الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5
لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌسورة التوبة الآية رقم 91
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَج إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُوله مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيل وَاَللَّه غَفُور رَحِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَيْسَ عَلَى أَهْل الزَّمَانَة وَأَهْل الْعَجْز عَنْ السَّفَر وَالْغَزْو , وَلَا عَلَى الْمَرْضَى , وَلَا عَلَى مَنْ لَا يَجِد نَفَقَة يَتَبَلَّغ بِهَا إِلَى مَغْزَاهُ حَرَج , وَهُوَ الْإِثْم ; يَقُول : لَيْسَ عَلَيْهِمْ إِثْم إِذَا نَصَحُوا اللَّه وَلِرَسُولِهِ فِي مَغِيبهمْ عَنْ الْجِهَاد مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيل } يَقُول : لَيْسَ عَلَى مَنْ أَحْسَن فَنَصَحَ اللَّه وَرَسُوله فِي تَخَلُّفه عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ جِهَاد مَعِيَ لِعُذْرٍ يُعْذَر بِهِ طَرِيق يَتَطَرَّق عَلَيْهِ فَيُعَاقَب مِنْ قِبَله . { وَاَللَّه غَفُور رَحِيم } يَقُول : وَاَللَّه سَاتِر عَلَى ذُنُوب الْمُحْسِنِينَ , يَتَغَمَّدهَا بِعَفْوِهِ لَهُمْ عَنْهَا , رَحِيم بِهِمْ أَنْ يُعَاقِبهُمْ عَلَيْهَا . وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي عَائِذ بْن عَمْرو الْمُزَنِيّ . وَقَالَ بَعْضهمْ : فِي عَبْد اللَّه بْن مُغَفَّل . ذِكْر مَنْ قَالَ نَزَلَتْ فِي عَائِذ بْن عَمْرو : 13278 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَج إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُوله } نَزَلَتْ فِي عَائِذ بْن عَمْرو . ذِكْر مَنْ قَالَ نَزَلَتْ فِي اِبْن مُغَفَّل : 13279 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلَا عَلَى الْمَرْضَى } إِلَى قَوْله : { حَزَنًا أَنْ لَا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ } وَذَلِكَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ النَّاس أَنْ يَنْبَعِثُوا غَازِينَ مَعَهُ , فَجَاءَتْهُ عِصَابَة مِنْ أَصْحَابه فِيهِمْ عَبْد اللَّه بْن مُغَفَّل الْمُزَنِيّ , فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه اِحْمِلْنَا ! فَقَالَ لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَاَللَّه مَا أَجِد مَا أَحْمِلكُمْ عَلَيْهِ " فَتَوَلَّوْا وَلَهُمْ بُكَاء , وَعَزَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَجْلِسُوا عَنْ الْجِهَاد وَلَا يَجِدُونَ نَفَقَة وَلَا مَحْمَلًا . فَلَمَّا رَأَى اللَّه حِرْصهمْ عَلَى مَحَبَّته وَمَحَبَّة رَسُوله , أَنْزَلَ عُذْرهمْ فِي كِتَابه , فَقَالَ : { لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَج } إِلَى قَوْله : { فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }
وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَسورة التوبة الآية رقم 92
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْك لِتَحْمِلهُمْ قُلْت لَا أَجِد مَا أَحْمِلكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنهمْ تَفِيض مِنْ الدَّمْع حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره وَلَا سَبِيل أَيْضًا عَلَى النَّفَر الَّذِينَ إِذَا مَا جَاءُوك لِتَحْمِلهُمْ يَسْأَلُونَك الْحُمْلَان لِيَبْلُغُوا إِلَى مَغْزَاهُمْ لِجِهَادِ أَعْدَاء اللَّه مَعَك يَا مُحَمَّد , قُلْت لَهُمْ : لَا أَجِد حَمُولَة أَحْمِلكُمْ عَلَيْهَا . { تَوَلَّوْا } يَقُول : أَدْبَرُوا عَنْك , { وَأَعْيُنهمْ تَفِيض مِنْ الدَّمْع حَزَنًا } وَهُمْ يَبْكُونَ مِنْ حُزْن عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ وَيَتَحَمَّلُونَ بِهِ لِلْجِهَادِ فِي سَبِيل اللَّه . وَذَكَرَ بَعْضهمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي نَفَر مِنْ مُزَيْنَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13280 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْك لِتَحْمِلهُمْ قُلْت لَا أَجِد مَا أَحْمِلكُمْ عَلَيْهِ } قَالَ : هُمْ مِنْ مُزَيْنَة. * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْك لِتَحْمِلهُمْ } قَالَ : هُمْ بَنُو مُقَرِّن مِنْ مُزَيْنَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قِرَاءَة عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْك لِتَحْمِلهُمْ } إِلَى قَوْله : { حَزَنًا أَنْ لَا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ } قَالَ : هُمْ بَنُو مُقَرِّن مِنْ مُزَيْنَة . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن نُمَيْر , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْك لِتَحْمِلهُمْ } قَالَ : هُمْ بَنُو مُقَرِّن مِنْ مُزَيْنَة . 13281 - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ عُرْوَة , عَنْ اِبْن مُغَفَّل الْمُزَنِيّ , وَكَانَ أَحَد النَّفَر الَّذِينَ أُنْزِلَتْ فِيهِمْ : { وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْك لِتَحْمِلهُمْ } الْآيَة . 13282 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ اِبْن جُرَيْج عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { تَوَلَّوْا وَأَعْيُنهمْ تَفِيض مِنْ الدَّمْع حَزَنًا } قَالَ : مِنْهُمْ اِبْن مُقَرِّن . وَقَالَ سُفْيَان : قَالَ النَّاس : مِنْهُمْ عِرْبَاض بْن سَارِيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ فِي عِرْبَاض بْن سَارِيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13283 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ ثَوْر بْن يَزِيد , عَنْ خَالِد بْن مَعْدَان , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَمْرو السُّلَمِيّ , وَحُجْر بْن حُجْر الْكُلَاعِيّ , قَالَا : دَخَلْنَا عَلَى عِرْبَاض بْن سَارِيَة , وَهُوَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ : { وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْك لِتَحْمِلهُمْ } الْآيَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان بْن عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : ثنا ثَوْر , عَنْ خَالِد , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَمْرو , وَحُجْر بْن حُجْر بِنَحْوِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ فِي نَفَر سَبْعَة مِنْ قَبَائِل شَتَّى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13284 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب وَغَيْره , قَالَ جَاءَ نَاس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحْمِلُونَهُ , فَقَالَ : " لَا أَجِد مَا أَحْمِلكُمْ عَلَيْهِ " فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْك لِتَحْمِلهُمْ } الْآيَة , قَالَ : هُمْ سَبْعَة نَفَر مِنْ بَنِي عَمْرو بْن عَوْف : سَالِم بْن عُمَيْر , وَمِنْ بَنِي وَاقِف : حَرَمِيّ بْن عَمْرو , وَمِنْ بَنِي مَازِن بْن النَّجَّار : عَبْد الرَّحْمَن بْن كَعْب , يُكَنَّى أَبَا لَيْلَى , وَمِنْ بَنِي الْمُعَلَّى : سَلْمَان بْن صَخْر , وَمِنْ بَنِي حَارِثَة : عَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد أَبُو عَبْلَة , وَهُوَ الَّذِي تَصَدَّقَ بِعِرْضِهِ فَقَبِلَهُ اللَّه مِنْهُ , وَمِنْ بَنِي سَلَمَة : عَمْرو بْن غَنْمَة , وَعَبْد اللَّه بْن عَمْرو الْمُزَنِيّ . 13285 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَوْله : { وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْك لِتَحْمِلهُمْ } إِلَى قَوْله : { حَزَنًا } وَهُمْ الْبَكَّاءُونَ كَانُوا سَبْعَة . وَاَللَّه أَعْلَم .
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاء رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَسورة التوبة الآية رقم 93
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّمَا السَّبِيل عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَك وَهُمْ أَغْنِيَاء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا السَّبِيل بِالْعُقُوبَةِ عَلَى أَهْل الْعُذْر يَا مُحَمَّد , وَلَكِنَّهَا عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَك فِي التَّخَلُّف خِلَافك وَتَرْك الْجِهَاد مَعَك وَهُمْ أَهْل غِنًى وَقُوَّة وَطَاقَة لِلْجِهَادِ وَالْغَزْو , نِفَاقًا وَشَكًّا فِي وَعْد اللَّه وَوَعِيده .

{ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِف } يَقُول : رَضُوا بِأَنْ يَجْلِسُوا بَعْدك مَعَ النِّسَاء وَهُنَّ الْخَوَالِف خَلْف الرِّجَال فِي الْبُيُوت , وَيَتْرُكُوا الْغَزْو مَعَك .

{ وَطَبَعَ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ } يَقُول : وَخَتَمَ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ بِمَا كَسَبُوا مِنْ الذُّنُوب .

{ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } سُوء عَاقِبَتهمْ بِتَخَلُّفِهِمْ عَنْك وَتَرْكهمْ الْجِهَاد مَعَك وَمَا عَلَيْهِمْ مِنْ قَبِيح الثَّنَاء فِي الدُّنْيَا وَعَظِيم الْبَلَاء فِي الْآخِرَة .
يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَسورة التوبة الآية رقم 94
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِن لَكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَعْتَذِر إِلَيْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ هَؤُلَاءِ الْمُتَخَلِّفُونَ خِلَاف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , التَّارِكُونَ جِهَاد الْمُشْرِكِينَ مَعَكُمْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ بِالْأَبَاطِيلِ وَالْكَذِب إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ مِنْ سَفَركُمْ وَجِهَادكُمْ ; قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد : { لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِن لَكُمْ } يَقُول : لَنْ نُصَدِّقكُمْ عَلَى مَا تَقُولُونَ .

{ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّه مِنْ أَخْبَاركُمْ } يَقُول : قَدْ أَخْبَرَنَا اللَّه مِنْ أَخْبَاركُمْ , وَأَعْلَمَنَا مِنْ أَمْركُمْ مَا قَدْ عَلِمْنَا بِهِ كَذِبكُمْ .

{ وَسَيَرَى اللَّه عَمَلكُمْ وَرَسُوله } يَقُول : وَسَيَرَى اللَّه وَرَسُوله فِيمَا بَعْد عَمَلكُمْ , أَتَتُوبُونَ مِنْ نِفَاقكُمْ أَمْ تُقِيمُونَ عَلَيْهِ { ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة } يَقُول : ثُمَّ تَرْجِعُونَ بَعْد مَمَاتكُمْ إِلَى عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة ; يَعْنِي الَّذِي يَعْلَم السِّرّ وَالْعَلَانِيَة الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ بَوَاطِن أُمُوركُمْ وَظَوَاهِرهَا .

{ فَيُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } فَيُخْبِركُمْ بِأَعْمَالِكُمْ كُلّهَا سَيِّئِهَا وَحَسَنهَا , فَيُجَازِيكُمْ بِهَا الْحَسَن مِنْهَا بِالْحَسَنِ وَالسَّيِّئ مِنْهَا بِالسَّيِّئِ .
سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَسورة التوبة الآية رقم 95
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { سَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ لَكُمْ إِذَا اِنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْس وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّم جَزَاء بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : سَيَحْلِفُ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ لَكُمْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ فَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خِلَاف رَسُول اللَّه , { إِذَا اِنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ } يَعْنِي : إِذَا اِنْصَرَفْتُمْ إِلَيْهِمْ مِنْ غَزْوكُمْ , { لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ } فَلَا تُؤَنِّبُوهُمْ. { فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ : فَدَعَوْا تَأْنِيبهمْ وَخَلُّوهُمْ وَمَا اِخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ مِنْ الْكُفْر وَالنِّفَاق. { إِنَّهُمْ رِجْس وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّم } يَقُول : إِنَّهُمْ نَجَس وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّم , يَقُول : وَمَصِيرهمْ إِلَى جَهَنَّم وَهِيَ مَسْكَنهمْ الَّذِي يَأْوُونَهُ فِي الْآخِرَة . { جَزَاء بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } يَقُول : ثَوَابًا بِأَعْمَالِهِمْ الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا مِنْ مَعَاصِي اللَّه . وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُنَافِقِينَ قَالَا مَا : 13286 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { سَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ لَكُمْ إِذَا اِنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا } إِلَى : { بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } وَذَلِكَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ : أَلَا تَغْزُو بَنِي الْأَصْفَر لَعَلَّك أَنْ تُصِيب بِنْت عَظِيم الرُّوم , فَإِنَّهُمْ حِسَان ! فَقَالَ رَجُلَانِ : قَدْ عَلِمْت يَا رَسُول اللَّه أَنَّ النِّسَاء فِتْنَة , فَلَا تَفْتِنَّا بِهِنَّ , فَأْذَنْ لَنَا ! فَأَذِنَ لَهُمَا ; فَلَمَّا اِنْطَلَقَا , قَالَ أَحَدهمَا : إِنْ هُوَ إِلَّا شَحْمَة لِأَوَّلِ آكِل . فَسَارَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَمْ يَنْزِل عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْء , فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيق نَزَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ عَلَى بَعْض الْمِيَاه : { لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوك وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمْ الشُّقَّة } , 9 42 وَنَزَلَ عَلَيْهِ : { عَفَا اللَّه عَنْك لِمَ أَذِنْت لَهُمْ } , 9 43 وَنَزَلَ عَلَيْهِ : { لَا يَسْتَأْذِنك الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } , 9 44 وَنَزَلَ عَلَيْهِ : { إِنَّهُمْ رِجْس وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّم جَزَاء بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } فَسَمِعَ ذَلِكَ رَجُل مِمَّنْ غَزَا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَتَاهُمْ وَهُمْ خَلْفهمْ , فَقَالَ : تَعْلَمُونَ أَنْ قَدْ أُنْزِلَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدكُمْ قُرْآن , قَالُوا : مَا الَّذِي سَمِعْت ؟ قَالَ مَا أَدْرِي , غَيْر أَنِّي سَمِعْت أَنَّهُ يَقُول : إِنَّهُمْ رِجْس , فَقَالَ رَجُل يُدْعَى مَخْشِيًّا : وَاَللَّه لَوَدِدْت أَنِّي أُجْلَد مِائَة جَلْدَة وَأَنِّي لَسْت مَعَكُمْ ! فَأَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا جَاءَ بِك ؟ فَقَالَ : وَجْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْفَعهُ الرِّيح وَأَنَا فِي الْكِنّ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِ : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول اِئْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي } 9 49 { وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرّ } 9 81 وَنَزَلَ عَلَيْهِ فِي الرَّجُل الَّذِي قَالَ : لَوَدِدْت أَنِّي أُجْلَد مِائَة جَلْدَة , قَوْل اللَّه : { يَحْذَر الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّل عَلَيْهِمْ سُورَة تُنَبِّئهُمْ بِمَا فِي قُلُوبهمْ } 9 64 فَقَالَ رَجُل مَعَ رَسُول اللَّه : لَئِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ كَمَا يَقُولُونَ مَا فِينَا خَيْر. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ لَهُ : " أَنَّثَ صَاحِب الْكَلِمَة الَّتِي سَمِعْت ؟ " فَقَالَ : لَا وَاَلَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب ! فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِ : { وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَة الْكُفْر وَكَفَرُوا بَعْد إِسْلَامهمْ } 9 74 وَأَنْزَلَ فِيهِ : { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاَللَّه عَلِيم بِالظَّالِمِينَ } . 9 47 13287 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس , عَنْ اِبْن شِهَاب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن كَعْب بْن مَالِك , أَنَّ عَبْد اللَّه بْن كَعْب , قَالَ : سَمِعْت كَعْب بْن مَالِك يَقُول : لَمَّا قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَبُوك , جَلَسَ لِلنَّاسِ , فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونَ , فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ , وَكَانُوا بِضْعَة وَثَمَانِينَ رَجُلًا , فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَانِيَتهمْ وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوَكَّلَ سَرَائِرهمْ إِلَى اللَّه وَصَدَقَته حَدِيثِي . فَقَالَ كَعْب : وَاَللَّه مَا أَنْعَمَ اللَّه عَلَيَّ مِنْ نِعْمَة قَطُّ بَعْد أَنْ هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ أَعْظَم فِي نَفْسك مِنْ صِدْق رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا أَكُون كَذَبْته فَأَهْلَكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا , إِنَّ اللَّه قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا حِين أُنْزِلَ الْوَحْي , شَرّ مَا قَالَ لِأَحَدٍ : { سَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ لَكُمْ إِذَا اِنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْس وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّم جَزَاء بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } إِلَى قَوْله : { فَإِنَّ اللَّه لَا يَرْضَى عَنْ الْقَوْم الْفَاسِقِينَ }.
يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَسورة التوبة الآية رقم 96
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّه لَا يَرْضَى عَنْ الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَحْلِف لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ اِعْتِذَارًا بِالْبَاطِلِ وَالْكَذِب { لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّه لَا يَرْضَى عَنْ الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } يَقُول : فَإِنْ أَنْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ رَضِيتُمْ عَنْهُ وَقَبِلْتُمْ مَعْذِرَتهمْ , إِذَا كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ صِدْقهمْ مِنْ كَذِبهمْ , فَإِنَّ رِضَاكُمْ عَنْهُمْ غَيْر نَافِعهمْ عِنْد اللَّه ; لِأَنَّ اللَّه يَعْلَم مِنْ سَرَائِر أَمْرهمْ مَا لَا تَعْلَمُونَ , وَمَنْ خَفِيَ اِعْتِقَادهمْ مَا تَجْهَلُونَ , وَأَنَّهُمْ عَلَى الْكُفْر بِاَللَّهِ , يَعْنِي أَنَّهُمْ الْخَارِجُونَ مِنْ الْإِيمَان إِلَى الْكُفْر بِاَللَّهِ وَمِنْ الطَّاعَة إِلَى الْمَعْصِيَة .
الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌسورة التوبة الآية رقم 97
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الْأَعْرَاب أَشَدّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَر أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُود مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى رَسُوله } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : الْأَعْرَاب أَشَدّ جُحُودًا لِتَوْحِيدِ اللَّه وَأَشَدّ نِفَاقًا مِنْ أَهْل الْحَضَر فِي الْقُرَى وَالْأَمْصَار . وَإِنَّمَا وَصَفَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ لِجَفَائِهِمْ وَقَسْوَة قُلُوبهمْ وَقِلَّة مُشَاهَدَتهمْ لِأَهْلِ الْخَيْر , فَهُمْ لِذَلِكَ أَقْسَى قُلُوبًا وَأَقَلّ عِلْمًا بِحُقُوقِ اللَّه . وَقَوْله : { وَأَجْدَر أَنْ لَا يَعْلَمُوا حُدُود مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى رَسُوله } يَقُول : وَأَخْلَق أَنَّ لَا يَعْلَمُوا حُدُود مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى رَسُوله ; وَذَلِكَ فِيمَا قَالَ قَتَادَة : السُّنَن . 13288 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَأَجْدَر أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُود مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى رَسُوله } قَالَ : هُمْ أَقَلّ عِلْمًا بِالسُّنَنِ . 13289 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُقَرِّن عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : جَلَسَ أَعْرَابِيّ إِلَى زَيْد بْن صُوحَان وَهُوَ يُحَدِّث أَصْحَابه , وَكَانَتْ يَده قَدْ أُصِيبَتْ يَوْم نَهَاوَنْد , فَقَالَ : وَاَللَّه إِنَّ حَدِيثك لَيُعْجِبنِي , وَإِنَّ يَدك لَتَرِيبنِي ! فَقَالَ زَيْد : وَمَا يَرِيبك مِنْ يَدِي , إِنَّهَا الشِّمَال ؟ فَقَالَ الْأَعْرَابِيّ : وَاَللَّه مَا أَدْرِي آلْيَمِين يَقْطَعُونَ أَمْ الشِّمَال ؟ فَقَالَ زَيْد بْن صُوحَان : صَدَقَ اللَّه : { الْأَعْرَاب أَشَدّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَر أَنْ لَا يَعْلَمُوا حُدُود مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى رَسُوله } .

وَقَوْله : { وَاَللَّه عَلِيم حَكِيم } يَقُول : وَاَللَّه عَلِيم بِمَنْ يَعْلَم حُدُود مَا أَنْزَلَ عَلَى رَسُوله , وَالْمُنَافِق مِنْ خَلْقه وَالْكَافِر مِنْهُمْ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ أَحَد , حَكِيم فِي تَدْبِيره إِيَّاهُمْ , وَفِي حِلْمه عَنْ عِقَابهمْ مَعَ عِلْمه بِسَرَائِرِهِمْ وَخِدَاعهمْ أَوْلِيَاءَهُ.
وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌسورة التوبة الآية رقم 98
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْ الْأَعْرَاب مَنْ يَتَّخِذ مَا يُنْفِق مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّص بِكُمْ الدَّوَائِر عَلَيْهِمْ دَائِرَة السَّوْء وَاَللَّه سَمِيع عَلِيم } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمِنْ الْأَعْرَاب مَنْ يَعُدّ نَفَقَته الَّتِي يُنْفِقهَا فِي جِهَاد مُشْرِك أَوْ فِي مَعُونَة مُسْلِم أَوْ فِي بَعْض مَا نَدَبَ اللَّه إِلَيْهِ عِبَاده { مَغْرَمًا } يَعْنِي غُرْمًا لَزِمَهُ لَا يَرْجُو لَهُ ثَوَابًا وَلَا يَدْفَع بِهِ عَنْ نَفْسه عِقَابًا . { وَيَتَرَبَّص بِكُمْ الدَّوَائِر } يَقُول : وَيَنْتَظِرُونَ بِكُمْ الدَّوَائِر أَنْ تَدُور بِهَا الْأَيَّام وَاللَّيَالِي إِلَى مَكْرُوه وَنَفْي مَحْبُوب , وَغَلَبَة عَدُوّ لَكُمْ . يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { عَلَيْهِمْ دَائِرَة السَّوْء } يَقُول : جَعَلَ اللَّه دَائِرَة السَّوْء عَلَيْهِمْ , وَنُزُول الْمَكْرُوه بِهِمْ لَا عَلَيْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , وَلَا بِكُمْ , وَاَللَّه سَمِيع لِدُعَاءِ الدَّاعِينَ عَلِيم بِتَدْبِيرِهِمْ وَمَا هُوَ بِهِمْ نَازِل مِنْ عِقَاب اللَّه وَمَا هُمْ إِلَيْهِ صَائِرُونَ مِنْ أَلِيم عِقَابه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13290 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْل اللَّه : { وَمِنْ الْأَعْرَاب مَنْ يَتَّخِذ مَا يُنْفِق مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّص بِكُمْ الدَّوَائِر } قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ مِنْ الْأَعْرَاب الَّذِينَ إِنَّمَا يُنْفِقُونَ رِيَاء اِتِّقَاء أَنْ يَغْزُوا , أَوْ يُحَارِبُوا , أَوْ يُقَاتِلُوا , وَيَرَوْنَ نَفَقَتهمْ مَغْرَمًا , أَلَا تَرَاهُ يَقُول : { وَيَتَرَبَّص بِكُمْ الدَّوَائِر عَلَيْهِمْ دَائِرَة السَّوْء } . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَ عَامَّة أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة : { عَلَيْهِمْ دَائِرَة السَّوْء } بِفَتْحِ السِّين , بِمَعْنَى النَّعْت لِلدَّائِرَةِ , وَإِنْ كَانَتْ الدَّائِرَة مُضَافَة إِلَيْهِ , كَقَوْلِهِمْ : هُوَ رَجُل السَّوْء , وَامْرُؤُ الصِّدْق , كَأَنَّهُ إِذَا فَتَحَ مَصْدَر مِنْ قَوْلهمْ : سُؤْته أَسُوءهُ سُوءًا وَمُسَاءَة وَمَسَائِيَّة . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض أَهْل الْحِجَاز وَبَعْض الْبَصْرِيِّينَ : " عَلَيْهِمْ دَائِرَة السُّوء " بِضَمِّ السِّين كَأَنَّهُ جَعَلَهُ اِسْمًا , كَمَا يُقَال عَلَيْهِ دَائِرَة الْبَلَاء وَالْعَذَاب . وَمَنْ قَالَ : " عَلَيْهِمْ دَائِرَة السُّوء " فَضَمَّ , لَمْ يَقُلْ هَذَا رَجُل السُّوء بِالضَّمِّ , وَالرَّجُل السُّوء , وَقَالَ الشَّاعِر : وَكُنْت كَذِئْبِ السُّوء لَمَّا رَأَى دَمًا بِصَاحِبِهِ يَوْمًا أَحَالَ عَلَى الدَّم وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِفَتْحِ السِّين , بِمَعْنَى : عَلَيْهِمْ الدَّائِرَة الَّتِي تَسُوءهُمْ سَوْءًا كَمَا يُقَال هُوَ رَجُل صِدْق عَلَى وَجْه النَّعْت .
وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌسورة التوبة الآية رقم 99
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْ الْأَعْرَاب مَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَيَتَّخِذ مَا يُنْفِق قُرُبَات عِنْد اللَّه وَصَلَوَات الرَّسُول } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمِنْ الْأَعْرَاب مَنْ يُصَدِّق اللَّه وَيُقِرّ بِوَحْدَانِيِّتِهِ وَبِالْبَعْثِ بَعْد الْمَوْت وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب , وَيَنْوِي بِمَا يُنْفِق مِنْ نَفَقَة فِي جِهَاد الْمُشْرِكِينَ وَفِي سَفَره مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قُرُبَات عِنْد اللَّه } الْقُرُبَات : جَمَعَ قُرْبَة , وَهُوَ مَا قَرَّبَهُ مِنْ رِضَا اللَّه وَمَحَبَّته. { وَصَلَوَات الرَّسُول } , يَعْنِي بِذَلِكَ : وَيَبْتَغِي بِنَفَقَةِ مَا يُنْفِق مَعَ طَلَب قُرْبَته مِنْ اللَّه دُعَاء الرَّسُول وَاسْتِغْفَاره لَهُ . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا عَلَى أَنَّ مِنْ مَعَانِي الصَّلَاة الدُّعَاء بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13291 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَصَلَوَات الرَّسُول } يَعْنِي اِسْتِغْفَار النَّبِيّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام . 13292 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَمِنْ الْأَعْرَاب مَنْ يَتَّخِذ مَا يُنْفِق قُرُبَات عِنْد اللَّه وَصَلَوَات الرَّسُول } قَالَ : دُعَاء الرَّسُول , قَالَ : هَذِهِ ثَنِيَّة اللَّه مِنْ الْأَعْرَاب . 13293 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَمِنْ الْأَعْرَاب مَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } قَالَ : هُمْ بَنُو مُقَرِّن مِنْ مُزَيْنَة , وَهُمْ الَّذِينَ قَالَ اللَّه فِيهِمْ : { وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْك لِتَحْمِلهُمْ قُلْت لَا أَجِد مَا أَحْمِلكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنهمْ تَفِيض مِنْ الدَّمْع حَزَنًا } 9 92 قَالَ : هُمْ بَنُو مُقَرِّن مِنْ مُزَيْنَة . 13294 - قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { الْأَعْرَاب أَشَدّ كُفْرًا وَنِفَاقًا } ثُمَّ اِسْتَثْنَى فَقَالَ : { وَمِنْ الْأَعْرَاب مَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } الْآيَة . 13295 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا جَعْفَر , عَنْ الْبَخْتَرِيّ بْن الْمُخْتَار الْعَبْدِيّ , قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن مُغَفَّل قَالَ : كُنَّا عَشْرَة وَلَد مُقَرِّن , فَنَزَلَتْ فِينَا : { وَمِنْ الْأَعْرَاب مَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } إِلَى آخِر الْآيَة .

قَالَ اللَّه : { أَلَا إِنَّهَا قُرْبَة لَهُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَلَا إِنَّ صَلَوَات الرَّسُول قُرْبَة لَهُمْ مِنْ اللَّه , وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : أَلَا إِنَّ نَفَقَته الَّتِي يُنْفِقهَا كَذَلِكَ قُرْبَة لَهُمْ عِنْد اللَّه .

