيتُمْ بِحَظِّ الدُّنْيَا وَالدَّعَة فِيهَا عِوَضًا مِنْ نَعِيم الْآخِرَة وَمَا عِنْد اللَّه لِلْمُتَّقِينَ فِي جِنَانه ؟ { فَمَا مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة } يَقُول : فَمَا الَّذِي يَسْتَمْتِع بِهِ الْمُتَمَتِّعُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ عَيْشهَا وَلَذَّاتهَا فِي نَعِيم الْآخِرَة وَالْكَرَامَة الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّه لِأَوْلِيَائِهِ وَأَهْل طَاعَته { إِلَّا قَلِيل } يَسِير . يَقُول لَهُمْ : فَاطْلُبُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ نَعِيم الْآخِرَة وَتَرَف الْكَرَامَة الَّتِي عِنْد اللَّه لِأَوْلِيَائِهِ بِطَاعَتِهِ , وَالْمُسَارَعَة إِلَى الْإِجَابَة إِلَى أَمْره فِي النَّفِير لِجِهَادِ عَدُوّهُ .
إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِل قَوْمًا غَيْركُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ أَصْحَاب رَسُوله , مُتَوَعَّدهمْ عَلَى تَرْك النَّفَر إِلَى عَدُوّهُمْ مِنْ الرُّوم : إِنْ لَمْ تَنْفِرُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِلَى مَنْ اِسْتَنْفَرَكُمْ رَسُول اللَّه , يُعَذِّبكُمْ اللَّه عَاجِلًا فِي الدُّنْيَا بِتَرْكِكُمْ النَّفْر إِلَيْهِمْ عَذَابًا مُوجِعًا . { وَيَسْتَبْدِل قَوْمًا غَيْركُمْ } يَقُول : يَسْتَبْدِل اللَّه بِكُمْ نَبِيّه قَوْمًا غَيْركُمْ , يَنْفِرُونَ إِذَا اُسْتُنْفِرُوا , وَيُجِيبُونَهُ إِذَا دُعُوا , وَيُطِيعُونَ اللَّه وَرَسُوله . { وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا } يَقُول : وَلَا تَضُرُّوا اللَّه بِتَرْكِكُمْ النَّفِير وَمَعْصِيَتكُمْ إِيَّاهُ شَيْئًا , لِأَنَّهُ لَا حَاجَة بِهِ إِلَيْكُمْ , بَلْ أَنْتُمْ أَهْل الْحَاجَة إِلَيْهِ , وَهُوَ الْغَنِيّ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاء { وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاَللَّه عَلَى إِهْلَاككُمْ وَاسْتِبْدَال قَوْم غَيْركُمْ بِكُمْ وَعَلَى كُلّ مَا يَشَاء مِنْ الْأَشْيَاء قَدِير . وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ الْعَذَاب الْأَلِيم فِي هَذَا الْمَوْضِع كَانَ اِحْتِبَاس الْقَطْر عَنْهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12992 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا زَيْد بْن الْحُبَاب , قَالَ : ثني عَبْد الْمُؤْمِن بْن خَالِد الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثني نَجْدَة الْخُرَاسَانِيّ , قَالَ : سَمِعْت اِبْن عَبَّاس , سُئِلَ عَنْ قَوْله : { إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } قَالَ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتَنْفَرَ حَيَا مِنْ أَحْيَاء الْعَرَب , فَتَثَاقَلُوا عَنْهُ , فَأَمْسَكَ عَنْهُمْ الْمَطَر , فَكَانَ ذَلِكَ عَذَابهمْ , فَذَلِكَ قَوْله : { إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا عَبْد الْمُؤْمِن , عَنْ نَجْدَة , قَالَ : سَأَلْت اِبْن عَبَّاس , فَذَكَرَ نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : فَكَانَ عَذَابهمْ أَنْ أَمْسَكَ عَنْهُمْ الْمَطَر . 12993 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } اِسْتَنْفَرَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ فِي لَهَبَان الْحُرّ فِي غَزْوَة تَبُوك قِبَل الشَّأْم عَلَى مَا يَعْلَم اللَّه مِنْ الْجَهْد . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12994 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , عَنْ الْحُسَيْن , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ , قَالَا : قَالَ : { إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } وَقَالَ : { مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَة وَمَنْ حَوْلهمْ مِنْ الْأَعْرَاب أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُول اللَّه وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسه } 9 120 إِلَى قَوْله : { لِيَجْزِيَهُمْ اللَّه أَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } 9 121 فَنَسَخَتْهَا الْآيَة الَّتِي تَلَتْهَا : { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّة } إِلَى قَوْله : { لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } 9 122 قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَلَا خَبَر بِاَلَّذِي قَالَ عِكْرِمَة وَالْحَسَن مِنْ نَسْخ حُكْم هَذِهِ الْآيَة الَّتِي ذَكَرُوا يَجِب التَّسْلِيم لَهُ , وَلَا حُجَّة تَأْتِي بِصِحَّةِ ذَلِكَ , وَقَدْ رَأَى ثُبُوت الْحُكْم بِذَلِكَ عَدَد مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ سَنَذْكُرُهُمْ بَعْد. وَجَائِز أَنْ يَكُون قَوْله : { إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } لِخَاصٍّ مِنْ النَّاس , وَيَكُون الْمُرَاد بِهِ مَنْ اِسْتَنْفَرَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمْ يَنْفِر عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الرِّوَايَة عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ قَوْله : { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّة } نَهْيًا مِنْ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ عَنْ إِخْلَاء بِلَاد الْإِسْلَام بِغَيْرِ مُؤْمِن مُقِيم فِيهَا , وَإِعْلَامًا مِنْ اللَّه لَهُمْ أَنَّ الْوَاجِب النَّفْر عَلَى بَعْضهمْ دُون بَعْض , وَذَلِكَ عَلَى مَنْ اُسْتُنْفِرَ مِنْهُمْ دُون مَنْ لَمْ يُسْتَنْفَر . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي إِحْدَى الْآيَتَيْنِ نَسْخ لِلْأُخْرَى , وَكَانَ حُكْم كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا مَاضِيًا فِيمَا عُنِيت بِهِ .
إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّه إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِي اِثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَار إِذْ يَقُول لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَن إِنَّ اللَّه مَعَنَا } وَهَذَا إِعْلَام مِنْ اللَّه أَصْحَاب رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ الْمُتَوَكِّل بِنَصْرِ رَسُوله عَلَى أَعْدَاء دِينه وَإِظْهَاره عَلَيْهِمْ دُونهمْ , أَعَانُوهُ أَوْ لَمْ يُعِينُوهُ , وَتَذْكِير مِنْهُ لَهُمْ فِعْل ذَلِكَ بِهِ , وَهُوَ مِنْ الْعَدَد فِي قِلَّة وَالْعَدُوّ فِي كَثْرَة , فَكَيْف بِهِ وَهُوَ مِنْ الْعَدَد فِي كَثْرَة وَالْعَدُوّ فِي قِلَّة ؟ يَقُول لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِلَّا تَنْفِرُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مَعَ رَسُولِي إِذَا اِسْتَنْفَرَكُمْ فَتَنْصُرُوهُ , فَاَللَّه نَاصِره وَمُعِينه عَلَى عَدُوّهُ وَمُغْنِيه عَنْكُمْ وَعَنْ مَعُونَتكُمْ وَنُصْرَتكُمْ ; كَمَا نَصَرَهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ مِنْ قُرَيْش مِنْ وَطَنه وَدَاره { ثَانِي اِثْنَيْنِ } يَقُول : أَخْرَجُوهُ وَهُوَ أَحَد الِاثْنَيْنِ : أَيْ وَاحِد مِنْ الِاثْنَيْنِ , وَكَذَلِكَ تَقُول الْعَرَب : " هُوَ ثَانِي اِثْنَيْنِ " يَعْنِي أَحَد الِاثْنَيْنِ , وَثَالِث ثَلَاثَة , وَرَابِع أَرْبَعَة , يَعْنِي : أَحَد ثَلَاثَة , وَأَحَد الْأَرْبَعَة , وَذَلِكَ خِلَاف قَوْلهمْ : هُوَ أَخُو سِتَّة وَغُلَام سَبْعَة , لِأَنَّ الْأَخ وَالْغُلَام غَيْر السِّتَّة وَالسَّبْعَة , وَثَالِث الثَّلَاثَة : أَحَد الثَّلَاثَة . وَإِنَّمَا عَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { ثَانِي اِثْنَيْنِ } رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْر , رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , لِأَنَّهُمَا كَانَا اللَّذَيْنِ خَرَجَا هَارِبَيْنِ مِنْ قُرَيْش , إِذْ هَمُّوا بِقَتْلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتَفِيَا فِي الْغَار . وَقَوْله : { إِذْ هُمَا فِي الْغَار } يَقُول إِذْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْر رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِ فِي الْغَار ; وَالْغَار : النَّقْب الْعَظِيم يَكُون فِي الْجَبَل. { إِذْ يَقُول لِصَاحِبِهِ } يَقُول : إِذْ يَقُول رَسُول اللَّه لِصَاحِبِهِ أَبِي بَكْر : { لَا تَحْزَن } وَذَلِكَ أَنَّهُ خَافَ مِنْ الطَّلَب أَنْ يَعْلَمُوا بِمَكَانِهِمَا , فَجَزِعَ مِنْ ذَلِكَ , فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَحْزَن لِأَنَّ اللَّه مَعَنَا , وَاَللَّه نَاصِرنَا , فَلَنْ يَعْلَم الْمُشْرِكُونَ بِنَا , وَلَنْ يَصِلُوا إِلَيْنَا " ! يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّه عَلَى عَدُوّهُ وَهُوَ بِهَذِهِ الْحَال مِنْ الْخَوْف وَقِلَّة الْعَدَد , فَكَيْف يَخْذُلهُ وَيَحُوجهُ إِلَيْكُمْ وَقَدْ كَثَّرَ اللَّه أَنْصَاره , وَعَدَد جُنُوده ؟ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12995 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إِلَّا تَنْصُرُوهُ } ذِكْر مَا كَانَ فِي أَوَّل شَأْنه حِين بَعَثَهُ ; يُقَوَّل اللَّه : فَأَنَا فَاعِل ذَلِكَ بِهِ وَنَاصِره كَمَا نَصَرْته إِذْ ذَاكَ وَهُوَ ثَانِي اِثْنَيْنِ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّه } قَالَ : ذِكْر مَا كَانَ فِي أَوَّل شَأْنه حِين بَعَثَ , فَاَللَّه فَاعِل بِهِ كَذَلِكَ نَاصِره كَمَا نَصَرَهُ إِذْ ذَاكَ { ثَانِي اِثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَار } 12996 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّه } الْآيَة , قَالَ : فَكَانَ صَاحِبه أَبُو بَكِّرْ . وَأَمَّا الْغَار : فَجَبَل بِمَكَّة يُقَال لَهُ ثَوْر . 12997 - حَدَّثَنَا عَبْد الْوَارِث بْن عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثنا أَبَان الْعَطَّار , قَالَ : ثنا هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ عُرْوَة , قَالَ : لَمَّا خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , وَكَانَ لِأَبِي بَكْر مَنِيحَة مِنْ غَنَم تَرُوح عَلَى أَهْله , فَأَرْسَلَ أَبُو بَكْر عَامِر بْن فُهَيْرَة فِي الْغَنَم إِلَى ثَوْر , وَكَانَ عَامِر بْن فُهَيْرَة يَرُوح بِتِلْكَ الْغَنَم عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغَارِ فِي ثَوْر , وَهُوَ الْغَار الَّذِي سَمَّاهُ اللَّه فِي الْقُرْآن . 12998 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم بْن جُبَيْر الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثنا عَفَّان وَحِبَّان , قَالَا : ثنا هَمَّام , عَنْ ثَابِت عَنْ أَنَس , أَنَّ أَبَا بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حَدَّثَهُمْ , قَالَ : بَيْنَا أَنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَار , وَأَقْدَام الْمُشْرِكِينَ فَوْق رُءُوسنَا , فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه , لَوْ أَنَّ أَحَدهمْ رَفَعَ قَدَمه أَبْصَرَنَا ! فَقَالَ : " يَا أَبَا بَكْر مَا ظَنّك بِاثْنَيْنِ اللَّه ثَالِثهمَا " . 12999 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ شَرِيك , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : مَكَثَ أَبُو بَكْر مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَار ثَلَاثًا . 13000 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ : { إِذْ هُمَا فِي الْغَار } قَالَ : فِي الْجَبَل الَّذِي يُسَمَّى ثَوْرًا , مَكَثَ فِيهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْر ثَلَاث لَيَالٍ . 13001 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث , عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ أَبَا بَكْر الصِّدِّيق رَحْمَة اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ حِين خَطَبَ قَالَ : أَيّكُمْ يَقْرَأ سُورَة التَّوْبَة ؟ قَالَ رَجُل : أَنَا , قَالَ : اِقْرَأْ ! فَلَمَّا بَلَغَ : { إِذْ يَقُول لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَن } بَكَى أَبُو بَكْر وَقَالَ : أَنَا وَاَللَّه صَاحِبه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَنْزَلَ اللَّه سَكِينَته عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَة الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَة اللَّه هِيَ الْعُلْيَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَنْزَلَ اللَّه طُمَأْنِينَته وَسُكُونه عَلَى رَسُوله - وَقَدْ قِيلَ : عَلَى أَبِي بَكْر - { وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا } يَقُول : وَقَوَّاهُ بِجُنُودٍ مِنْ عِنْده مِنْ الْمَلَائِكَة لَمْ تَرَوْهَا أَنْتُمْ . { وَجَعَلَ كَلِمَة الَّذِينَ كَفَرُوا } وَهِيَ كَلِمَة الشِّرْك { السُّفْلَى } لِأَنَّهَا قَهَرَتْ وَأَذَلَّتْ وَأَبْطَلَهَا اللَّه تَعَالَى وَمُحِقَ أَهْلهَا , وَكُلّ مَقْهُور وَمَغْلُوب فَهُوَ أَسْفَل مِنْ الْغَالِب وَالْغَالِب هُوَ الْأَعْلَى . { وَكَلِمَة اللَّه هِيَ الْعُلْيَا } يَقُول : وَدِين اللَّه وَتَوْحِيده وَقَوْل لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَهِيَ كَلِمَته الْعُلْيَا عَلَى الشِّرْك وَأَهْله , الْغَالِبَة . كَمَا : 13002 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَجَعَلَ كَلِمَة الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى } وَهِيَ : الشِّرْك بِاَللَّهِ. { وَكَلِمَة اللَّه هِيَ الْعُلْيَا } وَهِيَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . وَقَوْله : { وَكَلِمَة اللَّه هِيَ الْعُلْيَا } خَبَر مُبْتَدَأ غَيْر مَرْدُود عَلَى قَوْله : { وَجَعَلَ كَلِمَة الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى } لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى الْكَلِمَة الْأُولَى لَكَانَ نَصْبًا .
وَأَمَّا قَوْله : { وَاَللَّه عَزِيز حَكِيم } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَاَللَّه عَزِيز فِي اِنْتِقَامه مِنْ أَهْل الْكُفْر بِهِ , لَا يَقْهَرهُ قَاهِر وَلَا يَغْلِبهُ غَالِب وَلَا يَنْصُر مَنْ عَاقَبَهُ نَاصِر , حَكِيم فِي تَدْبِيره خَلْقه وَتَصْرِيفه إِيَّاهُمْ فِي مَشِيئَته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَنْزَلَ اللَّه سَكِينَته عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَة الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَة اللَّه هِيَ الْعُلْيَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَنْزَلَ اللَّه طُمَأْنِينَته وَسُكُونه عَلَى رَسُوله - وَقَدْ قِيلَ : عَلَى أَبِي بَكْر - { وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا } يَقُول : وَقَوَّاهُ بِجُنُودٍ مِنْ عِنْده مِنْ الْمَلَائِكَة لَمْ تَرَوْهَا أَنْتُمْ . { وَجَعَلَ كَلِمَة الَّذِينَ كَفَرُوا } وَهِيَ كَلِمَة الشِّرْك { السُّفْلَى } لِأَنَّهَا قَهَرَتْ وَأَذَلَّتْ وَأَبْطَلَهَا اللَّه تَعَالَى وَمُحِقَ أَهْلهَا , وَكُلّ مَقْهُور وَمَغْلُوب فَهُوَ أَسْفَل مِنْ الْغَالِب وَالْغَالِب هُوَ الْأَعْلَى . { وَكَلِمَة اللَّه هِيَ الْعُلْيَا } يَقُول : وَدِين اللَّه وَتَوْحِيده وَقَوْل لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَهِيَ كَلِمَته الْعُلْيَا عَلَى الشِّرْك وَأَهْله , الْغَالِبَة . كَمَا : 13002 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَجَعَلَ كَلِمَة الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى } وَهِيَ : الشِّرْك بِاَللَّهِ. { وَكَلِمَة اللَّه هِيَ الْعُلْيَا } وَهِيَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . وَقَوْله : { وَكَلِمَة اللَّه هِيَ الْعُلْيَا } خَبَر مُبْتَدَأ غَيْر مَرْدُود عَلَى قَوْله : { وَجَعَلَ كَلِمَة الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى } لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى الْكَلِمَة الْأُولَى لَكَانَ نَصْبًا .
وَأَمَّا قَوْله : { وَاَللَّه عَزِيز حَكِيم } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَاَللَّه عَزِيز فِي اِنْتِقَامه مِنْ أَهْل الْكُفْر بِهِ , لَا يَقْهَرهُ قَاهِر وَلَا يَغْلِبهُ غَالِب وَلَا يَنْصُر مَنْ عَاقَبَهُ نَاصِر , حَكِيم فِي تَدْبِيره خَلْقه وَتَصْرِيفه إِيَّاهُمْ فِي مَشِيئَته .
انفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اِنْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا } وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْخِفَّة وَالثِّقَل اللَّذَيْنِ أَمَرَ اللَّه مِنْ كَانَ بِهِ أَحَدهمَا بِالنَّفَرِ مَعَهُ فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى الْخِفَّة الَّتِي عَنَاهَا اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع : الشَّبَاب , وَمَعْنَى الثِّقَل : الشَّيْخُوخَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13003 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ رَجُل , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { اِنْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا } قَالَ : شِيبًا وَشُبَّانًا . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حَفْص , عَنْ عَمْرو , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : شُيُوخًا وَشُبَّانًا . 13004 - قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد , عَنْ أَنَس , عَنْ أَبِي طَلْحَة : { اِنْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا } قَالَ : كُهُولًا وَشُبَّانًا , مَا أَسْمَع اللَّه عُذْر أَحَدًا فَخَرَجَ إِلَى الشَّام فَجَاهَدَ حَتَّى مَاتَ . 13005 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ الْمُغِيرَة بْن النُّعْمَان , قَالَ : كَانَ رَجُل مِنْ النَّخْع وَكَانَ شَيْخًا بَادِنًا , فَأَرَادَ الْغَزْو فَمَنَعَهُ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص , فَقَالَ : إِنَّ اللَّه يَقُول : { اِنْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا } فَأَذِنَ لَهُ سَعْد , فَقُتِلَ الشَّيْخ , فَسَأَلَ عَنْهُ بَعْد عُمَر , فَقَالَ : مَا فَعَلَ الشَّيْخ الَّذِي كَانَ مِنْ بَنِي هَاشِم ؟ فَقَالُوا قُتِلَ يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ . 13006 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ أَبِي صَالِح , قَالَ : الشَّابّ وَالشَّيْخ . 13007 - قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : الشَّابّ وَالشَّيْخ . 13008 - قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : كُهُولًا وَشُبَّانًا. 13009 - قَالَ : ثنا حَيْوَة أَبُو يَزِيد , عَنْ يَعْقُوب الْقُمِّيّ , عَنْ جَعْفَر بْن حُمَيْد , عَنْ بِشْر بْن عَطِيَّة : كُهُولًا وَشُبَّانًا . 13010 - حَدَّثَنَا الْوَلِيد , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , عَنْ بُكَيْر بْن مَعْرُوف , عَنْ مُقَاتِل بْن حَيَّان , فِي قَوْله : { اِنْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا } قَالَ : شُبَّانًا وَكُهُولًا . 13011 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { اِنْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا } قَالَ : شَبَابًا وَشُيُوخًا , وَأَغْنِيَاء وَمَسَاكِين . * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : قَالَ الْحَسَن : شُيُوخًا وَشُبَّانًا . 13012 - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا بَقِيَّة , قَالَ : ثنا جَرِير , قَالَ : ثني حِبَّان بْن زَيْد الشَّرْعَبِيّ , قَالَ : نَفَرْنَا مَعَ صَفْوَان بْن عَمْرو وَكَانَ وَالِيًا عَلَى حِمْص قِبَل الأفسوس إِلَى الجراجمة , فَلَقِيت شَيْخًا كَبِيرًا هِمًّا , قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنْ أَهْل دِمَشْق عَلَى رَاحِلَته فِيمَنْ أَغَارَ , فَأَقْبَلْت عَلَيْهِ فَقُلْت : يَا عَمّ لَقَدْ أَعْذَرَ اللَّه إِلَيْك ! قَالَ : فَرَفَعَ حَاجِبَيْهِ فَقَالَ : يَا اِبْن أَخِي اِسْتَنْفَرَنَا اللَّه خِفَافًا وَثِقَالًا , مَنْ يُحِبّهُ اللَّه يَبْتَلِيه ثُمَّ يُعِيدهُ فَيُبْقِيه , وَإِنَّمَا يَبْتَلِي اللَّه مِنْ عِبَاده مَنْ شَكَرَ وَصَبَرَ وَذَكَرَ وَلَمْ يَعْبُد إِلَّا اللَّه . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل , عَنْ أَبِي صَالِح : { اِنْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا } قَالَ : كُلّ شَيْخ وَشَابّ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ مَشَاغِيل وَغَيْر مَشَاغِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13013 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ الْحَكَم , فِي قَوْله : { اِنْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا } قَالَ : مَشَاغِيل وَغَيْر مَشَاغِيل . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : اِنْفِرُوا أَغْنِيَاء وَفُقَرَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13014 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَمَّنْ ذَكَرَهُ , عَنْ أَبِي صَالِح : { اِنْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا } قَالَ : أَغْنِيَاء وَفُقَرَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : نِشَاطًا وَغَيْر نِشَاط . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13015 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { اِنْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا } يَقُول : اِنْفِرُوا نِشَاطًا وَغَيْر نِشَاط. 13016 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { خِفَافًا وَثِقَالًا } قَالَ : نِشَاطًا وَغَيْر نِشَاط . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : رُكْبَانًا وَمُشَاة. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13017 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : قَالَ أَبُو عَمْرو : إِذَا كَانَ النَّفْر إِلَى دُرُوب الشَّأْم نَفَرَ النَّاس إِلَيْهَا خِفَافًا وَرُكْبَانًا , وَإِذَا كَانَ النَّفْر إِلَى هَذِهِ السَّوَاحِل وَنَفَرُوا إِلَيْهَا خِفَافًا وَثِقَالًا رُكْبَانًا وَمُشَاة . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : ذَا ضَيْعَة , وَغَيْر ذِي ضَيْعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13018 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { اِنْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا } قَالَ : الثَّقِيل الَّذِي لَهُ الضَّيْعَة , فَهُوَ ثَقِيل يَكْرَه أَنْ يُضَيِّع ضَيْعَته وَيَخْرُج , وَالْخَفِيف الَّذِي لَا ضَيْعَة لَهُ ; فَقَالَ اللَّه : { اِنْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا } 13019 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : زَعَمَ حَضْرَمِيّ أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ أَنَّ نَاسًا كَانُوا عَسَى أَنْ يَكُون أَحَدهمْ عَلِيلًا أَوْ كَبِيرًا , فَيَقُول : إِنِّي أَحْسَبهُ قَالَ : أَنَا لَا آثَم ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { اِنْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا } . 13020 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا أَيُّوب , عَنْ مُحَمَّد , قَالَ : شَهِدَ أَبُو أَيُّوب مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا , ثُمَّ لَمْ يَتَخَلَّف عَنْ غُزَاة لِلْمُسْلِمِينَ إِلَّا وَهُوَ فِي أُخْرَى إِلَّا عَامًا وَاحِدًا ; وَكَانَ أَبُو أَيُّوب يَقُول : { اِنْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا } فَلَا أَجِدنِي إِلَّا خَفِيفًا أَوْ ثَقِيلًا. 13021 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عُثْمَان , عَنْ رَاشِد بْن سَعْد , عَمَّنْ رَأَى الْمِقْدَاد بْن الْأَسْوَد فَارِس رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَابُوت مِنْ تَوَابِيت الصَّيَارِفَة بِحِمْصٍ , وَقَدْ فَضَلَ عَنْهُ مِنْ عِظَمه , فَقُلْت لَهُ : لَقَدْ أَعْذَرَ اللَّه إِلَيْك ! فَقَالَ : أَتَتْ عَلَيْنَا سُورَة الْبُحُوث { اِنْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا } . * - حَدَّثَنَا سَعِيد بْن عَمْرو السَّكُونِيّ , قَالَ : ثنا بَقِيَّة بْن الْوَلِيد , قَالَ : ثنا جَرِير , قَالَ : ثني عَبْد الرَّحْمَن بْن مَيْسَرَة , قَالَ : ثني أَبُو رَائِد الْحُبْرَانِيّ , قَالَ : وَافَيْت الْمِقْدَاد بْن الْأَسْوَد فَارِس رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا عَلَى تَابُوت مِنْ تَوَابِيت الصَّيَارِفَة بِحِمْصٍ , قَدْ فَضَلَ عَنْهُ مِنْ عِظَمه , يُرِيد الْغَزْو , فَقُلْت لَهُ : لَقَدْ أَعْذَرَ اللَّه إِلَيْك ! فَقَالَ : أَتَتْ عَلَيْنَا سُورَة الْبُحُوث : { اِنْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذَكَرَهُ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّفْرِ لِجِهَادِ أَعْدَائِهِ فِي سَبِيله خِفَافًا وَثِقَالًا ; وَقَدْ يَدْخُل فِي الْخِفَاف كُلّ مَنْ كَانَ سَهْلًا عَلَيْهِ النَّفْر لِقُوَّةِ بَدَنه عَلَى ذَلِكَ وَصِحَّة جِسْمه وَشَبَابه , وَمَنْ كَانَ ذَا تَيَسُّر بِمَالٍ وَفَرَاغ مِنْ الِاشْتِغَال وَقَادِرًا عَلَى الظَّهْر وَالرِّكَاب. وَيَدْخُل فِي الثِّقَال كُلّ مَنْ كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ مِنْ ضَعِيف الْجِسْم وَعَلِيله وَسَقِيمه , وَمِنْ مَعْمَر مِنْ الْمَال وَمُشْتَغِل بِضَيْعَةٍ وَمَعَاش , وَمَنْ كَانَ لَا ظَهْر لَهُ وَلَا رِكَاب , وَالشَّيْخ وَذُو السِّنّ وَالْعِيَال . فَإِذْ كَانَ قَدْ يَدْخُل فِي الْخِفَاف وَالثِّقَال مَنْ وَصَفْنَا مِنْ أَهْل الصِّفَات الَّتِي ذَكَرْنَا وَلَمْ يَكُنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَصَّ مِنْ ذَلِكَ صِنْفًا دُون صِنْف فِي الْكِتَاب , وَلَا عَلَى لِسَان الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا نَصَبَ عَلَى خُصُوصه دَلِيلًا , وَجَبَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَاب رَسُوله بِالنَّفْرِ لِلْجِهَادِ فِي سَبِيله خِفَافًا وَثِقَالًا مَعَ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُلّ حَال مِنْ أَحْوَال الْخِفَّة وَالثِّقَل . 13022 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ سَعِيد بْن مَسْرُوق , عَنْ مُسْلِم بْن صُبَيْح قَالَ : أَوَّل مَا نَزَلَ مِنْ بَرَاءَة : { اِنْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا } 13023 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي الضُّحَى , مِثْله . 13024 - حَدَّثَنَا الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جَرِير , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : إِنَّ أَوَّل مَا نَزَلَ مِنْ بَرَاءَة : { لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّه فِي مَوَاطِن كَثِيرَة } قَالَ : يُعَرِّفهُمْ نَصْره , وَيُوَطِّنهُمْ لِغَزْوَةِ تَبُوك .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسكُمْ فِي سَبِيل اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : جَاهِدُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْكُفَّار بِأَمْوَالِكُمْ , فَأَنْفِقُوهَا فِي مُجَاهَدَتهمْ عَلَى دِين اللَّه الَّذِي شَرَعَهُ لَكُمْ , حَتَّى يُنْقَادُوا لَكُمْ فَيَدْخُلُوا فِيهِ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا , أَوْ يُعْطُوكُمْ الْجِزْيَة عَنْ يَد صَغَارًا إِنْ كَانُوا أَهْل كِتَاب , أَوْ تَقْتُلُوهُمْ { وَأَنْفُسكُمْ } يَقُول : وَبِأَنْفُسِكُمْ فَقَاتِلُوهُمْ بِأَيْدِيكُمْ يُخْزِهِمْ اللَّه وَيَنْصُركُمْ عَلَيْهِمْ .
{ ذَلِكُمْ خَيْر لَكُمْ } يَقُول : هَذَا الَّذِي آمُركُمْ بِهِ مِنْ النَّفْر فِي سَبِيل اللَّه تَعَالَى خِفَافًا وَثِقَالًا وَجِهَاد أَعْدَائِهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسكُمْ خَيْر لَكُمْ مِنْ التَّثَاقُل إِلَى الْأَرْض إِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ وَالْخُلُود إِلَيْهَا وَالرِّضَا بِالْقَلِيلِ مِنْ مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا عِوَضًا مِنْ الْآخِرَة , إِنْ كُنْتُمْ مِنْ أَهْل الْعِلْم بِحَقِيقَةِ مَا بَيَّنَ لَكُمْ مِنْ فَضْل الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه عَلَى الْقُعُود عَنْهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسكُمْ فِي سَبِيل اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : جَاهِدُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْكُفَّار بِأَمْوَالِكُمْ , فَأَنْفِقُوهَا فِي مُجَاهَدَتهمْ عَلَى دِين اللَّه الَّذِي شَرَعَهُ لَكُمْ , حَتَّى يُنْقَادُوا لَكُمْ فَيَدْخُلُوا فِيهِ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا , أَوْ يُعْطُوكُمْ الْجِزْيَة عَنْ يَد صَغَارًا إِنْ كَانُوا أَهْل كِتَاب , أَوْ تَقْتُلُوهُمْ { وَأَنْفُسكُمْ } يَقُول : وَبِأَنْفُسِكُمْ فَقَاتِلُوهُمْ بِأَيْدِيكُمْ يُخْزِهِمْ اللَّه وَيَنْصُركُمْ عَلَيْهِمْ .
{ ذَلِكُمْ خَيْر لَكُمْ } يَقُول : هَذَا الَّذِي آمُركُمْ بِهِ مِنْ النَّفْر فِي سَبِيل اللَّه تَعَالَى خِفَافًا وَثِقَالًا وَجِهَاد أَعْدَائِهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسكُمْ خَيْر لَكُمْ مِنْ التَّثَاقُل إِلَى الْأَرْض إِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ وَالْخُلُود إِلَيْهَا وَالرِّضَا بِالْقَلِيلِ مِنْ مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا عِوَضًا مِنْ الْآخِرَة , إِنْ كُنْتُمْ مِنْ أَهْل الْعِلْم بِحَقِيقَةِ مَا بَيَّنَ لَكُمْ مِنْ فَضْل الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه عَلَى الْقُعُود عَنْهُ .
لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوك وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمْ الشُّقَّة } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَتْ جَمَاعَة مِنْ أَصْحَابه قَدْ اِسْتَأْذَنُوهُ فِي التَّخَلُّف عَنْهُ حِين خَرَجَ إِلَى تَبُوك فَأَذِنَ لَهُمْ : لَوْ كَانَ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْك وَالْمُسْتَأْذِنِينَ فِي تَرْك الْخُرُوج مَعَك إِلَى مَغْزَاك الَّذِي اِسْتَنْفَرْتهمْ إِلَيْهِ , { عَرَضًا قَرِيبًا } يَقُول : غَنِيمَة حَاضِرَة , { وَسَفَرًا قَاصِدًا } , يَقُول : وَمَوْضِعًا قَرِيبًا سَهْلًا . { لَاتَّبَعُوك } وَنَفَرُوا مَعَك إِلَيْهِمَا ; وَلَكِنَّك اِسْتَنْفَرْتهمْ إِلَى مَوْضِع بَعِيد , وَكَلَّفْتهمْ سَفَرًا شَاقًّا عَلَيْهِمْ , لِأَنَّك اِسْتَنْهَضْتهمْ فِي وَقْت الْحَرّ وَزَمَان الْقَيْظ وَحِين الْحَاجَة إِلَى الْكِنّ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13025 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا } إِلَى قَوْله { لَكَاذِبُونَ } إِنَّهُمْ يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوج , وَلَكِنْ كَانَ تَبْطِئَة مِنْ عِنْد أَنْفُسهمْ وَالشَّيْطَان وَزَهَادَة فِي الْخَيْر . 13026 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا } قَالَ هِيَ غَزْوَة تَبُوك
{ وَسَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ لَوْ اِسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَسَيَحْلِفُ لَك يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُسْتَأْذِنُوك فِي تَرْك الْخُرُوج مَعَك اِعْتِذَارًا مِنْهُمْ إِلَيْك بِالْبَاطِلِ , لِتَقْبَل مِنْهُمْ عُذْرهمْ , وَتَأْذَن لَهُمْ فِي التَّخَلُّف عَنْك بِاَللَّهِ كَاذِبِينَ : لَوْ اِسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ ! يَقُول : لَوْ أَطَقْنَا الْخُرُوج مَعَكُمْ بِوُجُودِ السَّعَة وَالْمَرَاكِب وَالظُّهُور وَمَا لَا بُدّ لِلْمُسَافِرِ وَالْغَازِي مِنْهُ , وَصِحَّة الْبَدَن وَالْقُوَى , لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ إِلَى عَدُوّكُمْ .
{ يُهْلِكُونَ أَنْفُسهمْ } يَقُول : يُوجِبُونَ لِأَنْفُسِهِمْ بِحَلِفِهِمْ بِاَللَّهِ كَاذِبِينَ الْهَلَاك وَالْعَطَب , لِأَنَّهُمْ يُورِثُونَهَا سَخَط اللَّه وَيُكْسِبُونَهَا أَلِيم عِقَابه .
{ وَاَللَّه يَعْلَم إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } فِي حَلِفهمْ بِاَللَّهِ لَوْ اِسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا لِلْخُرُوجِ مُطِيقِينَ بِوُجُودِ السَّبِيل إِلَى ذَلِكَ بِاَلَّذِي كَانَ عِنْدهمْ مِنْ الْأَمْوَال مِمَّا يَحْتَاج إِلَيْهِ الْغَازِي فِي غَزْوه وَالْمُسَافِر فِي سَفَره وَصِحَّة الْأَبْدَان وَقُوَى الْأَجْسَام . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13027 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَاَللَّه يَعْلَم إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } إِي أَنَّهُمْ يَسْتَطِيعُونَ .
{ وَسَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ لَوْ اِسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَسَيَحْلِفُ لَك يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُسْتَأْذِنُوك فِي تَرْك الْخُرُوج مَعَك اِعْتِذَارًا مِنْهُمْ إِلَيْك بِالْبَاطِلِ , لِتَقْبَل مِنْهُمْ عُذْرهمْ , وَتَأْذَن لَهُمْ فِي التَّخَلُّف عَنْك بِاَللَّهِ كَاذِبِينَ : لَوْ اِسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ ! يَقُول : لَوْ أَطَقْنَا الْخُرُوج مَعَكُمْ بِوُجُودِ السَّعَة وَالْمَرَاكِب وَالظُّهُور وَمَا لَا بُدّ لِلْمُسَافِرِ وَالْغَازِي مِنْهُ , وَصِحَّة الْبَدَن وَالْقُوَى , لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ إِلَى عَدُوّكُمْ .
{ يُهْلِكُونَ أَنْفُسهمْ } يَقُول : يُوجِبُونَ لِأَنْفُسِهِمْ بِحَلِفِهِمْ بِاَللَّهِ كَاذِبِينَ الْهَلَاك وَالْعَطَب , لِأَنَّهُمْ يُورِثُونَهَا سَخَط اللَّه وَيُكْسِبُونَهَا أَلِيم عِقَابه .
{ وَاَللَّه يَعْلَم إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } فِي حَلِفهمْ بِاَللَّهِ لَوْ اِسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا لِلْخُرُوجِ مُطِيقِينَ بِوُجُودِ السَّبِيل إِلَى ذَلِكَ بِاَلَّذِي كَانَ عِنْدهمْ مِنْ الْأَمْوَال مِمَّا يَحْتَاج إِلَيْهِ الْغَازِي فِي غَزْوه وَالْمُسَافِر فِي سَفَره وَصِحَّة الْأَبْدَان وَقُوَى الْأَجْسَام . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13027 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَاَللَّه يَعْلَم إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } إِي أَنَّهُمْ يَسْتَطِيعُونَ .
عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ↓
وَهَذَا عِتَاب مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَاتَبَ بِهِ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِذْنه لِمَنْ أَذِنَ لَهُ فِي التَّخَلُّف عَنْهُ حِين شَخَصَ إِلَى تَبُوك لِغَزْوِ الرُّوم مِنْ الْمُنَافِقِينَ . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { عَفَا اللَّه عَنْك } يَا مُحَمَّد مَا كَانَ مِنْك فِي إِذْنك لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِي اِسْتَأْذَنُوك فِي تَرْك الْخُرُوج مَعَك , وَفِي التَّخَلُّف عَنْك مِنْ قَبْل أَنْ تَعْلَم صِدْقه مِنْ كَذِبه . { لِمَ أَذِنْت لَهُمْ } لِأَيِّ شَيْء أَذِنْت لَهُمْ . { حَتَّى يَتَبَيَّن لَك الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَم الْكَاذِبِينَ } يَقُول : مَا كَانَ يَنْبَغِي لَك أَنْ تَأْذَن لَهُمْ فِي التَّخَلُّف عَنْك , إِذْ قَالُوا لَك : لَوْ اِسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَك , حَتَّى تَعْرِف مَنْ لَهُ الْعُذْر مِنْهُمْ فِي تَخَلُّفه وَمَنْ لَا عُذْر لَهُ مِنْهُمْ , فَيَكُون إِذْنك لِمَنْ أَذِنْت لَهُ مِنْهُمْ عَلَى عِلْم مِنْك بِعُذْرِهِ , وَتَعْلَم مَنْ الْكَاذِب مِنْهُمْ الْمُتَخَلِّف نِفَاقًا وَشَكًّا فِي دِين اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13028 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { عَفَا اللَّه عَنْك لِمَ أَذِنْت لَهُمْ } قَالَ : نَاس قَالُوا : اِسْتَأْذَنُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنْ أَذِنَ لَكُمْ فَاقْعُدُوا وَإِنْ لَمْ يَأْذَن لَكُمْ فَاقْعُدُوا ! . 13029 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { عَفَا اللَّه عَنْك لِمَ أَذِنْت لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّن لَك الَّذِينَ صَدَقُوا } الْآيَة , عَاتَبَهُ كَمَا تَسْمَعُونَ , ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه الَّتِي فِي سُورَة النُّور , فَرَخَّصَ لَهُ فِي أَنْ يَأْذَن لَهُمْ إِنْ شَاءَ , فَقَالَ : { فَإِذَا اِسْتَأْذَنُوك لِبَعْضِ شَأْنهمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْت مِنْهُمْ } 24 62 فَجَعَلَهُ اللَّه رُخْصَة فِي ذَلِكَ مِنْ ذَلِكَ . 13030 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون الْأَوْدِيّ , قَالَ : اِثْنَتَانِ فَعَلَهُمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُؤْمَر فِيهِمَا بِشَيْءٍ : إِذْنه لِلْمُنَافِقِينَ , وَأَخْذه مِنْ الْأَسَارَى , فَأَنْزَلَ اللَّه : { عَفَا اللَّه عَنْك لِمَ أَذِنْت لَهُمْ } الْآيَة . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : قَرَأْت عَلَى سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة , قَالَ : هَكَذَا سَمِعْته مِنْ قَتَادَة , قَوْله : { عَفَا اللَّه عَنْك لِمَ أَذِنْت لَهُمْ } الْآيَة , ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه بَعْد ذَلِكَ فِي سُورَة النُّور : { فَإِذَا اِسْتَأْذَنُوك لِبَعْضِ شَأْنهمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْت مِنْهُمْ } 24 62 الْآيَة . 13031 - حَدَّثَنَا صَالِح بْن مِسْمَار , قَالَ : ثنا النَّضْر بْن شُمَيْل , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُوسَى بْن مَرْوَان , قَالَ : سَأَلْت مُوَرِّقًا , عَنْ قَوْله : { عَفَا اللَّه عَنْك } قَالَ : عَاتَبَهُ رَبّه.
لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا يَسْتَأْذِنك الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ } وَهَذَا إِعْلَام مِنْ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِيَّمَا الْمُنَافِقِينَ أَنَّ مِنْ عَلَامَاتهمْ الَّتِي يُعْرَفُونَ بِهَا تَخَلُّفهمْ عَنْ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه بِاسْتِئْذَانِهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَرْكهمْ الْخُرُوج مَعَهُ إِذَا اُسْتُنْفِرُوا بِالْمَعَاذِيرِ الْكَاذِبَة. يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا مُحَمَّد لَا تَأْذَنَن فِي التَّخَلُّف عَنْك إِذَا خَرَجْت لِغَزْوِ عَدُوّك لِمَنْ اِسْتَأْذَنَك فِي التَّخَلُّف مِنْ غَيْر عُذْر , فَإِنَّهُ لَا يَسْتَأْذِنك فِي ذَلِكَ إِلَّا مُنَافِق لَا يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر , فَأَمَّا الَّذِي يُصَدِّق بِاَللَّهِ وَيُقِرّ بِوَحْدَانِيِّتِهِ وَبِالْبَعْثِ وَالدَّار الْآخِرَة وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب , فَإِنَّهُ لَا يَسْتَأْذِنك فِي تَرْك الْغَزْو وَجِهَاد أَعْدَاء اللَّه بِمَالِهِ وَنَفْسه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13032 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَا يَسْتَأْذِنك الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ } فَهَذَا تَعْيِير لِلْمُنَافِقِينَ حِين اِسْتَأْذَنُوا فِي الْقُعُود عَنْ الْجِهَاد مِنْ غَيْر عُذْر , وَعُذْر اللَّه الْمُؤْمِنِينَ , فَقَالَ : { لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ } 24 62
{ وَاَللَّه عَلِيم بِالْمُتَّقِينَ } يَقُول : وَاَللَّه ذُو عِلْم بِمَنْ خَافَهُ فَاتَّقَاهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضه وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه وَالْمُسَارَعَة إِلَى طَاعَته فِي غَزْو عَدُوّهُ وَجِهَادهمْ بِمَالِهِ وَنَفْسه , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَمْره وَنَهْيه .
{ وَاَللَّه عَلِيم بِالْمُتَّقِينَ } يَقُول : وَاَللَّه ذُو عِلْم بِمَنْ خَافَهُ فَاتَّقَاهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضه وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه وَالْمُسَارَعَة إِلَى طَاعَته فِي غَزْو عَدُوّهُ وَجِهَادهمْ بِمَالِهِ وَنَفْسه , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَمْره وَنَهْيه .
إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّمَا يَسْتَأْذِنك الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَارْتَابَتْ قُلُوبهمْ فَهُمْ فِي رَيْبهمْ يَتَرَدَّدُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّمَا يَسْتَأْذِنك يَا مُحَمَّد فِي التَّخَلُّف خِلَافك , وَتَرْك الْجِهَاد مَعَك مِنْ غَيْر عُذْر بَيِّن الَّذِينَ لَا يُصَدِّقُونَ بِاَللَّهِ , وَلَا يُقِرُّونَ بِتَوْحِيدِهِ . { وَارْتَابَتْ قُلُوبهمْ } يَقُول : وَشَكَّتْ قُلُوبهمْ فِي حَقِيقَة وَحْدَانِيَّة اللَّه , وَفِي ثَوَاب أَهْل طَاعَته , وَعِقَابه أَهْل مَعَاصِيه . { فَهُمْ فِي رَيْبهمْ يَتَرَدَّدُونَ } يَقُول : فِي شَكّهمْ مُتَحَيِّرُونَ , وَفِي ظُلْمَة الْحِيرَة مُتَرَدِّدُونَ , لَا يَعْرِفُونَ حَقًّا مِنْ بَاطِل , فَيَعْمَلُونَ عَلَى بَصِيرَة . وَهَذِهِ صِفَة الْمُنَافِقِينَ . وَكَانَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِلْم يَرَوْنَ أَنَّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مَنْسُوخَتَانِ بِالْآيَةِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي سُورَة النُّور . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13033 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , عَنْ الْحُسَيْن , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ , قَالَا : قَوْله : { لَا يَسْتَأْذِنك الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ } إِلَى قَوْله : { فَهُمْ فِي رَيْبهمْ يَتَرَدَّدُونَ } نَسَخَتْهُمَا الْآيَة الَّتِي فِي النُّور : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ } إِلَى : { إِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } 24 62 وَقَدْ بَيَّنَّا النَّاسِخ وَالْمَنْسُوخ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته هَهُنَا .
وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوج } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْ أَرَادَ هَؤُلَاءِ الْمُسْتَأْذِنُوك يَا مُحَمَّد فِي تَرْك الْخُرُوج مَعَك لِجِهَادِ عَدُوّك الْخُرُوج مَعَك.
{ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّة } يَقُول : لَأَعَدُّوا لِلْخُرُوجِ عُدَّة , وَلَتَأَهَّبُوا لِلسَّفَرِ وَالْعَدُوّ أُهْبَتهمَا .
{ وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّه اِنْبِعَاثهمْ } يَعْنِي : خُرُوجهمْ لِذَلِكَ.
{ فَثَبَّطَهُمْ } يَقُول : فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ الْخُرُوج حَتَّى اِسْتَخَفُّوا الْقُعُود فِي مَنَازِلهمْ خِلَافك , وَاسْتَثْقَلُوا السَّفَر وَالْخُرُوج مَعَك , فَتَرَكُوا لِذَلِكَ الْخُرُوج .
{ وَقِيلَ اُقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ } يَعْنِي : اُقْعُدُوا مَعَ الْمَرْضَى وَالضُّعَفَاء الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ وَمَعَ النِّسَاء وَالصِّبْيَان , وَاتْرُكُوا الْخُرُوج مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيل اللَّه . وَكَانَ تَثْبِيط اللَّه إِيَّاهُمْ عَنْ الْخُرُوج مَعَ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ , لِعِلْمِهِ بِنِفَاقِهِمْ , وَغِشّهمْ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْله , وَأَنَّهُمْ لَوْ خَرَجُوا مَعَهُمْ ضَرُّوهُمْ وَلَمْ يَنْفَعُوا . وَذُكِرَ أَنَّ الَّذِينَ اِسْتَأْذَنُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُعُود كَانُوا عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول , وَالْجَدّ بْن قَيْس , وَمَنْ كَانَا عَلَى مِثْل الَّذِي كَانَا عَلَيْهِ . كَذَلِكَ : 13034 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : كَانَ الَّذِينَ اِسْتَأْذَنُوهُ فِيمَا بَلَغَنِي مِنْ ذَوِي الشَّرَف مِنْهُمْ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول , وَالْجَدّ بْن قَيْس , وَكَانُوا أَشْرَافًا فِي قَوْمهمْ , فَثَبَّطَهُمْ اللَّه لِعِلْمِهِ بِهِمْ أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُمْ فَيُفْسِدُوا عَلَيْهِ جُنْده .
{ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّة } يَقُول : لَأَعَدُّوا لِلْخُرُوجِ عُدَّة , وَلَتَأَهَّبُوا لِلسَّفَرِ وَالْعَدُوّ أُهْبَتهمَا .
{ وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّه اِنْبِعَاثهمْ } يَعْنِي : خُرُوجهمْ لِذَلِكَ.
{ فَثَبَّطَهُمْ } يَقُول : فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ الْخُرُوج حَتَّى اِسْتَخَفُّوا الْقُعُود فِي مَنَازِلهمْ خِلَافك , وَاسْتَثْقَلُوا السَّفَر وَالْخُرُوج مَعَك , فَتَرَكُوا لِذَلِكَ الْخُرُوج .
{ وَقِيلَ اُقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ } يَعْنِي : اُقْعُدُوا مَعَ الْمَرْضَى وَالضُّعَفَاء الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ وَمَعَ النِّسَاء وَالصِّبْيَان , وَاتْرُكُوا الْخُرُوج مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيل اللَّه . وَكَانَ تَثْبِيط اللَّه إِيَّاهُمْ عَنْ الْخُرُوج مَعَ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ , لِعِلْمِهِ بِنِفَاقِهِمْ , وَغِشّهمْ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْله , وَأَنَّهُمْ لَوْ خَرَجُوا مَعَهُمْ ضَرُّوهُمْ وَلَمْ يَنْفَعُوا . وَذُكِرَ أَنَّ الَّذِينَ اِسْتَأْذَنُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُعُود كَانُوا عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول , وَالْجَدّ بْن قَيْس , وَمَنْ كَانَا عَلَى مِثْل الَّذِي كَانَا عَلَيْهِ . كَذَلِكَ : 13034 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : كَانَ الَّذِينَ اِسْتَأْذَنُوهُ فِيمَا بَلَغَنِي مِنْ ذَوِي الشَّرَف مِنْهُمْ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول , وَالْجَدّ بْن قَيْس , وَكَانُوا أَشْرَافًا فِي قَوْمهمْ , فَثَبَّطَهُمْ اللَّه لِعِلْمِهِ بِهِمْ أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُمْ فَيُفْسِدُوا عَلَيْهِ جُنْده .
لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَوْ خَرَجَ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِيكُمْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ , { مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا } يَقُول : لَمْ يَزِيدُوكُمْ بِخُرُوجِهِمْ فِيكُمْ إِلَّا فَسَادًا وَضُرًّا ; وَلِذَلِكَ ثَبَّطْتهمْ عَنْ الْخُرُوج مَعَكُمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْخَبَال بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْل .
{ وَلَأَوْضَعُوا خِلَالكُمْ } يَقُول : وَلَأَسْرَعُوا بِرَكَائِبِهِمْ السَّيْر بَيْنكُمْ. وَأَصْله مِنْ إِيضَاع الْخَيْل وَالرِّكَاب , وَهُوَ الْإِسْرَاع بِهَا فِي السَّيْر , يُقَال لِلنَّاقَةِ إِذَا أَسْرَعَتْ السَّيْر : وَضَعَتْ النَّاقَة تَضَع وَضْعًا وَمَوْضُوعًا , وَأَوْضَعَهَا صَاحِبهَا : إِذَا جَدَّ بِهَا وَأَسْرَعَ يُوضِعهَا إِيضَاعًا ; وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعْ أَخُبّ فِيهَا وَأَضَعْ وَأَمَّا أَصْل الْخِلَال : فَهُوَ مِنْ الْخَلَل : وَهِيَ الْفُرَج تَكُون بَيْن الْقَوْم فِي الصُّفُوف وَغَيْرهَا ; وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَرَاصُّوا فِي الصُّفُوف لَا يَتَخَلَّلكُمْ أَوْلَاد الْحَذَفِ " . وَأَمَّا قَوْله : { يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَة } فَإِنَّ مَعْنَى يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَة : يَطْلُبُونَ لَكُمْ مَا تُفْتَنُونَ بِهِ عَنْ مَخْرَجكُمْ فِي مَغْزَاكُمْ , بِتَثْبِيطِهِمْ إِيَّاكُمْ عَنْهُ , يُقَال مِنْهُ : بَغَيْته الشَّرّ , وَبَغَيْته الْخَيْر أَبْغِيه بِغَاء : إِذَا اِلْتَمَسْته لَهُ , بِمَعْنَى : بَغَيْت لَهُ , وَكَذَلِكَ عَكَمْتك وَحَلَبْتك , بِمَعْنَى : حَلَبْت لَك وَعَكَمْت لَك , وَإِذَا أَرَادُوا أَعَنْتُك عَلَى اِلْتِمَاسه وَطَلَبه , قَالُوا : أَبْغَيْتك كَذَا وَأَحْلَبْتك وَأَعْكَمْتك : أَيْ أَعَنْتُك عَلَيْهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13035 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَلَأَوْضَعُوا خِلَالكُمْ } بَيْنكُمْ { يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَة } بِذَلِكَ . 13036 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَأَوْضَعُوا خِلَالكُمْ } يَقُول : وَلَأَوْضَعُوا أَسْلِحَتهمْ خِلَالكُمْ بِالْفِتْنَةِ . 13037 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَأَوْضَعُوا خِلَالكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَة } يُبْطِئُونَكُمْ. قَالَ : رِفَاعَة بْن التَّابُوت , وَعَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول , وَأَوْس بْن قَيْظِيّ . 13038 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَلَأَوْضَعُوا خِلَالكُمْ } قَالَ : لَأَسْرَعُوا الْأَزِقَّة خِلَالكُمْ . { يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَة } يُبْطِئُونَكُمْ , عَبْد اللَّه بْن نَبْتَل , وَرِفَاعَة بْن تَابُوت , وَعَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول. * - قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثني أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَلَأَوْضَعُوا خِلَالكُمْ } قَالَ : لَأَسْرَعُوا خِلَالكُمْ { يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَة } بِذَلِكَ. 13039 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا } قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ فِي غَزْوَة تَبُوك , يُسَلِّي اللَّه عَنْهُمْ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ , فَقَالَ : وَمَا يُحْزِنكُمْ ؟ { لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا } ! يَقُولُونَ : قَدْ جَمَعَ لَكُمْ وَفَعَلَ وَفَعَلَ , يَخْذُلُونَكُمْ . { وَلَأَوْضَعُوا خِلَالكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَة } الْكُفْر .
وَأَمَّا قَوْله : { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لِحَدِيثِكُمْ لَهُمْ يُؤَدُّونَهُ إِلَيْهِمْ عُيُون لَهُمْ عَلَيْكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13040 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } يُحَدِّثُونَ بِأَحَادِيثِكُمْ , عُيُون غَيْر مُنَافِقِينَ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } قَالَ : مُحَدِّثُونَ عُيُون غَيْر مُنَافِقِينَ . 13041 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } يَسْمَعُونَ مَا يُؤَدُّونَهُ لِعَدُوِّكُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَفِيكُمْ مَنْ يَسْمَع كَلَامهمْ وَيُطِيع لَهُمْ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13042 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } وَفِيكُمْ مَنْ يَسْمَع كَلَامهمْ . 13043 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : كَانَ الَّذِينَ اِسْتَأْذَنُوا فِيمَا بَلَغَنِي مِنْ ذَوِي الشَّرَف مِنْهُمْ : عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول وَالْجَدّ بْن قَيْس , وَكَانُوا أَشْرَافًا فِي قَوْمهمْ , فَثَبَّطَهُمْ اللَّه لِعِلْمِهِ بِهِمْ أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُمْ فَيُفْسِدُوا عَلَيْهِ جُنْده , وَكَانَ فِي جُنْده قَوْم أَهْل مَحَبَّة لَهُمْ وَطَاعَة فِيمَا يَدْعُونَهُمْ إِلَيْهِ لِشَرَفِهِمْ فِيهِمْ , فَقَالَ : { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل : وَفِيكُمْ أَهْل سَمْع وَطَاعَة مِنْكُمْ لَوْ صَحِبُوكُمْ أَفْسَدُوهُمْ عَلَيْكُمْ بِتَثْبِيطِهِمْ إِيَّاهُمْ عَنْ السَّيْر مَعَكُمْ . وَأَمَّا عَلَى التَّأْوِيل الْأَوَّل , فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَفِيكُمْ مِنْهُمْ سَمَّاعُونَ يَسْمَعُونَ حَدِيثكُمْ لَهُمْ , فَيُبَلِّغُونَهُمْ وَيُؤَدُّونَهُ إِلَيْهِمْ عُيُون لَهُمْ عَلَيْكُمْ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ تَأْوِيل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لِحَدِيثِكُمْ لَهُمْ يُبَلِّغُونَهُ عَنْكُمْ عُيُون لَهُمْ , لِأَنَّ الْأَغْلَب مِنْ كَلَام الْعَرَب فِي قَوْلهمْ : سَمَاع , وَصْف مَنْ وُصِفَ بِهِ أَنَّهُ سَمَّاع لِلْكَلَامِ , كَمَا قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ كِتَابه : { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ } وَاصِفًا بِذَلِكَ قَوْمًا بِسَمَاعِ الْكَذِب مِنْ الْحَدِيث . وَأَمَّا إِذَا وَصَفُوا الرَّجُل بِسَمَاعِ كَلَام الرَّجُل وَأَمْره وَنَهْيه وَقَبُوله مِنْهُ , وَانْتِهَائِهِ إِلَيْهِ فَإِنَّمَا تَصِفهُ بِأَنَّهُ لَهُ سَامِع وَمُطِيع , وَلَا تَكَاد تَقُول : هُوَ لَهُ سَمَّاع مُطِيع .
وَأَمَّا قَوْله : { وَاَللَّه عَلِيم بِالظَّالِمِينَ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَاَللَّه ذُو عِلْم بِمَنْ يُوَجِّه أَفْعَاله إِلَى غَيْر وُجُوههَا وَيَضَعهَا فِي غَيْر مَوَاضِعهَا , وَمَنْ يَسْتَأْذِن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُذْرٍ وَمَنْ يَسْتَأْذِنهُ شَكًّا فِي الْإِسْلَام وَنِفَاقًا , وَمَنْ يَسْمَع حَدِيث الْمُؤْمِنِينَ لِيُخْبِر بِهِ الْمُنَافِقِينَ وَمَنْ يَسْمَعهُ لِيُسَرَّ بِمَا سَرَّ الْمُؤْمِنِينَ وَيُسَاء بِمَا سَاءَهُمْ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ سَرَائِر خَلْقه وَعَلَانِيَتهمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الظُّلْم فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ كِتَابنَا هَذَا بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع.
{ وَلَأَوْضَعُوا خِلَالكُمْ } يَقُول : وَلَأَسْرَعُوا بِرَكَائِبِهِمْ السَّيْر بَيْنكُمْ. وَأَصْله مِنْ إِيضَاع الْخَيْل وَالرِّكَاب , وَهُوَ الْإِسْرَاع بِهَا فِي السَّيْر , يُقَال لِلنَّاقَةِ إِذَا أَسْرَعَتْ السَّيْر : وَضَعَتْ النَّاقَة تَضَع وَضْعًا وَمَوْضُوعًا , وَأَوْضَعَهَا صَاحِبهَا : إِذَا جَدَّ بِهَا وَأَسْرَعَ يُوضِعهَا إِيضَاعًا ; وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعْ أَخُبّ فِيهَا وَأَضَعْ وَأَمَّا أَصْل الْخِلَال : فَهُوَ مِنْ الْخَلَل : وَهِيَ الْفُرَج تَكُون بَيْن الْقَوْم فِي الصُّفُوف وَغَيْرهَا ; وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَرَاصُّوا فِي الصُّفُوف لَا يَتَخَلَّلكُمْ أَوْلَاد الْحَذَفِ " . وَأَمَّا قَوْله : { يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَة } فَإِنَّ مَعْنَى يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَة : يَطْلُبُونَ لَكُمْ مَا تُفْتَنُونَ بِهِ عَنْ مَخْرَجكُمْ فِي مَغْزَاكُمْ , بِتَثْبِيطِهِمْ إِيَّاكُمْ عَنْهُ , يُقَال مِنْهُ : بَغَيْته الشَّرّ , وَبَغَيْته الْخَيْر أَبْغِيه بِغَاء : إِذَا اِلْتَمَسْته لَهُ , بِمَعْنَى : بَغَيْت لَهُ , وَكَذَلِكَ عَكَمْتك وَحَلَبْتك , بِمَعْنَى : حَلَبْت لَك وَعَكَمْت لَك , وَإِذَا أَرَادُوا أَعَنْتُك عَلَى اِلْتِمَاسه وَطَلَبه , قَالُوا : أَبْغَيْتك كَذَا وَأَحْلَبْتك وَأَعْكَمْتك : أَيْ أَعَنْتُك عَلَيْهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13035 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَلَأَوْضَعُوا خِلَالكُمْ } بَيْنكُمْ { يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَة } بِذَلِكَ . 13036 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَأَوْضَعُوا خِلَالكُمْ } يَقُول : وَلَأَوْضَعُوا أَسْلِحَتهمْ خِلَالكُمْ بِالْفِتْنَةِ . 13037 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَأَوْضَعُوا خِلَالكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَة } يُبْطِئُونَكُمْ. قَالَ : رِفَاعَة بْن التَّابُوت , وَعَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول , وَأَوْس بْن قَيْظِيّ . 13038 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَلَأَوْضَعُوا خِلَالكُمْ } قَالَ : لَأَسْرَعُوا الْأَزِقَّة خِلَالكُمْ . { يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَة } يُبْطِئُونَكُمْ , عَبْد اللَّه بْن نَبْتَل , وَرِفَاعَة بْن تَابُوت , وَعَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول. * - قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثني أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَلَأَوْضَعُوا خِلَالكُمْ } قَالَ : لَأَسْرَعُوا خِلَالكُمْ { يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَة } بِذَلِكَ. 13039 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا } قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ فِي غَزْوَة تَبُوك , يُسَلِّي اللَّه عَنْهُمْ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ , فَقَالَ : وَمَا يُحْزِنكُمْ ؟ { لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا } ! يَقُولُونَ : قَدْ جَمَعَ لَكُمْ وَفَعَلَ وَفَعَلَ , يَخْذُلُونَكُمْ . { وَلَأَوْضَعُوا خِلَالكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَة } الْكُفْر .
وَأَمَّا قَوْله : { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لِحَدِيثِكُمْ لَهُمْ يُؤَدُّونَهُ إِلَيْهِمْ عُيُون لَهُمْ عَلَيْكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13040 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } يُحَدِّثُونَ بِأَحَادِيثِكُمْ , عُيُون غَيْر مُنَافِقِينَ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } قَالَ : مُحَدِّثُونَ عُيُون غَيْر مُنَافِقِينَ . 13041 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } يَسْمَعُونَ مَا يُؤَدُّونَهُ لِعَدُوِّكُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَفِيكُمْ مَنْ يَسْمَع كَلَامهمْ وَيُطِيع لَهُمْ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13042 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } وَفِيكُمْ مَنْ يَسْمَع كَلَامهمْ . 13043 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : كَانَ الَّذِينَ اِسْتَأْذَنُوا فِيمَا بَلَغَنِي مِنْ ذَوِي الشَّرَف مِنْهُمْ : عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول وَالْجَدّ بْن قَيْس , وَكَانُوا أَشْرَافًا فِي قَوْمهمْ , فَثَبَّطَهُمْ اللَّه لِعِلْمِهِ بِهِمْ أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُمْ فَيُفْسِدُوا عَلَيْهِ جُنْده , وَكَانَ فِي جُنْده قَوْم أَهْل مَحَبَّة لَهُمْ وَطَاعَة فِيمَا يَدْعُونَهُمْ إِلَيْهِ لِشَرَفِهِمْ فِيهِمْ , فَقَالَ : { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل : وَفِيكُمْ أَهْل سَمْع وَطَاعَة مِنْكُمْ لَوْ صَحِبُوكُمْ أَفْسَدُوهُمْ عَلَيْكُمْ بِتَثْبِيطِهِمْ إِيَّاهُمْ عَنْ السَّيْر مَعَكُمْ . وَأَمَّا عَلَى التَّأْوِيل الْأَوَّل , فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَفِيكُمْ مِنْهُمْ سَمَّاعُونَ يَسْمَعُونَ حَدِيثكُمْ لَهُمْ , فَيُبَلِّغُونَهُمْ وَيُؤَدُّونَهُ إِلَيْهِمْ عُيُون لَهُمْ عَلَيْكُمْ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ تَأْوِيل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لِحَدِيثِكُمْ لَهُمْ يُبَلِّغُونَهُ عَنْكُمْ عُيُون لَهُمْ , لِأَنَّ الْأَغْلَب مِنْ كَلَام الْعَرَب فِي قَوْلهمْ : سَمَاع , وَصْف مَنْ وُصِفَ بِهِ أَنَّهُ سَمَّاع لِلْكَلَامِ , كَمَا قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ كِتَابه : { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ } وَاصِفًا بِذَلِكَ قَوْمًا بِسَمَاعِ الْكَذِب مِنْ الْحَدِيث . وَأَمَّا إِذَا وَصَفُوا الرَّجُل بِسَمَاعِ كَلَام الرَّجُل وَأَمْره وَنَهْيه وَقَبُوله مِنْهُ , وَانْتِهَائِهِ إِلَيْهِ فَإِنَّمَا تَصِفهُ بِأَنَّهُ لَهُ سَامِع وَمُطِيع , وَلَا تَكَاد تَقُول : هُوَ لَهُ سَمَّاع مُطِيع .
وَأَمَّا قَوْله : { وَاَللَّه عَلِيم بِالظَّالِمِينَ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَاَللَّه ذُو عِلْم بِمَنْ يُوَجِّه أَفْعَاله إِلَى غَيْر وُجُوههَا وَيَضَعهَا فِي غَيْر مَوَاضِعهَا , وَمَنْ يَسْتَأْذِن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُذْرٍ وَمَنْ يَسْتَأْذِنهُ شَكًّا فِي الْإِسْلَام وَنِفَاقًا , وَمَنْ يَسْمَع حَدِيث الْمُؤْمِنِينَ لِيُخْبِر بِهِ الْمُنَافِقِينَ وَمَنْ يَسْمَعهُ لِيُسَرَّ بِمَا سَرَّ الْمُؤْمِنِينَ وَيُسَاء بِمَا سَاءَهُمْ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ سَرَائِر خَلْقه وَعَلَانِيَتهمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الظُّلْم فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ كِتَابنَا هَذَا بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع.
لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَقَدْ اِبْتَغَوْا الْفِتْنَة مِنْ قَبْل } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَقَدْ اِلْتَمَسَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الْفِتْنَة لِأَصْحَابِك يَا مُحَمَّد , اِلْتَمَسُوا صَدَّهُمْ عَنْ دِينهمْ , وَحَرَصُوا عَلَى رَدّهمْ إِلَى الْكُفْر بِالتَّخْذِيلِ عَنْهُ , كَفِعْلِ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ بِك وَبِأَصْحَابِك يَوْم أُحُد حِين اِنْصَرَفَ عَنْك بِمَنْ تَبِعَهُ مِنْ قَوْمه , وَذَلِكَ كَانَ اِبْتِغَاءَهُمْ مَا كَانُوا اِبْتَغَوْا لِأَصْحَابِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْفِتْنَة مِنْ قَبْل. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مِنْ قَبْل } : مِنْ قَبْل هَذَا .
{ وَقَلَّبُوا لَك الْأُمُور } يَقُول : وَأَجَالُوا فِيك وَفِي إِبْطَال الدِّين الَّذِي بَعَثَك بِهِ اللَّه الرَّأْي بِالتَّخْذِيلِ عَنْك , وَإِنْكَار مَا تَأْتِيهِمْ بِهِ , وَرَدّه عَلَيْك . { حَتَّى جَاءَ الْحَقّ } يَقُول : حَتَّى جَاءَ نَصْر اللَّه , { وَظَهَرَ أَمْر اللَّه } يَقُول : وَظَهَرَ دِين اللَّه الَّذِي أَمَرَ بِهِ وَافْتَرَضَهُ عَلَى خَلْقه وَهُوَ الْإِسْلَام . { وَهُمْ كَارِهُونَ } يَقُول : وَالْمُنَافِقُونَ لِظُهُورِ أَمْر اللَّه وَنَصْره إِيَّاكَ كَارِهُونَ , وَكَذَلِكَ الْآن يُظْهِرك اللَّه وَيُظْهِر دِينه عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ الرُّوم وَغَيْرهمْ مِنْ أَهْل الْكُفْر بِهِ وَهُمْ كَارِهُونَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13044 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَقَلَّبُوا لَك الْأُمُور } : أَيْ لِيَخْذُلُوا عَنْك أَصْحَابك , وَيَرُدُّوا عَلَيْك أَمْرك . { حَتَّى جَاءَ الْحَقّ وَظَهَرَ أَمْر اللَّه } وَذَكَرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي نَفَر مُسَمَّيْنَ بِأَعْيَانِهِمْ . 13045 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ عَمْرو , عَنْ الْحَسَن , قَوْله : { وَقَلَّبُوا لَك الْأُمُور } قَالَ : مِنْهُمْ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول , وَعَبْد اللَّه بْن نَبْتَل أَخُو بَنِي عَمْرو بْن عَوْف , وَرِفَاعَة بْن رَافِع , وَزَيْد بْن التَّابُوت الْقَيْنُقَاعِيّ . وَكَانَ تَخْذِيل عَبْد اللَّه بْن أَبِي أَصْحَابه عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْغُزَاة , كَاَلَّذِي : 13046 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ الزُّهْرِيّ , وَيَزِيد بْن رُومَان , وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر , وَعَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَة وَغَيْرهمْ , كُلّ قَدْ حَدَّثَ فِي غَزْوَة تَبُوك مَا بَلَغَهُ عَنْهَا , وَبَعْض الْقَوْم يُحَدِّث مَا لَمْ يُحَدِّث بَعْض , وَكُلّ قَدْ اِجْتَمَعَ حَدِيثه فِي هَذَا الْحَدِيث : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابه بِالتَّهَيُّؤِ لِغَزْوِ الرُّوم , وَذَلِكَ فِي زَمَان عُسْرَة مِنْ النَّاس وَشِدَّة مِنْ الْحَرّ وَجَدْب مِنْ الْبِلَاد , وَحِين طَابَ الثِّمَار وَأُحِبَّتْ الظِّلَال , وَالنَّاس يُحِبُّونَ الْمَقَام فِي ثِمَارهمْ وَظِلَالهمْ , وَيَكْرَهُونَ الشُّخُوص عَنْهَا عَلَى الْحَال مِنْ الزَّمَان الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ . وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَّمَا يَخْرُج فِي غَزْوَة إِلَّا كَنَّى عَنْهَا وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُرِيد غَيْر الَّذِي يُصْمَد لَهُ , إِلَّا مَا كَانَ مِنْ غَزْوَة تَبُوك , فَإِنَّهُ بَيَّنَهَا لِلنَّاسِ لِبُعْدِ الشُّقَّة وَشِدَّة الزَّمَان وَكَثْرَة الْعَدُوّ الَّذِي صَمَدَ لَهُ لِيَتَأَهَّب النَّاس لِذَلِكَ أُهْبَته . فَأَمَّ النَّاس بِالْجِهَادِ , وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ يُرِيد الرُّوم , فَتَجَهَّزَ النَّاس عَلَى مَا فِي أَنْفُسهمْ مِنْ الْكُرْه لِذَلِكَ الْوَجْه لِمَا فِيهِ , مَعَ مَا عَظَّمُوا مِنْ ذِكْر الرُّوم وَغَزْوهمْ. ثُمَّ إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَدَّ فِي سَفَره , فَأَمَرَ النَّاس بِالْجِهَازِ وَالِانْكِمَاش , وَحَضَّ أَهْل الْغِنَى عَلَى النَّفَقَة وَالْحُمْلَان فِي سَبِيل اللَّه . فَلَمَّا خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ عَسْكَره عَلَى ثَنِيَّة الْوَدَاع , وَضَرَبَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول عَسْكَره عَلَى ذِي حِدَة أَسْفَل مِنْهُ نَحْو ذُبَاب جَبَل بِالْجَبَانَةِ أَسْفَل مِنْ ثَنِيَّة الْوَدَاع وَكَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ لَيْسَ بِأَقَلّ الْعَسْكَرَيْنِ ; فَلَمَّا سَارَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخَلَّفَ عَنْهُ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ فِيمَنْ تَخَلَّفَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَأَهْل الرَّيْب , وَكَانَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ أَخَا بَنِي عَوْف بْن الْخَزْرَج , وَعَبْد اللَّه بْن نَبْتَل أَخَا بَنِي عَمْرو بْن عَوْف , وَرِفَاعَة بْن زَيْد بْن التَّابُوت أَخَا بَنِي قَيْنُقَاع , وَكَانُوا مِنْ عُظَمَاء الْمُنَافِقِينَ , وَكَانُوا مِمَّنْ يَكِيد لِلْإِسْلَامِ وَأَهْله . قَالَ : وَفِيهِمْ كَمَا ثنا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ عَمْرو بْن عُبَيْد , عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنْزَلَ اللَّه : { لَقَدْ اِبْتَغَوْا الْفِتْنَة مِنْ قَبْل } . الْآيَة .
{ وَقَلَّبُوا لَك الْأُمُور } يَقُول : وَأَجَالُوا فِيك وَفِي إِبْطَال الدِّين الَّذِي بَعَثَك بِهِ اللَّه الرَّأْي بِالتَّخْذِيلِ عَنْك , وَإِنْكَار مَا تَأْتِيهِمْ بِهِ , وَرَدّه عَلَيْك . { حَتَّى جَاءَ الْحَقّ } يَقُول : حَتَّى جَاءَ نَصْر اللَّه , { وَظَهَرَ أَمْر اللَّه } يَقُول : وَظَهَرَ دِين اللَّه الَّذِي أَمَرَ بِهِ وَافْتَرَضَهُ عَلَى خَلْقه وَهُوَ الْإِسْلَام . { وَهُمْ كَارِهُونَ } يَقُول : وَالْمُنَافِقُونَ لِظُهُورِ أَمْر اللَّه وَنَصْره إِيَّاكَ كَارِهُونَ , وَكَذَلِكَ الْآن يُظْهِرك اللَّه وَيُظْهِر دِينه عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ الرُّوم وَغَيْرهمْ مِنْ أَهْل الْكُفْر بِهِ وَهُمْ كَارِهُونَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13044 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَقَلَّبُوا لَك الْأُمُور } : أَيْ لِيَخْذُلُوا عَنْك أَصْحَابك , وَيَرُدُّوا عَلَيْك أَمْرك . { حَتَّى جَاءَ الْحَقّ وَظَهَرَ أَمْر اللَّه } وَذَكَرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي نَفَر مُسَمَّيْنَ بِأَعْيَانِهِمْ . 13045 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ عَمْرو , عَنْ الْحَسَن , قَوْله : { وَقَلَّبُوا لَك الْأُمُور } قَالَ : مِنْهُمْ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول , وَعَبْد اللَّه بْن نَبْتَل أَخُو بَنِي عَمْرو بْن عَوْف , وَرِفَاعَة بْن رَافِع , وَزَيْد بْن التَّابُوت الْقَيْنُقَاعِيّ . وَكَانَ تَخْذِيل عَبْد اللَّه بْن أَبِي أَصْحَابه عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْغُزَاة , كَاَلَّذِي : 13046 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ الزُّهْرِيّ , وَيَزِيد بْن رُومَان , وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر , وَعَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَة وَغَيْرهمْ , كُلّ قَدْ حَدَّثَ فِي غَزْوَة تَبُوك مَا بَلَغَهُ عَنْهَا , وَبَعْض الْقَوْم يُحَدِّث مَا لَمْ يُحَدِّث بَعْض , وَكُلّ قَدْ اِجْتَمَعَ حَدِيثه فِي هَذَا الْحَدِيث : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابه بِالتَّهَيُّؤِ لِغَزْوِ الرُّوم , وَذَلِكَ فِي زَمَان عُسْرَة مِنْ النَّاس وَشِدَّة مِنْ الْحَرّ وَجَدْب مِنْ الْبِلَاد , وَحِين طَابَ الثِّمَار وَأُحِبَّتْ الظِّلَال , وَالنَّاس يُحِبُّونَ الْمَقَام فِي ثِمَارهمْ وَظِلَالهمْ , وَيَكْرَهُونَ الشُّخُوص عَنْهَا عَلَى الْحَال مِنْ الزَّمَان الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ . وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَّمَا يَخْرُج فِي غَزْوَة إِلَّا كَنَّى عَنْهَا وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُرِيد غَيْر الَّذِي يُصْمَد لَهُ , إِلَّا مَا كَانَ مِنْ غَزْوَة تَبُوك , فَإِنَّهُ بَيَّنَهَا لِلنَّاسِ لِبُعْدِ الشُّقَّة وَشِدَّة الزَّمَان وَكَثْرَة الْعَدُوّ الَّذِي صَمَدَ لَهُ لِيَتَأَهَّب النَّاس لِذَلِكَ أُهْبَته . فَأَمَّ النَّاس بِالْجِهَادِ , وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ يُرِيد الرُّوم , فَتَجَهَّزَ النَّاس عَلَى مَا فِي أَنْفُسهمْ مِنْ الْكُرْه لِذَلِكَ الْوَجْه لِمَا فِيهِ , مَعَ مَا عَظَّمُوا مِنْ ذِكْر الرُّوم وَغَزْوهمْ. ثُمَّ إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَدَّ فِي سَفَره , فَأَمَرَ النَّاس بِالْجِهَازِ وَالِانْكِمَاش , وَحَضَّ أَهْل الْغِنَى عَلَى النَّفَقَة وَالْحُمْلَان فِي سَبِيل اللَّه . فَلَمَّا خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ عَسْكَره عَلَى ثَنِيَّة الْوَدَاع , وَضَرَبَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول عَسْكَره عَلَى ذِي حِدَة أَسْفَل مِنْهُ نَحْو ذُبَاب جَبَل بِالْجَبَانَةِ أَسْفَل مِنْ ثَنِيَّة الْوَدَاع وَكَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ لَيْسَ بِأَقَلّ الْعَسْكَرَيْنِ ; فَلَمَّا سَارَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخَلَّفَ عَنْهُ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ فِيمَنْ تَخَلَّفَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَأَهْل الرَّيْب , وَكَانَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ أَخَا بَنِي عَوْف بْن الْخَزْرَج , وَعَبْد اللَّه بْن نَبْتَل أَخَا بَنِي عَمْرو بْن عَوْف , وَرِفَاعَة بْن زَيْد بْن التَّابُوت أَخَا بَنِي قَيْنُقَاع , وَكَانُوا مِنْ عُظَمَاء الْمُنَافِقِينَ , وَكَانُوا مِمَّنْ يَكِيد لِلْإِسْلَامِ وَأَهْله . قَالَ : وَفِيهِمْ كَمَا ثنا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ عَمْرو بْن عُبَيْد , عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنْزَلَ اللَّه : { لَقَدْ اِبْتَغَوْا الْفِتْنَة مِنْ قَبْل } . الْآيَة .
وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول اِئْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَة سَقَطُوا } وَذَكَرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي الْجَدّ بْن قَيْس . وَيَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَمِنْهُمْ } وَمِنْ الْمُنَافِقِينَ , { مَنْ يَقُول اِئْذَنْ لِي } أُقِمْ فَلَا أَشْخَص مَعَك , { وَلَا تَفْتِنِّي } يَقُول : وَلَا تَبْتَلِنِي بِرُؤْيَةِ نِسَاء بَنِي الْأَصْفَر وَبَنَاتهمْ , فَإِنِّي بِالنِّسَاءِ مُغْرَم , فَأَخْرُج وَآثَم بِذَلِكَ. وَبِذَلِكَ مِنْ التَّأْوِيل تَظَاهَرَتْ الْأَخْبَار عَنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ عَمَّنْ قَالَهُ : 13047 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { اِئْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي } قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اُغْزُوا تَبُوك تَغْنَمُوا بَنَات الْأَصْفَر وَنِسَاء الرُّوم " فَقَالَ الْجَدّ : اِئْذَنْ لَنَا , وَلَا تَفْتِنَّا بِالنِّسَاءِ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالُوا : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اُغْزُوا تَغْنَمُوا بَنَات الْأَصْفَر " يَعْنِي : نِسَاء الرُّوم , ثُمَّ ذَكَرَ مِثْله . 13048 - قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { اِئْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي } قَالَ : هُوَ الْجَدّ بْن قَيْس , قَالَ : قَدْ عَلِمَتْ الْأَنْصَار أَنِّي إِذَا رَأَيْت النِّسَاء لَمْ أَصْبِر حَتَّى أَفْتَتِن , وَلَكِنْ أُعِينك بِمَالِي ! 13049 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ الزُّهْرِيّ , وَيَزِيد بْن رُومَان , وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر , وَعَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَة وَغَيْرهمْ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَات يَوْم وَهُوَ فِي جِهَازه لِلْجَدِّ بْن قَيْس أَخِي بَنِي سَلَمَة : " هَلْ لَك يَا جَدّ الْعَام فِي جِلَاد بَنِي الْأَصْفَر ؟ " فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , أَوْ تَأْذَن لِي وَلَا تَفْتِنِّي ؟ فَوَاَللَّهِ لَقَدْ عَرَفَ قَوْمِي مَا رَجُل أَشَدّ عَجَبًا بِالنِّسَاءِ مِنِّي , وَإِنِّي أَخْشَى إِنْ رَأَيْت نِسَاء بَنِي الْأَصْفَر أَنْ لَا أَصْبِر عَنْهُنَّ ! فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالَ : " أَذِنْت لَك " , فَفِي الْجَدّ بْن قَيْس نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول اِئْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي } الْآيَة , أَيْ إِنْ كَانَ إِنَّمَا يَخْشَى الْفِتْنَة مِنْ نِسَاء بَنِي الْأَصْفَر , وَلَيْسَ ذَلِكَ بِهِ , فَمَا سَقَطَ فِيهِ مِنْ الْفِتْنَة بِتَخَلُّفِهِ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالرَّغْبَة بِنَفْسِهِ عَنْ نَفْسه أَعْظَم . 13050 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول اِئْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي } قَالَ : هُوَ رَجُل مِنْ الْمُنَافِقِينَ يُقَال لَهُ : جَدّ بْن قَيْس , فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْعَام نَغْزُو بَنِي الْأَصْفَر وَنَتَّخِذ مِنْهُمْ سَرَارِيّ وَوُصْفَانًا " . فَقَالَ : أَيْ رَسُول اللَّه , اِئْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي , إِنْ لَمْ تَأْذَن لِي اُفْتُتِنْت وَوَقَعْت ! فَغَضِبَ , فَقَالَ اللَّه : { أَلَا فِي الْفِتْنَة سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّم لَمُحِيطَة بِالْكَافِرِينَ } وَكَانَ مِنْ بَنِي سَلَمَة , فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ سَيِّدكُمْ يَا بَنِي سَلَمَة ؟ " فَقَالُوا : جَدّ بْن قَيْس , غَيْر أَنَّهُ بَخِيل جَبَان . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَأَيّ دَاء أَدْوَى مِنْ الْبُخْل , وَلَكِنَّ سَيِّدكُمْ الْفَتَى الْأَبْيَض الْجَعْد الشَّعْر الْبَرَاء بْن مَعْرُور " . 13051 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول اِئْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي } يَقُول : اِئْذَنْ لِي وَلَا تُحْرِجنِي . { أَلَا فِي الْفِتْنَة سَقَطُوا } يَعْنِي : فِي الْحَرَج سَقَطُوا . 13052 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول اِئْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي } وَلَا تُؤَثِّمْنِي أَلَا فِي الْإِثْم سَقَطُوا .
وَقَوْله : { وَإِنَّ جَهَنَّم لَمُحِيطَة بِالْكَافِرِينَ } يَقُول : وَإِنَّ النَّار لَمُطِيفَة بِمَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ وَجَحَدَ آيَاته وَكَذَّبَ رُسُله , مُحْدِقَة بِهِمْ جَامِعَة لَهُمْ جَمِيعًا يَوْم الْقِيَامَة . يَقُول : فَكَفَى لِلْجَدِّ بْن قَيْس وَأَشْكَاله مِنْ الْمُنَافِقِينَ بِصِلِيِّهَا خِزْيًا .
وَقَوْله : { وَإِنَّ جَهَنَّم لَمُحِيطَة بِالْكَافِرِينَ } يَقُول : وَإِنَّ النَّار لَمُطِيفَة بِمَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ وَجَحَدَ آيَاته وَكَذَّبَ رُسُله , مُحْدِقَة بِهِمْ جَامِعَة لَهُمْ جَمِيعًا يَوْم الْقِيَامَة . يَقُول : فَكَفَى لِلْجَدِّ بْن قَيْس وَأَشْكَاله مِنْ الْمُنَافِقِينَ بِصِلِيِّهَا خِزْيًا .
إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنْ تُصِبْك حَسَنَة تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْك مُصِيبَة يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرنَا مِنْ قَبْل وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا مُحَمَّد إِنْ يُصِبْك سُرُور بِفَتْحِ اللَّه عَلَيْك أَرْض الرُّوم فِي غُزَاتك هَذِهِ يَسُؤْ الْجَدّ بْن قَيْس وَنُظَرَاءَهُ وَأَشْيَاعه مِنْ الْمُنَافِقِينَ , وَإِنْ تُصِبْك مُصِيبَة بِفُلُولِ جَيْشك فِيهَا يَقُول الْجَدّ وَنُظَرَاؤُهُ : { قَدْ أَخَذْنَا أَمْرنَا مِنْ قَبْل } أَيْ قَدْ أَخَذْنَا حَذَرنَا بِتَخَلُّفِنَا عَنْ مُحَمَّد وَتَرْك اِتِّبَاعه إِلَى عَدُوّهُ . { مِنْ قَبْل } يَقُول : مِنْ قَبْل أَنْ تُصِيبهُ هَذِهِ الْمُصِيبَة . { وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ } يَقُول : وَيَرْتَدُّوا عَنْ مُحَمَّد , وَهُمْ فَرِحُونَ بِمَا أَصَابَ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه مِنْ الْمُصِيبَة بِفُلُولِ أَصْحَابه وَانْهِزَامهمْ عَنْهُ وَقَتْل مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13053 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : { إِنْ تُصِبْك حَسَنَة تَسُؤْهُمْ } يَقُول : إِنْ تُصِبْك فِي سَفَرك هَذَا لِغَزْوَةِ تَبُوك حَسَنَة , تَسُؤْهُمْ. قَالَ : الْجَدّ وَأَصْحَابه . 13054 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { قَدْ أَخَذْنَا أَمْرنَا مِنْ قَبْل } حَذَرنَا . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن نُمَيْر , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { قَدْ أَخَذْنَا أَمْرنَا مِنْ قَبْل } قَالَ : حَذَرنَا . 13055 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنْ تُصِبْك حَسَنَة تَسُؤْهُمْ } إِنْ كَانَ فَتْح لِلْمُسْلِمِينَ كَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَسَاءَهُمْ .
قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ لَنْ يُصِيبنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّه لَنَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُؤَدِّبًا نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْك : { لَنْ يُصِيبنَا } أَيّهَا الْمُرْتَابُونَ فِي دِينهمْ { إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّه لَنَا } فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَقَضَاهُ عَلَيْنَا .
{ هُوَ مَوْلَانَا } يَقُول : هُوَ نَاصِرنَا عَلَى أَعْدَائِهِ .
{ وَعَلَى اللَّه فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ } يَقُول : وَعَلَى اللَّه فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ , فَإِنَّهُمْ إِنْ يَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يَرْجُوا النَّصْر مِنْ عِنْد غَيْره وَلَمْ يَخَافُوا شَيْئًا غَيْره , يَكْفِهِمْ أُمُورهمْ وَيَنْصُرهُمْ عَلَى مَنْ بَغَاهُمْ وَكَادَهُمْ .
{ هُوَ مَوْلَانَا } يَقُول : هُوَ نَاصِرنَا عَلَى أَعْدَائِهِ .
{ وَعَلَى اللَّه فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ } يَقُول : وَعَلَى اللَّه فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ , فَإِنَّهُمْ إِنْ يَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يَرْجُوا النَّصْر مِنْ عِنْد غَيْره وَلَمْ يَخَافُوا شَيْئًا غَيْره , يَكْفِهِمْ أُمُورهمْ وَيَنْصُرهُمْ عَلَى مَنْ بَغَاهُمْ وَكَادَهُمْ .
قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّص بِكُمْ أَنْ يُصِيبكُمْ اللَّه بِعَذَابٍ مِنْ عِنْده أَوْ بِأَيْدِينَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ وَصَفْت لَك صِفَتهمْ وَبَيَّنْت لَك أَمْرهمْ : هَلْ تَنْتَظِرُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْخُلَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ هُمَا أَحْسَن مِنْ غَيْرهمَا , إِمَّا ظَفَرًا بِالْعَدُوِّ وَفَتْحًا لَنَا بِغَلَبَتْنَاهُمْ , فَفِيهَا الْأَجْر وَالْغَنِيمَة وَالسَّلَامَة , وَإِمَّا قَتْلًا مِنْ عَدُوّنَا لَنَا , فَفِيهِ الشَّهَادَة وَالْفَوْز بِالْجَنَّةِ وَالنَّجَاة مِنْ النَّار , وَكِلْتَاهُمَا مِمَّا يُحَبّ , وَلَا يُكْرَه , وَنَحْنُ نَتَرَبَّص بِكُمْ أَنْ يُصِيبكُمْ اللَّه بِعَذَابٍ مِنْ عِنْده . يَقُول : وَنَحْنُ نَنْتَظِر بِكُمْ أَنْ يُصِيبكُمْ اللَّه بِعُقُوبَةٍ مِنْ عِنْده عَاجِلَة تُهْلِككُمْ أَوْ بِأَيْدِينَا فَنَقْتُلكُمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13056 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { هَلْ تَرَبَّصُونَ لَنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ } يَقُول : فَتْح أَوْ شَهَادَة . وَقَالَ مَرَّة أُخْرَى : يَقُول الْقَتْل , فَهِيَ الشَّهَادَة وَالْحَيَاة وَالرِّزْق . وَإِمَّا يُخْزِيكُمْ بِأَيْدِينَا . 13057 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ } يَقُول : قَتَلَ فِيهِ الْحَيَاة وَالرِّزْق , وَإِمَّا أَنْ يَغْلِب فَيُؤْتِيه اللَّه أَجْرًا عَظِيمًا ; وَهُوَ مِثْل قَوْله : { وَمَنْ يُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه } إِلَى : { فَيُقْتَل أَوْ يَغْلِب فَسَوْفَ نُؤْتِيه أَجْرًا عَظِيمًا } . 4 74 13058 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن نُمَيْر , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ } قَالَ : الْقَتْل فِي سَبِيل اللَّه وَالظُّهُور عَلَى أَعْدَائِهِ . * - قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بَكْر , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : بَلَغَنِي عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْقَتْل فِي سَبِيل اللَّه , وَالظُّهُور . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ } الْقَتْل فِي سَبِيل اللَّه وَالظُّهُور عَلَى أَعْدَاء اللَّه . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ . قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ اِبْن عَبَّاس : { بِعَذَابٍ مِنْ عِنْده } بِالْمَوْتِ أَوْ بِأَيْدِينَا , قَالَ الْقَتْل . 13059 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ } إِلَّا فَتْحًا أَوْ قَتْلًا فِي سَبِيل اللَّه . { وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبكُمْ اللَّه بِعَذَابٍ مِنْ عِنْده أَوْ بِأَيْدِينَا } : أَيْ قَتْل .
{ فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ } يَقُول : فَانْتَظَرُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُنْتَظِرُونَ مَا اللَّه فَاعِل بِنَا , وَمَا إِلَيْهِ صَائِر أَمْر كُلّ فَرِيق مِنَّا وَمِنْكُمْ.
{ فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ } يَقُول : فَانْتَظَرُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُنْتَظِرُونَ مَا اللَّه فَاعِل بِنَا , وَمَا إِلَيْهِ صَائِر أَمْر كُلّ فَرِيق مِنَّا وَمِنْكُمْ.
قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّل مِنْكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ : أَنْفِقُوا كَيْف شِئْتُمْ أَمْوَالكُمْ فِي سَفَركُمْ هَذَا وَغَيْره , وَعَلَى أَيّ حَال شِئْتُمْ مِنْ حَال الطَّوْع وَالْكُرْه , فَإِنَّكُمْ إِنْ تُنْفِقُوهَا لَنْ يَتَقَبَّل اللَّه مِنْكُمْ نَفَقَاتكُمْ , وَأَنْتُمْ فِي شَكّ مِنْ دِينكُمْ وَجَهْل مِنْكُمْ بِنُبُوَّةِ نَبِيّكُمْ وَسُوء مَعْرِفَة مِنْكُمْ بِثَوَابِ اللَّه وَعِقَابه . وَخَرَجَ قَوْله : { أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا } مَخْرَج الْأَمْر وَمَعْنَاهُ الْخَبَر , وَالْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ فِي الْأَمَاكِن الَّتِي يَحْسُن فِيهَا " إِنْ " الَّتِي تَأْتِي بِمَعْنَى الْجَزَاء , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِر لَهُمْ } 9 80 فَهُوَ فِي لَفْظ الْأَمْر وَمَعْنَاهُ الْخَبَر , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : أَسِيئِي بِنَا أَوْ أَحْسِنِي لَا مَلُومَة لَدَيْنَا وَلَا مَقْلِيَّة إِنْ تَقَلَّتِ فَكَذَلِكَ قَوْله : { أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا } إِنَّمَا مَعْنَاهُ : إِنْ تُنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا , { لَنْ يُتَقَبَّل مِنْكُمْ } وَقِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي الْجَدّ بْن قَيْس حِين قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عَرَضَ عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخُرُوج مَعَهُ لِغَزْوِ الرُّوم : هَذَا مَالِي أُعِينك بِهِ . 13060 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : قَالَ الْجَدّ بْن قَيْس : إِنِّي إِذَا رَأَيْت النِّسَاء لَمْ أَصْبِر حَتَّى أَفْتَتِن , وَلَكِنْ أُعِينك بِمَالِي ! قَالَ : فَفِيهِ نَزَلَتْ { أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّل مِنْكُمْ } قَالَ : لِقَوْلِهِ : أُعِينك بِمَالِي .
{ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسْقِينَ } يَقُول : خَارِجِينَ عَنْ الْإِيمَان بِرَبِّكُمْ .
{ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسْقِينَ } يَقُول : خَارِجِينَ عَنْ الْإِيمَان بِرَبِّكُمْ .
وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ ↑
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَل مِنْهُمْ نَفَقَاتهمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا مَنَعَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ يَا مُحَمَّد أَنْ تَقْبَل مِنْهُمْ نَفَقَاتهمْ الَّتِي يُنْفِقُونَهَا فِي سَفَرهمْ مَعَك وَفِي غَيْر ذَلِكَ مِنْ السُّبُل { إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ } ف " أَنْ " الْأُولَى فِي مَوْضِع نَصْب , وَالثَّانِيَة فِي مَوْضِع رَفْع , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : مَا مَنَعَ قَبُول نَفَقَاتهمْ إِلَّا كُفْرهمْ بِاَللَّهِ .
{ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاة إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى } يَقُول : لَا يَأْتُونَهَا إِلَّا مُتَثَاقِلِينَ بِهَا , لِأَنَّهُمْ لَا يَرْجُونَ بِأَدَائِهَا ثَوَابًا وَلَا يَخَافُونَ بِتَرْكِهَا عِقَابًا , وَإِنَّمَا يُقِيمُونَهَا مَخَافَة عَلَى أَنْفُسهمْ بِتَرْكِهَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَإِذَا أَمَّنُوهُمْ لَمْ يُقِيمُوهَا .
{ وَلَا يُنْفِقُونَ } يَقُول : وَلَا يُنْفِقُونَ مِنْ أَمْوَالهمْ شَيْئًا , { إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ } أَنْ يُنْفِقُونَهُ فِي الْوَجْه الَّذِي يُنْفِقُونَهُ فِيهِ مِمَّا فِيهِ تَقْوِيَة لِلْإِسْلَامِ وَأَهْله .
{ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاة إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى } يَقُول : لَا يَأْتُونَهَا إِلَّا مُتَثَاقِلِينَ بِهَا , لِأَنَّهُمْ لَا يَرْجُونَ بِأَدَائِهَا ثَوَابًا وَلَا يَخَافُونَ بِتَرْكِهَا عِقَابًا , وَإِنَّمَا يُقِيمُونَهَا مَخَافَة عَلَى أَنْفُسهمْ بِتَرْكِهَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَإِذَا أَمَّنُوهُمْ لَمْ يُقِيمُوهَا .
{ وَلَا يُنْفِقُونَ } يَقُول : وَلَا يُنْفِقُونَ مِنْ أَمْوَالهمْ شَيْئًا , { إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ } أَنْ يُنْفِقُونَهُ فِي الْوَجْه الَّذِي يُنْفِقُونَهُ فِيهِ مِمَّا فِيهِ تَقْوِيَة لِلْإِسْلَامِ وَأَهْله .
فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَا تُعْجِبك أَمْوَالهمْ وَلَا أَوْلَادهمْ إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : فَلَا تُعْجِبك يَا مُحَمَّد أَمْوَال هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ وَلَا أَوْلَادهمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا , إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ بِهَا فِي الْآخِرَة . وَقَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : التَّقْدِيم وَهُوَ مُؤَخَّر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13061 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَلَا تُعْجِبك أَمْوَالهمْ وَلَا أَوْلَادهمْ } قَالَ : هَذِهِ مِنْ تَقَادِيم الْكَلَام , يَقُول : لَا تُعْجِبك أَمْوَالهمْ وَلَا أَوْلَادهمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا , إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ بِهَا فِي الْآخِرَة . 13062 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ بِهَا } فِي الْآخِرَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا , بِمَا أَلْزَمهُمْ فِيهَا مِنْ فَرَائِضه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13063 - حُدِّثْت عَنْ الْمُسَيِّب بْن شَرِيك , عَنْ سَلْمَان الْأَقْصَرِيّ , عَنْ الْحَسَن : { إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } قَالَ : بِأَخْذِ الزَّكَاة وَالنَّفَقَة فِي سَبِيل اللَّه تَعَالَى. 13064 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } بِالْمَصَائِبِ فِيهَا , هِيَ لَهُمْ عَذَاب وَهِيَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَجْر . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدنَا , التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ الْحَسَن , لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الظَّاهِر مِنْ التَّنْزِيل , فَصُرِفَ تَأْوِيله إِلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِره أَوْلَى مِنْ صَرْفه إِلَى بَاطِن لَا دَلَالَة عَلَى صِحَّته , وَإِنَّمَا وَجْه مِنْ وَجْه ذَلِكَ إِلَى التَّقْدِيم وَهُوَ مُؤَخَّر , لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِف لِتَعْذِيبِ اللَّه الْمُنَافِقِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادهمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَجْهًا يُوَجِّههُ إِلَيْهِ , وَقَالَ : كَيْف يُعَذِّبهُمْ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا , وَهِيَ لَهُمْ فِيهَا سُرُور , وَذَهَبَ عَنْهُ تَوْجِيهه إِلَى أَنَّهُ مِنْ عَظِيم الْعَذَاب عَلَيْهِ إِلْزَامه مَا أَوْجَبَ اللَّه عَلَيْهِ فِيهَا مِنْ حُقُوقه وَفَرَائِضه , إِذْ كَانَ يَلْزَمهُ وَيُؤْخَذ مِنْهُ وَهُوَ غَيْر طَيِّب النَّفْس. وَلَا رَاجٍ مِنْ اللَّه جَزَاء وَلَا مِنْ الْآخِذ مِنْهُ حَمْدًا وَلَا شُكْرًا عَلَى ضَجَر مِنْهُ وَكُرْه .
وَأَمَّا قَوْله : { وَتَزْهَق أَنْفُسهمْ وَهُمْ كَافِرُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَتَخْرُج أَنْفُسهمْ , فَيَمُوتُوا عَلَى كُفْرهمْ بِاَللَّهِ وَجُحُودهمْ نُبُوَّة نَبِيّ اللَّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يُقَال مِنْهُ : زَهَقَتْ نَفْس فُلَان , وَزَهِقَتْ , فَمَنْ قَالَ : زَهَقَتْ , قَالَ : تَزْهَق , وَمَنْ قَالَ : زَهِقَتْ , قَالَ : تَزْهِق زُهُوقًا ; وَمِنْهُ قِيلَ : زَهَقَ فُلَان بَيْن أَيَدِيّ الْقَوْم يَزْهَق زُهُوقًا : إِذَا سِبْقهمْ فَتَقَدَّمَهُمْ , وَيُقَال : زُهَّق الْبَاطِل : إِذَا ذَهَبَ وَدُرِسَ .
وَأَمَّا قَوْله : { وَتَزْهَق أَنْفُسهمْ وَهُمْ كَافِرُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَتَخْرُج أَنْفُسهمْ , فَيَمُوتُوا عَلَى كُفْرهمْ بِاَللَّهِ وَجُحُودهمْ نُبُوَّة نَبِيّ اللَّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يُقَال مِنْهُ : زَهَقَتْ نَفْس فُلَان , وَزَهِقَتْ , فَمَنْ قَالَ : زَهَقَتْ , قَالَ : تَزْهَق , وَمَنْ قَالَ : زَهِقَتْ , قَالَ : تَزْهِق زُهُوقًا ; وَمِنْهُ قِيلَ : زَهَقَ فُلَان بَيْن أَيَدِيّ الْقَوْم يَزْهَق زُهُوقًا : إِذَا سِبْقهمْ فَتَقَدَّمَهُمْ , وَيُقَال : زُهَّق الْبَاطِل : إِذَا ذَهَبَ وَدُرِسَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَحْلِف بِاَللَّهِ لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ كَذِبًا وَبَاطِلًا خَوْفًا مِنْكُمْ , إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ فِي الدِّين وَالْمِلَّة . يَقُول اللَّه تَعَالَى مُكَذِّبًا لَهُمْ : { وَمَا هُمْ مِنْكُمْ } أَيْ لَيْسُوا مِنْ أَهْل دِينكُمْ وَمِلَّتكُمْ , بَلْ هُمْ أَهْل شَكّ وَنِفَاق .
{ وَلَكِنَّهُمْ قَوْم يَفْرَقُونَ } يَقُول : وَلَكِنَّهُمْ قَوْم يَخَافُونَكُمْ , فَهُمْ خَوْفًا مِنْكُمْ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ : إِنَّا مِنْكُمْ , لِيَأْمَنُوا فِيكُمْ فَلَا يُقْتَلُوا .
{ وَلَكِنَّهُمْ قَوْم يَفْرَقُونَ } يَقُول : وَلَكِنَّهُمْ قَوْم يَخَافُونَكُمْ , فَهُمْ خَوْفًا مِنْكُمْ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ : إِنَّا مِنْكُمْ , لِيَأْمَنُوا فِيكُمْ فَلَا يُقْتَلُوا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأ أَوْ مَغَارَات أَوْ مُدَخَّلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَوْ يَجِد هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ مَلْجَأ , يَقُول : عَصْرًا يَعْتَصِرُونَ بِهِ مِنْ حِصْن , وَمَعْقِلًا يَعْتَقِلُونَ فِيهِ مِنْكُمْ . { أَوْ مَغَارَات } وَهِيَ الْغِيرَان فِي الْجِبَال , وَاحِدَتهَا : مَغَارَة , وَهِيَ مَفْعَلَة مِنْ غَارَ الرَّجُل فِي الشَّيْء يَغُور فِيهِ إِذَا دَخَلَ , وَمِنْهُ قِيلَ : غَارَتْ الْعَيْن : إِذَا دَخَلَتْ فِي الْحَدَقَة . { أَوْ مُدَخَّلًا } يَقُول : سَرَبًا فِي الْأَرْض يَدْخُلُونَ فِيهِ , وَقَالَ : " أَوْ مُدَخَّلًا " الْآيَة , لِأَنَّهُ مَنْ اِدَّخَلَ يَدْخُل . وَقَوْله : { لَوَلَّوْا إِلَيْهِ } يَقُول : لَأَدْبَرُوا إِلَيْهِ هَرَبًا مِنْكُمْ. { وَهُمْ يَجْمَحُونَ } يَقُول : وَهُمْ يُسْرِعُونَ فِي مَشْيهمْ . وَقِيلَ : إِنَّ الْجِمَاح مَشْي بَيْن الْمَشْيَيْنِ ; وَمِنْهُ قَوْل مُهَلْهَل : لَقَدْ جَمَحْت جِمَاحًا فِي دِمَائِهِمْ حَتَّى رَأَيْت ذَوِي أَحْسَابهمْ خَمَدُوا وَإِنَّمَا وَصَفَهُمْ اللَّه بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ مِنْ هَذِهِ الصِّفَة , لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا أَقَامُوا بَيْن أَظْهُر أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُفْرهمْ وَنِفَاقهمْ وَعَدَاوَتهمْ لَهُمْ , وَلِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي قَوْمهمْ وَعَشِيرَتهمْ وَفِي دُورهمْ وَأَمْوَالهمْ , فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى تَرْك ذَلِكَ وَفِرَاقه , فَصَانَعُوا الْقَوْم بِالنِّفَاقِ وَدَافَعُوا عَنْ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ وَأَوْلَادهمْ بِالْكُفْرِ وَدَعْوَى الْإِيمَان , وَفِي أَنْفُسهمْ مَا فِيهَا مِنْ الْبُغْض لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْل الْإِيمَان بِهِ وَالْعَدَاوَة لَهُمْ , فَقَالَ اللَّه وَاصِفهمْ بِمَا فِي ضَمَائِرهمْ : { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأ أَوْ مَغَارَات } الْآيَة وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13065 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأ } الْمَلْجَأ : الْحِرْز فِي الْجِبَال , وَالْمَغَارَات : الْغِيرَان فِي الْجِبَال . وَقَوْله : { أَوْ مُدَّخَلًا } وَالْمُدَخَّل : السَّرَب . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأ أَوْ مَغَارَات أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ } مَلْجَأ , يَقُول : حِرْزًا , { أَوْ مَغَارَات } يَعْنِي الْغِيرَان . { أَوْ مُدَّخَلًا } يَقُول : ذَهَابًا فِي الْأَرْض , وَهُوَ النَّفَق فِي الْأَرْض , وَهُوَ السَّرَب . 13066 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأ أَوْ مَغَارَات أَوْ مُدَّخَلًا } قَالَ : حِرْزًا لَهُمْ يَفِرُّونَ إِلَيْهِ مِنْكُمْ. 13067 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأ أَوْ مَغَارَات أَوْ مُدَّخَلًا } قَالَ : مُحَرَّزًا لَهُمْ , لَفَرُّوا إِلَيْهِ مِنْكُمْ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأ } حِرْزًا أَوْ مَغَارَات , قَالَ : الْغِيرَان. { أَوْ مُدَّخَلًا } قَالَ : نَفَقًا فِي الْأَرْض . 13068 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا : يَزِيد , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأ أَوْ مَغَارَات أَوْ مُدَّخَلًا } يَقُول : لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأ : حُصُونًا , { أَوْ مَغَارَات } غِيرَانًا . { أَوْ مُدَّخَلًا } أَسْرَابًا . { لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ }
وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزك فِي الصَّدَقَات فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمِنْ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ وَصَفْت لَك يَا مُحَمَّد صِفَتهمْ فِي هَذِهِ الْآيَات { مَنْ يَلْمِزك فِي الصَّدَقَات } يَقُول : يَعِيبك فِي أَمْرهَا وَيَطْعَن عَلَيْك فِيهَا , يُقَال مِنْهُ : لَمَزَ فُلَانًا يَلْمِزهُ , وَيَلْمُزهُ : إِذَا عَابَهُ وَقَرَصَهُ , وَكَذَلِكَ هَمَزَهُ. وَمِنْهُ قِيلَ : فُلَان هُمَزَة لُمَزَة , وَمِنْهُ قَوْل رُؤْبَة : قَارَبْت بَيْن عَنَقِي وَجَمْزِي فِي ظِلّ عَصْرَيْ بَاطِلِي وَلَمْزِي وَمِنْهُ قَوْل الْآخَر : إِذَا لَقِيتُك تُبْدِي لِي مُكَاشَرَة وَأَنْ أَغِيب فَأَنْتَ الْعَائِب اللُّمَزَهْ { فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا } يَقُول : لَيْسَ بِهِمْ فِي عَيْبهمْ إِيَّاكَ فِيهَا وَطَعْنهمْ عَلَيْك بِسَبَبِهَا الدِّين , وَلَكِنْ الْغَضَب لِأَنْفُسِهِمْ , فَإِنْ أَنْتَ أَعْطَيْتهمْ مِنْهَا مَا يُرْضِيهِمْ رَضُوا عَنْك , وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تُعْطِهِمْ مِنْهُمْ سَخِطُوا عَلَيْك وَعَابُوك . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13069 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن نُمَيْر , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزك فِي الصَّدَقَات } قَالَ : يَرُوزُك . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزك فِي الصَّدَقَات } يَرُوزُك وَيَسْأَلك. 13070 - قَالَ اِبْن جُرَيْج : وَأَخْبَرَنِي دَاوُدُ بْن أَبِي عَاصِم , قَالَ : قَالَ أُتِيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَدَقَةٍ , فَقَسَمَهَا هَهُنَا وَهَهُنَا حَتَّى ذَهَبَتْ , قَالَ : وَرَآهُ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار , فَقَالَ : مَا هَذَا بِالْعَدْلِ ! فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . 13071 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزك فِي الصَّدَقَات } يَقُول : وَمِنْهُمْ مَنْ يَطْعَن عَلَيْك فِي الصَّدَقَات . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْل الْبَادِيَة حَدِيث عَهْد بِأَعْرَابِيَّةٍ , أَتَى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُقَسِّم ذَهَبًا وَفِضَّة , فَقَالَ : يَا مُحَمَّد , وَاَللَّه لَئِنْ كَانَ اللَّه أَمَرَك أَنْ تَعْدِل مَا عَدَلْت ! فَقَالَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَيْلك فَمَنْ ذَا يَعْدِل عَلَيْك بَعْدِي ؟ " ثُمَّ قَالَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اِحْذَرُوا هَذَا وَأَشْبَاهه , فَإِنَّ فِي أُمَّتِي أَشْبَاه هَذَا يَقْرَءُونَ الْقُرْآن لَا يُجَاوِز تَرَاقِيهمْ , فَإِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ , ثُمَّ إِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ , ثُمَّ إِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ " . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : " وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُعْطِيكُمْ شَيْئًا وَلَا أَمْنَعكُمُوهُ إِنَّمَا أَنَا خَازِن " . 13072 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزك فِي الصَّدَقَات } قَالَ : يَطْعَن . 13073 - قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ أَبِي سَعِيد , قَالَ : بَيْنَمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَسِّم قَسْمًا , إِذْ جَاءَهُ اِبْن ذِي الْخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيّ , فَقَالَ : اِعْدِلْ يَا رَسُول اللَّه ! فَقَالَ : " وَيْلك وَمَنْ يَعْدِل إِنْ لَمْ أَعْدِل ؟ " فَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب : يَا رَسُول اللَّه اِئْذَنْ لِي فَأَضْرِب عُنُقه ! قَالَ : " دَعْهُ , فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِر أَحَدكُمْ صَلَاته مَعَ صَلَاتهمْ وَصِيَامه مَعَ صِيَامهمْ , يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّين كَمَا يَمْرُق السَّهْم مِنْ الرَّمْيَة , فَيَنْظُر فِي قُذَذه فَلَا يَنْظُر شَيْئًا , ثُمَّ يَنْظُر فِي نَصْله فَلَا يَجِد شَيْئًا , ثُمَّ يَنْظُر فِي رَصَافِهِ فَلَا يَجِد شَيْئًا , قَدْ سَبَقَ الْفَرْث وَالدَّم , آيَتهمْ رَجُل أَسْوَد إِحْدَى يَدَيْهِ - أَوْ قَالَ : يَدَيْهِ - مِثْل ثَدْي الْمَرْأَة - أَوْ مِثْل الْبَضْعَة - تَدَرْدَرُ , يَخْرُجُونَ عَلَى حِين فَتْرَة مِنْ النَّاس " . قَالَ : فَنَزَلَتْ : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزك فِي الصَّدَقَات } قَالَ أَبُو سَعِيد : أَشْهَد أَنِّي سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَشْهَد أَنَّ عَلِيًّا رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِ حِين قَتَلَهُمْ جِيءَ بِالرَّجُلِ عَلَى النَّعْت الَّذِي نَعَتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 13074 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزك فِي الصَّدَقَات فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ } قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ , قَالُوا : وَاَللَّه مَا يُعْطِيهَا مُحَمَّد إِلَّا مَنْ أَحَبَّ , وَلَا يُؤْثِر بِهَا إِلَّا هَوَاهُ ! فَأَخْبَرَ اللَّه نَبِيّه , وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَتْ مِنْ اللَّه , وَأَنَّ هَذَا أَمْر مِنْ اللَّه لَيْسَ مِنْ مُحَمَّد : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ } الْآيَة .
وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُواْ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمْ اللَّه وَرَسُوله وَقَالُوا حَسْبنَا اللَّه سَيُؤْتِينَا اللَّه مِنْ فَضْله وَرَسُوله إِنَّا إِلَى اللَّه رَاغِبُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَلْمِزُونَك يَا مُحَمَّد فِي الصَّدَقَات رَضُوا مَا أَعْطَاهُمْ اللَّه وَرَسُوله مِنْ عَطَاء وَقَسَمَ لَهُمْ مِنْ قَسْم , { وَقَالُوا حَسْبنَا اللَّه } يَقُول : وَقَالُوا : كَافِينَا اللَّه , { سَيُؤْتِينَا اللَّه مِنْ فَضْله وَرَسُوله } يَقُول : سَيُعْطِينَا اللَّه مِنْ فَضْل خَزَائِنه وَرَسُوله مِنْ الصَّدَقَة وَغَيْرهَا , { إِنَّا إِلَى اللَّه رَاغِبُونَ } يَقُول : وَقَالُوا : إِنَّا إِلَى اللَّه نَرْغَب فِي أَنْ يُوَسِّع عَلَيْنَا مِنْ فَضْله , فَيُغْنِينَا عَنْ الصَّدَقَة وَغَيْرهَا مِنْ صِلَات النَّاس وَالْحَاجَة إِلَيْهِمْ .
إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَا تُنَال الصَّدَقَات إِلَّا لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين وَمَنْ سَمَّاهُمْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ. ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة الْفَقِير وَالْمِسْكِين , فَقَالَ بَعْضهمْ : الْفَقِير : الْمُحْتَاج الْمُتَعَفِّف عَنْ الْمَسْأَلَة . وَالْمِسْكِين : الْمُحْتَاج السَّائِل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13075 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ أَشْعَث , عَنْ الْحَسَن : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين } قَالَ : الْفَقِير : الْجَالِس فِي بَيْته , وَالْمِسْكِين : الَّذِي يَسْعَى . 13076 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين } قَالَ : الْمَسَاكِين : الطَّوَّافُونَ , وَالْفُقَرَاء فُقَرَاء الْمُسْلِمِينَ. 13077 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ جَرِير بْن حَازِم , قَالَ : ثني رَجُل , عَنْ جَابِر بْن زَيْد , أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْفُقَرَاء , قَالَ : الْفُقَرَاء : الْمُتَعَفِّفُونَ , وَالْمَسَاكِين : الَّذِينَ يَسْأَلُونَ . 13078 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا مَعْقِل بْن عُبَيْد اللَّه الْحَرَّانِيّ , قَالَ : سَأَلْت الزُّهْرِيّ عَنْ قَوْله : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ } قَالَ : الَّذِينَ فِي بُيُوتهمْ لَا يَسْأَلُونَ , وَالْمَسَاكِين : الَّذِينَ يَخْرُجُونَ فَيَسْأَلُونَ . 13079 - حَدَّثَنَا الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ عَبْد الْوَارِث بْن سَعِيد , عَنْ اِبْن نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْفَقِير الَّذِي لَا يَسْأَل , وَالْمِسْكِين : الَّذِي يَسْأَل . 13080 - قَالَ : حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين } قَالَ : الْفُقَرَاء الَّذِينَ لَا يَسْأَلُونَ النَّاس وَهُمْ أَهْل حَاجَة , وَالْمَسَاكِين : الَّذِينَ يَسْأَلُونَ النَّاس . * - حَدَّثَنَا الْحَارِث , قَالَ : ثني عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْفُقَرَاء الَّذِينَ لَا يَسْأَلُونَ , وَالْمَسَاكِين : الَّذِينَ يَسْأَلُونَ. وَقَالَ آخَرُونَ : الْفَقِير هُوَ ذُو الزَّمَانَة مِنْ أَهْل الْحَاجَة . وَالْمِسْكِين : هُوَ الصَّحِيح الْجِسْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13081 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين } قَالَ : الْفَقِير مَنْ بِهِ زَمَانَة , وَالْمِسْكِين : الصَّحِيح الْمُحْتَاج. * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين } أَمَّا الْفَقِير : فَالزَّمِن الَّذِي بِهِ زَمَانَة , وَأَمَّا الْمِسْكِين : فَهُوَ الَّذِي لَيْسَتْ بِهِ زَمَانَة . وَقَالَ آخَرُونَ : الْفُقَرَاء فُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ . وَالْمَسَاكِين : مَنْ لَمْ يُهَاجِر مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مُحْتَاج . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13082 - حَدَّثَنَا الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا جَرِير بْن حَازِم , عَنْ عَلِيّ بْن الْحَكَم , عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ } قَالَ : فُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ , وَالْمَسَاكِين : الَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا . 13083 - قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ } الْمُهَاجِرِينَ , قَالَ : سُفْيَان : يَعْنِي : وَلَا يُعْطِي الْأَعْرَاب مِنْهَا شَيْئًا . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : كَانَ يُقَال : إِنَّمَا الصَّدَقَة لِفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ . * - قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : كَانَتْ تُجْعَل الصَّدَقَة فِي فُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ , وَفِي سَبِيل اللَّه تَعَالَى . 13084 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَسَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبْزَى , قَالَا : كَانَ نَاس مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لِأَحَدِهِمْ الدَّار وَالزَّوْجَة وَالْعَبْد وَالنَّاقَة يَحُجّ عَلَيْهَا وَيَغْزُو , فَنَسَبَهُمْ اللَّه إِلَى أَنَّهُمْ فَقِرَاء , وَجَعَلَ لَهُمْ سَهْمًا فِي الزَّكَاة . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : كَانَ يُقَال : إِنَّمَا الصَّدَقَات فِي فُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ , وَفِي سَبِيل اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : الْمِسْكِين : الضَّعِيف الْكَسْب. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13085 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عَوْن , عَنْ مُحَمَّد , قَالَ : قَالَ عُمَر : لَيْسَ الْفَقِير بِاَلَّذِي لَا مَال لَهُ , وَلَكِنَّ الْفَقِير : الْأَخْلَق الْكَسْب . قَالَ يَعْقُوب , قَالَ اِبْن عُلَيَّة : الْأَخْلَق : الْمُحَارَف عِنْدنَا . 13086 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب عَنْ اِبْن سِيرِينَ أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى قَالَ لَيْسَ الْمِسْكِين بِاَلَّذِي لَا مَال لَهُ وَلَكِنَّ الْمِسْكِين الْأَخْلَق الْكَسْب وَقَالَ بَعْضهمْ الْفَقِير مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمِسْكِين أَهْل الْكِتَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13087 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا عُمَر بْن نَافِع , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة فِي قَوْله : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين } قَالَ : لَا تَقُولُوا لِفُقَرَاء الْمُسْلِمِينَ مَسَاكِين , إِنَّمَا الْمَسَاكِين مَسَاكِين أَهْل الْكِتَاب . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : الْفَقِير : هُوَ ذُو الْفَقْر أَوْ الْحَاجَة وَمَعَ حَاجَته يَتَعَفَّف عَنْ مَسْأَلَة النَّاس وَالتَّذَلُّل لَهُمْ فِي هَذَا الْمَوْضِع , وَالْمِسْكِين : هُوَ الْمُحْتَاج الْمُتَذَلِّل لِلنَّاسِ بِمَسْأَلَتِهِمْ . وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْفَرِيقَانِ لَمْ يُعْطَيَا إِلَّا بِالْفَقْرِ وَالْحَاجَة دُون الذِّلَّة وَالْمَسْكَنَة , لِإِجْمَاعِ الْجَمِيع مِنْ أَهْل الْعِلْم أَنَّ الْمِسْكِين إِنَّمَا يُعْطَى مِنْ الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة بِالْفَقْرِ , وَأَنَّ مَعْنَى الْمَسْكَنَة عِنْد الْعَرَب : الذِّلَّة , كَمَا قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة وَالْمَسْكَنَة } يَعْنِي بِذَلِكَ الْهَوْن , وَالذِّلَّة لَا الْفَقْر . فَإِذَا كَانَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ صَنَّفَ مَنْ قَسَمَ لَهُ مِنْ الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة قَسْمًا بِالْفَقْرِ فَجَعَلَهُمْ صِنْفَيْنِ , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ كُلّ صِنْف مِنْهُمْ غَيْر الْآخَر . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَقْسُوم لَهُ بِاسْمِ الْفَقِير غَيْر الْمَقْسُوم لَهُ بِاسْمِ الْفَقْر وَالْمَسْكَنَة , وَالْفَقِير الْمُعْطَى ذَلِكَ بِاسْمِ الْفَقِير الْمُطْلَق هُوَ الَّذِي لَا مَسْكَنَة فِيهِ , وَالْمُعْطَى بِاسْمِ الْمَسْكَنَة وَالْفَقْر هُوَ الْجَامِع إِلَى فَقْره الْمَسْكَنَة , وَهِيَ الذُّلّ بِالطَّلَبِ وَالْمَسْأَلَة. فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ : إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ الْمُتَعَفِّف مِنْهُمْ الَّذِي لَا يَسْأَل , وَالْمُتَذَلِّل مِنْهُمْ الَّذِي يَسْأَل , وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ خَبَر . 13088 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر , عَنْ شَرِيك بْن أَبِي نَمِر , عَنْ عَطَاء بْن يَسَار , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَيْسَ الْمِسْكِين بِاَلَّذِي تَرُدّهُ اللُّقْمَة وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَة وَالتَّمْرَتَانِ , إِنَّمَا الْمِسْكِين الْمُتَعَفِّف ; اِقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ { لَا يَسْأَلُونَ النَّاس إِلْحَافًا } . " 2 273 وَمَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّمَا الْمِسْكِين الْمُتَعَفِّف " عَلَى نَحْو مَا قَدْ جَرَى بِهِ اِسْتِعْمَال النَّاس مِنْ تَسْمِيَتهمْ أَهْل الْفَقْر مَسَاكِين , لَا عَلَى تَفْصِيل الْمِسْكِين مِنْ الْفَقِير . وَمِمَّا يُنْبِئ عَنْ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ , اِنْتِزَاعه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ اللَّه : " اِقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ { لَا يَسْأَلُونَ النَّاس إِلْحَافًا } " وَذَلِكَ فِي صِفَة مَنْ اِبْتَدَأَ اللَّه ذِكْره وَوَصَفَهُ بِالْفَقْرِ , فَقَالَ { لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيل اللَّه لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْض يَحْسَبهُمْ الْجَاهِل أَغْنِيَاء مِنْ التَّعَفُّف تَعْرِفهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاس إِلْحَافًا }
وَقَوْله : { وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } وَهُمْ السُّعَاة فِي قَبْضهَا مِنْ أَهْلهَا , وَوَضْعهَا فِي مُسْتَحِقِّيهَا يُعْطَوْنَ ذَلِكَ بِالسِّعَايَةِ , أَغْنِيَاء كَانُوا أَوْ فُقَرَاء. وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13089 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا مَعْقِل بْن عُبَيْد اللَّه , قَالَ : سَأَلْت الزُّهْرِيّ عَنْ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا , فَقَالَ : السُّعَاة . 13090 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } قَالَ : جِبَاتهَا الَّذِينَ يَجْمَعُونَهَا , وَيَسْعَوْنَ فِيهَا . 13091 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : { وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } : الَّذِي يَعْمَل عَلَيْهَا . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي قَدْر مَا يُعْطَى الْعَامِل مِنْ ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : يُعْطَى مِنْهُ الثُّمُن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13092 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ حَسَن بْن صَالِح , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : لِلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا الثُّمُن مِنْ الصَّدَقَة . 13093 - حُدِّثْت عَنْ مُسْلِم بْن خَالِد , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } قَالَ : يَأْكُل الْعُمَّال مِنْ السَّهْم الثَّامِن . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ يُعْطَى عَلَى قَدْر عِمَالَته . 13094 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب بْن عَطَاء , عَنْ الْأَخْضَر بْن عَجْلَان , قَالَ : ثنا عَطَاء بْن زُهَيْر الْعَامِرِيّ , عَنْ أَبِيهِ , أَنَّهُ لَقِيَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص , فَسَأَلَهُ عَنْ الصَّدَقَة : أَيّ مَال هِيَ ؟ فَقَالَ : مَال الْعُرْجَان وَالْعُورَان وَالْعُمْيَان وَكُلّ مُنْقَطِع بِهِ . فَقَالَ لَهُ : إِنَّ لِلْعَامِلِينَ حَقًّا وَالْمُجَاهِدِينَ. قَالَ : إِنَّ الْمُجَاهِدِينَ قَوْم أُحِلَّ لَهُمْ وَلِلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا عَلَى قَدْر عِمَالَتهمْ . ثُمَّ قَالَ : لَا تَحِلّ الصَّدَقَة لِغَنِيٍّ , وَلَا لِذِي مِرَّة سَوِيّ. 13095 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : يَكُون لِلْعَامِلِ عَلَيْهَا إِنْ عَمِلَ بِالْحَقِّ . وَلَمْ يَكُنْ عُمَر رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى وَلَا أُولَئِكَ يُعْطُونَ الْعَامِل الثُّمُن , إِنَّمَا يَفْرِضُونَ لَهُ بِقَدْرِ عِمَالَته . 13096 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ أَشْعَث , عَنْ الْحَسَن : { وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } قَالَ : كَانَ يُعْطَى الْعَامِلُونَ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : يُعْطَى الْعَامِل عَلَيْهَا عَلَى قَدْر عِمَالَته أَجْر مِثْله . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يَقْسِم صَدَقَة الْأَمْوَال بَيْن الْأَصْنَاف الثَّمَانِيَة عَلَى ثَمَانِيَة أَسْهُم ; وَإِنَّمَا عَرَفَ خَلْقه أَنَّ الصَّدَقَات لَنْ تُجَاوِز هَؤُلَاءِ الْأَصْنَاف الثَّمَانِيَة إِلَى غَيْرهمْ . وَإِذْ كَانَ كَذَلِكَ بِمَا سَنُوَضِّحُ بَعْد وَبِمَا قَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي مَوْضِع آخَر , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ مَنْ أُعْطِيَ مِنْهَا حَقًّا , فَإِنَّمَا يُعْطَى عَلَى قَدْر اِجْتِهَاد الْمُعْطِي فِيهِ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ الْعَامِل عَلَيْهَا إِنَّمَا يُعْطَى عَلَى عَمَله لَا عَلَى الْحَاجَة الَّتِي تَزُول بِالْعَطِيَّةِ , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الَّذِي أَعْطَاهُ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ عِوَض مِنْ سَعْيه وَعَمَله , وَأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ قَدْر يَسْتَحِقّهُ عِوَضًا مِنْ عَمَله الَّذِي لَا يَزُول بِالْعَطِيَّةِ وَإِنَّمَا يَزُول بِالْعَزْلِ .
وَأَمَّا الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ , فَإِنَّهُمْ قَوْم كَانُوا يُتَأَلَّفُونَ عَلَى الْإِسْلَام مِمَّنْ لَمْ تَصِحّ نُصْرَته اِسْتِصْلَاحًا بِهِ نَفْسه وَعَشِيرَته , كَأَبِي سُفْيَان بْن حَرْب وَعُيَيْنَة بْن بَدْر وَالْأَقْرَع بْن حَابِس , وَنُظَرَائِهِمْ مِنْ رُؤَسَاء الْقَبَائِل. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13097 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عُمَر , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَالْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ } وَهُمْ قَوْم كَانُوا يَأْتُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَدْ أَسْلَمُوا , وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْضَخ لَهُمْ مِنْ الصَّدَقَات , فَإِذَا أَعْطَاهُمْ مِنْ الصَّدَقَات فَأَصَابُوا مِنْهَا خَيْرًا قَالُوا : هَذَا دِين صَالِح ! وَإِنْ كَانَ غَيْر ذَلِكَ , عَابُوهُ وَتَرَكُوهُ. 13098 - حَدَّثَنَا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير : أَنَّ الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ مِنْ بَنِي أُمَيَّة : أَبُو سُفْيَان بْن حَرْب , وَمِنْ بَنِي مَخْزُوم : الْحَارِث بْن هِشَام , وَعَبْد الرَّحْمَن بْن يَرْبُوع , وَمِنْ بَنِي جُمَح : صَفْوَان بْن أُمَيَّة , وَمِنْ بَنِي عَامِر بْن لُؤَيّ : سُهَيْل بْن عَمْرو , وَحُوَيْطِب بْن عَبْد الْعُزَّى , وَمِنْ بَنِي أَسَد بْن عَبْد الْعُزَّى : حَكِيم بْن حِزَام , وَمِنْ بَنِي هَاشِم : سُفْيَان بْن الْحَارِث بْن عَبْد الْمُطَّلِب , وَمِنْ بَنِي فَزَارَة : عُيَيْنَة بْن حِصْن بْن بَدْر , وَمِنْ بَنِي تَمِيم : الْأَقْرَع بْن حَابِس , وَمِنْ بَنِي نَصْر : مَالِك بْن عَوْف , وَمِنْ بَنِي سُلَيْم : الْعَبَّاس بْن مِرْدَاس , وَمِنْ ثَقِيف : الْعَلَاء بْن حَارِثَة . أَعْطَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلّ رَجُل مِنْهُمْ مِائَة نَاقَة , إِلَّا عَبْد الرَّحْمَن بْن يَرْبُوع وَحُوَيْطِب بْن عَبْد الْعُزَّى , فَإِنَّهُ أَعْطَى كُلّ رَجُل مِنْهُمْ خَمْسِينَ. 13099 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَالَ : قَالَ صَفْوَان بْن أُمَيَّة : لَقَدْ أَعْطَانِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّهُ لَأَبْغَض النَّاس إِلَيَّ , فَمَا بَرِحَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لَأَحَبّ النَّاس إِلَيَّ . 13100 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : نَاس كَانَ يَتَأَلَّفهُمْ بِالْعَطِيَّةِ , عُيَيْنَة بْن بَدْر وَمَنْ كَانَ مَعَهُ . 13101 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد بْن عَبْد الْوَارِث , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن : { وَالْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ } : الَّذِينَ يُؤَلَّفُونَ عَلَى الْإِسْلَام. 13102 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : وَأَمَّا الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ , فَأُنَاس مِنْ الْأَعْرَاب وَمِنْ غَيْرهمْ , كَانَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَأَلَّفهُمْ بِالْعَطِيَّةِ كَيْمَا يُؤْمِنُوا. 13103 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا مَعْقِل بْن عُبَيْد اللَّه , قَالَ : سَأَلْت الزُّهْرِيّ عَنْ قَوْله : { وَالْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ } فَقَالَ : مَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودِيّ أَوْ نَصْرَانِيّ . قُلْت : وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا ؟ قَالَ : وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا . 13104 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا مَعْقِل بْن عُبَيْد اللَّه الْحَرَّانِيّ , عَنْ الزُّهْرِيّ : { وَالْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ } قَالَ : مَنْ هُوَ يَهُودِيّ أَوْ نَصْرَانِيّ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي وُجُود الْمُؤَلَّفَة الْيَوْم وَعَدَمهَا , وَهَلْ يُعْطَى الْيَوْم أَحَد عَلَى التَّأَلُّف عَلَى الْإِسْلَام مِنْ الصَّدَقَة ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : قَدْ بَطَلَتْ الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ الْيَوْم , وَلَا سَهْم لِأَحَدٍ فِي الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة إِلَّا لِذِي حَاجَة إِلَيْهَا وَفِي سَبِيل اللَّه أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13105 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ أَشْعَث , عَنْ الْحَسَن : { وَالْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ } قَالَ : أَمَّا الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ فَلَيْسَ الْيَوْم . 13106 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر , قَالَ : لَمْ يَبْقَ فِي النَّاس الْيَوْم مِنْ الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ , إِنَّمَا كَانُوا عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 13107 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن يَحْيَى , عَنْ حِبَّان بْن أَبِي جَبَلَة , قَالَ : قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ , وَأَتَاهُ عُيَيْنَة بْن حِصْن : { الْحَقّ مِنْ رَبّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } 18 29 أَيْ لَيْسَ الْيَوْم مُؤَلَّفَة . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا مُبَارَك , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : لَيْسَ الْيَوْم مُؤَلَّفَة . 13108 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر , قَالَ : إِنَّمَا كَانَتْ الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ عَلَى عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا وَلِيَ أَبُو بَكْر رَحْمَة اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ اِنْقَطَعَتْ الرَّشَا. وَقَالَ آخَرُونَ : الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ فِي كُلّ زَمَان , وَحَقّهمْ فِي الصَّدَقَات . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13109 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي جَعْفَر , قَالَ : فِي النَّاس الْيَوْم الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي جَعْفَر , مِثْله . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي : أَنَّ اللَّه جَعَلَ الصَّدَقَة فِي مَعْنَيَيْنِ : أَحَدهمَا سَدّ خُلَّة الْمُسْلِمِينَ. وَالْآخَر مَعُونَة الْإِسْلَام وَتَقْوِيَته ; فَمَا كَانَ فِي مَعُونَة الْإِسْلَام وَتَقْوِيَة أَسْبَابه فَإِنَّهُ يُعْطَاهُ الْغَنِيّ وَالْفَقِير , لِأَنَّهُ لَا يُعْطَاهُ مَنْ يُعْطَاهُ بِالْحَاجَةِ مِنْهُ إِلَيْهِ وَإِنَّمَا يُعْطَاهُ مَعُونَة لِلدِّينِ , وَذَلِكَ كَمَا يُعْطَى الَّذِي يُعْطَاهُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيل اللَّه , فَإِنَّهُ يُعْطَى ذَلِكَ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا لِلْغَزْوِ لَا لِسَدِّ خَلَّته. وَكَذَلِكَ الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ يُعْطَوْنَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاء , اِسْتِصْلَاحًا بِإِعْطَائِهِمُوهُ أَمْر الْإِسْلَام وَطَلَب تَقْوِيَته وَتَأْيِيده. وَقَدْ أَعْطَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَعْطَى مِنْ الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ , بَعْد أَنْ فَتَحَ اللَّه عَلَيْهِ الْفُتُوح وَفَشَا الْإِسْلَام وَعَزَّ أَهْله , فَلَا حُجَّة لِمُحْتَجٍّ بِأَنْ يَقُول : لَا يُتَأَلَّف الْيَوْم عَلَى الْإِسْلَام أَحَد لِامْتِنَاعِ أَهْله بِكَثْرَةِ الْعَدَد مِمَّنْ أَرَادَهُمْ وَقَدْ أَعْطَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَعْطَى مِنْهُمْ فِي الْحَال الَّتِي وَصَفْت .
