يَعْنِي تَخَاصُم الْكَافِر وَالْمُؤْمِن وَالظَّالِم وَالْمَظْلُوم ; قَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . وَفِي خَبَر فِيهِ طُول : إِنَّ الْخُصُومَة تَبْلُغ يَوْم الْقِيَامَة إِلَى أَنْ يُحَاجَّ الرُّوح الْجَسَد . وَقَالَ الزُّبَيْر : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة قُلْنَا : يَا رَسُول اللَّه أَيُكَرَّرُ عَلَيْنَا مَا كَانَ بَيْنَنَا فِي الدُّنْيَا مَعَ خَوَاصّ الذُّنُوب ؟ قَالَ : ( نَعَمْ لَيُكَرَّرَنَّ عَلَيْكُمْ حَتَّى يُؤَدَّى إِلَى كُلّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ) فَقَالَ الزُّبَيْر : وَاَللَّهِ إِنَّ الْأَمْر لَشَدِيدٌ . وَقَالَ اِبْن عُمَر : لَقَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرنَا وَنَحْنُ نَرَى هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِينَا وَفِي أَهْل الْكِتَابَيْنِ : " ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ " فَقُلْنَا : وَكَيْف نَخْتَصِم وَنَبِيُّنَا وَاحِد وَدِينُنَا وَاحِد , حَتَّى رَأَيْت بَعْضَنَا يَضْرِبُ وُجُوهَ بَعْضٍ بِالسَّيْفِ ; فَعَرَفْت أَنَّهَا فِينَا نَزَلَتْ . وَقَالَ أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ : ( كُنَّا نَقُول رَبُّنَا وَاحِدٌ وَدِينُنَا وَاحِدٌ وَنَبِيُّنَا وَاحِدٌ فَمَا هَذِهِ الْخُصُومَة فَلَمَّا كَانَ يَوْم صِفِّينَ وَشَدَّ بَعْضنَا عَلَى بَعْض بِالسُّيُوفِ قُلْنَا نَعَمْ هُوَ هَذَا ) . وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة جَعَلَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ : مَا خُصُومَتنَا بَيْننَا ؟ فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالُوا : هَذِهِ خُصُومَتُنَا بَيْننَا . وَقِيلَ تَخَاصُمُهُمْ هُوَ تَحَاكُمُهُمْ إِلَى اللَّه تَعَالَى , فَيَسْتَوْفِي مِنْ حَسَنَات الظَّالِم بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ , وَيَرُدّهَا فِي حَسَنَات مَنْ وَجَبَتْ لَهُ . وَهَذَا عَامّ فِي جَمِيع الْمَظَالِم كَمَا فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِس ) قَالُوا : الْمُفْلِس فِينَا مَنْ لَا دِرْهَم لَهُ وَلَا مَتَاع . قَالَ : ( إِنَّ الْمُفْلِس مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة بِصَلَاةٍ وَصِيَام وَزَكَاة وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَال هَذَا وَسَفَكَ دَم هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاته وَهَذَا مِنْ حَسَنَاته فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاته قَبْل أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّار ) خَرَّجَهُ مُسْلِم . وَقَدْ مَضَى الْمَعْنَى مُجَوَّدًا فِي [ آل عِمْرَان ] وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَحَدٍ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْء فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْم قَبْل أَلَّا يَكُون دِينَار وَلَا دِرْهَم إِنْ كَانَ لَهُ عَمَل صَالِح أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَات أُخِذَ مِنْ سَيِّئَات صَاحِبه فَحُمِلَ عَلَيْهِ ) وَفِي الْحَدِيث الْمُسْنَد ( أَوَّل مَا تَقَع الْخُصُومَات فِي الدُّنْيَا ) وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْبَاب كُلّه فِي التَّذْكِرَة مُسْتَوْفًى .
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ ↓
أَيْ لَا أَحَدَ أَظْلَمُ
فَزَعَمَ أَنَّ لَهُ وَلَدًا وَشَرِيكًا
يَعْنِي الْقُرْآن
اِسْتِفْهَام تَقْرِير
أَيْ مُقَام لِلْجَاحِدِينَ , وَهُوَ مُشْتَقّ مِنْ ثَوَى بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ بِهِ يَثْوِي ثَوَاءً وَثُوِيًّا مِثْلُ مَضَى مَضَاءً وَمُضِيًّا , وَلَوْ كَانَ مِنْ أَثَوَى لَكَانَ مُثْوًى . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ ثَوَى هِيَ اللُّغَة الْفَصِيحَة . وَحَكَى أَبُو عُبَيْد أَثَوَى , وَأَنْشَدَ قَوْل الْأَعْشَى : أَثَوَى وَقَصَّرَ لَيْلَةً لِيُزَوَّدَا وَمَضَى وَأَخْلَفَ مِنْ قُتَيْلَةَ مَوْعِدَا وَالْأَصْمَعِيّ لَا يَعْرِف إِلَّا ثَوَى , وَيَرْوِي الْبَيْت أَثَوَى عَلَى الِاسْتِفْهَام . وَأَثْوَيْتُ غَيْرِي يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى .
فَزَعَمَ أَنَّ لَهُ وَلَدًا وَشَرِيكًا
يَعْنِي الْقُرْآن
اِسْتِفْهَام تَقْرِير
أَيْ مُقَام لِلْجَاحِدِينَ , وَهُوَ مُشْتَقّ مِنْ ثَوَى بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ بِهِ يَثْوِي ثَوَاءً وَثُوِيًّا مِثْلُ مَضَى مَضَاءً وَمُضِيًّا , وَلَوْ كَانَ مِنْ أَثَوَى لَكَانَ مُثْوًى . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ ثَوَى هِيَ اللُّغَة الْفَصِيحَة . وَحَكَى أَبُو عُبَيْد أَثَوَى , وَأَنْشَدَ قَوْل الْأَعْشَى : أَثَوَى وَقَصَّرَ لَيْلَةً لِيُزَوَّدَا وَمَضَى وَأَخْلَفَ مِنْ قُتَيْلَةَ مَوْعِدَا وَالْأَصْمَعِيّ لَا يَعْرِف إِلَّا ثَوَى , وَيَرْوِي الْبَيْت أَثَوَى عَلَى الِاسْتِفْهَام . وَأَثْوَيْتُ غَيْرِي يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى .
" وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ " فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَره " أُولَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ " وَاخْتُلِفَ فِي الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ; فَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : " الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ " النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَصَدَّقَ بِهِ " أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَقَالَ مُجَاهِد : النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام وَعَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . السُّدِّيّ : الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ جِبْرِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَلَّذِي صَدَّقَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ اِبْن زَيْد وَمُقَاتِل وَقَتَادَة : " الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ " النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَصَدَّقَ بِهِ " الْمُؤْمِنُونَ . وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : " أُولَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ " كَمَا قَالَ : " هُدًى لِلْمُتَّقِينَ " [ الْبَقَرَة : 2 ] . وَقَالَ النَّخَعِيّ وَمُجَاهِد : " الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ " الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَجِيئُونَ بِالْقُرْآنِ يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُولُونَ : هَذَا الَّذِي أَعْطَيْتُمُونَا قَدْ اِتَّبَعْنَا مَا فِيهِ ; فَيَكُون " الَّذِي " عَلَى هَذَا بِمَعْنَى جَمْع كَمَا تَكُون مَنْ بِمَعْنَى جَمْع . وَقِيلَ : بَلْ حُذِفَتْ مِنْهُ النُّون لِطُولِ الِاسْم , وَتَأَوَّلَ الشَّعْبِيّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِد . وَقَالَ : " الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ " مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُون عَلَى هَذَا خَبَره جَمَاعَة ; كَمَا يُقَال لِمَنْ يُعَظَّمُ هُوَ فَعَلُوا , وَزَيْد فَعَلُوا كَذَا وَكَذَا . وَقِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ عَامّ فِي كُلّ مَنْ دَعَا إِلَى تَوْحِيد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره , وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ . وَفِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود " وَاَلَّذِي جَاءُوا بِالصِّدْقِ وَصَدَّقُوا بِهِ " وَهِيَ قِرَاءَة عَلَى التَّفْسِير . وَفِي قِرَاءَة أَبِي صَالِح الْكُوفِيّ " وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَقَ بِهِ " مُخَفَّفًا عَلَى مَعْنَى وَصَدَقَ بِمَجِيئِهِ بِهِ , أَيْ صَدَقَ فِي طَاعَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَقَدْ مَضَى فِي [ الْبَقَرَة ] الْكَلَام فِي " الَّذِي " وَأَنَّهُ يَكُون وَاحِدًا وَيَكُون جَمْعًا .
أَيْ مِنْ النَّعِيم فِي الْجَنَّة , كَمَا يُقَال : لَك إِكْرَامٌ عِنْدِي ; أَيْ يَنَالُك مِنِّي ذَلِكَ .
الثَّنَاء فِي الدُّنْيَا وَالثَّوَاب فِي الْآخِرَة .
الثَّنَاء فِي الدُّنْيَا وَالثَّوَاب فِي الْآخِرَة .
لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ↓
أَيْ صَدَّقُوا " لِيُكَفِّرَ اللَّه عَنْهُمْ " .
أَيْ يُكْرِمَهُمْ وَلَا يُؤَاخِذَهُمْ بِمَا عَمِلُوا قَبْل الْإِسْلَام .
أَيْ يُثِيبهُمْ عَلَى الطَّاعَات فِي الدُّنْيَا
وَهِيَ الْجَنَّة .
أَيْ يُكْرِمَهُمْ وَلَا يُؤَاخِذَهُمْ بِمَا عَمِلُوا قَبْل الْإِسْلَام .
أَيْ يُثِيبهُمْ عَلَى الطَّاعَات فِي الدُّنْيَا
وَهِيَ الْجَنَّة .
أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ↓
حُذِفَتْ الْيَاء مِنْ " كَافٍ " لَسُكُونهَا وَسُكُون التَّنْوِين بَعْدهَا ; وَكَانَ الْأَصْل أَلَّا تُحْذَفَ فِي الْوَقْف لِزَوَالِ التَّنْوِين , إِلَّا أَنَّهَا حُذِفَتْ لِيُعْلَم أَنَّهَا كَذَلِكَ فِي الْوَصْل . وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يُثْبِتُهَا فِي الْوَقْف عَلَى الْأَصْل فَيَقُول : كَافِي . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " عَبْده " بِالتَّوْحِيدِ يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْفِيهِ اللَّه وَعِيدَ الْمُشْرِكِينَ وَكَيْدهمْ . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " عِبَاده " وَهُمْ الْأَنْبِيَاء أَوْ الْأَنْبِيَاء وَالْمُؤْمِنُونَ بِهِمْ . وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْدَة قِرَاءَة الْجَمَاعَة لِقَوْلِهِ عَقِيبَهُ : " وَيُخَوِّفُونَك بِاَلَّذِينَ مِنْ دُونه " . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْعَبْد لَفْظ الْجِنْس ; كَقَوْلِهِ عَزَّ مِنْ قَائِل : " إِنَّ الْإِنْسَان لَفِي خُسْر " [ الْعَصْر : 2 ] وَعَلَى هَذَا تَكُون الْقِرَاءَة الْأُولَى رَاجِعَة إِلَى الثَّانِيَة . وَالْكِفَايَة شَرّ الْأَصْنَام , فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُخَوِّفُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْأَصْنَامِ , حَتَّى قَالَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام . " وَكَيْف أَخَاف مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاَللَّهِ " [ الْأَنْعَام : 81 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : إِنَّ اللَّه كَافٍ عَبْده الْمُؤْمِن وَعَبْده الْكَافِر , هَذَا بِالثَّوَابِ وَهَذَا بِالْعِقَابِ .
