قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى ↓
أَيْ قَالَ لِفِرْعَوْن وَالسَّحَرَة
دُعَاء عَلَيْهِمْ بِالْوَيْلِ . وَهُوَ بِمَعْنَى الْمَصْدَر . وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج : هُوَ مَنْصُوب بِمَعْنَى ألْزَمَهُمْ اللَّه وَيْلًا . قَالَ : وَيَجُوز أَنْ يَكُون نِدَاء كَقَوْلِهِ تَعَالَى " يَا وَيْلنَا مَنْ بَعَثَنَا " [ يس : 52 ]
أَيْ لَا تَخْتَلِقُوا عَلَيْهِ الْكَذِب , وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ , وَلَا تَقُولُوا لِلْمُعْجِزَاتِ إِنَّهَا سِحْر .
مِنْ عِنْده أَيْ يَسْتَأْصِلكُمْ بِالْإِهْلَاكِ يُقَال فِيهِ : سَحَتَ وَأَسْحَتَ بِمَعْنًى . وَأَصْله مِنْ اِسْتِقْصَاء الشَّعْر . وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ " فَيُسْحِتَكُمْ " مِنْ أَسْحَتَ , الْبَاقُونَ " فَيَسْحَتَكُمْ " مِنْ سَحَتْ وَهَذِهِ لُغَة أَهْل الْحِجَاز وَ [ الْأُولَى لُغَة ] بَنِي تَمِيم . وَانْتَصَبَ عَلَى جَوَاب النَّهْي . وَقَالَ الْفَرَزْدَق . وَعَضّ زَمَان يَا اِبْن مَرْوَان لَمْ يَدَع مِنْ الْمَال إِلَّا مُسْحَتًا أَوْ مُجَلَّفا الزَّمَخْشَرِيّ : وَهَذَا بَيْت لَا تَزَال الرَّكْب تَصْطَكّ فِي تَسْوِيَة إِعْرَابه .
أَيْ خَسِرَ وَهَلَكَ , وَخَابَ مِنْ الرَّحْمَة وَالثَّوَاب مَنْ ادَّعَى عَلَى اللَّه مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ .
دُعَاء عَلَيْهِمْ بِالْوَيْلِ . وَهُوَ بِمَعْنَى الْمَصْدَر . وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج : هُوَ مَنْصُوب بِمَعْنَى ألْزَمَهُمْ اللَّه وَيْلًا . قَالَ : وَيَجُوز أَنْ يَكُون نِدَاء كَقَوْلِهِ تَعَالَى " يَا وَيْلنَا مَنْ بَعَثَنَا " [ يس : 52 ]
أَيْ لَا تَخْتَلِقُوا عَلَيْهِ الْكَذِب , وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ , وَلَا تَقُولُوا لِلْمُعْجِزَاتِ إِنَّهَا سِحْر .
مِنْ عِنْده أَيْ يَسْتَأْصِلكُمْ بِالْإِهْلَاكِ يُقَال فِيهِ : سَحَتَ وَأَسْحَتَ بِمَعْنًى . وَأَصْله مِنْ اِسْتِقْصَاء الشَّعْر . وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ " فَيُسْحِتَكُمْ " مِنْ أَسْحَتَ , الْبَاقُونَ " فَيَسْحَتَكُمْ " مِنْ سَحَتْ وَهَذِهِ لُغَة أَهْل الْحِجَاز وَ [ الْأُولَى لُغَة ] بَنِي تَمِيم . وَانْتَصَبَ عَلَى جَوَاب النَّهْي . وَقَالَ الْفَرَزْدَق . وَعَضّ زَمَان يَا اِبْن مَرْوَان لَمْ يَدَع مِنْ الْمَال إِلَّا مُسْحَتًا أَوْ مُجَلَّفا الزَّمَخْشَرِيّ : وَهَذَا بَيْت لَا تَزَال الرَّكْب تَصْطَكّ فِي تَسْوِيَة إِعْرَابه .
أَيْ خَسِرَ وَهَلَكَ , وَخَابَ مِنْ الرَّحْمَة وَالثَّوَاب مَنْ ادَّعَى عَلَى اللَّه مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ .
أَيْ تَشَاوَرُوا ; يُرِيد السَّحَرَة .
قَالَ قَتَادَة " قَالُوا " إِنْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ سِحْرًا فَسَنَغْلِبُهُ , وَإِنْ كَانَ مِنْ عِنْد اللَّه فَسَيَكُونُ لَهُ أَمْر ; وَهَذَا الَّذِي أَسَرُّوهُ . وَقِيلَ الَّذِي أَسَرُّوا قَوْلهمْ " إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ " الْآيَة قَالَهُ السُّدِّيّ وَمُقَاتِل . وَقِيلَ الَّذِي أَسَرُّوا قَوْلهمْ : إِنْ غَلَبَنَا اِتَّبَعْنَاهُ ; قَالَهُ الْكَلْبِيّ ; دَلِيله مَنْ ظَهَرَ مِنْ عَاقِبَة أَمْرهمْ . وَقِيلَ : كَانَ سِرّهمْ أَنْ قَالُوا حِين قَالَ لَهُمْ مُوسَى " وَيْلكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّه كَذِبًا " [ طَه : 61 ] : مَا هَذَا بِقَوْلِ سَاحِر . و " النَّجْوَى " الْمُنَاجَاة يَكُون اِسْمًا وَمَصْدَرًا . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " النِّسَاء " بَيَانه.
قَالَ قَتَادَة " قَالُوا " إِنْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ سِحْرًا فَسَنَغْلِبُهُ , وَإِنْ كَانَ مِنْ عِنْد اللَّه فَسَيَكُونُ لَهُ أَمْر ; وَهَذَا الَّذِي أَسَرُّوهُ . وَقِيلَ الَّذِي أَسَرُّوا قَوْلهمْ " إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ " الْآيَة قَالَهُ السُّدِّيّ وَمُقَاتِل . وَقِيلَ الَّذِي أَسَرُّوا قَوْلهمْ : إِنْ غَلَبَنَا اِتَّبَعْنَاهُ ; قَالَهُ الْكَلْبِيّ ; دَلِيله مَنْ ظَهَرَ مِنْ عَاقِبَة أَمْرهمْ . وَقِيلَ : كَانَ سِرّهمْ أَنْ قَالُوا حِين قَالَ لَهُمْ مُوسَى " وَيْلكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّه كَذِبًا " [ طَه : 61 ] : مَا هَذَا بِقَوْلِ سَاحِر . و " النَّجْوَى " الْمُنَاجَاة يَكُون اِسْمًا وَمَصْدَرًا . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " النِّسَاء " بَيَانه.
قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى ↓
قَرَأَ أَبُو عَمْر" إِنَّ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ " . وَرُوِيَتْ عَنْ عُثْمَان وَعَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَغَيْرهمَا مِنْ الصَّحَابَة ; وَكَذَلِكَ قَرَأَ الْحَسَن وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ وَغَيْرهمْ مِنْ التَّابِعِينَ ; وَمِنْ الْقُرَّاء عِيسَى بْن عُمَر وَعَاصِم الْجَحْدَرِيّ ; فِيمَا ذَكَرَ النَّحَّاس . وَهَذِهِ الْقِرَاءَة مُوَافِقَة لِلْإِعْرَابِ مُخَالِفَة لِلْمُصْحَفِ . وَقَرَأَ الزُّهْرِيّ وَالْخَلِيل بْن أَحْمَد وَالْمُفَضَّل وَأَبَان وَابْن مُحَيْصِن وَابْن كَثِير وَعَاصِم فِي رِوَايَة حَفْص عَنْهُ " إِنْ هَذَانِ " بِتَخْفِيفِ " إِنْ " " لَسَاحِرَانِ " وَابْن كَثِير يُشَدِّد نُون " هَذَانِ " . وَهَذِهِ الْقِرَاءَة سَلِمَتْ مِنْ مُخَالَفَة الْمُصْحَف وَمِنْ فَسَاد الْإِعْرَاب , وَيَكُون مَعْنَاهَا مَا هَذَانِ إِلَّا سَاحِرَانِ . وَقَرَأَ الْمَدَنِيُّونَ وَالْكُوفِيُّونَ " إِنَّ هَذَانِ " بِتَشْدِيدِ " إِنَّ " " لَسَاحِرَانِ " فَوَافَقُوا الْمُصْحَف وَخَالَفُوا الْإِعْرَاب . قَالَ النَّحَّاس فَهَذِهِ ثَلَاث قِرَاءَات قَدْ رَوَاهَا الْجَمَاعَة عَنْ الْأَئِمَّة , وَرُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنَّهُ قَرَأَ " إِنْ هَذَانِ إِلَّا سَاحِرَانِ " وَقَالَ الْكِسَائِيّ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " إِنْ هَذَانِ سَاحِرَانِ " بِغَيْرِ لَام ; وَقَالَ الْفَرَّاء فِي حَرْف أُبَيّ " إِنْ ذَان إِلَّا سَاحِرَانِ " فَهَذِهِ ثَلَاث قِرَاءَات أُخْرَى تُحْمَل عَلَى التَّفْسِير لَا أَنَّهَا جَائِز أَنْ يَقْرَأ بِهَا لِمُخَالَفَتِهَا الْمُصْحَف .
قُلْت : وَلِلْعُلَمَاءِ فِي قِرَاءَة أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة سِتَّة أَقْوَال ذَكَرَهَا اِبْن الْأَنْبَارِيّ فِي آخِر كِتَاب الرَّدّ لَهُ , وَالنَّحَّاس فِي إِعْرَابه , وَالْمَهْدَوِيّ فِي تَفْسِيره , وَغَيْرهمْ أَدْخَلَ كَلَام بَعْضهمْ فِي بَعْض . وَقَدْ خَطَّأَهَا قَوْم حَتَّى قَالَ أَبُو عَمْرو : إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ اللَّه أَنْ أَقْرَأ " إِنَّ هَذَانِ " وَرَوَى عُرْوَة عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قَوْله تَعَالَى " لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم " ثُمَّ قَالَ : " وَالْمُقِيمِينَ " وَفِي " الْمَائِدَة " " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ " [ الْمَائِدَة : 69 ] و " إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ " فَقَالَتْ يَا ابْن أُخْتِي ! هَذَا خَطَأ مِنْ الْكَاتِب . وَقَالَ عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : فِي الْمُصْحَف لَحْن وَسَتُقِيمُهُ الْعَرَب بِأَلْسِنَتِهِمْ . وَقَالَ أَبَان بْن عُثْمَان : قَرَأْت هَذِهِ الْآيَة عِنْد أَبِي عُثْمَان بْن عَفَّان , فَقَالَ لَحْن وَخَطَأ ; فَقَالَ لَهُ قَائِل : أَلَا تُغَيِّرُوهُ ؟ فَقَالَ : دَعُوهُ فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّم حَلَالًا وَلَا يُحَلِّل حَرَامًا . الْقَوْل الْأَوَّل مِنْ الْأَقْوَال السِّتَّة أَنَّهَا لُغَة بَنِي الْحَارِث بْن كَعْب وَزُبَيْد وَخَثْعَمَ وَكِنَانَة بْن زَيْد يَجْعَلُونَ رَفْع الِاثْنَيْنِ وَنَصْبه وَخَفْضه بِالْأَلِفِ ; يَقُولُونَ : جَاءَ الزَّيْدَان وَرَأَيْت الزَّيْدَان وَمَرَرْت بِالزَّيْدَانِ , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ " [ يُونُس : 16 ] عَلَى مَا تَقَدَّمَ . وَأَنْشَدَ الْفَرَّاء لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَد - قَالَ : وَمَا رَأَيْت أَفْصَح مِنْهُ : فَأَطْرَقَ إِطْرَاق الشُّجَاع وَلَوْ يَرَى مَسَاغًا لِنَابَاهُ الشُّجَاع لَصَمَّمَا وَيَقُولُونَ كَسَرْت يَدَاهُ وَرَكِبْت عَلَاهُ ; يَدَيْهِ وَعَلَيْهِ ; قَالَ شَاعِرهمْ [ هوبر الْحَارِثِيّ ] : تَزَوَّدَ مِنَّا بَيْن أُذْنَيْهِ ضَرْبَة دَعَتْهُ إِلَى هَابِي التُّرَاب عَقِم وَقَالَ آخَر : طَارُوا عَلَاهُنَّ فَطِرْ عَلَاهَا أَيْ عَلَيْهِنَّ وَعَلَيْهَا وَقَالَ آخَر : إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا قَدْ بَلَغَا فِي الْمَجْد غَايَتَاهَا أَيْ إِنَّ أَبَا أَبِيهَا وَغَايَتَيْهَا . قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : وَهَذَا الْقَوْل مِنْ أَحْسَن مَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ الْآيَة ; إِذْ كَانَتْ هَذِهِ اللُّغَة مَعْرُوفَة , وَقَدْ حَكَاهَا مَنْ يُرْتَضَى بِعِلْمِهِ وَأَمَانَته ; مِنْهُمْ أَبُو زَيْد الْأَنْصَارِيّ وَهُوَ الَّذِي يَقُول : إِذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ حَدَّثَنِي مَنْ أَثِق بِهِ فَإِنَّمَا يَعْنِينِي ; وَأَبُو الْخَطَّاب الْأَخْفَش وَهُوَ رَئِيس مِنْ رُؤَسَاء اللُّغَة , وَالْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء كُلّهمْ قَالُوا هَذَا عَلَى لُغَة بَنِي الْحَارِث بْن كَعْب . وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَة عَنْ أَبِي الْخَطَّاب أَنَّ هَذِهِ لُغَة بَنِي كِنَانَة . الْمَهْدَوِيّ : وَحَكَى غَيْره أَنَّهَا لُغَة لِخَثْعَمَ . قَالَ النَّحَّاس وَمِنْ أَبْيَن مَا فِي هَذَا قَوْل سِيبَوَيْهِ : وَاعْلَمْ أَنَّك إِذَا ثَنَّيْت الْوَاحِد زِدْت عَلَيْهِ زَائِدَتَيْنِ , الْأُولَى مِنْهُمَا حَرْف مَدّ وَلِين وَهُوَ حَرْف الْإِعْرَاب ; قَالَ أَبُو جَعْفَر فَقَوْل سِيبَوَيْهِ : وَهُوَ حَرْف الْإِعْرَاب , يُوجِب أَنَّ الْأَصْل أَلَّا يَتَغَيَّر , فَيَكُون " إِنَّ هَذَانِ " جَاءَ عَلَى أَصْله لِيُعْلَم ذَلِكَ , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى " اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَان " [ الْمُجَادَلَة : 19 ] وَلَمْ يَقُلْ اسْتَحَاذ ; فَجَاءَ هَذَا لِيَدُلّ عَلَى الْأَصْل , وَكَذَلِكَ " إِنَّ هَذَانِ " وَلَا يُفَكَّر فِي إِنْكَار مَنْ أَنْكَرَ هَذِهِ اللُّغَة إِذَا كَانَ الْأَئِمَّة قَدْ رَوَوْهَا . الْقَوْل الثَّانِي أَنْ يَكُون " إِنَّ " بِمَعْنَى نَعَمْ ; كَمَا حَكَى الْكِسَائِيّ عَنْ عَاصِم قَالَ : الْعَرَب تَأْتِي ب " إِنَّ " بِمَعْنَى نَعَمْ , وَحَكَى سِيبَوَيْهِ أَنَّ " إِنَّ " تَأْتِي بِمَعْنَى أَجَل , وَإِلَى هَذَا الْقَوْل كَانَ مُحَمَّد بْن يَزِيد وَإِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق الْقَاضِي يَذْهَبَانِ ; قَالَ النَّحَّاس : وَرَأَيْت أَبَا إِسْحَاق الزَّجَّاج وَعَلِيّ بْن سُلَيْمَان يَذْهَبَانِ إِلَيْهِ . الزَّمَخْشَرِيّ : وَقَدْ أَعُجِبَ بِهِ أَبُو إِسْحَاق . النَّحَّاس : وَحَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سُلَيْمَان , قَالَ حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عَبْد السَّلَام النَّيْسَابُورِيّ , ثُمَّ لَقِيت عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد [ هَذَا ] فَحَدَّثَنِي , قَالَ حَدَّثَنِي عُمَيْر بْن الْمُتَوَكِّل , قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مُوسَى النَّوْفَلِيّ مِنْ وَلَد حَارِث بْن عَبْد الْمُطَّلِب , قَالَ حَدَّثَنَا عُمَر بْن جُمَيْع الْكُوفِيّ عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيّ - وَهُوَ اِبْن الْحُسَيْن - عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ , قَالَ : لَا أُحْصِي كَمْ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول عَلَى مِنْبَره : " إِنَّ الْحَمْد لِلَّهِ نَحْمَدهُ وَنَسْتَعِينهُ " ثُمَّ يَقُول : " أَنَا أَفْصَح قُرَيْش كُلّهَا وَأَفْصَحهَا بَعْدِي أَبَان بْن سَعِيد بْن الْعَاص " قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْخَفَّاف قَالَ عُمَيْر : إِعْرَابه عِنْد أَهْل الْعَرَبِيَّة وَالنَّحْو " إِنَّ الْحَمْد لِلَّهِ " بِالنَّصْبِ إِلَّا أَنَّ الْعَرَب تَجْعَل " إِنَّ " فِي مَعْنَى نَعَمْ كَأَنَّهُ أَرَادَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; نَعَمْ الْحَمْد لِلَّهِ ; وَذَلِكَ أَنَّ خُطَبَاء الْجَاهِلِيَّة كَانَتْ تَفْتَتِح خُطَبهَا بِنَعَمْ . وَقَالَ الشَّاعِر فِي مَعْنَى نَعَمْ : قَالُوا غَدَرْت فَقُلْت إِنَّ وَرُبَّمَا نَالَ الْعُلَا وَشَفَى الْغَلِيل الْغَادِر وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن قَيْس الرُّقَيَّات بَكَرَ الْعَوَاذِل فِي الصَّبَا حِ يَلُمْنَنِي وَأَلُومُهُنَّهْ ش وَيَقُلْنَ شَيْب قَدْ عَلَا /و كَ وَقَدْ كَبِرْت فَقُلْت إِنَّهْ فَعَلَى هَذَا جَائِز أَنْ يَكُون قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " إِنَّ هَذَانِ سَاحِرَانِ " بِمَعْنَى نَعَمْ وَلَا تُنْصَب . قَالَ النَّحَّاس : أَنْشَدَنِي دَاوُد بْن الْهَيْثَم , قَالَ أَنْشَدَنِي ثَعْلَب لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لِلْمُحِبِّ شِفَاء /و مِنْ جَوَى حُبّهنَّ إِنَّ اللِّقَاءُ قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا قَوْل حَسَن إِلَّا أَنَّ فِيهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَال : نَعَمْ زَيْد خَارِج , وَلَا تَكَاد تَقَع اللَّام هَاهُنَا , وَإِنْ كَانَ النَّحْوِيُّونَ قَدْ تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ فَقَالُوا اللَّام يَنْوِي بِهَا التَّقْدِيم ; كَمَا قَالَ : خَالِي لَأَنْتَ وَمَنْ جَرِير خَاله /و يَنَلْ الْعَلَاء وَيُكْرِم الْأَخْوَالَا آخَر أُمّ الْحُلَيْس لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ /و تَرْضَى مِنْ الشَّاة بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ أَيْ لَخَالِي وَلَأُمِّ الْحُلَيْس ; وَقَالَ الزَّجَّاج : وَالْمَعْنَى فِي الْآيَة إِنَّ هَذَانِ لَهُمَا سَاحِرَانِ ثُمَّ حَذَفَ الْمُبْتَدَأ . الْمَهْدَوِيّ : وَأَنْكَرَهُ أَبُو عَلِيّ وَأَبُو الْفَتْح بْن جِنِّيّ . قَالَ أَبُو الْفَتْح : " هُمَا " الْمَحْذُوف لَمْ يُحْذَف إِلَّا بَعْد أَنْ عُرِفَ , وَإِذَا كَانَ مَعْرُوفًا فَقَدْ اسْتُغْنِيَ بِمَعْرِفَتِهِ عَنْ تَأْكِيده بِاللَّامِ , وَيَقْبُح أَنْ تَحْذِف الْمُؤَكَّد وَتَتْرُك الْمُؤَكِّد . الْقَوْل الثَّالِث قَالَ الْفَرَّاء أَيْضًا : وَجَدْت الْأَلِف دِعَامَة لَيْسَتْ بِلَامِ الْفِعْل فَزِدْت عَلَيْهَا نُونًا وَلَمْ أُغَيِّرهَا كَمَا قُلْت : " الَّذِي " ثُمَّ زِدْت عَلَيْهِ نُونًا فَقُلْت : جَاءَنِي الَّذِينَ عِنْدك , وَرَأَيْت الَّذِينَ عِنْدك , وَمَرَرْت بِاَلَّذِينَ عِنْدك الْقَوْل الرَّابِع قَالَهُ بَعْض الْكُوفِيِّينَ قَالَ الْأَلِف فِي " هَذَانِ " مُشَبَّهَة بِالْأَلِفِ فِي يَفْعَلَانِ فَلَمْ تُغَيَّر . الْقَوْل الْخَامِس : قَالَ أَبُو إِسْحَاق : النَّحْوِيُّونَ الْقُدَمَاء يَقُولُونَ الْهَاء هَاهُنَا مُضْمَرَة , وَالْمَعْنَى إِنَّهُ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ; قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : فَأُضْمِرَتْ الْهَاء الَّتِي هِيَ مَنْصُوب " إِنَّ " و " هَذَانِ " خَبَر" إِنَّ " و " سَاحِرَانِ " يَرْفَعهَا " هُمَا " الْمُضْمَر [ وَالتَّقْدِير ] إِنَّهُ هَذَانِ لَهُمَا سَاحِرَانِ . وَالْأَشْبَه عِنْد أَصْحَاب أَهْل هَذَا الْجَوَاب أَنَّ الْهَاء اِسْم " إِنَّ " و " هَذَانِ " رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَمَا بَعْده خَبَر الِابْتِدَاء . الْقَوْل السَّادِس قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس وَسَأَلْت أَبَا الْحَسَن بْن كَيْسَان عَنْ هَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ : إِنْ شِئْت أَجَبْتُك بِجَوَابِ النَّحْوِيِّينَ , وَإِنْ شِئْت أَجَبْتُك بِقَوْلِي ; فَقُلْت بِقَوْلِك ; فَقَالَ : سَأَلَنِي إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق عَنْهَا فَقُلْت . الْقَوْل عِنْدِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُقَال " هَذَا " فِي مَوْضِع الرَّفْع وَالنَّصْب وَالْخَفْض عَلَى حَال وَاحِدَة , وَكَانَتْ التَّثْنِيَة يَجِب أَلَّا يُغَيَّر لَهَا الْوَاحِد أُجْرِيَتْ التَّثْنِيَة مَجْرَى الْوَاحِدَة ; فَقَالَ مَا أَحْسَنَ هَذَا لَوْ تَقَدَّمَك أَحَد بِالْقَوْلِ بِهِ حَتَّى يُؤْنَس بِهِ ; قَالَ اِبْن كَيْسَان : فَقُلْت لَهُ : فَيَقُول الْقَاضِي بِهِ حَتَّى يُؤْنِس بِهِ ; فَتَبَسَّمَ .