وَأَمَّا قَوْله : { وَفِي الرِّقَاب } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ , فَقَالَ بَعْضهمْ , وَهُمْ الْجُمْهُور الْأَعْظَم : هُمْ الْمُكَاتِبُونَ , يُعْطَوْنَ مِنْهَا فِي فَكّ رِقَابهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13110 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ الْحَسَن بْن دِينَار , عَنْ الْحُسَيْن : أَنَّ مُكَاتِبًا قَامَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى وَهُوَ يَخْطُب النَّاس يَوْم الْجُمْعَة , فَقَالَ لَهُ : أَيّهَا الْأَمِير حُثَّ النَّاس عَلَيَّ ! فَحَثَّ عَلَيْهِ أَبُو مُوسَى , فَأَلْقَى النَّاس عَلَيْهِ عِمَامَة وَمَلَاءَة وَخَاتَمًا , حَتَّى أَلْقَوْا سَوَادًا كَثِيرًا . فَلَمَّا رَأَى أَبُو مُوسَى مَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ , قَالَ : اِجْمَعُوهُ ! فَجَمَعَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَبِيعَ , فَأَعْطَى الْمُكَاتَب مُكَاتَبَته , ثُمَّ أَعْطَى الْفَضْل فِي الرِّقَاب وَلَمْ يَرُدّهُ عَلَى النَّاس , وَقَالَ : إِنَّمَا أُعْطِيَ النَّاس فِي الرِّقَاب . 13111 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا مَعْقِل بْن عُبَيْد اللَّه , قَالَ : سَأَلْت الزُّهْرِيّ عَنْ قَوْله : { وَفِي الرِّقَاب } قَالَ : الْمُكَاتَبُونَ . 13112 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَفِي الرِّقَاب } قَالَ : الْمُكَاتَب . 13113 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا سَهْل بْن يُوسُف , عَنْ عَمْرو , عَنْ الْحَسَن : { وَفِي الرِّقَاب } قَالَ : هُمْ الْمُكَاتَبُونَ . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : لَا بَأْس أَنْ تُعْتَق الرَّقَبَة مِنْ الزَّكَاة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِالرِّقَابِ فِي هَذَا الْمَوْضِع الْمُكَاتَبُونَ , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة عَلَى ذَلِكَ ; فَإِنَّ اللَّه جَعَلَ الزَّكَاة حَقًّا وَاجِبًا عَلَى مَنْ أَوْجَبَهَا عَلَيْهِ فِي مَاله يُخْرِجهَا مِنْهُ , لَا يَرْجِع إِلَيْهِ مِنْهَا نَفْع مِنْ عَرَض الدُّنْيَا وَلَا عِوَض , وَالْمُعْتَق رَقَبَة مِنْهَا رَاجِع إِلَيْهِ وَلَاء مَنْ أَعْتَقَهُ , وَذَلِكَ نَفْع يَعُود إِلَيْهِ مِنْهَا .
وَأَمَّا الْغَارِمُونَ : فَاَلَّذِينَ اِسْتَدَانُوا فِي غَيْر مَعْصِيَة اللَّه , ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا قَضَاء فِي عَيْن وَلَا عَرَض . وَبِاَلَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13114 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عُثْمَان بْن الْأَسْوَد , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْغَارِمُونَ : مَنْ اِحْتَرَقَ بَيْته , أَوْ يُصِيبهُ السَّيْل فَيَذْهَب مَتَاعه , وَيُدَان عَلَى عِيَاله ; فَهَذَا مِنْ الْغَارِمِينَ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ عُثْمَان بْن الْأَسْوَد , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَالْغَارِمِينَ } قَالَ : مَنْ اِحْتَرَقَ بَيْته , وَذَهَبَ السَّيْل بِمَالِهِ , وَادَّانَ عَلَى عِيَاله. 13115 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي جَعْفَر , قَالَ : الْغَارِمِينَ : الْمُسْتَدِين فِي غَيْر سَرَف , يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْضِي عَنْهُمْ مِنْ بَيْت الْمَال . 13116 - قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا مَعْقِل بْن عُبَيْد اللَّه , قَالَ : سَأَلْنَا الزُّهْرِيّ , عَنْ الْغَارِمِينَ , قَالَ : أَصْحَاب الدَّيْن . 13117 - قَالَ : ثنا مَعْقِل , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : ثني خَادِم لِعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز خَدَمَهُ عِشْرِينَ سَنَة , قَالَ : كَتَبَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز أَنْ يُعْطَى الْغَارِمُونَ . قَالَ أَحْمَد : أَكْثَر ظَنِّيّ مِنْ الصَّدَقَات . * - قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي جَعْفَر , قَالَ : الْغَارِمُونَ : الْمُسْتَدِين فِي غَيْر سَرَف . 13118 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : أَمَّا الْغَارِمُونَ : فَقَوْم غَرَّقَتْهُمْ الدُّيُون , فِي غَيْر إِمْلَاق وَلَا تَبْذِير وَلَا فَسَاد. 13119 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : الْغَارِم : الَّذِي يَدْخُل عَلَيْهِ الْغُرْم . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ عُثْمَان بْن الْأَسْوَد , عَنْ مُجَاهِد : { وَالْغَارِمِينَ } قَالَ : هُوَ الَّذِي يَذْهَب السَّيْل وَالْحَرِيق بِمَالِهِ , وَيُدَان عَلَى عِيَاله. * - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي جَعْفَر , قَالَ : الْمُسْتَدِين فِي غَيْر فَسَاد . * - قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي جَعْفَر , قَالَ : الْغَارِمُونَ : الَّذِينَ يَسْتَدِينُونَ فِي غَيْر فَسَاد , يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْضِي عَنْهُمْ . 13120 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عُثْمَان بْن الْأَسْوَد , عَنْ مُجَاهِد : هُمْ قَوْم رَكِبَتْهُمْ الدُّيُون فِي غَيْر فَسَاد وَلَا تَبْذِير , فَجَعَلَ اللَّه لَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَة سَهْمًا .
وَأَمَّا قَوْله : { وَفِي سَبِيل اللَّه } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَفِي النَّفَقَة فِي نُصْرَة دِين اللَّه وَطَرِيقه وَشَرِيعَته الَّتِي شَرَعَهَا لِعِبَادِهِ بِقِتَالِ أَعْدَائِهِ , وَذَلِكَ هُوَ غَزْو الْكُفَّار . وَبِاَلَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13121 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَفِي سَبِيل اللَّه } قَالَ : الْغَازِي فِي سَبِيل اللَّه . 13122 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ , عَنْ عَطَاء بْن يَسَار , قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَحِلّ الصَّدَقَة لِغَنِيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ : رَجُل عَمِلَ عَلَيْهَا , أَوْ رَجُل اِشْتَرَاهَا بِمَالِهِ , أَوْ فِي سَبِيل اللَّه , أَوْ اِبْن السَّبِيل , أَوْ رَجُل كَانَ لَهُ جَار تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَأَهْدَاهَا لَهُ " . 13123 - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ عَطِيَّة , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا تَحِلّ الصَّدَقَة لِغَنِيٍّ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ : فِي سَبِيل اللَّه , أَوْ اِبْن السَّبِيل , أَوْ رَجُل كَانَ لَهُ جَار فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَأَهْدَاهَا لَهُ " .
وَأَمَّا قَوْله : { وَابْن السَّبِيل } فَالْمُسَافِر الَّذِي يَجْتَاز مِنْ بَلَد إِلَى بَلَد , وَالسَّبِيل : الطَّرِيق , وَقِيلَ لِلضَّارِبِ فِيهِ اِبْن السَّبِيل لِلُزُومِهِ إِيَّاهُ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : أَنَا اِبْن الْحَرْب رَبَّتْنِي وَلِيدًا إِلَى أَنْ شِبْت وَاكْتَهَلَتْ لِدَاتِي وَكَذَلِكَ تَفْعَل الْعَرَب , تُسَمِّي اللَّازِم لِلشَّيْءِ يُعْرَف بِابْنِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13124 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي جَعْفَر , قَالَ : اِبْن السَّبِيل : الْمُجْتَاز مِنْ أَرْض إِلَى أَرْض . 13125 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا مَنْدَل , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : { وَابْن السَّبِيل } قَالَ : لِابْنِ السَّبِيل حَقّ مِنْ الزَّكَاة وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا إِذَا كَانَ مُنْقَطِعًا بِهِ . 13126 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا مَعْقِل بْن عُبَيْد اللَّه , قَالَ : سَأَلْت الزُّهْرِيّ , عَنْ اِبْن السَّبِيل قَالَ : يَأْتِي عَلَيَّ اِبْن السَّبِيل , وَهُوَ مُحْتَاج , قُلْت : فَإِنْ كَانَ غَنِيًّا ؟ قَالَ : وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا . 13127 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَابْن السَّبِيل } الضَّيْف جُعِلَ لَهُ فِيهَا حَقّ . 13128 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن السَّبِيل : الْمُسَافِر مَنْ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا إِذَا أُصِيبَتْ نَفَقَته , أَوْ فُقِدَتْ , أَوْ أَصَابَهَا شَيْء , أَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْء , فَحَقّه وَاجِب . 13129 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , أَنَّهُ قَالَ فِي الْغَنِيّ إِذَا سَافَرَ فَاحْتَاجَ فِي سَفَره , قَالَ : يَأْخُذ مِنْ الزَّكَاة . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي جَعْفَر , قَالَ : اِبْن السَّبِيل : الْمُجْتَاز مِنْ الْأَرْض إِلَى الْأَرْض .
وَقَوْله : { فَرِيضَة مِنْ اللَّه } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قَسَم قَسَمَهُ اللَّه لَهُمْ , فَأَوْجَبَهُ فِي أَمْوَال أَهْل الْأَمْوَال لَهُمْ , وَاَللَّه عَلِيم بِمَصَالِح خَلْقه فِيمَا فَرَضَ لَهُمْ وَفِي غَيْر ذَلِكَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء . فَعَلَى عِلْم مِنْهُ فَرَضَ مَا فَرَضَ مِنْ الصَّدَقَة وَبِمَا فِيهَا مِنْ الْمَصْلَحَة , حَكِيم فِي تَدْبِيره خَلْقه , لَا يَدْخُل فِي تَدْبِيره خَلَل . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي كَيْفِيَّة قَسْم الصَّدَقَات الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة , وَهَلْ يَجِب لِكُلِّ صِنْف مِنْ الْأَصْنَاف الثَّمَانِيَة فِيهَا حَقّ أَوْ ذَلِكَ إِلَى رَبّ الْمَال , وَمَنْ يَتَوَلَّى قَسْمهَا فِي أَنَّ لَهُ أَنْ يُعْطِي جَمِيع ذَلِكَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْأَصْنَاف الثَّمَانِيَة ؟ فَقَالَ عَامَّة أَهْل الْعِلْم : لِلْمُتَوَلِّي قَسْمهَا وَوَضْعهَا فِي أَيّ الْأَصْنَاف الثَّمَانِيَة شَاءَ , وَإِنَّمَا سَمَّى اللَّه الْأَصْنَاف الثَّمَانِيَة فِي الْآيَة إِعْلَامًا مِنْهُ خَلْقه أَنَّ الصَّدَقَة لَا تَخْرُج مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَاف الثَّمَانِيَة إِلَى غَيْرهَا , لَا إِيجَابًا لِقَسْمِهَا بَيْن الْأَصْنَاف الثَّمَانِيَة الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّه تَعَالَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13130 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ الْحَجَّاج بْن أَرْطَأَة , عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو , عَنْ زِرّ بْن حُبَيْش , عَنْ حُذَيْفَة , فِي قَوْله : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } قَالَ : إِنْ شِئْت جَعَلْته فِي صِنْف وَاحِد , أَوْ صِنْفَيْنِ , أَوْ لِثَلَاثَةٍ . 13131 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ الْمِنْهَال , عَنْ زِرّ , عَنْ حُذَيْفَة , قَالَ : إِذَا وَضَعْتهَا فِي صِنْف وَاحِد أَجْزَأَ عَنْك . 13132 - قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ عَطَاء , عَنْ عُمَر : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ } قَالَ : أَيّمَا صِنْف أَعْطَيْته مِنْ هَذَا أَجْزَأَك . 13133 - قَالَ : ثنا اِبْن نُمَيْر , عَنْ عَبْد الْمُطَّلِب , عَنْ عَطَاء : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ } الْآيَة , قَالَ : لَوْ وَضَعْتهَا فِي صِنْف وَاحِد مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَاف أَجْزَأَك , وَلَوْ نَظَرْت إِلَى أَهْل بَيْت مِنْ الْمُسْلِمِينَ فُقَرَاء مُتَعَفِّفِينَ فَجَبَرْتهمْ بِهَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ . 13134 - قَالَ : أَخْبَرَنَا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل } فَأَيّ صِنْف أَعْطَيْته مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَاف أَجْزَأَك. 13135 - قَالَ : ثنا عِمْرَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . 13136 - قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } قَالَ : إِنَّمَا هَذَا شَيْء أَعْلَمَهُ , فَأَيّ صِنْف مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَاف أَعْطَيْته أَجْزَأَ عَنْك . * - قَالَ : ثنا أَبِي عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ إِبْرَاهِيم : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ } قَالَ : فِي أَيّ هَذِهِ الْأَصْنَاف وَضَعْتهَا أَجْزَأَك . * - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : إِذَا وَضَعْتهَا فِي صِنْف وَاحِد مَا سَمَّى اللَّه أَجْزَأَك . 13137 - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : إِذَا وَضَعْتهَا فِي صِنْف وَاحِد مَا سَمَّى اللَّه أَجْزَأَك . 13138 - قَالَ : ثنا خَالِد بْن حَيَّان أَبُو يَزِيد , عَنْ جَعْفَر بْن بُرْقَان , عَنْ مَيْمُون بْن مِهْرَان : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ } قَالَ : إِذَا جَعَلْتهَا فِي صِنْف وَاحِد مِنْ هَؤُلَاءِ أَجْزَأَ عَنْك . 13139 - قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بِشْر , عَنْ مَسْعُود , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين } الْآيَة , قَالَ : أَعْلَم أَهْلهَا مَنْ هُمْ . 13140 - قَالَ : ثنا حَفْص , عَنْ لَيْث , عَنْ عَطَاء , عَنْ عُمَر : أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذ الْفَرْض فِي الصَّدَقَة , وَيَجْعَلهَا فِي صِنْف وَاحِد . وَكَانَ بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ يَقُول : إِذَا تَوَلَّى رَبّ الْمَال قَسْمهَا كَانَ عَلَيْهِ وَضَعَهَا فِي سِتَّة أَصْنَاف ; وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ عِنْده قَدْ ذَهَبُوا , وَأَنَّ سَهْم الْعَامِلِينَ يَبْطُل بِقَسْمِهِ إِيَّاهَا , وَيَزْعُم أَنَّهُ لَا يَجْزِيه أَنْ يُعْطِي مِنْ كُلّ صِنْف أَقَلّ مِنْ ثَلَاثَة أَنْفُس . وَكَانَ يَقُول : إِنْ تَوَلَّى قَسْمهَا الْإِمَام كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْسِمهَا عَلَى سَبْعَة أَصْنَاف , لَا يَجْزِي عِنْده غَيْر ذَلِكَ .
وَقَوْله : { وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } وَهُمْ السُّعَاة فِي قَبْضهَا مِنْ أَهْلهَا , وَوَضْعهَا فِي مُسْتَحِقِّيهَا يُعْطَوْنَ ذَلِكَ بِالسِّعَايَةِ , أَغْنِيَاء كَانُوا أَوْ فُقَرَاء. وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13089 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا مَعْقِل بْن عُبَيْد اللَّه , قَالَ : سَأَلْت الزُّهْرِيّ عَنْ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا , فَقَالَ : السُّعَاة . 13090 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } قَالَ : جِبَاتهَا الَّذِينَ يَجْمَعُونَهَا , وَيَسْعَوْنَ فِيهَا . 13091 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : { وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } : الَّذِي يَعْمَل عَلَيْهَا . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي قَدْر مَا يُعْطَى الْعَامِل مِنْ ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : يُعْطَى مِنْهُ الثُّمُن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13092 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ حَسَن بْن صَالِح , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : لِلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا الثُّمُن مِنْ الصَّدَقَة . 13093 - حُدِّثْت عَنْ مُسْلِم بْن خَالِد , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } قَالَ : يَأْكُل الْعُمَّال مِنْ السَّهْم الثَّامِن . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ يُعْطَى عَلَى قَدْر عِمَالَته . 13094 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب بْن عَطَاء , عَنْ الْأَخْضَر بْن عَجْلَان , قَالَ : ثنا عَطَاء بْن زُهَيْر الْعَامِرِيّ , عَنْ أَبِيهِ , أَنَّهُ لَقِيَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص , فَسَأَلَهُ عَنْ الصَّدَقَة : أَيّ مَال هِيَ ؟ فَقَالَ : مَال الْعُرْجَان وَالْعُورَان وَالْعُمْيَان وَكُلّ مُنْقَطِع بِهِ . فَقَالَ لَهُ : إِنَّ لِلْعَامِلِينَ حَقًّا وَالْمُجَاهِدِينَ. قَالَ : إِنَّ الْمُجَاهِدِينَ قَوْم أُحِلَّ لَهُمْ وَلِلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا عَلَى قَدْر عِمَالَتهمْ . ثُمَّ قَالَ : لَا تَحِلّ الصَّدَقَة لِغَنِيٍّ , وَلَا لِذِي مِرَّة سَوِيّ. 13095 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : يَكُون لِلْعَامِلِ عَلَيْهَا إِنْ عَمِلَ بِالْحَقِّ . وَلَمْ يَكُنْ عُمَر رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى وَلَا أُولَئِكَ يُعْطُونَ الْعَامِل الثُّمُن , إِنَّمَا يَفْرِضُونَ لَهُ بِقَدْرِ عِمَالَته . 13096 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ أَشْعَث , عَنْ الْحَسَن : { وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } قَالَ : كَانَ يُعْطَى الْعَامِلُونَ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : يُعْطَى الْعَامِل عَلَيْهَا عَلَى قَدْر عِمَالَته أَجْر مِثْله . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يَقْسِم صَدَقَة الْأَمْوَال بَيْن الْأَصْنَاف الثَّمَانِيَة عَلَى ثَمَانِيَة أَسْهُم ; وَإِنَّمَا عَرَفَ خَلْقه أَنَّ الصَّدَقَات لَنْ تُجَاوِز هَؤُلَاءِ الْأَصْنَاف الثَّمَانِيَة إِلَى غَيْرهمْ . وَإِذْ كَانَ كَذَلِكَ بِمَا سَنُوَضِّحُ بَعْد وَبِمَا قَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي مَوْضِع آخَر , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ مَنْ أُعْطِيَ مِنْهَا حَقًّا , فَإِنَّمَا يُعْطَى عَلَى قَدْر اِجْتِهَاد الْمُعْطِي فِيهِ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ الْعَامِل عَلَيْهَا إِنَّمَا يُعْطَى عَلَى عَمَله لَا عَلَى الْحَاجَة الَّتِي تَزُول بِالْعَطِيَّةِ , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الَّذِي أَعْطَاهُ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ عِوَض مِنْ سَعْيه وَعَمَله , وَأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ قَدْر يَسْتَحِقّهُ عِوَضًا مِنْ عَمَله الَّذِي لَا يَزُول بِالْعَطِيَّةِ وَإِنَّمَا يَزُول بِالْعَزْلِ .