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ خَوَّفُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَضَرَّة الْأَوْثَان , فَقَالُوا : أَتَسُبُّ آلِهَتنَا ؟ لَئِنْ لَمْ تَكُفَّ عَنْ ذِكْرهَا لَتُخَبِّلَنَّكَ أَوْ تُصِيبَنَّكَ بِسُوءٍ . وَقَالَ قَتَادَة : مَشَى خَالِد بْن الْوَلِيد إِلَى الْعُزَّى لِيَكْسِرَهَا بِالْفَأْسِ . فَقَالَ لَهُ سَادِنهَا : أُحَذِّرُكهَا يَا خَالِد فَإِنَّ لَهَا شِدَّةً لَا يَقُوم لَهَا شَيْء , فَعَمَدَ خَالِد إِلَى الْعُزَّى فَهَشَّمَ أَنْفَهَا حَتَّى كَسَرَهَا بِالْفَأْسِ . وَتَخْوِيفهمْ لِخَالِدٍ تَخْوِيف لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُ الَّذِي وَجَّهَ خَالِدًا . وَيَدْخُل فِي الْآيَة تَخْوِيفهمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَثْرَةِ جَمْعِهِمْ وَقُوَّتهمْ ; كَمَا قَالَ : " أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيع مُنْتَصِر " [ الْقَمَر : 44 ]
أَيْ مَنْ خَذَلَهُ فَلَا مُرْشِد لَهُ . وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى الْقَدَرِيَّة وَغَيْرهمْ . وَقَدْ مَضَى مَعْنَى هَذَا كُلّه مُسْتَوْفًى فِي غَيْر مَوْضِع وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَوَقَفَ اِبْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن عَلَى قَوْله : " هَادٍ " فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالْيَاءِ , الْبَاقُونَ بِغَيْرِ يَاء .
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ خَوَّفُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَضَرَّة الْأَوْثَان , فَقَالُوا : أَتَسُبُّ آلِهَتنَا ؟ لَئِنْ لَمْ تَكُفَّ عَنْ ذِكْرهَا لَتُخَبِّلَنَّكَ أَوْ تُصِيبَنَّكَ بِسُوءٍ . وَقَالَ قَتَادَة : مَشَى خَالِد بْن الْوَلِيد إِلَى الْعُزَّى لِيَكْسِرَهَا بِالْفَأْسِ . فَقَالَ لَهُ سَادِنهَا : أُحَذِّرُكهَا يَا خَالِد فَإِنَّ لَهَا شِدَّةً لَا يَقُوم لَهَا شَيْء , فَعَمَدَ خَالِد إِلَى الْعُزَّى فَهَشَّمَ أَنْفَهَا حَتَّى كَسَرَهَا بِالْفَأْسِ . وَتَخْوِيفهمْ لِخَالِدٍ تَخْوِيف لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُ الَّذِي وَجَّهَ خَالِدًا . وَيَدْخُل فِي الْآيَة تَخْوِيفهمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَثْرَةِ جَمْعِهِمْ وَقُوَّتهمْ ; كَمَا قَالَ : " أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيع مُنْتَصِر " [ الْقَمَر : 44 ]
أَيْ مَنْ خَذَلَهُ فَلَا مُرْشِد لَهُ . وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى الْقَدَرِيَّة وَغَيْرهمْ . وَقَدْ مَضَى مَعْنَى هَذَا كُلّه مُسْتَوْفًى فِي غَيْر مَوْضِع وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَوَقَفَ اِبْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن عَلَى قَوْله : " هَادٍ " فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالْيَاءِ , الْبَاقُونَ بِغَيْرِ يَاء .
أَيْ مِمَّنْ عَادَاهُ أَوَعَادَى رُسُله .
وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ↓
أَيْ وَلَئِنْ سَأَلْتهمْ يَا مُحَمَّد
بَيَّنَ أَنَّهُمْ مَعَ عِبَادَتهمْ الْأَوْثَان مُقِرُّونَ بِأَنَّ الْخَالِق هُوَ اللَّه , وَإِذَا كَانَ اللَّه هُوَ الْخَالِق فَكَيْف يُخَوِّفُونَك بِآلِهَتِهِمْ الَّتِي هِيَ مَخْلُوقَة لِلَّهِ تَعَالَى , وَأَنْتَ رَسُول اللَّه الَّذِي خَلَقَهَا وَخَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض .
أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد بَعْد اِعْتِرَافهمْ بِهَذَا " أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه "
بِشِدَّةٍ وَبَلَاء
يَعْنِي هَذِهِ الْأَصْنَام وَقَرَأَ نَافِع وَابْن كَثِير وَالْكُوفِيُّونَ مَا عَدَا عَاصِمًا " كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ " بِغَيْرِ تَنْوِين . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَشَيْبَةُ وَهِيَ الْمَعْرُوفَة مِنْ قِرَاءَة الْحَسَن وَعَاصِم " هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتٌ ضُرَّهُ " .
نِعْمَة وَرَخَاء
قَالَ مُقَاتِل : فَسَأَلَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَكَتُوا . وَقَالَ غَيْره : قَالُوا لَا تَدْفَع شَيْئًا قَدَّرَهُ اللَّه وَلَكِنَّهَا تَشْفَع . " مُمْسِكَات رَحْمَته " بِالتَّنْوِينِ عَلَى الْأَصْل وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد وَأَبِي حَاتِم ; لِأَنَّهُ اِسْم فَاعِل فِي مَعْنَى الِاسْتِقْبَال , وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ التَّنْوِين أَجْوَدَ . قَالَ الشَّاعِر : الضَّارِبُونَ عُمَيْرًا عَنْ بُيُوتهمْ وَ بِاللَّيْلِ يَوْم عُمَيْر ظَالِم عَادِي وَلَوْ كَانَ مَاضِيًا لَمْ يَجُزْ فِيهِ التَّنْوِين , وَحَذْف التَّنْوِين عَلَى التَّحْقِيق , فَإِذَا حَذَفْت التَّنْوِين لَمْ يَبْقَ بَيْن الِاسْمَيْنِ حَاجِز فَخَفَضْت الثَّانِي بِالْإِضَافَةِ . وَحَذْف التَّنْوِين كَثِير فِي كَلَام الْعَرَب مَوْجُود حَسَن ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَة " [ الْمَائِدَة : 95 ] وَقَالَ : " إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ " [ الْقَمَر : 27 ] قَالَ سِيبَوَيْهِ : وَمِثْل ذَلِكَ " غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ " [ الْمَائِدَة : 1 ] وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ : هَلْ أَنْتَ بَاعِثُ دِينَارٍ لِحَاجَتِنَا و أَوْ عَبْد رَبٍّ أَخَا عَوْن بْن مِخْرَاقِ وَقَالَ النَّابِغَة : اُحْكُمْ كَحُكْمِ فَتَاةِ الْحَيِّ إِذْ نَظَرَتْ وَ إِلَى حَمَامٍ شَرَاعٍ وَارِدِ الثَّمَدِ مَعْنَاهُ وَارِد الثَّمَد فَحُذِفَ التَّنْوِين ; مِثْل " كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ " .
تَرَكَ الْجَوَاب لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ ; يَعْنِي فَسَيَقُولُونَ لَا أَيْ لَا تَكْشِف وَلَا تُمْسِك فَـ " قُلْ " أَنْتَ " حَسْبِيَ اللَّه " أَيْ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت أَيْ اِعْتَمَدْت
يَعْتَمِد الْمُعْتَمِدُونَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام فِي التَّوَكُّل .
بَيَّنَ أَنَّهُمْ مَعَ عِبَادَتهمْ الْأَوْثَان مُقِرُّونَ بِأَنَّ الْخَالِق هُوَ اللَّه , وَإِذَا كَانَ اللَّه هُوَ الْخَالِق فَكَيْف يُخَوِّفُونَك بِآلِهَتِهِمْ الَّتِي هِيَ مَخْلُوقَة لِلَّهِ تَعَالَى , وَأَنْتَ رَسُول اللَّه الَّذِي خَلَقَهَا وَخَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض .
أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد بَعْد اِعْتِرَافهمْ بِهَذَا " أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه "
بِشِدَّةٍ وَبَلَاء
يَعْنِي هَذِهِ الْأَصْنَام وَقَرَأَ نَافِع وَابْن كَثِير وَالْكُوفِيُّونَ مَا عَدَا عَاصِمًا " كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ " بِغَيْرِ تَنْوِين . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَشَيْبَةُ وَهِيَ الْمَعْرُوفَة مِنْ قِرَاءَة الْحَسَن وَعَاصِم " هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتٌ ضُرَّهُ " .
نِعْمَة وَرَخَاء
قَالَ مُقَاتِل : فَسَأَلَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَكَتُوا . وَقَالَ غَيْره : قَالُوا لَا تَدْفَع شَيْئًا قَدَّرَهُ اللَّه وَلَكِنَّهَا تَشْفَع . " مُمْسِكَات رَحْمَته " بِالتَّنْوِينِ عَلَى الْأَصْل وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد وَأَبِي حَاتِم ; لِأَنَّهُ اِسْم فَاعِل فِي مَعْنَى الِاسْتِقْبَال , وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ التَّنْوِين أَجْوَدَ . قَالَ الشَّاعِر : الضَّارِبُونَ عُمَيْرًا عَنْ بُيُوتهمْ وَ بِاللَّيْلِ يَوْم عُمَيْر ظَالِم عَادِي وَلَوْ كَانَ مَاضِيًا لَمْ يَجُزْ فِيهِ التَّنْوِين , وَحَذْف التَّنْوِين عَلَى التَّحْقِيق , فَإِذَا حَذَفْت التَّنْوِين لَمْ يَبْقَ بَيْن الِاسْمَيْنِ حَاجِز فَخَفَضْت الثَّانِي بِالْإِضَافَةِ . وَحَذْف التَّنْوِين كَثِير فِي كَلَام الْعَرَب مَوْجُود حَسَن ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَة " [ الْمَائِدَة : 95 ] وَقَالَ : " إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ " [ الْقَمَر : 27 ] قَالَ سِيبَوَيْهِ : وَمِثْل ذَلِكَ " غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ " [ الْمَائِدَة : 1 ] وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ : هَلْ أَنْتَ بَاعِثُ دِينَارٍ لِحَاجَتِنَا و أَوْ عَبْد رَبٍّ أَخَا عَوْن بْن مِخْرَاقِ وَقَالَ النَّابِغَة : اُحْكُمْ كَحُكْمِ فَتَاةِ الْحَيِّ إِذْ نَظَرَتْ وَ إِلَى حَمَامٍ شَرَاعٍ وَارِدِ الثَّمَدِ مَعْنَاهُ وَارِد الثَّمَد فَحُذِفَ التَّنْوِين ; مِثْل " كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ " .
تَرَكَ الْجَوَاب لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ ; يَعْنِي فَسَيَقُولُونَ لَا أَيْ لَا تَكْشِف وَلَا تُمْسِك فَـ " قُلْ " أَنْتَ " حَسْبِيَ اللَّه " أَيْ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت أَيْ اِعْتَمَدْت
يَعْتَمِد الْمُعْتَمِدُونَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام فِي التَّوَكُّل .
وَقَرَأَ أَبُو بَكْر بِالْجَمْعِ " مَكَانَاتِكُمْ " . وَالْمَكَانَة الطَّرِيقَة . وَالْمَعْنَى اُثْبُتُوا عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ فَأَنَا أَثْبُت عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ . فَإِنْ قِيلَ : كَيْف يَجُوز أَنْ يُؤْمَرُوا بِالثَّبَاتِ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ وَهُمْ كُفَّار . فَالْجَوَاب أَنَّ هَذَا تَهْدِيد ; كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : " فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا " [ التَّوْبَة : 82 ] . وَدَلَّ عَلَيْهِ " فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُون لَهُ عَاقِبَة الدَّار " أَيْ الْعَاقِبَة الْمَحْمُودَة الَّتِي يُحْمَد صَاحِبهَا عَلَيْهَا , أَيْ مَنْ لَهُ النَّصْر فِي دَار الْإِسْلَام , وَمَنْ لَهُ وِرَاثَة الْأَرْض , وَمَنْ لَهُ الدَّار الْآخِرَة , أَيْ الْجَنَّة . قَالَ الزَّجَّاج : " مَكَانَتكُمْ " تَمَكُّنكُمْ فِي الدُّنْيَا . اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن وَالنَّخَعِيّ : عَلَى نَاحِيَتكُمْ . الْقُتَبِيّ : عَلَى مَوْضِعكُمْ .
أَيْ عَلَى مَكَانَتِي أَيْ عَلَى جِهَتِي الَّتِي تَمَكَّنَتْ عِنْدِي
أَيْ عَلَى مَكَانَتِي أَيْ عَلَى جِهَتِي الَّتِي تَمَكَّنَتْ عِنْدِي
أَيْ يُهِينُهُ وَيُذِلُّهُ أَيْ فِي الدُّنْيَا وَذَلِكَ بِالْجُوعِ وَالسَّيْف .