{ سَيُدْخِلُهُمْ اللَّه فِي رَحْمَته } يَقُول : سَيُدْخِلُهُمْ اللَّه فِيمَنْ رَحِمَهُ فَأَدْخَلَهُ بِرَحْمَتِهِ الْجَنَّة , إِنَّ اللَّه غَفُور لِمَا اِجْتَرَمُوا , رَحِيم بِهِمْ مَعَ تَوْبَتهمْ وَإِصْلَاحهمْ أَنْ يُعَذِّبهُمْ.
وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُسورة التوبة الآية رقم 100
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار وَاَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْز الْعَظِيم } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاَلَّذِينَ سَبَقُوا النَّاس أَوَّلًا إِلَى الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ هَاجَرُوا قَوْمهمْ وَعَشِيرَتهمْ وَفَارَقُوا مَنَازِلهمْ وَأَوْطَانهمْ , وَالْأَنْصَار الَّذِينَ نَصَرُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَعْدَائِهِ مِنْ أَهْل الْكُفْر بِاَللَّهِ وَرَسُوله . { وَاَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ } يَقُول : وَاَلَّذِينَ سَلَكُوا سَبِيلهمْ فِي الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَالْهِجْرَة مِنْ دَار الْحَرْب إِلَى دَار الْإِسْلَام , طَلَب رِضَا اللَّه , { رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ } فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمْ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَة الرِّضْوَان أَوْ أَدْرَكُوا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13296 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بِشْر , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ عَامِر : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ } قَالَ : مَنْ أَدْرَكَ بَيْعَة الرِّضْوَان . * - قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ عَامِر , قَالَ : { الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ } مَنْ أَدْرَكَ الْبَيْعَة تَحْت الشَّجَرَة . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , ثنا يَحْيَى , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : { الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ } الَّذِينَ شَهِدُوا بَيْعَة الرِّضْوَان . 13297 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ : مَنْ كَانَ قَبْل الْبَيْعَة إِلَى الْبَيْعَة فَهُمْ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ , وَمَنْ كَانَ بَعْد الْبَيْعَة فَلَيْسَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ. * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل وَمُطَرِّف عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار } هُمْ الَّذِينَ بَايَعُوا بَيْعَة الرِّضْوَان . 13298 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ دَاوُدَ , عَنْ عَامِر , قَالَ : فَصْل مَا بَيْن الْهِجْرَتَيْنِ بَيْعَة الرِّضْوَان , وَهِيَ بَيْعَة الْحُدَيْبِيَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد وَمُطَرِّف , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : هُمْ الَّذِينَ بَايَعُوا بَيْعَة الرِّضْوَان . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا عَبْثَر أَبُو زُبَيْد , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ : مَنْ أَدْرَكَ بَيْعَة الرِّضْوَان. وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُمْ الَّذِينَ صَلَّوْا الْقِبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13299 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ قَيْس , عَنْ عُثْمَان الثَّقَفِيّ , عَنْ مَوْلَى لِأَبِي مُوسَى , عَنْ أَبِي مُوسَى , قَالَ : الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ : مَنْ صَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا قَيْس بْن الرَّبِيع , عَنْ عُثْمَان بْن الْمُغِيرَة , عَنْ أَبِي زُرْعَة بْن عَمْرو بْن جَرِير , عَنْ مَوْلَى لِأَبِي مُوسَى , قَالَ : سَأَلِتُ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ , عَنْ قَوْله : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار } قَالَ : هُمْ الَّذِينَ صَلَّوْا الْقِبْلَتَيْنِ جَمِيعًا . 13300 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي هِلَال , عَنْ أَبِي قَتَادَة , قَالَ : قُلْت لِسَعِيدِ بْن الْمُسَيِّب : لِمَ سُمُّوا الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ ؟ قَالَ : مَنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَتَيْنِ جَمِيعًا , فَهُوَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ . 13301 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ اِبْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ : الَّذِينَ صَلَّوْا الْقِبْلَتَيْنِ. * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَوْله : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار } قَالَ : هُمْ الَّذِينَ صَلَّوْا الْقِبْلَتَيْنِ جَمِيعًا . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبَّاس بْن الْوَلِيد , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , مِثْله . 13302 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ بَعْض أَصْحَابه , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , وَعَنْ أَشْعَث , عَنْ اِبْن سِيرِينَ فِي قَوْله : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ } قَالَ : هُمْ الَّذِينَ صَلَّوْا الْقِبْلَتَيْنِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُعَاذ بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا اِبْن عَوْن , عَنْ مُحَمَّد , قَالَ : الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ : الَّذِينَ صَلَّوْا الْقِبْلَتَيْنِ . 13303 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار } قَالَ : هُمْ الَّذِينَ صَلَّوْا الْقِبْلَتَيْنِ جَمِيعًا . وَأَمَّا الَّذِينَ اِتَّبَعُوا الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلِينَ وَالْأَنْصَار بِإِحْسَانٍ , فَهُمْ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّهِ إِسْلَامهمْ وَسَلَكُوا مِنْهَاجهمْ فِي الْهِجْرَة وَالنُّصْرَة وَأَعْمَال الْخَيْر . كَمَا : 13304 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب , قَالَ : مَرَّ عُمَر بِرَجُلٍ وَهُوَ يَقْرَأ هَذِهِ الْآيَة : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار وَاَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ } قَالَ : مَنْ أَقْرَأَك هَذِهِ الْآيَة ؟ قَالَ أَقْرَأَنِيهَا أُبَيّ بْن كَعْب . قَالَ : لَا تُفَارِقنِي حَتَّى أَذْهَب بِك إِلَيْهِ ! فَأَتَاهُ فَقَالَ : أَنْتَ أَقْرَأْت هَذَا هَذِهِ الْآيَة ؟ قَالَ نَعَمْ , قَالَ : وَسَمِعْتهَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : لَقَدْ كُنْت أَرَانَا رَفَعْنَا رِفْعَة لَا يَبْلُغهَا أَحَد بَعْدنَا . قَالَ : وَتَصْدِيق ذَلِكَ فِي أَوَّل الْآيَة الَّتِي فِي أَوَّل الْجُمْعَة , وَأَوْسَط الْحَشْر , وَآخِر الْأَنْفَال ; أَمَّا أَوَّل الْجُمْعَة : { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ } , 62 3 وَأَوْسَط الْحَشْر : { وَاَلَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدهمْ يَقُولُونَ رَبّنَا اِغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ } , وَأَمَّا آخِر الْأَنْفَال : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْد وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ } . 8 75 * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , ثنا الْحَسَن بْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا أَبُو مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , قَالَ : مَرَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب بِرَجُلٍ يَقْرَأ : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار } حَتَّى بَلَغَ : { وَرَضُوا عَنْهُ } قَالَ : وَأَخَذَ عُمَر بِيَدِهِ فَقَالَ : مَنْ أَقْرَأَك هَذَا ؟ قَالَ : أُبَيّ بْن كَعْب . فَقَالَ : لَا تُفَارِقنِي حَتَّى أَذْهَب بِك إِلَيْهِ ! فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ عُمَر : أَنْتَ أَقْرَأْت هَذَا هَذِهِ الْآيَة هَكَذَا ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : أَنْتَ سَمِعْتهَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : لَقَدْ كُنْت أَظُنّ أَنَّا رُفِعْنَا رِفْعَة لَا يَبْلُغهَا أَحَد بَعْدنَا , فَقَالَ أُبَيّ : بَلَى تَصْدِيق هَذِهِ الْآيَة فِي أَوَّل سُورَة الْجُمْعَة : { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ } 62 3 إِلَى : { وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم } , 62 3 وَفِي سُورَة الْحَشْر : { وَاَلَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدهمْ يَقُولُونَ رَبّنَا اِغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ } , 59 10 وَفِي الْأَنْفَال : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْد وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ } 8 75 إِلَى آخِر الْآيَة. وَرُوِيَ عَنْ عُمَر فِي ذَلِكَ مَا : 13305 - حَدَّثَنِي بِهِ أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ هَارُون , عَنْ حَبِيب بْن الشَّهِيد , وَعَنْ اِبْن عَامِر الْأَنْصَارِيّ , أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب قَرَأَ : " وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار الَّذِينَ اِتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ " فَرَفَعَ " الْأَنْصَار " وَلَمْ يُلْحِق الْوَاو فِي " الَّذِينَ " , فَقَالَ لَهُ زَيْد بْن ثَابِت : " وَاَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ " , فَقَالَ عُمَر : " الَّذِينَ اِتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ " . فَقَالَ زَيْد : أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَم ! فَقَالَ عُمَر : اِئْتُونِي بِأُبَيّ بْن كَعْب ! فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ , فَقَالَ أُبَيّ : { وَاَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ } فَقَالَ عُمَر : إِذًا نُتَابِع أُبَيًّا . وَالْقِرَاءَة عَلَى خَفْض " الْأَنْصَار " عَطْفًا بِهِمْ عَلَى " الْمُهَاجِرِينَ " . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : " الْأَنْصَار " بِالرَّفْعِ عَطْفًا بِهِمْ عَلَى " السَّابِقِينَ " . وَالْقِرَاءَة الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ غَيْرهمَا الْخَفْض فِي " الْأَنْصَار " , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ , وَأَنَّ السَّابِق كَانَ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار. وَإِنَّمَا قَصَدَ الْخَبَر عَنْ السَّابِق مِنْ الْفَرِيقَيْنِ دُون الْخَبَر عَنْ الْجَمِيع , وَإِلْحَاق الْوَاو فِي " الَّذِينَ اِتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ " , لِأَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي مَصَاحِف الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا , عَلَى أَنَّ التَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ غَيْر الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار. وَأَمَّا السَّابِقُونَ فَإِنَّهُمْ مَرْفُوعُونَ بِالْعَائِدِ مِنْ ذِكْرهمْ فِي قَوْله : { رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } وَمَعْنَى الْكَلَام : رَضِيَ اللَّه عَنْ جَمِيعهمْ لَمَّا أَطَاعُوهُ وَأَجَابُوا نَبِيّه إِلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنْ أَمْره وَنَهْيه , وَرَضِيَ عَنْهُ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار , وَاَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ لَمَّا أَجْزَلَ لَهُمْ مِنْ الثَّوَاب عَلَى طَاعَتهمْ إِيَّاهُ وَإِيمَانهمْ بِهِ وَبِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام , وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي تَحْتهَا الْأَنْهَار يَدْخُلُونَهَا خَالِدِينَ فِيهَا لَابِثِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا , { ذَلِكَ الْفَوْز الْعَظِيم } .
وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍسورة التوبة الآية رقم 101
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِمَّنْ حَوْلكُمْ مِنْ الْأَعْرَاب مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْل الْمَدِينَة مَرَدُوا عَلَى النِّفَاق لَا تَعْلَمهُمْ نَحْنُ نَعْلَمهُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمِنْ الْقَوْم الَّذِينَ حَوْل مَدِينَتكُمْ مِنْ الْأَعْرَاب الْمُنَافِقُونَ , وَمِنْ أَهْل مَدِينَتكُمْ أَيْضًا أَمْثَالهمْ أَقْوَام مُنَافِقُونَ . وَقَوْله : { مَرَدُوا عَلَى النِّفَاق } يَقُول : مَرَنُوا عَلَيْهِ وَدَرِبُوا بِهِ , وَمِنْهُ شَيْطَان مَارِد وَمَرِيد : وَهُوَ الْخَبِيث الْعَاتِي , وَمِنْهُ قِيلَ : تَمَرَّدَ فُلَان عَلَى رَبّه : أَيْ عَتَا وَمَرَدَ عَلَى مَعْصِيَته وَاعْتَادَهَا . وَقَالَ اِبْن زَيْد فِي ذَلِكَ , مَا : 13306 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَمِنْ أَهْل الْمَدِينَة مَرَدُوا عَلَى النِّفَاق } قَالَ : أَقَامُوا عَلَيْهِ لَمْ يَتُوبُوا كَمَا تَابَ الْآخَرُونَ . 13307 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَمِنْ أَهْل الْمَدِينَة مَرَدُوا عَلَى النِّفَاق } أَيْ لَجُّوا فِيهِ وَأَبَوْا غَيْره . { لَا تَعْلَمهُمْ } يَقُول لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَعْلَم يَا مُحَمَّد أَنْتَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ وَصَفْت لَك صِفَتهمْ مِمَّنْ حَوْلكُمْ مِنْ الْأَعْرَاب وَمِنْ أَهْل الْمَدِينَة , وَلَكِنَّا نَحْنُ نَعْلَمهُمْ . كَمَا : 13308 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَمِمَّنْ حَوْلكُمْ مِنْ الْأَعْرَاب مُنَافِقُونَ } إِلَى قَوْله : { نَحْنُ نَعْلَمهُمْ } قَالَ : فَمَا بَال أَقْوَام يَتَكَلَّفُونَ عِلْم النَّاس فُلَان فِي الْجَنَّة وَفُلَان فِي النَّار , فَإِذَا سَأَلْت أَحَدهمْ عَنْ نَفْسه قَالَ لَا أَدْرِي ! لَعَمْرِي أَنْتَ بِنَفْسِك أَعْلَم مِنْك بِأَعْمَالِ النَّاس , وَلَقَدْ تَكَلَّفْت شَيْئًا مَا تَكَلَّفَتْهُ الْأَنْبِيَاء قَبْلكُمْ ! قَالَ نَبِيّ اللَّه نُوح عَلَيْهِ السَّلَام : { وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } , 26 112 وَقَالَ نَبِيّ اللَّه شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام : { بَقِيَّتُ اللَّه خَيْر لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } , 11 86 وَقَالَ اللَّه لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : { لَا تَعْلَمهُمْ نَحْنُ نَعْلَمهُمْ } .

وَقَوْله : { سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ } يَقُول : سَنُعَذِّبُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ مَرَّتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا فِي الدُّنْيَا , وَالْأُخْرَى فِي الْقَبْر . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّتِي فِي الدُّنْيَا مَا هِيَ ; فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ فَضِيحَتهمْ فَضَحَهُمْ اللَّه بِكَشْفِ أُمُورهمْ وَتَبْيِين سَرَائِرهمْ لِلنَّاسِ عَلَى لِسَان رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13309 - حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن عَمْرو الْعَنْقَزِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْل اللَّه : { وَمِمَّنْ حَوْلكُمْ مِنْ الْأَعْرَاب مُنَافِقُونَ مِنْ أَهْل الْمَدِينَة مَرَدُوا عَلَى النِّفَاق } إِلَى قَوْله : { عَذَاب عَظِيم } قَالَ : قَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا يَوْم الْجُمْعَة , فَقَالَ " اُخْرُجْ يَا فُلَان فَإِنَّك مُنَافِق ! اُخْرُجْ يَا فُلَان فَإِنَّك مُنَافِق ! " فَأَخْرُج مِنْ الْمَسْجِد نَاسًا مِنْهُمْ فَضَحَهُمْ . فَلَقِيَهُمْ عُمَر وَهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ الْمَسْجِد , فَاخْتَبَأَ مِنْهُمْ حَيَاء أَنَّهُ لَمْ يَشْهَد الْجُمْعَة , وَظَنَّ أَنَّ النَّاس قَدْ اِنْصَرَفُوا وَاخْتَبَئُوا هُمْ مِنْ عُمَر , ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ بِأَمْرِهِمْ. فَجَاءَ عُمَر فَدَخَلَ الْمَسْجِد , فَإِذَا النَّاس لَمْ يُصَلُّوا , فَقَالَ لَهُ رَجُل مِنْ الْمُسْلِمِينَ : أَبْشِرْ يَا عُمَر , فَقَدْ فَضَحَ اللَّه الْمُنَافِقِينَ الْيَوْم ! فَهَذَا الْعَذَاب الْأَوَّل حِين أَخْرَجَهُمْ مِنْ الْمَسْجِد , وَالْعَذَاب الثَّانِي : عَذَاب الْقَبْر . 13310 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك : { سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ } قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُب , فَيَذْكُر الْمُنَافِقِينَ فَيُعَذِّبهُمْ بِلِسَانِهِ , قَالَ : وَعَذَاب الْقَبْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13311 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ } قَالَ : الْقَتْل وَالسَّبَاء . 13312 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ } بِالْجُوعِ , وَعَذَاب الْقَبْر . قَالَ : { ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَاب عَظِيم } يَوْم الْقِيَامَة . 13313 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن عَوْن وَالْقَاسِم وَيَحْيَى بْن آدَم , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ } قَالَ : بِالْجُوعِ وَالْقَتْل , وَقَالَ يَحْيَى : بِالْخَوْفِ وَالْقَتْل. * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : بِالْجُوعِ وَالْقَتْل . 13314 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك : { سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ } قَالَ : بِالْجُوعِ , وَعَذَاب الْقَبْر. * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ } قَالَ : بِالْجُوعِ وَالْقَتْل . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : سَنُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا فِي الدُّنْيَا وَعَذَابًا فِي الْآخِرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13315 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ } عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْقَبْر . { ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَاب عَظِيم } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسِرَ إِلَى حُذَيْفَة بِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ , فَقَالَ : " سِتَّة مِنْهُمْ تَكْفِيكَهُمْ الدُّبَيْلَة , سِرَاج مِنْ نَار جَهَنَّم يَأْخُذ فِي كَتِف أَحَدهمْ حَتَّى يُفْضِي إِلَى صَدْره , وَسِتَّة يَمُوتُونَ مَوْتًا " ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَحِمَهُ اللَّه كَانَ إِذَا مَاتَ رَجُل يَرَى أَنَّهُ مِنْهُمْ نَظَرَ إِلَى حُذَيْفَة , فَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ وَإِلَّا تَرَكَهُ . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ عُمَر قَالَ لِحُذَيْفَة : أَنْشُدك اللَّه أَمِنْهُمْ أَنَا ؟ قَالَ : لَا وَاَللَّه , وَلَا أُؤَمِّن مِنْهَا أَحَدًا بَعْدك ! 13316 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن : { سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ } قَالَ : عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْقَبْر . 13317 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار وَمُحَمَّد بْن الْعَلَاء , قَالَا : ثنا بَدَل بْن الْمُحَبَّر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ قَتَادَة : { سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ } قَالَ : عَذَابًا فِي الدُّنْيَا وَعَذَابًا فِي الْقَبْر . 13318 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْقَبْر ; ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَاب النَّار. وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَ عَذَابهمْ إِحْدَى الْمَرَّتَيْنِ مَصَائِبهمْ فِي أَمْوَالهمْ وَأَوْلَادهمْ , وَالْمَرَّة الْأُخْرَى فِي جَهَنَّم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13319 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : { سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ } قَالَ : أَمَّا عَذَاب فِي الدُّنْيَا : فَالْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد , وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { فَلَا تُعْجِبك أَمْوَالهمْ وَلَا أَوْلَادهمْ إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } 9 55 بِالْمَصَائِبِ فِيهِمْ , هِيَ لَهُمْ عَذَاب وَهِيَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَجْر. قَالَ : وَعَذَاب فِي الْآخِرَة فِي النَّار . { ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَاب عَظِيم } قَالَ : النَّار . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ إِحْدَى الْمَرَّتَيْنِ : الْحُدُود , وَالْأُخْرَى : عَذَاب الْقَبْر . ذِكْر ذَلِكَ عَنْ اِبْن عَبَّاس مِنْ وَجْه غَيْر مَرْضِيّ. وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ إِحْدَى الْمَرَّتَيْنِ : أَخْذ الزَّكَاة مِنْ أَمْوَالهمْ , وَالْأُخْرَى : عَذَاب الْقَبْر . ذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ سُلَيْمَان بْن أَرْقَمَ , عَنْ الْحَسَن . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ إِحْدَى الْمَرَّتَيْنِ عَذَابهمْ بِمَا يُدْخِل عَلَيْهِمْ مِنْ الْغَيْظ فِي أَمْر الْإِسْلَام. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13320 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ } قَالَ : الْعَذَاب الَّذِي وَعَدَهُمْ مَرَّتَيْنِ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْهُمْ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ أَمْر الْإِسْلَام وَمَا يُدْخِل عَلَيْهِمْ ذَلِكَ عَلَى غَيْر حِسْبَة , ثُمَّ عَذَابهمْ فِي الْقَبْر إِذْ صَارُوا إِلَيْهِ , ثُمَّ الْعَذَاب الْعَظِيم الَّذِي يُرَدُّونَ إِلَيْهِ عَذَاب الْآخِرَة وَيَخْلُدُونَ فِيهِ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَخْبَرَ أَنَّهُ يُعَذِّب هَؤُلَاءِ الَّذِينَ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاق مَرَّتَيْنِ , وَلَمْ يَضَع لَنَا دَلِيلًا نَتَوَصَّل بِهِ إِلَى عِلْم صِفَة ذَيْنك الْعَذَابَيْنِ ; وَجَائِز أَنْ يَكُون بَعْض مَا ذَكَرْنَا عَنْ الْقَائِلِينَ مَا أُنْبِئْنَا عَنْهُمْ , وَلَيْسَ عِنْدنَا عِلْم بِأَيِّ ذَلِكَ مِنْ أَيّ . عَلَى أَنَّ فِي قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَاب عَظِيم } دَلَالَة عَلَى أَنَّ الْعَذَاب فِي الْمَرَّتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا قَبْل دُخُولهمْ النَّار , وَالْأَغْلَب مِنْ إِحْدَى الْمَرَّتَيْنِ أَنَّهَا فِي الْقَبْر . وَقَوْله : { ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَاب عَظِيم } يَقُول : ثُمَّ يُرَدّ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ بَعْد تَعْذِيب اللَّه إِيَّاهُمْ مَرَّتَيْنِ إِلَى عَذَاب عَظِيم , وَذَلِكَ عَذَاب جَهَنَّم .
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌسورة التوبة الآية رقم 102
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآخَرُونَ اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَر سَيِّئًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمِنْ أَهْل الْمَدِينَة مُنَافِقُونَ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاق , وَمِنْهُمْ آخَرُونَ اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ , يَقُول : أَقَرُّوا بِذُنُوبِهِمْ . { خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْعَمَلِ الصَّالِح الَّذِي خَلَطُوهُ بِالْعَمَلِ السَّيِّئ : اِعْتِرَافهمْ بِذُنُوبِهِمْ وَتَوْبَتهمْ مِنْهَا , وَالْآخَر السَّيِّئ هُوَ تَخَلُّقهمْ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين خَرَجَ غَازِيًا , وَتَرْكهمْ الْجِهَاد مَعَ الْمُسْلِمِينَ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْف قِيلَ : خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَر سَيِّئًا , وَإِنَّمَا الْكَلَام : خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا بِآخَر سَيِّئ ؟ قِيلَ : قَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي ذَلِكَ , فَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول : قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَجَائِز فِي الْعَرَبِيَّة أَنْ يَكُون بِآخَر كَمَا تَقُول : اِسْتَوَى الْمَاء وَالْخَشَبَة ; أَيْ بِالْخَشَبَةِ , وَخَلَطْت الْمَاء وَاللَّبَن. وَأَنْكَرَ آخَرُونَ أَنْ يَكُون نَظِير قَوْلهمْ : اِسْتَوَى الْمَاء وَالْخَشَبَة. وَاعْتَلَّ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْفِعْل فِي الْخَلْط عَامِل فِي الْأَوَّل وَالثَّانِي , وَجَائِز تَقْدِيم كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبه , وَأَنَّ تَقْدِيم الْخَشَبَة عَلَى الْمَاء غَيْر جَائِز فِي قَوْلهمْ : اِسْتَوَى الْمَاء وَالْخَشَبَة , وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدهمْ دَلِيلًا عَلَى مُخَالَفَة ذَلِكَ الْخَلْط . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ بِمَعْنَى قَوْلهمْ : خَلَطْت الْمَاء وَاللَّبَن , بِمَعْنَى خَلَطْته بِاللَّبَنِ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِهَذِهِ الْآيَة وَالسَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله أُنْزِلَتْ فِيهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ فِي عَشْرَة أَنْفُس كَانُوا تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة تَبُوك , مِنْهُمْ أَبُو لُبَابَة , فَرَبَطَ سَبْعَة مِنْهُمْ أَنْفُسهمْ إِلَى السَّوَارِي عِنْد مُقَدَّم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوْبَة مِنْهُمْ مِنْ ذَنْبهمْ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13321 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَآخَرُونَ اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَر سَيِّئًا } قَالَ : كَانُوا عَشْرَة رَهْط تَخَلَّفُوا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة تَبُوك , فَلَمَّا حَضَرَ رُجُوع النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْثَق سَبْعَة مِنْهُمْ أَنْفُسهمْ بِسَوَارِي الْمَسْجِد , وَكَانَ مَمَرّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَجَعَ فِي الْمَسْجِد عَلَيْهِمْ , فَلَمَّا رَآهُمْ قَالَ : " مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُوَثَّقُونَ أَنْفُسهمْ بِالسَّوَارِي ؟ " قَالُوا : هَذَا أَبُو لُبَابَة وَأَصْحَاب لَهُ تَخَلَّفُوا عَنْك يَا رَسُول اللَّه حَتَّى تُطْلِقهُمْ وَتَعْذُرهُمْ . فَقَالَ النَّبِيّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : " وَأَنَا أُقْسِم بِاَللَّهِ لَا أُطْلِقهُمْ وَلَا أَعْذُرهُمْ حَتَّى يَكُون اللَّه هُوَ الَّذِي يُطْلِقهُمْ ! رَغِبُوا عَنِّي وَتَخَلَّفُوا عَنْ الْغَزْو مَعَ الْمُسْلِمِينَ " فَلَمَّا بَلَغَهُمْ ذَلِكَ , قَالُوا : وَنَحْنُ لَا نُطْلِق أَنْفُسنَا حَتَّى يَكُون اللَّه الَّذِي يُطْلِقنَا ! فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَآخَرُونَ اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَر سَيِّئًا عَسَى اللَّه أَنْ يَتُوب عَلَيْهِمْ } وَعَسَى مِنْ اللَّه وَاجِب . فَلَمَّا نَزَلَتْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَطْلَقَهُمْ وَعَذَرَهُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانُوا سِتَّة , أَحَدهمْ أَبُو لُبَابَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13322 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَآخَرُونَ اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَر سَيِّئًا عَسَى اللَّه } إِلَى قَوْله : { إِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } وَذَلِكَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا غَزْوَة تَبُوك , فَتَخَلَّفَ أَبُو لُبَابَة وَخَمْسَة مَعَهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثُمَّ إِنَّ أَبَا لُبَابَة وَرَجُلَيْنِ مَعَهُ تَفَكَّرُوا وَنَدِمُوا وَأَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ , وَقَالُوا : نَكُون فِي الْكِنّ وَالطُّمَأْنِينَة مَعَ النِّسَاء , وَرَسُول اللَّه وَالْمُؤْمِنُونَ مَعَهُ فِي الْجِهَاد ؟ وَاَللَّه لَأُوثِقَن أَنْفُسنَا بِالسَّوَارِي فَلَا نُطْلِقهَا حَتَّى يَكُون رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ يُطْلِقنَا وَيَعْذُرنَا ! فَانْطَلَقَ أَبُو لُبَابَة وَأَوْثَقَ نَفْسه وَرَجُلَانِ مَعَهُ بِسَوَارِي الْمَسْجِد , وَبَقِيَ ثَلَاثَة نَفَر لَمْ يُوثِقُوا أَنْفُسهمْ . فَرَجَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَته , وَكَانَ طَرِيقه فِي الْمَسْجِد , فَمَرَّ عَلَيْهِمْ فَقَالَ : " مَنْ هَؤُلَاءِ الْمُوثِقُو أَنْفُسهمْ بِالسَّوَارِي ؟ " فَقَالُوا : هَذَا أَبُو لُبَابَة وَأَصْحَاب لَهُ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَعَاهَدُوا اللَّه أَنْ لَا يُطْلِقُوا أَنْفُسهمْ حَتَّى تَكُون أَنْتَ الَّذِي تُطْلِقهُمْ وَتَرْضَى عَنْهُمْ , وَقَدْ اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَاَللَّه لَا أُطْلِقهُمْ حَتَّى أُؤْمَر بِإِطْلَاقِهِمْ , وَلَا أَعْذُرهُمْ حَتَّى يَكُون اللَّه هُوَ يَعْذُرهُمْ , وَقَدْ تَخَلَّفُوا عَنِّي وَرَغِبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ غَزْو الْمُسْلِمِينَ وَجِهَادهمْ ! " فَأَنْزَلَ اللَّه بِرَحْمَتِهِ : { وَآخَرُونَ اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَر سَيِّئًا عَسَى اللَّه أَنْ يَتُوب عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } وَعَسَى مِنْ اللَّه وَاجِب . فَلَمَّا نَزَلَتْ الْآيَة أَطْلَقَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَذَرَهُمْ , وَتَجَاوَزَ عَنْهُمْ. وَقَالَ آخَرُونَ : الَّذِينَ رَبَطُوا أَنْفُسهمْ بِالسَّوَارِي كَانُوا ثَمَانِيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13323 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ : { وَآخَرُونَ اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَر سَيِّئًا عَسَى اللَّه أَنْ يَتُوب عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } قَالَ : هُمْ الثَّمَانِيَة الَّذِينَ رَبَطُوا أَنْفُسهمْ بِالسَّوَارِي , مِنْهُمْ كَرْدَم وَمِرْدَاس وَأَبُو لُبَابَة. 13324 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد , قَالَ : الَّذِينَ رَبَطُوا أَنْفُسهمْ بِالسَّوَارِي : هِلَال , وَأَبُو لُبَابَة , وَكَرْدَم , وَمِرْدَاس , وَأَبُو قَيْس. وَقَالَ آخَرُونَ : كَانُوا سَبْعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13325 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَآخَرُونَ اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَر سَيِّئًا عَسَى اللَّه أَنْ يَتُوب عَلَيْهِمْ } ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا سَبْعَة رَهْط تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَة تَبُوك , فَأَمَّا أَرْبَعَة فَخَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَر سَيِّئًا : جَدّ بْن قَيْس , وَأَبُو لُبَابَة , وَحَرَام , وَأَوْس , وَكُلّهمْ مِنْ الْأَنْصَار , وَهُمْ الَّذِينَ قِيلَ فِيهِمْ : { خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة تُطَهِّرهُمْ } الْآيَة . 13326 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَر سَيِّئًا } قَالَ : هُمْ نَفَر مِمَّنْ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوك : مِنْهُمْ أَبُو لُبَابَة , وَمِنْهُمْ جَدّ بْن قَيْس ; تِيبَ عَلَيْهِمْ . قَالَ قَتَادَة : وَلَيْسُوا بِثَلَاثَةٍ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَآخَرُونَ اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ } قَالَ : هُمْ سَبْعَة , مِنْهُمْ أَبُو لُبَابَة كَانُوا تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَة تَبُوك , وَلَيْسُوا بِالثَّلَاثَةِ . 13327 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَآخَرُونَ اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَر سَيِّئًا } نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَة وَأَصْحَابه تَخَلَّفُوا عَنْ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة تَبُوك ; فَلَمَّا قَفَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَته , وَكَانَ قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَة , نَدِمُوا عَلَى تَخَلُّفهمْ عَنْ رَسُول اللَّه , وَقَالُوا : نَكُون فِي الظِّلَال وَالْأَطْعِمَة وَالنِّسَاء , وَنَبِيّ اللَّه فِي الْجِهَاد وَاللَّأْوَاء ؟ وَاَللَّه لَنُوثِقَنَّ أَنْفُسنَا بِالسَّوَارِي ثُمَّ لَا نُطْلِقهَا حَتَّى يَكُون نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطْلِقنَا وَيَعْذُرنَا ! وَأَوْثَقُوا أَنْفُسهمْ , وَبَقِيَ ثَلَاثَة لَمْ يُوثِقُوا أَنْفُسهمْ , فَقَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَته , فَمَرَّ فِي الْمَسْجِد وَكَانَ طَرِيقه , فَأَبْصَرَهُمْ , فَسَأَلَ عَنْهُمْ , فَقِيلَ لَهُ : أَبُو لُبَابَة وَأَصْحَابه تَخَلَّفُوا عَنْك يَا نَبِيّ اللَّه , فَصَنَعُوا بِأَنْفُسِهِمْ مَا تَرَى , وَعَاهَدُوا اللَّه أَنْ لَا يُطْلِقُوا أَنْفُسهمْ حَتَّى تَكُون أَنْتَ الَّذِي تُطْلِقهُمْ . فَقَالَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا أُطْلِقهُمْ حَتَّى أُؤْمَر بِإِطْلَاقِهِمْ , وَلَا أَعْذُرهُمْ حَتَّى يَعْذُرهُمْ اللَّه , قَدْ رَغِبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ غَزْوَة الْمُسْلِمِينَ ! " . فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَآخَرُونَ اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ } إِلَى : { عَسَى اللَّه أَنْ يَتُوب عَلَيْهِمْ } وَعَسَى مِنْ اللَّه وَاجِب . فَأَطْلَقَهُمْ نَبِيّ اللَّه وَعَذَرَهُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَة أَبُو لُبَابَة خَاصَّة وَذَنْبه الَّذِي اِعْتَرَفَ بِهِ فَتِيبَ عَلَيْهِ مِنْهُ مَا كَانَ مِنْ أَمْره فِي بَنِي قُرَيْظَة. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13328 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن نُمَيْر , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَآخَرُونَ اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَة قَالَ لِبَنِي قُرَيْظَة مَا قَالَ . 13329 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَآخَرُونَ اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ } قَالَ أَبُو لُبَابَة إِذْ قَالَ لِقُرَيْظَة مَا قَالَ , أَشَارَ إِلَى حَلْقه : إِنَّ مُحَمَّدًا ذَابِحكُمْ إِنْ نَزَلْتُمْ عَلَى حُكْم اللَّه . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَآخَرُونَ اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ } فَذَكَرَ نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : إِنْ نَزَلْتُمْ عَلَى حُكْمه . 13330 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : رَبَطَ أَبُو لُبَابَة نَفْسه إِلَى سَارِيَة , فَقَالَ لَا أُحِلّ نَفْسِي حَتَّى يُحِلّنِي اللَّه وَرَسُوله ! قَالَ : فَحَلَّهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفِيهِ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَآخَرُونَ اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا } الْآيَة . 13331 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : { وَآخَرُونَ اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَة. وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَة بِسَبَبِ تَخَلُّفه عَنْ تَبُوك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13332 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : قَالَ الزُّهْرِيّ : كَانَ أَبُو لُبَابَة مِمَّنْ تَخَلَّفَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة تَبُوك , فَرَبَطَ نَفْسه بِسَارِيَةٍ , فَقَالَ : وَاَللَّه لَا أُحِلّ نَفْسِي مِنْهَا وَلَا أَذُوق طَعَامًا وَلَا شَرَابًا حَتَّى أَمُوت أَوْ يَتُوب اللَّه عَلَيَّ ! فَمَكَثَ سَبْعَة أَيَّام لَا يَذُوق طَعَامًا وَلَا شَرَابًا حَتَّى خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ . قَالَ : ثُمَّ تَابَ اللَّه عَلَيْهِ , ثُمَّ قِيلَ لَهُ : قَدْ تِيبَ عَلَيْك يَا أَبَا لُبَابَة , فَقَالَ : وَاَللَّه لَا أُحِلّ نَفْسِي حَتَّى يَكُون رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ يُحِلّنِي ! قَالَ : فَجَاءَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَلَّهُ بِيَدِهِ . ثُمَّ قَالَ أَبُو لُبَابَة : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَهْجُر دَار قَوْمِي الَّتِي أَصَبْت فِيهَا الذَّنْب , وَأَنْ أَنْخَلِع مِنْ مَالِي كُلّه صَدَقَة إِلَى اللَّه وَإِلَى رَسُوله . قَالَ : " يَجْزِيك يَا أَبَا لُبَابَة الثُّلُث " . وَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَة الْأَعْرَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13333 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَآخَرُونَ اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَر سَيِّئًا } قَالَ : فَقَالَ إِنَّهُمْ مِنْ الْأَعْرَاب. 13334 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ حَجَّاج بْن أَبِي زَيْنَب , قَالَ : سَمِعْت أَبَا عُثْمَان يَقُول : مَا فِي الْقُرْآن أَرْجَى عِنْدِي لِهَذِهِ الْأُمَّة مِنْ قَوْله : { وَآخَرُونَ اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ } إِلَى : { إِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الْمُعْتَرِفِينَ بِخَطَأِ فِعْلهمْ فِي تَخَلُّفهمْ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرْكهمْ الْجِهَاد مَعَهُ وَالْخُرُوج لِغَزْوِ الرُّوم حِين شَخَصَ إِلَى تَبُوك , وَأَنَّ الَّذِينَ نَزَلَ ذَلِكَ فِيهِمْ جَمَاعَة أَحَدهمْ أَبُو لُبَابَة . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ , لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ : { وَآخَرُونَ اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ } فَأَخْبَرَ عَنْ اِعْتِرَاف جَمَاعَة بِذُنُوبِهِمْ , وَلَمْ يَكُنْ الْمُعْتَرِف بِذَنْبِهِ الْمُوثِق نَفْسه بِالسَّارِيَةِ فِي حِصَار قُرَيْظَة غَيْر أَبِي لُبَابَة وَحْده . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ وَصَفَ فِي قَوْله : { وَآخَرُونَ اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ } بِالِاعْتِرَافِ بِذُنُوبِهِمْ جَمَاعَة , عُلِمَ أَنَّ الْجَمَاعَة الَّذِينَ وَصَفَهُمْ بِذَلِكَ السَّبَب غَيْر الْوَاحِد , فَقَدْ تَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَة إِذَا لَمْ تَكُنْ إِلَّا لِجَمَاعَةٍ , وَكَانَ لَا جَمَاعَة فَعَلَتْ ذَلِكَ فِيمَا نَقَلَهُ أَهْل السِّيَر وَالْأَخْبَار وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْل التَّأْوِيل إِلَّا جَمَاعَة مِنْ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ غَزْوَة تَبُوك ; صَحَّ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ , وَقُلْنَا : كَانَ مِنْهُمْ أَبُو لُبَابَة لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى ذَلِكَ .

{ عَسَى اللَّه أَنْ يَتُوب عَلَيْهِمْ } يَقُول : لَعَلَّ اللَّه أَنْ يَتُوب عَلَيْهِمْ. وَعَسَى مِنْ اللَّه وَاجِب , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : سَيَتُوبُ اللَّه عَلَيْهِمْ , وَلَكِنَّهُ فِي كَلَام الْعَرَب عَلَى مَا وَصَفْت .

{ إِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } يَقُول : إِنَّ اللَّه ذُو صَفْح وَعَفْو لِمَنْ تَابَ عَنْ ذُنُوبه وَسَاتِر لَهُ عَلَيْهَا رَحِيم أَنْ يُعَذِّبهُ بِهَا .
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌسورة التوبة الآية رقم 103
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة تُطَهِّرهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتك سَكَنَ لَهُمْ }. يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا مُحَمَّد خُذْ مِنْ أَمْوَال هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ فَتَابُوا مِنْهَا صَدَقَة تُطَهِّرهُمْ مِنْ دَنَس ذُنُوبهمْ { وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } يَقُول : وَتُنَمِّيهِمْ وَتَرْفَعهُمْ عَنْ خَسِيس مَنَازِل أَهْل النِّفَاق بِهَا , إِلَى مَنَازِل أَهْل الْإِخْلَاص . { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ } يَقُول : وَادْعُ لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ لِذُنُوبِهِمْ , { وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ } مِنْهَا . { إِنَّ صَلَاتك سَكَن لَهُمْ } يَقُول : إِنَّ دُعَاءَك وَاسْتِغْفَارك طُمَأْنِينَة لَهُمْ بِأَنَّ اللَّه قَدْ عَفَا عَنْهُمْ وَقَبِلَ تَوْبَتهمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13335 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : جَاءُوا بِأَمْوَالِهِمْ - يَعْنِي أَبَا لُبَابَة وَأَصْحَابه حِين أَطْلَقُوا - فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه هَذِهِ أَمْوَالنَا فَتَصَدَّقْ بِهَا عَنَّا وَاسْتَغْفِرْ لَنَا ! قَالَ : " مَا أُمِرْت أَنْ آخُذ مِنْ أَمْوَالكُمْ شَيْئًا " . فَأَنْزَلَ اللَّه : { خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة تُطَهِّرهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } يَعْنِي بِالزَّكَاةِ : طَاعَة اللَّه وَالْإِخْلَاص . { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ } يَقُول : اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ . 13336 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا أَطْلَقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا لُبَابَة وَصَاحِبَيْهِ , اِنْطَلَقَ أَبُو لُبَابَة وَصَاحِبَاهُ بِأَمْوَالِهِمْ , فَأَتَوْا بِهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالُوا : خُذْ مِنْ أَمْوَالنَا فَتَصَدَّقْ بِهِ عَنَّا , وَصَلِّ عَلَيْنَا ! يَقُولُونَ : اِسْتَغْفِرْ لَنَا وَطَهِّرْنَا . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا آخُذ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى أُؤْمَر " فَأَنْزَلَ اللَّه : { خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة تُطَهِّرهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتك سَكَن لَهُمْ } يَقُول : اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ مِنْ ذُنُوبهمْ الَّتِي كَانُوا أَصَابُوا . فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة أَخَذَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُزْءًا مِنْ أَمْوَالهمْ , فَتَصَدَّقْ بِهَا عَنْهُمْ . 13337 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ , قَالَ : لَمَّا أَطْلَقَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا لُبَابَة وَاَلَّذِينَ رَبَطُوا أَنْفُسهمْ بِالسَّوَارِي , قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه خُذْ مِنْ أَمْوَالنَا صَدَقَة تُطَهِّرنَا بِهَا ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة تُطَهِّرهُمْ } الْآيَة. 13338 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : قَالَ الَّذِينَ رَبَطُوا أَنْفُسهمْ بِالسَّوَارِي حِين عَفَا اللَّه عَنْهُمْ يَا نَبِيّ اللَّه طَهِّرْ أَمْوَالنَا ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة تُطَهِّرهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } , وَكَانَ الثَّلَاثَة إِذَا اِشْتَكَى أَحَدهمْ اِشْتَكَى الْآخَرَانِ مِثْله , وَكَانَ عَمِّي مِنْهُمْ اِثْنَانِ , فَلَمْ يَزَلْ الْآخَر يَدْعُو حَتَّى عَمِّي . 13339 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : الْأَرْبَعَة : جَدّ بْن قَيْس , وَأَبُو لُبَابَة , وَحَرَام , وَأَوْس , وَهُمْ الَّذِينَ قِيلَ فِيهِمْ : { خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة تُطَهِّرهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتك سَكَن لَهُمْ } أَيْ وَقَار لَهُمْ . وَكَانُوا وَعَدُوا مِنْ أَنْفُسهمْ أَنْ يُنْفِقُوا وَيُجَاهِدُوا وَيَتَصَدَّقُوا . 13340 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك , قَالَ : لَمَّا أَطْلَقَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا لُبَابَة وَأَصْحَابه , أَتَوْا نَبِيّ اللَّه بِأَمْوَالِهِمْ , فَقَالُوا : يَا نَبِيّ اللَّه خُذْ مِنْ أَمْوَالنَا فَتَصَدَّقْ بِهِ عَنَّا , وَطَهِّرْنَا وَصَلِّ عَلَيْنَا ! يَقُولُونَ : اِسْتَغْفِرْ لَنَا . فَقَالَ نَبِيّ اللَّه : " لَا آخُذ مِنْ أَمْوَالكُمْ شَيْئًا حَتَّى أُؤْمَر فِيهَا " . فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة تُطَهِّرهُمْ } مِنْ ذُنُوبهمْ الَّتِي أَصَابُوا . { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ } يَقُول : اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ . فَفَعَلَ نَبِيّ اللَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَا أَمَرَهُ اللَّه بِهِ . 13341 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة } أَبُو لُبَابَة وَأَصْحَابه . { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ } يَقُول : اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ لِذُنُوبِهِمْ الَّتِي كَانُوا أَصَابُوا. 13342 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة تُطَهِّرهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتك سَكَن لَهُمْ } قَالَ : هَؤُلَاءِ نَاس مِنْ الْمُنَافِقِينَ مِمَّنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة تَبُوك , اِعْتَرَفُوا بِالنِّفَاقِ وَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه قَدْ اِرْتَبْنَا وَنَافَقْنَا وَشَكَكْنَا , وَلَكِنْ تَوْبَة جَدِيدَة وَصَدَقَة نُخْرِجهَا مِنْ أَمْوَالنَا ! فَقَالَ اللَّه لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : { خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة تُطَهِّرهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } بَعْد مَا قَالَ : { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْره } . 9 84 وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه رَفْع " تُزَكِّيهِمْ " , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : رَفَعَ " تُزَكِّيهِمْ بِهَا " فِي الِابْتِدَاء وَإِنْ شِئْت جَعَلْته مِنْ صِفَة الصَّدَقَة , ثُمَّ جِئْت بِهَا تَوْكِيدًا , وَكَذَلِكَ " تُطَهِّرهُمْ " . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : إِنْ كَانَ قَوْله : { تُطَهِّرهُمْ } لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَالِاخْتِيَار أَنْ تَجْزِم بِأَنَّهُ لَمْ يَعُدْ عَلَى الصَّدَقَة عَائِد , { وَتُزَكِّيهِمْ } مُسْتَأْنَف , وَإِنْ كَانَتْ الصَّدَقَة تُطَهِّرهُمْ وَأَنْتَ تُزَكِّيهِمْ بِهَا جَازَ أَنْ تَجْزِم الْفِعْلَيْنِ وَتَرْفَعهُمَا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل أَنَّ قَوْله : { تُطَهِّرهُمْ } مِنْ صِلَة " الصَّدَقَة " , لِأَنَّ الْقُرَّاء مُجْمِعَة عَلَى رَفْعهَا , وَذَلِكَ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ مِنْ صِلَة الصَّدَقَة . وَأَمَّا قَوْله : { وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } فَخَبَر مُسْتَأْنَف , بِمَعْنَى : وَأَنْتَ تُزَكِّيهِمْ بِهَا , فَلِذَلِكَ رَفَعَ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { إِنَّ صَلَاتك سَكَن لَهُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : رَحْمَة لَهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13343 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { إِنَّ صَلَاتك سَكَن لَهُمْ } يَقُول : رَحْمَة لَهُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَاهُ : إِنَّ صَلَاتك وَقَار لَهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13344 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { إِنَّ صَلَاتك سَكَن لَهُمْ } : أَيْ وَقَار لَهُمْ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ قُرَّاء الْمَدِينَة : " إِنَّ صَلَاتك سَكَن لَهُمْ " بِمَعْنَى دَعَوَاتك . وَقَرَأَ قُرَّاء الْعِرَاق وَبَعْض الْمَكِّيِّينَ : { إِنَّ صَلَاتك سَكَن لَهُمْ } بِمَعْنَى إِنَّ دُعَاءَك . وَكَأَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ عَلَى التَّوْحِيد رَأَوْا أَنَّ قِرَاءَته بِالتَّوْحِيدِ أَصَحّ ; لِأَنَّ فِي التَّوْحِيد مِنْ مَعْنَى الْجَمْع وَكَثْرَة الْعَدَد مَا لَيْسَ فِي قَوْله : " إِنَّ صَلَاتك سَكَن لَهُمْ " إِذْ كَانَتْ الصَّلَوَات هِيَ جَمْع لِمَا بَيْن الثَّلَاث إِلَى الْعَشْر مِنْ الْعَدَد دُون مَا هُوَ أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ , وَاَلَّذِي قَالُوا مِنْ ذَلِكَ عِنْدنَا كَمَا قَالُوا . وَبِالتَّوْحِيدِ عِنْدنَا الْقِرَاءَة لَا لِعِلَّةِ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْعَدَد أَكْثَر مِنْ الصَّلَوَات , وَلَكِنَّ الْمَقْصُود مِنْهُ الْخَبَر عَنْ دُعَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَاته أَنَّهُ سَكَن لِهَؤُلَاءِ الْقَوْم لَا الْخَبَر عَنْ الْعَدَد , وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ التَّوْحِيد فِي الصَّلَاة أَوْلَى .

{ وَاَللَّه سَمِيع عَلِيم } يَقُول : وَاَللَّه سَمِيع لِدُعَائِك إِذَا دَعَوْت لَهُمْ وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كَلَام خَلْقه , عَلِيم بِمَا تَطْلُب بِهِمْ بِدُعَائِك رَبّك لَهُمْ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُور عِبَاده .
أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُسورة التوبة الآية رقم 104
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّه هُوَ يَقْبَل التَّوْبَة عَنْ عِبَاده وَيَأْخُذ الصَّدَقَات وَأَنَّ اللَّه هُوَ التَّوَّاب الرَّحِيم } . وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ أَنَّ قَبُول تَوْبَة مَنْ تَابَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَأَخْذ الصَّدَقَة مِنْ أَمْوَالهمْ إِذَا أَعْطَوْهَا لَيْسَا إِلَى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنَّ نَبِيّ اللَّه حِين أَبَى أَنْ يُطْلِق مَنْ رَبَطَ نَفْسه بِالسَّوَارِي مِنْ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ الْغَزْو مَعَهُ وَحِين تَرَكَ قَبُول صَدَقَتهمْ بَعْد أَنْ أَطْلَقَ اللَّه عَنْهُمْ حِين أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْل أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنَّ ذَلِكَ إِلَى اللَّه تَعَالَى ذِكْره دُون مُحَمَّد , وَأَنَّ مُحَمَّدًا إِنَّمَا يَفْعَل مَا يَفْعَل مِنْ تَرْك وَإِطْلَاق وَأَخْذ صَدَقَة وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَفْعَاله بِأَمْرِ اللَّه . فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَلَمْ يَعْلَم هَؤُلَاءِ الْمُتَخَلِّفُونَ عَنْ الْجِهَاد مَعَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُوثِقُو أَنْفُسهمْ بِالسَّوَارِي , الْقَائِلُونَ لَا نُطْلِق أَنْفُسنَا حَتَّى يَكُون رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي يُطْلِقنَا , السَّائِلُو رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْذ الصَّدَقَة أَمْوَالهمْ ; أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ إِلَى مُحَمَّد , وَأَنَّ ذَلِكَ إِلَى اللَّه , وَأَنَّ اللَّه هُوَ الَّذِي يَقْبَل تَوْبَة مَنْ تَابَ عِبَاده أَوْ يَرُدّهَا , وَيَأْخُذ صَدَقَة مَنْ تَصَدَّقَ مِنْهُمْ , أَوْ يَرُدّهَا عَلَيْهِ دُون مُحَمَّد , فَيُوَجِّهُوا تَوْبَتهمْ وَصَدَقَتهمْ إِلَى اللَّه , وَيَقْصِدُوا بِذَلِكَ قَصْد وَجْهه دُون مُحَمَّد وَغَيْره , وَيَخْلُصُوا التَّوْبَة لَهُ وَيُرِيدُوهُ بِصَدَقَتِهِمْ , وَيَعْلَمُوا أَنَّ اللَّه هُوَ التَّوَّاب الرَّحِيم ؟ يَقُول : الْمَرْجِع بِعَبِيدِهِ إِلَى الْعَفْو عَنْهُ إِذَا رَجَعُوا إِلَى طَاعَته , الرَّحِيم بِهِمْ إِذَا هُمْ أَنَابُوا إِلَى رِضَاهُ مِنْ عِقَابه . وَكَانَ اِبْن زَيْد يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 13345 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , قَالَ الْآخَرُونَ , يَعْنِي الَّذِينَ لَمْ يَتُوبُوا مِنْ الْمُتَخَلِّفِينَ : هَؤُلَاءِ ; يَعْنِي الَّذِينَ تَابُوا كَانُوا بِالْأَمْسِ مَعَنَا لَا يُكَلَّمُونَ وَلَا يُجَالَسُونَ , فَمَا لَهُمْ ؟ فَقَالَ اللَّه : { إِنَّ اللَّه هُوَ يَقْبَل التَّوْبَة عَنْ عِبَاده وَيَأْخُذ الصَّدَقَات وَأَنَّ اللَّه هُوَ التَّوَّاب الرَّحِيم } . 13346 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي رَجُل كَانَ يَأْتِي حَمَّادًا وَلَمْ يَجْلِس إِلَيْهِ - قَالَ شُعْبَة : قَالَ الْعَوَّام بْن حَوْشَب : هُوَ قَتَادَة , أَوْ اِبْن قَتَادَة , رَجُل مِنْ مُحَارِب - قَالَ سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن السَّائِب وَكَانَ جَاره , قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود يَقُول : مَا مِنْ عَبْد تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ إِلَّا وَقَعَتْ فِي يَد اللَّه , فَيَكُون هُوَ الَّذِي يَضَعهَا فِي يَد السَّائِل. وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { هُوَ يَقْبَل التَّوْبَة عَنْ عِبَاده وَيَأْخُذ الصَّدَقَات } . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن السَّائِب , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي قَتَادَة الْمُحَارِبِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ : مَا تَصَدَّقَ رَجُل بِصَدَقَةٍ إِلَّا وَقَعَتْ فِي يَد اللَّه قَبْل أَنْ تَقَع فِي يَد السَّائِل وَهُوَ يَضَعهَا فِي يَد السَّائِل. ثُمَّ قَرَأَ : { أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّه هُوَ يَقْبَل التَّوْبَة عَنْ عِبَاده , وَيَأْخُذ الصَّدَقَات } . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَبْد اللَّه بْن السَّائِب , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي قَتَادَة , عَنْ اِبْن مَسْعُود , بِنَحْوِهِ. * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن السَّائِب , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي قَتَادَة , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : إِنَّ الصَّدَقَة تَقَع فِي يَد اللَّه قَبْل أَنْ تَقَع فِي يَد السَّائِل , ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { هُوَ يَقْبَل التَّوْبَة عَنْ عِبَاده وَيَأْخُذ الصَّدَقَات } . 13347 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن مَنْصُور , عَنْ الْقَاسِم , أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّه يَقْبَل الصَّدَقَة , وَيَأْخُذهَا بِيَمِينِهِ , فَيُرَبِّيهَا لِأَحَدِكُمْ كَمْ يُرَبِّي أَحَدكُمْ مُهْره , حَتَّى إِنَّ اللُّقْمَة لَتَصِير مِثْل أَحَد وَتَصْدِيق ذَلِكَ فِي كِتَاب اللَّه : { أَنَّ اللَّه هُوَ يَقْبَل التَّوْبَة عَنْ عِبَاده وَيَأْخُذ الصَّدَقَات } و { يَمْحَق اللَّه الرِّبَا وَيُرَبِّي الصَّدَقَات } " . 2 276 * - حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن عُمَر بْن الْأَقْطَع الرِّبِّيّ , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَبَّاد بْن مَنْصُور , عَنْ الْقَاسِم , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , وَلَا أَرَاهُ إِلَّا قَدْ رَفَعَهُ , قَالَ : " إِنَّ اللَّه يَقْبَل الصَّدَقَة " , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . 13348 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب , عَنْ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : إِنَّ اللَّه يَقْبَل الصَّدَقَة إِذَا كَانَتْ مِنْ طَيِّب , وَيَأْخُذهَا بِيَمِينِهِ , وَإِنَّ الرَّجُل يَتَصَدَّق بِمِثْلِ اللُّقْمَة , فَيُرَبِّيهَا اللَّه لَهُ , كَمَا يُرَبِّي أَحَدكُمْ فَصِيله أَوْ مُهْره , فَتَرْبُو فِي كَفّ اللَّه - أَوْ قَالَ فِي يَد اللَّه - حَتَّى تَكُون مِثْل الْجَبَل. 13349 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّه هُوَ يَقْبَل التَّوْبَة عَنْ عِبَاده وَيَأْخُذ الصَّدَقَات } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : " وَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ , لَا يَتَصَدَّق رَجُل بِصَدَقَةٍ فَتَقَع فِي يَد السَّائِل حَتَّى تَقَع فِي يَد اللَّه " . 13350 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَأَنَّ اللَّه هُوَ التَّوَّاب الرَّحِيم } يَعْنِي إِنْ اِسْتَقَامُوا .
وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَسورة التوبة الآية رقم 105
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقُلْ اِعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّه عَمَلكُمْ وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة }. يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَقُلْ } يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ اِعْتَرَفُوا لَك بِذُنُوبِهِمْ مِنْ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ الْجِهَاد مَعَك : { اِعْمَلُوا } لِلَّهِ بِمَا يُرْضِيه مِنْ طَاعَته وَأَدَاء فَرَائِضه , { فَسَيَرَى اللَّه عَمَلكُمْ وَرَسُوله } يَقُول : فَسَيَرَى اللَّه إِنْ عَمِلْتُمْ عَمَلكُمْ , وَيَرَاهُ رَسُوله. { وَالْمُؤْمِنُونَ } فِي الدُّنْيَا { وَسَتُرَدُّونَ } يَوْم الْقِيَامَة إِلَى مَنْ يَعْلَم سَرَائِركُمْ وَعَلَانِيَتكُمْ , فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ بَاطِن أُمُوركُمْ وَظَوَاهِرهَا . 13351 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد : { وَقُلْ اِعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّه عَمَلكُمْ وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنُونَ } قَالَ : هَذَا وَعِيد.

{ فَيُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } يَقُول : فَيُخْبِركُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ , وَمَا مِنْهُ خَالِصًا وَمَا مِنْهُ رِيَاء وَمَا مِنْهُ طَاعَة وَمَا مِنْهُ لِلَّهِ مَعْصِيَة , فَيُجَازِيكُمْ عَلَى ذَلِكَ كُلّه جَزَاءَكُمْ , الْمُحْسِن بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ .
وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌسورة التوبة الآية رقم 106
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْكُمْ حِين شَخَصْتُمْ لِعَدُوِّكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ آخَرُونَ . وَرَفَعَ قَوْله آخَرُونَ عَطْفًا عَلَى قَوْله : { وَآخَرُونَ اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَر سَيِّئًا } . { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ } يَعْنِي مُرْجِئُونَ لِأَمْرِ اللَّه وَقَضَائِهِ , يُقَال مِنْهُ أَرْجَأْته أُرْجِئهُ إِرْجَاء وَهُوَ مُرْجَأ بِالْهَمْزِ وَتُرِكَ الْهَمْز , وَهُمَا لُغَتَانِ مَعْنَاهُمَا وَاحِد , وَقَدْ قَرَأْت الْقُرَّاء بِهِمَا جَمِيعًا . وَقِيلَ : عُنِيَ بِهَؤُلَاءِ الْآخَرِينَ نَفَر مِمَّنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة تَبُوك , فَنَدِمُوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَلَمْ يَعْتَذِرُوا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد مُقَدَّمه , وَلَمْ يُوثِقُوا أَنْفُسهمْ بِالسَّوَارِي , فَأَرْجَأَ اللَّه أَمْرهمْ إِلَى أَنْ صَحَّتْ تَوْبَتهمْ , فَتَابَ عَلَيْهِمْ وَعَفَا عَنْهُمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13352 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : وَكَانَ ثَلَاثَة مِنْهُمْ - يَعْنِي مِنْ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ غَزْوه تَبُوك - لَمْ يُوثِقُوا أَنْفُسهمْ بِالسَّوَارِي أَرْجَئُوا سِبْتَة لَا يَدْرُونَ أَيُعَذَّبُونَ أَوْ يُتَاب عَلَيْهِمْ. فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَقَدْ تَابَ اللَّه عَلَى النَّبِيّ وَالْمُهَاجِرِينَ } 9 117 إِلَى قَوْله : { إِنَّ اللَّه هُوَ التَّوَّاب الرَّحِيم } . 9 117 13353 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة - يَعْنِي قَوْله : { خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة تُطَهِّرهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } - أَخَذَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْوَالهمْ - يَعْنِي مِنْ أَمْوَال أَبِي لُبَابَة وَصَاحِبَيْهِ - فَتَصَدَّقْ بِهَا عَنْهُمْ , وَبَقِيَ الثَّلَاثَة الَّذِينَ خَالَفُوا أَبَا لُبَابَة , وَلَمْ يُوثَقُوا , وَلَمْ يَذْكُرُوا بِشَيْءٍ , وَلَمْ يَنْزِل عُذْرهمْ , وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الْأَرْض بِمَا رَحُبَتْ . وَهُمْ الَّذِينَ قَالَ اللَّه : { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّه إِمَّا يُعَذِّبهُمْ وَإِمَّا يَتُوب عَلَيْهِمْ وَاَللَّه عَلِيم حَكِيم } فَجَعَلَ النَّاس يَقُولُونَ : هَلَكُوا إِذْ لَمْ يَنْزِل لَهُمْ عُذْرًا وَجَعَلَ آخَرُونَ يَقُولُونَ : عَسَى اللَّه أَنْ يَغْفِر لَهُمْ ! فَصَارُوا مُرْجِئِينَ لِأَمْرِ اللَّه , حَتَّى نَزَلَتْ : { لَقَدْ تَابَ اللَّه عَلَى النَّبِيّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار الَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ فِي سَاعَة الْعُسْرَة } الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَهُ إِلَى الشَّام { مِنْ بَعْد مَا كَادَ يَزِيغ قُلُوب فَرِيق مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوف رَحِيم } . ثُمَّ قَالَ : { وَعَلَى الثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا } يَعْنِي الْمُرْجِئِينَ لِأَمْرِ اللَّه نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ التَّوْبَة فَعَمُوا بِهَا , فَقَالَ : { حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الْأَرْض بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسهمْ } إِلَى قَوْله : { إِنَّ اللَّه هُوَ التَّوَّاب الرَّحِيم } . 13354 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن عَمْرو , عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ أَيُّوب , عَنْ عِكْرِمَة : { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّه } قَالَ : هُمْ الثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا . 13355 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّه } قَالَ : هِلَال بْن أُمَيَّة وَمَرَارَة بْن الرَّبِيع وَكَعْب بْن مَالِك مِنْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج. * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لَأَمَرَ اللَّه } هِلَال بْن أُمَيَّة وَمَرَارَة بْن الرَّبِيع وَكَعْب بْن مَالِك مِنْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج . * - قَالَ : ثنا إِسْحَاق قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله. * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 13356 - قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , مِثْله . 13357 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّه } هُمْ الثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا عَنْ التَّوْبَة - يُرِيد غَيْر أَبِي لُبَابَة وَأَصْحَابه - وَلَمْ يُنْزِل اللَّه عُذْرهمْ , فَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الْأَرْض بِمَا رَحُبَتْ . وَكَانَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ فِرْقَتَيْنِ : فِرْقَة تَقُول : هَلَكُوا حِين لَمْ يُنْزِل اللَّه فِيهِمْ مَا أَنْزَلَ فِي أَبِي لُبَابَة وَأَصْحَابه , وَتَقُول فِرْقَة أُخْرَى : عَسَى اللَّه أَنْ يَعْفُو عَنْهُمْ ! وَكَانُوا مُرْجِئِينَ لِأَمْرِ اللَّه . ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه رَحْمَته وَمَغْفِرَته , فَقَالَ : { لَقَدْ تَابَ اللَّه عَلَى النَّبِيّ وَالْمُهَاجِرِينَ } 9 117 الْآيَة , وَأَنْزَلَ اللَّه : { وَعَلَى الثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا } الْآيَة . 13358 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّه } قَالَ : كُنَّا نُحَدِّث أَنَّهُمْ الثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا : كَعْب بْن مَالِك , وَهِلَال بْن أُمَيَّة , وَمَرَارَة بْن الرَّبِيع , رَهْط مِنْ الْأَنْصَار . 13359 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّه } قَالَ : هُمْ الثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا . 13360 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّه إِمَّا يُعَذِّبهُمْ وَإِمَّا يَتُوب عَلَيْهِمْ } وَهُمْ الثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا , وَأَرْجَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرهمْ حَتَّى أَتَتْهُمْ تَوْبَتهمْ مِنْ اللَّه .

وَأَمَّا قَوْله : { إِمَّا يُعَذِّبهُمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : إِمَّا أَنْ يَحْجِزهُمْ اللَّه عَنْ التَّوْبَة بِخِذْلَانِهِ إِيَّاهُمْ فَيُعَذِّبهُمْ بِذُنُوبِهِمْ الَّتِي مَاتُوا عَلَيْهَا فِي الْآخِرَة.

{ وَإِمَّا يَتُوب عَلَيْهِمْ } يَقُول : وَإِمَّا يُوَفِّقهُمْ لِلتَّوْبَةِ فَيَتُوبُوا مِنْ ذُنُوبهمْ , فَيَغْفِر لَهُمْ.