هَذَا مِنْ قَوْل فِرْعَوْن لِلسَّحَرَةِ ; أَيْ غَرَضهمَا إِفْسَاد دِينكُمْ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ ; كَمَا قَالَ فِرْعَوْن " إِنِّي أَخَاف أَنْ يُبَدِّل دِينكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِر فِي الْأَرْض الْفَسَاد " [ غَافِر : 26 ] . وَيُقَال فُلَان حَسَن الطَّرِيقَة أَيْ حَسَن الْمَذْهَب . وَقِيلَ : طَرِيقَة الْقَوْم أَفْضَل الْقَوْل ; وَهَذَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَسْلُكُوا طَرِيقَته وَيَقْتَدُوا بِهِ ; فَالْمَعْنَى : وَيَذْهَبَا بِسَادَتِكُمْ وَرُؤَسَائِكُمْ ; اِسْتِمَالَة لَهُمْ . أَوْ يَذْهَبَا بِبَنِي إِسْرَائِيل وَهُمْ الْأَمَاثِل وَإِنْ كَانُوا خَوَلًا لَكُمْ لِمَا يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ مِنْ الِانْتِسَاب إِلَى الْأَنْبِيَاء . أَوْ يَذْهَبَا بِأَهْلِ طَرِيقَتكُمْ فَحَذَفَ الْمُضَاف . و " الْمُثْلَى " تَأْنِيث الْأَمْثَل ; كَمَا يُقَال الْأَفْضَل وَالْفُضْلَى . وَأَنَّثَ الطَّرِيقَة عَلَى اللَّفْظ , وَإِنْ كَانَ يُرَاد بِهَا الرِّجَال . وَيَجُوز أَنْ يَكُون التَّأْنِيث عَلَى الْجَمَاعَة . وَقَالَ الْكِسَائِيّ : " بِطَرِيقَتِكُمْ " بِسُنَّتِكُمْ وَسَمْتكُمْ . و " الْمُثْلَى " نَعْت كَقَوْلِك اِمْرَأَة كُبْرَى . تَقُول الْعَرَب : فُلَان عَلَى الطَّرِيقَة الْمُثْلَى يَعْنُونَ عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيم .
قُلْت : وَلِلْعُلَمَاءِ فِي قِرَاءَة أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة سِتَّة أَقْوَال ذَكَرَهَا اِبْن الْأَنْبَارِيّ فِي آخِر كِتَاب الرَّدّ لَهُ , وَالنَّحَّاس فِي إِعْرَابه , وَالْمَهْدَوِيّ فِي تَفْسِيره , وَغَيْرهمْ أَدْخَلَ كَلَام بَعْضهمْ فِي بَعْض . وَقَدْ خَطَّأَهَا قَوْم حَتَّى قَالَ أَبُو عَمْرو : إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ اللَّه أَنْ أَقْرَأ " إِنَّ هَذَانِ " وَرَوَى عُرْوَة عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قَوْله تَعَالَى " لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم " ثُمَّ قَالَ : " وَالْمُقِيمِينَ " وَفِي " الْمَائِدَة " " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ " [ الْمَائِدَة : 69 ] و " إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ " فَقَالَتْ يَا ابْن أُخْتِي ! هَذَا خَطَأ مِنْ الْكَاتِب . وَقَالَ عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : فِي الْمُصْحَف لَحْن وَسَتُقِيمُهُ الْعَرَب بِأَلْسِنَتِهِمْ . وَقَالَ أَبَان بْن عُثْمَان : قَرَأْت هَذِهِ الْآيَة عِنْد أَبِي عُثْمَان بْن عَفَّان , فَقَالَ لَحْن وَخَطَأ ; فَقَالَ لَهُ قَائِل : أَلَا تُغَيِّرُوهُ ؟ فَقَالَ : دَعُوهُ فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّم حَلَالًا وَلَا يُحَلِّل حَرَامًا . الْقَوْل الْأَوَّل مِنْ الْأَقْوَال السِّتَّة أَنَّهَا لُغَة بَنِي الْحَارِث بْن كَعْب وَزُبَيْد وَخَثْعَمَ وَكِنَانَة بْن زَيْد يَجْعَلُونَ رَفْع الِاثْنَيْنِ وَنَصْبه وَخَفْضه بِالْأَلِفِ ; يَقُولُونَ : جَاءَ الزَّيْدَان وَرَأَيْت الزَّيْدَان وَمَرَرْت بِالزَّيْدَانِ , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ " [ يُونُس : 16 ] عَلَى مَا تَقَدَّمَ . وَأَنْشَدَ الْفَرَّاء لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَد - قَالَ : وَمَا رَأَيْت أَفْصَح مِنْهُ : فَأَطْرَقَ إِطْرَاق الشُّجَاع وَلَوْ يَرَى مَسَاغًا لِنَابَاهُ الشُّجَاع لَصَمَّمَا وَيَقُولُونَ كَسَرْت يَدَاهُ وَرَكِبْت عَلَاهُ ; يَدَيْهِ وَعَلَيْهِ ; قَالَ شَاعِرهمْ [ هوبر الْحَارِثِيّ ] : تَزَوَّدَ مِنَّا بَيْن أُذْنَيْهِ ضَرْبَة دَعَتْهُ إِلَى هَابِي التُّرَاب عَقِم وَقَالَ آخَر : طَارُوا عَلَاهُنَّ فَطِرْ عَلَاهَا أَيْ عَلَيْهِنَّ وَعَلَيْهَا وَقَالَ آخَر : إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا قَدْ بَلَغَا فِي الْمَجْد غَايَتَاهَا أَيْ إِنَّ أَبَا أَبِيهَا وَغَايَتَيْهَا . قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : وَهَذَا الْقَوْل مِنْ أَحْسَن مَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ الْآيَة ; إِذْ كَانَتْ هَذِهِ اللُّغَة مَعْرُوفَة , وَقَدْ حَكَاهَا مَنْ يُرْتَضَى بِعِلْمِهِ وَأَمَانَته ; مِنْهُمْ أَبُو زَيْد الْأَنْصَارِيّ وَهُوَ الَّذِي يَقُول : إِذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ حَدَّثَنِي مَنْ أَثِق بِهِ فَإِنَّمَا يَعْنِينِي ; وَأَبُو الْخَطَّاب الْأَخْفَش وَهُوَ رَئِيس مِنْ رُؤَسَاء اللُّغَة , وَالْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء كُلّهمْ قَالُوا هَذَا عَلَى لُغَة بَنِي الْحَارِث بْن كَعْب . وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَة عَنْ أَبِي الْخَطَّاب أَنَّ هَذِهِ لُغَة بَنِي كِنَانَة . الْمَهْدَوِيّ : وَحَكَى غَيْره أَنَّهَا لُغَة لِخَثْعَمَ . قَالَ النَّحَّاس وَمِنْ أَبْيَن مَا فِي هَذَا قَوْل سِيبَوَيْهِ : وَاعْلَمْ أَنَّك إِذَا ثَنَّيْت الْوَاحِد زِدْت عَلَيْهِ زَائِدَتَيْنِ , الْأُولَى مِنْهُمَا حَرْف مَدّ وَلِين وَهُوَ حَرْف الْإِعْرَاب ; قَالَ أَبُو جَعْفَر فَقَوْل سِيبَوَيْهِ : وَهُوَ حَرْف الْإِعْرَاب , يُوجِب أَنَّ الْأَصْل أَلَّا يَتَغَيَّر , فَيَكُون " إِنَّ هَذَانِ " جَاءَ عَلَى أَصْله لِيُعْلَم ذَلِكَ , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى " اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَان " [ الْمُجَادَلَة : 19 ] وَلَمْ يَقُلْ اسْتَحَاذ ; فَجَاءَ هَذَا لِيَدُلّ عَلَى الْأَصْل , وَكَذَلِكَ " إِنَّ هَذَانِ " وَلَا يُفَكَّر فِي إِنْكَار مَنْ أَنْكَرَ هَذِهِ اللُّغَة إِذَا كَانَ الْأَئِمَّة قَدْ رَوَوْهَا . الْقَوْل الثَّانِي أَنْ يَكُون " إِنَّ " بِمَعْنَى نَعَمْ ; كَمَا حَكَى الْكِسَائِيّ عَنْ عَاصِم قَالَ : الْعَرَب تَأْتِي ب " إِنَّ " بِمَعْنَى نَعَمْ , وَحَكَى سِيبَوَيْهِ أَنَّ " إِنَّ " تَأْتِي بِمَعْنَى أَجَل , وَإِلَى هَذَا الْقَوْل كَانَ مُحَمَّد بْن يَزِيد وَإِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق الْقَاضِي يَذْهَبَانِ ; قَالَ النَّحَّاس : وَرَأَيْت أَبَا إِسْحَاق الزَّجَّاج وَعَلِيّ بْن سُلَيْمَان يَذْهَبَانِ إِلَيْهِ . الزَّمَخْشَرِيّ : وَقَدْ أَعُجِبَ بِهِ أَبُو إِسْحَاق . النَّحَّاس : وَحَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سُلَيْمَان , قَالَ حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عَبْد السَّلَام النَّيْسَابُورِيّ , ثُمَّ لَقِيت عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد [ هَذَا ] فَحَدَّثَنِي , قَالَ حَدَّثَنِي عُمَيْر بْن الْمُتَوَكِّل , قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مُوسَى النَّوْفَلِيّ مِنْ وَلَد حَارِث بْن عَبْد الْمُطَّلِب , قَالَ حَدَّثَنَا عُمَر بْن جُمَيْع الْكُوفِيّ عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيّ - وَهُوَ اِبْن الْحُسَيْن - عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ , قَالَ : لَا أُحْصِي كَمْ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول عَلَى مِنْبَره : " إِنَّ الْحَمْد لِلَّهِ نَحْمَدهُ وَنَسْتَعِينهُ " ثُمَّ يَقُول : " أَنَا أَفْصَح قُرَيْش كُلّهَا وَأَفْصَحهَا بَعْدِي أَبَان بْن سَعِيد بْن الْعَاص " قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْخَفَّاف قَالَ عُمَيْر : إِعْرَابه عِنْد أَهْل الْعَرَبِيَّة وَالنَّحْو " إِنَّ الْحَمْد لِلَّهِ " بِالنَّصْبِ إِلَّا أَنَّ الْعَرَب تَجْعَل " إِنَّ " فِي مَعْنَى نَعَمْ كَأَنَّهُ أَرَادَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; نَعَمْ الْحَمْد لِلَّهِ ; وَذَلِكَ أَنَّ خُطَبَاء الْجَاهِلِيَّة كَانَتْ تَفْتَتِح خُطَبهَا بِنَعَمْ . وَقَالَ الشَّاعِر فِي مَعْنَى نَعَمْ : قَالُوا غَدَرْت فَقُلْت إِنَّ وَرُبَّمَا نَالَ الْعُلَا وَشَفَى الْغَلِيل الْغَادِر وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن قَيْس الرُّقَيَّات بَكَرَ الْعَوَاذِل فِي الصَّبَا حِ يَلُمْنَنِي وَأَلُومُهُنَّهْ ش وَيَقُلْنَ شَيْب قَدْ عَلَا /و كَ وَقَدْ كَبِرْت فَقُلْت إِنَّهْ فَعَلَى هَذَا جَائِز أَنْ يَكُون قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " إِنَّ هَذَانِ سَاحِرَانِ " بِمَعْنَى نَعَمْ وَلَا تُنْصَب . قَالَ النَّحَّاس : أَنْشَدَنِي دَاوُد بْن الْهَيْثَم , قَالَ أَنْشَدَنِي ثَعْلَب لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لِلْمُحِبِّ شِفَاء /و مِنْ جَوَى حُبّهنَّ إِنَّ اللِّقَاءُ قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا قَوْل حَسَن إِلَّا أَنَّ فِيهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَال : نَعَمْ زَيْد خَارِج , وَلَا تَكَاد تَقَع اللَّام هَاهُنَا , وَإِنْ كَانَ النَّحْوِيُّونَ قَدْ تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ فَقَالُوا اللَّام يَنْوِي بِهَا التَّقْدِيم ; كَمَا قَالَ : خَالِي لَأَنْتَ وَمَنْ جَرِير خَاله /و يَنَلْ الْعَلَاء وَيُكْرِم الْأَخْوَالَا آخَر أُمّ الْحُلَيْس لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ /و تَرْضَى مِنْ الشَّاة بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ أَيْ لَخَالِي وَلَأُمِّ الْحُلَيْس ; وَقَالَ الزَّجَّاج : وَالْمَعْنَى فِي الْآيَة إِنَّ هَذَانِ لَهُمَا سَاحِرَانِ ثُمَّ حَذَفَ الْمُبْتَدَأ . الْمَهْدَوِيّ : وَأَنْكَرَهُ أَبُو عَلِيّ وَأَبُو الْفَتْح بْن جِنِّيّ . قَالَ أَبُو الْفَتْح : " هُمَا " الْمَحْذُوف لَمْ يُحْذَف إِلَّا بَعْد أَنْ عُرِفَ , وَإِذَا كَانَ مَعْرُوفًا فَقَدْ اسْتُغْنِيَ بِمَعْرِفَتِهِ عَنْ تَأْكِيده بِاللَّامِ , وَيَقْبُح أَنْ تَحْذِف الْمُؤَكَّد وَتَتْرُك الْمُؤَكِّد . الْقَوْل الثَّالِث قَالَ الْفَرَّاء أَيْضًا : وَجَدْت الْأَلِف دِعَامَة لَيْسَتْ بِلَامِ الْفِعْل فَزِدْت عَلَيْهَا نُونًا وَلَمْ أُغَيِّرهَا كَمَا قُلْت : " الَّذِي " ثُمَّ زِدْت عَلَيْهِ نُونًا فَقُلْت : جَاءَنِي الَّذِينَ عِنْدك , وَرَأَيْت الَّذِينَ عِنْدك , وَمَرَرْت بِاَلَّذِينَ عِنْدك الْقَوْل الرَّابِع قَالَهُ بَعْض الْكُوفِيِّينَ قَالَ الْأَلِف فِي " هَذَانِ " مُشَبَّهَة بِالْأَلِفِ فِي يَفْعَلَانِ فَلَمْ تُغَيَّر . الْقَوْل الْخَامِس : قَالَ أَبُو إِسْحَاق : النَّحْوِيُّونَ الْقُدَمَاء يَقُولُونَ الْهَاء هَاهُنَا مُضْمَرَة , وَالْمَعْنَى إِنَّهُ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ; قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : فَأُضْمِرَتْ الْهَاء الَّتِي هِيَ مَنْصُوب " إِنَّ " و " هَذَانِ " خَبَر" إِنَّ " و " سَاحِرَانِ " يَرْفَعهَا " هُمَا " الْمُضْمَر [ وَالتَّقْدِير ] إِنَّهُ هَذَانِ لَهُمَا سَاحِرَانِ . وَالْأَشْبَه عِنْد أَصْحَاب أَهْل هَذَا الْجَوَاب أَنَّ الْهَاء اِسْم " إِنَّ " و " هَذَانِ " رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَمَا بَعْده خَبَر الِابْتِدَاء . الْقَوْل السَّادِس قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس وَسَأَلْت أَبَا الْحَسَن بْن كَيْسَان عَنْ هَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ : إِنْ شِئْت أَجَبْتُك بِجَوَابِ النَّحْوِيِّينَ , وَإِنْ شِئْت أَجَبْتُك بِقَوْلِي ; فَقُلْت بِقَوْلِك ; فَقَالَ : سَأَلَنِي إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق عَنْهَا فَقُلْت . الْقَوْل عِنْدِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُقَال " هَذَا " فِي مَوْضِع الرَّفْع وَالنَّصْب وَالْخَفْض عَلَى حَال وَاحِدَة , وَكَانَتْ التَّثْنِيَة يَجِب أَلَّا يُغَيَّر لَهَا الْوَاحِد أُجْرِيَتْ التَّثْنِيَة مَجْرَى الْوَاحِدَة ; فَقَالَ مَا أَحْسَنَ هَذَا لَوْ تَقَدَّمَك أَحَد بِالْقَوْلِ بِهِ حَتَّى يُؤْنَس بِهِ ; قَالَ اِبْن كَيْسَان : فَقُلْت لَهُ : فَيَقُول الْقَاضِي بِهِ حَتَّى يُؤْنِس بِهِ ; فَتَبَسَّمَ .