وَأَمَّا الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ , فَإِنَّهُمْ قَوْم كَانُوا يُتَأَلَّفُونَ عَلَى الْإِسْلَام مِمَّنْ لَمْ تَصِحّ نُصْرَته اِسْتِصْلَاحًا بِهِ نَفْسه وَعَشِيرَته , كَأَبِي سُفْيَان بْن حَرْب وَعُيَيْنَة بْن بَدْر وَالْأَقْرَع بْن حَابِس , وَنُظَرَائِهِمْ مِنْ رُؤَسَاء الْقَبَائِل. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13097 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عُمَر , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَالْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ } وَهُمْ قَوْم كَانُوا يَأْتُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَدْ أَسْلَمُوا , وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْضَخ لَهُمْ مِنْ الصَّدَقَات , فَإِذَا أَعْطَاهُمْ مِنْ الصَّدَقَات فَأَصَابُوا مِنْهَا خَيْرًا قَالُوا : هَذَا دِين صَالِح ! وَإِنْ كَانَ غَيْر ذَلِكَ , عَابُوهُ وَتَرَكُوهُ. 13098 - حَدَّثَنَا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير : أَنَّ الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ مِنْ بَنِي أُمَيَّة : أَبُو سُفْيَان بْن حَرْب , وَمِنْ بَنِي مَخْزُوم : الْحَارِث بْن هِشَام , وَعَبْد الرَّحْمَن بْن يَرْبُوع , وَمِنْ بَنِي جُمَح : صَفْوَان بْن أُمَيَّة , وَمِنْ بَنِي عَامِر بْن لُؤَيّ : سُهَيْل بْن عَمْرو , وَحُوَيْطِب بْن عَبْد الْعُزَّى , وَمِنْ بَنِي أَسَد بْن عَبْد الْعُزَّى : حَكِيم بْن حِزَام , وَمِنْ بَنِي هَاشِم : سُفْيَان بْن الْحَارِث بْن عَبْد الْمُطَّلِب , وَمِنْ بَنِي فَزَارَة : عُيَيْنَة بْن حِصْن بْن بَدْر , وَمِنْ بَنِي تَمِيم : الْأَقْرَع بْن حَابِس , وَمِنْ بَنِي نَصْر : مَالِك بْن عَوْف , وَمِنْ بَنِي سُلَيْم : الْعَبَّاس بْن مِرْدَاس , وَمِنْ ثَقِيف : الْعَلَاء بْن حَارِثَة . أَعْطَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلّ رَجُل مِنْهُمْ مِائَة نَاقَة , إِلَّا عَبْد الرَّحْمَن بْن يَرْبُوع وَحُوَيْطِب بْن عَبْد الْعُزَّى , فَإِنَّهُ أَعْطَى كُلّ رَجُل مِنْهُمْ خَمْسِينَ. 13099 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَالَ : قَالَ صَفْوَان بْن أُمَيَّة : لَقَدْ أَعْطَانِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّهُ لَأَبْغَض النَّاس إِلَيَّ , فَمَا بَرِحَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لَأَحَبّ النَّاس إِلَيَّ . 13100 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : نَاس كَانَ يَتَأَلَّفهُمْ بِالْعَطِيَّةِ , عُيَيْنَة بْن بَدْر وَمَنْ كَانَ مَعَهُ . 13101 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد بْن عَبْد الْوَارِث , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن : { وَالْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ } : الَّذِينَ يُؤَلَّفُونَ عَلَى الْإِسْلَام. 13102 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : وَأَمَّا الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ , فَأُنَاس مِنْ الْأَعْرَاب وَمِنْ غَيْرهمْ , كَانَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَأَلَّفهُمْ بِالْعَطِيَّةِ كَيْمَا يُؤْمِنُوا. 13103 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا مَعْقِل بْن عُبَيْد اللَّه , قَالَ : سَأَلْت الزُّهْرِيّ عَنْ قَوْله : { وَالْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ } فَقَالَ : مَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودِيّ أَوْ نَصْرَانِيّ . قُلْت : وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا ؟ قَالَ : وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا . 13104 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا مَعْقِل بْن عُبَيْد اللَّه الْحَرَّانِيّ , عَنْ الزُّهْرِيّ : { وَالْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ } قَالَ : مَنْ هُوَ يَهُودِيّ أَوْ نَصْرَانِيّ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي وُجُود الْمُؤَلَّفَة الْيَوْم وَعَدَمهَا , وَهَلْ يُعْطَى الْيَوْم أَحَد عَلَى التَّأَلُّف عَلَى الْإِسْلَام مِنْ الصَّدَقَة ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : قَدْ بَطَلَتْ الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ الْيَوْم , وَلَا سَهْم لِأَحَدٍ فِي الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة إِلَّا لِذِي حَاجَة إِلَيْهَا وَفِي سَبِيل اللَّه أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13105 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ أَشْعَث , عَنْ الْحَسَن : { وَالْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ } قَالَ : أَمَّا الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ فَلَيْسَ الْيَوْم . 13106 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر , قَالَ : لَمْ يَبْقَ فِي النَّاس الْيَوْم مِنْ الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ , إِنَّمَا كَانُوا عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 13107 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن يَحْيَى , عَنْ حِبَّان بْن أَبِي جَبَلَة , قَالَ : قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ , وَأَتَاهُ عُيَيْنَة بْن حِصْن : { الْحَقّ مِنْ رَبّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } 18 29 أَيْ لَيْسَ الْيَوْم مُؤَلَّفَة . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا مُبَارَك , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : لَيْسَ الْيَوْم مُؤَلَّفَة . 13108 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر , قَالَ : إِنَّمَا كَانَتْ الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ عَلَى عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا وَلِيَ أَبُو بَكْر رَحْمَة اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ اِنْقَطَعَتْ الرَّشَا. وَقَالَ آخَرُونَ : الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ فِي كُلّ زَمَان , وَحَقّهمْ فِي الصَّدَقَات . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13109 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي جَعْفَر , قَالَ : فِي النَّاس الْيَوْم الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي جَعْفَر , مِثْله . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي : أَنَّ اللَّه جَعَلَ الصَّدَقَة فِي مَعْنَيَيْنِ : أَحَدهمَا سَدّ خُلَّة الْمُسْلِمِينَ. وَالْآخَر مَعُونَة الْإِسْلَام وَتَقْوِيَته ; فَمَا كَانَ فِي مَعُونَة الْإِسْلَام وَتَقْوِيَة أَسْبَابه فَإِنَّهُ يُعْطَاهُ الْغَنِيّ وَالْفَقِير , لِأَنَّهُ لَا يُعْطَاهُ مَنْ يُعْطَاهُ بِالْحَاجَةِ مِنْهُ إِلَيْهِ وَإِنَّمَا يُعْطَاهُ مَعُونَة لِلدِّينِ , وَذَلِكَ كَمَا يُعْطَى الَّذِي يُعْطَاهُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيل اللَّه , فَإِنَّهُ يُعْطَى ذَلِكَ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا لِلْغَزْوِ لَا لِسَدِّ خَلَّته. وَكَذَلِكَ الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ يُعْطَوْنَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاء , اِسْتِصْلَاحًا بِإِعْطَائِهِمُوهُ أَمْر الْإِسْلَام وَطَلَب تَقْوِيَته وَتَأْيِيده. وَقَدْ أَعْطَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَعْطَى مِنْ الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ , بَعْد أَنْ فَتَحَ اللَّه عَلَيْهِ الْفُتُوح وَفَشَا الْإِسْلَام وَعَزَّ أَهْله , فَلَا حُجَّة لِمُحْتَجٍّ بِأَنْ يَقُول : لَا يُتَأَلَّف الْيَوْم عَلَى الْإِسْلَام أَحَد لِامْتِنَاعِ أَهْله بِكَثْرَةِ الْعَدَد مِمَّنْ أَرَادَهُمْ وَقَدْ أَعْطَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَعْطَى مِنْهُمْ فِي الْحَال الَّتِي وَصَفْت .
وَأَمَّا قَوْله : { وَفِي الرِّقَاب } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ , فَقَالَ بَعْضهمْ , وَهُمْ الْجُمْهُور الْأَعْظَم : هُمْ الْمُكَاتِبُونَ , يُعْطَوْنَ مِنْهَا فِي فَكّ رِقَابهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13110 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ الْحَسَن بْن دِينَار , عَنْ الْحُسَيْن : أَنَّ مُكَاتِبًا قَامَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى وَهُوَ يَخْطُب النَّاس يَوْم الْجُمْعَة , فَقَالَ لَهُ : أَيّهَا الْأَمِير حُثَّ النَّاس عَلَيَّ ! فَحَثَّ عَلَيْهِ أَبُو مُوسَى , فَأَلْقَى النَّاس عَلَيْهِ عِمَامَة وَمَلَاءَة وَخَاتَمًا , حَتَّى أَلْقَوْا سَوَادًا كَثِيرًا . فَلَمَّا رَأَى أَبُو مُوسَى مَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ , قَالَ : اِجْمَعُوهُ ! فَجَمَعَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَبِيعَ , فَأَعْطَى الْمُكَاتَب مُكَاتَبَته , ثُمَّ أَعْطَى الْفَضْل فِي الرِّقَاب وَلَمْ يَرُدّهُ عَلَى النَّاس , وَقَالَ : إِنَّمَا أُعْطِيَ النَّاس فِي الرِّقَاب . 13111 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا مَعْقِل بْن عُبَيْد اللَّه , قَالَ : سَأَلْت الزُّهْرِيّ عَنْ قَوْله : { وَفِي الرِّقَاب } قَالَ : الْمُكَاتَبُونَ . 13112 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَفِي الرِّقَاب } قَالَ : الْمُكَاتَب . 13113 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا سَهْل بْن يُوسُف , عَنْ عَمْرو , عَنْ الْحَسَن : { وَفِي الرِّقَاب } قَالَ : هُمْ الْمُكَاتَبُونَ . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : لَا بَأْس أَنْ تُعْتَق الرَّقَبَة مِنْ الزَّكَاة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِالرِّقَابِ فِي هَذَا الْمَوْضِع الْمُكَاتَبُونَ , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة عَلَى ذَلِكَ ; فَإِنَّ اللَّه جَعَلَ الزَّكَاة حَقًّا وَاجِبًا عَلَى مَنْ أَوْجَبَهَا عَلَيْهِ فِي مَاله يُخْرِجهَا مِنْهُ , لَا يَرْجِع إِلَيْهِ مِنْهَا نَفْع مِنْ عَرَض الدُّنْيَا وَلَا عِوَض , وَالْمُعْتَق رَقَبَة مِنْهَا رَاجِع إِلَيْهِ وَلَاء مَنْ أَعْتَقَهُ , وَذَلِكَ نَفْع يَعُود إِلَيْهِ مِنْهَا .
وَأَمَّا الْغَارِمُونَ : فَاَلَّذِينَ اِسْتَدَانُوا فِي غَيْر مَعْصِيَة اللَّه , ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا قَضَاء فِي عَيْن وَلَا عَرَض . وَبِاَلَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13114 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عُثْمَان بْن الْأَسْوَد , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْغَارِمُونَ : مَنْ اِحْتَرَقَ بَيْته , أَوْ يُصِيبهُ السَّيْل فَيَذْهَب مَتَاعه , وَيُدَان عَلَى عِيَاله ; فَهَذَا مِنْ الْغَارِمِينَ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ عُثْمَان بْن الْأَسْوَد , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَالْغَارِمِينَ } قَالَ : مَنْ اِحْتَرَقَ بَيْته , وَذَهَبَ السَّيْل بِمَالِهِ , وَادَّانَ عَلَى عِيَاله. 13115 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي جَعْفَر , قَالَ : الْغَارِمِينَ : الْمُسْتَدِين فِي غَيْر سَرَف , يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْضِي عَنْهُمْ مِنْ بَيْت الْمَال . 13116 - قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا مَعْقِل بْن عُبَيْد اللَّه , قَالَ : سَأَلْنَا الزُّهْرِيّ , عَنْ الْغَارِمِينَ , قَالَ : أَصْحَاب الدَّيْن . 13117 - قَالَ : ثنا مَعْقِل , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : ثني خَادِم لِعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز خَدَمَهُ عِشْرِينَ سَنَة , قَالَ : كَتَبَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز أَنْ يُعْطَى الْغَارِمُونَ . قَالَ أَحْمَد : أَكْثَر ظَنِّيّ مِنْ الصَّدَقَات . * - قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي جَعْفَر , قَالَ : الْغَارِمُونَ : الْمُسْتَدِين فِي غَيْر سَرَف . 13118 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : أَمَّا الْغَارِمُونَ : فَقَوْم غَرَّقَتْهُمْ الدُّيُون , فِي غَيْر إِمْلَاق وَلَا تَبْذِير وَلَا فَسَاد. 13119 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : الْغَارِم : الَّذِي يَدْخُل عَلَيْهِ الْغُرْم . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ عُثْمَان بْن الْأَسْوَد , عَنْ مُجَاهِد : { وَالْغَارِمِينَ } قَالَ : هُوَ الَّذِي يَذْهَب السَّيْل وَالْحَرِيق بِمَالِهِ , وَيُدَان عَلَى عِيَاله. * - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي جَعْفَر , قَالَ : الْمُسْتَدِين فِي غَيْر فَسَاد . * - قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي جَعْفَر , قَالَ : الْغَارِمُونَ : الَّذِينَ يَسْتَدِينُونَ فِي غَيْر فَسَاد , يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْضِي عَنْهُمْ . 13120 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عُثْمَان بْن الْأَسْوَد , عَنْ مُجَاهِد : هُمْ قَوْم رَكِبَتْهُمْ الدُّيُون فِي غَيْر فَسَاد وَلَا تَبْذِير , فَجَعَلَ اللَّه لَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَة سَهْمًا .
وَأَمَّا قَوْله : { وَفِي سَبِيل اللَّه } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَفِي النَّفَقَة فِي نُصْرَة دِين اللَّه وَطَرِيقه وَشَرِيعَته الَّتِي شَرَعَهَا لِعِبَادِهِ بِقِتَالِ أَعْدَائِهِ , وَذَلِكَ هُوَ غَزْو الْكُفَّار . وَبِاَلَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13121 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَفِي سَبِيل اللَّه } قَالَ : الْغَازِي فِي سَبِيل اللَّه . 13122 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ , عَنْ عَطَاء بْن يَسَار , قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَحِلّ الصَّدَقَة لِغَنِيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ : رَجُل عَمِلَ عَلَيْهَا , أَوْ رَجُل اِشْتَرَاهَا بِمَالِهِ , أَوْ فِي سَبِيل اللَّه , أَوْ اِبْن السَّبِيل , أَوْ رَجُل كَانَ لَهُ جَار تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَأَهْدَاهَا لَهُ " . 13123 - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ عَطِيَّة , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا تَحِلّ الصَّدَقَة لِغَنِيٍّ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ : فِي سَبِيل اللَّه , أَوْ اِبْن السَّبِيل , أَوْ رَجُل كَانَ لَهُ جَار فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَأَهْدَاهَا لَهُ " .
وَأَمَّا قَوْله : { وَابْن السَّبِيل } فَالْمُسَافِر الَّذِي يَجْتَاز مِنْ بَلَد إِلَى بَلَد , وَالسَّبِيل : الطَّرِيق , وَقِيلَ لِلضَّارِبِ فِيهِ اِبْن السَّبِيل لِلُزُومِهِ إِيَّاهُ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : أَنَا اِبْن الْحَرْب رَبَّتْنِي وَلِيدًا إِلَى أَنْ شِبْت وَاكْتَهَلَتْ لِدَاتِي وَكَذَلِكَ تَفْعَل الْعَرَب , تُسَمِّي اللَّازِم لِلشَّيْءِ يُعْرَف بِابْنِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13124 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي جَعْفَر , قَالَ : اِبْن السَّبِيل : الْمُجْتَاز مِنْ أَرْض إِلَى أَرْض . 13125 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا مَنْدَل , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : { وَابْن السَّبِيل } قَالَ : لِابْنِ السَّبِيل حَقّ مِنْ الزَّكَاة وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا إِذَا كَانَ مُنْقَطِعًا بِهِ . 13126 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا مَعْقِل بْن عُبَيْد اللَّه , قَالَ : سَأَلْت الزُّهْرِيّ , عَنْ اِبْن السَّبِيل قَالَ : يَأْتِي عَلَيَّ اِبْن السَّبِيل , وَهُوَ مُحْتَاج , قُلْت : فَإِنْ كَانَ غَنِيًّا ؟ قَالَ : وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا . 13127 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَابْن السَّبِيل } الضَّيْف جُعِلَ لَهُ فِيهَا حَقّ . 13128 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن السَّبِيل : الْمُسَافِر مَنْ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا إِذَا أُصِيبَتْ نَفَقَته , أَوْ فُقِدَتْ , أَوْ أَصَابَهَا شَيْء , أَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْء , فَحَقّه وَاجِب . 13129 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , أَنَّهُ قَالَ فِي الْغَنِيّ إِذَا سَافَرَ فَاحْتَاجَ فِي سَفَره , قَالَ : يَأْخُذ مِنْ الزَّكَاة . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي جَعْفَر , قَالَ : اِبْن السَّبِيل : الْمُجْتَاز مِنْ الْأَرْض إِلَى الْأَرْض .
وَقَوْله : { فَرِيضَة مِنْ اللَّه } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قَسَم قَسَمَهُ اللَّه لَهُمْ , فَأَوْجَبَهُ فِي أَمْوَال أَهْل الْأَمْوَال لَهُمْ , وَاَللَّه عَلِيم بِمَصَالِح خَلْقه فِيمَا فَرَضَ لَهُمْ وَفِي غَيْر ذَلِكَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء . فَعَلَى عِلْم مِنْهُ فَرَضَ مَا فَرَضَ مِنْ الصَّدَقَة وَبِمَا فِيهَا مِنْ الْمَصْلَحَة , حَكِيم فِي تَدْبِيره خَلْقه , لَا يَدْخُل فِي تَدْبِيره خَلَل . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي كَيْفِيَّة قَسْم الصَّدَقَات الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة , وَهَلْ يَجِب لِكُلِّ صِنْف مِنْ الْأَصْنَاف الثَّمَانِيَة فِيهَا حَقّ أَوْ ذَلِكَ إِلَى رَبّ الْمَال , وَمَنْ يَتَوَلَّى قَسْمهَا فِي أَنَّ لَهُ أَنْ يُعْطِي جَمِيع ذَلِكَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْأَصْنَاف الثَّمَانِيَة ؟ فَقَالَ عَامَّة أَهْل الْعِلْم : لِلْمُتَوَلِّي قَسْمهَا وَوَضْعهَا فِي أَيّ الْأَصْنَاف الثَّمَانِيَة شَاءَ , وَإِنَّمَا سَمَّى اللَّه الْأَصْنَاف الثَّمَانِيَة فِي الْآيَة إِعْلَامًا مِنْهُ خَلْقه أَنَّ الصَّدَقَة لَا تَخْرُج مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَاف الثَّمَانِيَة إِلَى غَيْرهَا , لَا إِيجَابًا لِقَسْمِهَا بَيْن الْأَصْنَاف الثَّمَانِيَة الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّه تَعَالَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13130 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ الْحَجَّاج بْن أَرْطَأَة , عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو , عَنْ زِرّ بْن حُبَيْش , عَنْ حُذَيْفَة , فِي قَوْله : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } قَالَ : إِنْ شِئْت جَعَلْته فِي صِنْف وَاحِد , أَوْ صِنْفَيْنِ , أَوْ لِثَلَاثَةٍ . 13131 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ الْمِنْهَال , عَنْ زِرّ , عَنْ حُذَيْفَة , قَالَ : إِذَا وَضَعْتهَا فِي صِنْف وَاحِد أَجْزَأَ عَنْك . 13132 - قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ عَطَاء , عَنْ عُمَر : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ } قَالَ : أَيّمَا صِنْف أَعْطَيْته مِنْ هَذَا أَجْزَأَك . 13133 - قَالَ : ثنا اِبْن نُمَيْر , عَنْ عَبْد الْمُطَّلِب , عَنْ عَطَاء : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ } الْآيَة , قَالَ : لَوْ وَضَعْتهَا فِي صِنْف وَاحِد مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَاف أَجْزَأَك , وَلَوْ نَظَرْت إِلَى أَهْل بَيْت مِنْ الْمُسْلِمِينَ فُقَرَاء مُتَعَفِّفِينَ فَجَبَرْتهمْ بِهَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ . 13134 - قَالَ : أَخْبَرَنَا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل } فَأَيّ صِنْف أَعْطَيْته مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَاف أَجْزَأَك. 13135 - قَالَ : ثنا عِمْرَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . 13136 - قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } قَالَ : إِنَّمَا هَذَا شَيْء أَعْلَمَهُ , فَأَيّ صِنْف مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَاف أَعْطَيْته أَجْزَأَ عَنْك . * - قَالَ : ثنا أَبِي عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ إِبْرَاهِيم : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ } قَالَ : فِي أَيّ هَذِهِ الْأَصْنَاف وَضَعْتهَا أَجْزَأَك . * - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : إِذَا وَضَعْتهَا فِي صِنْف وَاحِد مَا سَمَّى اللَّه أَجْزَأَك . 13137 - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : إِذَا وَضَعْتهَا فِي صِنْف وَاحِد مَا سَمَّى اللَّه أَجْزَأَك . 13138 - قَالَ : ثنا خَالِد بْن حَيَّان أَبُو يَزِيد , عَنْ جَعْفَر بْن بُرْقَان , عَنْ مَيْمُون بْن مِهْرَان : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ } قَالَ : إِذَا جَعَلْتهَا فِي صِنْف وَاحِد مِنْ هَؤُلَاءِ أَجْزَأَ عَنْك . 13139 - قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بِشْر , عَنْ مَسْعُود , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين } الْآيَة , قَالَ : أَعْلَم أَهْلهَا مَنْ هُمْ . 13140 - قَالَ : ثنا حَفْص , عَنْ لَيْث , عَنْ عَطَاء , عَنْ عُمَر : أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذ الْفَرْض فِي الصَّدَقَة , وَيَجْعَلهَا فِي صِنْف وَاحِد . وَكَانَ بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ يَقُول : إِذَا تَوَلَّى رَبّ الْمَال قَسْمهَا كَانَ عَلَيْهِ وَضَعَهَا فِي سِتَّة أَصْنَاف ; وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ عِنْده قَدْ ذَهَبُوا , وَأَنَّ سَهْم الْعَامِلِينَ يَبْطُل بِقَسْمِهِ إِيَّاهَا , وَيَزْعُم أَنَّهُ لَا يَجْزِيه أَنْ يُعْطِي مِنْ كُلّ صِنْف أَقَلّ مِنْ ثَلَاثَة أَنْفُس . وَكَانَ يَقُول : إِنْ تَوَلَّى قَسْمهَا الْإِمَام كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْسِمهَا عَلَى سَبْعَة أَصْنَاف , لَا يَجْزِي عِنْده غَيْر ذَلِكَ .