{ وَاَللَّه عَلِيم حَكِيم } يَقُول : وَاَللَّه ذُو عِلْم بِأَمْرِهِمْ وَمَا هُمْ صَائِرُونَ إِلَيْهِ مِنْ التَّوْبَة وَالْمُقَام عَلَى الذَّنْب , حَكِيم فِي تَدْبِيرهمْ وَتَدْبِير مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ خَلْقه , لَا يَدْخُل حُكْمه خَلَل.
وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَسورة التوبة الآية رقم 107
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ اِتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْن الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله مِنْ قَبْل وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاَللَّه يَشْهَد إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاَلَّذِينَ اِبْتَنَوْا مَسْجِدًا ضِرَارًا , وَهُمْ فِيمَا ذَكَرْنَا اِثْنَا عَشَرَ نَفْسًا مِنْ الْأَنْصَار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13361 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ الزُّهْرِيّ وَيَزِيد بْن رُومَان , وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر , وَعَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَة وَغَيْرهمْ , قَالُوا : أَقْبَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي مِنْ تَبُوك - حَتَّى نَزَلَ بِذِي أَوَان , بَلَد بَيْنه وَبَيْن الْمَدِينَة سَاعَة مِنْ نَهَار . وَكَانَ أَصْحَاب مَسْجِد الضِّرَار قَدْ كَانُوا أَتَوْهُ وَهُوَ يَتَجَهَّز إِلَى تَبُوك , فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه إِنَّا قَدْ بَنَيْنَا مَسْجِدًا لِذِي الْعِلَّة وَالْحَاجَة وَاللَّيْلَة الْمَطِيرَة وَاللَّيْلَة الشَّاتِيَة , وَإِنَّا نُحِبّ أَنْ تَأْتِينَا فَتُصَلِّي لَنَا فِيهِ ! فَقَالَ : " إِنِّي عَلَى جَنَاح سَفَر وَحَال شُغْل " - أَوْ كَمَا قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَلَوْ قَدْ قَدِمْنَا أَتَيْنَاكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّه فَصَلَّيْنَا لَكُمْ فِيهِ " . فَلَمَّا نَزَلَ بِذِي أَوَان أَتَاهُ خَبَر الْمَسْجِد , فَدَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالِك بْن الدَّخْشَم أَخَا بَنِي سَالِم بْن عَوْف وَمَعْن بْن عَدِيّ أَوْ أَخَاهُ عَاصِم بْن عَدِيّ أَخَا بَنِي الْعَجْلَان , فَقَالَ : " اِنْطَلِقَا إِلَى هَذَا الْمَسْجِد الظَّالِم أَهْله فَاهْدِمَاهُ وَحَرِّقَاهُ ! " فَخَرَجَا سَرِيعَيْنِ حَتَّى أَتَيَا بَنِي سَالِم بْن عَوْف , وَهُمْ رَهْط مَالِك بْن الدَّخْشَم , فَقَالَ مَالِك لِمَعْنٍ : أَنْظِرْنِي حَتَّى أَخْرُج إِلَيْك بِنَارٍ مِنْ أَهْلِي ! فَدَخَلَ أَهْله فَأَخَذَ سَعَفًا مِنْ النَّخْل , فَأَشْعَلَ فِيهِ نَارًا , ثُمَّ خَرَجَا يَشْتَدَّانِ حَتَّى دَخَلَا الْمَسْجِد وَفِيهِ أَهْله , فَحَرَّقَاهُ وَهَدَمَاهُ , وَتَفَرَّقُوا عَنْهُ . وَنَزَلَ فِيهِمْ مِنْ الْقُرْآن مَا نَزَلَ : { وَاَلَّذِينَ اِتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا } إِلَى آخِر الْقِصَّة . وَكَانَ الَّذِينَ بَنَوْهُ اِثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا : خِذَام بْن خَالِد مِنْ بَنِي عُبَيْد بْن زَيْد أَحَد بَنِي عَمْرو بْن عَوْف وَمِنْ دَاره أُخْرِجَ مَسْجِد الشِّقَاق , وَثَعْلَبَة بْن حَاطِب مِنْ بَنِي عُبَيْد وَهُوَ إِلَى بَنِي أُمَيَّة بْن زَيْد , وَمُعَتِّب بْن قُشَيْر مِنْ بَنِي ضُبَيْعَة بْن زَيْد , وَأَبُو حَبِيبَة بْن الْأَزْعَر مِنْ بَنِي ضُبَيْعَة بْن زَيْد , وَعَبَّاد بْن حُنَيْف أَخُو سَهْل بْن حُنَيْف مِنْ بَنِي عَمْرو بْن عَوْف , وَجَارِيَة بْن عَامِر وَابْنَاهُ : مُجَمِّع بْن جَارِيَة , وَزَيْد بْن جَارِيَة , وَنَبْتَل بْن الْحَارِث وَهُمْ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَة , وَبَحْزَج وَهُوَ إِلَى بَنِي ضُبَيْعَة , وَبِجَاد بْن عُثْمَان وَهُوَ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَة , وَوَدِيعَة بْن ثَابِت وَهُوَ إِلَى بَنِي أُمَيَّة رَهْط أَبِي لُبَابَة بْن عَبْد الْمُنْذِر . فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَاَلَّذِينَ اِبْتَنَوْا مَسْجِدًا ضِرَارًا لِمَسْجِدِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُفْرًا بِاَللَّهِ لِمُحَادَتِهِمْ بِذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُفَرِّقُوا بِهِ الْمُؤْمِنِينَ لِيُصَلِّيَ فِيهِ بَعْضهمْ دُون مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَبَعْضهمْ فِي مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَخْتَلِفُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ وَيَفْتَرِقُوا . { وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله مِنْ قَبْل } يَقُول : وَإِعْدَادًا لَهُ , لِأَبِي عَامِر الْكَافِر الَّذِي خَالَفَ اللَّه وَرَسُوله , وَكَفَرَ بِهِمَا وَقَاتَلَ رَسُول اللَّه. { مِنْ قَبْل } يَعْنِي مِنْ قَبْل بِنَائِهِمْ ذَلِكَ الْمَسْجِد . وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا عَامِر هُوَ الَّذِي كَانَ حَزَّبَ الْأَحْزَاب , يَعْنِي حَزَّبَ الْأَحْزَاب لِقِتَالِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا خَذَلَهُ اللَّه , لَحِقَ بِالرُّومِ يَطْلُب النَّصْر مِنْ مَلِكهمْ عَلَى نَبِيّ اللَّه , وَكَتَبَ إِلَى أَهْل مَسْجِد الضِّرَار يَأْمُرهُمْ بِبِنَاءِ الْمَسْجِد الَّذِي كَانُوا بَنَوْهُ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ لِيُصَلِّيَ فِيهِ فِيمَا يَزْعُم إِذَا رَجَعَ إِلَيْهِمْ ; فَفَعَلُوا ذَلِكَ . وَهَذَا مَعْنَى قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله مِنْ قَبْل وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَيَحْلِفُنَّ بَانُوهُ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى بِبِنَائِنَاهُ إِلَّا الرِّفْق بِالْمُسْلِمِينَ وَالْمَنْفَعَة وَالتَّوْسِعَة عَلَى أَهْل الضَّعْف وَالْعِلَّة وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْمَسِير إِلَى مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّلَاةِ فِيهِ . وَتِلْكَ هِيَ الْفَعْلَة الْحَسَنَة . { وَاَللَّه يَشْهَد إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } فِي حَلِفهمْ ذَلِكَ , وَقِيلهمْ مَا بَنَيْنَاهُ إِلَّا وَنَحْنُ نُرِيد الْحُسْنَى , وَلَكِنَّهُمْ بَنَوْهُ يُرِيدُونَ بِبِنَائِهِ السُّوأَى ضِرَارًا لِمَسْجِدِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُفْرًا بِاَللَّهِ وَتَفْرِيقًا بَيْن الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِأَبِي عَامِر الْفَاسِق . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13362 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَاَلَّذِينَ اِتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا } وَهُمْ أُنَاس مِنْ الْأَنْصَار اِبْتَنَوْا مَسْجِدًا , فَقَالَ لَهُمْ أَبُو عَامِر : اِبْنُوا مَسْجِدكُمْ , وَاسْتَعَدُّوا بِمَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة وَمِنْ سِلَاح , فَإِنِّي ذَاهِب إِلَى قَيْصَر مَلِك الرُّوم فَآتِي بِجُنْدٍ مِنْ الرُّوم فَأُخْرِج مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه ! فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ مَسْجِدهمْ أَتَوْا النَّبِيّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام , فَقَالُوا : قَدْ فَرَغْنَا مِنْ بِنَاء مَسْجِدنَا , فَنُحِبّ أَنْ تُصَلِّي فِيهِ وَتَدْعُو لَنَا بِالْبَرَكَةِ . فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِ : { لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِد أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّل يَوْم أَحَقّ أَنْ تَقُوم فِيهِ } 9 108 إِلَى قَوْله : { وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ } . 9 109 13363 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَاَلَّذِينَ اِتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْن الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : لَمَّا بَنَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِد قَبَاء , خَرَجَ رِجَال مِنْ الْأَنْصَار مِنْهُمْ بَخْدَج جَدّ عَبْد اللَّه بْن حُنَيْف , وَوَدِيعَة بْن حِزَام , وَمُجَمِّع بْن جَارِيَة الْأَنْصَارِيّ , فَبَنَوْا مَسْجِد النِّفَاق , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَخْدَج : " وَيْلك مَا أَرَدْت إِلَى مَا أَرَى ؟ " فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , وَاَللَّه مَا أَرَدْت إِلَّا الْحُسْنَى ! وَهُوَ كَاذِب . فَصَدَّقَهُ رَسُول اللَّه وَأَرَادَ أَنْ يَعْذُرهُ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَاَلَّذِينَ اِتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْن الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله } يَعْنِي رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَال لَهُ أَبُو عَامِر كَانَ مُحَارِبًا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ قَدْ اِنْطَلَقَ إِلَى هِرَقْل , فَكَانُوا يَرْصُدُونَ أَبَا عَامِر أَنْ يُصَلِّي فِيهِ , وَكَانَ قَدْ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَة مُحَارِبًا لِلَّهِ وَرَسُوله . { وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاَللَّه يَشْهَد إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } . 13364 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا. حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : { وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله مِنْ قَبْل } قَالَ : أَبُو عَامِر الرَّاهِب اِنْطَلَقَ إِلَى قَيْصَر , فَقَالُوا : إِذَا جَاءَ يُصَلِّي فِيهِ . كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 13365 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَاَلَّذِينَ اِتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا } قَالَ الْمُنَافِقُونَ لِمَنْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله لِأَبِي عَامِر الرَّاهِب. * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 13366 - قَالَ : ثنا أَبُو إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَاَلَّذِينَ اِتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْن الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ . وَقَوْله : { وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله مِنْ قَبْل } قَالَ : هُوَ أَبُو عَامِر الرَّاهِب . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 13367 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن عَمْرو , عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ أَيُّوب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَاَلَّذِينَ اِتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا } قَالَ : هُمْ بَنُو غُنْم بْن عَوْف . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَاَلَّذِينَ اِتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا } قَالَ : هُمْ حَيّ يُقَال لَهُمْ بَنُو غُنْم . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { وَاَلَّذِينَ اِتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا } قَالَ : هُمْ حَيّ يُقَال لَهُمْ بَنُو غُنْم . 13368 - قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عُرْوَة , عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : { وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله } أَبُو عَامِر الرَّاهِب اِنْطَلَقَ إِلَى الشَّأْم , فَقَالَ الَّذِينَ بَنَوْا مَسْجِد الضِّرَار : إِنَّمَا بَنَيْنَاهُ لِيُصَلِّيَ فِيهِ أَبُو عَامِر . 13369 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَاَلَّذِينَ اِتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا } الْآيَة , عَمَدَ نَاس مِنْ أَهْل النِّفَاق , فَابْتَنَوْا مَسْجِدًا بِقُبَاء لِيُضَاهُوا بِهِ مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ بَعَثُوا إِلَى رَسُول اللَّه لِيُصَلِّيَ فِيهِ . ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ دَعَا بِقَمِيصِهِ لِيَأْتِيَهُمْ حَتَّى أَطْلَعَهُ اللَّه عَلَى ذَلِكَ . وَأَمَّا قَوْله : { وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله } فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلًا يُقَال لَهُ أَبُو عَامِر , فَرَّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ فَقَتَلُوهُ بِإِسْلَامِهِ , قَالَ : إِذَا جَاءَ صَلَّى فِيهِ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِد أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى } الْآيَة . 13370 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَاَلَّذِينَ اِتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا } هُمْ نَاس مِنْ الْمُنَافِقِينَ بَنَوْا مَسْجِدًا بِقُبَاء يُضَارُّونَ بِهِ نَبِيّ اللَّه وَالْمُسْلِمِينَ . { وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله } كَانُوا يَقُولُونَ : إِذَا رَجَعَ أَبُو عَامِر مِنْ عِنْد قَيْصَر مِنْ الرُّوم صَلَّى فِيهِ . وَكَانُوا يَقُولُونَ : إِذَا قَدِمَ ظَهَرَ عَلَى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 13371 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَاَلَّذِينَ اِتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْن الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله مِنْ قَبْل } قَالَ مَسْجِد قَبَاء , كَانُوا يُصَلُّونَ فِيهِ كُلّهمْ , وَكَانَ رَجُل مِنْ رُؤَسَاء الْمُنَافِقِينَ يُقَال لَهُ أَبُو عَامِر أَبُو حَنْظَلَة غَسِيل الْمَلَائِكَة وَصَيْفِيّ وَأَخِيهِ , وَكَانَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة مِنْ خِيَار الْمُسْلِمِينَ . فَخَرَجَ أَبُو عَامِر هَارِبًا هُوَ وَابْن بالين مِنْ ثَقِيف وَعَلْقَمَة بْن عُلَاثَة مِنْ قَيْس مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حَتَّى لَحِقُوا بِصَاحِبِ الرُّوم . فَأَمَّا عَلْقَمَة وَابْن بالين فَرَجَعَا فَبَايَعَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْلَمَا , وَأَمَّا أَبُو عَامِر فَتَنَصَّرَ وَأَقَامَ . قَالَ : وَبَنَى نَاس مِنْ الْمُنَافِقِينَ مَسْجِد الضِّرَار لِأَبِي عَامِر , قَالُوا : حَتَّى يَأْتِي أَبُو عَامِر يُصَلِّي فِيهِ وَتَفْرِيقًا بَيْن الْمُؤْمِنِينَ يُفَرِّقُونَ بَيْن جَمَاعَتهمْ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ جَمِيعًا فِي مَسْجِد قُبَاء . وَجَاءُوا يَخْدَعُونَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه رُبَّمَا جَاءَ السَّيْل يَقْطَع بَيْننَا وَبَيْن الْوَادِي وَيَحُول بَيْننَا وَبَيْن الْقَوْم فَنُصَلِّي فِي مَسْجِدنَا فَإِذَا ذَهَبَ السَّيْل صَلَّيْنَا مَعَهُمْ ! قَالَ : وَبَنُوهُ عَلَى النِّفَاق . قَالَ : وَانْهَارَ مَسْجِدهمْ عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ : وَأَلْقَى النَّاس عَلَيْهِ النَّتِن وَالْقُمَامَة . فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَاَلَّذِينَ اِتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْن الْمُؤْمِنِينَ } لِئَلَّا يُصَلِّي فِي مَسْجِد قُبَاء جَمِيع الْمُؤْمِنِينَ , { وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله مِنْ قَبْل } أَبِي عَامِر , { وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاَللَّه يَشْهَد إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } . 13372 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ لَيْث : أَنَّ شَقِيقًا لَمْ يُدْرِك الصَّلَاة فِي مَسْجِد بَنِي عَامِر , فَقِيلَ لَهُ : مَسْجِد بَنِي فُلَان لَمْ يُصَلُّوا بَعْد ! فَقَالَ : لَا أُحِبّ أَنْ أُصَلِّي فِيهِ فَإِنَّهُ بُنِيَ عَلَى ضِرَار , وَكُلّ مَسْجِد بُنِيَ ضِرَارًا أَوْ رِيَاء أَوْ سُمْعَة فَإِنَّ أَصْله يَنْتَهِي إِلَى الْمَسْجِد الَّذِي بُنِيَ عَلَى ضِرَار .
لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَسورة التوبة الآية رقم 108
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِد أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّل يَوْم أَحَقّ أَنْ تَقُوم فِيهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَقُمْ يَا مُحَمَّد فِي الْمَسْجِد الَّذِي بَنَاهُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ ضِرَارًا وَتَفْرِيقًا بَيْن الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله. ثُمَّ أَقْسَمَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَقَالَ : { لَمَسْجِد أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّل يَوْم أَحَقّ أَنْ تَقُوم } أَنْتَ فِيهِ . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى } اُبْتُدِئَ أَسَاسه وَأَصْله عَلَى تَقْوَى اللَّه وَطَاعَته مِنْ أَوَّل يَوْم اُبْتُدِئَ فِي بِنَائِهِ { أَحَقّ أَنْ تَقُوم فِيهِ } يَقُول : أَوْلَى أَنْ تَقُوم فِيهِ مُصَلِّيًا . وَقِيلَ : مَعْنَى قَوْله : { مِنْ أَوَّل يَوْم } مَبْدَأ أَوَّل يَوْم كَمَا تَقُول الْعَرَب : لَمْ أَرَهُ مِنْ يَوْم كَذَا , بِمَعْنَى مَبْدَؤُهُ , وَمِنْ أَوَّل يَوْم يُرَاد بِهِ مِنْ أَوَّل الْأَيَّام , كَقَوْلِ الْقَائِل : لَقِيت كُلّ رَجُل , بِمَعْنَى كُلّ الرِّجَال . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَسْجِد الَّذِي عَنَاهُ بِقَوْلِهِ : { لَمَسْجِد أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّل يَوْم } فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي فِيهِ مِنْبَره وَقَبْره الْيَوْم. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13373 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَان , عَنْ عُثْمَان بْن عُبَيْد اللَّه , قَالَ : أَرْسَلَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي هُرَيْرَة إِلَى اِبْن عُمَر أَسْأَلهُ عَنْ الْمَسْجِد الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى , أَيّ مَسْجِد هُوَ ؟ مَسْجِد الْمَدِينَة , أَوْ مَسْجِد قُبَاء ؟ قَالَ : لَا , مَسْجِد الْمَدِينَة . 13374 - قَالَ : ثنا الْقَاسِم بْن عَمْرو الْعَنْقَزِيّ , عَنْ الدَّرَاوَرْدِيّ , عَنْ عُثْمَان بْن عُبَيْد اللَّه , عَنْ اِبْن عُمَر وَزَيْد بْن ثَابِت وَأَبِي سَعِيد , قَالُوا : الْمَسْجِد الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى : مَسْجِد الرَّسُول . 13375 - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ رَبِيعَة بْن عُثْمَان , عَنْ عُثْمَان بْن عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي رَافِع , قَالَ : سَأَلْت اِبْن عُمَر عَنْ الْمَسْجِد الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى ؟ قَالَ : هُوَ مَسْجِد الرَّسُول . 13376 - قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ أَبِي الزِّنَاد , عَنْ خَارِجَة بْن زَيْد , عَنْ زَيْد , قَالَ : هُوَ مَسْجِد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . * - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن ذَكْوَان , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ خَارِجَة بْن زَيْد , عَنْ زَيْد , قَالَ : هُوَ مَسْجِد الرَّسُول . 13377 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , ثنا حُمَيْد الْخَرَّاط الْمَدَنِيّ , قَالَ : سَمِعْت أَبَا سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : مَرَّ بِي عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي سَعِيد , فَقُلْت : كَيْف سَمِعْت أَبَاك يَقُول فِي الْمَسْجِد الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى ؟ فَقَالَ لِي : أَتَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلْت عَلَيْهِ فِي بَيْت بَعْض نِسَائِهِ , فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه , أَيّ مَسْجِد الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى ؟ قَالَ : فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصْبَاء فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْض , ثُمَّ قَالَ : " هُوَ مَسْجِدكُمْ هَذَا " ! هَكَذَا سَمِعْت أَبَاك يَذْكُرهُ . 13378 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أُسَامَة بْن زَيْد , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي سَعِيد , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : الْمَسْجِد الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى : هُوَ مَسْجِد النَّبِيّ الْأَعْظَم . 13379 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا دَاوُدُ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : إِنَّ الْمَسْجِد الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّل يَوْم , هُوَ مَسْجِد الْمَدِينَة الْأَكْبَر . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ دَاوُدَ , قَالَ : قَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , فَذَكَرَ مِثْله , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : الْأَعْظَم. * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد الْقَطَّان , عَنْ اِبْن حَرْمَلَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : هُوَ مَسْجِد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ أَبِي الزِّنَاد , عَنْ خَارِجَة بْن زَيْد - قَالَ : أَحْسَبهُ عَنْ أَبِيهِ - قَالَ : مَسْجِد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ مَسْجِد قُبَاء , . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13380 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { لَمَسْجِد أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّل يَوْم } يَعْنِي مَسْجِد قُبَاء . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , نَحْوه . 13381 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا فُضَيْل بْن مَرْزُوق , عَنْ عَطِيَّة : { لَمَسْجِد أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّل يَوْم } هُوَ مَسْجِد قُبَاء . 13382 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ صَالِح بْن حَيَّان , عَنْ اِبْن بُرَيْدَة , قَالَ : مَسْجِد قَبَاء الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى , بَنَاهُ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 13383 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : الْمَسْجِد الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى : مَسْجِد قُبَاء . 13384 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر : الَّذِينَ بَنِي فِيهِمْ الْمَسْجِد الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى , بَنُو عَمْرو بْن عَوْف . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : هُوَ مَسْجِد الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصِحَّةِ الْخَبَر بِذَلِكَ عَنْ رَسُول اللَّه . ذَكَرَ الرِّوَايَة بِذَلِكَ . 13385 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَابْن وَكِيع , قَالَ أَبُو كُرَيْب : ثنا وَكِيع , وَقَالَ اِبْن وَكِيع : ثنا أَبِي , عَنْ رَبِيعَة بْن عُثْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ عِمْرَان بْن أَبِي أَنَس رَجُل مِنْ الْأَنْصَار , عَنْ سَهْل بْن سَعْد , قَالَ : اِخْتَلَفَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِد الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى , فَقَالَ أَحَدهمَا : هُوَ مَسْجِد النَّبِيّ ; وَقَالَ الْآخَر : هُوَ مَسْجِد قُبَاء . فَأَتَيَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَسَأَلَاهُ , فَقَالَ : " هُوَ مَسْجِدِي " . هَذَا اللَّفْظ لِحَدِيثِ أَبِي كُرَيْب , وَحَدِيث سُفْيَان نَحْوه . 13386 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَامِر الْأَسْلَمِيّ عَنْ عِمْرَان بْن أَبِي أَنَس , عَنْ سَهْل بْن سَعْد , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْمَسْجِد الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى , فَقَالَ : " مَسْجِدِي هَذَا " . 13387 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني اللَّيْث , عَنْ عِمْرَان بْن أَبِي أَنَس , عَنْ اِبْن أَبِي سَعِيد , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : تَمَارَى رَجُلَانِ فِي الْمَسْجِد الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّل يَوْم , فَقَالَ رَجُل : هُوَ مَسْجِد قُبَاء , وَقَالَ آخَر : هُوَ مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ رَسُول اللَّه : " هُوَ مَسْجِدِي هَذَا " . * - حَدَّثَنِي بَحْر بْن نَصْر الْخَوْلَانِيّ , قَالَ : قُرِئَ عَلَى شُعَيْب بْن اللَّيْث , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عِمْرَان بْن أَبِي أَنَس , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ , قَالَ : تَمَارَى رَجُلَانِ , فَذَكَرَ مِثْله . 13388 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني سجل بْن مُحَمَّد بْن أَبِي يَحْيَى , قَالَ : سَمِعْت عَمِّي أُنَيْس بْن أَبِي يَحْيَى يُحَدِّث , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْمَسْجِد الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مَسْجِدِي هَذَا , وَفِي كُلّ خَيْر " * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , عَنْ أُنَيْس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي سَعِيد عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ . 13389 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا صَفْوَان بْن عِيسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا أُنَيْس بْن أَبِي يَحْيَى , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي سَعِيد : أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي خُدْرَة وَرَجُلًا مِنْ بَنِي عَمْرو بْن عَوْف اِمْتَرَيَا فِي الْمَسْجِد الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى , فَقَالَ الْخُدْرِيّ : هُوَ مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالَ الْعَوْفِيّ : هُوَ مَسْجِد قُبَاء , فَأَتَيَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلَاهُ , فَقَالَ : " هُوَ مَسْجِدِي هَذَا , وَفِي كُلّ خَيْر " .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فِيهِ رِجَال يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاَللَّه يُحِبّ الْمُطَّهِرِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فِي حَاضِرِي الْمَسْجِد الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّل يَوْم رِجَال يُحِبُّونَ أَنْ يُنَظِّفُوا مَقَاعِدهمْ بِالْمَاءِ إِذَا أَتَوْا الْغَائِط وَاَللَّه يُحِبّ الْمُتَطَهِّرِينَ بِالْمَاءِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13390 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُدَ , قَالَ : ثنا هَمَّام بْن يَحْيَى , عَنْ قَتَادَة , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب قَالَ : لَمَّا نَزَلَ : { فِيهِ رِجَال يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا } قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا الطَّهُور الَّذِي أَثْنَى اللَّه عَلَيْكُمْ ؟ " قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه نَغْسِل أَثَر الْغَائِط. 13391 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَهْلِ قُبَاء : " إِنَّ اللَّه قَدْ أَحْسَنَ عَلَيْكُمْ الثَّنَاء فِي الطَّهُور , فَمَا تَصْنَعُونَ ؟ " قَالُوا : إِنَّا نَغْسِل عَنَّا أَثَر الْغَائِط وَالْبَوْل. * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { فِيهِ رِجَال يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا } قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا مَعْشَر الْأَنْصَار مَا هَذَا الطَّهُور الَّذِي أَثْنَى اللَّه عَلَيْكُمْ فِيهِ ؟ " قَالُوا : إِنَّا نَسْتَطِيب بِالْمَاءِ إِذَا جِئْنَا مِنْ الْغَائِط . 13392 - حَدَّثَنِي جَابِر بْن الْكُرْدِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد سَابِق , قَالَ : ثنا مَالِك بْن مِغْوَل , عَنْ سَيَّار أَبِي الْحَكَم , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن سَلَام , قَالَ : قَامَ عَلَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : " أَلَا أَخْبِرُونِي , فَإِنَّ اللَّه قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ بِالطَّهُورِ خَيْرًا ! " فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه إِنَّا نَجِد عِنْدنَا مَكْتُوبًا فِي التَّوْرَاة الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ . * - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن رَافِع , عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل , قَالَ : سَمِعْت سَيَّارًا أَبَا الْحَكَم غَيْر مَرَّة , يُحَدِّث عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن سَلَام , قَالَ : لَمَّا قَدِمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْل قُبَاء قَالَ : " إِنَّ اللَّه قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ بِالطَّهُورِ خَيْرًا " , يَعْنِي قَوْله : { فِيهِ رِجَال يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا } قَالُوا : إِنَّا نَجِدهُ مَكْتُوبًا عِنْدنَا فِي التَّوْرَاة : الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ . * - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن رَافِع , قَالَ : ثنا مَالِك بْن مِغْوَل , عَنْ سَيَّار , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن سَلَام , قَالَ يَحْيَى : وَلَا أَعْلَمهُ إِلَّا عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ قُبَاء : " إِنَّ اللَّه قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فِي الطَّهُور خَيْرًا " قَالُوا : إِنَّا نَجِدهُ مَكْتُوبًا عَلَيْنَا فِي التَّوْرَاة : الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ. وَفِيهِ نَزَلَتْ : { فِيهِ رِجَال يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا } . 13393 - حَدَّثَنِي عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن صُبَيْح الْيَشْكُرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أُوَيْس الْمَدَنِيّ , عَنْ شُرَحْبِيل بْن سَعْد , عَنْ عُوَيْم بْن سَاعِدَة وَكَانَ مِنْ أَهْل بَدْر , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ قُبَاء : " إِنِّي أَسْمَع اللَّه قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ الثَّنَاء فِي الطَّهُور , فَمَا هَذَا الطَّهُور ؟ " قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه مَا نَعْلَم شَيْئًا إِلَّا أَنَّ جِيرَانًا لَنَا مِنْ الْيَهُود رَأَيْنَاهُمْ يَغْسِلُونَ أَدْبَارهمْ مِنْ الْغَائِط , فَغَسَلْنَا كَمَا غَسَلُوا . 13394 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد , عَنْ شُرَحْبِيل بْن سَعْد قَالَ : سَمِعْت خُزَيْمَة بْن ثَابِت يَقُول : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { فِيهِ رِجَال يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاَللَّه يُحِبّ الْمُطَّهِرِينَ } قَالَ : كَانُوا يَغْسِلُونَ أَدْبَارهمْ مِنْ الْغَائِط . 13395 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي لَيْلَى , عَنْ عَامِر , قَالَ : كَانَ نَاس مِنْ أَهْل قُبَاء يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ , فَنَزَلَتْ : { فِيهِ رِجَال يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاَللَّه يُحِبّ الْمُطَّهِرِينَ } . 13396 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا شَبَابَة بْن سَوَّار , عَنْ شُعْبَة , عَنْ مُسْلِم الْقَرِيّ , قَالَ : قُلْت لِابْنِ عَبَّاس : أَصُبّ عَلَى رَأْسِي ؟ ( وَهُوَ مُحْرِم ) قَالَ : أَلَمْ تَسْمَع اللَّه يَقُول : { إِنَّ اللَّه يُحِبّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبّ الْمُتَطَهِّرِينَ } . 13397 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حَفْص , عَنْ دَاوُدَ بْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { فِيهِ رِجَال يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا } قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ قُبَاء " مَا هَذَا الَّذِي أَثْنَى اللَّه عَلَيْكُمْ ؟ " قَالُوا : مَا مِنَّا مِنْ أَحَد إِلَّا وَهُوَ يَسْتَنْجِي مِنْ الْخَلَاء. 13398 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ عَبْد الْحَمِيد الْمَدَنِيّ , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن إِسْمَاعِيل الْأَنْصَارِيّ , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُوَيْم بْن سَاعِدَة : " مَا هَذَا الَّذِي أَثْنَى اللَّه عَلَيْكُمْ { فِيهِ رِجَال يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاَللَّه يُحِبّ الْمُطَّهِرِينَ } ؟ " قَالَ : نُوشِك أَنْ نَغْسِل الْأَدْبَار بِالْمَاءِ . 13399 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ حُصَيْن , عَنْ مُوسَى بْن أَبِي كَثِير , قَالَ : بَدْء حَدِيث هَذِهِ الْآيَة فِي رِجَال مِنْ الْأَنْصَار مِنْ أَهْل قُبَاء : { فِيهِ رِجَال يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاَللَّه يُحِبّ الْمُطَّهِرِينَ } فَسَأَلَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالُوا : نَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ . 13400 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَصْبَغ بْن الْفَرَج , قَالَ أَخْبَرَنِي اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس , عَنْ أَبِي الزِّنَاد , قَالَ : أَخْبَرَنِي عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , عَنْ عُوَيْم بْن سَاعِدَة مِنْ بَنِي عَمْرو بْن عَوْف , وَمَعْن بْن عَدِيّ مِنْ بَنِي الْعَجْلَان , وَأَبِي الدَّحْدَاح , فَأَمَّا عُوَيْم بْن سَاعِدَة فَهُوَ الَّذِي بَلَغَنَا أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ الَّذِينَ قَالَ اللَّه فِيهِمْ : { فِيهِ رِجَال يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاَللَّه يُحِبّ الْمُطَّهِرِينَ } ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نِعْمَ الرِّجَال ! مِنْهُمْ عُوَيْم بْن سَاعِدَة " لَمْ يَبْلُغنَا أَنَّهُ سَمَّى مِنْهُمْ رَجُلًا غَيْر عُوَيْم . 13401 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ هِشَام بْن حَسَّان , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { فِيهِ رِجَال يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاَللَّه يُحِبّ الْمُطَّهِرِينَ } قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا هَذَا الَّذِي ذَكَرَكُمْ اللَّه بِهِ فِي أَمْر الطَّهُور , فَأَثْنَى بِهِ عَلَيْكُمْ ؟ " قَالُوا : نَغْسِل أَثَر الْغَائِط وَالْبَوْل . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل , قَالَ : سَمِعْت سَيَّارًا أَبَا الْحَكَم يُحَدِّث عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن سَلَام , قَالَ : لَمَّا قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة , أَوْ قَالَ : قَدِمَ عَلَيْنَا رَسُول اللَّه فَقَالَ : " إِنَّ اللَّه قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فِي الطَّهُور خَيْرًا أَفَلَا تُخْبِرُونِي ؟ " قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , إِنَّا نَجِد عَلَيْنَا مَكْتُوبًا فِي التَّوْرَاة : الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ . قَالَ مَالِك : يَعْنِي قَوْله : { فِيهِ رِجَال يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا } . 13402 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا فُضَيْل بْن مَرْزُوق , عَنْ عَطِيَّة , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { فِيهِ رِجَال يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا } سَأَلَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا طَهُوركُمْ هَذَا الَّذِي ذَكَرَ اللَّه ؟ " قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه كُنَّا نَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ فِي الْجَاهِلِيَّة , فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام لَمْ نَدَعهُ ; قَالَ : " فَلَا تَدَعُوهُ " . 13403 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : كَانَ فِي مَسْجِد قُبَاء رِجَال مِنْ الْأَنْصَار يُوَضِّئُونَ سَفَلَتهمْ بِالْمَاءِ يَدْخُلُونَ النَّخْل وَالْمَاء يَجْرِي , فَيَتَوَضَّئُونَ. فَأَثْنَى اللَّه بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ , فَقَالَ : { فِيهِ رِجَال يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا } الْآيَة. 13404 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا طَلْحَة بْن عَمْرو , عَنْ عَطَاء , قَالَ : أَحْدَثَ قَوْم الْوُضُوء بِالْمَاءِ مِنْ أَهْل قُبَاء , فَنَزَلَتْ فِيهِمْ : { فِيهِ رِجَال يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاَللَّه يُحِبّ الْمُطَّهِرِينَ } . وَقِيلَ : { وَاَللَّه يُحِبّ الْمُطَّهِرِينَ } وَإِنَّمَا هُوَ الْمُتَطَهِّرِينَ , وَلَكِنْ أُدْغِمَتْ التَّاء فِي الطَّاء , فَجُعِلَتْ طَاء مُشَدَّدَة لِقُرْبِ مَخْرَج إِحْدَاهُمَا مِنْ الْأُخْرَى .
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَسورة التوبة الآية رقم 109
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانه عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّه وَرِضْوَان خَيْر أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانه عَلَى شَفَا جُرُف هَار فَانْهَارَ بِهِ فِي نَار جَهَنَّم } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانه } فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة : " أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانه عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّه وَرِضْوَان خَيْر أَمَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانه " عَلَى وَجْه مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله فِي الْحَرْفَيْنِ كِلَيْهِمَا . وَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق : { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانه عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّه وَرِضْوَان خَيْر أَمَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانه } عَلَى وَصْف مَنْ بِنَاء الْفَاعِل الَّذِي أَسَّسَ بُنْيَانه . وَهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب ; غَيْر أَنَّ قِرَاءَته بِتَوْجِيهِ الْفِعْل إِلَى " مَنْ " إِذْ كَانَ هُوَ الْمُؤَسِّس أَعْجَبَ إِلَيَّ. فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَا : أَيّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَنَوْا الْمَسَاجِد خَيْر أَيّهَا النَّاس عِنْدكُمْ الَّذِينَ اِبْتَدَءُوا بِنَاء مَسْجِدهمْ عَلَى اِتِّقَاء اللَّه بِطَاعَتِهِمْ فِي بِنَائِهِ وَأَدَاء فَرَائِضه وَرِضَا مِنْ اللَّه لِبِنَائِهِمْ مَا بَنُوهُ مِنْ ذَلِكَ وَفِعْلهمْ مَا فَعَلُوهُ خَيْر , أَمْ الَّذِينَ اِبْتَدَءُوا بِنَاء مَسْجِدهمْ عَلَى شَفَا جُرُف هَار , يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { عَلَى شَفَا جُرُف } عَلَى حَرْف جَرّ , وَالْجُرْف مِنْ الرَّكِيّ مَا لَمْ يُبْنَ لَهُ جَوْل . { هَار } يَعْنِي مُتَهَوِّر , وَإِنَّمَا هُوَ هَائِر وَلَكِنَّهُ قُلِبَ , فَأُخِّرَتْ يَاؤُهَا , فَقِيلَ هَار كَمَا قِيلَ : هُوَ شَاكّ السِّلَاح وَشَائِك , وَأَصْله مِنْ هَار يَهُور فَهُوَ هَائِر ; وَقِيلَ : هُوَ مِنْ هَار يُهَار : إِذَا اِنْهَدَمَ , وَمَنْ جَعَلَهُ مِنْ هَذِهِ اللُّغَة قَالَ : هَرْت يَا جُرُف ; وَمَنْ جَعَلَهُ مِنْ هَار يَهُور قَالَ : هُرْت يَا جُرُف ; وَإِنَّمَا هَذَا مَثَل . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَيّ هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ خَيْر , وَأَيّ هَذَيْنِ الْبِنَاءَيْنِ أَثْبَت , أَمَّنْ اِبْتَدَأَ أَسَاس بِنَائِهِ عَلَى طَاعَة اللَّه وَعُلِمَ مِنْهُ بِأَنَّ بِنَاءَهُ لِلَّهِ طَاعَة وَاَللَّه بِهِ رَاضٍ , أَمْ مَنْ اِبْتَدَأَهُ بِنِفَاقٍ وَضَلَال وَعَلَى غَيْر بَصِيرَة مِنْهُ بِصَوَابِ فِعْله مِنْ خَطَئِهِ , فَهُوَ لَا يَدْرِي مَتَى يَتَبَيَّن لَهُ خَطَأ فِعْله وَعَظِيم ذَنْبه فَيَهْدِمهُ , كَمَا يَأْتِي الْبِنَاء عَلَى جُرُف رَكِيَّة لَا حَابِس لِمَاءِ السُّيُول عَنْهَا وَلِغَيْرِهِ مِنْ الْمِيَاه تَرَى بِهِ التُّرَاب مُتَنَاثِرًا لَا تَلْبَث السُّيُول أَنْ تَهْدِمهُ وَتَنْثُرهُ ؟ يَقُول اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَانْهَارَ بِهِ فِي نَار جَهَنَّم } يَعْنِي فَانْتَثَرَ الْجُرُف الْهَارِي بِبِنَائِهِ فِي نَار جَهَنَّم . كَمَا : 13405 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : فَانْهَارَ بِهِ قَوَاعِده فِي نَار جَهَنَّم. 13406 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { فَانْهَارَ بِهِ } يَقُول : فَخَرَّ بِهِ . 13407 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانه عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّه } إِلَى قَوْله : { فَانْهَارَ بِهِ فِي نَار جَهَنَّم } قَالَ : وَاَللَّه مَا تَنَاهَى أَنْ وَقَعَ فِي النَّار . ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ حُفِرَتْ بُقْعَة مِنْهُ فَرُئِيَ مِنْهَا الدُّخَان . 13408 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : بَنُو عَمْرو بْن عَوْف اِسْتَأْذَنُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بُنْيَانه , فَأَذِنَ لَهُمْ فَفَرَغُوا مِنْهُ يَوْم الْجُمْعَة فَصَلَّوْا فِيهِ الْجُمْعَة وَيَوْم السَّبْت وَيَوْم الْأَحَد . قَالَ : وَانْهَارَ يَوْم الِاثْنَيْنِ . قَالَ : وَكَانَ قَدْ اِسْتَنْظَرَهُمْ ثَلَاثًا : السَّبْت وَالْأَحَد وَالِاثْنَيْنِ , فَانْهَارَ بِهِ فِي نَار جَهَنَّم , مَسْجِد الْمُنَافِقِينَ اِنْهَارَ فَلَمْ يَتَنَاهَ دُون أَنْ وَقَعَ فِي النَّار . قَالَ اِبْن جُرَيْج : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رِجَالًا حَفَرُوا فِيهِ , فَأَبْصَرُوا الدُّخَان يَخْرُج مِنْهُ . 13409 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز بْن الْمُخْتَار , عَنْ عَبْد اللَّه الدَّانَاج , عَنْ طَلْق بْن حَبِيب , عَنْ جَابِر , قَوْله : { وَاَلَّذِينَ اِتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا } قَالَ : رَأَيْت الْمَسْجِد الَّذِي بُنِيَ ضِرَارًا يَخْرُج مِنْهُ الدُّخَان عَلَى عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مَرْزُوق الْبَصْرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو سَلَمَة , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز بْن الْمُخْتَار , عَنْ عَبْد اللَّه الداناج , قَالَ : ثني طَلْق الْعَنَزِيّ , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : رَأَيْت الدُّخَان يَخْرُج مِنْ مَسْجِد الضِّرَار . 13410 - حَدَّثَنِي سَلَّام بْن سَالِم الْخُزَاعِيّ , قَالَ : ثنا خَلَف بْن يَاسِين الْكُوفِيّ , قَالَ : حَجَجْت مَعَ أَبِي فِي ذَلِكَ الزَّمَان - يَعْنِي زَمَان بَنِي أُمَيَّة - فَمَرَرْنَا بِالْمَدِينَةِ , فَرَأَيْت مَسْجِد الْقِبْلَتَيْنِ - يَعْنِي مَسْجِد الرَّسُول - وَفِيهِ قِبْلَة بَيْت الْمَقْدِس . فَلَمَّا كَانَ زَمَان أَبِي جَعْفَر , قَالُوا : يَدْخُل الْجَاهِل فَلَا يَعْرِف الْقِبْلَة , فَهَذَا الْبِنَاء الَّذِي يَرَوْنَ جَرَى عَلَى يَد عَبْد الصَّمَد بْن عَلِيّ . وَرَأَيْت مَسْجِد الْمُنَافِقِينَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه فِي الْقُرْآن , وَفِيهِ حَجَر يَخْرُج مِنْهُ الدُّخَان , وَهُوَ الْيَوْم مَزْبَلَة.
لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌسورة التوبة الآية رقم 110
قَوْله : { وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ } يَقُول : وَاَللَّه لَا يُوَفِّق لِلرَّشَادِ فِي أَفْعَاله مَنْ كَانَ بَانِيًا بِنَاءَهُ فِي غَيْر حَقّه وَمَوْضِعه , وَمَنْ كَانَ مُنَافِقًا مُخَالِفًا بِفِعْلِهِ أَمْر اللَّه وَأَمْر رَسُوله.