هَذَا مِنْ قَوْل فِرْعَوْن لِلسَّحَرَةِ ; أَيْ غَرَضهمَا إِفْسَاد دِينكُمْ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ ; كَمَا قَالَ فِرْعَوْن " إِنِّي أَخَاف أَنْ يُبَدِّل دِينكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِر فِي الْأَرْض الْفَسَاد " [ غَافِر : 26 ] . وَيُقَال فُلَان حَسَن الطَّرِيقَة أَيْ حَسَن الْمَذْهَب . وَقِيلَ : طَرِيقَة الْقَوْم أَفْضَل الْقَوْل ; وَهَذَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَسْلُكُوا طَرِيقَته وَيَقْتَدُوا بِهِ ; فَالْمَعْنَى : وَيَذْهَبَا بِسَادَتِكُمْ وَرُؤَسَائِكُمْ ; اِسْتِمَالَة لَهُمْ . أَوْ يَذْهَبَا بِبَنِي إِسْرَائِيل وَهُمْ الْأَمَاثِل وَإِنْ كَانُوا خَوَلًا لَكُمْ لِمَا يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ مِنْ الِانْتِسَاب إِلَى الْأَنْبِيَاء . أَوْ يَذْهَبَا بِأَهْلِ طَرِيقَتكُمْ فَحَذَفَ الْمُضَاف . و " الْمُثْلَى " تَأْنِيث الْأَمْثَل ; كَمَا يُقَال الْأَفْضَل وَالْفُضْلَى . وَأَنَّثَ الطَّرِيقَة عَلَى اللَّفْظ , وَإِنْ كَانَ يُرَاد بِهَا الرِّجَال . وَيَجُوز أَنْ يَكُون التَّأْنِيث عَلَى الْجَمَاعَة . وَقَالَ الْكِسَائِيّ : " بِطَرِيقَتِكُمْ " بِسُنَّتِكُمْ وَسَمْتكُمْ . و " الْمُثْلَى " نَعْت كَقَوْلِك اِمْرَأَة كُبْرَى . تَقُول الْعَرَب : فُلَان عَلَى الطَّرِيقَة الْمُثْلَى يَعْنُونَ عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيم .
الْإِجْمَاع الْإِحْكَام وَالْعَزْم عَلَى الشَّيْء . تَقُول : أَجْمَعْت الْخُرُوج وَعَلَى الْخُرُوج أَيْ عَزَمْت . وَقِرَاءَة كُلّ الْأَمْصَار " فَأَجْمِعُوا " إِلَّا أَبَا عَمْرو فَإِنَّهُ قَرَأَ " فَاجْمَعُوا " بِالْوَصْلِ وَفَتَحَ الْمِيم . وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ : " فَجَمَعَ كَيْده ثُمَّ أَتَى " . قَالَ النَّحَّاس وَفِيمَا حُكِيَ لِي عَنْ مُحَمَّد بْن يَزِيد أَنَّهُ قَالَ يَجِب عَلَى أَبِي عَمْرو أَنْ يَقْرَأ بِخِلَافِ قِرَاءَته هَذِهِ , وَهِيَ الْقِرَاءَة الَّتِي عَلَيْهَا أَكْثَر النَّاس . قَالَ : لِأَنَّهُ اِحْتَجَّ ب " جَمَعَ " وَقَوْله عَزَّ وَجَلَّ : " فَجَمَعَ كَيْده " قَدْ ثَبَتَ هَذَا فَيَبْعُد أَنْ يَكُون بَعْده " فَاجْمَعُوا " وَيَقْرَب أَنْ يَكُون بَعْده " فَأَجْمِعُوا " أَيْ اِعْزِمُوا وَجِدُّوا ; وَلَمَّا تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُون هَذَا بِخِلَافِ مَعْنَاهُ يُقَال : أَمْر مُجْمَع وَمُجْمَع عَلَيْهِ . قَالَ النَّحَّاس : وَيُصَحِّح قِرَاءَة أَبِي عَمْرو " فَاجْمَعُوا " أَيْ اِجْمَعُوا كُلّ كَيْد لَكُمْ وَكُلّ حِيلَة فَضُمُّوهُ مَعَ أَخِيهِ . وَقَالَهُ أَبُو إِسْحَاق . الثَّعْلَبِيّ : الْقِرَاءَة بِقَطْعِ الْأَلِف وَكَسْر الْمِيم لَهَا وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : بِمَعْنَى الْجَمْع , تَقُول : أَجْمَعْت الشَّيْء جَمَعْته بِمَعْنًى وَاحِد , وَفِي الصِّحَاح : وَأَجْمَعْت الشَّيْء جَعَلْته جَمِيعًا ; قَالَ أَبُو ذُؤَيْب يَصِف حُمْرًا : فَكَأَنَّهَا بِالْجِزْعِ بَيْن نُبَايِع وَأُولَات ذِي الْعَرْجَاء نَهْب مُجْمَع أَيْ مَجْمُوع . وَالثَّانِي : أَنَّهُ بِمَعْنَى الْعَزْم وَالْإِحْكَام ; قَالَ الشَّاعِر : يَا لَيْتَ شِعْرِي وَالْمُنَى لَا تَنْفَع هَلْ أَغْدُوَنَّ يَوْمًا وَأَمْرِي مُجْمَع أَيْ مُحْكَم .
قَالَ مُقَاتِل وَالْكَلْبِيّ : جَمِيعًا . وَقِيلَ : صُفُوفًا لِيَكُونَ أَشَدّ لِهَيْبَتِكُمْ وَهُوَ مَنْصُوب بِوُقُوعِ الْفِعْل عَلَيْهِ عَلَى قَوْل أَبِي عُبَيْدَة ; قَالَ يُقَال : أَتَيْت الصَّفّ يَعْنِي الْمُصَلَّى ; فَالْمَعْنَى عِنْده اِئْتُوا الْمَوْضِع الَّذِي تَجْتَمِعُونَ فِيهِ يَوْم الْعِيد . وَحُكِيَ عَنْ بَعْض فُصَحَاء الْعَرَب : مَا قَدَرْت أَنْ آتِي الصَّفّ ; يَعْنِي الْمُصَلَّى . وَقَالَ الزَّجَّاج : يَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى ثُمَّ اِئْتُوا وَالنَّاس مُصْطَفُّونَ ; فَيَكُون عَلَى هَذَا مَصْدَرًا فِي مَوْضِع الْحَال . وَلِذَلِكَ لَمْ يُجْمَع . وَقُرِئَ " ثُمِّ ايِتُوا " بِكَسْرِ الْمِيم وَيَاء . وَمَنْ تَرَكَ الْهَمْزَة أَبْدَلَ مِنْ الْهَمْزَة أَلِفًا .
أَيْ مَنْ غَلَبَ . وَهَذَا كُلّه مِنْ قَوْل السَّحَرَة بَعْضهمْ لِبَعْضٍ . وَقِيلَ : مِنْ قَوْل فِرْعَوْن لَهُمْ .
قَالَ مُقَاتِل وَالْكَلْبِيّ : جَمِيعًا . وَقِيلَ : صُفُوفًا لِيَكُونَ أَشَدّ لِهَيْبَتِكُمْ وَهُوَ مَنْصُوب بِوُقُوعِ الْفِعْل عَلَيْهِ عَلَى قَوْل أَبِي عُبَيْدَة ; قَالَ يُقَال : أَتَيْت الصَّفّ يَعْنِي الْمُصَلَّى ; فَالْمَعْنَى عِنْده اِئْتُوا الْمَوْضِع الَّذِي تَجْتَمِعُونَ فِيهِ يَوْم الْعِيد . وَحُكِيَ عَنْ بَعْض فُصَحَاء الْعَرَب : مَا قَدَرْت أَنْ آتِي الصَّفّ ; يَعْنِي الْمُصَلَّى . وَقَالَ الزَّجَّاج : يَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى ثُمَّ اِئْتُوا وَالنَّاس مُصْطَفُّونَ ; فَيَكُون عَلَى هَذَا مَصْدَرًا فِي مَوْضِع الْحَال . وَلِذَلِكَ لَمْ يُجْمَع . وَقُرِئَ " ثُمِّ ايِتُوا " بِكَسْرِ الْمِيم وَيَاء . وَمَنْ تَرَكَ الْهَمْزَة أَبْدَلَ مِنْ الْهَمْزَة أَلِفًا .
أَيْ مَنْ غَلَبَ . وَهَذَا كُلّه مِنْ قَوْل السَّحَرَة بَعْضهمْ لِبَعْضٍ . وَقِيلَ : مِنْ قَوْل فِرْعَوْن لَهُمْ .
يُرِيد السَّحَرَة .
عَصَاك مِنْ يَدك
تَأَدَّبُوا مَعَ مُوسَى فَكَانَ ذَلِكَ سَبَب إِيمَانهمْ .
عَصَاك مِنْ يَدك
تَأَدَّبُوا مَعَ مُوسَى فَكَانَ ذَلِكَ سَبَب إِيمَانهمْ .
قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ↓
فِي الْكَلَام حَذْف , أَيْ فَأَلْقَوْا ; دَلَّ عَلَيْهِ الْمَعْنَى .
وَقَرَأَ الْحَسَن " وَعُصِيُّهُمْ " بِضَمِّ الْعَيْن . قَالَ هَارُون الْقَارِئ : لُغَة بَنِي تَمِيم " وَعُصِيُّهُمْ " وَبِهَا يَأْخُذ الْحَسَن . الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ اِتِّبَاعًا لِكِسْرَةِ الصَّاد . وَنَحْوه دُلِيّ وَدِلِيّ وَقُسِيّ وَقِسِيّ .
وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَأَبُو حَيْوَة وَابْن ذَكْوَان وَرَوْح عَنْ يَعْقُوب " تُخَيَّلُ " بِالتَّاءِ ; وَرَدُّوهُ إِلَى الْعِصِيّ وَالْحِبَال إِذْ هِيَ مُؤَنَّثَة . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَطَّخُوا الْعِصِيّ بِالزِّئْبَقِ , فَلَمَّا أَصَابَهَا حَرّ الشَّمْس اِرْتَهَشَتْ وَاهْتَزَّتْ . قَالَ الْكَلْبِيّ : خُيِّلَ إِلَى مُوسَى أَنَّ الْأَرْض حَيَّات وَأَنَّهَا تَسْعَى عَلَى بَطْنهَا .
وَقُرِئَ " تَخَيَّلُ " بِمَعْنَى تَتَخَيَّل وَطَرِيقه طَرِيق " تُخَيَّل " وَمَنْ قَرَأَ " يُخَيَّل " بِالْيَاءِ رَدَّهُ إِلَى الْكَيْد . وَقُرِئَ " نُخَيِّل " بِالنُّونِ عَلَى أَنَّ اللَّه هُوَ الْمُخَيِّل لِلْمِحْنَةِ وَالِابْتِلَاء . وَقِيلَ : الْفَاعِل " أَنَّهَا تَسْعَى " ف " أَنَّ " فِي مَوْضِع رَفْع ; أَيْ يُخَيَّل إِلَيْهِ سَعْيهَا ; قَالَهُ الزَّجَّاج . وَزَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّ مَوْضِعهَا مَوْضِع نَصْب ; أَيْ بِأَنَّهَا ثُمَّ حَذَفَ الْبَاء . وَالْمَعْنَى فِي الْوَجْه الْأَوَّل : تَشَبَّهَ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرهمْ وَكَيْدهمْ حَتَّى ظَنَّ أَنَّهَا تَسْعَى . وَقَالَ الزَّجَّاج وَمَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ جَعَلَ " أَنَّ " فِي مَوْضِع نَصْب أَيْ تَخَيَّلَ إِلَيْهِ ذَات سَعْي , قَالَ : وَيَجُوز أَنْ تَكُون فِي مَوْضِع رَفْع بَدَلًا مِنْ الضَّمِير فِي " تَخَيَّلُ " وَهُوَ عَائِد عَلَى الْحِبَال وَالْعِصِيّ , وَالْبَدَل فِيهِ بَدَل اِشْتِمَال . و " تَسْعَى " مَعْنَاهُ تَمْشِي .
وَقَرَأَ الْحَسَن " وَعُصِيُّهُمْ " بِضَمِّ الْعَيْن . قَالَ هَارُون الْقَارِئ : لُغَة بَنِي تَمِيم " وَعُصِيُّهُمْ " وَبِهَا يَأْخُذ الْحَسَن . الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ اِتِّبَاعًا لِكِسْرَةِ الصَّاد . وَنَحْوه دُلِيّ وَدِلِيّ وَقُسِيّ وَقِسِيّ .
وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَأَبُو حَيْوَة وَابْن ذَكْوَان وَرَوْح عَنْ يَعْقُوب " تُخَيَّلُ " بِالتَّاءِ ; وَرَدُّوهُ إِلَى الْعِصِيّ وَالْحِبَال إِذْ هِيَ مُؤَنَّثَة . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَطَّخُوا الْعِصِيّ بِالزِّئْبَقِ , فَلَمَّا أَصَابَهَا حَرّ الشَّمْس اِرْتَهَشَتْ وَاهْتَزَّتْ . قَالَ الْكَلْبِيّ : خُيِّلَ إِلَى مُوسَى أَنَّ الْأَرْض حَيَّات وَأَنَّهَا تَسْعَى عَلَى بَطْنهَا .
وَقُرِئَ " تَخَيَّلُ " بِمَعْنَى تَتَخَيَّل وَطَرِيقه طَرِيق " تُخَيَّل " وَمَنْ قَرَأَ " يُخَيَّل " بِالْيَاءِ رَدَّهُ إِلَى الْكَيْد . وَقُرِئَ " نُخَيِّل " بِالنُّونِ عَلَى أَنَّ اللَّه هُوَ الْمُخَيِّل لِلْمِحْنَةِ وَالِابْتِلَاء . وَقِيلَ : الْفَاعِل " أَنَّهَا تَسْعَى " ف " أَنَّ " فِي مَوْضِع رَفْع ; أَيْ يُخَيَّل إِلَيْهِ سَعْيهَا ; قَالَهُ الزَّجَّاج . وَزَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّ مَوْضِعهَا مَوْضِع نَصْب ; أَيْ بِأَنَّهَا ثُمَّ حَذَفَ الْبَاء . وَالْمَعْنَى فِي الْوَجْه الْأَوَّل : تَشَبَّهَ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرهمْ وَكَيْدهمْ حَتَّى ظَنَّ أَنَّهَا تَسْعَى . وَقَالَ الزَّجَّاج وَمَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ جَعَلَ " أَنَّ " فِي مَوْضِع نَصْب أَيْ تَخَيَّلَ إِلَيْهِ ذَات سَعْي , قَالَ : وَيَجُوز أَنْ تَكُون فِي مَوْضِع رَفْع بَدَلًا مِنْ الضَّمِير فِي " تَخَيَّلُ " وَهُوَ عَائِد عَلَى الْحِبَال وَالْعِصِيّ , وَالْبَدَل فِيهِ بَدَل اِشْتِمَال . و " تَسْعَى " مَعْنَاهُ تَمْشِي .
أَيْ أَضْمَرَ . وَقِيلَ : وَجَدَ . وَقِيلَ : أَحَسَّ . أَيْ مِنْ الْحَيَّات وَذَلِكَ عَلَى مَا يَعْرِض مِنْ طِبَاع الْبَشَر عَلَى مَا تَقَدَّمَ . وَقِيلَ : خَافَ أَنْ يَفْتَتِن النَّاس قَبْل أَنْ يُلْقِي عَصَاهُ . وَقِيلَ : خَافَ حِين أَبْطَأَ عَلَيْهِ الْوَحْي بِإِلْقَاءِ الْعَصَا أَنْ يَفْتَرِق النَّاس قَبْل ذَلِكَ فَيَفْتَتِنُوا . وَقَالَ بَعْض أَهْل الْحَقَائِق : إِنَّمَا كَانَ السَّبَب أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا اِلْتَقَى بِالسَّحَرَةِ وَقَالَ لَهُمْ : " وَيْلكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّه كَذِبًا فَيُسْحِتكُمْ بِعَذَابٍ " اِلْتَفَتَ فَإِذَا جِبْرِيل عَلَى يَمِينه فَقَالَ لَهُ يَا مُوسَى تَرَفَّقْ بِأَوْلِيَاءِ اللَّه . فَقَالَ مُوسَى : يَا جِبْرِيل هَؤُلَاءِ سَحَرَة جَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيم لِيُبْطِلُوا الْمُعْجِزَة , وَيَنْصُرُوا دِين فِرْعَوْن , وَيَرُدُّوا دِين اللَّه , تَقُول : تَرَفَّقْ بِأَوْلِيَاءِ اللَّه ! فَقَالَ جِبْرِيل : هُمْ مِنْ السَّاعَة إِلَى صَلَاة الْعَصْر عِنْدك , وَبَعْد صَلَاة الْعَصْر فِي الْجَنَّة . فَلَمَّا قَالَ لَهُ ذَلِكَ , أَوْجَسَ فِي نَفْس مُوسَى وَخَطَرَ أَنَّ مَا يُدْرِينِي مَا عِلْم اللَّه فِيَّ , فَلَعَلِّي أَكُون الْآن فِي حَالَة , وَعِلْم اللَّه فِيَّ عَلَى خِلَافهَا كَمَا كَانَ هَؤُلَاءِ .
فَلَمَّا عَلِمَ اللَّه مَا فِي قَلْبه أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ " لَا تَخَفْ إِنَّك أَنْتَ الْأَعْلَى " أَيْ الْغَالِب لَهُمْ فِي الدُّنْيَا , وَفِي الدَّرَجَات الْعُلَا فِي الْجَنَّة ; لِلنُّبُوَّةِ وَالِاصْطِفَاء الَّذِي آتَاك اللَّه بِهِ . وَأَصْل " خِيفَة " خِوْفَة فَانْقَلَبَتْ الْوَاو يَاء لِانْكِسَارِ الْخَاء .
وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ↓
وَلَمْ يَقُلْ وَأَلْقِ عَصَاك , فَجَائِز أَنْ يَكُون تَصْغِيرًا لَهَا ; أَيْ لَا تُبَالِ بِكَثْرَةِ حِبَالهمْ وَعِصِيّهمْ , وَأَلْقِ الْعُوَيْد الْفَرْد الصَّغِير الْجِرْم الَّذِي فِي يَمِينك , فَإِنَّهُ بِقُدْرَةِ اللَّه يَتَلَقَّفهَا عَلَى وَحْدَته وَكَثْرَتهَا , وَصِغَره وَعِظَمهَا . وَجَائِز أَنْ يَكُون تَعْظِيمًا لَهَا أَيْ لَا تَحْفِل بِهَذِهِ الْأَجْرَام الْكَثِيرَة الْكَبِيرَة فَإِنَّ فِي يَمِينك شَيْئًا أَعْظَم مِنْهَا كُلّهَا , وَهَذِهِ عَلَى كَثْرَتهَا أَقَلّ شَيْء وَأَنْزَرهُ عِنْدهَا ; فَأَلْقِهِ يَتَلَقَّفهَا بِإِذْنِ اللَّه وَيَمْحَقهَا .
و " تَلْقَف " بِالْجَزْمِ جَوَاب الْأَمْر ; كَأَنَّهُ قَالَ : إِنْ تُلْقِهِ تَتَلَقَّف ; أَيْ تَأْخُذ وَتَبْتَلِع . وَقَرَأَ السُّلَمِيّ وَحَفْص " تَلْقَف " سَاكِنَة اللَّام مِنْ لَقِفَ يَلْقَف لَقْفًا .
وَقَرَأَ اِبْن ذَكْوَان وَأَبُو حَيْوَة الشَّامِيّ وَيَحْيَى بْن الْحَارِث " تَلْقَفُ " بِحَذْفِ التَّاء وَرَفْع الْفَاء , عَلَى مَعْنَى فَإِنَّهَا تَتَلَقَّف .
وَالْخِطَاب لِمُوسَى . وَقِيلَ : لِلْعَصَا . وَاللَّقْف الْأَخْذ بِسُرْعَةٍ , يُقَال : لَقِفْت الشَّيْء " بِالْكَسْرِ " أَلْقَفهُ لَقْفًا , وَتَلَقَّفْته أَيْضًا أَيْ تَنَاوَلْته بِسُرْعَةٍ . عَنْ يَعْقُوب : يُقَال رَجُل لَقِف ثَقِف أَيْ خَفِيف حَاذِف . وَاللَّقَف " بِالتَّحْرِيكِ " سُقُوط الْحَائِط . وَلَقَدْ لَقِفَ الْحَوْض لَقْفًا أَيْ تَهَوَّرَ مِنْ أَسْفَله وَاتَّسَعَ . وَتَلْقَف وَتَلْقَم وَتَلْهَم بِمَعْنًى . لَقِمْت اللُّقْمَة " بِالْكَسْرِ " لَقْمًا , وَتَلَقَّمْتهَا إِذَا اِبْتَلَعْتهَا فِي مُهْلَة وَكَذَلِكَ لَهِمَهُ " بِالْكَسْرِ " إِذَا اِبْتَلَعَهُ
أَيْ الَّذِي صَنَعُوهُ وَكَذَا " إِنَّمَا صَنَعُوا " أَيْ إِنَّ الَّذِي صَنَعُوهُ .
" كَيْد " بِالرَّفْعِ " سِحْر " بِكَسْرِ السِّين وَإِسْكَان الْحَاء ; وَهِيَ قِرَاءَة الْكُوفِيِّينَ إِلَّا عَاصِمًا . وَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون الْكَيْد مُضَافًا إِلَى السِّحْر عَلَى الْإِتْبَاع مِنْ غَيْر تَقْدِير حَذْف . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُون فِي الْكَلَام حَذْف أَيْ كَيْد ذِي سِحْر . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ " كَيْد " بِالنَّصْبِ بِوُقُوعِ الصُّنْع عَلَيْهِ و " مَا " كَافَّة وَلَا تُضْمَر هَاء " سَاحِر " بِالْإِضَافَةِ . وَالْكَيْد فِي الْحَقِيقَة عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة مُضَاف لِلسَّاحِرِ لَا لِلسِّحْرِ . وَيَجُوز فَتْح " أَنَّ " عَلَى مَعْنَى لِأَنَّ مَا صَنَعُوا كَيْد سَاحِر .
أَيْ لَا يَفُوز وَلَا يَنْجُو حَيْثُ أَتَى مِنْ الْأَرْض . وَقِيلَ : حَيْثُ اِحْتَالَ . وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " حُكْم السَّاحِر وَمَعْنَى السِّحْر فَتَأَمَّلْهُ هُنَاكَ
و " تَلْقَف " بِالْجَزْمِ جَوَاب الْأَمْر ; كَأَنَّهُ قَالَ : إِنْ تُلْقِهِ تَتَلَقَّف ; أَيْ تَأْخُذ وَتَبْتَلِع . وَقَرَأَ السُّلَمِيّ وَحَفْص " تَلْقَف " سَاكِنَة اللَّام مِنْ لَقِفَ يَلْقَف لَقْفًا .
وَقَرَأَ اِبْن ذَكْوَان وَأَبُو حَيْوَة الشَّامِيّ وَيَحْيَى بْن الْحَارِث " تَلْقَفُ " بِحَذْفِ التَّاء وَرَفْع الْفَاء , عَلَى مَعْنَى فَإِنَّهَا تَتَلَقَّف .
وَالْخِطَاب لِمُوسَى . وَقِيلَ : لِلْعَصَا . وَاللَّقْف الْأَخْذ بِسُرْعَةٍ , يُقَال : لَقِفْت الشَّيْء " بِالْكَسْرِ " أَلْقَفهُ لَقْفًا , وَتَلَقَّفْته أَيْضًا أَيْ تَنَاوَلْته بِسُرْعَةٍ . عَنْ يَعْقُوب : يُقَال رَجُل لَقِف ثَقِف أَيْ خَفِيف حَاذِف . وَاللَّقَف " بِالتَّحْرِيكِ " سُقُوط الْحَائِط . وَلَقَدْ لَقِفَ الْحَوْض لَقْفًا أَيْ تَهَوَّرَ مِنْ أَسْفَله وَاتَّسَعَ . وَتَلْقَف وَتَلْقَم وَتَلْهَم بِمَعْنًى . لَقِمْت اللُّقْمَة " بِالْكَسْرِ " لَقْمًا , وَتَلَقَّمْتهَا إِذَا اِبْتَلَعْتهَا فِي مُهْلَة وَكَذَلِكَ لَهِمَهُ " بِالْكَسْرِ " إِذَا اِبْتَلَعَهُ
أَيْ الَّذِي صَنَعُوهُ وَكَذَا " إِنَّمَا صَنَعُوا " أَيْ إِنَّ الَّذِي صَنَعُوهُ .
" كَيْد " بِالرَّفْعِ " سِحْر " بِكَسْرِ السِّين وَإِسْكَان الْحَاء ; وَهِيَ قِرَاءَة الْكُوفِيِّينَ إِلَّا عَاصِمًا . وَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون الْكَيْد مُضَافًا إِلَى السِّحْر عَلَى الْإِتْبَاع مِنْ غَيْر تَقْدِير حَذْف . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُون فِي الْكَلَام حَذْف أَيْ كَيْد ذِي سِحْر . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ " كَيْد " بِالنَّصْبِ بِوُقُوعِ الصُّنْع عَلَيْهِ و " مَا " كَافَّة وَلَا تُضْمَر هَاء " سَاحِر " بِالْإِضَافَةِ . وَالْكَيْد فِي الْحَقِيقَة عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة مُضَاف لِلسَّاحِرِ لَا لِلسِّحْرِ . وَيَجُوز فَتْح " أَنَّ " عَلَى مَعْنَى لِأَنَّ مَا صَنَعُوا كَيْد سَاحِر .
أَيْ لَا يَفُوز وَلَا يَنْجُو حَيْثُ أَتَى مِنْ الْأَرْض . وَقِيلَ : حَيْثُ اِحْتَالَ . وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " حُكْم السَّاحِر وَمَعْنَى السِّحْر فَتَأَمَّلْهُ هُنَاكَ
لَمَّا رَأَوْا مِنْ عَظِيم الْأَمْر وَخَرْق الْعَادَة فِي الْعَصَا ; فَإِنَّهَا اِبْتَلَعَتْ جَمِيع مَا اِحْتَالُوا بِهِ مِنْ الْحِبَال وَالْعِصِيّ ; وَكَانَتْ حِمْل ثَلَثمِائَةِ بَعِير ثُمَّ عَادَتْ عَصَا لَا يَعْلَم أَحَد أَيْنَ ذَهَبَتْ الْحِبَال وَالْعِصِيّ إِلَّا اللَّه تَعَالَى . وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " هَذَا الْمَعْنَى وَأَمْر الْعَصَا مُسْتَوْفًى
أَيْ بِهِ ; يُقَال : آمَنَ لَهُ وَآمَنَ بِهِ ; وَمِنْهُ " فَآمَنَ لَهُ لُوط " [ الْعَنْكَبُوت : 26 ] وَفِي الْأَعْرَاف
أَيْ بِهِ ; يُقَال : آمَنَ لَهُ وَآمَنَ بِهِ ; وَمِنْهُ " فَآمَنَ لَهُ لُوط " [ الْعَنْكَبُوت : 26 ] وَفِي الْأَعْرَاف
قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى ↓
إِنْكَار مِنْهُ عَلَيْهِمْ ; أَيْ تَعَدَّيْتُمْ وَفَعَلْتُمْ مَا لَمْ آمُركُمْ بِهِ .
أَيْ رَئِيسكُمْ فِي التَّعْلِيم , وَإِنَّمَا غَلَبَكُمْ لِأَنَّهُ أَحْذَق بِهِ مِنْكُمْ . وَإِنَّمَا أَرَادَ فِرْعَوْن بِقَوْلِهِ هَذَا لِيُشَبِّه عَلَى النَّاس حَتَّى لَا يَتَّبِعُوهُمْ فَيُؤْمِنُوا كَإِيمَانِهِمْ , وَإِلَّا فَقَدْ عَلِمَ فِرْعَوْن أَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّمُوا مِنْ مُوسَى , بَلْ قَدْ عَلِمُوا السِّحْر قَبْل قُدُوم مُوسَى وَوِلَادَته .
أَيْ عَلَى جُذُوع النَّخْل . قَالَ سُوَيْد بْن أَبِي كَاهِل هُمْ صَلَبُوا الْعَبْدِيّ فِي جِذْع نَخْلَة فَلَا عَطَسَتْ شَيْبَان إِلَّا بِأَجْدَعَا فَقَطَّعَ وَصَلَّبَ حَتَّى مَاتُوا رَحِمَهُمْ اللَّه تَعَالَى . وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن هُنَا وَفِي الْأَعْرَاف " فَلَأُقَطِّعَنَّ " " ولَأُصَلِّبَنَّكُم " بِفَتْحِ الْأَلِف وَالتَّخْفِيف مِنْ قَطَعَ وَصَلَبَ .
يَعْنِي أَنَا أَمْ رَبّ مُوسَى .
أَيْ رَئِيسكُمْ فِي التَّعْلِيم , وَإِنَّمَا غَلَبَكُمْ لِأَنَّهُ أَحْذَق بِهِ مِنْكُمْ . وَإِنَّمَا أَرَادَ فِرْعَوْن بِقَوْلِهِ هَذَا لِيُشَبِّه عَلَى النَّاس حَتَّى لَا يَتَّبِعُوهُمْ فَيُؤْمِنُوا كَإِيمَانِهِمْ , وَإِلَّا فَقَدْ عَلِمَ فِرْعَوْن أَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّمُوا مِنْ مُوسَى , بَلْ قَدْ عَلِمُوا السِّحْر قَبْل قُدُوم مُوسَى وَوِلَادَته .
أَيْ عَلَى جُذُوع النَّخْل . قَالَ سُوَيْد بْن أَبِي كَاهِل هُمْ صَلَبُوا الْعَبْدِيّ فِي جِذْع نَخْلَة فَلَا عَطَسَتْ شَيْبَان إِلَّا بِأَجْدَعَا فَقَطَّعَ وَصَلَّبَ حَتَّى مَاتُوا رَحِمَهُمْ اللَّه تَعَالَى . وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن هُنَا وَفِي الْأَعْرَاف " فَلَأُقَطِّعَنَّ " " ولَأُصَلِّبَنَّكُم " بِفَتْحِ الْأَلِف وَالتَّخْفِيف مِنْ قَطَعَ وَصَلَبَ .
يَعْنِي أَنَا أَمْ رَبّ مُوسَى .
قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ↓
يَعْنِي السَّحَرَة
أَيْ لَنْ نَخْتَارك
قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد مِنْ الْيَقِين وَالْعِلْم . وَقَالَ عِكْرِمَة وَغَيْره : لَمَّا سَجَدُوا أَرَاهُمْ اللَّه فِي سُجُودهمْ مَنَازِلهمْ فِي الْجَنَّة ; فَلِهَذَا قَالُوا " لَنْ نُؤْثِرك " . وَكَانَتْ اِمْرَأَة فِرْعَوْن تَسْأَل مَنْ غَلَبَ , فَقِيلَ لَهَا : غَلَبَ مُوسَى وَهَارُون ; فَقَالَتْ : آمَنْت بِرَبِّ مُوسَى وَهَارُون . فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فِرْعَوْن فَقَالَ : اُنْظُرُوا أَعْظَم صَخْرَة فَإِنْ مَضَتْ عَلَى قَوْلهَا فَأَلْقُوهَا عَلَيْهَا ; فَلَمَّا أَتَوْهَا رَفَعَتْ بَصَرهَا إِلَى السَّمَاء فَأَبْصَرَتْ مَنْزِلهَا فِي الْجَنَّة , فَمَضَتْ عَلَى قَوْلهَا فَانْتَزَعَ رُوحهَا , وَأُلْقِيَتْ الصَّخْرَة عَلَى جَسَدهَا وَلَيْسَ فِي جَسَدهَا رُوح . وَقِيلَ : قَالَ مُقَدَّم السَّحَرَة لِمَنْ يَثِق بِهِ لَمَّا رَأَى مِنْ عَصَا مُوسَى مَا رَأَى : اُنْظُرْ إِلَى هَذِهِ الْحَيَّة هَلْ تَخَوَّفْت فَتَكُون جِنِّيًّا أَوْ لَمْ تَتَخَوَّف فَهِيَ مِنْ صَنْعَة الصَّانِع الَّذِي لَا يَعْزُب عَلَيْهِ مَصْنُوع ; فَقَالَ : مَا تَخَوَّفْت ; فَقَالَ : آمَنْت بِرَبِّ هَارُون وَمُوسَى .
قِيلَ : هُوَ مَعْطُوف عَلَى " مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَات " أَيْ لَنْ نُؤْثِرك عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَات وَلَا عَلَى الَّذِي فَطَرَنَا أَيْ خَلَقَنَا . وَقِيلَ : هُوَ قَسَم أَيْ وَاَللَّه لَنْ نُؤْثِرك .
التَّقْدِير مَا أَنْتَ قَاضِيه . وَلَيْسَتْ " مَا " هَاهُنَا الَّتِي تَكُون مَعَ الْفِعْل بِمَنْزِلَةِ الْمَصْدَر ; لِأَنَّ تِلْكَ تُوصَل بِالْأَفْعَالِ , وَهَذِهِ مَوْصُولَة بِابْتِدَاءٍ وَخَبَر . قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَاصْنَعْ مَا أَنْتَ صَانِع . وَقِيلَ : فَاحْكُمْ مَا أَنْتَ حَاكِم ; أَيْ مِنْ الْقَطْع وَالصَّلْب . وَحُذِفَتْ الْيَاء مِنْ قَاضٍ فِي الْوَصْل لِسُكُونِهَا وَسُكُون التَّنْوِين . وَاخْتَارَ سِيبَوَيْهِ إِثْبَاتهَا فِي الْوَقْف لِأَنَّهُ قَدْ زَالَتْ عِلَّة السَّاكِنَيْنِ .
أَيْ إِنَّمَا يَنْفُذ أَمْرك فِيهَا . وَهِيَ مَنْصُوبَة عَلَى الظَّرْف , وَالْمَعْنَى : إِنَّمَا تَقْضِي فِي مَتَاع هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا . أَوْ وَقْت هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا , فَتُقَدَّر حَذْف الْمَفْعُول . وَيَجُوز أَنْ يَكُون التَّقْدِير : إِنَّمَا تَقْضِي أُمُور هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا , فَتَنْتَصِب اِنْتِصَاب الْمَفْعُول و " مَا " كَافَّة لِإِنَّ . وَأَجَازَ الْفَرَّاء الرَّفْع عَلَى أَنْ تُجْعَل " مَا " بِمَعْنَى الَّذِي وَتُحْذَف الْهَاء مِنْ تَقْضِي وَرُفِعَتْ " هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا " .
أَيْ لَنْ نَخْتَارك
قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد مِنْ الْيَقِين وَالْعِلْم . وَقَالَ عِكْرِمَة وَغَيْره : لَمَّا سَجَدُوا أَرَاهُمْ اللَّه فِي سُجُودهمْ مَنَازِلهمْ فِي الْجَنَّة ; فَلِهَذَا قَالُوا " لَنْ نُؤْثِرك " . وَكَانَتْ اِمْرَأَة فِرْعَوْن تَسْأَل مَنْ غَلَبَ , فَقِيلَ لَهَا : غَلَبَ مُوسَى وَهَارُون ; فَقَالَتْ : آمَنْت بِرَبِّ مُوسَى وَهَارُون . فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فِرْعَوْن فَقَالَ : اُنْظُرُوا أَعْظَم صَخْرَة فَإِنْ مَضَتْ عَلَى قَوْلهَا فَأَلْقُوهَا عَلَيْهَا ; فَلَمَّا أَتَوْهَا رَفَعَتْ بَصَرهَا إِلَى السَّمَاء فَأَبْصَرَتْ مَنْزِلهَا فِي الْجَنَّة , فَمَضَتْ عَلَى قَوْلهَا فَانْتَزَعَ رُوحهَا , وَأُلْقِيَتْ الصَّخْرَة عَلَى جَسَدهَا وَلَيْسَ فِي جَسَدهَا رُوح . وَقِيلَ : قَالَ مُقَدَّم السَّحَرَة لِمَنْ يَثِق بِهِ لَمَّا رَأَى مِنْ عَصَا مُوسَى مَا رَأَى : اُنْظُرْ إِلَى هَذِهِ الْحَيَّة هَلْ تَخَوَّفْت فَتَكُون جِنِّيًّا أَوْ لَمْ تَتَخَوَّف فَهِيَ مِنْ صَنْعَة الصَّانِع الَّذِي لَا يَعْزُب عَلَيْهِ مَصْنُوع ; فَقَالَ : مَا تَخَوَّفْت ; فَقَالَ : آمَنْت بِرَبِّ هَارُون وَمُوسَى .