أَيْ فِي الْآخِرَة
أَيْ فِي الْآخِرَة
إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ ↓
يَعْنِي الْقُرْآن وَالْقُرْآن نَزَلَ نُجُومًا : شَيْئًا بَعْد شَيْء ; فَلِذَلِكَ قَالَ " أَنْزَلْنَا " وَالتَّنْزِيل مَرَّة بَعْد مَرَّة . وَالتَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل نَزَلَا دَفْعَة وَاحِدَة فَلِذَلِكَ قَالَ " أَنْزَلْنَا "
أَيْ بِالصِّدْقِ وَقِيلَ : بِالْحُجَّةِ الْغَالِبَة . وَالْبَاء فِي قَوْل " بِالْحَقِّ " فِي مَوْضِع الْحَال مِنْ الْكِتَاب وَالْبَاء مُتَعَلِّقَة بِمَحْذُوفٍ التَّقْدِير آتِيًا بِالْحَقِّ وَلَا تَتَعَلَّق بِ " أَنْزَلْنَا " لِأَنَّهُ قَدْ تَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ أَحَدهمَا بِحَرْفِ جَرّ , وَلَا يَتَعَدَّى إِلَى ثَالِث .
أَيْ لِخَلَاصِ نَفْسه .
أَيْ تَرَكَ الرَّسُول وَالْقُرْآن وَاتَّبَعَ الْأَصْنَام وَالْأَوْثَان .
أَيْ وَبَال ذَلِكَ عَلَى نَفْسه .
أَيْ بِحَفِيظٍ يَحْفَظ أَعْمَالهمْ إِنَّمَا أَنْتَ رَسُول . قَالَ اِبْن عَبَّاس : نَسَخَتْهَا آيَة السَّيْف .
أَيْ بِالصِّدْقِ وَقِيلَ : بِالْحُجَّةِ الْغَالِبَة . وَالْبَاء فِي قَوْل " بِالْحَقِّ " فِي مَوْضِع الْحَال مِنْ الْكِتَاب وَالْبَاء مُتَعَلِّقَة بِمَحْذُوفٍ التَّقْدِير آتِيًا بِالْحَقِّ وَلَا تَتَعَلَّق بِ " أَنْزَلْنَا " لِأَنَّهُ قَدْ تَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ أَحَدهمَا بِحَرْفِ جَرّ , وَلَا يَتَعَدَّى إِلَى ثَالِث .
أَيْ لِخَلَاصِ نَفْسه .
أَيْ تَرَكَ الرَّسُول وَالْقُرْآن وَاتَّبَعَ الْأَصْنَام وَالْأَوْثَان .
أَيْ وَبَال ذَلِكَ عَلَى نَفْسه .
أَيْ بِحَفِيظٍ يَحْفَظ أَعْمَالهمْ إِنَّمَا أَنْتَ رَسُول . قَالَ اِبْن عَبَّاس : نَسَخَتْهَا آيَة السَّيْف .
اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ↓
أَيْ يَقْبِضُهَا عِنْد فَنَاءِ آجَالِهَا
اُخْتُلِفَ فِيهِ . فَقِيلَ : يَقْبِضُهَا عَنْ التَّصَرُّف مَعَ بَقَاء أَرْوَاحهَا فِي أَجْسَادهَا
وَهِيَ النَّائِمَة فَيُطْلِقُهَا بِالتَّصَرُّفِ إِلَى أَجَل مَوْتهَا ; قَالَ اِبْن عِيسَى . وَقَالَ الْفَرَّاء : الْمَعْنَى وَيَقْبِض الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا عِنْد اِنْقِضَاء أَجَلهَا . قَالَ : وَقَدْ يَكُون تَوَفِّيهَا نَوْمَهَا ; فَيَكُون التَّقْدِير عَلَى هَذَا وَاَلَّتِي لَمْ تَمُتْ وَفَاتُهَا نَوْمُهَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره مِنْ الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّ أَرْوَاح الْأَحْيَاء وَالْأَمْوَات تَلْتَقِي فِي الْمَنَام فَتَتَعَارَف مَا شَاءَ اللَّه مِنْهَا , فَإِذَا أَرَادَ جَمِيعهَا الرُّجُوع إِلَى الْأَجْسَاد أَمْسَكَ اللَّه أَرْوَاح الْأَمْوَات عِنْده , وَأَرْسَلَ أَرْوَاح الْأَحْيَاء إِلَى أَجْسَادهَا . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : إِنَّ اللَّه يَقْبِض أَرْوَاح الْأَمْوَات إِذَا مَاتُوا , وَأَرْوَاح الْأَحْيَاء إِذَا نَامُوا , فَتَتَعَارَف مَا شَاءَ اللَّه أَنْ تَتَعَارَف " فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت وَيُرْسِل الْأُخْرَى " أَيْ يُعِيدهَا . قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : فَمَا رَأَتْهُ نَفْس النَّائِم وَهِيَ فِي السَّمَاء قَبْل إِرْسَالهَا إِلَى جَسَدهَا فَهِيَ الرُّؤْيَا الصَّادِقَة , وَمَا رَأَتْهُ بَعْد إِرْسَالهَا وَقَبْل اِسْتِقْرَارهَا فِي جَسَدهَا تُلْقِيهَا الشَّيَاطِين , وَتُخَيِّل إِلَيْهَا الْأَبَاطِيل فَهِيَ الرُّؤْيَا الْكَاذِبَة . وَقَالَ اِبْن زَيْد : النَّوْم وَفَاة وَالْمَوْت وَفَاة . وَعَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( كَمَا تَنَامُونَ فَكَذَلِكَ تَمُوتُونَ وَكَمَا تُوقَظُونَ فَكَذَلِكَ تُبْعَثُونَ ) . وَقَالَ عُمَر : النَّوْم أَخُو الْمَوْت . وَرُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيث جَابِر بْن عَبْد اللَّه قِيلَ : يَا رَسُول اللَّه أَيَنَامُ أَهْل الْجَنَّة ؟ قَالَ : ( لَا النَّوْم أَخُو الْمَوْت وَالْجَنَّة لَا مَوْت فِيهَا ) خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : ( فِي اِبْن آدَم نَفْس وَرُوح بَيْنهمَا مِثْل شُعَاع الشَّمْس , فَالنَّفْس الَّتِي بِهَا الْعَقْل وَالتَّمْيِيز , وَالرُّوح الَّتِي بِهَا النَّفَس وَالتَّحْرِيك , فَإِذَا نَامَ الْعَبْد قَبَضَ اللَّه نَفْسه وَلَمْ يَقْبِض رُوحه ) . وَهَذَا قَوْل اِبْن الْأَنْبَارِيّ وَالزَّجَّاج . قَالَ الْقُشَيْرِيّ أَبُو نَصْر : وَفِي هَذَا بُعْد إِذْ الْمَفْهُوم مِنْ الْآيَة أَنَّ النَّفْس الْمَقْبُوضَة فِي الْحَال شَيْء وَاحِد ; وَلِهَذَا قَالَ : " فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت وَيُرْسِل الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى " فَإِذًا يَقْبِض اللَّه الرُّوح فِي حَالَيْنِ فِي حَالَة النَّوْم وَحَالَة الْمَوْت , فَمَا قَبَضَهُ فِي حَال النَّوْم فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَغْمُرُهُ بِمَا يَحْبِسُهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فَكَأَنَّهُ شَيْء مَقْبُوض , وَمَا قَبَضَهُ فِي حَال الْمَوْت فَهُوَ يُمْسِكُهُ وَلَا يُرْسِلُهُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . وَقَوْله : " وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى " أَيْ يُزِيل الْحَابِس عَنْهُ فَيَعُود كَمَا كَانَ . فَتَوَفِّي الْأَنْفُس فِي حَال النَّوْم بِإِزَالَةِ الْحِسّ وَخَلْق الْغَفْلَة وَالْآفَة فِي مَحَلّ الْإِدْرَاك . وَتَوَفِّيهَا فِي حَالَة الْمَوْت بِخَلْقِ الْمَوْت وَإِزَالَة الْحِسّ بِالْكُلِّيَّةِ . " فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت " بِأَلَّا يَخْلُق فِيهَا الْإِدْرَاك كَيْف وَقَدْ خَلَقَ فِيهَا الْمَوْت ؟ " وَيُرْسِل الْأُخْرَى " بِأَنْ يُعِيد إِلَيْهَا الْإِحْسَاس . وَقَدْ اِخْتَلَفَ النَّاس مِنْ هَذِهِ الْآيَة فِي النَّفْس وَالرُّوح ; هَلْ هُمَا شَيْء وَاحِد أَوْ شَيْئَانِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا . وَالْأَظْهَر أَنَّهُمَا شَيْء وَاحِد , وَهُوَ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآثَار الصِّحَاح عَلَى مَا نَذْكُرهُ فِي هَذَا الْبَاب . مِنْ ذَلِكَ حَدِيث أُمّ سَلَمَة قَالَتْ : دَخَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سَلَمَة وَقَدْ شُقَّ بَصَره فَأَغْمَضَهُ , ثُمَّ قَالَ : ( إِنَّ الرُّوح إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ ) وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلَمْ تَرَوْا الْإِنْسَان إِذَا مَاتَ شَخَصَ بَصَرُهُ ) قَالَ : ( فَذَلِكَ حِين يَتْبَعُ بَصَرُهُ نَفْسَهُ ) خَرَّجَهُمَا مُسْلِم . وَعَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تَحْضُر الْمَلَائِكَة فَإِذَا كَانَ الرَّجُل صَالِحًا قَالُوا اُخْرُجِي أَيَّتهَا النَّفْس الطَّيِّبَة كَانَتْ فِي الْجَسَد الطَّيِّب اُخْرُجِي حَمِيدَة وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَان وَرَبّ رَاضٍ غَيْر غَضْبَان فَلَا يَزَال يُقَال لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُج ثُمَّ يُعْرَج بِهَا إِلَى السَّمَاء ... ) وَذَكَرَ الْحَدِيث وَإِسْنَاده صَحِيح خَرَّجَهُ اِبْن مَاجَهْ ; وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي التَّذْكِرَة . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : ( إِذَا خَرَجَتْ رُوح الْمُؤْمِن تَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يَصْعَدَانِ بِهَا ... ) . وَذَكَرَ الْحَدِيث . وَقَالَ بِلَال فِي حَدِيث الْوَادِي : أَخَذَ بِنَفْسِي يَا رَسُول اللَّه الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك . وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقَابِلًا لَهُ فِي حَدِيث زَيْد بْن أَسْلَمَ فِي حَدِيث الْوَادِي : ( يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّ اللَّه قَبَضَ أَرْوَاحَنَا وَلَوْ شَاءَ رَدَّهَا إِلَيْنَا فِي حِين غَيْر هَذَا ) . وَالصَّحِيح فِيهِ أَنَّهُ جِسْم لَطِيف مُشَابِك لِلْأَجْسَامِ الْمَحْسُوسَة , يُجْذَب وَيُخْرَج وَفِي أَكْفَانِهِ يُلَفّ وَيُدْرَج , وَبِهِ إِلَى السَّمَاء يُعْرَج , لَا يَمُوت وَلَا يَفْنَى , وَهُوَ مِمَّا لَهُ أَوَّل وَلَيْسَ لَهُ آخِر , وَهُوَ بِعَيْنَيْنِ وَيَدَيْنِ , وَأَنَّهُ ذُو رِيح طَيِّبَة وَخَبِيثَة ; كَمَا فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة . وَهَذِهِ صِفَة الْأَجْسَام لَا صِفَة الْأَعْرَاض ; وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَخْبَار بِهَذَا كُلّه فِي كِتَاب التَّذْكِرَة بِأَحْوَالِ الْمَوْتَى وَأُمُور الْآخِرَة . وَقَالَ تَعَالَى : " فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُوم " [ الْوَاقِعَة : 83 ] يَعْنِي النَّفْس إِلَى خُرُوجهَا مِنْ الْجَسَد ; وَهَذِهِ صِفَة الْجِسْم . وَاَللَّه أَعْلَم . خَرَّجَ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا أَوَى أَحَدكُمْ إِلَى فِرَاشه فَلْيَأْخُذْ دَاخِلَةَ إِزَاره فَلْيَنْفُضْ بِهَا فِرَاشه وَلِيُسَمِّ اللَّه فَإِنَّهُ لَا يَعْلَم مَا خَلَفَهُ بَعْد عَلَى فِرَاشه فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَضْطَجِع فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَن وَلْيَقُلْ سُبْحَانَك رَبِّي وَضَعْت جَنْبِي وَبِك أَرْفَعهُ إِنْ أَمْسَكْت نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا ) . وَقَالَ الْبُخَارِيّ وَابْن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيّ : ( فَارْحَمْهَا ) بَدَل ( فَاغْفِرْ لَهَا ) ( وَإِنْ أَرْسَلْتهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظ بِهِ عِبَادك الصَّالِحِينَ ) زَادَ التِّرْمِذِيّ ( وَإِذَا اِسْتَيْقَظَ فَلْيَقُلْ الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ ) . وَخَرَّجَ الْبُخَارِيّ عَنْ حُذَيْفَة قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنْ اللَّيْل وَضَعَ يَده تَحْت خَدِّهِ ; ثُمَّ يَقُول : ( اللَّهُمَّ بِاسْمِك أَمُوت وَأَحْيَا ) وَإِذَا اِسْتَيْقَظَ قَالَ : ( الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْد مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُور ) . " فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت " هَذِهِ قِرَاءَة الْعَامَّة عَلَى أَنَّهُ مُسَمَّى الْفَاعِل " الْمَوْت " نَصْبًا ; أَيْ قَضَى اللَّه عَلَيْهَا وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي حَاتِم وَأَبِي عُبَيْد ; لِقَوْلِهِ فِي أَوَّل الْآيَة : " اللَّه يَتَوَفَّى الْأَنْفُس " فَهُوَ يَقْضِي عَلَيْهَا . وَقَرَأَ الْأَعْمَش وَيَحْيَى بْن وَثَّاب وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " قُضِيَ عَلَيْهَا الْمَوْت " عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله . النَّحَّاس , وَالْمَعْنَى وَاحِد غَيْر أَنَّ الْقِرَاءَة الْأُولَى أَبْيَنُ وَأَشْبَهُ بِنَسَقِ الْكَلَام ; لِأَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى " وَيُرْسِلُ " وَلَمْ يَقْرَءُوا " وَيُرْسَلُ " . وَفِي الْآيَة تَنْبِيهٌ عَلَى عَظِيم قُدْرَته وَانْفِرَاده بِالْأُلُوهِيَّةِ , وَأَنَّهُ يَفْعَل مَا يَشَاء , وَيُحْيِي وَيُمِيت , لَا يَقْدِر عَلَى ذَلِكَ سِوَاهُ .