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا يَزَال بُنْيَانهمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَة فِي قُلُوبهمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبهمْ وَاَللَّه عَلِيم حَكِيم } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَا يَزَال بُنْيَان هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اِتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا { رِيبَة } يَقُول : لَا يَزَال مَسْجِدهمْ الَّذِي بَنَوْهُ رِيبَة فِي قُلُوبهمْ , يَعْنِي شَكًّا وَنِفَاقًا فِي قُلُوبهمْ , يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي بِنَائِهِ مُحْسِنِينَ . { إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبهمْ } يَعْنِي إِلَّا أَنْ تَتَصَدَّع قُلُوبهمْ فَيَمُوتُوا , وَاَللَّه عَلِيم بِمَا عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ بَنَوْا مَسْجِد الضِّرَار مِنْ شَكّهمْ فِي دِينهمْ وَمَا قَصَدُوا فِي بِنَائِهِمُوهُ وَأَرَادُوهُ وَمَا إِلَيْهِ صَائِر أَمْرهمْ فِي الْآخَر وَفِي الْحَيَاة مَا عَاشُوا , وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمْرهمْ وَأَمْر غَيْرهمْ , حَكِيم فِي تَدْبِيره إِيَّاهُمْ وَتَدْبِير جَمِيع خَلْقه. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13411 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَا يَزَال بُنْيَانهمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَة فِي قُلُوبهمْ } يَعْنِي شَكًّا ; { إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبهمْ } يَعْنِي الْمَوْت. 13412 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { رِيبَة فِي قُلُوبهمْ } قَالَ : شَكًّا فِي قُلُوبهمْ , { إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبهمْ } إِلَّا أَنْ يَمُوتُوا . 13413 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لَا يَزَال بُنْيَانهمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَة فِي قُلُوبهمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبهمْ } يَقُول : حَتَّى يَمُوتُوا . 13414 - حَدَّثَنِي مَطَر بْن مُحَمَّد الضَّبِّيّ , قَالَ : ثنا أَبُو قُتَيْبَة , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبهمْ } قَالَ : إِلَّا أَنْ يَمُوتُوا . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبهمْ } قَالَ : يَمُوتُوا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبهمْ } قَالَ : يَمُوتُوا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 13415 - قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة وَالْحَسَن : { لَا يَزَال بُنْيَانهمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَة فِي قُلُوبهمْ } قَالَا : شَكًّا فِي قُلُوبهمْ . 13416 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا إِسْحَاق الرَّازِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو سِنَان , عَنْ حَبِيب : { لَا يَزَال بُنْيَانهمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَة فِي قُلُوبهمْ } قَالَ : غَيْظًا فِي قُلُوبهمْ . * - قَالَ : ثنا اِبْن نُمَيْر , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبهمْ } قَالَ : يَمُوتُوا. 13417 - قَالَ : ثنا إِسْحَاق الرَّازِيّ , عَنْ أَبِي سِنَان , عَنْ حَبِيب : { إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبهمْ } : إِلَّا أَنْ يَمُوتُوا . 13418 - قَالَ : ثنا قَبِيصَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ : { رِيبَة فِي قُلُوبهمْ } قَالَ : كُفْر . قُلْت : أَكَفَرَ مُجَمِّع بْن جَارِيَة ؟ قَالَ : لَا , وَلَكِنَّهَا حَزَازَة . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ : { لَا يَزَال بُنْيَانهمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَة فِي قُلُوبهمْ } قَالَ : حَزَازَة فِي قُلُوبهمْ. 13419 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { لَا يَزَال بُنْيَانهمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَة فِي قُلُوبهمْ } لَا يَزَال رِيبَة فِي قُلُوبهمْ رَاضِينَ بِمَا صَنَعُوا , كَمَا حُبِّبَ الْعِجْل فِي قُلُوب أَصْحَاب مُوسَى . وَقَرَأَ : { وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبهمْ الْعِجْل بِكُفْرِهِمْ } 2 93 قَالَ : حُبّه . { إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبهمْ } قَالَ : لَا يَزَال ذَلِكَ فِي قُلُوبهمْ حَتَّى يَمُوتُوا ; يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ . 13420 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا قَيْس , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ إِبْرَاهِيم : { رِيبَة فِي قُلُوبهمْ } قَالَ : شَكًّا . قَالَ : قُلْت يَا أَبَا عِمْرَان تَقُول هَذَا وَقَدْ قَرَأْت الْقُرْآن ؟ قَالَ : إِنَّمَا هِيَ حَزَازَة . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبهمْ } فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْحِجَاز وَالْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَالْكُوفَة : " إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبهمْ " بِضَمِّ التَّاء مِنْ " تَقَطَّعَ " , عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , وَبِمَعْنَى : إِلَّا أَنْ يَقْطَع اللَّه قُلُوبهمْ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْكُوفَة : { إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبهمْ } بِفَتْحِ التَّاء مِنْ تَقَطَّعَ عَلَى أَنَّ الْفِعْل لِلْقُلُوبِ . بِمَعْنَى : إِلَّا أَنْ تَنْقَطِع قُلُوبهمْ , ثُمَّ حُذِفَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ . وَذُكِرَ أَنَّ الْحَسَن كَانَ يَقْرَأ : " إِلَى أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبهمْ " بِمَعْنَى : حَتَّى تَتَقَطَّع قُلُوبهمْ . وَذُكِرَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " وَلَوْ قُطِعَتْ قُلُوبهمْ " وَعَلَى الِاعْتِبَار بِذَلِكَ قَرَأَ مِنْ ذَلِكَ : " إِلَّا أَنْ تُقَطَّع " بِضَمِّ التَّاء . وَالْقَوْل عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّ الْفَتْح فِي التَّاء وَالضَّمّ مُتَقَارِبَا الْمَعْنَى , لِأَنَّ الْقُلُوب لَا تَتَقَطَّع إِذَا تَقَطَّعَتْ إِلَّا بِتَقْطِيعِ اللَّه إِيَّاهَا , وَلَا يَقْطَعهَا اللَّه إِلَّا وَهِيَ مُتَقَطِّعَة. وَهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا جَمَاعَة مِنْ الْقُرَّاء , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب الصَّوَاب فِي قِرَاءَته . وَأَمَّا قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : " إِلَى أَنْ تَقَطَّعَ " , فَقِرَاءَة لِمَصَاحِف الْمُسْلِمِينَ مُخَالِفَة , وَلَا أَرَى الْقِرَاءَة بِخِلَافِ مَا فِي مَصَاحِفهمْ جَائِزَة .
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُسورة التوبة الآية رقم 111
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ اللَّه اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّة يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل اللَّه فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّه فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم } . 30 يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّه اِبْتَاعَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ بِالْجَنَّةِ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا , يَقُول : وَعَدَهُمْ الْجَنَّة جَلَّ ثَنَاؤُهُ , وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا أَنْ يُوفِي لَهُمْ بِهِ فِي كُتُبه الْمُنَزَّلَة التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن , إِذَا هُمْ وَفَّوْا بِمَا عَاهَدُوا اللَّه فَقَاتَلُوا فِي سَبِيله وَنُصْرَة دِينه أَعْدَاءَهُ فَقَتَلُوا وَقُتِلُوا . { وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّه } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَنْ أَحْسَن وَفَاء بِمَا ضَمِنَ وَشَرَطَ مِنْ اللَّه . { فَاسْتَبْشِرُوا } يَقُول ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ : فَاسْتَبْشِرُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه فِيمَا عَاهَدُوا { بِبَيْعِكُمْ } أَنْفُسكُمْ وَأَمْوَالكُمْ بِاَلَّذِي بِعْتُمُوهَا مِنْ رَبّكُمْ , فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم. كَمَا : 13421 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ حَفْص بْن حُمَيْد , عَنْ شِمْر بْن عَطِيَّة , قَالَ : مَا مِنْ مُسْلِم وَلِلَّهِ فِي عُنُقه بَيْعَة وَفَّى بِهَا أَوْ مَاتَ عَلَيْهَا فِي قَوْل اللَّه : { إِنَّ اللَّه اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } إِلَى قَوْله : { وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم } ثُمَّ حَلَّاهُمْ فَقَالَ : { التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ } إِلَى : { وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ } . 13422 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّ اللَّه اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ } يَعْنِي بِالْجَنَّةِ . 13423 - قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ مُحَمَّد بْن يَسَار , عَنْ قَتَادَة أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّ اللَّه اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّة } قَالَ : ثَامَنَهُمْ اللَّه فَأَغْلَى لَهُمْ الثَّمَن . 13424 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني مَنْصُور بْن هَارُون , عَنْ أَبِي إِسْحَاق الْفَزَارِيّ , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّ اللَّه اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ } قَالَ : بَايَعَهُمْ فَأَغْلَى لَهُمْ الثَّمَن. 13425 - حَدَّثَنَا الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ وَغَيْره , قَالُوا : قَالَ عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اِشْتَرَطَ لِرَبِّك وَنَفْسك مَا شِئْت ! قَالَ : " أَشْتَرِط لِرَبِّي أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا , وَأَشْتَرِط لِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسكُمْ وَأَمْوَالكُمْ " قَالُوا : فَإِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ فَمَاذَا لَنَا ؟ قَالَ : " الْجَنَّة " قَالُوا : رَبِحَ الْبَيْع لَا نُقِيل وَلَا نَسْتَقِيل ! فَنَزَلَتْ : { إِنَّ اللَّه اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } الْآيَة . 13426 - قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن طُفَيْل الْعَبْسِيّ , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , وَسَأَلَهُ رَجُل عَنْ قَوْله : { إِنَّ اللَّه اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ } الْآيَة , قَالَ الرَّجُل : أَلَا أَحْمِل عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَأُقَاتِل حَتَّى أُقْتَل ؟ قَالَ : وَيْلك أَيْنَ الشَّرْط : { التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ } ؟ .
التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَسورة التوبة الآية رقم 112
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { التَّائِبُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّه اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ التَّائِبِينَ الْعَابِدِينَ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ ; وَلَكِنَّهُ رُفِعَ , إِذْ كَانَ مُبْتَدَأ بِهِ بَعْد تَمَام أُخْرَى مِثْلهَا , وَالْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ , وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَاننَا ذَلِكَ فِي قَوْله : { صُمّ بُكْم عُمْي } بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع. وَمَعْنَى التَّائِبُونَ : الرَّاجِعُونَ مِمَّا كَرِهَهُ اللَّه وَسَخِطَهُ إِلَى مَا يُحِبّهُ وَيَرْضَاهُ . كَمَا : 13427 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام بْن سَلْم , عَنْ ثَعْلَبَة بْن سُهَيْل , قَالَ : قَالَ الْحَسَن فِي قَوْل اللَّه : { التَّائِبُونَ } قَالَ : تَابُوا إِلَى اللَّه مِنْ الذُّنُوب كُلّهَا . 13428 - حَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه الْعَنْبَرِيّ , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِي الْأَشْهَب , عَنْ الْحَسَن , أَنَّهُ قَرَأَ : { التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ } قَالَ : تَابُوا مِنْ الشِّرْك وَبَرِئُوا مِنْ النِّفَاق . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو سَلَمَة , عَنْ أَبِي الْأَشْهَب , قَالَ : قَرَأَ الْحَسَن : { التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ } قَالَ : تَابُوا مِنْ الشِّرْك وَبَرِئُوا مِنْ النِّفَاق . 13429 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا مَنْصُور بْن هَارُون , عَنْ أَبِي إِسْحَاق الْفَزَارِيّ , عَنْ أَبِي رَجَاء عَنْ الْحَسَن , قَالَ : التَّائِبُونَ مِنْ الشِّرْك . * - حَدَّثَنَا الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا جَرِير بْن حَازِم , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ } قَالَ الْحَسَن : تَابُوا وَاَللَّه مِنْ الشِّرْك , وَبَرِئُوا مِنْ النِّفَاق. 13430 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { التَّائِبُونَ } قَالَ : تَابُوا مِنْ الشِّرْك ثُمَّ لَمْ يُنَافِقُوا فِي الْإِسْلَام . 13431 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { التَّائِبُونَ } قَالَ : الَّذِينَ تَابُوا مِنْ الذُّنُوب ثُمَّ لَمْ يَعُودُوا فِيهَا . " الْعَابِدُونَ " وَأَمَّا قَالُوا : { الْعَابِدُونَ } فَهُمْ الَّذِينَ ذَلُّوا خَشْيَة لِلَّهِ وَتَوَاضُعًا لَهُ , فَجَدُّوا فِي خِدْمَته . كَمَا : 13432 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { الْعَابِدُونَ } : قَوْم أَخَذُوا مِنْ أَبْدَانهمْ فِي لَيْلهمْ وَنَهَارهمْ . 13433 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ ثَعْلَبَة بْن سُهَيْل , قَالَ : قَالَ الْحَسَن فِي قَوْل اللَّه { الْعَابِدُونَ } قَالَ : عَبَدُوا اللَّه عَلَى أَحَايِينهمْ كُلّهَا فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء. 13434 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني مَنْصُور بْن هَارُون , عَنْ أَبِي إِسْحَاق الْفَزَارِيّ , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن : { الْعَابِدُونَ } قَالَ : الْعَابِدُونَ لِرَبِّهِمْ .

وَأَمَّا قَوْله : { الْحَامِدُونَ } فَإِنَّهُمْ الَّذِينَ يَحْمَدُونَ اللَّه عَلَى كُلّ مَا اِمْتَحَنَهُمْ بِهِ مِنْ خَيْر وَشَرّ . كَمَا : 13435 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { الْحَامِدُونَ } قَوْم حَمِدُوا اللَّه عَلَى كُلّ حَال . 13436 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ ثَعْلَبَة , قَالَ : قَالَ الْحَسَن : { الْحَامِدُونَ } : الَّذِينَ حَمِدُوا اللَّه عَلَى أَحَايِينهمْ كُلّهَا فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء. 13437 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني مَنْصُور بْن هَارُون , عَنْ أَبِي إِسْحَاق الْفَزَارِيّ , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن : { الْحَامِدُونَ } قَالَ : الْحَامِدُونَ عَلَى الْإِسْلَام .

وَأَمَّا قَوْله : { السَّائِحُونَ } فَإِنَّهُمْ الصَّائِمُونَ . كَمَا : 13438 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عِيسَى الدَّامَغَانِيّ وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَمْرو , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر. وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث , عَنْ عَمْرو , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر , قَالَ : سُئِلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ السَّائِحِينَ , فَقَالَ : " هُمْ الصَّائِمُونَ " . 13439 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثنا حَكِيم بْن حِزَام , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " السَّائِحُونَ هُمْ الصَّائِمُونَ " . 13440 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : { السَّائِحُونَ } : الصَّائِمُونَ . 13441 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , عَنْ زِرّ , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : { السَّائِحُونَ } الصَّائِمُونَ . * - قَالَ : ثنا يَحْيَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثني عَاصِم , عَنْ زِرّ , عَنْ عَبْد اللَّه , بِمِثْلِهِ . 13442 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , قَالَ : أَخْبَرَنَا شَيْبَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : السِّيَاحَة : الصِّيَام . 13443 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ أَشْعَث , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : { السَّائِحُونَ } : الصَّائِمُونَ. * - حَدَّثَنِي اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , وَإِسْرَائِيل عَنْ أَشْعَث , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : { السَّائِحُونَ } : الصَّائِمُونَ . 13444 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ أَشْعَث , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : { السَّائِحُونَ } : الصَّائِمُونَ . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ أَشْعَث بْن أَبِي الشَّعْثَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ زِرّ , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله . 13445 - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ إِسْحَاق , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : { السَّائِحُونَ } : هُمْ الصَّائِمُونَ. * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { السَّائِحُونَ } قَالَ : يَعْنِي بِالسَّائِحِينَ الصَّائِمِينَ . 13446 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : { السَّائِحُونَ } هُمْ الصَّائِمُونَ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة : قَالَ ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { السَّائِحُونَ } الصَّائِمُونَ. 13447 - قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كُلّ مَا ذُكِرَ اللَّه فِي الْقُرْآن السِّيَاحَة : هُمْ الصَّائِمُونَ . 13448 - قَالَ : ثنا أَبِي عَنْ الْمَسْعُودِيّ , عَنْ أَبِي سِنَان , عَنْ اِبْن أَبِي الْهَزِيل , عَنْ أَبِي عَمْرو الْعَبْدِيّ , قَالَ { السَّائِحُونَ } : الَّذِي يُدِيمُونَ الصِّيَام مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . 13449 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد قَالَ : ثنا حَكَّام عَنْ ثَعْلَبَة بْن سُهَيْل , قَالَ : قَالَ الْحَسَن : { السَّائِحُونَ } الصَّائِمُونَ . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني مَنْصُور بْن هَارُون , عَنْ أَبِي إِسْحَاق الْفَزَارِيّ , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : { السَّائِحُونَ } الصَّائِمُونَ شَهْر رَمَضَان . 13450 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : { السَّائِحُونَ } الصَّائِمُونَ . 13451 - قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : كُلّ شَيْء فِي الْقُرْآن { السَّائِحُونَ } فَإِنَّهُ الصَّائِمُونَ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { السَّائِحُونَ } الصَّائِمُونَ. * - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { السَّائِحُونَ } يَعْنِي : الصَّائِمِينَ . 13452 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع قَالَ : ثنا اِبْن نُمَيْر وَيَعْلَى وَأَبُو أُسَامَة , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , قَالَ : { السَّائِحُونَ } الصَّائِمُونَ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , مِثْله . 13453 - قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ اِبْن عُيَيْنَة , قَالَ : ثنا عَمْرو أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول : كَانَتْ السِّيَاحَة فِي بَنِي إِسْرَائِيل , وَكَانَ الرَّجُل إِذَا سَاحَ أَرْبَعِينَ سَنَة رَأَى مَا كَانَ يَرَى السَّائِحُونَ قَبْله , فَسَاحَ وَلَد بَغِيّ أَرْبَعِينَ سَنَة فَلَمْ يَرَ شَيْئًا , فَقَالَ : أَيْ رَبّ أَرَأَيْت إِنْ أَسَاءَ أَبَوَايَ وَأَحْسَنْت أَنَا ؟ قَالَ : فَأُرِيَ مَا أُرِيَ السَّائِحُونَ قَبْله. قَالَ اِبْن عُيَيْنَة : إِذَا تَرَكَ الطَّعَام وَالشَّرَاب وَالنِّسَاء فَهُوَ السَّائِح . 13454 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : السَّائِحُونَ قَوْم أَخَذُوا مِنْ أَبْدَانهمْ صَوْمًا لِلَّهِ . 13455 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن يَزِيد , عَنْ الْوَلِيد بْن عَبْد اللَّه , عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : سِيَاحَة هَذِهِ الْأُمَّة : الصِّيَام .

وَقَوْله : { الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ } يَعْنِي : الْمُصَلِّينَ الرَّاكِعِينَ فِي صَلَاتهمْ السَّاجِدِينَ فِيهَا كَمَا : 13456 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني مَنْصُور بْن هَارُون , عَنْ أَبِي إِسْحَاق الْفَزَارِيّ , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن : { الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ } قَالَ : الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة .

وَأَمَّا قَوْله : { الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنْكَر } فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّهُمْ يَأْمُرُونَ النَّاس بِالْحَقِّ فِي أَدْيَانهمْ , وَاتِّبَاع الرُّشْد وَالْهُدَى وَالْعَمَل , وَيَنْهَوْنَهُمْ عَنْ الْمُنْكَر ; وَذَلِكَ نَهْيهمْ النَّاس عَنْ كُلّ فِعْل وَقَوْل نَهَى اللَّه عِبَاده عَنْهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَسَن فِي ذَلِكَ مَا : 13457 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني مَنْصُور بْن هَارُون , عَنْ أَبِي إِسْحَاق الْفَزَارِيّ , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن : { الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ } لَا إِلَه اللَّه . { وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنْكَر } عَنْ الشِّرْك. 13458 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ ثَعْلَبَة بْن سُهَيْل , قَالَ الْحَسَن , فِي قَوْله : { الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ } قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَأْمُرُوا النَّاس حَتَّى كَانُوا مِنْ أَهْلهَا . { وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنْكَر } قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَنْهَوْا عَنْ الْمُنْكَر حَتَّى اِنْتَهَوْا عَنْهُ . 13459 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : كُلّ مَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآن الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر , فَالْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ : دُعَاء مِنْ الشِّرْك إِلَى الْإِسْلَام ; وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر : نَهْي عَنْ عِبَادَة الْأَوْثَان وَالشَّيَاطِين. وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى قَبْل عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ هُوَ كُلّ مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ عِبَاده أَوْ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر هُوَ كُلّ مَا نَهَى اللَّه عَنْهُ عِبَاده أَوْ رَسُوله . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْآيَة دَلَالَة عَلَى أَنَّهَا عُنِيَ بِهَا خُصُوص دُون عُمُوم وَلَا خَبَر عَنْ الرَّسُول وَلَا فِي فِطْرَة عَقْل , فَالْعُمُوم بِهَا أَوْلَى لِمَا قَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ كُتُبنَا .

وَأَمَّا قَوْله : { وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّه } فَإِنَّهُ يَعْنِي : الْمُؤَدُّونَ فَرَائِض اللَّه , الْمُنْتَهُونَ إِلَى أَمْره وَنَهْيه , الَّذِينَ لَا يُضَيِّعُونَ شَيْئًا أَلْزَمَهُمْ الْعَمَل بِهِ وَلَا يَرْتَكِبُونَ شَيْئًا نَهَاهُمْ عَنْ اِرْتِكَابه. كَاَلَّذِي : 13460 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّه } يَعْنِي : الْقَائِمِينَ عَلَى طَاعَة اللَّه , وَهُوَ شَرْط اِشْتَرَطَهُ عَلَى أَهْل الْجِهَاد إِذَا وَفَّوْا اللَّه بِشَرْطِهِ وَفَّى لَهُمْ شَرْطهمْ . 13461 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّه } قَالَ : الْقَائِمُونَ عَلَى طَاعَة اللَّه . 13462 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ ثَعْلَبَة بْن سُهَيْل , قَالَ : قَالَ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّه } قَالَ : الْقَائِمُونَ عَلَى أَمْر اللَّه . 13463 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني مَنْصُور بْن هَارُون , عَنْ أَبِي إِسْحَاق الْفَزَارِيّ , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن : { وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّه } قَالَ : لِفَرَائِض اللَّه .