قِيلَ : هُوَ مَعْطُوف عَلَى " مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَات " أَيْ لَنْ نُؤْثِرك عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَات وَلَا عَلَى الَّذِي فَطَرَنَا أَيْ خَلَقَنَا . وَقِيلَ : هُوَ قَسَم أَيْ وَاَللَّه لَنْ نُؤْثِرك .
التَّقْدِير مَا أَنْتَ قَاضِيه . وَلَيْسَتْ " مَا " هَاهُنَا الَّتِي تَكُون مَعَ الْفِعْل بِمَنْزِلَةِ الْمَصْدَر ; لِأَنَّ تِلْكَ تُوصَل بِالْأَفْعَالِ , وَهَذِهِ مَوْصُولَة بِابْتِدَاءٍ وَخَبَر . قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَاصْنَعْ مَا أَنْتَ صَانِع . وَقِيلَ : فَاحْكُمْ مَا أَنْتَ حَاكِم ; أَيْ مِنْ الْقَطْع وَالصَّلْب . وَحُذِفَتْ الْيَاء مِنْ قَاضٍ فِي الْوَصْل لِسُكُونِهَا وَسُكُون التَّنْوِين . وَاخْتَارَ سِيبَوَيْهِ إِثْبَاتهَا فِي الْوَقْف لِأَنَّهُ قَدْ زَالَتْ عِلَّة السَّاكِنَيْنِ .
أَيْ إِنَّمَا يَنْفُذ أَمْرك فِيهَا . وَهِيَ مَنْصُوبَة عَلَى الظَّرْف , وَالْمَعْنَى : إِنَّمَا تَقْضِي فِي مَتَاع هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا . أَوْ وَقْت هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا , فَتُقَدَّر حَذْف الْمَفْعُول . وَيَجُوز أَنْ يَكُون التَّقْدِير : إِنَّمَا تَقْضِي أُمُور هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا , فَتَنْتَصِب اِنْتِصَاب الْمَفْعُول و " مَا " كَافَّة لِإِنَّ . وَأَجَازَ الْفَرَّاء الرَّفْع عَلَى أَنْ تُجْعَل " مَا " بِمَعْنَى الَّذِي وَتُحْذَف الْهَاء مِنْ تَقْضِي وَرُفِعَتْ " هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا " .
إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ↓
أَيْ صَدَّقْنَا بِاَللَّهِ وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَمَا جَاءَنَا بِهِ مُوسَى .
يُرِيدُونَ الشِّرْك الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ .
" مَا " فِي مَوْضِع نَصْب مَعْطُوفَة عَلَى الْخَطَايَا . وَقِيلَ : لَا مَوْضِع لَهَا وَهَي نَافِيَة ; أَيْ لِيَغْفِر لَنَا خَطَايَانَا مِنْ السِّحْر وَمَا أَكْرَهْتنَا عَلَيْهِ . النَّحَّاس : وَالْأَوَّل أَوْلَى . الْمَهْدَوِيّ : وَفِيهِ بُعْد ; لِقَوْلِهِمْ : " إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ " وَلَيْسَ هَذَا بِقَوْلِ مُكْرَهِينَ ; وَلِأَنَّ الْإِكْرَاه لَيْسَ بِذَنْبٍ , وَإِنْ كَانَ يَجُوز أَنْ يَكُونُوا أُكْرِهُوا عَلَى تَعْلِيمه صِغَارًا . قَالَ الْحَسَن : كَانُوا يُعَلَّمُونَ السِّحْر أَطْفَالًا ثُمَّ عَمِلُوهُ مُخْتَارِينَ بَعْد . وَيَجُوز أَنْ يَكُون " مَا " فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَيُضْمَر الْخَبَر , وَالتَّقْدِير : وَمَا أَكْرَهْتنَا عَلَيْهِ مِنْ السِّحْر مَوْضُوع عَنَّا . و " مِنْ السِّحْر " عَلَى هَذَا الْقَوْل وَالْقَوْل الْأَوَّل يَتَعَلَّق ب " أَكْرَهْتنَا " . وَعَلَى أَنَّ " مَا " نَافِيَة يَتَعَلَّق ب " خَطَايَانَا " .
أَيْ ثَوَابه خَيْر وَأَبْقَى فَحَذَفَ الْمُضَاف ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقِيلَ : اللَّه خَيْر لَنَا مِنْك وَأَبْقَى عَذَابًا لَنَا مِنْ عَذَابك لَنَا . وَهُوَ جَوَاب قَوْله " وَلَتَعْلَمُنَّ أَيّنَا أَشَدّ عَذَابًا وَأَبْقَى " وَقِيلَ : اللَّه خَيْر لَنَا إِنْ أَطَعْنَاهُ , وَأَبْقَى عَذَابًا مِنْك إِنْ عَصَيْنَاهُ .
يُرِيدُونَ الشِّرْك الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ .
" مَا " فِي مَوْضِع نَصْب مَعْطُوفَة عَلَى الْخَطَايَا . وَقِيلَ : لَا مَوْضِع لَهَا وَهَي نَافِيَة ; أَيْ لِيَغْفِر لَنَا خَطَايَانَا مِنْ السِّحْر وَمَا أَكْرَهْتنَا عَلَيْهِ . النَّحَّاس : وَالْأَوَّل أَوْلَى . الْمَهْدَوِيّ : وَفِيهِ بُعْد ; لِقَوْلِهِمْ : " إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ " وَلَيْسَ هَذَا بِقَوْلِ مُكْرَهِينَ ; وَلِأَنَّ الْإِكْرَاه لَيْسَ بِذَنْبٍ , وَإِنْ كَانَ يَجُوز أَنْ يَكُونُوا أُكْرِهُوا عَلَى تَعْلِيمه صِغَارًا . قَالَ الْحَسَن : كَانُوا يُعَلَّمُونَ السِّحْر أَطْفَالًا ثُمَّ عَمِلُوهُ مُخْتَارِينَ بَعْد . وَيَجُوز أَنْ يَكُون " مَا " فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَيُضْمَر الْخَبَر , وَالتَّقْدِير : وَمَا أَكْرَهْتنَا عَلَيْهِ مِنْ السِّحْر مَوْضُوع عَنَّا . و " مِنْ السِّحْر " عَلَى هَذَا الْقَوْل وَالْقَوْل الْأَوَّل يَتَعَلَّق ب " أَكْرَهْتنَا " . وَعَلَى أَنَّ " مَا " نَافِيَة يَتَعَلَّق ب " خَطَايَانَا " .
أَيْ ثَوَابه خَيْر وَأَبْقَى فَحَذَفَ الْمُضَاف ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقِيلَ : اللَّه خَيْر لَنَا مِنْك وَأَبْقَى عَذَابًا لَنَا مِنْ عَذَابك لَنَا . وَهُوَ جَوَاب قَوْله " وَلَتَعْلَمُنَّ أَيّنَا أَشَدّ عَذَابًا وَأَبْقَى " وَقِيلَ : اللَّه خَيْر لَنَا إِنْ أَطَعْنَاهُ , وَأَبْقَى عَذَابًا مِنْك إِنْ عَصَيْنَاهُ .
قِيلَ هُوَ مِنْ قَوْل السَّحَرَة لَمَّا آمَنُوا . وَقِيلَ اِبْتِدَاء كَلَام مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَالْكِنَايَة فِي " إِنَّهُ " تَرْجِع إِلَى الْأَمْر وَالشَّأْن . وَيَجُوز إِنَّ مَنْ يَأْتِ , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : إِنَّ مَنْ يَدْخُل الْكَنِيسَة يَوْمًا يَلْقَ فِيهَا جَآذِرًا وَظِبَاء أَرَادَ إِنَّهُ مَنْ يَدْخُل ; أَيْ إِنَّ الْأَمْر هَذَا ; أَنَّ الْمُجْرِم يَدْخُل النَّار , وَالْمُؤْمِن يَدْخُل الْجَنَّة . وَالْمُجْرِم الْكَافِر . وَقِيلَ : الَّذِي يَقْتَرِف الْمَعَاصِي وَيَكْتَسِبهَا . وَمَعْنَى " مَنْ يَأْتِ رَبّه مُجْرِمًا " مَنْ يَأْتِ مَوْعِد رَبّه .
وَهَذِهِ صِفَة الْكَافِر الْمُكَذِّب الْجَاحِد - عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة " النِّسَاء " وَغَيْرهَا - فَلَا يَنْتَفِع بِحَيَاتِهِ وَلَا يَسْتَرِيح بِمَوْتِهِ . قَالَ الشَّاعِر : أَلَا مَنْ لِنَفْسٍ لَا تَمُوت فَيَنْقَضِي شَقَاهَا وَلَا تَحْيَا حَيَاة لَهَا طَعْم وَقِيلَ : نَفْس الْكَافِر مُعَلَّقَة فِي حَنْجَرَته كَمَا أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ فَلَا يَمُوت بِفِرَاقِهَا , وَلَا يَحْيَا بِاسْتِقْرَارِهَا .
وَهَذِهِ صِفَة الْكَافِر الْمُكَذِّب الْجَاحِد - عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة " النِّسَاء " وَغَيْرهَا - فَلَا يَنْتَفِع بِحَيَاتِهِ وَلَا يَسْتَرِيح بِمَوْتِهِ . قَالَ الشَّاعِر : أَلَا مَنْ لِنَفْسٍ لَا تَمُوت فَيَنْقَضِي شَقَاهَا وَلَا تَحْيَا حَيَاة لَهَا طَعْم وَقِيلَ : نَفْس الْكَافِر مُعَلَّقَة فِي حَنْجَرَته كَمَا أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ فَلَا يَمُوت بِفِرَاقِهَا , وَلَا يَحْيَا بِاسْتِقْرَارِهَا .
أَيْ يَمُتْ عَلَيْهِ وَيُوَافِيه مُصَدِّقًا بِهِ .
أَيْ وَقَدْ عَمِلَ " الصَّالِحَات " أَيْ الطَّاعَات وَمَا أُمِرَ بِهِ وَنُهِيَ عَنْهُ .
أَيْ الرَّفِيعَة الَّتِي قَصُرَتْ دُونهَا الصِّفَات . وَدَلَّ قَوْله : " وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا " عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْمُجْرِمِ الْمُشْرِك .
أَيْ وَقَدْ عَمِلَ " الصَّالِحَات " أَيْ الطَّاعَات وَمَا أُمِرَ بِهِ وَنُهِيَ عَنْهُ .
أَيْ الرَّفِيعَة الَّتِي قَصُرَتْ دُونهَا الصِّفَات . وَدَلَّ قَوْله : " وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا " عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْمُجْرِمِ الْمُشْرِك .
بَيَان لِلدَّرَجَاتِ وَبَدَل مِنْهَا , وَالْعَدْن الْإِقَامَة . وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه
أَيْ مِنْ تَحْت غُرَفهَا وَسُرَرهَا
مِنْ الْخَمْر وَالْعَسَل وَاللَّبَن وَالْمَاء . وَقَدْ تَقَدَّمَ
أَيْ مَاكِثِينَ دَائِمِينَ .
أَيْ مَنْ تَطَهَّرَ مِنْ الْكُفْر وَالْمَعَاصِي . وَمَنْ قَالَ هَذَا مِنْ قَوْل السَّحَرَة قَالَ : لَعَلَّ السَّحَرَة سَمِعُوهُ مِنْ مُوسَى أَوْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل إِذْ كَانَ فِيهِمْ بِمِصْر أَقْوَام , وَكَانَ فِيهِمْ أَيْضًا الْمُؤْمِن مِنْ آل فِرْعَوْن . قُلْت : وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون ذَلِكَ إِلْهَامًا مِنْ اللَّه لَهُمْ أَنْطَقَهُمْ بِذَلِكَ لَمَّا آمَنُوا ; وَاَللَّه أَعْلَم .
أَيْ مِنْ تَحْت غُرَفهَا وَسُرَرهَا
مِنْ الْخَمْر وَالْعَسَل وَاللَّبَن وَالْمَاء . وَقَدْ تَقَدَّمَ
أَيْ مَاكِثِينَ دَائِمِينَ .
أَيْ مَنْ تَطَهَّرَ مِنْ الْكُفْر وَالْمَعَاصِي . وَمَنْ قَالَ هَذَا مِنْ قَوْل السَّحَرَة قَالَ : لَعَلَّ السَّحَرَة سَمِعُوهُ مِنْ مُوسَى أَوْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل إِذْ كَانَ فِيهِمْ بِمِصْر أَقْوَام , وَكَانَ فِيهِمْ أَيْضًا الْمُؤْمِن مِنْ آل فِرْعَوْن . قُلْت : وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون ذَلِكَ إِلْهَامًا مِنْ اللَّه لَهُمْ أَنْطَقَهُمْ بِذَلِكَ لَمَّا آمَنُوا ; وَاَللَّه أَعْلَم .
وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لّا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى ↓
لَمَّا كَانَ مِنْ سُنَّته تَعَالَى فِي عِبَاده إِنْجَاء الْمُؤْمِنِينَ الْمُصَدِّقِينَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ , الْمُعْتَرِفِينَ بِرِسَالَةِ رُسُله وَأَنْبِيَائِهِ , وَإِهْلَاك الْكَافِرِينَ الْمُكَذِّبِينَ لَهُمْ مِنْ أَعْدَائِهِ , أُمِرَ مُوسَى أَنْ يَخْرُج بِبَنِي إِسْرَائِيل لَيْلًا وَسَمَّاهُمْ عِبَاده ; لِأَنَّهُمْ آمَنُوا بِمُوسَى .
أَيْ يَابِسًا لَا طِين فِيهِ وَلَا مَاء . وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " ضَرْب مُوسَى الْبَحْر وَكُنْيَته إِيَّاهُ وَإِغْرَاق فِرْعَوْن فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ "
أَيْ لِحَاقًا مِنْ فِرْعَوْن وَجُنُوده .
" وَلَا تَخْشَى " قَالَ اِبْن جُرَيْج قَالَ أَصْحَاب مُوسَى : هَذَا فِرْعَوْن قَدْ أَدْرَكَنَا , وَهَذَا الْبَحْر قَدْ غَشِيَنَا , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى " لَا تَخَاف دَرَكًا وَلَا تَخْشَى " أَيْ لَا تَخَاف دَرَكًا مِنْ فِرْعَوْن وَلَا تَخْشَى غَرَقًا مِنْ الْبَحْر أَنْ يَمَسَّك إِنْ غَشِيَك . وَقَرَأَ حَمْزَة " لَا تَخَفْ " عَلَى أَنَّهُ جَوَاب الْأَمْر . التَّقْدِير إِنْ تَضْرِب لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْر لَا تَخَفْ . و " لَا تَخْشَى " مُسْتَأْنَف عَلَى تَقْدِير : وَلَا أَنْتَ تَخْشَى . أَوْ يَكُون مَجْزُومًا وَالْأَلِف مُشَبَّعَة مِنْ فَتْحَة ; كَقَوْلِهِ : " فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا " [ الْأَحْزَاب : 67 ] أَوْ يَكُون عَلَى حَدّ قَوْل الشَّاعِر : كَأَنْ لَمْ تَرَى قَبْلِي أَسِيرَا يَمَانِيَا عَلَى تَقْدِير حَذْف الْحَرَكَة كَمَا تُحْذَف حَرَكَة الصَّحِيح . وَهَذَا مَذْهَب الْفَرَّاء . وَقَالَ آخَر : هَجَوْت زَبَّان ثُمَّ جِئْت مُعْتَذِرًا مِنْ هَجْو زَبَّان لَمْ تَهْجُو وَلَمْ تَدَعِ وَقَالَ آخَر أَلَمْ يَأْتِيك وَالْأَنْبَاء تَنْمِي بِمَا لَاقَتْ لَبُون بَنِي زِيَاد قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا مِنْ أَقْبَح الْغَلَط أَنْ يُحْمَل كِتَاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الشُّذُوذ مِنْ الشِّعْر ; وَأَيْضًا فَإِنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنْ الشِّعْر لَا يُشْبِه مِنْ الْآيَة شَيْئًا ; لِأَنَّ الْيَاء وَالْوَاو مُخَالِفَتَانِ لِلْأَلِفِ ; لِأَنَّهُمَا تَتَحَرَّكَانِ وَالْأَلِف لَا تَتَحَرَّك , وَلِلشَّاعِرِ إِذَا اُضْطُرَّ أَنْ يُقَدِّرهُمَا مُتَحَرِّكَتَيْنِ ثُمَّ تُحْذَف الْحَرَكَة لِلْجَزْمِ , وَهَذَا مُحَال فِي الْأَلِف ; وَالْقِرَاءَة الْأُولَى أَبْيَن لِأَنَّ بَعْده " وَلَا تَخْشَى " مُجْمَع عَلَيْهِ بِلَا جَزْم ; وَفِيهَا ثَلَاث تَقْدِيرَات :
الْأَوَّل أَنْ يَكُون " لَا تَخَاف " فِي مَوْضِع الْحَال مِنْ الْمُخَاطَب , التَّقْدِير فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْر يَبَسًا غَيْر خَائِف وَلَا خَاشٍ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع النَّعْت لِلطَّرِيقِ ; لِأَنَّهُ مَعْطُوف عَلَى يَبَس الَّذِي هُوَ صِفَة , وَيَكُون التَّقْدِير لَا تَخَاف فِيهِ ; فَحَذَفَ الرَّاجِع مِنْ الصِّفَة .
وَالثَّالِث : أَنْ يَكُون مُنْقَطِعًا خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف تَقْدِيره وَأَنْتَ لَا تَخَاف
أَيْ يَابِسًا لَا طِين فِيهِ وَلَا مَاء . وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " ضَرْب مُوسَى الْبَحْر وَكُنْيَته إِيَّاهُ وَإِغْرَاق فِرْعَوْن فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ "
أَيْ لِحَاقًا مِنْ فِرْعَوْن وَجُنُوده .