يَعْنِي فِي قَبْض اللَّه نَفْس الْمَيِّت وَالنَّائِم , وَإِرْسَاله نَفْس النَّائِم وَحَبْسه نَفْس الْمَيِّت وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ سَمِعْت مُعْتَمِرًا يَقُول : رُوح الْإِنْسَان مِثْل كُبَّة الْغَزْل , فَتُرْسَل الرُّوح , فَيَمْضِي ثُمَّ تَمْضِي ثُمَّ تُطْوَى فَتَجِيء فَتَدْخُل ; فَمَعْنَى الْآيَة أَنَّهُ يُرْسَل مِنْ الرُّوح شَيْء فِي حَال النَّوْم وَمُعْظَمهَا فِي الْبَدَن مُتَّصِل بِمَا يَخْرُج مِنْهَا اِتِّصَالًا خَفِيًّا , فَإِذَا اِسْتَيْقَظَ الْمَرْء جَذَبَ مُعْظَمُ رُوحِهِ مَا اِنْبَسَطَ مِنْهَا فَعَادَ . وَقِيلَ غَيْر هَذَا ; وَفِي التَّنْزِيل : " وَيَسْأَلُونَك عَنْ الرُّوح قُلْ الرُّوح مِنْ أَمْر رَبِّي " [ الْإِسْرَاء : 85 ] أَيْ لَا يَعْلَم حَقِيقَتَهُ إِلَّا اللَّه . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي [ سُبْحَان ] .
اُخْتُلِفَ فِيهِ . فَقِيلَ : يَقْبِضُهَا عَنْ التَّصَرُّف مَعَ بَقَاء أَرْوَاحهَا فِي أَجْسَادهَا
وَهِيَ النَّائِمَة فَيُطْلِقُهَا بِالتَّصَرُّفِ إِلَى أَجَل مَوْتهَا ; قَالَ اِبْن عِيسَى . وَقَالَ الْفَرَّاء : الْمَعْنَى وَيَقْبِض الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا عِنْد اِنْقِضَاء أَجَلهَا . قَالَ : وَقَدْ يَكُون تَوَفِّيهَا نَوْمَهَا ; فَيَكُون التَّقْدِير عَلَى هَذَا وَاَلَّتِي لَمْ تَمُتْ وَفَاتُهَا نَوْمُهَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره مِنْ الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّ أَرْوَاح الْأَحْيَاء وَالْأَمْوَات تَلْتَقِي فِي الْمَنَام فَتَتَعَارَف مَا شَاءَ اللَّه مِنْهَا , فَإِذَا أَرَادَ جَمِيعهَا الرُّجُوع إِلَى الْأَجْسَاد أَمْسَكَ اللَّه أَرْوَاح الْأَمْوَات عِنْده , وَأَرْسَلَ أَرْوَاح الْأَحْيَاء إِلَى أَجْسَادهَا . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : إِنَّ اللَّه يَقْبِض أَرْوَاح الْأَمْوَات إِذَا مَاتُوا , وَأَرْوَاح الْأَحْيَاء إِذَا نَامُوا , فَتَتَعَارَف مَا شَاءَ اللَّه أَنْ تَتَعَارَف " فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت وَيُرْسِل الْأُخْرَى " أَيْ يُعِيدهَا . قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : فَمَا رَأَتْهُ نَفْس النَّائِم وَهِيَ فِي السَّمَاء قَبْل إِرْسَالهَا إِلَى جَسَدهَا فَهِيَ الرُّؤْيَا الصَّادِقَة , وَمَا رَأَتْهُ بَعْد إِرْسَالهَا وَقَبْل اِسْتِقْرَارهَا فِي جَسَدهَا تُلْقِيهَا الشَّيَاطِين , وَتُخَيِّل إِلَيْهَا الْأَبَاطِيل فَهِيَ الرُّؤْيَا الْكَاذِبَة . وَقَالَ اِبْن زَيْد : النَّوْم وَفَاة وَالْمَوْت وَفَاة . وَعَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( كَمَا تَنَامُونَ فَكَذَلِكَ تَمُوتُونَ وَكَمَا تُوقَظُونَ فَكَذَلِكَ تُبْعَثُونَ ) . وَقَالَ عُمَر : النَّوْم أَخُو الْمَوْت . وَرُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيث جَابِر بْن عَبْد اللَّه قِيلَ : يَا رَسُول اللَّه أَيَنَامُ أَهْل الْجَنَّة ؟ قَالَ : ( لَا النَّوْم أَخُو الْمَوْت وَالْجَنَّة لَا مَوْت فِيهَا ) خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : ( فِي اِبْن آدَم نَفْس وَرُوح بَيْنهمَا مِثْل شُعَاع الشَّمْس , فَالنَّفْس الَّتِي بِهَا الْعَقْل وَالتَّمْيِيز , وَالرُّوح الَّتِي بِهَا النَّفَس وَالتَّحْرِيك , فَإِذَا نَامَ الْعَبْد قَبَضَ اللَّه نَفْسه وَلَمْ يَقْبِض رُوحه ) . وَهَذَا قَوْل اِبْن الْأَنْبَارِيّ وَالزَّجَّاج . قَالَ الْقُشَيْرِيّ أَبُو نَصْر : وَفِي هَذَا بُعْد إِذْ الْمَفْهُوم مِنْ الْآيَة أَنَّ النَّفْس الْمَقْبُوضَة فِي الْحَال شَيْء وَاحِد ; وَلِهَذَا قَالَ : " فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت وَيُرْسِل الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى " فَإِذًا يَقْبِض اللَّه الرُّوح فِي حَالَيْنِ فِي حَالَة النَّوْم وَحَالَة الْمَوْت , فَمَا قَبَضَهُ فِي حَال النَّوْم فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَغْمُرُهُ بِمَا يَحْبِسُهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فَكَأَنَّهُ شَيْء مَقْبُوض , وَمَا قَبَضَهُ فِي حَال الْمَوْت فَهُوَ يُمْسِكُهُ وَلَا يُرْسِلُهُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . وَقَوْله : " وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى " أَيْ يُزِيل الْحَابِس عَنْهُ فَيَعُود كَمَا كَانَ . فَتَوَفِّي الْأَنْفُس فِي حَال النَّوْم بِإِزَالَةِ الْحِسّ وَخَلْق الْغَفْلَة وَالْآفَة فِي مَحَلّ الْإِدْرَاك . وَتَوَفِّيهَا فِي حَالَة الْمَوْت بِخَلْقِ الْمَوْت وَإِزَالَة الْحِسّ بِالْكُلِّيَّةِ . " فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت " بِأَلَّا يَخْلُق فِيهَا الْإِدْرَاك كَيْف وَقَدْ خَلَقَ فِيهَا الْمَوْت ؟ " وَيُرْسِل الْأُخْرَى " بِأَنْ يُعِيد إِلَيْهَا الْإِحْسَاس . وَقَدْ اِخْتَلَفَ النَّاس مِنْ هَذِهِ الْآيَة فِي النَّفْس وَالرُّوح ; هَلْ هُمَا شَيْء وَاحِد أَوْ شَيْئَانِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا . وَالْأَظْهَر أَنَّهُمَا شَيْء وَاحِد , وَهُوَ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآثَار الصِّحَاح عَلَى مَا نَذْكُرهُ فِي هَذَا الْبَاب . مِنْ ذَلِكَ حَدِيث أُمّ سَلَمَة قَالَتْ : دَخَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سَلَمَة وَقَدْ شُقَّ بَصَره فَأَغْمَضَهُ , ثُمَّ قَالَ : ( إِنَّ الرُّوح إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ ) وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلَمْ تَرَوْا الْإِنْسَان إِذَا مَاتَ شَخَصَ بَصَرُهُ ) قَالَ : ( فَذَلِكَ حِين يَتْبَعُ بَصَرُهُ نَفْسَهُ ) خَرَّجَهُمَا مُسْلِم . وَعَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تَحْضُر الْمَلَائِكَة فَإِذَا كَانَ الرَّجُل صَالِحًا قَالُوا اُخْرُجِي أَيَّتهَا النَّفْس الطَّيِّبَة كَانَتْ فِي الْجَسَد الطَّيِّب اُخْرُجِي حَمِيدَة وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَان وَرَبّ رَاضٍ غَيْر غَضْبَان فَلَا يَزَال يُقَال لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُج ثُمَّ يُعْرَج بِهَا إِلَى السَّمَاء ... ) وَذَكَرَ الْحَدِيث وَإِسْنَاده صَحِيح خَرَّجَهُ اِبْن مَاجَهْ ; وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي التَّذْكِرَة . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : ( إِذَا خَرَجَتْ رُوح الْمُؤْمِن تَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يَصْعَدَانِ بِهَا ... ) . وَذَكَرَ الْحَدِيث . وَقَالَ بِلَال فِي حَدِيث الْوَادِي : أَخَذَ بِنَفْسِي يَا رَسُول اللَّه الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك . وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقَابِلًا لَهُ فِي حَدِيث زَيْد بْن أَسْلَمَ فِي حَدِيث الْوَادِي : ( يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّ اللَّه قَبَضَ أَرْوَاحَنَا وَلَوْ شَاءَ رَدَّهَا إِلَيْنَا فِي حِين غَيْر هَذَا ) . وَالصَّحِيح فِيهِ أَنَّهُ جِسْم لَطِيف مُشَابِك لِلْأَجْسَامِ الْمَحْسُوسَة , يُجْذَب وَيُخْرَج وَفِي أَكْفَانِهِ يُلَفّ وَيُدْرَج , وَبِهِ إِلَى السَّمَاء يُعْرَج , لَا يَمُوت وَلَا يَفْنَى , وَهُوَ مِمَّا لَهُ أَوَّل وَلَيْسَ لَهُ آخِر , وَهُوَ بِعَيْنَيْنِ وَيَدَيْنِ , وَأَنَّهُ ذُو رِيح طَيِّبَة وَخَبِيثَة ; كَمَا فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة . وَهَذِهِ صِفَة الْأَجْسَام لَا صِفَة الْأَعْرَاض ; وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَخْبَار بِهَذَا كُلّه فِي كِتَاب التَّذْكِرَة بِأَحْوَالِ الْمَوْتَى وَأُمُور الْآخِرَة . وَقَالَ تَعَالَى : " فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُوم " [ الْوَاقِعَة : 83 ] يَعْنِي النَّفْس إِلَى خُرُوجهَا مِنْ الْجَسَد ; وَهَذِهِ صِفَة الْجِسْم . وَاَللَّه أَعْلَم . خَرَّجَ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا أَوَى أَحَدكُمْ إِلَى فِرَاشه فَلْيَأْخُذْ دَاخِلَةَ إِزَاره فَلْيَنْفُضْ بِهَا فِرَاشه وَلِيُسَمِّ اللَّه فَإِنَّهُ لَا يَعْلَم مَا خَلَفَهُ بَعْد عَلَى فِرَاشه فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَضْطَجِع فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَن وَلْيَقُلْ سُبْحَانَك رَبِّي وَضَعْت جَنْبِي وَبِك أَرْفَعهُ إِنْ أَمْسَكْت نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا ) . وَقَالَ الْبُخَارِيّ وَابْن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيّ : ( فَارْحَمْهَا ) بَدَل ( فَاغْفِرْ لَهَا ) ( وَإِنْ أَرْسَلْتهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظ بِهِ عِبَادك الصَّالِحِينَ ) زَادَ التِّرْمِذِيّ ( وَإِذَا اِسْتَيْقَظَ فَلْيَقُلْ الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ ) . وَخَرَّجَ الْبُخَارِيّ عَنْ حُذَيْفَة قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنْ اللَّيْل وَضَعَ يَده تَحْت خَدِّهِ ; ثُمَّ يَقُول : ( اللَّهُمَّ بِاسْمِك أَمُوت وَأَحْيَا ) وَإِذَا اِسْتَيْقَظَ قَالَ : ( الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْد مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُور ) . " فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت " هَذِهِ قِرَاءَة الْعَامَّة عَلَى أَنَّهُ مُسَمَّى الْفَاعِل " الْمَوْت " نَصْبًا ; أَيْ قَضَى اللَّه عَلَيْهَا وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي حَاتِم وَأَبِي عُبَيْد ; لِقَوْلِهِ فِي أَوَّل الْآيَة : " اللَّه يَتَوَفَّى الْأَنْفُس " فَهُوَ يَقْضِي عَلَيْهَا . وَقَرَأَ الْأَعْمَش وَيَحْيَى بْن وَثَّاب وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " قُضِيَ عَلَيْهَا الْمَوْت " عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله . النَّحَّاس , وَالْمَعْنَى وَاحِد غَيْر أَنَّ الْقِرَاءَة الْأُولَى أَبْيَنُ وَأَشْبَهُ بِنَسَقِ الْكَلَام ; لِأَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى " وَيُرْسِلُ " وَلَمْ يَقْرَءُوا " وَيُرْسَلُ " . وَفِي الْآيَة تَنْبِيهٌ عَلَى عَظِيم قُدْرَته وَانْفِرَاده بِالْأُلُوهِيَّةِ , وَأَنَّهُ يَفْعَل مَا يَشَاء , وَيُحْيِي وَيُمِيت , لَا يَقْدِر عَلَى ذَلِكَ سِوَاهُ .
يَعْنِي فِي قَبْض اللَّه نَفْس الْمَيِّت وَالنَّائِم , وَإِرْسَاله نَفْس النَّائِم وَحَبْسه نَفْس الْمَيِّت وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ سَمِعْت مُعْتَمِرًا يَقُول : رُوح الْإِنْسَان مِثْل كُبَّة الْغَزْل , فَتُرْسَل الرُّوح , فَيَمْضِي ثُمَّ تَمْضِي ثُمَّ تُطْوَى فَتَجِيء فَتَدْخُل ; فَمَعْنَى الْآيَة أَنَّهُ يُرْسَل مِنْ الرُّوح شَيْء فِي حَال النَّوْم وَمُعْظَمهَا فِي الْبَدَن مُتَّصِل بِمَا يَخْرُج مِنْهَا اِتِّصَالًا خَفِيًّا , فَإِذَا اِسْتَيْقَظَ الْمَرْء جَذَبَ مُعْظَمُ رُوحِهِ مَا اِنْبَسَطَ مِنْهَا فَعَادَ . وَقِيلَ غَيْر هَذَا ; وَفِي التَّنْزِيل : " وَيَسْأَلُونَك عَنْ الرُّوح قُلْ الرُّوح مِنْ أَمْر رَبِّي " [ الْإِسْرَاء : 85 ] أَيْ لَا يَعْلَم حَقِيقَتَهُ إِلَّا اللَّه . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي [ سُبْحَان ] .
أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ ↓
أَيْ بَلْ اِتَّخَذُوا يَعْنِي الْأَصْنَام وَفِي الْكَلَام مَا يَتَضَمَّن لَمْ ; أَيْ " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " لَمْ يَتَفَكَّرُوا وَلَكِنَّهُمْ اِتَّخَذُوا آلِهَتَهُمْ شُفَعَاءَ .
أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد أَتَتَّخِذُونَهُمْ شُفَعَاء وَإِنْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا مِنْ الشَّفَاعَة " وَلَا يَعْقِلُونَ " لِأَنَّهَا جَمَادَات . وَهَذَا اِسْتِفْهَام إِنْكَار .
أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد أَتَتَّخِذُونَهُمْ شُفَعَاء وَإِنْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا مِنْ الشَّفَاعَة " وَلَا يَعْقِلُونَ " لِأَنَّهَا جَمَادَات . وَهَذَا اِسْتِفْهَام إِنْكَار .
قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ↓
نَصّ فِي أَنَّ الشَّفَاعَة لِلَّهِ وَحْده كَمَا قَالَ : " مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَع عِنْده إِلَّا بِإِذْنِهِ " [ الْبَقَرَة : 255 ] فَلَا شَافِع إِلَّا مِنْ شَفَاعَته " وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنْ اِرْتَضَى " [ الْأَنْبِيَاء : 28 ] . " جَمِيعًا " نَصْب عَلَى الْحَال . فَإِنْ قِيلَ : " جَمِيعًا " إِنَّمَا يَكُون لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا وَالشَّفَاعَة وَاحِدَة . فَالْجَوَاب أَنَّ الشَّفَاعَة مَصْدَر وَالْمَصْدَر يُؤَدِّي عَنْ الِاثْنَيْنِ وَالْجَمِيع
وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ↓
" وَإِذَا ذُكِرَ اللَّه وَحْده " نَصْب عَلَى الْمَصْدَر عِنْد الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ , وَعَلَى الْحَال عِنْد يُونُس . " اِشْمَأَزَّتْ " قَالَ الْمُبَرِّد : اِنْقَبَضَتْ . وَهُوَ قَوْل اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد . وَقَالَ قَتَادَة : نَفَرَتْ وَاسْتَكْبَرَتْ وَكَفَرَتْ وَتَعَصَّتْ . وَقَالَ الْمُؤَرِّج أَنْكَرَتْ . وَأَصْل الِاشْمِئْزَاز النُّفُور وَالِازْوِرَار . قَالَ عَمْرو بْن كُلْثُوم : إِذَا عَضَّ الثِّقَافُ بِهَا اِشْمَأَزَّتْ وَوَلَّتْهُمْ عَشَوْزَنَةً زَبُونَا وَقَالَ أَبُو زَيْد : اِشْمَأَزَّ الرَّجُل ذُعِرَ مِنْ الْفَزَع وَهُوَ الْمَذْعُور . وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا قِيلَ لَهُمْ " لَا إِلَه إِلَّا اللَّه " نَفَرُوا وَكَفَرُوا .
يَعْنِي الْأَوْثَان حِين أَلْقَى الشَّيْطَان فِي أَمْنِيَّة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد قِرَاءَته سُورَة [ النَّجْم ] تِلْكَ الْغَرَانِيق الْعُلَى وَإِنَّ شَفَاعَتهمْ تُرْتَجَى . قَالَهُ جَمَاعَة الْمُفَسِّرِينَ .
أَيْ يَظْهَر فِي وُجُوههمْ الْبِشْر وَالسُّرُور .
يَعْنِي الْأَوْثَان حِين أَلْقَى الشَّيْطَان فِي أَمْنِيَّة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد قِرَاءَته سُورَة [ النَّجْم ] تِلْكَ الْغَرَانِيق الْعُلَى وَإِنَّ شَفَاعَتهمْ تُرْتَجَى . قَالَهُ جَمَاعَة الْمُفَسِّرِينَ .
أَيْ يَظْهَر فِي وُجُوههمْ الْبِشْر وَالسُّرُور .
قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ↓
" قُلْ اللَّهُمَّ فَاطِر السَّمَاوَات وَالْأَرْض " نَصْب لِأَنَّهُ نِدَاء مُضَاف وَكَذَا " عَالِمَ الْغَيْب " وَلَا يَجُوز عِنْد سِيبَوَيْهِ أَنْ يَكُون نَعْتًا . " أَنْتَ تَحْكُم بَيْن عِبَادك فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ " وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف قَالَ : سَأَلْت عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا بِأَيِّ شَيْء كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِح صَلَاته إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْل ؟ قَالَتْ : كَانَ إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْل اِفْتَتَحَ صَلَاته ( اللَّهُمَّ رَبّ جِبْرِيل وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ " فَاطِرَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة أَنْتَ تَحْكُم بَيْن عِبَادك فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ " اِهْدِنِي لِمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقّ بِإِذْنِك إِنَّك تَهْدِي مَنْ تَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم ) وَلَمَّا بَلَغَ الرَّبِيع بْن خَيْثَم قَتْل الْحُسَيْن بْن عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ قَرَأَ : " قُلْ اللَّهُمَّ فَاطِر السَّمَاوَات وَالْأَرْض عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة أَنْتَ تَحْكُم بَيْن عِبَادك فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ " . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : إِنِّي لَأَعْرِفُ آيَة مَا قَرَأَهَا أَحَد قَطُّ فَسَأَلَ اللَّه شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ , قَوْله تَعَالَى : " قُلْ اللَّهُمَّ فَاطِر السَّمَاوَات وَالْأَرْض عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة أَنْتَ تَحْكُم بَيْن عِبَادك فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ " .
وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ↓
أَيْ كَذَّبُوا وَأَشْرَكُوا
أَيْ مِنْ سُوء عَذَاب ذَلِكَ الْيَوْم . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي سُورَة [ آل عِمْرَان ] وَ [ الرَّعْد ] .
مِنْ أَجَلّ مَا رُوِيَ فِيهِ مَا رَوَاهُ مَنْصُور عَنْ مُجَاهِد قَالَ : عَمِلُوا أَعْمَالًا تَوَهَّمُوا أَنَّهَا حَسَنَات فَإِذَا هِيَ سَيِّئَات . وَقَالَهُ السُّدِّيّ . وَقِيلَ : عَمِلُوا أَعْمَالًا تَوَهَّمُوا أَنَّهُمْ يَتُوبُونَ مِنْهَا قَبْل الْمَوْت فَأَدْرَكَهُمْ الْمَوْت قَبْل أَنْ يَتُوبُوا , وَقَدْ كَانُوا ظَنُّوا أَنَّهُمْ يَنْجُونَ بِالتَّوْبَةِ . وَيَجُوز أَنْ يَكُونُوا تَوَهَّمُوا أَنَّهُ يَغْفِر لَهُمْ مِنْ غَيْر تَوْبَة فَـ " بَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّه مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ " مِنْ دُخُول النَّار . وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ فِي هَذِهِ الْآيَة : وَيْل لِأَهْلِ الرِّيَاء وَيْل لِأَهْلِ الرِّيَاء هَذِهِ آيَتهمْ وَقِصَّتهمْ . وَقَالَ عِكْرِمَة بْن عَمَّار : جَزِعَ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر عِنْد مَوْته جَزَعًا شَدِيدًا , فَقِيلَ لَهُ : مَا هَذَا الْجَزَع ؟ قَالَ : أَخَاف آيَة مِنْ كِتَاب اللَّه " وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّه مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ " فَأَنَا أَخْشَى أَنْ يَبْدُوَ لِي مَا لَمْ أَكُنْ أَحْتَسِبُ .