وَأَمَّا قَوْله : { وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَبَشِّرْ الْمُصَدِّقِينَ بِمَا وَعَدَهُمْ اللَّه إِذَا هُمْ وَفَّوْا اللَّه بِعَهْدِهِ أَنَّهُ مُوفٍ لَهُمْ بِمَا وَعَدَهُمْ مِنْ إِدْخَالهمْ الْجَنَّة . كَمَا : 13464 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا هَوْذَة بْن خَلِيفَة , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ الْحَسَن : { إِنَّ اللَّه اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ } حَتَّى خَتَمَ الْآيَة , قَالَ الَّذِينَ وَفَّوْا بِبَيْعَتِهِمْ { التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ } , حَتَّى خَتَمَ الْآيَة , فَقَالَ : هَذَا عَمَلهمْ وَسَيْرهمْ فِي الرَّخَاء , ثُمَّ لَقُوا الْعَدُوّ فَصَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّه عَلَيْهِ . وَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَبَشِّرْ مَنْ فَعَلَ هَذِهِ الْأَفْعَال , يَعْنِي قَوْله : { التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ } إِلَى آخِر الْآيَة , وَإِنْ لَمْ يَغْزُوا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13465 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني مَنْصُور بْن هَارُون , عَنْ أَبِي إِسْحَاق الْفَزَارِيّ , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن : { وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : الَّذِينَ لَمْ يَغْزُوا .
مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُولِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِسورة التوبة الآية رقم 113
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَاب الْجَحِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا كَانَ يَنْبَغِي لِلنَّبِيِّ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا بِهِ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا , يَقُول : أَنْ يَدْعُوا بِالْمَغْفِرَةِ لِلْمُشْرِكِينَ , وَلَوْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُمْ أُولِي قُرْبَى , ذَوِي قَرَابَة لَهُمْ . { مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَاب الْجَحِيم } يَقُول : مِنْ بَعْد مَا مَاتُوا عَلَى شِرْكهمْ بِاَللَّهِ وَعِبَادَة الْأَوْثَان تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْل النَّار ; لِأَنَّ اللَّه قَدْ قَضَى أَنْ لَا يَغْفِر لِمُشْرِكٍ فَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَسْأَلُوا رَبّهمْ أَنْ يَفْعَل مَا قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ لَا يَفْعَلهُ . فَإِنْ قَالُوا : فَإِنَّ إِبْرَاهِيم قَدْ اِسْتَغْفَرَ لِأَبِيهِ وَهُوَ مُشْرِك , فَلَمْ يَكُنْ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا لِمَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ } وَعَلِمَ أَنَّهُ لِلَّهِ عَدُوّ خَلَّاهُ وَتَرَكَ الِاسْتِغْفَار لَهُ , وَآثَرَ اللَّه وَأَمْره عَلَيْهِ , فَتَبَرَّأَ مِنْهُ حِين تَبَيَّنَ لَهُ أَمْره. وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي السَّبَب الَّذِي نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِيهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ فِي شَأْن أَبِي طَالِب عَمّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَسْتَغْفِر لَهُ بَعْد مَوْته , فَنَهَاهُ اللَّه عَنْ ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13466 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِب الْوَفَاة دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْده أَبُو جَهْل وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي أُمَيَّة , فَقَالَ : " يَا عَمّ قُلْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه كَلِمَة أُحَاجّ لَك بِهَا عِنْد اللَّه ! " فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْل وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي أُمَيَّة : يَا أَبَا طَالِب أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّة عَبْد الْمُطَّلِب ؟ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَأَسْتَغْفِرَن لَك مَا لَمْ أُنْهَ عَنْك ! " فَنَزَلَتْ { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } , وَنَزَلَتْ : { إِنَّك لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت } . 28 56 13467 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن وَهْب , قَالَ : ثنا عَمِّي عَبْد اللَّه بْن وَهْب , قَالَ : ثني يُونُس , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِب الْوَفَاة جَاءَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَوَجَدَ عِنْده أَبَا جَهْل بْن هِشَام وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي أُمَيَّة بْن الْمُغِيرَة , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا عَمّ قُلْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه كَلِمَة أَشْهَد لَك بِهَا عِنْد اللَّه ! " قَالَ أَبُو جَهْل وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي أُمَيَّة : يَا أَبَا طَالِب أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّة عَبْد الْمُطَّلِب ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضهَا عَلَيْهِ وَيُعِيد لَهُ تِلْكَ الْمَقَالَة حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِب آخِر مَا كَلَّمَهُمْ هُوَ عَلَى مِلَّة عَبْد الْمُطَّلِب , وَأَبَى أَنْ يَقُول : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَاَللَّه لَأَسْتَغْفِرَن لَك مَا لَمْ أُنْهَ عَنْك ! " فَأَنْزَلَ اللَّه : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } وَأَنْزَلَ اللَّه فِي أَبِي طَالِب , فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّه : { إِنَّك لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت } 28 56 الْآيَة . 13468 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } قَالَ : يَقُول الْمُؤْمِنُونَ أَلَا نَسْتَغْفِر لِآبَائِنَا وَقَدْ اِسْتَغْفَرَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ كَافِرًا , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمَا كَانَ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَهَا إِيَّاهُ } الْآيَة . 13469 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " اِسْتَغْفَرَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ وَهُوَ مُشْرِك , فَلَا أَزَال أَسْتَغْفِر لِأَبِي طَالِب حَتَّى يَنْهَانِي عَنْهُ رَبِّي " فَقَالَ أَصْحَابه : لَنَسْتَغْفِرَنَّ لِآبَائِنَا كَمَا اِسْتَغْفَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمِّهِ ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } إِلَى قَوْله : { تَبَرَّأَ مِنْهُ } . 13470 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب قَالَ : لَمَّا حَضَرَ أَبَا طَالِب الْوَفَاة أَتَاهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَعِنْده عَبْد اللَّه بْن أَبِي أُمَيَّة وَأَبُو جَهْل بْن هِشَام , فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيْ عَمّ إِنَّك أَعْظَم النَّاس عَلَيَّ حَقًّا وَأَحْسَنهمْ عِنْدِي يَدًا , وَلَأَنْتَ أَعْظَم عَلَيَّ حَقًّا مِنْ وَالِدَيَّ , فَقُلْ كَلِمَة تُجِبْ لِي بِهَا الشَّفَاعَة يَوْم الْقِيَامَة , قُلْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ! " ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ مُحَمَّد بْن ثَوْر . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ فِي سَبَب أُمّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْتَغْفِر لَهَا فَمُنِعَ مِنْ ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13471 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا فُضَيْل , عَنْ عَطِيَّة قَالَ : لَمَّا قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّة وَقَفَ عَلَى قَبْر أُمّه حَتَّى سَخِنَتْ عَلَيْهِ الشَّمْس , رَجَاء أَنْ يُؤْذَن لَهُ فَيَسْتَغْفِر لَهَا , حَتَّى نَزَلَتْ : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى } إِلَى قَوْله : { تَبَرَّأَ مِنْهُ }. 13472 - قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا قَيْس , عَنْ عَلْقَمَة بْن مَرْثَد , عَنْ سُلَيْمَان بْن بُرَيْدَة , عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى رَسْمًا - قَالَ : وَأَكْثَر ظَنِّي أَنَّهُ قَالَ قَبْرًا - فَجَلَسَ إِلَيْهِ , فَجَعَلَ يُخَاطِب , ثُمَّ قَامَ مُسْتَعْبِرًا , فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه , إِنَّا رَأَيْنَا مَا صَنَعْت ! قَالَ : " إِنِّي اِسْتَأْذَنْت رَبِّي فِي زِيَارَة قَبْر أُمِّي فَأَذِنَ لِي , وَاسْتَأْذَنْته فِي الِاسْتِغْفَار لَهَا فَلَمْ يَأْذَن لِي " فَمَا رُئِيَ بَاكِيًا أَكْثَر مِنْ يَوْمئِذٍ . 13473 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا } إِلَى : { أَنَّهُمْ أَصْحَاب الْجَحِيم } أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَسْتَغْفِر لِأُمِّهِ , فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ , فَقَالَ : " وَإِنَّ إِبْرَاهِيم خَلِيل اللَّه قَدْ اِسْتَغْفَرَ لِأَبِيهِ " فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمَا كَانَ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم } إِلَى : { لَأَوَّاه حَلِيم } . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ مِنْ أَجْل أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْل الْإِيمَان كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ لِمَوْتَاهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13474 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } الْآيَة , فَكَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ لَهُمْ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , فَلَمَّا نَزَلَتْ أَمْسَكُوا عَنْ الِاسْتِغْفَار لِأَمْوَاتِهِمْ , وَلَمْ يُنْهُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْأَحْيَاءِ حَتَّى يَمُوتُوا. ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه : { وَمَا كَانَ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَهَا إِيَّاهُ } . الْآيَة . 13475 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } الْآيَة , ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه , إِنَّ مِنْ آبَائِنَا مَنْ كَانَ يُحْسِن الْجِوَار وَيَصِل الْأَرْحَام وَيَفُكّ الْعَانِي وَيُوفِي بِالذِّمَمِ , أَفَلَا نَسْتَغْفِر لَهُمْ ؟ قَالَ : فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بَلَى وَاَللَّه لَأَسْتَغْفِرَن لِأَبِي كَمَا اِسْتَغْفَرَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ ! " قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } حَتَّى بَلَغَ : { الرَّحِيم } ثُمَّ عَذَرَ اللَّه إِبْرَاهِيم فَقَالَ : { وَمَا كَانَ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } . قَالَ : وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه قَالَ : " أُوحِيَ إِلَيَّ كَلِمَات , فَدَخَلْنَ فِي أُذُنِي وَوَقَرْنَ فِي قَلْبِي , أُمِرْت أَنْ لَا أَسْتَغْفِر لِمَنْ مَاتَ مُشْرِكًا , وَمَنْ أَعْطَى فَضْل مَاله فَهُوَ خَيْر لَهُ , وَمَنْ أَمْسَكَ فَهُوَ شَرّ لَهُ , وَلَا يَلُوم اللَّه عَلَى كَفَاف " . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي مَعْنَى قَوْله : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : مَعْنَى ذَلِكَ : مَا كَانَ لَهُمْ الِاسْتِغْفَار , وَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْله : { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِن } وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ الْإِيمَان { إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه } . 10 100 وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : مَعْنَاهُ : مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لَهُمْ . قَالَ : وَكَذَلِكَ إِذَا جَاءَتْ " أَنْ " مَعَ " كَانَ " , فَكُلّهَا بِتَأْوِيلِ " يَنْبَغِي " { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } 3 161 مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ لَيْسَ هَذَا مِنْ أَخْلَاقه , قَالَ : فَلِذَلِكَ إِذَا دَخَلْت " أَنْ " تَدُلّ عَلَى الِاسْتِقْبَال , لِأَنَّ " يَنْبَغِي " تَطْلُب الِاسْتِقْبَال . وَأَمَّا قَوْله : { وَمَا كَانَ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَهَا إِيَّاهُ } فَإِنَّ أَهْل الْعِلْم اِخْتَلَفُوا فِي السَّبَب الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : أُنْزِلَ مِنْ أَجْل أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ لِمَوْتَاهُمْ الْمُشْرِكِينَ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ حِين أَنْزَلَ اللَّه قَوْله خَبَرًا عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : { سَلَام عَلَيْك سَأَسْتَغْفِرُ لَك رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا } وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة عَنْ بَعْض مَنْ حَضَرَنَا ذِكْره , وَسَنَذْكُرُهُ عَمَّنْ لَمْ نَذْكُرهُ . 13476 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْخَلِيل , عَنْ عَلِيّ قَالَ : سَمِعْت رَجُلًا يَسْتَغْفِر لِوَالِدَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ , فَقُلْت : أَيَسْتَغْفِرُ الرَّجُل لِوَالِدَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ ؟ فَقَالَ : أَوَلَمْ يَسْتَغْفِر إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ ؟ قَالَ : فَأَتَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمَا كَانَ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم } إِلَى { تَبَرَّأَ مِنْهُ } . 13477 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْخَلِيل , عَنْ عَلِيّ : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى كَانَ يَسْتَغْفِر لِأَبَوَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ , حَتَّى نَزَلَتْ : { وَمَا كَانَ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ } إِلَى قَوْله : { تَبَرَّأَ مِنْهُ } . وَقِيلَ : { وَمَا كَانَ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَة } , وَمَعْنَاهُ : إِلَّا مِنْ بَعْد مَوْعِدَة , كَمَا يُقَال : مَا كَانَ هَذَا الْأَمْر إِلَّا عَنْ سَبَب كَذَا , بِمَعْنَى : مِنْ بَعْد ذَلِكَ السَّبَب أَوْ مِنْ أَجْله , فَكَذَلِكَ قَوْله : { إِلَّا عَنْ مَوْعِدَة } : مِنْ أَجْل مَوْعِدَة وَبَعْدهَا . وَقَدْ تَأَوَّلَ قَوْم قَوْل اللَّه : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى } الْآيَة , أَنَّ النَّهْي مِنْ اللَّه عَنْ الِاسْتِغْفَار لِلْمُشْرِكِينَ بَعْد مَمَاتهمْ , لِقَوْلِهِ : { مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَاب الْجَحِيم } وَقَالُوا : ذَلِكَ لَا يَتَبَيَّنهُ أَحَد إِلَّا بِأَنْ يَمُوت عَلَى كُفْره , وَأَمَّا هُوَ حَيّ فَلَا سَبِيل إِلَى عِلْم ذَلِكَ , فَلِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لَهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13478 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن عُمَر الرَّقِّيّ , ثنا عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك , عَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيّ , عَنْ الشَّيْبَانِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَا : مَاتَ رَجُل يَهُودِيّ وَلَهُ اِبْن مُسْلِم , فَلَمْ يَخْرُج مَعَهُ , فَذُكِرَ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاس , فَقَالَ : كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَمْشِي مَعَهُ وَيَدْفِنهُ وَيَدْعُو لَهُ بِالصَّلَاحِ مَا دَامَ حَيًّا , فَإِذَا مَاتَ وَكَلَهُ إِلَى شَأْنه ! ثُمَّ قَالَ : { وَمَا كَانَ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } لَمْ يَدْعُ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا فُضَيْل , عَنْ ضِرَار بْن مُرَّة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : مَاتَ رَجُل نَصْرَانِيّ , فَوَكَلَهُ اِبْنه إِلَى أَهْل دِينه , فَأَتَيْت اِبْن عَبَّاس , فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ : مَا كَانَ عَلَيْهِ لَوْ مَشَى مَعَهُ وَأَجَنَّهُ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ ! ثُمَّ تَلَا { وَمَا كَانَ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَهَا إِيَّاهُ } الْآيَة . وَتَأَوَّلَ آخَرُونَ الِاسْتِغْفَار فِي هَذَا الْمَوْضُوع بِمَعْنَى الصَّلَاة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13479 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني إِسْحَاق , قَالَ : ثنا كَثِير بْن هِشَام , عَنْ جَعْفَر بْن بُرْقَان , قَالَ : ثنا حَبِيب بْن أَبِي مَرْزُوق , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , قَالَ : مَا كُنْت أَدَع الصَّلَاة عَلَى أَحَد مِنْ أَهْل هَذِهِ الْقِبْلَة وَلَوْ كَانَتْ حَبَشِيَّة حُبْلَى مِنْ الزِّنَا , لِأَنِّي لَمْ أَسْمَع أَنَّ اللَّه يَحْجُب الصَّلَاة إِلَّا عَنْ الْمُشْرِكِينَ , يَقُول اللَّه : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ }. وَتَأَوَّلَهُ آخَرُونَ بِمَعْنَى الِاسْتِغْفَار الَّذِي هُوَ دُعَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13480 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ عِصْمَة بْن رَاشِد , عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول : رَحِمَ اللَّه رَجُلًا اِسْتَغْفَرَ لِأَبِي هُرَيْرَة وَلِأُمِّهِ ! قُلْت : وَلِأَبِيهِ ؟ قَالَ : لَا إِنَّ أَبِي مَاتَ وَهُوَ مُشْرِك . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِغْفَار : مَسْأَلَة الْعَبْد رَبّه غَفْر الذُّنُوب ; وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَتْ مَسْأَلَة الْعَبْد رَبّه ذَلِكَ قَدْ تَكُون فِي الصَّلَاة وَفِي غَيْر الصَّلَاة , لَمْ يَكُنْ أَحَد الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا فَاسِدًا , لِأَنَّ اللَّه عَمَّ بِالنَّهْيِ عَنْ الِاسْتِغْفَار لِلْمُشْرِكِ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ مِنْ أَصْحَاب الْجَحِيم , وَلَمْ يُخَصِّص مِنْ ذَلِكَ حَالًا أَبَاحَ فِيهَا الِاسْتِغْفَار لَهُ . وَأَمَّا قَوْله : { مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَاب الْجَحِيم } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : مَا قَدْ بَيَّنْت مِنْ أَنَّهُ مِنْ بَعْد مَا يَعْلَمُونَ بِمَوْتِهِ كَافِرًا أَنَّهُ مِنْ أَهْل النَّار . وَقِيلَ : { أَصْحَاب الْجَحِيم } لِأَنَّهُمْ سُكَّانهَا وَأَهْلهَا الْكَائِنُونَ فِيهَا , كَمَا يُقَال لِسُكَّانِ الدَّار : هَؤُلَاءِ أَصْحَاب هَذِهِ الدَّار , بِمَعْنَى سُكَّانهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13481 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّازِق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَاب الْجَحِيم } قَالَ : تَبَيَّنَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَبَا طَالِب حِين مَاتَ أَنَّ التَّوْبَة قَدْ اِنْقَطَعَتْ عَنْهُ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : تَبَيَّنَ لَهُ حِين مَاتَ , وَعَلِمَ أَنَّ التَّوْبَة قَدْ اِنْقَطَعَتْ عَنْهُ , يَعْنِي فِي قَوْله : { مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَاب الْجَحِيم } . 13482 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك فِي قَوْله : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } الْآيَة , يَقُول : إِذَا مَاتُوا مُشْرِكِينَ , يَقُول اللَّه : { وَمَنْ يُشْرِك بِاَللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ الْجَنَّة } 5 72 الْآيَة . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } قَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ بِمَوْتِهِ مُشْرِكًا بِاَللَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ وَتَرَكَ الِاسْتِغْفَار لَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13483 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حَبِيب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : مَا زَالَ إِبْرَاهِيم يَسْتَغْفِر لِأَبِيهِ حَتَّى مَاتَ , فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَبِيب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : مَا زَالَ إِبْرَاهِيم يَسْتَغْفِر لِأَبِيهِ حَتَّى مَاتَ , فَلَمَّا مَاتَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لَمْ يَزَلْ إِبْرَاهِيم يَسْتَغْفِر لِأَبِيهِ حَتَّى مَاتَ , فَلَمَّا مَاتَ لَمْ يَسْتَغْفِر لَهُ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَمَا كَانَ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } يَعْنِي اِسْتَغْفَرَ لَهُ مَا كَانَ حَيًّا , فَلَمَّا مَاتَ أَمْسَكَ عَنْ الِاسْتِغْفَار لَهُ. 13484 - حَدَّثَنِي مَطَر بْن مُحَمَّد الضَّبِّيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم وَأَبُو قُتَيْبَة مُسْلِم بْن قُتَيْبَة , قَالَا : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } قَالَ : لَمَّا مَاتَ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 13485 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ } قَالَ : مَوْته وَهُوَ كَافِر . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 13486 - قَالَ : ثنا الْبَرَاء بْن عُتْبَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الْحَكَم : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } قَالَ : حِين مَاتَ وَلَمْ يُؤْمِن . 13487 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } : مَوْته وَهُوَ كَافِر. 13488 - حَدَّثَنِي عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } قَالَ : لَمَّا مَاتَ . 13489 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } لَمَّا مَاتَ عَلَى شِرْكه تَبَرَّأَ مِنْهُ . 13490 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَمَا كَانَ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ } كَانَ إِبْرَاهِيم صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ يَرْجُو أَنْ يُؤْمِن أَبُوهُ مَا دَامَ حَيًّا ; فَلَمَّا مَاتَ عَلَى شِرْكه تَبَرَّأَ مِنْهُ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } قَالَ : مَوْته وَهُوَ كَافِر . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : مَا زَالَ إِبْرَاهِيم يَسْتَغْفِر لِأَبِيهِ حَتَّى مَاتَ , فَلَمَّا مَاتَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لَهُ فَلَمْ يَسْتَغْفِر لَهُ . 13491 - قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو إِسْرَائِيل , عَنْ عَلِيّ بْن بَذِيمَةَ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ وَأَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ } قَالَ : فَلَمَّا مَاتَ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ تَبَيَّنَ لَهُ فِي الْآخِرَة ; وَذَلِكَ أَنَّ أَبَاهُ يَتَعَلَّق بِهِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَجُوز الصِّرَاط فَيَمُرّ بِهِ عَلَيْهِ , حَتَّى إِذَا كَادَ أَنْ يُجَاوِزهُ حَانَتْ مِنْ إِبْرَاهِيم اِلْتِفَاتَة فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ فِي صُورَة قِرْد أَوْ ضَبُع , فَخَلَّى عَنْهُ وَتَبَرَّأَ مِنْهُ حِينَئِذٍ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13492 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا حَفْص بْن غِيَاث , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت سَعِيد بْن جُبَيْر يَقُول : إِنَّ إِبْرَاهِيم يَقُول يَوْم الْقِيَامَة : رَبّ وَالِدِي ! رَبّ وَالِدِي ! فَإِذَا كَانَ الثَّالِثَة أَخَذَ بِيَدِهِ , فَيَلْتَفِت إِلَيْهِ وَهُوَ ضَبَعَان فَيَتَبَرَّأ مِنْهُ . 13493 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر , قَالَ : إِنَّكُمْ مَجْمُوعُونَ يَوْم الْقِيَامَة فِي صَعِيد وَاحِد يَسْمَعكُمْ الدَّاعِي وَيَنْفُذكُمْ الْبَصَر , قَالَ : فَتَزْفِر جَهَنَّم زَفْرَة لَا يَبْقَى مَلَك مُقَرَّب وَلَا نَبِيّ مُرْسَل إِلَّا وَقَعَ لِرُكْبَتَيْهِ تَرْعَد فَرَائِصه . قَالَ : فَحَسِبْته يَقُول : نَفْسِي نَفْسِي ! قَالَ : وَيُضْرَب الصِّرَاط عَلَى جِسْر جَهَنَّم كَحَدِّ السَّيْف , وَحَضَرَ مَنْ لَهُ ; وَفِي جَانِبَيْهِ مَلَائِكَة مَعَهُمْ خَطَاطِيف كَشَوْكِ السَّعْدَان . قَالَ : فَيَمْضُونَ كَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ , وَكَأَجَاوِيد الرِّكَاب , وَكَأَجَاوِيد الرِّجَال , وَالْمَلَائِكَة يَقُولُونَ : رَبّ سَلِّمْ سَلِّمْ ! فَنَاجٍ سَالِم , وَمَخْدُوش نَاجٍ , وَمَكْدُوس فِي النَّار . يَقُول إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ : إِنِّي آمُرك فِي الدُّنْيَا فَتَعْصِينِي وَلَسْت تَارِكك الْيَوْم , فَخُذْ بِحَقْوِي ! فَيَأْخُذ بِضَبْعَيْهِ , فَيُمْسَخ ضَبْعًا , فَإِذَا رَآهُ قَدْ مُسِخَ تَبَرَّأَ مِنْهُ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل اللَّه , وَهُوَ خَبَره عَنْ إِبْرَاهِيم أَنَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ أَبَاهُ لِلَّهِ عَدُوّ يَبْرَأ مِنْهُ , وَذَلِكَ حَال عِلْمه وَيَقِينه أَنَّهُ لِلَّهِ عَدُوّ وَهُوَ بِهِ مُشْرِك , وَهُوَ حَال مَوْته عَلَى شِرْكه .
وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌسورة التوبة الآية رقم 114
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا كَانَ يَنْبَغِي لِلنَّبِيِّ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا بِهِ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا , يَقُول : أَنْ يَدْعُوا بِالْمَغْفِرَةِ لِلْمُشْرِكِينَ , وَلَوْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُمْ أُولِي قُرْبَى , ذَوِي قَرَابَة لَهُمْ . { مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَاب الْجَحِيم } يَقُول : مِنْ بَعْد مَا مَاتُوا عَلَى شِرْكهمْ بِاَللَّهِ وَعِبَادَة الْأَوْثَان تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْل النَّار ; لِأَنَّ اللَّه قَدْ قَضَى أَنْ لَا يَغْفِر لِمُشْرِكٍ فَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَسْأَلُوا رَبّهمْ أَنْ يَفْعَل مَا قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ لَا يَفْعَلهُ. فَإِنْ قَالُوا : فَإِنَّ إِبْرَاهِيم قَدْ اِسْتَغْفَرَ لِأَبِيهِ وَهُوَ مُشْرِك , فَلَمْ يَكُنْ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا لِمَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ } وَعُلِمَ أَنَّهُ لِلَّهِ عَدُوّ خَلَّاهُ وَتَرَكَ الِاسْتِغْفَار لَهُ , وَآثَرَ اللَّه وَأَمْره عَلَيْهِ , فَتَبَرَّأَ مِنْهُ حِين تَبَيَّنَ لَهُ أَمْره . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي السَّبَب الَّذِي نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِيهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ فِي شَأْن أَبِي طَالِب عَمّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَسْتَغْفِر لَهُ بَعْد مَوْته , فَنَهَاهُ اللَّه عَنْ ذَلِكَ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13466 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِب الْوَفَاة دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْده أَبُو جَهْل وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي أُمَيَّة , فَقَالَ : " يَا عَمّ قُلْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه كَلِمَة أُحَاجّ لَك بِهَا عِنْد اللَّه ! " فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْل وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي أُمَيَّة : يَا أَبَا طَالِب أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّة عَبْد الْمُطَّلِب ؟ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَأَسْتَغْفِرَن لَك مَا لَمْ أُنْهَ عَنْك ! " فَنَزَلَتْ { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } , وَنَزَلَتْ : { إِنَّك لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت } . 28 56 13467 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن وَهْب , قَالَ : ثنا عَمِّي عَبْد اللَّه بْن وَهْب , قَالَ : ثني يُونُس , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِب الْوَفَاة جَاءَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَوَجَدَ عِنْده أَبَا جَهْل بْن هِشَام وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي أُمَيَّة بْن الْمُغِيرَة , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا عَمّ قُلْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه كَلِمَة أَشْهَد لَك بِهَا عِنْد اللَّه ! " قَالَ أَبُو جَهْل وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي أُمَيَّة : يَا أَبَا طَالِب أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّة عَبْد الْمُطَّلِب ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضهَا عَلَيْهِ وَيُعِيد لَهُ تِلْكَ الْمَقَالَة حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِب آخِر مَا كَلَّمَهُمْ هُوَ عَلَى مِلَّة عَبْد الْمُطَّلِب , وَأَبَى أَنْ يَقُول : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَاَللَّه لَأَسْتَغْفِرَن لَك مَا لَمْ أُنْهَ عَنْك ! " فَأَنْزَلَ اللَّه : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } وَأَنْزَلَ اللَّه فِي أَبِي طَالِب , فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّه : { إِنَّك لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت } 28 56 الْآيَة . 13468 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } قَالَ : يَقُول الْمُؤْمِنُونَ أَلَا نَسْتَغْفِر لِآبَائِنَا وَقَدْ اِسْتَغْفَرَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ كَافِرًا , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمَا كَانَ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَهَا إِيَّاهُ } الْآيَة . 13469 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " اِسْتَغْفَرَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ وَهُوَ مُشْرِك , فَلَا أَزَالَ أَسْتَغْفِر لِأَبِي طَالِب حَتَّى يَنْهَانِي عَنْهُ رَبِّي " فَقَالَ أَصْحَابه : لَنَسْتَغْفِرَنَّ لِآبَائِنَا كَمَا اِسْتَغْفَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمِّهِ ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } إِلَى قَوْله : { تَبَرَّأَ مِنْهُ } . 13470 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب قَالَ : لَمَّا حَضَرَ أَبَا طَالِب الْوَفَاة أَتَاهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَعِنْده عَبْد اللَّه بْن أَبِي أُمَيَّة وَأَبُو جَهْل بْن هِشَام , فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيْ عَمّ إِنَّك أَعْظَم النَّاس عَلَيَّ حَقًّا وَأَحْسَنهمْ عِنْدِي يَدًا , وَلَأَنْتَ أَعْظَم عَلَيَّ حَقًّا مِنْ وَالِدَيَّ , فَقُلْ كَلِمَة تُجِبْ لِي بِهَا الشَّفَاعَة يَوْم الْقِيَامَة , قُلْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ! " ثُمَّ ذُكِرَ نَحْو حَدِيث اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ مُحَمَّد بْن ثَوْر . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ فِي سَبَب أُمّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْتَغْفِر لَهَا فَمُنِعَ مِنْ ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13471 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا فُضَيْل , عَنْ عَطِيَّة قَالَ : لَمَّا قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّة وَقَفَ عَلَى قَبْر أُمّه حَتَّى سَخِنَتْ عَلَيْهِ الشَّمْس , رَجَاء أَنْ يُؤْذَن لَهُ فَيَسْتَغْفِر لَهَا , حَتَّى نَزَلَتْ : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى } إِلَى قَوْله : { تَبَرَّأَ مِنْهُ }. 13472 - قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا قَيْس , عَنْ عَلْقَمَة بْن مَرْثَد , عَنْ سُلَيْمَان بْن بُرَيْدَة , عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى رَسْمًا - قَالَ : وَأَكْثَر ظَنِّيّ أَنَّهُ قَالَ قَبْرًا - فَجَلَسَ إِلَيْهِ , فَجَعَلَ يُخَاطِب , ثُمَّ قَامَ مُسْتَعْبِرًا , فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه , إِنَّا رَأَيْنَا مَا صَنَعْت ! قَالَ : " إِنِّي اِسْتَأْذَنْت رَبِّي فِي زِيَارَة قَبْر أُمِّي فَأَذِنَ لِي , وَاسْتَأْذَنْته فِي الِاسْتِغْفَار لَهَا فَلَمْ يَأْذَن لِي " فَمَا رُئِيَ بَاكِيًا أَكْثَر مِنْ يَوْمئِذٍ . 13473 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا } إِلَى : { أَنَّهُمْ أَصْحَاب الْجَحِيم } أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَسْتَغْفِر لِأُمِّهِ , فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ , فَقَالَ : " وَإِنَّ إِبْرَاهِيم خَلِيل اللَّه قَدْ اِسْتَغْفَرَ لِأَبِيهِ " فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمَا كَانَ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم } إِلَى : { لَأَوَّاه حَلِيم } . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ مِنْ أَجْل أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْل الْإِيمَان كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ لِمَوْتَاهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13474 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } الْآيَة , فَكَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ لَهُمْ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , فَلَمَّا نَزَلَتْ أَمْسَكُوا عَنْ الِاسْتِغْفَار لِأَمْوَاتِهِمْ , وَلَمْ يُنْهُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْأَحْيَاءِ حَتَّى يَمُوتُوا. ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه : { وَمَا كَانَ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَهَا إِيَّاهُ } . الْآيَة . 13475 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } الْآيَة , ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه , إِنَّ مِنْ آبَائِنَا مَنْ كَانَ يُحْسِن الْجِوَار وَيَصِل الْأَرْحَام وَيَفُكّ الْعَانِي وَيُوفِي بِالذِّمَمِ , أَفَلَا نَسْتَغْفِر لَهُمْ ؟ قَالَ : فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بَلَى وَاَللَّه لَأَسْتَغْفِرَن لِأَبِي كَمَا اِسْتَغْفَرَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ ! " قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } حَتَّى بَلَغَ : { الرَّحِيم } ثُمَّ عَذَرَ اللَّه إِبْرَاهِيم فَقَالَ : { وَمَا كَانَ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } . قَالَ : وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه قَالَ : " أُوحِيَ إِلَيَّ كَلِمَات , فَدَخَلْنَ فِي أُذُنِي وَوَقَرْنَ فِي قَلْبِي , أُمِرْت أَنْ لَا أَسْتَغْفِر لِمَنْ مَاتَ مُشْرِكًا , وَمَنْ أَعْطَى فَضْل مَاله فَهُوَ خَيْر لَهُ , وَمَنْ أَمْسَكَ فَهُوَ شَرّ لَهُ , وَلَا يَلُوم اللَّه عَلَى كَفَاف " . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي مَعْنَى قَوْله : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : مَعْنَى ذَلِكَ : مَا كَانَ لَهُمْ الِاسْتِغْفَار , وَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْله : { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِن } وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ الْإِيمَان { إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه } . 10 100 وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : مَعْنَاهُ : مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لَهُمْ . قَالَ : وَكَذَلِكَ إِذَا جَاءَتْ " أَنْ " مَعَ " كَانَ " , فَكُلّهَا بِتَأْوِيلِ " يَنْبَغِي " { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } 3 161 مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ لَيْسَ هَذَا مِنْ أَخْلَاقه , قَالَ : فَلِذَلِكَ إِذَا دَخَلَتْ " أَنْ " تَدُلّ عَلَى الِاسْتِقْبَال , لِأَنَّ " يَنْبَغِي " تَطْلُب الِاسْتِقْبَال . وَأَمَّا قَوْله : { وَمَا كَانَ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَهَا إِيَّاهُ } فَإِنَّ أَهْل الْعِلْم اِخْتَلَفُوا فِي السَّبَب الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : أُنْزِلَ مِنْ أَجْل أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ لِمَوْتَاهُمْ الْمُشْرِكِينَ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ حِين أَنْزَلَ اللَّه قَوْله خَبَرًا عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : { سَلَام عَلَيْك سَأَسْتَغْفِرُ لَك رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا } وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة عَنْ بَعْض مَنْ حَضَرَنَا ذِكْره , وَسَنَذْكُرُهُ عَمَّنْ لَمْ نَذْكُرهُ . 13476 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْخَلِيل , عَنْ عَلِيّ قَالَ : سَمِعْت رَجُلًا يَسْتَغْفِر لِوَالِدَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ , فَقُلْت : أَيَسْتَغْفِرُ الرَّجُل لِوَالِدَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ ؟ فَقَالَ : أَوَلَمْ يَسْتَغْفِر إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ ؟ قَالَ : فَأَتَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمَا كَانَ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم } إِلَى { تَبَرَّأَ مِنْهُ }. 13477 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْخَلِيل , عَنْ عَلِيّ : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَغْفِر لِأَبَوَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ , حَتَّى نَزَلَتْ : { وَمَا كَانَ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ } إِلَى قَوْله : { تَبَرَّأَ مِنْهُ } . وَقِيلَ : { وَمَا كَانَ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَة } , وَمَعْنَاهُ : إِلَّا مِنْ بَعْد مَوْعِدَة , كَمَا يُقَال : مَا كَانَ هَذَا الْأَمْر إِلَّا عَنْ سَبَب كَذَا , بِمَعْنَى : مِنْ بَعْد ذَلِكَ السَّبَب أَوْ مِنْ أَجْله , فَكَذَلِكَ قَوْله : { إِلَّا عَنْ مَوْعِدَة } : مِنْ أَجْل مَوْعِدَة وَبَعْدهَا . وَقَدْ تَأَوَّلَ قَوْم قَوْل اللَّه : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى } الْآيَة , أَنَّ النَّهْي مِنْ اللَّه عَنْ الِاسْتِغْفَار لِلْمُشْرِكِينَ بَعْد مَمَاتهمْ , لِقَوْلِهِ : { مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَاب الْجَحِيم } وَقَالُوا : ذَلِكَ لَا يَتَبَيَّنهُ أَحَد إِلَّا بِأَنْ يَمُوت عَلَى كُفْره , وَأَمَّا هُوَ حَيّ فَلَا سَبِيل إِلَى عِلْم ذَلِكَ , فَلِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لَهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13478 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن عُمَر الرَّقِّيّ , ثنا عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك , عَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيّ , عَنْ الشَّيْبَانِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَا : مَاتَ رَجُل يَهُودِيّ وَلَهُ اِبْن مُسْلِم , فَلَمْ يَخْرُج مَعَهُ , فَذُكِرَ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاس , فَقَالَ : كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَمْشِي مَعَهُ وَيَدْفِنهُ وَيَدْعُو لَهُ بِالصَّلَاحِ مَا دَامَ حَيًّا , فَإِذَا مَاتَ وَكَلَهُ إِلَى شَأْنه ! ثُمَّ قَالَ : { وَمَا كَانَ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } لَمْ يَدْعُ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا فُضَيْل , عَنْ ضِرَار بْن مُرَّة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : مَاتَ رَجُل نَصْرَانِيّ , فَوَكَلَهُ اِبْنه إِلَى أَهْل دِينه , فَأَتَيْت اِبْن عَبَّاس , فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ : مَا كَانَ عَلَيْهِ لَوْ مَشَى مَعَهُ وَأَجَنَّهُ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ ! ثُمَّ تَلَا { وَمَا كَانَ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَهَا إِيَّاهُ } الْآيَة . وَتَأَوَّلَ آخَرُونَ الِاسْتِغْفَار فِي هَذَا الْمَوْضُوع بِمَعْنَى الصَّلَاة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13479 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني إِسْحَاق , قَالَ : ثنا كَثِير بْن هِشَام , عَنْ جَعْفَر بْن بُرْقَان , قَالَ : ثنا حَبِيب بْن أَبِي مَرْزُوق , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , قَالَ : مَا كُنْت أَدَع الصَّلَاة عَلَى أَحَد مِنْ أَهْل هَذِهِ الْقِبْلَة وَلَوْ كَانَتْ حَبَشِيَّة حُبْلَى مِنْ الزِّنَا , لِأَنِّي لَمْ أَسْمَع أَنَّ اللَّه يَحْجُب الصَّلَاة إِلَّا عَنْ الْمُشْرِكِينَ , يَقُول اللَّه : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } . وَتَأَوَّلَهُ آخَرُونَ بِمَعْنَى الِاسْتِغْفَار الَّذِي هُوَ دُعَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13480 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ عِصْمَة بْن رَاشِد , عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول : رَحِمَ اللَّه رَجُلًا اِسْتَغْفَرَ لِأَبِي هُرَيْرَة وَلِأُمِّهِ ! قُلْت : وَلِأَبِيهِ ؟ قَالَ : لَا إِنَّ أَبِي مَاتَ وَهُوَ مُشْرِك. قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِغْفَار : مَسْأَلَة الْعَبْد رَبّه غَفْر الذُّنُوب ; وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَتْ مَسْأَلَة الْعَبْد رَبّه ذَلِكَ قَدْ تَكُون فِي الصَّلَاة وَفِي غَيْر الصَّلَاة , لَمْ يَكُنْ أَحَد الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا فَاسِدًا , لِأَنَّ اللَّه عَمّ بِالنَّهْيِ عَنْ الِاسْتِغْفَار لِلْمُشْرِكِ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ مِنْ أَصْحَاب الْجَحِيم , وَلَمْ يُخَصِّص مِنْ ذَلِكَ حَالًا أَبَاحَ فِيهَا الِاسْتِغْفَار لَهُ . وَأَمَّا قَوْله : { مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَاب الْجَحِيم } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : مَا قَدْ بَيَّنْت مِنْ أَنَّهُ مِنْ بَعْد مَا يَعْلَمُونَ بِمَوْتِهِ كَافِرًا أَنَّهُ مِنْ أَهْل النَّار . وَقِيلَ : { أَصْحَاب الْجَحِيم } لِأَنَّهُمْ سُكَّانهَا وَأَهْلهَا الْكَائِنُونَ فِيهَا , كَمَا يُقَال لِسُكَّانِ الدَّار : هَؤُلَاءِ أَصْحَاب هَذِهِ الدَّار , بِمَعْنَى سُكَّانهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13481 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّازِق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَاب الْجَحِيم } قَالَ : تَبَيَّنَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَبَا طَالِب حِين مَاتَ أَنَّ التَّوْبَة قَدْ اِنْقَطَعَتْ عَنْهُ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : تَبَيَّنَ لَهُ حِين مَاتَ , وَعُلِمَ أَنَّ التَّوْبَة قَدْ اِنْقَطَعَتْ عَنْهُ , يَعْنِي فِي قَوْله : { مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَاب الْجَحِيم } . 13482 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك فِي قَوْله : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } الْآيَة , يَقُول : إِذَا مَاتُوا مُشْرِكِينَ , يَقُول اللَّه : { وَمَنْ يُشْرِك بِاَللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ الْجَنَّة } 5 72 الْآيَة . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } قَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ بِمَوْتِهِ مُشْرِكًا بِاَللَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ وَتَرَكَ الِاسْتِغْفَار لَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13483 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حَبِيب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : مَا زَالَ إِبْرَاهِيم يَسْتَغْفِر لِأَبِيهِ حَتَّى مَاتَ , فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَبِيب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : مَا زَالَ إِبْرَاهِيم يَسْتَغْفِر لِأَبِيهِ حَتَّى مَاتَ , فَلَمَّا مَاتَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لَمْ يَزَلْ إِبْرَاهِيم يَسْتَغْفِر لِأَبِيهِ حَتَّى مَاتَ , فَلَمَّا مَاتَ لَمْ يَسْتَغْفِر لَهُ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَمَا كَانَ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِنَّهُ عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } يَعْنِي اِسْتَغْفَرَ لَهُ مَا كَانَ حَيًّا , فَلَمَّا مَاتَ أَمْسَكَ عَنْ الِاسْتِغْفَار لَهُ. 13484 - حَدَّثَنِي مَطَر بْن مُحَمَّد الضَّبِّيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم وَأَبُو قُتَيْبَة مُسْلِم بْن قُتَيْبَة , قَالَا : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } قَالَ : لَمَّا مَاتَ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 13485 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ } قَالَ : مَوْته وَهُوَ كَافِر . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 13486 - قَالَ : ثنا الْبَرَاء بْن عُتْبَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الْحَكَم : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } قَالَ : حِين مَاتَ وَلَمْ يُؤْمِن . 13487 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } : مَوْته وَهُوَ كَافِر. 13488 - حَدَّثَنِي عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } قَالَ : لَمَّا مَاتَ. 13489 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } لَمَّا مَاتَ عَلَى شِرْكه تَبَرَّأَ مِنْهُ . 13490 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَمَا كَانَ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ } كَانَ إِبْرَاهِيم صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ يَرْجُو أَنْ يُؤْمِن أَبُوهُ مَا دَامَ حَيًّا ; فَلَمَّا مَاتَ عَلَى شِرْكه تَبَرَّأَ مِنْهُ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } قَالَ : مَوْته وَهُوَ كَافِر . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : مَا زَالَ إِبْرَاهِيم يَسْتَغْفِر لِأَبِيهِ حَتَّى مَاتَ , فَلَمَّا مَاتَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لَهُ فَلَمْ يَسْتَغْفِر لَهُ . 13491 - قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو إِسْرَائِيل , عَنْ عَلِيّ بْن بَذِيمَةَ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ } قَالَ : فَلَمَّا مَاتَ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ تَبَيَّنَ لَهُ فِي الْآخِرَة ; وَذَلِكَ أَنَّ أَبَاهُ يَتَعَلَّق بِهِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَجُوز الصِّرَاط فَيَمُرّ بِهِ عَلَيْهِ , حَتَّى إِذَا كَادَ أَنْ يُجَاوِزهُ حَانَتْ مِنْ إِبْرَاهِيم اِلْتِفَاتَة فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ فِي صُورَة قِرْد أَوْ ضَبُع , فَخَلَّى عَنْهُ وَتَبَرَّأَ مِنْهُ حِينَئِذٍ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13492 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا حَفْص بْن غِيَاث , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت سَعِيد بْن جُبَيْر يَقُول : إِنَّ إِبْرَاهِيم يَقُول يَوْم الْقِيَامَة : رَبّ وَالِدِي ! رَبّ وَالِدِي ! فَإِذَا كَانَ الثَّالِثَة أَخَذَ بِيَدِهِ , فَيَلْتَفِت إِلَيْهِ وَهُوَ ضَبَعَان فَيَتَبَرَّأ مِنْهُ . 13493 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر , قَالَ : إِنَّكُمْ مَجْمُوعُونَ يَوْم الْقِيَامَة فِي صَعِيد وَاحِد يَسْمَعكُمْ الدَّاعِي وَيَنْفُذكُمْ الْبَصَر , قَالَ : فَتَزْفِر جَهَنَّم زَفْرَة لَا يَبْقَى مَلَك مُقَرَّب وَلَا نَبِيّ مُرْسَل إِلَّا وَقَعَ لِرُكْبَتَيْهِ تَرْعَد فَرَائِصه . قَالَ : فَحَسِبْته يَقُول : نَفْسِي نَفْسِي ! قَالَ : وَيُضْرَب الصِّرَاط عَلَى جِسْر جَهَنَّم كَحَدِّ السَّيْف , وَحَضَرَ مَنْ لَهُ ; وَفِي جَانِبَيْهِ مَلَائِكَة مَعَهُمْ خَطَاطِيف كَشَوْكِ السَّعْدَان . قَالَ : فَيَمْضُونَ كَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ , وَكَأَجَاوِيد الرِّكَاب , وَكَأَجَاوِيد الرِّجَال , وَالْمَلَائِكَة يَقُولُونَ : رَبّ سَلِّمْ سَلِّمْ ! فَنَاجٍ سَالِم , وَمَخْدُوش نَاجٍ , وَمَكْدُوس فِي النَّار. يَقُول إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ : إِنِّي آمُرك فِي الدُّنْيَا فَتَعْصِينِي وَلَسْت تَارِكك الْيَوْم , فَخُذْ بِحَقْوِي ! فَيَأْخُذ بِضَبْعَيْهِ , فَيُمْسَخ ضَبُعًا , فَإِذَا رَآهُ قَدْ مُسِخَ تَبَرَّأَ مِنْهُ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل اللَّه , وَهُوَ خَبَره عَنْ إِبْرَاهِيم أَنَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ أَبَاهُ لِلَّهِ عَدُوّ يَبْرَأ مِنْهُ , وَذَلِكَ حَال عِلْمه وَيَقِينه أَنَّهُ لِلَّهِ عَدُوّ وَهُوَ بِهِ مُشْرِك , وَهُوَ حَال مَوْته عَلَى شِرْكه .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ إِبْرَاهِيم لَأَوَّاه حَلِيم } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي " الْأَوَّاه " , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الدُّعَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13494 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , عَنْ زِرّ , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : الْأَوَّاه : الدَّعَّاء . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَابْن وَكِيع قَالَا : ثنا أَبُو بَكْر , عَنْ عَاصِم , عَنْ زِرّ , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : الْأَوَّاه : الدَّعَّاء . * - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني جَرِير بْن حَازِم , عَنْ عَاصِم بْن بَهْدَلَة , عَنْ زِرّ بْن حُبَيْش , قَالَ : سَأَلْت عَبْد اللَّه عَنْ الْأَوَّاه , فَقَالَ : هُوَ الدَّعَّاء . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بِشْر , عَنْ اِبْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ عَاصِم , عَنْ زِرّ , عَنْ عَبْد اللَّه مِثْله . * - قَالَ : ثنا قَبِيصَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : الْأَوَّاه : الدَّعَّاء . * - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , عَنْ زِرّ , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان وَإِسْرَائِيل , عَنْ عَاصِم , عَنْ زِرّ , عَنْ عَبْد اللَّه مِثْله . 13495 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا دَاوُدُ بْن أَبُو هِنْد , قَالَ : نُبِّئْت عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر , قَالَ : الْأَوَّاه : الدَّعَّاء . * - حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن شَاهِين , قَالَ : ثنا دَاوُدُ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد بْن عُمَيْر اللَّيْثِيّ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : الْأَوَّاه : الدَّعَّاء . وَقَالَا آخَرُونَ : بَلْ هُوَ الرَّحِيم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13496 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ سَلَمَة , عَنْ مُسْلِم الْبُطَيْن , عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ , قَالَ : سُئِلَ عَبْد اللَّه عَنْ الْأَوَّاه , فَقَالَ : الرَّحِيم . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , قَالَ : سَمِعْت يَحْيَى بْن الْجَزَّار يُحَدِّث عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ رَجُل ضَرِير الْبَصَر , أَنَّهُ سَأَلَ عَبْد اللَّه عَنْ الْأَوَّاه فَقَالَ : الرَّحِيم. * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ ; وَحَدَّثَنَا خَلَّاد بْن أَسْلَمَ قَالَ : أَخْبَرَنَا النَّضْر بْن شُمَيْل جَمِيعًا , عَنْ الْمَسْعُودِيّ , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْلٍ , عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ أَنَّهُ سَأَلَ اِبْن مَسْعُود , فَقَالَ : مَا الْأَوَّاه ؟ قَالَ : الرَّحِيم . * - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ الْحَكَم , عَنْ يَحْيَى بْن الْجَزَّار , عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ , أَنَّهُ جَاءَ إِلَى عَبْد اللَّه , وَكَانَ ضَرِير الْبَصَر , فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَن , مَنْ نَسْأَل إِذَا لَمْ نَسْأَلك ؟ فَكَأَنَّ اِبْن مَسْعُود رَقَّ لَهُ , قَالَ : أَخْبِرْنِي عَنْ الْأَوَّاه , قَالَ : الرَّحِيم . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْلٍ , عَنْ مُسْلِم , عَنْ الْبُطَيْن , عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ , قَالَ : سَأَلْت عَبْد اللَّه عَنْ الْأَوَّاه , فَقَالَ : هُوَ الرَّحِيم . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ الْحَكَم , عَنْ يَحْيَى بْن الْجَزَّار , قَالَ : جَاءَ أَبُو الْعُبَيْدَيْنِ إِلَى عَبْد اللَّه , فَقَالَ لَهُ مَا حَاجَتك ؟ قَالَ : مَا الْأَوَّاه ؟ قَالَ : الرَّحِيم . * - قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ الْحَكَم , عَنْ يَحْيَى بْن الْجَزَّار , عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ رَجُل مِنْ بَنِي سَوْأَة , قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى عَبْد اللَّه فَسَأَلَهُ عَنْ الْأَوَّاه , فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّه : الرَّحِيم . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ وَهَانِئ بْن سَعِيد , عَنْ حَجَّاج , عَنْ الْحَكَم , عَنْ يَحْيَى بْن الْجَزَّار , عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : الْأَوَّاه : الرَّحِيم. * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ يَحْيَى بْن الْجَزَّار أَنَّ أَبَا الْعُبَيْدَيْنِ رَجُل مِنْ بَيْن نُمَيْر - قَالَ يَعْقُوب : كَانَ ضَرِير الْبَصَر ; وَقَالَ اِبْن وَكِيع : كَانَ مَكْفُوف الْبَصَر - سَأَلَ اِبْن مَسْعُود فَقَالَ : مَا الْأَوَّاه ؟ قَالَ : الرَّحِيم . 13497 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي مَيْسَرَة , قَالَ : الْأَوَّاه : الرَّحِيم . * - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي مَيْسَرَة , مِثْله . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي مَيْسَرَة , مِثْله . 13498 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بِشْر , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : هُوَ الرَّحِيم . 13499 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كُنَّا نُحَدِّث أَنَّ الْأَوَّاه الرَّحِيم . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { إِنَّ إِبْرَاهِيم لَأَوَّاه } قَالَ : رَحِيم . * - قَالَ عَبْد الْكَرِيم الْجَزَرِيّ , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ اِبْن مَسْعُود مِثْل ذَلِكَ . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : الْأَوَّاه : الرَّحِيم . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ سَلَمَة , عَنْ مُسْلِم الْبُطَيْن , عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ , أَنَّهُ سَأَلَ عَبْد اللَّه عَنْ الْأَوَّاه , فَقَالَ الرَّحِيم . 13500 - قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَمْرو بْن شُرَحْبِيل , قَالَ : الْأَوَّاه : الرَّحِيم . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا مُبَارَك , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : الْأَوَّاه : الرَّحِيم بِعِبَادِ اللَّه . * - قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو خَيْثَمَة زُهَيْر , قَالَ : ثنا أَبُو إِسْحَاق الْهَمْدَانِيّ , عَنْ أَبِي مَيْسَرَة , عَنْ عَمْرو بْن شُرَحْبِيل , قَالَ : الْأَوَّاه : الرَّحِيم بِلَحْنِ الْحَبَشَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ الْمُوقِن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13501 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع ; وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ قَابُوس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : الْأَوَّاه : الْمُوقِن . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أُبَيّ بْن آدَم , عَنْ اِبْن مُبَارَك , عَنْ خَالِد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : الْأَوَّاه : الْمُوقِن بِلِسَانِ الْحَبَشَة . * - قَالَ : ثنا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ حَسَن , عَنْ مُسْلِم , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : الْأَوَّاه : الْمُوقِن بِلِسَانِهِ الْحَبَشَة . 13502 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : سَمِعْت سُفْيَان يَقُول : الْأَوَّاه : الْمُوقِن . وَقَالَ بَعْضهمْ : الْفَقِيه الْمُوقِن . 13503 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ عَطَاء , قَالَ : الْأَوَّاه : الْمُوقِن بِلِسَانِ الْحَبَشَة. 13504 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ رَجُل , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : هُوَ الْمُوقِن بِلِسَانِ الْحَبَشَة . 13505 - قَالَ : ثنا اِبْن نُمَيْر , عَنْ الثَّوْرِيّ , عَنْ مُجَالِد , عَنْ أَبِي هَاشِم , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْأَوَّاه : الْمُوقِن. * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ مُسْلِم , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْأَوَّاه : الْمُوقِن . * - قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَابُوس , عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : الْأَوَّاه : الْمُوقِن . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : " أَوَّاه " : مُوقِن . 13506 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : أَوَّاه , قَالَ : مُؤْتَمَن مُوقِن . * - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { إِنَّ إِبْرَاهِيم لَأَوَّاه حَلِيم } قَالَ : الْأَوَّاه : الْمُوقِن . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ كَلِمَة بِالْحَبَشِيَّةِ مَعْنَاهَا : الْمُؤْمِن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13507 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { لَأَوَّاه حَلِيم } قَالَ : الْأَوَّاه : هُوَ الْمُؤْمِن بِالْحَبَشِيَّةِ . * - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن دَاوُدَ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّ إِبْرَاهِيم لَأَوَّاه } يَعْنِي : الْمُؤْمِن التَّوَّاب . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا حَسَن بْن صَالِح , عَنْ مُسْلِم , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : الْأَوَّاه : الْمُؤْمِن . 13508 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : الْأَوَّاه : الْمُؤْمِن بِالْحَبَشِيَّةِ. وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الْمُسَبِّح الْكَثِير الذِّكْر لِلَّهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13509 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد , قَالَ : الْأَوَّاه : الْمُسَبِّح . 13510 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ حَجَّاج , عَنْ الْحَكَم , عَنْ الْحَسَن بْن مُسْلِم بْن يَنَّاق , أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُكْثِر ذِكْر اللَّه وَيُسَبِّح , فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : " إِنَّهُ أَوَّاه " . 13511 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن حَيَّان , عَنْ اِبْن لَهِيعَة , عَنْ الْحَارِث بْن يَزِيد , عَنْ عَلِيّ بْن رَبَاح , عَنْ عُقْبَة بْن عَامِر , قَالَ : الْأَوَّاه : الْكَثِير الذِّكْر لِلَّهِ. وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الَّذِي يُكْثِر تِلَاوَة الْقُرْآن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13512 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , قَالَ : ثنا الْمِنْهَال بْن خَلِيفَة , عَنْ حَجَّاج بْن أَرْطَأَة , عَنْ عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُفِنَ مَيِّتًا , فَقَالَ : " يَرْحَمك اللَّه إِنْ كُنْت أَوَّاهًا " يَعْنِي : تَلَّاء لِلْقُرْآنِ. وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ مِنْ التَّأَوُّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13513 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي يُونُس الْقُشَيْرِيّ , عَنْ قَاصّ كَانَ بِمَكَّة : أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي الطَّوَاف , فَجَعَلَ يَقُول : أَوَّهْ ! قَالَ : فَشَكَاهُ أَبُو ذَرّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " دَعْهُ إِنَّهُ أَوَّاه ". 13514 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ شُعْبَة , عَنْ أَبِي يُونُس الْبَاهِلِيّ , قَالَ : سَمِعْت رَجُلًا بِمَكَّة كَانَ أَصْله رُومِيًّا يُحَدِّث عَنْ أَبِي ذَرّ , قَالَ : كَانَ رَجُل يَطُوف بِالْبَيْتِ وَيَقُول فِي دُعَائِهِ : أَوَّهْ أَوَّهْ ! فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " إِنَّهُ أَوَّاه ". زَادَ أَبُو كُرَيْب فِي حَدِيثه , قَالَ : فَخَرَجْت ذَات لَيْلَة فَإِذَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْفِن ذَلِكَ الرَّجُل لَيْلًا وَمَعَهُ الْمِصْبَاح . 13515 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا زَيْد بْن الْحُبَاب , عَنْ جَعْفَر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا عِمْرَان , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن رَبَاح , عَنْ كَعْب , قَالَ : الْأَوَّاه : إِذَا ذَكَرَ النَّار قَالَ : أَوَّهْ ! * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , عَنْ عَبْد الصَّمَد الْقُمِّيّ , عَنْ أَبِي عِمْرَان الْحُوفِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن رَبَاح , عَنْ كَعْب , قَالَ : كَانَ إِذَا ذَكَرَ النَّار قَالَ : أَوَّاه ! . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ جَعْفَر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو عِمْرَان , قَالَ سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن رَبَاح الْأَنْصَارِيّ يَقُول : سَمِعْت كَعْبًا يَقُول : { إِنَّ إِبْرَاهِيم لَأَوَّاه } قَالَ : إِذَا ذَكَرَ النَّار قَالَ : أَوَّهْ مِنْ النَّار . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ أَنَّهُ فَقِيه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13516 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { إِنَّ إِبْرَاهِيم لَأَوَّاه } قَالَ : فَقِيه . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الْمُتَضَرِّع الْخَاشِع . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13517 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا عَبْد الْحَمِيد بْن بَهْرَام , قَالَ : ثنا شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد بْن الْهَاد , قَالَ : بَيْنَمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِس , قَالَ رَجُل : يَا رَسُول اللَّه مَا الْأَوَّاه ؟ قَالَ : " الْمُتَضَرِّع " . قَالَ : " إِنَّ إِبْرَاهِيم لَأَوَّاه حَلِيم " . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَغْرَاء , عَنْ عَبْد الْحَمِيد , عَنْ شَهْر , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْأَوَّاه : الْخَاشِع الْمُتَضَرِّع " . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ زِرّ أَنَّهُ الدَّعَّاء . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ اللَّه ذَكَرَ ذَلِكَ وَوَصَفَ بِهِ إِبْرَاهِيم خَلِيله صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ بَعْد وَصْفه إِيَّاهُ بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَار لِأَبِيهِ , فَقَالَ : { وَمَا كَانَ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَا أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } وَتَرَكَ الدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار لَهُ , ثُمَّ قَالَ : إِبْرَاهِيم لِدُعَاءِ رَبّه شَاكّ لَهُ حَلِيم عَمَّنْ سَبَّهُ وَنَالَهُ بِالْمَكْرُوهِ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ وَعَدَ أَبَاهُ بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُ , وَدُعَاء اللَّه لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ عِنْد وَعِيد أَبِيهِ إِيَّاهُ , وَتَهَدُّده لَهُ بِالشَّتْمِ بَعْد مَا رَدَّ عَلَيْهِ نَصِيحَته فِي اللَّه , وَقَوْله : { أَرَاغِب أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيم لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنك وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } فَقَالَ لَهُ صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ : { سَلَام عَلَيْك سَأَسْتَغْفِرُ لَك رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا وَأَعْتَزِلكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَنْ لَا أَكُون بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا } 19 47 : 48 فَوَفَّى لِأَبِيهِ بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ , فَوَصَفَهُ اللَّه بِأَنَّهُ دَعَّاء لِرَبِّهِ حَلِيم عَمَّنْ سَفِهَ عَلَيْهِ. وَأَصْله مِنْ التَّأَوُّه وَهُوَ التَّضَرُّع وَالْمَسْأَلَة بِالْحُزْنِ وَالْإِشْفَاق , كَمَا رَوَى عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَمَا رَوَى عُقْبَة بْن عَامِر الْخَبَر الَّذِي : 13518 - حَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْن عُثْمَان بْن صَالِح السَّهْمِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا اِبْن لَهِيعَة , قَالَ : ثني الْحَارِث بْن يَزِيد , عَنْ عَلِيّ بْن رَبَاح , عَنْ عُقْبَة بْن عَامِر : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ل
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌسورة التوبة الآية رقم 115
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُضِلّ قَوْمًا بَعْد إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّن لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا كَانَ اللَّه لِيَقْضِيَ عَلَيْكُمْ فِي اِسْتِغْفَاركُمْ لِمَوْتَاكُمْ الْمُشْرِكِينَ بِالضَّلَالِ بَعْد إِذْ رَزَقَكُمْ الْهِدَايَة وَوَفَّقَكُمْ لِلْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ , حَتَّى يَتَقَدَّم إِلَيْكُمْ بِالنَّهْيِ عَنْهُ فَتَتْرُكُونَ الِانْتِهَاء عَنْهُ ; فَأَمَّا قَبْل أَنْ يُبَيِّن لَكُمْ كَرَاهِيَة ذَلِكَ بِالنَّهْيِ عَنْهُ ثُمَّ تَتَعَدَّوْا نَهْيه إِلَى مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ , فَإِنَّهُ لَا يَحْكُم عَلَيْكُمْ بِالضَّلَالِ , لِأَنَّ الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة إِنَّمَا يَكُونَانِ مِنْ الْمَأْمُور وَالْمَنْهِيّ , فَأَمَّا مَنْ لَمْ يُؤْمَر وَلَمْ يَنْهَ فَغَيْر كَائِن مُطِيعًا أَوْ عَاصِيًا فِيمَا لَمْ يُؤْمَر بِهِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13519 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { لِيُضِلّ قَوْمًا بَعْد إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّن لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ } قَالَ : بَيَان اللَّه لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الِاسْتِغْفَار لِلْمُشْرِكِينَ خَاصَّة , وَفِي بَيَانه طَاعَته وَمَعْصِيَته , فَافْعَلُوا أَوْ ذَرُوا. * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُضِلّ قَوْمًا بَعْد إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّن لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ } قَالَ : بَيَان اللَّه لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ لَا يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ خَاصَّة , وَفِي بَيَانه طَاعَته وَمَعْصِيَته عَامَّة , فَافْعَلُوا أَوْ ذَرُوا . * - قَالَ ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه. * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُضِلّ قَوْمًا بَعْد إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّن لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ } قَالَ : يُبَيِّن اللَّه لِلْمُؤْمِنِينَ فِي أَنْ لَا يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ فِي بَيَانه فِي طَاعَته وَفِي مَعْصِيَته , فَافْعَلُوا أَوْ ذَرُوا .