" وَلَا تَخْشَى " قَالَ اِبْن جُرَيْج قَالَ أَصْحَاب مُوسَى : هَذَا فِرْعَوْن قَدْ أَدْرَكَنَا , وَهَذَا الْبَحْر قَدْ غَشِيَنَا , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى " لَا تَخَاف دَرَكًا وَلَا تَخْشَى " أَيْ لَا تَخَاف دَرَكًا مِنْ فِرْعَوْن وَلَا تَخْشَى غَرَقًا مِنْ الْبَحْر أَنْ يَمَسَّك إِنْ غَشِيَك . وَقَرَأَ حَمْزَة " لَا تَخَفْ " عَلَى أَنَّهُ جَوَاب الْأَمْر . التَّقْدِير إِنْ تَضْرِب لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْر لَا تَخَفْ . و " لَا تَخْشَى " مُسْتَأْنَف عَلَى تَقْدِير : وَلَا أَنْتَ تَخْشَى . أَوْ يَكُون مَجْزُومًا وَالْأَلِف مُشَبَّعَة مِنْ فَتْحَة ; كَقَوْلِهِ : " فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا " [ الْأَحْزَاب : 67 ] أَوْ يَكُون عَلَى حَدّ قَوْل الشَّاعِر : كَأَنْ لَمْ تَرَى قَبْلِي أَسِيرَا يَمَانِيَا عَلَى تَقْدِير حَذْف الْحَرَكَة كَمَا تُحْذَف حَرَكَة الصَّحِيح . وَهَذَا مَذْهَب الْفَرَّاء . وَقَالَ آخَر : هَجَوْت زَبَّان ثُمَّ جِئْت مُعْتَذِرًا مِنْ هَجْو زَبَّان لَمْ تَهْجُو وَلَمْ تَدَعِ وَقَالَ آخَر أَلَمْ يَأْتِيك وَالْأَنْبَاء تَنْمِي بِمَا لَاقَتْ لَبُون بَنِي زِيَاد قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا مِنْ أَقْبَح الْغَلَط أَنْ يُحْمَل كِتَاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الشُّذُوذ مِنْ الشِّعْر ; وَأَيْضًا فَإِنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنْ الشِّعْر لَا يُشْبِه مِنْ الْآيَة شَيْئًا ; لِأَنَّ الْيَاء وَالْوَاو مُخَالِفَتَانِ لِلْأَلِفِ ; لِأَنَّهُمَا تَتَحَرَّكَانِ وَالْأَلِف لَا تَتَحَرَّك , وَلِلشَّاعِرِ إِذَا اُضْطُرَّ أَنْ يُقَدِّرهُمَا مُتَحَرِّكَتَيْنِ ثُمَّ تُحْذَف الْحَرَكَة لِلْجَزْمِ , وَهَذَا مُحَال فِي الْأَلِف ; وَالْقِرَاءَة الْأُولَى أَبْيَن لِأَنَّ بَعْده " وَلَا تَخْشَى " مُجْمَع عَلَيْهِ بِلَا جَزْم ; وَفِيهَا ثَلَاث تَقْدِيرَات :
الْأَوَّل أَنْ يَكُون " لَا تَخَاف " فِي مَوْضِع الْحَال مِنْ الْمُخَاطَب , التَّقْدِير فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْر يَبَسًا غَيْر خَائِف وَلَا خَاشٍ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع النَّعْت لِلطَّرِيقِ ; لِأَنَّهُ مَعْطُوف عَلَى يَبَس الَّذِي هُوَ صِفَة , وَيَكُون التَّقْدِير لَا تَخَاف فِيهِ ; فَحَذَفَ الرَّاجِع مِنْ الصِّفَة .
وَالثَّالِث : أَنْ يَكُون مُنْقَطِعًا خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف تَقْدِيره وَأَنْتَ لَا تَخَاف
أَيْ اِتَّبَعَهُمْ وَمَعَهُ جُنُوده , وَقُرِئَ " فَاتَّبَعَهُمْ " بِالتَّشْدِيدِ فَتَكُون الْبَاء فِي " بِجُنُودِهِ " عَدَّتْ الْفِعْل إِلَى الْمَفْعُول الثَّانِي ; لِأَنَّ اِتَّبَعَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُول وَاحِد . أَيْ تَبِعَهُمْ لِيَلْحَقهُمْ بِجُنُودِهِ أَيْ مَعَ جُنُوده كَمَا يُقَال : رَكِبَ الْأَمِير بِسَيْفِهِ أَيْ مَعَ سَيْفه . وَمَنْ قَطَعَ " فَأَتْبَع " يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ : فَيَجُوز أَنْ تَكُون الْبَاء زَائِدَة , وَيَجُوز أَنْ يَكُون اِقْتَصَرَ عَلَى مَفْعُول وَاحِد . يُقَال : تَبِعَهُ وَأَتْبَعهُ وَلَحِقَهُ وَأَلْحَقَهُ بِمَعْنًى وَاحِد . وَقَوْله : " بِجُنُودِهِ " فِي مَوْضِع الْحَال ; كَأَنَّهُ قَالَ : فَأَتْبَعَهُمْ سَائِقًا جُنُوده .
أَيْ أَصَابَهُمْ مِنْ الْبَحْر مَا غَرَّقَهُمْ , وَكَرَّرَ عَلَى مَعْنَى التَّعْظِيم وَالْمَعْرِفَة بِالْأَمْرِ .
أَيْ أَصَابَهُمْ مِنْ الْبَحْر مَا غَرَّقَهُمْ , وَكَرَّرَ عَلَى مَعْنَى التَّعْظِيم وَالْمَعْرِفَة بِالْأَمْرِ .
أَيْ أَضَلَّهُمْ عَنْ الرُّشْد وَمَا هَدَاهُمْ إِلَى خَيْر وَلَا نَجَاة ; لِأَنَّهُ قَدَّرَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَمَنْ مَعَهُ لَا يَفُوتُونَهُ ; لِأَنَّ بَيْن أَيْدِيهمْ الْبَحْر . فَلَمَّا ضَرَبَ مُوسَى الْبَحْر بِعَصَاهُ اِنْفَلَقَ مِنْهُ اِثْنَا عَشَر طَرِيقًا وَبَيْن الطُّرُق الْمَاء قَائِمًا كَالْجِبَالِ . وَفِي سُورَة الشُّعَرَاء " فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم " أَيْ الْجَبَل الْكَبِير ; فَأَخَذَ كُلّ سِبْط طَرِيقًا . وَأَوْحَى اللَّه إِلَى أَطْوَاد الْمَاء أَنْ تَشَبَّكِي فَصَارَتْ شَبَكَات يَرَى بَعْضهمْ بَعْضًا وَيَسْمَع بَعْضهمْ كَلَام بَعْض , وَكَانَ هَذَا مِنْ أَعْظَم الْمُعْجِزَات , وَأَكْبَر الْآيَات , فَلَمَّا أَقْبَلَ فِرْعَوْن وَرَأَى الطُّرُق فِي الْبَحْر وَالْمَاء قَائِمًا أَوْهَمَهُمْ أَنَّ الْبَحْر فَعَلَ هَذَا لِهَيْبَتِهِ , فَدَخَلَ هُوَ وَأَصْحَابه فَانْطَبَقَ الْبَحْر عَلَيْهِمْ . وَقِيلَ إِنَّ قَوْله : " وَمَا هَدَى " تَأْكِيد لِإِضْلَالِهِ إِيَّاهُمْ . وَقِيلَ هُوَ جَوَاب قَوْل فِرْعَوْن " مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيل الرَّشَاد " [ غَافِر : 29 ] فَكَذَّبَهُ اللَّه تَعَالَى . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس " وَمَا هَدَى " أَيْ مَا هَدَى نَفْسه بَلْ أَهْلَكَ نَفْسه وَقَوْمه .
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ↓
لَمَّا أَنْجَاهُمْ مِنْ فِرْعَوْن قَالَ لَهُمْ هَذَا لِيَشْكُرُوا .
" جَانِب " نُصِبَ عَلَى الْمَفْعُول الثَّانِي " لِوَاعَدْنَا " وَلَا يَحْسُن أَنْ يَنْتَصِب عَلَى الظَّرْف ; لِأَنَّهُ ظَرْف مَكَان غَيْر مُبْهَم . وَإِنَّمَا تَتَعَدَّى الْأَفْعَال وَالْمَصَادِر إِلَى ظُرُوف الْمَكَان بِغَيْرِ حَرْف جَرّ إِذَا كَانَتْ مُبْهَمَة . قَالَ مَكِّيّ هَذَا أَصْل لَا خِلَاف فِيهِ ; وَتَقْدِير الْآيَة . وَوَاعَدْنَاكُمْ إِتْيَان جَانِب الطُّور ; ثُمَّ حَذَفَ الْمُضَاف . قَالَ النَّحَّاس : أَيْ أَمَرْنَا مُوسَى أَنْ يَأْمُركُمْ بِالْخُرُوجِ مَعَهُ لِيُكَلِّمهُ بِحَضْرَتِكُمْ فَتَسْمَعُوا الْكَلَام . وَقِيلَ : وَعَدَ مُوسَى بَعْد إِغْرَاق فِرْعَوْن أَنْ يَأْتِي جَانِب الطُّور الْأَيْمَن فَيُؤْتِيه التَّوْرَاة , فَالْوَعْد كَانَ لِمُوسَى وَلَكِنْ خُوطِبُوا بِهِ لِأَنَّ الْوَعْد كَانَ لِأَجْلِهِمْ . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو " وَوَعَدْنَاكُمْ " بِغَيْرِ أَلِف وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد ; لِأَنَّ الْوَعْد إِنَّمَا هُوَ مِنْ اللَّه تَعَالَى لِمُوسَى خَاصَّة , وَالْمُوَاعَدَة لَا تَكُون إِلَّا مِنْ اِثْنَيْنِ . وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " هَذَا الْمَعْنَى و " الْأَيْمَن " نُصِبَ ; لِأَنَّهُ نَعْت لِلْجَانِبِ وَلَيْسَ لِلْجَبَلِ يَمِين وَلَا شِمَال , فَإِذَا قِيلَ : خُذْ عَنْ يَمِين الْجَبَل فَمَعْنَاهُ خُذْ عَلَى يَمِينك مِنْ الْجَبَل . وَكَانَ الْجَبَل عَلَى يَمِين مُوسَى إِذْ أَتَاهُ .
أَيْ فِي التِّيه . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهِ
" جَانِب " نُصِبَ عَلَى الْمَفْعُول الثَّانِي " لِوَاعَدْنَا " وَلَا يَحْسُن أَنْ يَنْتَصِب عَلَى الظَّرْف ; لِأَنَّهُ ظَرْف مَكَان غَيْر مُبْهَم . وَإِنَّمَا تَتَعَدَّى الْأَفْعَال وَالْمَصَادِر إِلَى ظُرُوف الْمَكَان بِغَيْرِ حَرْف جَرّ إِذَا كَانَتْ مُبْهَمَة . قَالَ مَكِّيّ هَذَا أَصْل لَا خِلَاف فِيهِ ; وَتَقْدِير الْآيَة . وَوَاعَدْنَاكُمْ إِتْيَان جَانِب الطُّور ; ثُمَّ حَذَفَ الْمُضَاف . قَالَ النَّحَّاس : أَيْ أَمَرْنَا مُوسَى أَنْ يَأْمُركُمْ بِالْخُرُوجِ مَعَهُ لِيُكَلِّمهُ بِحَضْرَتِكُمْ فَتَسْمَعُوا الْكَلَام . وَقِيلَ : وَعَدَ مُوسَى بَعْد إِغْرَاق فِرْعَوْن أَنْ يَأْتِي جَانِب الطُّور الْأَيْمَن فَيُؤْتِيه التَّوْرَاة , فَالْوَعْد كَانَ لِمُوسَى وَلَكِنْ خُوطِبُوا بِهِ لِأَنَّ الْوَعْد كَانَ لِأَجْلِهِمْ . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو " وَوَعَدْنَاكُمْ " بِغَيْرِ أَلِف وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد ; لِأَنَّ الْوَعْد إِنَّمَا هُوَ مِنْ اللَّه تَعَالَى لِمُوسَى خَاصَّة , وَالْمُوَاعَدَة لَا تَكُون إِلَّا مِنْ اِثْنَيْنِ . وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " هَذَا الْمَعْنَى و " الْأَيْمَن " نُصِبَ ; لِأَنَّهُ نَعْت لِلْجَانِبِ وَلَيْسَ لِلْجَبَلِ يَمِين وَلَا شِمَال , فَإِذَا قِيلَ : خُذْ عَنْ يَمِين الْجَبَل فَمَعْنَاهُ خُذْ عَلَى يَمِينك مِنْ الْجَبَل . وَكَانَ الْجَبَل عَلَى يَمِين مُوسَى إِذْ أَتَاهُ .
أَيْ فِي التِّيه . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهِ
كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى ↓
أَيْ مِنْ لَذِيذ الرِّزْق . وَقِيلَ : مِنْ حَلَاله إِذْ لَا صُنْع فِيهِ لِآدَمِيٍّ فَتَدْخُلهُ شُبْهَة .
أَيْ لَا تَحْمِلَنَّكُمْ السَّعَة وَالْعَافِيَة أَنْ تَعْصُوا ; لِأَنَّ الطُّغْيَان التَّجَاوُز إِلَى مَا لَا يَجُوز . وَقِيلَ : الْمَعْنَى ; أَيْ لَا تَكْفُرُوا النِّعْمَة وَلَا تَنْسُوا شُكْر الْمُنْعِم بِهَا عَلَيْكُمْ .
وَقِيلَ : أَيْ وَلَا تَسْتَبْدِلُوا بِهَا شَيْئًا آخَر كَمَا قَالَ : " أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِاَلَّذِي هُوَ خَيْر " [ الْبَقَرَة : 61 ] وَقِيلَ : لَا تَدَّخِرُوا مِنْهُ لِأَكْثَر مِنْ يَوْم وَلَيْلَة ; قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَيَتَدَوَّد عَلَيْهِمْ مَا اِدَّخَرُوهُ ; وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا تَدَوَّدَ طَعَام أَبَدًا .
أَيْ يَجِب وَيَنْزِل , وَهُوَ مَنْصُوب بِالْفَاءِ فِي جَوَاب النَّهْي مِنْ قَوْله : " وَلَا تَطْغَوْا " . " فَيَحِلّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي " قَرَأَ الْأَعْمَش وَيَحْيَى بْن وَثَّاب وَالْكِسَائِيّ " فَيَحُلّ " بِضَمِّ الْحَاء
قَرَأَ الْأَعْمَش وَيَحْيَى بْن وَثَّاب وَالْكِسَائِيّ " وَمَنْ يَحْلُلْ " بِضَمِّ اللَّام الْأُولَى . وَالْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ وَهُمَا لُغَتَانِ . وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَة وَغَيْره : أَنَّهُ يُقَال حَلَّ يَحِلّ إِذَا وَجَبَ وَحَلَّ يَحُلّ إِذَا نَزَلَ . وَكَذَا قَالَ الْفَرَّاء : الضَّمّ مِنْ الْحُلُول بِمَعْنَى الْوُقُوع وَالْكَسْر مِنْ الْوُجُوب . وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ إِلَّا أَنَّ الْكَسْر أَوْلَى ; لِأَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى قَوْله : " وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَاب مُقِيم " [ هُود : 39 ] . وَغَضَب اللَّه عِقَابه وَنِقْمَته وَعَذَابه . " فَقَدْ هَوَى " قَالَ الزَّجَّاج : فَقَدْ هَلَكَ ; أَيْ صَارَ إِلَى الْهَاوِيَة وَهِيَ قَعْر النَّار , مِنْ هَوَى يَهْوِي هَوِيًّا أَيْ سَقَطَ مِنْ عُلْو إِلَى سُفْل , وَهَوَى فُلَان أَيْ مَاتَ . وَذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش قَالَ حَدَّثَنَا ثَعْلَبَة بْن مُسْلِم عَنْ أَيُّوب بْن بَشِير عَنْ شُفَيّ الْأَصْبَحِيّ قَالَ : إِنَّ فِي جَهَنَّم جَبَلًا يُدْعَى صَعُودًا يَطَّلِع فِيهِ الْكَافِر أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْل أَنْ يَرْقَاهُ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا " [ الْمُدَّثِّر : 17 ] وَإِنَّ فِي جَهَنَّم قَصْرًا يُقَال لَهُ هَوَى يُرْمَى الْكَافِر مِنْ أَعْلَاهُ فَيَهْوِي أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْل أَنْ يَبْلُغ أَصْله قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى " وَذَكَرَ الْحَدِيث ; وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَاب " التَّذْكِرَة " .
أَيْ لَا تَحْمِلَنَّكُمْ السَّعَة وَالْعَافِيَة أَنْ تَعْصُوا ; لِأَنَّ الطُّغْيَان التَّجَاوُز إِلَى مَا لَا يَجُوز . وَقِيلَ : الْمَعْنَى ; أَيْ لَا تَكْفُرُوا النِّعْمَة وَلَا تَنْسُوا شُكْر الْمُنْعِم بِهَا عَلَيْكُمْ .
وَقِيلَ : أَيْ وَلَا تَسْتَبْدِلُوا بِهَا شَيْئًا آخَر كَمَا قَالَ : " أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِاَلَّذِي هُوَ خَيْر " [ الْبَقَرَة : 61 ] وَقِيلَ : لَا تَدَّخِرُوا مِنْهُ لِأَكْثَر مِنْ يَوْم وَلَيْلَة ; قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَيَتَدَوَّد عَلَيْهِمْ مَا اِدَّخَرُوهُ ; وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا تَدَوَّدَ طَعَام أَبَدًا .
أَيْ يَجِب وَيَنْزِل , وَهُوَ مَنْصُوب بِالْفَاءِ فِي جَوَاب النَّهْي مِنْ قَوْله : " وَلَا تَطْغَوْا " . " فَيَحِلّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي " قَرَأَ الْأَعْمَش وَيَحْيَى بْن وَثَّاب وَالْكِسَائِيّ " فَيَحُلّ " بِضَمِّ الْحَاء
قَرَأَ الْأَعْمَش وَيَحْيَى بْن وَثَّاب وَالْكِسَائِيّ " وَمَنْ يَحْلُلْ " بِضَمِّ اللَّام الْأُولَى . وَالْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ وَهُمَا لُغَتَانِ . وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَة وَغَيْره : أَنَّهُ يُقَال حَلَّ يَحِلّ إِذَا وَجَبَ وَحَلَّ يَحُلّ إِذَا نَزَلَ . وَكَذَا قَالَ الْفَرَّاء : الضَّمّ مِنْ الْحُلُول بِمَعْنَى الْوُقُوع وَالْكَسْر مِنْ الْوُجُوب . وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ إِلَّا أَنَّ الْكَسْر أَوْلَى ; لِأَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى قَوْله : " وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَاب مُقِيم " [ هُود : 39 ] . وَغَضَب اللَّه عِقَابه وَنِقْمَته وَعَذَابه . " فَقَدْ هَوَى " قَالَ الزَّجَّاج : فَقَدْ هَلَكَ ; أَيْ صَارَ إِلَى الْهَاوِيَة وَهِيَ قَعْر النَّار , مِنْ هَوَى يَهْوِي هَوِيًّا أَيْ سَقَطَ مِنْ عُلْو إِلَى سُفْل , وَهَوَى فُلَان أَيْ مَاتَ . وَذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش قَالَ حَدَّثَنَا ثَعْلَبَة بْن مُسْلِم عَنْ أَيُّوب بْن بَشِير عَنْ شُفَيّ الْأَصْبَحِيّ قَالَ : إِنَّ فِي جَهَنَّم جَبَلًا يُدْعَى صَعُودًا يَطَّلِع فِيهِ الْكَافِر أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْل أَنْ يَرْقَاهُ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا " [ الْمُدَّثِّر : 17 ] وَإِنَّ فِي جَهَنَّم قَصْرًا يُقَال لَهُ هَوَى يُرْمَى الْكَافِر مِنْ أَعْلَاهُ فَيَهْوِي أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْل أَنْ يَبْلُغ أَصْله قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى " وَذَكَرَ الْحَدِيث ; وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَاب " التَّذْكِرَة " .
أَيْ مِنْ الشِّرْك .