أَيْ مِنْ سُوء عَذَاب ذَلِكَ الْيَوْم . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي سُورَة [ آل عِمْرَان ] وَ [ الرَّعْد ] .
مِنْ أَجَلّ مَا رُوِيَ فِيهِ مَا رَوَاهُ مَنْصُور عَنْ مُجَاهِد قَالَ : عَمِلُوا أَعْمَالًا تَوَهَّمُوا أَنَّهَا حَسَنَات فَإِذَا هِيَ سَيِّئَات . وَقَالَهُ السُّدِّيّ . وَقِيلَ : عَمِلُوا أَعْمَالًا تَوَهَّمُوا أَنَّهُمْ يَتُوبُونَ مِنْهَا قَبْل الْمَوْت فَأَدْرَكَهُمْ الْمَوْت قَبْل أَنْ يَتُوبُوا , وَقَدْ كَانُوا ظَنُّوا أَنَّهُمْ يَنْجُونَ بِالتَّوْبَةِ . وَيَجُوز أَنْ يَكُونُوا تَوَهَّمُوا أَنَّهُ يَغْفِر لَهُمْ مِنْ غَيْر تَوْبَة فَـ " بَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّه مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ " مِنْ دُخُول النَّار . وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ فِي هَذِهِ الْآيَة : وَيْل لِأَهْلِ الرِّيَاء وَيْل لِأَهْلِ الرِّيَاء هَذِهِ آيَتهمْ وَقِصَّتهمْ . وَقَالَ عِكْرِمَة بْن عَمَّار : جَزِعَ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر عِنْد مَوْته جَزَعًا شَدِيدًا , فَقِيلَ لَهُ : مَا هَذَا الْجَزَع ؟ قَالَ : أَخَاف آيَة مِنْ كِتَاب اللَّه " وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّه مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ " فَأَنَا أَخْشَى أَنْ يَبْدُوَ لِي مَا لَمْ أَكُنْ أَحْتَسِبُ .
أَيْ ظَهَرَ لَهُمْ
أَيْ عِقَاب مَا كَسَبُوا مِنْ الْكُفْر وَالْمَعَاصِي .
أَيْ أَحَاطَ بِهِمْ وَنَزَلَ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ .
أَيْ عِقَاب مَا كَسَبُوا مِنْ الْكُفْر وَالْمَعَاصِي .
أَيْ أَحَاطَ بِهِمْ وَنَزَلَ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ .
فَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ↓
قِيلَ : إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي حُذَيْفَة بْن الْمُغِيرَة .
قَالَ قَتَادَة : " عَلَى عِلْم " عِنْدِي بِوُجُوهِ الْمَكَاسِب , وَعَنْهُ أَيْضًا " عَلَى عِلْم " عَلَى خَيْر عِنْدِي . وَقِيلَ : " عَلَى عِلْم " أَيْ عَلَى عِلْم مِنْ اللَّه بِفَضْلِي . وَقَالَ الْحَسَن : " عَلَى عِلْم " أَيْ بِعِلْمٍ عَلَّمَنِي اللَّه إِيَّاهُ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَنَّهُ قَالَ قَدْ عَلِمْت أَنِّي إِذَا أُوتِيت هَذَا فِي الدُّنْيَا أَنَّ لِي عِنْد اللَّه مَنْزِلَةً ;
أَيْ بَلْ النِّعَم الَّتِي أُوتِيتهَا فِتْنَة تُخْتَبَر بِهَا . قَالَ الْفَرَّاء : أَنَّثَ " هِيَ " لِتَأْنِيثِ الْفِتْنَة , وَلَوْ كَانَ بَلْ هُوَ فِتْنَة لَجَازَ . النَّحَّاس : التَّقْدِير بَلْ أَعْطَيْته فِتْنَة .
أَيْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ إِعْطَاءَهُمْ الْمَال اِخْتِبَار .
قَالَ قَتَادَة : " عَلَى عِلْم " عِنْدِي بِوُجُوهِ الْمَكَاسِب , وَعَنْهُ أَيْضًا " عَلَى عِلْم " عَلَى خَيْر عِنْدِي . وَقِيلَ : " عَلَى عِلْم " أَيْ عَلَى عِلْم مِنْ اللَّه بِفَضْلِي . وَقَالَ الْحَسَن : " عَلَى عِلْم " أَيْ بِعِلْمٍ عَلَّمَنِي اللَّه إِيَّاهُ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَنَّهُ قَالَ قَدْ عَلِمْت أَنِّي إِذَا أُوتِيت هَذَا فِي الدُّنْيَا أَنَّ لِي عِنْد اللَّه مَنْزِلَةً ;
أَيْ بَلْ النِّعَم الَّتِي أُوتِيتهَا فِتْنَة تُخْتَبَر بِهَا . قَالَ الْفَرَّاء : أَنَّثَ " هِيَ " لِتَأْنِيثِ الْفِتْنَة , وَلَوْ كَانَ بَلْ هُوَ فِتْنَة لَجَازَ . النَّحَّاس : التَّقْدِير بَلْ أَعْطَيْته فِتْنَة .
أَيْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ إِعْطَاءَهُمْ الْمَال اِخْتِبَار .
أَنَّثَ عَلَى تَأْنِيث الْكَلِمَة .
يَعْنِي الْكُفَّار قَبْلهمْ كَقَارُونَ وَغَيْره حَيْثُ قَالَ : " إِنَّمَا أُوتِيته عَلَى عِلْم عِنْدِي " .
" مَا " لِلْجَحْدِ أَيْ لَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادهمْ مِنْ عَذَاب اللَّه شَيْئًا . وَقِيلَ : أَيْ فَمَا الَّذِي أَغْنَى أَمْوَالهمْ ؟ فَـ " مَا " اِسْتِفْهَام .
يَعْنِي الْكُفَّار قَبْلهمْ كَقَارُونَ وَغَيْره حَيْثُ قَالَ : " إِنَّمَا أُوتِيته عَلَى عِلْم عِنْدِي " .
" مَا " لِلْجَحْدِ أَيْ لَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادهمْ مِنْ عَذَاب اللَّه شَيْئًا . وَقِيلَ : أَيْ فَمَا الَّذِي أَغْنَى أَمْوَالهمْ ؟ فَـ " مَا " اِسْتِفْهَام .
فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَـٰؤُلاَءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ ↓
أَيْ جَزَاء سَيِّئَات أَعْمَالهمْ . وَقَدْ يُسَمَّى جَزَاء السَّيِّئَة سَيِّئَة .
أَيْ أَشْرَكُوا
الْأُمَّة
أَيْ بِالْجُوعِ وَالسَّيْف .
أَيْ فَائِتِينَ اللَّهَ وَلَا سَابِقِيهِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ .
أَيْ أَشْرَكُوا
الْأُمَّة
أَيْ بِالْجُوعِ وَالسَّيْف .
أَيْ فَائِتِينَ اللَّهَ وَلَا سَابِقِيهِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ .
أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ↓
خَصَّ الْمُؤْمِن بِالذِّكْرِ ; لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَدَبَّر الْآيَات وَيَنْتَفِع بِهَا . وَيَعْلَم أَنَّ سَعَة الرِّزْق قَدْ يَكُون مَكْرًا وَاسْتِدْرَاجًا , وَتَقْتِيره رِفْعَةً وَإِعْظَامًا .
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ↓
" قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه " وَإِنْ شِئْت حَذَفْت الْيَاء ; لِأَنَّ النِّدَاء مَوْضِع حَذْف . النَّحَّاس : وَمِنْ أَجَلِّ مَا رُوِيَ فِيهِ مَا رَوَاهُ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر عَنْ عُمَر قَالَ : لَمَّا اِجْتَمَعْنَا عَلَى الْهِجْرَة , اِتَّعَدْت أَنَا وَهِشَام بْن الْعَاصِ بْن وَائِل السَّهْمِيّ , وَعَيَّاش بْن أَبِي رَبِيعَة بْن عُتْبَة , فَقُلْنَا : الْمَوْعِدُ أَضَاةُ بَنِي غِفَار , وَقُلْنَا : مَنْ تَأَخَّرَ مِنَّا فَقَدْ حُبِسَ فَلْيَمْضِ صَاحِبه . فَأَصْبَحْت أَنَا وَعَيَّاش بْن عُتْبَة وَحُبِسَ عَنَّا هِشَام , وَإِذَا بِهِ قَدْ فُتِنَ فَافْتُتِنَ , فَكُنَّا نَقُول بِالْمَدِينَةِ : هَؤُلَاءِ قَدْ عَرَفُوا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَآمَنُوا بِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ اُفْتُتِنُوا لِبَلَاءٍ لَحِقَهُمْ لَا نَرَى لَهُمْ تَوْبَة , وَكَانُوا هُمْ أَيْضًا يَقُولُونَ هَذَا فِي أَنْفُسهمْ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابه : " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه " إِلَى قَوْله تَعَالَى : " أَلَيْسَ فِي جَهَنَّم مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ " قَالَ عُمَر : فَكَتَبْتهَا بِيَدِي ثُمَّ بَعَثْتهَا إِلَى هِشَام . قَالَ هِشَام : فَلَمَّا قَدِمَتْ عَلَيَّ خَرَجْت بِهَا إِلَى ذِي طُوًى فَقُلْت : اللَّهُمَّ فَهِّمْنِيهَا فَعَرَفْت أَنَّهَا نَزَلَتْ فِينَا , فَرَجَعْت فَجَلَسْت عَلَى بَعِيرِي فَلَحِقْت بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَعَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ قَوْم مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا , وَزَنَوْا فَأَكْثَرُوا , فَقَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بَعَثُوا إِلَيْهِ : إِنَّ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ أَوَتُخْبِرُنَا أَنَّ لَنَا تَوْبَةً ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَة : " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ " ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ بِمَعْنَاهُ . وَقَدْ مَضَى فِي آخِر [ الْفُرْقَان ] . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا نَزَلَتْ فِي أَهْل مَكَّة قَالُوا : يَزْعُم مُحَمَّد أَنَّ مَنْ عَبَدَ الْأَوْثَان وَقَتَلَ النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه لَمْ يُغْفَرْ لَهُ , وَكَيْف نُهَاجِرُ وَنُسْلِمُ وَقَدْ عَبَدْنَا مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر وَقَتَلْنَا النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة . وَقِيلَ : إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْم مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ فِي الْعِبَادَة , وَخَافُوا أَلَّا يُتَقَبَّلَ مِنْهُمْ لِذُنُوبٍ سَبَقَتْ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَعَطَاء نَزَلَتْ فِي وَحْشِيّ قَاتِل حَمْزَة ; لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ اللَّه لَا يَقْبَلُ إِسْلَامه : وَرَوَى اِبْن جُرَيْج عَنْ عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : أَتَى وَحْشِيٌّ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَقَالَ : يَا مُحَمَّد أَتَيْتُك مُسْتَجِيرًا فَأَجِرْنِي حَتَّى أَسْمَع كَلَام اللَّه . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَدْ كُنْت أُحِبُّ أَنْ أَرَاك عَلَى غَيْر جِوَار فَأَمَّا إِذْ أَتَيْتنِي مُسْتَجِيرًا فَأَنْتَ فِي جِوَارِي حَتَّى تَسْمَع كَلَام اللَّه ) قَالَ : فَإِنِّي أَشْرَكْت بِاَللَّهِ وَقَتَلْت النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه وَزَنَيْت , هَلْ يَقْبَل اللَّه مِنَى تَوْبَة ؟ فَصَمَتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَتْ : " وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ " [ الْفُرْقَان : 68 ] إِلَى آخِر الْآيَة فَتَلَاهَا عَلَيْهِ ; فَقَالَ أَرَى شَرْطًا فَلَعَلِّي لَا أَعْمَل صَالِحًا , أَنَا فِي جِوَارك حَتَّى أَسْمَع كَلَام اللَّه . فَنَزَلَتْ : " إِنَّ اللَّه لَا يَغْفِر أَنْ يُشْرَك بِهِ وَيَغْفِر مَا دُون ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء " [ النِّسَاء : 48 ] فَدَعَا بِهِ فَتَلَا عَلَيْهِ ; قَالَ : فَلَعَلِّي مِمَّنْ لَا يَشَاء أَنَا فِي جِوَارك حَتَّى أَسْمَع كَلَام اللَّه . فَنَزَلَتْ : " يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه " فَقَالَ : نَعَمْ الْآن لَا أَرَى شَرْطًا . فَأَسْلَمَ . وَرَوَى حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ ثَابِت عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب عَنْ أَسْمَاء أَنَّهَا سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأ : " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه إِنَّ اللَّه يَغْفِر الذُّنُوب جَمِيعًا وَلَا يُبَالِي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُور الرَّحِيم " . وَفِي مُصْحَف اِبْن مَسْعُود " إِنَّ اللَّه يَغْفِر الذُّنُوب جَمِيعًا لِمَنْ يَشَاء " . قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : وَهَاتَانِ الْقِرَاءَتَانِ عَلَى التَّفْسِير , أَيْ يَغْفِر اللَّه لِمَنْ يَشَاء . وَقَدْ عَرَفَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَنْ شَاءَ أَنْ يَغْفِر لَهُ , وَهُوَ التَّائِب أَوْ مَنْ عَمِلَ صَغِيرَة وَلَمْ تَكُنْ لَهُ كَبِيرَة , وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُرِيد التَّائِب مَا بَعْده " وَأَنِيبُوا إِلَى رَبّكُمْ " فَالتَّائِب مَغْفُور لَهُ ذُنُوبه جَمِيعًا يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ " وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ " [ طَه : 82 ] فَهَذَا لَا إِشْكَال فِيهِ . وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب : مَا فِي الْقُرْآن آيَة أَوْسَعُ مِنْ هَذِهِ الْآيَة : " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه " وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي [ سُبْحَان ] . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر : وَهَذِهِ أَرْجَى آيَة فِي الْقُرْآن فَرَدَّ عَلَيْهِمْ اِبْن عَبَّاس وَقَالَ أَرْجَى آيَة فِي الْقُرْآن قَوْلُه تَعَالَى : " وَإِنَّ رَبّك لِذُو مَغْفِرَة لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمهمْ " [ الرَّعْد : 6 ] وَقَدْ مَضَى فِي [ الرَّعْد ] . وَقُرِئَ " وَلَا تَقْنِطُوا " بِكَسْرِ النُّون وَفَتْحهَا . وَقَدْ مَضَى فِي [ الْحِجْر ] بَيَانه .
وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ ↓
أَيْ اِرْجِعُوا إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ . لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ مَنْ تَابَ مِنْ الشِّرْك يُغْفَر لَهُ أَمَرَ بِالتَّوْبَةِ وَالرُّجُوع إِلَيْهِ , وَالْإِنَابَة الرُّجُوع إِلَى اللَّه بِالْإِخْلَاصِ .
أَيْ اِخْضَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا
فِي الدُّنْيَا
أَيْ لَا تُمْنَعُونَ مِنْ عَذَابه . وَرُوِيَ مِنْ حَدِيث جَابِر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مِنْ السَّعَادَة أَنْ يُطِيل اللَّه عُمُرَ الْمَرْء فِي الطَّاعَة وَيَرْزُقَهُ الْإِنَابَة , وَإِنَّ مِنْ الشَّقَاوَة أَنْ يَعْمَل الْمَرْء وَيُعْجَب بِعَمَلِهِ ) .
أَيْ اِخْضَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا
فِي الدُّنْيَا
أَيْ لَا تُمْنَعُونَ مِنْ عَذَابه . وَرُوِيَ مِنْ حَدِيث جَابِر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مِنْ السَّعَادَة أَنْ يُطِيل اللَّه عُمُرَ الْمَرْء فِي الطَّاعَة وَيَرْزُقَهُ الْإِنَابَة , وَإِنَّ مِنْ الشَّقَاوَة أَنْ يَعْمَل الْمَرْء وَيُعْجَب بِعَمَلِهِ ) .
وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ ↓
" أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ " هُوَ الْقُرْآن وَكُلّه حَسَن , وَالْمَعْنَى مَا قَالَ الْحَسَن : اِلْتَزِمُوا طَاعَته , وَاجْتَنِبُوا مَعْصِيَته . وَقَالَ السُّدِّيّ : الْأَحْسَن مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ فِي كِتَابه . وَقَالَ اِبْن زَيْد : يَعْنِي الْمُحْكَمَات , وَكِلُوا عِلْم الْمُتَشَابِه إِلَى عِلْمه . وَقَالَ : أَنْزَلَ اللَّه كُتُب التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور , ثُمَّ أَنْزَلَ الْقُرْآن وَأَمَرَ بِاتِّبَاعِهِ فَهُوَ الْأَحْسَن وَهُوَ الْمُعْجِز . وَقِيلَ : هَذَا أَحْسَنُ لِأَنَّهُ نَاسِخ قَاضٍ عَلَى جَمِيع الْكُتُب وَجَمِيع الْكُتُب مَنْسُوخَة . وَقِيلَ : يَعْنِي الْعَفْو ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى خَيَّرَ نَبِيّه عَلَيْهِ السَّلَام بَيْن الْعَفْو وَالْقِصَاص . وَقِيلَ : مَا عَلَّمَ اللَّهُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَام وَلَيْسَ بِقُرْآنٍ فَهُوَ حَسَن ; وَمَا أَوْحَى إِلَيْهِ مِنْ الْقُرْآن فَهُوَ الْأَحْسَن . وَقِيلَ : أَحْسَن مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ أَخْبَار الْأُمَم الْمَاضِيَة .
أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتىٰ عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ↑
" أَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب أَيْ كَرَاهَة " أَنْ تَقُول " وَعِنْد الْكُوفِيِّينَ لِئَلَّا تَقُول وَعِنْد الْبَصْرِيِّينَ حَذَر " أَنْ تَقُول " . وَقِيلَ : أَيْ مِنْ قَبْل " أَنْ تَقُول نَفْس " لِأَنَّهُ قَالَ قِيلَ هَذَا : " مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَاب " الزَّمَخْشَرِيّ : فَإِنْ قُلْت لِمَ نُكِّرَتْ ؟ قُلْت : لِأَنَّ الْمُرَاد بِهَا بَعْض الْأَنْفُس وَهِيَ نَفْس الْكَافِر . وَيَجُوز أَنْ يُرِيد نَفْسًا مُتَمَيِّزَة مِنْ الْأَنْفُس , إِمَّا بِلَجَاجٍ فِي الْكُفْر شَدِيد , أَوْ بِعِقَابٍ عَظِيم . وَيَجُوز أَنْ يُرَاد التَّكْثِير كَمَا قَالَ الْأَعْشَى : وَرُبَّ بَقِيعٍ لَوْ هَتَفْت بِجَوِّهِ أَتَانِي كَرِيمٌ يَنْفُضُ الرَّأْسَ مُغْضَبَا وَهُوَ يُرِيد أَفْوَاجًا مِنْ الْكِرَام يَنْصُرُونَهُ لَا كَرِيمًا وَاحِدًا , وَنَظِيره : رُبَّ بَلَدٍ قَطَعْت , وَرُبَّ بَطَلٍ قَارَعْت , وَلَا يُقْصَد إِلَّا التَّكْثِير .
وَالْأَصْل " يَا حَسْرَتِي " فَأُبْدِلَ مِنْ الْيَاء أَلِف ; لِأَنَّهَا أَخَفّ وَأَمْكَنُ فِي الِاسْتِغَاثَة بِمَدِّ الصَّوْت , وَرُبَّمَا أَلْحَقُوا بِهَا الْهَاء ; أَنْشَدَ الْفَرَّاء : يَا مَرْحَبَاهُ بِحِمَار نَاجِيَهْ إِذَا أَتَى قَرَّبْته لِلسَّانِيَهْ وَرُبَّمَا أَلْحَقُوا بِهَا الْيَاء بَعْد الْأَلِف ; لِتَدُلَّ عَلَى الْإِضَافَة . وَكَذَلِكَ قَرَأَهَا أَبُو جَعْفَر : " يَا حَسْرَتَايَ " وَالْحَسْرَة النَّدَامَة
قَالَ الْحَسَن : فِي طَاعَة اللَّه . وَقَالَ الضَّحَّاك : أَيْ فِي ذِكْر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . قَالَ : يَعْنِي الْقُرْآن وَالْعَمَل بِهِ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : " فِي جَنْب اللَّه " أَيْ فِي ثَوَاب اللَّه . وَقَالَ الْفَرَّاء : الْجَنْب الْقُرْب وَالْجِوَار ; يُقَال فُلَان يَعِيش فِي جَنْب فُلَان أَيْ فِي جِوَاره ; وَمِنْهُ " وَالصَّاحِب بِالْجَنْبِ " [ النِّسَاء : 36 ] أَيْ مَا فَرَّطْت فِي طَلَب جِوَاره وَقَرَّبَهُ وَهُوَ الْجَنَّة . وَقَالَ الزَّجَّاج : أَيْ عَلَى مَا فَرَّطْت فِي الطَّرِيق الَّذِي هُوَ طَرِيق اللَّه الَّذِي دَعَانِي إِلَيْهِ . وَالْعَرَب تُسَمِّي السَّبَب وَالطَّرِيق إِلَى الشَّيْء جَنْبًا ; تَقُول : تَجَرَّعْت فِي جَنْبك غُصَصًا ; أَيْ لِأَجْلِك وَسَبَبك وَلِأَجْلِ مَرْضَاتك . وَقِيلَ : " فِي جَنْب اللَّه " أَيْ فِي الْجَانِب الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى رِضَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَثَوَابه , وَالْعَرَب تُسَمِّي الْجَانِب جَنْبًا , قَالَ الشَّاعِر : قُسِمَ مَجْهُودًا لِذَاكَ الْقَلْبُ النَّاسُ جَنْبٌ وَالْأَمِيرُ جَنْبُ يَعْنِي النَّاس مِنْ جَانِب وَالْأَمِير مِنْ جَانِب . وَقَالَ اِبْن عَرَفَة : أَيْ تَرَكْت مِنْ أَمْر اللَّه ; يُقَال مَا فَعَلْت ذَلِكَ فِي جَنْب حَاجَتِي ; قَالَ كُثَيِّر : أَلَا تَتَّقِينَ اللَّهَ فِي جَنْبِ عَاشِقٍ لَهُ كَبِدٌ حَرَّى عَلَيْك تَقَطَّعُ وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد ; أَيْ ضَيَّعْت مِنْ أَمْر اللَّه . وَيُرْوَى عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( مَا جَلَسَ رَجُل مَجْلِسًا وَلَا مَشَى مَمْشًى وَلَا اِضْطَجَعَ مُضْطَجِعًا لَمْ يَذْكُر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً يَوْم الْقِيَامَة ) أَيْ حَسْرَة ; خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِمَعْنَاهُ . وَقَالَ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ : مِنْ الْحَسَرَات يَوْم الْقِيَامَة أَنْ يَرَى الرَّجُل مَاله الَّذِي آتَاهُ اللَّه فِي الدُّنْيَا يَوْم الْقِيَامَة فِي مِيزَان غَيْره , قَدْ وَرِثَهُ وَعَمِلَ فِيهِ بِالْحَقِّ , كَانَ لَهُ أَجْرُهُ وَعَلَى الْآخَر وِزْره , وَمِنْ الْحَسَرَات أَنْ يَرَى الرَّجُل عَبْده الَّذِي خَوَّلَهُ اللَّه إِيَّاهُ فِي الدُّنْيَا أَقْرَبَ مَنْزِلَة مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , أَوْ يَرَى رَجُلًا يَعْرِفهُ أَعْمَى فِي الدُّنْيَا قَدْ أَبْصَرَ يَوْم الْقِيَامَة وَعَمِيَ هُوَ .