{ إِنَّ اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّه ذُو عِلْم بِمَا خَالَطَ أَنْفُسكُمْ عِنْد نَهْي اللَّه إِيَّاكُمْ عَنْ الِاسْتِغْفَار لِمَوْتَاكُمْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْجَزَع عَلَى مَا سَلَفَ مِنْكُمْ مِنْ الِاسْتِغْفَار لَهُمْ قَبْل تَقَدُّمه إِلَيْكُمْ بِالنَّهْيِ عَنْهُ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سَرَائِر أُمُوركُمْ وَأُمُور عِبَاده وَظَوَاهِرهَا , فَبَيَّنَ لَكُمْ حِلْمه فِي ذَلِكَ عَلَيْكُمْ لِيَضَع عَنْكُمْ ثِقَل الْوَجْد بِذَلِكَ .
إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍسورة التوبة الآية رقم 116
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ اللَّه لَهُ مُلْك السَّمَاوَات وَالْأَرْض يُحْيِي وَيُمِيت } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّه أَيّهَا النَّاس لَهُ سُلْطَان السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمُلْكهمَا ! , وَكُلّ مَنْ دُونه مِنْ الْمُلُوك فَعَبِيده وَمَمَالِيكه , بِيَدِهِ حَيَاتهمْ وَمَوْتهمْ , يُحْيِي مَنْ يَشَاء مِنْهُمْ وَيُمِيت مَنْ يَشَاء مِنْهُمْ , فَلَا تَجْزَعُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ قِتَال مَنْ كَفَرَ بِي مِنْ الْمُلُوك , مُلُوك الرُّوم كَانُوا أَوْ مُلُوك فَارِس وَالْحَبَشَة أَوْ غَيْرهمْ , وَاغْزُوهُمْ وَجَاهَدُوهُمْ فِي طَاعَتِي , فَإِنِّي الْمُعِزّ مَنْ أَشَاء مِنْهُمْ وَمِنْكُمْ وَالْمُذِلّ مَنْ أَشَاء . وَهَذَا حَضّ مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى قِتَال كُلّ مَنْ كَفَرَ بِهِ مِنْ الْمَمَالِيك , وَإِغْرَاء مِنْهُ لَهُمْ بِحَرْبِهِمْ.

وَقَوْله : { وَمَا لَكُمْ مِنْ دُون اللَّه مِنْ وَلِيّ وَلَا نَصِير } يَقُول : وَمَا لَكُمْ مِنْ أَحَد هُوَ لَكُمْ حَلِيف مِنْ دُون اللَّه يُظَاهِركُمْ عَلَيْهِ إِنْ أَنْتُمْ خَالَفْتُمْ أَمْر اللَّه فَعَاقَبَكُمْ عَلَى خِلَافكُمْ أَمْره يَسْتَنْقِذكُمْ مِنْ عِقَابه , وَلَا نَصِير يَنْصُركُمْ مِنْهُ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا . يَقُول : فَبِاَللَّهِ فَثِقُوا , وَإِيَّاهُ فَارْهَبُوا , وَجَاهِدُوا فِي سَبِيله مَنْ كَفَرَ بِهِ , فَإِنَّهُ قَدْ اِشْتَرَى مِنْكُمْ أَنْفُسكُمْ وَأَمْوَالكُمْ بِأَنَّ لَكُمْ الْجَنَّة , تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيله فَتَقْتُلُونَ وَتُقْتَلُونَ .
لَقَد تَّابَ اللَّه عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌسورة التوبة الآية رقم 117
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَقَدْ تَابَ اللَّه عَلَى النَّبِيّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار الَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ فِي سَاعَة الْعُسْرَة مِنْ بَعْد مَا كَادَ يَزِيغ قُلُوب فَرِيق مِنْهُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَقَدْ رَزَقَ اللَّه الْإِنَابَة إِلَى أَمْره وَطَاعَته نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْمُهَاجِرِينَ دِيَارهمْ وَعَشِيرَتهمْ إِلَى دَار الْإِسْلَام , وَأَنْصَار رَسُوله فِي اللَّه , الَّذِينَ اِتَّبَعُوا رَسُول اللَّه فِي سَاعَة الْعُسْرَة مِنْهُمْ مِنْ النَّفَقَة وَالظُّهْر وَالزَّاد وَالْمَاء { مِنْ بَعْد مَا كَادَ يَزِيغ قُلُوب فَرِيق مِنْهُمْ } يَقُول : مِنْ بَعْد مَا كَادَ يَمِيل قُلُوب بَعْضهمْ عَنْ الْحَقّ وَيَشُكّ فِي دِينه وَيَرْتَاب بِاَلَّذِي نَالَهُ مِنْ الْمَشَقَّة وَالشِّدَّة فِي سَفَره وَغَزْوه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13520 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فِي سَاعَة الْعُسْرَة } فِي غَزْوَة تَبُوك . 13521 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عُقَيْل : { فِي سَاعَة الْعُسْرَة } قَالَ : خَرَجُوا فِي غَزْوَة تَبُوك الرَّجُلَانِ وَالثَّلَاثَة عَلَى بَعِير , وَخَرَجُوا فِي حَرّ شَدِيد , وَأَصَابَهُمْ يَوْمئِذٍ عَطَش شَدِيد , فَجَعَلُوا يَنْحَرُونَ إِبِلهمْ فَيَعْصِرُونَ أَكْرَاشهَا وَيَشْرَبُونَ مَاءَهَا , كَانَ ذَلِكَ عُسْرَة مِنْ الْمَاء وَعُسْرَة مِنْ الظَّهْر وَعُسْرَة مِنْ النَّفَقَة. 13522 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { سَاعَة الْعُسْرَة } قَالَ : غَزْوَة تَبُوك , قَالَ : " الْعُسْرَة " : أَصَابَهُمْ جَهْد شَدِيد حَتَّى أَنَّ الرَّجُلَيْنِ لَيَشُقَّانِ التَّمْرَة بَيْنهمَا وَأَنَّهُمْ لَيَمُصُّونَ التَّمْرَة الْوَاحِدَة وَيَشْرَبُونَ عَلَيْهَا الْمَاء . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن نُمَيْر , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { الَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ فِي سَاعَة الْعُسْرَة } قَالَ : غَزْوَة تَبُوك . 13523 - قَالَ : ثنا زَكَرِيَّا بْن عَلِيّ , عَنْ اِبْن مُبَارَك , عَنْ مَعْمَر , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عُقَيْل , عَنْ جَابِر : { الَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ فِي سَاعَة الْعُسْرَة } قَالَ : عُسْرَة الظُّهْر , وَعُسْرَة الزَّاد , وَعُسْرَة الْمَاء . 13524 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لَقَدْ تَابَ اللَّه عَلَى النَّبِيّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار الَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ فِي سَاعَة الْعُسْرَة } الْآيَة , الَّذِينَ اِتَّبَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة تَبُوك قِبَل الشَّأْم فِي لَهَبَان الْحَرّ عَلَى مَا يَعْلَم اللَّه مِنْ الْجَهْد أَصَابَهُمْ فِيهَا جَهْد شَدِيد , حَتَّى لَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الرَّجُلَيْنِ كَانَا يَشُقَّانِ التَّمْرَة بَيْنهمَا , وَكَانَ النَّفَر يَتَنَاوَلُونَ التَّمْرَة بَيْنهمْ ; يَمُصّهَا هَذَا ثُمَّ يَشْرَب عَلَيْهَا ثُمَّ يَمُصّهَا هَذَا ثُمَّ يَشْرَب عَلَيْهَا , فَتَابَ اللَّه عَلَيْهِمْ وَأَقْفَلَهُمْ مِنْ غَزْوهمْ . 13525 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي هِلَال , عَنْ عُتْبَة بْن أَبِي عُتْبَة , عَنْ نَافِع بْن جُبَيْر بْن مُطْعِم , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس : أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَر بْن الْخَطَّاب رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِ فِي شَأْن الْعُسْرَة , فَقَالَ عُمَر : خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَبُوك فِي قَيْظ شَدِيد , فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا أَصَابَنَا فِيهِ عَطَش , حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّ رِقَابنَا سَتَنْقَطِعُ , حَتَّى أَنْ كَانَ الرَّجُل لِيَذْهَب يَلْتَمِس الْمَاء فَلَا يَرْجِع حَتَّى يُظَنّ أَنَّ رَقَبَته سَتَنْقَطِعُ , حَتَّى إِنَّ الرَّجُل لِيَنْحَر بَعِيره فَيَعْصِر فَرْثه فَيَشْرَبهُ وَيَجْعَل مَا بَقِيَ عَلَى كَبِده ; فَقَالَ أَبُو بَكْر : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ اللَّه قَدْ عَوَّدَك فِي الدُّعَاء خَيْرًا , فَادْعُ لَنَا ! قَالَ : " تُحِبّ ذَلِكَ ؟ " قَالَ : نَعَمْ. فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَلَمْ يَرْجِعهُمَا حَتَّى مَالَتْ السَّمَاء , فَأَظَلَّتْ ثُمَّ سَكَبَتْ , فَمَلَئُوا مَا مَعَهُمْ , ثُمَّ رَجَعْنَا نَنْظُر فَلَمْ نَجِدهَا جَاوَزَتْ الْعَسْكَر . * - حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن زِيَادَة الْعَطَّار , قَالَ : ثنا يَعْقُوب بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن وَهْب , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن الْحَارِث , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي هِلَال , عَنْ نَافِع بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : قِيلَ لِعُمَر بْن الْخَطَّاب رَحِمَهُ اللَّه عَلَيْهِ : حَدَّثَنَا عَنْ شَأْن جَيْش الْعُسْرَة , فَقَالَ عُمَر : خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه .

{ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ } يَقُول : ثُمَّ رَزَقَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْإِنَابَة وَالرُّجُوع إِلَى الثَّبَات عَلَى دِينه وَإِبْصَار الْحَقّ الَّذِي كَانَ قَدْ كَادَ يَلْتَبِس عَلَيْهِمْ .

{ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوف رَحِيم } يَقُول : إِنَّ رَبّكُمْ بِاَلَّذِينَ خَالَطَ قُلُوبهمْ ذَلِكَ لَمَّا نَالَهُمْ فِي سَفَرهمْ مِنْ الشِّدَّة وَالْمَشَقَّة , { رَءُوف } بِهِمْ , { رَحِيم } أَنْ يُهْلِكهُمْ , فَيَنْزِع مِنْهُمْ الْإِيمَان بَعْد مَا قَدْ أَبْلَوْا فِي اللَّه مَا أَبْلَوْا مَعَ رَسُوله وَصَبَرُوا عَلَيْهِ مِنْ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء .
وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُسورة التوبة الآية رقم 118
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَعَلَى الثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَقَدْ تَابَ اللَّه عَلَى النَّبِيّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار وَعَلَى الثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا . وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ فِيمَا قَبْل , هُمْ الْآخِرُونَ الَّذِينَ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّه إِمَّا يُعَذِّبهُمْ وَإِمَّا يَتُوب عَلَيْهِمْ وَاَللَّه عَلِيم حَكِيم } 9 106 فَتَابَ عَلَيْهِمْ عَزَّ ذِكْره وَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ . وَقَدْ مَضَى ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَهْل التَّأْوِيل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذًا : وَلَقَدْ تَابَ اللَّه عَلَى الثَّلَاثَة الَّذِينَ خَلَّفَهُمْ اللَّه عَنْ التَّوْبَة , فَأَرْجَأَهُمْ عَمَّنْ تَابَ عَلَيْهِ مِمَّنْ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . كَمَا : 13526 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَمَّنْ سَمِعَ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : { وَعَلَى الثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا } قَالَ : خُلِّفُوا عَنْ التَّوْبَة . 13527 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , أَمَّا قَوْله : { خُلِّفُوا } فَخُلِّفُوا عَنْ التَّوْبَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13528 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي سُفْيَان , عَنْ جَابِر , فِي قَوْله : { وَعَلَى الثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا } . قَالَ . كَعْب مِنْ مَالِك , وَهِلَال بْن أُمَيَّة , وَمَرَارَة بْن رَبِيعَة , وَكُلّهمْ مِنْ الْأَنْصَار . * - حَدَّثَنِي عُبَيْد بْن الْوَرَّاق , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي سُفْيَان , عَنْ جَابِر بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : وَمَرَارَة بْن الرَّبِيع , أَوْ اِبْن رَبِيعَة , شَكَّ أَبُو أُسَامَة 13529 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ عِكْرِمَة وَعَامِر : { وَعَلَى الثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا } قَالَ : أُرْجِئُوا فِي أَوْسَط بَرَاءَة . 13530 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ . ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { الثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا } قَالَ : الَّذِينَ أُرْجِئُوا فِي أَوْسَط بَرَاءَة , قَوْله : { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّه } 9 106 هِلَال بْن أُمَيَّة , وَمَرَارَة بْن رَبِيعَة , وَكَعْب بْن مَالِك . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَعَلَى الثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا } الَّذِينَ أُرْجِئُوا فِي وَسَط بَرَاءَة . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : { وَعَلَى الثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا } قَالَ : كُلّهمْ مِنْ الْأَنْصَار : هِلَال بْن أُمَيَّة , وَمَرَارَة بْن رَبِيعَة , وَكَعْب بْن مَالِك. * - قَالَ : ثنا اِبْن نُمَيْر , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَعَلَى الثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا } قَالَ : الَّذِينَ أُرْجِئُوا . 13531 - قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد , قَالَ : { الثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا } : كَعْب بْن مَالِك وَكَانَ شَاعِرًا , وَمَرَارَة بْن الرَّبِيع , وَهِلَال بْن أُمَيَّة , وَكُلّهمْ أَنْصَار . 13532 - قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر وَالْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : كُلّهمْ مِنْ الْأَنْصَار : هِلَال بْن أُمَيَّة , وَمَرَارَة بْن الرَّبِيع , وَكَعْب بْن مَالِك . 13533 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هَاشِم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَوْله : { وَعَلَى الثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا } قَالَ : هِلَال بْن أُمَيَّة , وَكَعْب بْن مَالِك , وَمَرَارَة بْن الرَّبِيع ; كُلّهمْ مِنْ الْأَنْصَار . 13534 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَعَلَى الثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا } إِلَى قَوْله : { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا , إِنَّ اللَّه هُوَ التَّوَّاب الرَّحِيم } كَعْب بْن مَالِك , وَهِلَال بْن أُمَيَّة , وَمَرَارَة بْن رَبِيعَة ; تَخَلَّفُوا فِي غَزْوَة تَبُوك . ذُكِرَ لَنَا أَنَّ كَعْب بْن مَالِك أَوْثَق نَفْسه إِلَى سَارِيَة , فَقَالَ : لَا أُطْلِقهَا أَوْ لَا أُطْلِق نَفْسِي حَتَّى يُطْلِقنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! فَقَالَ رَسُول اللَّه : " وَاَللَّه لَا أُطْلِقهُ حَتَّى يُطْلِقهُ رَبّه إِنْ شَاءَ " . وَأَمَّا الْآخَر فَكَانَ تَخَلَّفَ عَلَى حَائِط لَهُ كَانَ أَدْرَكَ , فَجَعَلَهُ صَدَقَة فِي سَبِيل اللَّه , وَقَالَ : وَاَللَّه لَا أَطْعَمهُ ! وَأَمَّا الْآخَر فَرَكِبَ الْمَفَاوِز يَتْبَع رَسُول اللَّه تَرْفَعهُ أَرْض وَتَضَعهُ أُخْرَى , وَقَدَمَاهُ تُشَلْشِلَانِ دَمًا . 13535 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك , قَالَ : { الثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا } : هِلَال بْن أُمَيَّة , وَكَعْب بْن مَالِك , وَمَرَارَة بْن رَبِيعَة . 13536 - قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُدَ الْحَفْرِيّ , عَنْ سَلَّام أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ سَعِيد بْن مَسْرُوق , عَنْ عِكْرِمَة : { وَعَلَى الثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا } قَالَ : هِلَال بْن أُمَيَّة , وَمَرَارَة , وَكَعْب بْن مَالِك . 13537 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عَوْن , عَنْ عُمَر بْن كَثِير بْن أَفْلَحَ , قَالَ : قَالَ كَعْب بْن مَالِك : مَا كُنْت فِي غُزَاة أَيْسَر لِلظَّهْرِ وَالنَّفَقَة مِنِّي فِي تِلْكَ الْغُزَاة. قَالَ كَعْب بْن مَالِك : لَمَّا خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْت : أَتَجَهَّز غَدًا ثُمَّ أَلْحَقهُ ! فَأَخَذْت فِي جِهَازِي , فَأَمْسَيْت وَلَمْ أَفْرُغ ; فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث أَخَذْت فِي جِهَازِي , فَأَمْسَيْت وَلَمْ أَفْرُغ , فَقُلْت : هَيْهَاتَ , سَارَ النَّاس ثَلَاثًا ! فَأَقَمْت . فَلَمَّا قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ النَّاس يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ , فَجِئْت حَتَّى قُمْت بَيْن يَدَيْهِ فَقُلْت : مَا كُنْت فِي غُزَاة أَيْسَر لِلظَّهْرِ وَالنَّفَقَة مِنِّي فِي هَذِهِ الْغُزَاة . فَأَعْرَضَ عَنِّي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَمَرَ النَّاس أَنْ أَلَّا يُكَلِّمُونَا , وَأُمِرَتْ نِسَاؤُنَا أَنْ يَتَحَوَّلْنَ عَنَّا . قَالَ : فَتَسَوَّرْت حَائِطًا ذَات يَوْم فَإِذَا أَنَا بِجَابِرِ بْن عَبْد اللَّه , فَقُلْت : أَيْ جَابِر , نَشَدْتُك بِاَللَّهِ هَلْ عَلِمْتنِي غَشَشْت اللَّه وَرَسُوله يَوْمًا قَطُّ ؟ فَسَكَتَ عَنِّي , فَجَعَلَ لَا يُكَلِّمنِي . فَبَيْنَا أَنَا ذَات يَوْم , إِذْ سَمِعْت رَجُلًا عَلَى الثَّنِيَّة يَقُول : كَعْب كَعْب ! حَتَّى دَنَا مِنِّي , فَقَالَ : بَشِّرُوا كَعْبًا . 13538 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس , عَنْ اِبْن شِهَاب قَالَ : غَزَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَة تَبُوك وَهُوَ يُرِيد الرُّوم وَنَصَارَى الْعَرَب بِالشَّامِ , حَتَّى إِذَا بَلَغَ تَبُوك أَقَامَ بِهَا بِضْع عَشْرَة لَيْلَة وَلَقِيَهُ بِهَا وَفْد أَذْرَح وَوَفْد أَيْلَة , صَالَحَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجِزْيَة . ثُمَّ قَفَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَبُوك وَلَمْ يُجَاوِزهَا , وَأَنْزَلَ اللَّه : { لَقَدْ تَابَ اللَّه عَلَى النَّبِيّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار الَّذِينَ اِتَّبَعُوا فِي سَاعَة الْعُسْرَة } الْآيَة , وَالثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا : رَهْط مِنْهُمْ : كَعْب بْن مَالِك وَهُوَ أَحَد بَنِي سَلَمَة , وَمَرَارَة بْن رَبِيعَة وَهُوَ أَحَد بَنِي عَمْرو بْن عَوْف , وَهِلَال بْن أُمَيَّة وَهُوَ مِنْ بَنِي وَاقِف. وَكَانُوا تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَة فِي بِضْعَة وَثَمَانِينَ رَجُلًا ; فَلَمَّا رَجَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَة , صَدَّقَهُ أُولَئِكَ حَدِيثهمْ وَاعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ , وَكَذَبَ سَائِرهمْ , فَحَلَفُوا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا حَبَسَهُمْ إِلَّا الْعُذْر , فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُول اللَّه وَبَايَعَهُمْ , وَوَكَّلَهُمْ فِي سَرَائِرهمْ إِلَى اللَّه . وَنُهِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَام الَّذِينَ خُلِّفُوا , وَقَالَ لَهُمْ حِين حَدَّثُوهُ حَدِيثهمْ وَاعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ : " قَدْ صَدَقْتُمْ فَقُومُوا حَتَّى يَقْضِي اللَّه فِيكُمْ " فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّه الْقُرْآن تَابَ عَلَى الثَّلَاثَة , وَقَالَ لِلْآخَرِينَ : { سَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ لَكُمْ إِذَا اِنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ } 9 95 حَتَّى بَلَغَ : { لَا يَرْضَى عَنْ الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } . 9 95 قَالَ اِبْن شِهَاب : وَأَخْبَرَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن كَعْب بْن مَالِك أَنَّ عَبْد اللَّه بْن كَعْب بْن مَالِك , وَكَانَ قَائِد كَعْب مِنْ بَنِيهِ حِين عَمِيَ , قَالَ : سَمِعْت كَعْب بْن مَالِك يُحَدِّث حَدِيثه حِين تَخَلَّفَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة تَبُوك , قَالَ كَعْب : لَمْ أَتَخَلَّف عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة غَزَاهَا قَطُّ إِلَّا فِي غَزْوَة تَبُوك , غَيْر أَنِّي قَدْ تَخَلَّفْت فِي غَزْوَة بَدْر وَلَمْ يُعَاتِب أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا ; إِنَّمَا خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ يُرِيدُونَ عِير قُرَيْش , حَتَّى جَمَعَ بَيْنهمْ وَبَيْن عَدُوّهُمْ عَلَى غَيْر مِيعَاد. وَلَقَدْ شَهِدْت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة الْعَقَبَة حِين تَوَاثَقْنَا عَلَى الْإِسْلَام , وَمَا أُحِبّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَد بَدْر وَإِنْ كَانَتْ بَدْر أَذْكَرَ فِي النَّاس مِنْهَا . فَكَانَ مِنْ خَيْرِي حِين تَخَلَّفْت عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة تَبُوك أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَر مِنِّي حِين تَخَلَّفْت عَنْهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَة , وَاَللَّه مَا جَمَعْت قَبْلهَا رَاحِلَتَيْنِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتهمَا فِي تِلْكَ الْغَزْوَة . فَغَزَاهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرّ شَدِيد , وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَاوِز , وَاسْتَقْبَلَ عَدُوًّا كَثِيرًا , فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرهمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَة غَزْوهمْ , فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيد , وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِير , وَلَا يَجْمَعهُمْ كِتَاب حَافِظ - يُرِيد بِذَلِكَ الدِّيوَان - قَالَ كَعْب : فَمَا رَجُل يُرِيد أَنْ يَتَغَيَّب إِلَّا يَظُنّ أَنَّ ذَلِكَ سَيَخْفَى مَا لَمْ يَنْزِل فِيهِ وَحْي مِنْ اللَّه . وَغَزَا رَسُول اللَّه تِلْكَ الْغَزْوَة حِين طَابَتْ الثِّمَار وَالظِّلَال , وَأَنَا إِلَيْهِمَا أَصْعَر . فَتَجَهَّزَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ , وَطَفِقْت أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّز مَعَهُمْ , فَلَمْ أَقْضِ مِنْ جِهَازِي شَيْئًا , ثُمَّ غَدَوْت فَرَجَعْت وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا . فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمَادَى حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْو , وَهَمَمْت أَنْ أَرْتَحِل فَأُدْرِكهُمْ , فَيَا لَيْتَنِي فَعَلْت , فَلَمْ يُقَدَّر ذَلِكَ لِي , فَطَفِقْت إِذَا خَرَجْت فِي النَّاس بَعْد خُرُوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْزِننِي أَنِّي لَا أَرَى لِي أُسْوَة إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ فِي النِّفَاق أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّه مِنْ الضُّعَفَاء. وَلَمْ يَذْكُرنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ تَبُوك , فَقَالَ وَهُوَ جَالِس فِي الْقَوْم بِتَبُوك : " مَا فَعَلَ كَعْب بْن مَالِك ؟ " فَقَالَ رَجُل مِنْ بَنِي سَلَمَة : يَا رَسُول اللَّه حَبَسَهُ بَرْدَاهُ وَالنَّظَر فِي عِطْفَيْهِ . فَسَكَتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ رَأَى رَجُلًا مُبَيَّضًا يَزُول بِهِ السَّرَاب , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كُنْ أَبَا خَيْثَمَة " فَإِذَا هُوَ أَبُو خَيْثَمَة الْأَنْصَارِيّ , وَهُوَ الَّذِي تَصَدَّقَ بِصَاعِ التَّمْر , فَلَمَزَهُ الْمُنَافِقُونَ . قَالَ كَعْب : فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَوَجَّهَ قَافِلًا مِنْ تَبُوك حَضَرَنِي هَمِّي , فَطَفِقْت أَتَذَكَّر الْكَذِب وَأَقُول بِمَ أَخْرُج مِنْ سَخَطه غَدًا ؟ وَأَسْتَعِين عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْي مِنْ أَهْلِي . فَلَمَّا قِيلَ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّي الْبَاطِل , حَتَّى عَرَفْت أَنِّي لَنْ أَنْجُو مِنْهُ بِشَيْءٍ أَبَدًا , فَأَجْمَعْت صِدْقه . وَأَصْبَحَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَادِمًا , وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَر بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ ; فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ الْمُخَلِّفُونَ , فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ , وَكَانُوا بِضْعَة وَثَمَانِينَ رَجُلًا , فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَانِيَتهمْ وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ , وَوَكَّلَ سَرَائِرهمْ إِلَى اللَّه ; حَتَّى جِئْت , فَلَمَّا سَلَّمْت تَبَسَّمَ تَبَسُّم الْمُغْضَب , ثُمَّ قَالَ : " تَعَالَ ! " فَجِئْت أَمْشِي حَتَّى جَلَسْت بَيْن يَدَيْهِ , فَقَالَ لِي : " مَا خَلَّفَك , أَلَمْ تَكُنْ قَدْ اِبْتَعْت ظَهْرك ؟ " قَالَ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه إِنِّي وَاَللَّه لَوْ جَلَسْت عِنْد غَيْرك مِنْ أَهْل الدُّنْيَا لَرَأَيْت أَنِّي سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطه بِعُذْرٍ ! لَقَدْ أَعْطَيْت جَدَلًا , وَلَكِنِّي وَاَللَّه لَقَدْ عَلِمْت لَئِنْ حَدَّثْتُك الْيَوْم حَدِيث كَذِب تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَن اللَّه أَنْ يُسْخِطك عَلَيَّ , وَلَئِنْ حَدَّثْتُك حَدِيث صِدْق تَجِد عَلَيَّ فِيهِ إِنِّي لَأَرْجُو فِيهِ عَفْو اللَّه ; وَاَللَّه مَا كَانَ فِي عُذْر , وَاَللَّه مَا كُنْت قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَر مِنِّي حِين تَخَلَّفْت عَنْك ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ , قُمْ حَتَّى يَقْضِي اللَّه فِيك ! " فَقُمْت , وَثَارَ رِجَال مِنْ بَنِي سَلَمَة , فَاتَّبَعُونِي وَقَالُوا : وَاَللَّه مَا عَلِمْنَاك أَذْنَبْت ذَنْبًا قَبْل هَذَا , لَقَدْ عَجَزْت أَنْ لَا تَكُون اِعْتَذَرْت إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا اِعْتَذَرَ بِهِ الْمُتَخَلِّفُونَ , فَقَدْ كَانَ كَافِيك ذَنْبك اِسْتِغْفَار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَك . قَالَ : فَوَاَللَّهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونَنِي , حَتَّى أَرَدْت أَنْ أَرْجِع إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُكَذِّب نَفْسِي . قَالَ : ثُمَّ قُلْت لَهُمْ : هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَد ؟ قَالُوا : نَعَمْ لَقِيَهُ مَعَك رَجُلَانِ قَالَا مِثْل مَا قُلْت وَقِيلَ لَهُمَا مِثْل مَا قِيلَ لَك . قَالَ : قُلْت مَنْ هُمَا ؟ قَالُوا : مَرَارَة بْن الرَّبِيع الْعَامِرِيّ وَهِلَال بْن أُمَيَّة الْوَاقِفِيّ . قَالَ : فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا فِي فِيهِمَا أُسْوَة . قَالَ : فَمَضَيْت حِين ذَكَرُوهُمَا لِي . وَنَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامنَا أَيّهَا الثَّلَاثَة مِنْ بَيْن مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ , قَالَ : فَاجْتَنَبَنَا النَّاس وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ لِي فِي نَفْسِي الْأَرْض فَمَا هِيَ بِالْأَرْضِ الَّتِي أَعْرِف , فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَة . فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتهمَا يَبْكِيَانِ , وَأَمَّا أَنَا فَكُنْت أَشَبَّ الْقَوْم وَأَجْلَدهمْ , فَكُنْت أَخْرُج وَأَشْهَد الصَّلَاة وَأَطُوف فِي الْأَسْوَاق وَلَا يُكَلِّمنِي أَحَد , وَآتِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُسَلِّم عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسه بَعْد الصَّلَاة , فَأَقُول فِي نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَام أَمْ لَا ؟ ثُمَّ أُصَلِّي مَعَهُ وَأُسَارِقهُ النَّظَر , فَإِذَا أَقْبَلْت عَلَى صَلَاتِي نَظَرَ إِلَيَّ وَإِذَا اِلْتَفَتَ نَحْوه أَعْرَضَ عَنِّي . حَتَّى إِذَا طَالَ ذَلِكَ عَلَيَّ مِنْ جَفْوَة الْمُسْلِمِينَ , مَشَيْت حَتَّى تَسَوَّرْت جِدَار حَائِط أَبِي قَتَادَة وَهُوَ اِبْن عَمِّي وَأَحَبّ النَّاس إِلَيَّ , فَسَلَّمْت عَلَيْهِ , فَوَاَللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلَام , فَقُلْت : يَا أَبَا قَتَادَة أَنْشُدك بِاَللَّهِ هَلْ تَعْلَم أَنِّي أُحِبّ اللَّه وَرَسُوله ؟ فَسَكَتَ , قَالَ : فَعُدْت فَنَاشَدْته فَسَكَتَ , فَعُدْت فَنَاشَدْته فَقَالَ : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم ! فَفَاضَتْ عَيْنَايَ , وَتَوَلَّيْت حَتَّى تَسَوَّرْت الْجِدَار . فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي فِي سُوق الْمَدِينَة , إِذَا بِنَبَطِيٍّ مِنْ نَبَط أَهْل الشَّام مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعهُ بِالْمَدِينَةِ , يَقُول : مَنْ يَدُلّ عَلَى كَعْب بْن مَالِك ؟ قَالَ : فَطَفِقَ النَّاس يُشِيرُونَ لَهُ حَتَّى جَاءَنِي , فَدَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِك غَسَّان , وَكُنْت كَاتِبًا , فَقَرَأْته فَإِذَا فِيهِ : أَمَّا بَعْد فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّ صَاحِبك قَدْ جَفَاك , وَلَمْ يَجْعَلك اللَّه بِدَارِ هَوَان وَلَا مَضْيَعَة , فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِك ! قَالَ : فَقُلْت حِين قَرَأْته : وَهَذَا أَيْضًا مِنْ الْبَلَاء . فَتَأَمَّمْت بِهِ التَّنُّور فَسَجَرْته بِهِ . حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ مِنْ الْخَمْسِينَ وَاسْتَلْبَثَ الْوَحْي إِذَا رَسُول رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينِي فَقَالَ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرك أَنْ تَعْتَزِل اِمْرَأَتك , قَالَ : فَقُلْت : أُطَلِّقهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَل ؟ قَالَ : لَا بَلْ اِعْتَزِلْهَا فَلَا تَقْرَبهَا ! قَالَ : وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبِي بِذَلِكَ , قَالَ : فَقُلْت لِامْرَأَتِي : اِلْحَقِي بِأَهْلِك تَكُونِي عِنْدهمْ حَتَّى يَقْضِي اللَّه فِي هَذَا الْأَمْر ! قَالَ : فَجَاءَتْ اِمْرَأَة هِلَال رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ هِلَال بْن أُمَيَّة شَيْخ ضَائِع لَيْسَ لَهُ خَادِم , فَهَلْ تَكْرَه أَنْ أَخْدُمهُ ؟ فَقَالَ : " لَا , وَلَكِنْ لَا يَقْرَبَنك " قَالَتْ : فَقُلْت : إِنَّهُ وَاَللَّه مَا بِهِ حَرَكَة إِلَى شَيْء , وَوَاللَّهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْره مَا كَانَ إِلَى يَوْمه هَذَا ! قَالَ : فَقَالَ لِي بَعْض أَهْلِي : لَوْ اِسْتَأْذَنْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اِمْرَأَتك فَقَدْ أَذِنَ لِامْرَأَةِ هِلَال أَنْ تَخْدُمهُ ! قَالَ : فَقُلْت لَا أَسْتَأْذِن فِيهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَا يُدْرِينِي مَاذَا يَقُول لِي إِذَا اِسْتَأْذَنْته فِيهَا وَأَنَا رَجُل شَابّ. فَلَبِثْت بَعْد ذَلِكَ عَشْر لَيَالٍ , فَكَمُلَ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَة مِنْ حِين نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَامنَا . قَالَ : ثُمَّ صَلَّيْت صَلَاة الْفَجْر صَبَاح خَمْسِينَ لَيْلَة عَلَى ظَهْر بَيْت مِنْ بُيُوتنَا , فَبَيْنَا أَنَا جَالِس عَلَى الْحَال الَّتِي ذَكَرَ اللَّه عَنَّا قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي وَضَاقَتْ عَلَى الْأَرْض بِمَا رَحُبَتْ , سَمِعْت صَوْت صَارِخ أَوْفَى عَلَى جَبَل سَلْع يَقُول بِأَعْلَى صَوْته : يَا كَعْب بْن مَالِك أَبْشِرْ ! قَالَ : فَخَرَرْت سَاجِدًا , وَعَرَفْت أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَج . قَالَ : وَأَذِنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللَّه عَلَيْنَا حِين صَلَّى صَلَاة الْفَجْر , فَذَهَبَ النَّاس يُبَشِّرُونَنَا , فَذَهَبَ قِبَل صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ , وَرَكَضَ رَجُل إِلَيَّ فَرَسًا , وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ قِبَلِي وَأَوْفَى الْجَبَل , وَكَانَ الصَّوْت أَسْرَعَ مِنْ الْفَرَس . فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْت صَوْته يُبَشِّرنِي نَزَعْت لَهُ ثَوْبِي , فَكَسَوْتهمَا إِيَّاهُ بِبِشَارَتِهِ , وَاَللَّه مَا أَمْلِك غَيْرهمَا يَوْمئِذٍ , وَاسْتَعَرْت ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتهمَا . وَانْطَلَقْت أَتَأَمَّم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَتَلَقَّانِي النَّاس فَوْجًا فَوْجًا يُهَنِّئُونِي بِالتَّوْبَةِ , وَيَقُولُونَ : لِتَهْنِكَ تَوْبَة اللَّه عَلَيْك ! حَتَّى دَخَلْت الْمَسْجِد , فَإِذَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِس فِي الْمَسْجِد حَوْله النَّاس , فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه يُهَرْوِل حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي , وَاَللَّه مَا قَامَ رَجُل مِنْ الْمُهَاجِرِينَ غَيْره - قَالَ : فَكَانَ كَعْب لَا يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ - قَالَ كَعْب : فَلَمَّا سَلَّمْت عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ يَبْرُق وَجْهه مِنْ السُّرُور : " أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْم مَرَّ عَلَيْك مُنْذُ وَلَدَتْك أُمّك ! " فَقُلْت : أَمِنْ عِنْدك يَا رَسُول اللَّه , أَمْ مِنْ عِنْد اللَّه ؟ قَالَ : " لَا بَلْ مِنْ عِنْد اللَّه " . وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سُرَّ اِسْتَنَارَ وَجْهه حَتَّى كَأَنَّ وَجْه قِطْعَة قَمَر , وَكُنَّا نَعْرِف ذَلِكَ مِنْهُ . قَالَ : فَلَمَّا جَلَسْت بَيْن يَدَيْهِ قُلْت : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِع مِنْ مَالِي صَدَقَة إِلَى اللَّه وَإِلَى رَسُوله ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمْسِكْ بَعْض مَالِك فَهُوَ خَيْر لَك ! " قَالَ : فَقُلْت : فَإِنِّي أُمْسِك سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَر. وَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ اللَّه إِنَّمَا أَنْجَانِي بِالصِّدْقِ , وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لَا أُحَدِّث إِلَّا صِدْقًا مَا بَقِيت ! قَالَ : فَوَاَللَّهِ مَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ اِبْتَلَاهُ اللَّه فِي صِدْق الْحَدِيث مُنْذُ ذَكَرْت ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَحْسَن مِمَّا اِبْتَلَانِي , وَاَللَّه مَا تَعَمَّدْت كَذْبَة مُنْذُ قُلْت ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِي هَذَا , وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يَحْفَظنِي اللَّه فِيمَا بَقِيَ . قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَقَدْ تَابَ اللَّه عَلَى النَّبِيّ } حَتَّى بَلَغَ : { وَعَلَى الثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا } إِلَى : { اِتَّقُوا اللَّه وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } قَالَ كَعْب : وَاَللَّه مَا أَنْعَمَ اللَّه عَلَيَّ مِنْ نِعْمَة قَطُّ بَعْد أَنْ هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ أَعْظَم فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا أَكُون كَذَبْته فَأَهْلك كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ , فَإِنَّ اللَّه قَالَ لِلَّذِينَ كَذَّبُوا حِين أُنْزِلَ الْوَحْي شَرّ مَا قَالَ لِأَحَدٍ : { سَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ لَكُمْ إِذَا اِنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْس وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّم جَزَاء بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } 9 95 إِلَى قَوْله : { لَا يَرْضَى عَنْ الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } 9 95 قَالَ كَعْب : خَلَّفْنَا أَيّهَا الثَّلَاثَة عَنْ أَمْر أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوْبَتهمْ حِين حَلَفُوا لَهُ , فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ , وَأَرْجَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرنَا حَتَّى قَضَى اللَّه فِيهِ , فَبِذَلِكَ قَالَ اللَّه : { وَعَلَى الثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا } وَلَيْسَ الَّذِي ذِكْر اللَّه مِمَّا خَلَّفْنَا عَنْ الْغَزْو إِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفه إِيَّانَا وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ , فَقَبِلَ مِنْهُمْ . * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني اللَّيْث , عَنْ عُقَيْل , عَنْ اِبْن شِهَاب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن كَعْب بْن مَالِك , أَنَّ عَبْد اللَّه بْن كَعْب بْن مَالِك , وَكَانَ قَائِد كَعْب مِنْ بَنِيهِ حِين عَمِيَ , قَالَ : سَمِعْت كَعْب بْن مَالِك يُحَدِّث حَدِيثه حِين تَخَلَّفَ , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة تَبُوك , فَذَكَرَ نَحْوه. * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن كَعْب , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : لَمْ أَتَخَلَّف عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غُزَاة غَزَاهَا إِلَّا بَدْرًا , وَلَمْ يُعَاتِب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْ بَدْر , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ اِبْن شِهَاب الزُّهْرِيّ , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن كَعْب بْن مَالِك الْأَنْصَارِيّ , ثُمَّ السُّلَمِيّ , عَنْ أَبِيهِ . أَنَّ أَبَاهُ عَبْد اللَّه بْن كَعْب , وَكَانَ قَائِد أَبِيهِ كَعْب حِين أُصِيبَ بَصَره , قَالَ : سَمِعْت أَبِي كَعْب بْن مَالِك يُحَدِّث حَدِيثه حِين تَخَلَّفَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة تَبُوك , وَحَدِيث صَاحِبَيْهِ قَالَ : مَا تَخَلَّفْت عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة غَزَاهَا , غَيْر أَنِّي كُنْت تَخَلَّفْت عَنْهُ فِي غَزْوَة بَدْر , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه .

{ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الْأَرْض بِمَا رَحُبَتْ } يَقُول : بِسَعَتِهَا غَمًّا وَنَدَمًا عَلَى تَخَلُّفهمْ عَنْ الْجِهَاد مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
{ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسهمْ } بِمَا نَالَهُمْ مِنْ الْوَجْد وَالْكَرْب بِذَلِكَ .

{ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأ } يَقُول : وَأَيْقَنُوا بِقُلُوبِهِمَا أَنْ لَا شَيْء لَهُمْ يُلْجِئُوا إِلَيْهِ مِمَّا نَزَلَ بِهِمْ مِنْ أَمْر اللَّه مِنْ الْبَلَاء بِتَخَلُّفِهِمْ خِلَاف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْجِيهِمْ مِنْ كَرْبه , وَلَا مِمَّا يَحْذَرُونَ مِنْ عَذَاب اللَّه إِلَّا اللَّه . ثُمَّ رَزَقَهُمْ الْإِنَابَة إِلَى طَاعَته , وَالرُّجُوع إِلَى مَا يُرْضِيه عَنْهُمْ , لِيُنِيبُوا إِلَيْهِ وَيَرْجِعُوا إِلَى طَاعَته وَالِانْتِهَاء إِلَى أَمْره وَنَهْيه .

{ إِنَّ اللَّه هُوَ التَّوَّاب الرَّحِيم } يَقُول : إِنَّ اللَّه هُوَ الْوَهَّاب لِعِبَادِهِ الْإِنَابَة إِلَى طَاعَته الْمُوَفِّق مَنْ أَحَبَّ تَوْفِيقه مِنْهُمْ لِمَا يُرْضِيه عَنْهُ , الرَّحِيم بِهِمْ أَنْ يُعَافِيهِمْ بَعْد التَّوْبَة , أَوْ يَخْذُل مَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ التَّوْبَة وَالْإِنَابَة وَلَا يَتُوب عَلَيْهِ .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَسورة التوبة الآية رقم 119
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ مُعَرِّفهمْ سَبِيل النَّجَاة مِنْ عِقَابه وَالْخَلَاص مِنْ أَلِيم عَذَابه : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله , اِتَّقُوا اللَّه وَرَاقِبُوهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضه وَتَجَنُّب حُدُوده , وَكُونُوا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْل وِلَايَة اللَّه وَطَاعَته , تَكُونُوا فِي الْآخِرَة مَعَ الصَّادِقِينَ فِي الْجَنَّة . يَعْنِي مَعَ مَنْ صَدَقَ اللَّه الْإِيمَان بِهِ فَحَقَّقَ قَوْله بِفِعْلِهِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْل النِّفَاق فِيهِ الَّذِينَ يُكَذِّب قِيلهمْ فِعْلهمْ . وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ فِي الْآخِرَة بِاتِّقَاءِ اللَّه فِي الدُّنْيَا , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَنْ يُطِعْ اللَّه وَالرَّسُول فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ }. 4 69 وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ مَعْنَى الْكَلَام , لِأَنَّ كَوْن الْمُنَافِق مَعَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْر نَافِعه بِأَيِّ وُجُوه الْكَوْن كَانَ مَعَهُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ عَامِلًا عَمَلهمْ , وَإِذَا عَمِلَ عَمَلهمْ فَهُوَ مِنْهُمْ , وَإِذَا كَانَ مِنْهُمْ كَانَ لَا وَجْه فِي الْكَلَام أَنْ يُقَال : اِتَّقُوا اللَّه وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ . وَلِتَوْجِيهِ الْكَلَام إِلَى مَا وَجَّهْنَا مِنْ تَأْوِيله فَسَّرَ ذَلِكَ مَنْ فَسَّرَهُ مِنْ أَهْل التَّأْوِيل بِأَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : وَكُونُوا مَعَ أَبِي بَكْر وَعُمَر , أَوْ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُهَاجِرِينَ رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ أَوْ غَيْره فِي تَأْوِيله : 13539 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ , عَنْ نَافِع , فِي قَوْل اللَّه : { اِتَّقُوا اللَّه وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } قَالَ : مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حَبُّويَة أَبُو يَزِيد , عَنْ يَعْقُوب الْقُمِّيّ , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ , عَنْ نَافِع , قَالَ : قِيلَ لِلثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } مُحَمَّد وَأَصْحَابه . 13540 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن إِسْمَاعِيل , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : { وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } قَالَ : مَعَ أَبِي بَكْر وَعُمَر وَأَصْحَابهمَا رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ. 13541 - قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن يَحْيَى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن بِشْر الْكَاهِلِيّ , قَالَ : ثنا خَلَف بْن خَلِيفَة , عَنْ أَبِي هَاشِم الرُّمَانِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْل اللَّه : { اِتَّقُوا اللَّه وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } قَالَ : مَعَ أَبِي بَكْر وَعُمَر رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمَا . 13542 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { اِتَّقُوا اللَّه وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } قَالَ : مَعَ الْمُهَاجِرِينَ الصَّادِقِينَ . وَكَانَ اِبْن مَسْعُود فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ يَقْرَؤُهُ : " وَكُونُوا مِنْ الصَّادِقِينَ " وَيَتَأَوَّلهُ أَنَّ ذَلِكَ نَهْي مِنْ اللَّه عَنْ الْكَذِب . ذِكْر الرِّوَايَة عَنْهُ بِذَلِكَ : 13543 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , قَالَ : سَمِعْت أَبَا عُبَيْدَة بْن عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود يَقُول : قَالَ اِبْن مَسْعُود : إِنَّ الْكَذِب لَا يَحِلّ مِنْهُ جَدّ وَلَا هَزْل , اِقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه وَكُونُوا مِنْ الصَّادِقِينَ " قَالَ : وَكَذَلِكَ هِيَ قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود : " مِنْ الصَّادِقِينَ " , فَهَلْ تَرَوْنَ فِي الْكَذِب رُخْصَة " ؟ * - قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ شُعْبَة , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , قَالَ : سَمِعْت أَبَا عُبَيْدَة , عَنْ عَبْد اللَّه , نَحْوه . * - قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , قَالَ : سَمِعْت أَبَا عُبَيْدَة يُحَدِّث , عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : الْكَذِب لَا يَصْلُح مِنْهُ جِدّ وَلَا هَزْل , اِقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ . " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه وَكُونُوا مِنْ الصَّادِقِينَ " وَهِيَ كَذَلِكَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه , فَهَلْ تَرَوْنَ مَنْ رَخَّصَ فِي الْكَذِب ؟ 13544 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : لَا يَصْلُح الْكَذِب فِي هَزْل وَلَا جِدّ , ثُمَّ تَلَا عَبْد اللَّه : { اِتَّقُوا اللَّه وَكُونُوا } مَا أَدْرِي أَقَالَ " مِنْ الصَّادِقِينَ " أَوْ { مَعَ الصَّادِقِينَ } وَهُوَ فِي كِتَابِي : { مَعَ الصَّادِقِينَ } . * - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ أَبِي مَعْمَر , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله . * - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله . وَالصَّحِيح مِنْ التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ هُوَ التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ نَافِع وَالضَّحَّاك , وَذَلِكَ أَنَّ رُسُوم الْمَصَاحِف كُلّهَا مُجْمِعَة عَلَى : { وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } , وَهِيَ الْقِرَاءَة الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ لِأَحَدٍ الْقِرَاءَة بِخِلَافِهَا , وَتَأْوِيل عَبْد اللَّه رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ عَلَى قِرَاءَته تَأْوِيل غَيْر صَحِيح , أَنَّ الْقِرَاءَة بِخِلَافِهَا .
مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَسورة التوبة الآية رقم 120
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَة وَمَنْ حَوْلهمْ مِنْ الْأَعْرَاب أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُول اللَّه وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسه ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبهُمْ ظَمَأ وَلَا نَصَب وَلَا مَخْمَصَة فِي سَبِيل اللَّه وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظ الْكُفَّار وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَل صَالِح إِنَّ اللَّه لَا يُضِيع أَجْر الْمُحْسِنِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الْمَدِينَة , مَدِينَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَنْ حَوْلهمْ مِنْ الْأَعْرَاب سُكَّان الْبَوَادِي , الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة تَبُوك , وَهُمْ مِنْ أَهْل الْإِيمَان بِهِ ; أَنْ يَتَخَلَّفُوا فِي أَهَالِيهمْ وَلَا دَارهمْ , وَلَا أَنْ يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسه فِي سَحْبَته فِي سَفَره وَالْجِهَاد مَعَهُ وَمُعَاوَنَته عَلَى مَا يُعَانِيه فِي غَزَوْهُ ذَلِكَ . يَقُول : إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ هَذَا بِأَنَّهُمْ مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ وَبِسَبَبِ أَنَّهُمْ لَا يُصِيبهُمْ فِي سَفَرهمْ إِذَا كَانُوا مَعَهُ ظَمَأ وَهُوَ الْعَطَش وَلَا نَصَب , يَقُول : وَلَا تَعَب , { وَلَا مَخْمَصَة فِي سَبِيل اللَّه } يَعْنِي : وَلَا مَجَاعَة فِي إِقَامَة دِين اللَّه وَنُصْرَته , وَهَدَمَ مَنَار الْكُفْر . { وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا } يَعْنِي أَرْضًا , يَقُول : وَلَا يَطَئُونَ أَرْضًا يَغِيظ الْكُفَّار وَطْؤُهُمْ إِيَّاهَا . { وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوّ نَيْلًا } يَقُول وَلَا يُصِيبُونَ مِنْ عَدُوّ اللَّه وَعَدُوّهُمْ شَيْئًا فِي أَمْوَالهمْ وَأَنْفُسهمْ وَأَوْلَادهمْ إِلَّا كَتَبَ اللَّه لَهُمْ بِذَلِكَ كُلّه ثَوَاب عَمَل صَالِح قَدْ اِرْتَضَاهُ . { إِنَّ اللَّه لَا يُضِيع أَجْر الْمُحْسِنِينَ } يَقُول : إِنَّ اللَّه لَا يَدَع مُحْسِنًا مِنْ خَلْقه أَحْسَنَ فِي عَمَله فَأَطَاعَهُ فِيمَا أَمَرَهُ وَانْتَهَى عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ , أَنْ يُجَازِيه عَلَى إِحْسَانه وَيُثِيبهُ عَلَى صَالِح عَمَله ; فَلِذَلِكَ كَتَبَ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَهْل الْمَدِينَة وَمَنْ حَوْلهمْ مِنْ الْأَعْرَاب مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَة الثَّوَاب عَلَى كُلّ مَا فَعَلَ فَلَمْ يُضَيَّع لَهُ أَجْر فَعَلَهُ ذَلِكَ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي حُكْم هَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ مُحْكَمَة , وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة , لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَخَلَّف إِذَا غَزَا خِلَافه فَيَقْعُد عَنْهُ إِلَّا مَنْ كَانَ ذَا عُذْر , فَأَمَّا غَيْره مِنْ الْأَئِمَّة وَالْوُلَاة فَإِنَّ لِمَنْ شَاءَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَخَلَّف خِلَافه إِذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِ ضَرُورَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13545 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَة وَمَنْ حَوْلهمْ مِنْ الْأَعْرَاب أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُول اللَّه وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسه } هَذَا إِذَا غَزَا نَبِيّ اللَّه بِنَفْسِهِ , فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَخَلَّف . ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَوْلَا أَنْ أَشُقّ عَلَى أُمَّتِي مَا تَخَلَّفْت خَلْف سَرِيَّة تَغْزُو فِي سَبِيل اللَّه , لَكِنِّي لَا أَجِد سَعَة فَأَنْطَلِق بِهِمْ مَعِيَ , وَيَشُقّ عَلَيَّ أَوْ أَكْرَه أَنْ أَدَعهُمْ بَعْدِي " . 13546 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : سَمِعْت الْأَوْزَاعِيّ , وَعَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك , وَالْفَزَارِيّ , وَالسَّبِيعِيّ , وَابْن جَابِر , وَسَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيز يَقُولُونَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَة وَمَنْ حَوْلهمْ مِنْ الْأَعْرَاب أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُول اللَّه } إِلَى آخِر الْآيَة . إِنَّهَا لِأَوَّلِ هَذِهِ الْأُمَّة وَآخِرهَا مِنْ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيل اللَّه. وَقَالَ آخَرُونَ : هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ وَفِي أَهْل الْإِسْلَام قِلَّة , فَلَمَّا كَثُرُوا نَسَخَهَا اللَّه وَأَبَاحَ التَّخَلُّف لِمَنْ شَاءَ , فَقَالَ : { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّة } . 9 122 ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13547 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَة وَمَنْ حَوْلهمْ مِنْ الْأَعْرَاب أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُول اللَّه } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { لِيَجْزِيَهُمْ اللَّه أَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } قَالَ : هَذَا حِين كَانَ الْإِسْلَام قَلِيلًا , فَلَمَّا كَثُرَ الْإِسْلَام بَعْد قَالَ : { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّة فَلَوْلَا نَفَر مِنْ كُلّ فِرْقَة مِنْهُمْ طَائِفَة } 9 122 إِلَى آخِر الْآيَة . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي , أَنَّ اللَّه عَنَى بِهَا الَّذِينَ وَصْفهمْ بِقَوْلِهِ : { وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنْ الْأَعْرَاب لِيُؤْذَن لَهُمْ } 9 90 الْآيَة , ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَة الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُول اللَّه وَلَا لِمَنْ حَوْلهمْ مِنْ الْأَعْرَاب الَّذِينَ قَعَدُوا عَنْ الْجِهَاد مَعَهُ أَنْ يَتَخَلَّفُوا خِلَافه وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسه . وَذَلِكَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَدَبَ فِي غَزْوَته تِلْكَ كُلّ مَنْ أَطَاقَ النُّهُوض مَعَهُ إِلَى الشُّخُوص إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ أَوْ أَمَرَهُ بِالْمَقَامِ بَعْده , فَلَمْ يَكُنْ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى الشُّخُوص التَّخَلُّف , فَعَدَد جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَنْ تَخَلَّفَ مِنْهُمْ , فَأَظْهَرَ نِفَاق مَنْ كَانَ تَخَلُّفه مِنْهُمْ نِفَاقًا وَعَذَرَ مَنْ كَانَ تَخَلُّفه لِعُذْرٍ , وَتَابَ عَلَى مَنْ كَانَ تَخَلُّفه تَفْرِيطًا مِنْ غَيْر شَكّ وَلَا اِرْتِيَاب فِي أَمْر اللَّه إِذْ تَابَ مِنْ خَطَأ مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ الْفِعْل. فَأَمَّا التَّخَلُّف عَنْهُ فِي حَال اِسْتِغْنَائِهِ فَلَمْ يَكُنْ مَحْظُورًا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ كَرَاهَته مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ , وَكَذَلِكَ حُكْم الْمُسْلِمِينَ الْيَوْم إِزَاء إِمَامهمْ , فَلَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَى جَمِيعهمْ النُّهُوض مَعَهُ إِلَّا فِي حَال حَاجَته إِلَيْهِمْ لِمَا لَا بُدّ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْله مِنْ حُضُورهمْ وَاجْتِمَاعهمْ وَاسْتِنْهَاضه إِيَّاهُمْ فَيَلْزَمهُمْ حِينَئِذٍ طَاعَته . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَى الْآيَة لَمْ تَكُنْ إِحْدَى الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَا نَاسِخَة لِلْأُخْرَى , إِذْ لَمْ تَكُنْ إِحْدَاهُمَا نَاقِيَة حُكْم الْأُخْرَى مِنْ كُلّ وُجُوهه , وَلَا جَاءَ خَبَر يُوَجِّه الْحُجَّة بِأَنَّ إِحْدَاهُمَا نَاسِخَة لِلْأُخْرَى . وَقَدْ بَيْنَا مَعْنَى الْمَخْمَصَة وَأَنَّهَا الْمَجَاعَة بِشَوَاهِدِهِ , وَذَكَرْنَا الرِّوَايَة عَمَّنْ قَالَ ذَلِكَ فِي مَوْضِع غَيْر هَذَا , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته هَهُنَا . وَأَمَّا النَّيْل : فَهُوَ مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل. نَالَنِي يَنَالنِي , وَنِلْت الشَّيْء : فَهُوَ مَنِيل , وَذَلِكَ إِذَا كُنْت تَنَالهُ بِيَدِك . وَلَيْسَ مِنْ التَّنَاوُل , وَذَلِكَ أَنَّ التَّنَاوُل مِنْ النَّوَال , يُقَال مِنْهُ : نِلْت لَهُ أَنُول لَهُ مِنْ الْعَطِيَّة . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب يَقُول : النَّيْل مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : نَالَنِي بِخَيْرِ يَنُولنِي نَوَالًا . وَأَنَالَنِي خَيْرًا إِنَالَة ; وَقَالَ : كَأَنَّ النَّيْل مِنْ الْوَاو أُبْدِلَتْ يَاء لِخِفَّتِهَا وَثِقَل الْوَاو . وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَعْرُوفٍ فِي كَلَام الْعَرَب , بَلْ مِنْ شَأْن الْعَرَب أَنْ تُصَحِّح الْوَاو مِنْ ذَوَات الْوَاو إِذَا سَكَنَتْ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلهَا , كَقَوْلِهِمْ : الْقَوْل , وَالْعَوْل , وَالْحَوْل , وَلَوْ جَازَ مَا قَالَ لَجَازَ الْقَيْل .
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5