أَيْ أَقَامَ عَلَى إِيمَانه حَتَّى مَاتَ عَلَيْهِ ; قَالَهُ سُفْيَان الثَّوْرِيّ وَقَتَادَة وَغَيْرهمَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ لَمْ يَشُكّ فِي إِيمَانه ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ وَالْمَهْدَوِيّ . وَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه التُّسْتَرِيّ وَابْن عَبَّاس أَيْضًا : أَقَامَ عَلَى السُّنَّة وَالْجَمَاعَة ; ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . وَقَالَ أَنَس : أَخَذَ بِسُنَّةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الْمَهْدَوِيّ , وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس . وَقَوْل خَامِس : أَصَابَ الْعَمَل ; قَالَهُ اِبْن زَيْد ; وَعَنْهُ أَيْضًا تَعَلَّمَ الْعِلْم لِيَهْتَدِيَ كَيْفَ يَفْعَل ; ذَكَرَ الْأَوَّل الْمَهْدَوِيّ , وَالثَّانِي الثَّعْلَبِيّ . وَقَالَ الشَّعْبِيّ وَمُقَاتِل وَالْكَلْبِيّ : عَلِمَ أَنَّ لِذَلِكَ ثَوَابًا وَعَلَيْهِ عِقَابًا ; وَقَالَهُ الْفَرَّاء : وَقَوْل ثَامِن : " ثُمَّ اِهْتَدَى " فِي وِلَايَة أَهْل بَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; قَالَهُ ثَابِت الْبُنَانِيّ . وَالْقَوْل الْأَوَّل أَحْسَن هَذِهِ الْأَقْوَال - إِنْ شَاءَ اللَّه - وَإِلَيْهِ يَرْجِع سَائِرهَا . قَالَ وَكِيع عَنْ سُفْيَان : كُنَّا نَسْمَع فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : " وَإِنِّي لَغَفَّار لِمَنْ تَابَ " أَيْ مِنْ الشِّرْك " وَآمَنَ " أَيْ بَعْد الشِّرْك " وَعَمِلَ صَالِحًا " صَلَّى وَصَامَ " ثُمَّ اِهْتَدَى " مَاتَ عَلَى ذَلِكَ .
أَيْ أَقَامَ عَلَى إِيمَانه حَتَّى مَاتَ عَلَيْهِ ; قَالَهُ سُفْيَان الثَّوْرِيّ وَقَتَادَة وَغَيْرهمَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ لَمْ يَشُكّ فِي إِيمَانه ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ وَالْمَهْدَوِيّ . وَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه التُّسْتَرِيّ وَابْن عَبَّاس أَيْضًا : أَقَامَ عَلَى السُّنَّة وَالْجَمَاعَة ; ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . وَقَالَ أَنَس : أَخَذَ بِسُنَّةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الْمَهْدَوِيّ , وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس . وَقَوْل خَامِس : أَصَابَ الْعَمَل ; قَالَهُ اِبْن زَيْد ; وَعَنْهُ أَيْضًا تَعَلَّمَ الْعِلْم لِيَهْتَدِيَ كَيْفَ يَفْعَل ; ذَكَرَ الْأَوَّل الْمَهْدَوِيّ , وَالثَّانِي الثَّعْلَبِيّ . وَقَالَ الشَّعْبِيّ وَمُقَاتِل وَالْكَلْبِيّ : عَلِمَ أَنَّ لِذَلِكَ ثَوَابًا وَعَلَيْهِ عِقَابًا ; وَقَالَهُ الْفَرَّاء : وَقَوْل ثَامِن : " ثُمَّ اِهْتَدَى " فِي وِلَايَة أَهْل بَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; قَالَهُ ثَابِت الْبُنَانِيّ . وَالْقَوْل الْأَوَّل أَحْسَن هَذِهِ الْأَقْوَال - إِنْ شَاءَ اللَّه - وَإِلَيْهِ يَرْجِع سَائِرهَا . قَالَ وَكِيع عَنْ سُفْيَان : كُنَّا نَسْمَع فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : " وَإِنِّي لَغَفَّار لِمَنْ تَابَ " أَيْ مِنْ الشِّرْك " وَآمَنَ " أَيْ بَعْد الشِّرْك " وَعَمِلَ صَالِحًا " صَلَّى وَصَامَ " ثُمَّ اِهْتَدَى " مَاتَ عَلَى ذَلِكَ .
أَيْ مَا حَمَلَك عَلَى أَنْ تَسْبِقهُمْ . قِيلَ : عَنَى بِالْقَوْمِ جَمِيع بَنِي إِسْرَائِيل ; فَعَلَى هَذَا قِيلَ : اِسْتَخْلَفَ هَارُون عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل , وَخَرَجَ مَعَهُ بِسَبْعِينَ رَجُلًا لِلْمِيقَاتِ .
قَوْلُهُ " هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي " لَيْسَ يُرِيد أَنَّهُمْ يَسِيرُونَ خَلْفه مُتَوَجِّهِينَ إِلَيْهِ , بَلْ أَرَادَ أَنَّهُمْ بِالْقُرْبِ مِنِّي يَنْتَظِرُونَ عَوْدِي إِلَيْهِمْ . وَقِيلَ : لَا بَلْ كَانَ أَمْر هَارُون بِأَنْ يَتَّبِع فِي بَنِي إِسْرَائِيل أَثَره وَيَلْتَحِقُوا بِهِ . وَقَالَ قَوْم : أَرَادَ بِالْقَوْمِ السَّبْعِينَ الَّذِينَ اِخْتَارَهُمْ , وَكَانَ مُوسَى لَمَّا قَرُبَ مِنْ الطُّور سَبَقَهُمْ شَوْقًا إِلَى سَمَاع كَلَام اللَّه . وَقِيلَ : لَمَّا وَفَدَ إِلَى طُور سَيْنَاء بِالْوَعْدِ اِشْتَاقَ إِلَى رَبّه وَطَالَتْ عَلَيْهِ الْمَسَافَة مِنْ شِدَّة الشَّوْق إِلَى اللَّه تَعَالَى , فَضَاقَ بِهِ الْأَمْر شَقَّ قَمِيصه , ثُمَّ لَمْ يَصْبِر حَتَّى خَلَّفَهُمْ وَمَضَى وَحْده ; فَلَمَّا وَقَفَ فِي مَقَامه قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : " مَا أَعْجَلك عَنْ قَوْمك يَا مُوسَى " فَبَقِيَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَحَيِّرًا عَنْ الْجَوَاب وَكَنَّى عَنْهُ بِقَوْلِهِ : " هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي " وَإِنَّمَا سَأَلَهُ السَّبَب الَّذِي أَعْجَله بِقَوْلِهِ " مَا " فَأَخْبَرَ عَنْ مَجِيئِهِمْ بِالْأَثَرِ . ثُمَّ قَالَ " وَعَجِلْت إِلَيْك رَبّ لِتَرْضَى " فَكَنَّى عَنْ ذِكْر الشَّوْق وَصِدْقه إِلَى اِبْتِغَاء الرِّضَا . ذَكَرَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : " وَعَجِلْت إِلَيْك رَبّ لِتَرْضَى " قَالَ : شَوْقًا . وَكَانَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا إِذَا آوَتْ إِلَى فِرَاشهَا تَقُول : هَاتُوا الْمَجِيد . فَتُؤْتَى بِالْمُصْحَفِ فَتَأْخُذهُ فِي صَدْرهَا وَتَنَام مَعَهُ تَتَسَلَّى بِذَلِكَ ; رَوَاهُ سُفْيَان عَنْ مِسْعَر عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا . وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذَا أَمْطَرَتْ السَّمَاء خَلَعَ ثِيَابه وَتَجَرَّدَ حَتَّى يُصِيبهُ الْمَطَر وَيَقُول : " إِنَّهُ حَدِيث عَهْد بِرَبِّي " فَهَذَا مِنْ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِمَّنْ بَعْده مِنْ قَبِيل الشَّوْق ; وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّه تَبَارَكَ اِسْمه فِيمَا يُرْوَى عَنْهُ : " طَالَ شَوْق الْأَبْرَار إِلَى لِقَائِي وَأَنَا إِلَى لِقَائِهِمْ أَشْوَق " . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ اللَّه عَالِمًا وَلَكِنْ قَالَ " وَمَا أَعْجَلك عَنْ قَوْمك " رَحْمَة لِمُوسَى , وَإِكْرَامًا لَهُ بِهَذَا الْقَوْل , وَتَسْكِينًا لِقَلْبِهِ , وَرِقَّة عَلَيْهِ ; فَقَالَ مُجِيبًا لِرَبِّهِ : " هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي " . قَالَ أَبُو حَاتِم قَالَ عِيسَى : بَنُو تَمِيم يَقُولُونَ : " هُمْ أُولَى " مَقْصُورَة مُرْسَلَة , وَأَهْل الْحِجَاز يَقُولُونَ " أُولَاءِ " مَمْدُودَة . وَحَكَى الْفَرَّاء " هُمْ أُولَايَ عَلَى أَثَرِي " وَزَعَمَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج : أَنَّ هَذَا لَا وَجْه لَهُ . قَالَ النَّحَّاس وَهُوَ كَمَا قَالَ : لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا يُضَاف فَيَكُون مِثْل هُدَايَ . وَلَا يَخْلُو مِنْ إِحْدَى جِهَتَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُون اِسْمًا مُبْهَمًا فَإِضَافَته مُحَال ; وَإِمَّا أَنْ يَكُون بِمَعْنَى الَّذِينَ فَلَا يُضَاف أَيْضًا ; لِأَنَّ مَا بَعْده مِنْ تَمَامه وَهُوَ مَعْرِفَة . وَقَرَأَ اِبْن أَبِي إِسْحَاق وَنَصْر وَرُوَيْس عَنْ يَعْقُوب " عَلَى إِثْرِي " بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَإِسْكَان الثَّاء وَهُوَ بِمَعْنَى أَثَر , لُغَتَانِ .
عَجِلْت إِلَى الْمَوْضِع الَّذِي أَمَرْتنِي بِالْمَصِيرِ إِلَيْهِ لِتَرْضَى عَنِّي . يُقَال : رَجُل عَجِل وَعُجُل وَعَجُول وَعَجْلَان بَيِّن الْعَجَلَة ; وَالْعَجَلَة خِلَاف الْبُطْء .
عَجِلْت إِلَى الْمَوْضِع الَّذِي أَمَرْتنِي بِالْمَصِيرِ إِلَيْهِ لِتَرْضَى عَنِّي . يُقَال : رَجُل عَجِل وَعُجُل وَعَجُول وَعَجْلَان بَيِّن الْعَجَلَة ; وَالْعَجَلَة خِلَاف الْبُطْء .
أَيْ اِخْتَبَرْنَاهُمْ وَامْتَحَنَّاهُمْ بِأَنْ يَسْتَدِلُّوا عَلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ .
أَيْ دَعَاهُمْ إِلَى الضَّلَالَة أَوْ هُوَ سَبَبهَا . وَقِيلَ : فَتَنَّاهُمْ أَلْقَيْنَاهُمْ فِي الْفِتْنَة : أَيْ زَيَّنَّا لَهُمْ عِبَادَة الْعِجْل ; وَلِهَذَا قَالَ مُوسَى : " إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتك " [ الْأَعْرَاف : 155 ] . قَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : كَانَ السَّامِرِيّ مِنْ قَوْم يَعْبُدُونَ الْبَقَر , فَوَقَعَ بِأَرْضِ مِصْر فَدَخَلَ فِي دِين بَنِي إِسْرَائِيل بِظَاهِرِهِ , وَفِي قَلْبه مَا فِيهِ مِنْ عِبَادَة الْبَقَر . وَقِيلَ : كَانَ رَجُلًا مِنْ الْقِبْط , وَكَانَ جَارًا لِمُوسَى آمَنَ بِهِ وَخَرَجَ مَعَهُ . وَقِيلَ كَانَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَاء بَنِي إِسْرَائِيل , مِنْ قَبِيلَة تُعْرَف بِالسَّامِرَةِ وَهُمْ مَعْرُوفُونَ بِالشَّامِ . قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : كَانَ مِنْ أَهْل كَرْمَانِ .
أَيْ دَعَاهُمْ إِلَى الضَّلَالَة أَوْ هُوَ سَبَبهَا . وَقِيلَ : فَتَنَّاهُمْ أَلْقَيْنَاهُمْ فِي الْفِتْنَة : أَيْ زَيَّنَّا لَهُمْ عِبَادَة الْعِجْل ; وَلِهَذَا قَالَ مُوسَى : " إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتك " [ الْأَعْرَاف : 155 ] . قَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : كَانَ السَّامِرِيّ مِنْ قَوْم يَعْبُدُونَ الْبَقَر , فَوَقَعَ بِأَرْضِ مِصْر فَدَخَلَ فِي دِين بَنِي إِسْرَائِيل بِظَاهِرِهِ , وَفِي قَلْبه مَا فِيهِ مِنْ عِبَادَة الْبَقَر . وَقِيلَ : كَانَ رَجُلًا مِنْ الْقِبْط , وَكَانَ جَارًا لِمُوسَى آمَنَ بِهِ وَخَرَجَ مَعَهُ . وَقِيلَ كَانَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَاء بَنِي إِسْرَائِيل , مِنْ قَبِيلَة تُعْرَف بِالسَّامِرَةِ وَهُمْ مَعْرُوفُونَ بِالشَّامِ . قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : كَانَ مِنْ أَهْل كَرْمَانِ .
فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي ↓
لَمْ يَنْصَرِف " غَضْبَان " لِأَنَّ مُؤَنَّثه غَضْبَى , وَلِأَنَّ الْأَلِف وَالنُّون فِيهِ بِمَنْزِلَةِ أَلِفَيْ التَّأْنِيث فِي قَوْلك حَمْرَاء . وَهُوَ نُصِبَ عَلَى الْحَال . و " أَسِفًا " شَدِيد الْغَضَب . قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء : الْأَسَف مَنْزِلَة وَرَاء الْغَضَب أَشَدّ مِنْ ذَلِكَ . وَهُوَ أَسِف وَأَسِيف وَأَسْفَان وَأَسُوف . وَالْأَسِيف أَيْضًا الْحَزِين . اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ : رَجَعَ حَزِينًا مِنْ صَنِيع قَوْمه . وَقَالَ الطَّبَرِيّ : أَخْبَرَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَبْل رُجُوعه أَنَّهُمْ قَدْ فُتِنُوا بِالْعِجْلِ ; فَلِذَلِكَ رَجَعَ وَهُوَ غَضْبَان . اِبْن الْعَرَبِيّ : وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ أَعْظَم النَّاس غَضَبًا , لَكِنَّهُ كَانَ سَرِيع الْفَيْئَة ; فَتِلْكَ بِتِلْكَ . قَالَ اِبْن الْقَاسِم : سَمِعْت مَالِكًا يَقُول : كَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِذَا غَضِبَ طَلَعَ الدُّخَان مِنْ قَلَنْسُوَته , وَرَفَعَ شَعْر بَدَنه جُبَّته . وَذَلِكَ أَنَّ الْغَضَب جَمْرَة تَتَوَقَّد فِي الْقَلْب . وَلِأَجْلِهِ أَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ غَضِبَ أَنْ يَضْطَجِع . فَإِنْ لَمْ يَذْهَب غَضَبه اِغْتَسَلَ ; فَيُخْمِدهَا اِضْطِجَاعه وَيُطْفِئهَا اِغْتِسَاله . وَسُرْعَة غَضَبه كَانَ سَبَبًا لِصَكِّهِ مَلَك الْمَوْت فَفَقَأَ عَيْنه . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْمَائِدَة " مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم : وَإِنَّمَا اِسْتَجَازَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَلِيم اللَّه ; كَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ مَنْ اِجْتَرَأَ عَلَيْهِ أَوْ مَدّ إِلَيْهِ يَدًا بِأَذًى فَقَدْ عَظُمَ الْخَطْب فِيهِ . أَلَا تَرَى أَنَّهُ اِحْتَجَّ عَلَيْهِ فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ تَنْزِع رُوحِي ؟ أَمِنْ فَمِي وَقَدْ نَاجَيْت بِهِ رَبِّي ! أَمْ مِنْ سَمْعِي وَقَدْ سَمِعْت بِهِ كَلَام رَبِّي ! أَمْ مِنْ يَدِي وَقَدْ قَبَضْت مِنْهُ الْأَلْوَاح ! أَمْ مِنْ قَدَمِي وَقَدْ قُمْت بَيْن يَدَيْهِ أُكَلِّمهُ بِالطُّورِ ! أَمْ مِنْ عَيْنِي وَقَدْ أَشْرَقَ وَجْهِيَ لِنُورِهِ . فَرَجَعَ إِلَى رَبّه مُفْحَمًا . وَفِي مُصَنَّف أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي ذَرّ قَالَ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا : ( إِذَا غَضِبَ أَحَدكُمْ وَهُوَ قَائِم فَلْيَجْلِسْ فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَب وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ ) . وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي وَائِل الْقَاصّ قَالَ : دَخَلْنَا عَلَى عُرْوَة بْن مُحَمَّد السَّعْدِيّ فَكَلَّمَهُ رَجُل فَأَغْضَبَهُ ; فَقَامَ ثُمَّ رَجَعَ وَقَدْ تَوَضَّأَ , فَقَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَطِيَّة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْغَضَب مِنْ الشَّيْطَان وَإِنَّ الشَّيْطَان خُلِقَ مِنْ النَّار وَإِنَّمَا تُطْفَأ النَّار بِالْمَاءِ فَإِذَا غَضِبَ أَحَدكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ ) .
وَعَدَهُمْ عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّة إِذَا أَقَامُوا عَلَى طَاعَته , وَوَعَدَهُمْ أَنَّهُ يُسْمِعهُمْ كَلَامه , فِي التَّوْرَاة عَلَى لِسَان مُوسَى ; لِيَعْمَلُوا بِمَا فِيهَا فَيَسْتَحِقُّوا ثَوَاب عَمَلهمْ . وَقِيلَ : وَعَدَهُمْ النَّصْر وَالظَّفَر . وَقِيلَ : وَعْده قَوْله : " وَإِنِّي لَغَفَّار لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ " الْآيَة .
أَيْ أَفَنَسِيتُمْ ; كَمَا قِيلَ ; وَالشَّيْء قَدْ يُنْسَى لِطُولِ الْعَهْد .
"يَحِلّ " أَيْ يَجِب وَيَنْزِل . وَالْغَضَب الْعُقُوبَة وَالنِّقْمَة . وَالْمَعْنَى أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَفْعَلُوا فِعْلًا يَكُون سَبَب حُلُول غَضَب اللَّه بِكُمْ ; لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَطْلُب غَضَب اللَّه , بَلْ قَدْ يَرْتَكِب مَا يَكُون سَبَبًا لِلْغَضَبِ .
لِأَنَّهُمْ وَعَدُوهُ أَنْ يُقِيمُوا عَلَى طَاعَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَى أَنْ يَرْجِع إِلَيْهِمْ مِنْ الطُّور . وَقِيلَ : وَعَدَهُمْ عَلَى أَثَره لِلْمِيقَاتِ فَتَوَقَّفُوا .
وَعَدَهُمْ عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّة إِذَا أَقَامُوا عَلَى طَاعَته , وَوَعَدَهُمْ أَنَّهُ يُسْمِعهُمْ كَلَامه , فِي التَّوْرَاة عَلَى لِسَان مُوسَى ; لِيَعْمَلُوا بِمَا فِيهَا فَيَسْتَحِقُّوا ثَوَاب عَمَلهمْ . وَقِيلَ : وَعَدَهُمْ النَّصْر وَالظَّفَر . وَقِيلَ : وَعْده قَوْله : " وَإِنِّي لَغَفَّار لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ " الْآيَة .
أَيْ أَفَنَسِيتُمْ ; كَمَا قِيلَ ; وَالشَّيْء قَدْ يُنْسَى لِطُولِ الْعَهْد .
"يَحِلّ " أَيْ يَجِب وَيَنْزِل . وَالْغَضَب الْعُقُوبَة وَالنِّقْمَة . وَالْمَعْنَى أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَفْعَلُوا فِعْلًا يَكُون سَبَب حُلُول غَضَب اللَّه بِكُمْ ; لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَطْلُب غَضَب اللَّه , بَلْ قَدْ يَرْتَكِب مَا يَكُون سَبَبًا لِلْغَضَبِ .
لِأَنَّهُمْ وَعَدُوهُ أَنْ يُقِيمُوا عَلَى طَاعَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَى أَنْ يَرْجِع إِلَيْهِمْ مِنْ الطُّور . وَقِيلَ : وَعَدَهُمْ عَلَى أَثَره لِلْمِيقَاتِ فَتَوَقَّفُوا .
قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ ↓
بِفَتْحِ الْمِيم , وَهِيَ قِرَاءَة نَافِع وَعَاصِم وَعِيسَى بْن عُمَر . قَالَ مُجَاهِد وَالسُّدِّيّ : وَمَعْنَاهُ بِطَاقَتِنَا . اِبْن زَيْد : لَمْ نَمْلِك أَنْفُسنَا أَيْ كُنَّا مُضْطَرِّينَ . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامِر " بِمِلْكِنَا " بِكَسْرِ الْمِيم . وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم ; لِأَنَّهَا اللُّغَة الْعَالِيَة . وَهُوَ مَصْدَر مَلَكْت الشَّيْء أَمْلِكهُ مِلْكًا . وَالْمَصْدَر مُضَاف إِلَى الْفَاعِل وَالْمَفْعُول مَحْذُوف ; كَأَنَّهُ قَالَ : بِمِلْكِنَا الصَّوَاب بَلْ أَخْطَأْنَا فَهُوَ اِعْتِرَاف مِنْهُمْ بِالْخَطَأِ . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " بِمُلْكِنَا " بِضَمِّ الْمِيم وَالْمَعْنَى بِسُلْطَانِنَا . أَيْ لَمْ يَكُنْ لَنَا مُلْك فَنُخْلِف مَوْعِدك . ثُمَّ قِيلَ قَوْله : " قَالُوا " عَامّ يُرَاد بِهِ الْخَاصّ , أَيْ قَالَ الَّذِينَ ثَبَتُوا عَلَى طَاعَة اللَّه إِلَى أَنْ يَرْجِع إِلَيْهِمْ مِنْ الطُّور : " مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدك بِمَلْكِنَا " وَكَانُوا اِثْنَيْ عَشَر أَلْفًا وَكَانَ جَمِيع بَنِي إِسْرَائِيل سِتّمِائَةِ أَلْف .
بِضَمِّ الْحَاء وَتَشْدِيد الْمِيم مَكْسُورَة ; قَرَأَهُ نَافِع وَابْن كَثِير وَابْن عَامِر وَحَفْص وَرُوَيْس . الْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْحَرْفَيْنِ خَفِيفَة . وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم ; لِأَنَّهُمْ حَمَلُوا حُلِيّ الْقَوْم مَعَهُمْ وَمَا حَمَلُوهُ كُرْهًا .
أَيْ أَثْقَالًا
أَيْ مِنْ حُلِيّهمْ ; وَكَانُوا اِسْتَعَارُوهُ حِين أَرَادُوا الْخُرُوج مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام , وَأَوْهَمُوهُمْ أَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ فِي عِيد لَهُمْ أَوْ وَلِيمَة . وَقِيلَ : هُوَ مَا أَخَذُوهُ مِنْ آل فِرْعَوْن , لَمَّا قَذَفَهُمْ الْبَحْر إِلَى السَّاحِل . وَسُمِّيَتْ أَوْزَارًا بِسَبَبِ أَنَّهَا كَانَتْ آثَامًا . أَيْ لَمْ يَحِلّ لَهُمْ أَخْذهَا وَلَمْ تَحِلّ لَهُمْ الْغَنَائِم , وَأَيْضًا فَالْأَوْزَار هِيَ الْأَثْقَال فِي اللُّغَة .
أَيْ ثَقُلَ عَلَيْنَا حَمْل مَا كَانَ مَعَنَا مِنْ الْحُلِيّ فَقَذَفْنَاهُ فِي النَّار لِيَذُوبَ , أَيْ طَرَحْنَاهُ فِيهَا . وَقِيلَ : طَرَحْنَاهُ إِلَى السَّامِرِيّ لِتَرْجِع فَتَرَى فِيهَا رَأْيك .
بِضَمِّ الْحَاء وَتَشْدِيد الْمِيم مَكْسُورَة ; قَرَأَهُ نَافِع وَابْن كَثِير وَابْن عَامِر وَحَفْص وَرُوَيْس . الْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْحَرْفَيْنِ خَفِيفَة . وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم ; لِأَنَّهُمْ حَمَلُوا حُلِيّ الْقَوْم مَعَهُمْ وَمَا حَمَلُوهُ كُرْهًا .
أَيْ أَثْقَالًا
أَيْ مِنْ حُلِيّهمْ ; وَكَانُوا اِسْتَعَارُوهُ حِين أَرَادُوا الْخُرُوج مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام , وَأَوْهَمُوهُمْ أَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ فِي عِيد لَهُمْ أَوْ وَلِيمَة . وَقِيلَ : هُوَ مَا أَخَذُوهُ مِنْ آل فِرْعَوْن , لَمَّا قَذَفَهُمْ الْبَحْر إِلَى السَّاحِل . وَسُمِّيَتْ أَوْزَارًا بِسَبَبِ أَنَّهَا كَانَتْ آثَامًا . أَيْ لَمْ يَحِلّ لَهُمْ أَخْذهَا وَلَمْ تَحِلّ لَهُمْ الْغَنَائِم , وَأَيْضًا فَالْأَوْزَار هِيَ الْأَثْقَال فِي اللُّغَة .
أَيْ ثَقُلَ عَلَيْنَا حَمْل مَا كَانَ مَعَنَا مِنْ الْحُلِيّ فَقَذَفْنَاهُ فِي النَّار لِيَذُوبَ , أَيْ طَرَحْنَاهُ فِيهَا . وَقِيلَ : طَرَحْنَاهُ إِلَى السَّامِرِيّ لِتَرْجِع فَتَرَى فِيهَا رَأْيك .
قَالَ قَتَادَة : إِنَّ السَّامِرِيّ قَالَ لَهُمْ حِين اِسْتَبْطَأَ الْقَوْم مُوسَى : إِنَّمَا اِحْتَبَسَ عَلَيْكُمْ مِنْ أَجْل مَا عِنْدكُمْ مِنْ الْحُلِيّ ; فَجَمَعُوهُ وَدَفَعُوهُ إِلَى السَّامِرِيّ فَرَمَى بِهِ فِي النَّار وَصَاغَ لَهُمْ مِنْهُ عِجْلًا , ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْهِ قَبْضَة مِنْ أَثَر فَرَس الرَّسُول وَهُوَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام . وَقَالَ مَعْمَر : الْفَرَس الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ جِبْرِيل هُوَ الْحَيَاة , فَلَمَّا أَلْقَى عَلَيْهِ الْقَبْضَة صَارَ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَار .
وَالْخُوَار صَوْت الْبَقَر .
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : لَمَّا اِنْسَكَبَتْ الْحُلِيّ فِي النَّار , جَاءَ السَّامِرِيّ وَقَالَ لِهَارُون : يَا نَبِيّ اللَّه أَؤُلْقِيَ مَا فِي يَدِي - وَهُوَ يَظُنّ أَنَّهُ كَبَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ غَيْره مِنْ الْحُلِيّ - فَقَذَفَ التُّرَاب فِيهِ , وَقَالَ : كُنْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَار ; فَكَانَ كَمَا قَالَ لِلْبَلَاءِ وَالْفِتْنَة ; فَخَارَ خَوْرَة وَاحِدَة لَمْ يُتْبِعهَا مِثْلهَا . وَقِيلَ : خُوَاره وَصَوْته كَانَ بِالرِّيحِ ; لِأَنَّهُ كَانَ عَمِلَ فِيهِ خُرُوقًا فَإِذَا دَخَلَتْ الرِّيح فِي جَوْفه خَارَ وَلَمْ تَكُنْ فِيهِ حَيَاة . وَهَذَا قَوْل مُجَاهِد . وَعَلَى الْقَوْل الْأَوَّل كَانَ عِجْلًا مِنْ لَحْم وَدَم , وَهُوَ قَوْل الْحَسَن وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ . وَرَوَى حَمَّاد عَنْ سِمَاك عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : مَرَّ هَارُون بِالسَّامِرِيِّ وَهُوَ يَصْنَع الْعِجْل فَقَالَ مَا هَذَا ؟ فَقَالَ : يَنْفَع وَلَا يَضُرّ ; فَقَالَ : اللَّهُمَّ أَعْطِهِ مَا سَأَلَك عَلَى مَا فِي نَفْسه ; فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلك أَنْ يَخُور . وَكَانَ إِذَا خَارَ سَجَدُوا , وَكَانَ الْخُوَار مِنْ دَعْوَة هَارُون . قَالَ اِبْن عَبَّاس : خَارَ كَمَا يَخُور الْحَيّ مِنْ الْعُجُول . وَرَوَى أَنَّ مُوسَى قَالَ : يَا رَبّ هَذَا السَّامِرِيّ أَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَار مِنْ حُلِيّهمْ , فَمَنْ جَعَلَ الْجَسَد وَالْخُوَار ؟ قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَنَا . قَالَ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَعِزَّتك وَجَلَالك وَارْتِفَاعك وَعُلُوّك وَسُلْطَانك مَا أَضَلَّهُمْ غَيْرك . قَالَ : صَدَقْت يَا حَكِيم الْحُكَمَاء . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا كُلّه فِي سُورَة " الْأَعْرَاف "
أَيْ قَالَ السَّامِرِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَكَانُوا مَيَّالِينَ إِلَى التَّشْبِيه ; إِذَا قَالُوا " اِجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَة " [ الْأَعْرَاف 138 ]
أَيْ فَضَلَّ مُوسَى [ وَذَهَبَ ] بِطَلَبِهِ فَلَمْ يَعْلَم مَكَانه , وَأَخْطَأَ الطَّرِيق إِلَى رَبّه . وَقِيلَ مَعْنَاهُ : فَتَرَكَهُ مُوسَى هُنَا وَخَرَجَ يَطْلُبهُ . أَيْ تَرَكَ مُوسَى إِلَهه هُنَا . وَرَوَى إِسْرَائِيل عَنْ سِمَاك عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : أَيْ فَنَسِيَ مُوسَى أَنْ يَذْكُر لَكُمْ أَنَّهُ إِلَهه . وَقِيلَ : الْخِطَاب خَبَر عَنْ السَّامِرِيّ . أَيْ تَرَكَ السَّامِرِيّ مَا أَمَرَهُ بِهِ مُوسَى مِنْ الْإِيمَان فَضَلَّ ; قَالَهُ اِبْن الْأَعْرَابِيّ .
وَالْخُوَار صَوْت الْبَقَر .
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : لَمَّا اِنْسَكَبَتْ الْحُلِيّ فِي النَّار , جَاءَ السَّامِرِيّ وَقَالَ لِهَارُون : يَا نَبِيّ اللَّه أَؤُلْقِيَ مَا فِي يَدِي - وَهُوَ يَظُنّ أَنَّهُ كَبَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ غَيْره مِنْ الْحُلِيّ - فَقَذَفَ التُّرَاب فِيهِ , وَقَالَ : كُنْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَار ; فَكَانَ كَمَا قَالَ لِلْبَلَاءِ وَالْفِتْنَة ; فَخَارَ خَوْرَة وَاحِدَة لَمْ يُتْبِعهَا مِثْلهَا . وَقِيلَ : خُوَاره وَصَوْته كَانَ بِالرِّيحِ ; لِأَنَّهُ كَانَ عَمِلَ فِيهِ خُرُوقًا فَإِذَا دَخَلَتْ الرِّيح فِي جَوْفه خَارَ وَلَمْ تَكُنْ فِيهِ حَيَاة . وَهَذَا قَوْل مُجَاهِد . وَعَلَى الْقَوْل الْأَوَّل كَانَ عِجْلًا مِنْ لَحْم وَدَم , وَهُوَ قَوْل الْحَسَن وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ . وَرَوَى حَمَّاد عَنْ سِمَاك عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : مَرَّ هَارُون بِالسَّامِرِيِّ وَهُوَ يَصْنَع الْعِجْل فَقَالَ مَا هَذَا ؟ فَقَالَ : يَنْفَع وَلَا يَضُرّ ; فَقَالَ : اللَّهُمَّ أَعْطِهِ مَا سَأَلَك عَلَى مَا فِي نَفْسه ; فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلك أَنْ يَخُور . وَكَانَ إِذَا خَارَ سَجَدُوا , وَكَانَ الْخُوَار مِنْ دَعْوَة هَارُون . قَالَ اِبْن عَبَّاس : خَارَ كَمَا يَخُور الْحَيّ مِنْ الْعُجُول . وَرَوَى أَنَّ مُوسَى قَالَ : يَا رَبّ هَذَا السَّامِرِيّ أَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَار مِنْ حُلِيّهمْ , فَمَنْ جَعَلَ الْجَسَد وَالْخُوَار ؟ قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَنَا . قَالَ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَعِزَّتك وَجَلَالك وَارْتِفَاعك وَعُلُوّك وَسُلْطَانك مَا أَضَلَّهُمْ غَيْرك . قَالَ : صَدَقْت يَا حَكِيم الْحُكَمَاء . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا كُلّه فِي سُورَة " الْأَعْرَاف "
أَيْ قَالَ السَّامِرِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَكَانُوا مَيَّالِينَ إِلَى التَّشْبِيه ; إِذَا قَالُوا " اِجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَة " [ الْأَعْرَاف 138 ]
أَيْ فَضَلَّ مُوسَى [ وَذَهَبَ ] بِطَلَبِهِ فَلَمْ يَعْلَم مَكَانه , وَأَخْطَأَ الطَّرِيق إِلَى رَبّه . وَقِيلَ مَعْنَاهُ : فَتَرَكَهُ مُوسَى هُنَا وَخَرَجَ يَطْلُبهُ . أَيْ تَرَكَ مُوسَى إِلَهه هُنَا . وَرَوَى إِسْرَائِيل عَنْ سِمَاك عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : أَيْ فَنَسِيَ مُوسَى أَنْ يَذْكُر لَكُمْ أَنَّهُ إِلَهه . وَقِيلَ : الْخِطَاب خَبَر عَنْ السَّامِرِيّ . أَيْ تَرَكَ السَّامِرِيّ مَا أَمَرَهُ بِهِ مُوسَى مِنْ الْإِيمَان فَضَلَّ ; قَالَهُ اِبْن الْأَعْرَابِيّ .
فَقَالَ اللَّه تَعَالَى مُحْتَجًّا عَلَيْهِمْ : " أَفَلَا يَرَوْنَ " أَيْ يَعْتَبِرُونَ وَيَتَفَكَّرُونَ . فِي أَنَّه " لَّا يَرْجِع إِلَيْهِمْ قَوْلًا " .
أَيْ لَا يُكَلِّمهُمْ . وَقِيلَ : لَا يَعُود إِلَى الْخُوَار وَالصَّوْت . " أَنْ لَا يَرْجِع " تَقْدِيره أَنَّهُ لَا يَرْجِع فَلِذَلِكَ اِرْتَفَعَ الْفِعْل فَخُفِّفَتْ " أَنْ " وَحُذِفَ الضَّمِير . وَهُوَ الِاخْتِيَار فِي الرُّؤْيَة وَالْعِلْم وَالظَّنّ . قَالَ فِي فِتْيَة مِنْ سُيُوف الْهِنْد قَدْ عَلِمُوا أَنْ هَالِكٌ كُلّ مَنْ يَحْفَى وَيَنْتَعِل وَقَدْ يُحْذَف مَعَ التَّشْدِيد ; قَالَ فَلَوْ كُنْت ضَبِّيًّا عَرَفْت قَرَابَتِي وَلَكِنَّ زِنْجِيّ عَظِيم الْمَشَافِر أَيْ وَلَكِنَّك .
فَكَيْفَ يَكُون إِلَهًا ؟ وَاَلَّذِي يَعْبُدهُ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْفَع وَيُثِيب وَيُعْطِي وَيَمْنَع .
أَيْ لَا يُكَلِّمهُمْ . وَقِيلَ : لَا يَعُود إِلَى الْخُوَار وَالصَّوْت . " أَنْ لَا يَرْجِع " تَقْدِيره أَنَّهُ لَا يَرْجِع فَلِذَلِكَ اِرْتَفَعَ الْفِعْل فَخُفِّفَتْ " أَنْ " وَحُذِفَ الضَّمِير . وَهُوَ الِاخْتِيَار فِي الرُّؤْيَة وَالْعِلْم وَالظَّنّ . قَالَ فِي فِتْيَة مِنْ سُيُوف الْهِنْد قَدْ عَلِمُوا أَنْ هَالِكٌ كُلّ مَنْ يَحْفَى وَيَنْتَعِل وَقَدْ يُحْذَف مَعَ التَّشْدِيد ; قَالَ فَلَوْ كُنْت ضَبِّيًّا عَرَفْت قَرَابَتِي وَلَكِنَّ زِنْجِيّ عَظِيم الْمَشَافِر أَيْ وَلَكِنَّك .
فَكَيْفَ يَكُون إِلَهًا ؟ وَاَلَّذِي يَعْبُدهُ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْفَع وَيُثِيب وَيُعْطِي وَيَمْنَع .
وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي ↓
أَيْ مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِي مُوسَى وَيَرْجِع إِلَيْهِمْ
أَيْ اُبْتُلِيتُمْ وَأُضْلِلْتُمْ بِهِ ; أَيْ بِالْعِجْلِ .
لَا الْعِجْل .
فِي عِبَادَته .
لَا أَمْر السَّامِرِيّ . أَوْ فَاتَّبِعُونِي فِي مَسِيرِي إِلَى مُوسَى وَدَعُوا الْعِجْل . فَعَصَوْهُ
أَيْ اُبْتُلِيتُمْ وَأُضْلِلْتُمْ بِهِ ; أَيْ بِالْعِجْلِ .
لَا الْعِجْل .
فِي عِبَادَته .
لَا أَمْر السَّامِرِيّ . أَوْ فَاتَّبِعُونِي فِي مَسِيرِي إِلَى مُوسَى وَدَعُوا الْعِجْل . فَعَصَوْهُ