أَيْ وَمَا كُنْت إِلَّا مِنْ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِالْقُرْآنِ وَبِالرَّسُولِ فِي الدُّنْيَا وَبِأَوْلِيَاءِ اللَّه تَعَالَى : قَالَ قَتَادَة : لَمْ يَكْفِهِ أَنْ ضَيَّعَ طَاعَة اللَّه حَتَّى سَخِرَ مِنْ أَهْلهَا وَمَحَلّ " إِنْ كُنْت " النَّصْب عَلَى الْحَال ; كَأَنَّهُ قَالَ : فَرَّطْت وَأَنَا سَاخِر ; أَيْ فَرَّطْت فِي حَال سُخْرِيَتِي . وَقِيلَ : وَمَا كُنْت إِلَّا فِي سُخْرِيَة وَلَعِب وَبَاطِل ; أَيْ مَا كَانَ سَعْيِي إِلَّا فِي عِبَادَة غَيْر اللَّه تَعَالَى .
وَالْأَصْل " يَا حَسْرَتِي " فَأُبْدِلَ مِنْ الْيَاء أَلِف ; لِأَنَّهَا أَخَفّ وَأَمْكَنُ فِي الِاسْتِغَاثَة بِمَدِّ الصَّوْت , وَرُبَّمَا أَلْحَقُوا بِهَا الْهَاء ; أَنْشَدَ الْفَرَّاء : يَا مَرْحَبَاهُ بِحِمَار نَاجِيَهْ إِذَا أَتَى قَرَّبْته لِلسَّانِيَهْ وَرُبَّمَا أَلْحَقُوا بِهَا الْيَاء بَعْد الْأَلِف ; لِتَدُلَّ عَلَى الْإِضَافَة . وَكَذَلِكَ قَرَأَهَا أَبُو جَعْفَر : " يَا حَسْرَتَايَ " وَالْحَسْرَة النَّدَامَة
قَالَ الْحَسَن : فِي طَاعَة اللَّه . وَقَالَ الضَّحَّاك : أَيْ فِي ذِكْر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . قَالَ : يَعْنِي الْقُرْآن وَالْعَمَل بِهِ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : " فِي جَنْب اللَّه " أَيْ فِي ثَوَاب اللَّه . وَقَالَ الْفَرَّاء : الْجَنْب الْقُرْب وَالْجِوَار ; يُقَال فُلَان يَعِيش فِي جَنْب فُلَان أَيْ فِي جِوَاره ; وَمِنْهُ " وَالصَّاحِب بِالْجَنْبِ " [ النِّسَاء : 36 ] أَيْ مَا فَرَّطْت فِي طَلَب جِوَاره وَقَرَّبَهُ وَهُوَ الْجَنَّة . وَقَالَ الزَّجَّاج : أَيْ عَلَى مَا فَرَّطْت فِي الطَّرِيق الَّذِي هُوَ طَرِيق اللَّه الَّذِي دَعَانِي إِلَيْهِ . وَالْعَرَب تُسَمِّي السَّبَب وَالطَّرِيق إِلَى الشَّيْء جَنْبًا ; تَقُول : تَجَرَّعْت فِي جَنْبك غُصَصًا ; أَيْ لِأَجْلِك وَسَبَبك وَلِأَجْلِ مَرْضَاتك . وَقِيلَ : " فِي جَنْب اللَّه " أَيْ فِي الْجَانِب الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى رِضَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَثَوَابه , وَالْعَرَب تُسَمِّي الْجَانِب جَنْبًا , قَالَ الشَّاعِر : قُسِمَ مَجْهُودًا لِذَاكَ الْقَلْبُ النَّاسُ جَنْبٌ وَالْأَمِيرُ جَنْبُ يَعْنِي النَّاس مِنْ جَانِب وَالْأَمِير مِنْ جَانِب . وَقَالَ اِبْن عَرَفَة : أَيْ تَرَكْت مِنْ أَمْر اللَّه ; يُقَال مَا فَعَلْت ذَلِكَ فِي جَنْب حَاجَتِي ; قَالَ كُثَيِّر : أَلَا تَتَّقِينَ اللَّهَ فِي جَنْبِ عَاشِقٍ لَهُ كَبِدٌ حَرَّى عَلَيْك تَقَطَّعُ وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد ; أَيْ ضَيَّعْت مِنْ أَمْر اللَّه . وَيُرْوَى عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( مَا جَلَسَ رَجُل مَجْلِسًا وَلَا مَشَى مَمْشًى وَلَا اِضْطَجَعَ مُضْطَجِعًا لَمْ يَذْكُر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً يَوْم الْقِيَامَة ) أَيْ حَسْرَة ; خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِمَعْنَاهُ . وَقَالَ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ : مِنْ الْحَسَرَات يَوْم الْقِيَامَة أَنْ يَرَى الرَّجُل مَاله الَّذِي آتَاهُ اللَّه فِي الدُّنْيَا يَوْم الْقِيَامَة فِي مِيزَان غَيْره , قَدْ وَرِثَهُ وَعَمِلَ فِيهِ بِالْحَقِّ , كَانَ لَهُ أَجْرُهُ وَعَلَى الْآخَر وِزْره , وَمِنْ الْحَسَرَات أَنْ يَرَى الرَّجُل عَبْده الَّذِي خَوَّلَهُ اللَّه إِيَّاهُ فِي الدُّنْيَا أَقْرَبَ مَنْزِلَة مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , أَوْ يَرَى رَجُلًا يَعْرِفهُ أَعْمَى فِي الدُّنْيَا قَدْ أَبْصَرَ يَوْم الْقِيَامَة وَعَمِيَ هُوَ .
أَيْ وَمَا كُنْت إِلَّا مِنْ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِالْقُرْآنِ وَبِالرَّسُولِ فِي الدُّنْيَا وَبِأَوْلِيَاءِ اللَّه تَعَالَى : قَالَ قَتَادَة : لَمْ يَكْفِهِ أَنْ ضَيَّعَ طَاعَة اللَّه حَتَّى سَخِرَ مِنْ أَهْلهَا وَمَحَلّ " إِنْ كُنْت " النَّصْب عَلَى الْحَال ; كَأَنَّهُ قَالَ : فَرَّطْت وَأَنَا سَاخِر ; أَيْ فَرَّطْت فِي حَال سُخْرِيَتِي . وَقِيلَ : وَمَا كُنْت إِلَّا فِي سُخْرِيَة وَلَعِب وَبَاطِل ; أَيْ مَا كَانَ سَعْيِي إِلَّا فِي عِبَادَة غَيْر اللَّه تَعَالَى .
هَذِهِ النَّفْس
أَيْ أَرْشَدَنِي إِلَى دِينه . وَهَذَا الْقَوْل لَوْ أَنَّ اللَّه هَدَانِي لَاهْتَدَيْت قَوْل صِدْق . وَهُوَ قَرِيب مِنْ اِحْتِجَاج الْمُشْرِكِينَ فِيمَا أَخْبَرَ الرَّبّ جَلَّ وَعَزَّ عَنْهُمْ فِي قَوْله : " سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّه مَا أَشْرَكْنَا " [ الْأَنْعَام : 148 ] فَهِيَ كَلِمَة حَقّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِل ; كَمَا قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَمَّا قَالَ قَائِل مِنْ الْخَوَارِج لَا حُكْم إِلَّا لِلَّهِ .
أَيْ الشِّرْك وَالْمَعَاصِي .
أَيْ أَرْشَدَنِي إِلَى دِينه . وَهَذَا الْقَوْل لَوْ أَنَّ اللَّه هَدَانِي لَاهْتَدَيْت قَوْل صِدْق . وَهُوَ قَرِيب مِنْ اِحْتِجَاج الْمُشْرِكِينَ فِيمَا أَخْبَرَ الرَّبّ جَلَّ وَعَزَّ عَنْهُمْ فِي قَوْله : " سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّه مَا أَشْرَكْنَا " [ الْأَنْعَام : 148 ] فَهِيَ كَلِمَة حَقّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِل ; كَمَا قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَمَّا قَالَ قَائِل مِنْ الْخَوَارِج لَا حُكْم إِلَّا لِلَّهِ .
أَيْ الشِّرْك وَالْمَعَاصِي .
يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ النَّفْس تَقُول حِين تَرَى الْعَذَاب
أَيْ تَتَمَنَّى الرَّجْعَة .
نَصْب عَلَى جَوَاب التَّمَنِّي , وَإِنْ شِئْت كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى " كَرَّة " لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ أَكِرّ ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ وَأَنْشَدَ الْفَرَّاء : فَمَا لَك مِنْهَا غَيْرُ ذِكْرَى وَخَشْيَةٍ وَتَسْأَلَ عَنْ رُكْبَانِهَا أَيْنَ يَمَّمُوا فَنُصِبَ وَتَسْأَلَ عَلَى مَوْضِع الذِّكْرَى ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام فَمَا لَك مِنْهَا إِلَّا أَنْ تَذْكُر . وَمِنْهُ لَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ ; أَيْ لَأَنْ أَلْبَسَ عَبَاءَةً وَتَقَرَّ . وَقَالَ أَبُو صَالِح : كَانَ رَجُل عَالِم فِي بَنِي إِسْرَائِيل وَجَدَ رُقْعَة : إِنَّ الْعَبْد لَيَعْمَل الزَّمَان الطَّوِيل بِطَاعَةِ اللَّه فَيُخْتَم لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْل النَّار فَيَدْخُل النَّار , وَإِنَّ الرَّجُل لَيَعْمَلُ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ بِمَعْصِيَةِ اللَّه ثُمَّ يُخْتَم لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ رَجُل مِنْ أَهْل الْجَنَّة فَيَدْخُل الْجَنَّة ; فَقَالَ : وَلِأَيِّ شَيْء أُتْعِبُ نَفْسِي فَتَرَكَ عَمَله وَأَخَذَ فِي الْفُسُوق وَالْمَعْصِيَة , وَقَالَ لَهُ إِبْلِيس : لَك عُمُر طَوِيل فَتَمَتَّعْ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ تَتُوب , فَأَخَذَ فِي الْفُسُوق وَأَنْفَقَ مَالَهُ فِي الْفُجُور , فَأَتَاهُ مَلَك الْمَوْت فِي أَلَذّ مَا كَانَ , فَقَالَ : يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه ; ذَهَبَ عُمُرِي فِي طَاعَة الشَّيْطَان , فَنَدِمَ حِين لَا يَنْفَعهُ النَّدَم ; فَأَنْزَلَ اللَّه خَبَره فِي الْقُرْآن . وَقَالَ قَتَادَة : هَؤُلَاءِ أَصْنَاف ; صِنْف مِنْهُمْ قَالَ : " يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه " . وَصِنْف مِنْهُمْ قَالَ : " لَوْ أَنَّ اللَّه هَدَانِي لَكُنْت مِنْ الْمُتَّقِينَ " . وَقَالَ آخَر : " لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُون مِنْ الْمُحْسِنِينَ " فَقَالَ اللَّه تَعَالَى رَدًّا لِكَلَامِهِمْ : " بَلَى قَدْ جَاءَتْك آيَاتِي "
أَيْ تَتَمَنَّى الرَّجْعَة .
نَصْب عَلَى جَوَاب التَّمَنِّي , وَإِنْ شِئْت كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى " كَرَّة " لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ أَكِرّ ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ وَأَنْشَدَ الْفَرَّاء : فَمَا لَك مِنْهَا غَيْرُ ذِكْرَى وَخَشْيَةٍ وَتَسْأَلَ عَنْ رُكْبَانِهَا أَيْنَ يَمَّمُوا فَنُصِبَ وَتَسْأَلَ عَلَى مَوْضِع الذِّكْرَى ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام فَمَا لَك مِنْهَا إِلَّا أَنْ تَذْكُر . وَمِنْهُ لَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ ; أَيْ لَأَنْ أَلْبَسَ عَبَاءَةً وَتَقَرَّ . وَقَالَ أَبُو صَالِح : كَانَ رَجُل عَالِم فِي بَنِي إِسْرَائِيل وَجَدَ رُقْعَة : إِنَّ الْعَبْد لَيَعْمَل الزَّمَان الطَّوِيل بِطَاعَةِ اللَّه فَيُخْتَم لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْل النَّار فَيَدْخُل النَّار , وَإِنَّ الرَّجُل لَيَعْمَلُ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ بِمَعْصِيَةِ اللَّه ثُمَّ يُخْتَم لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ رَجُل مِنْ أَهْل الْجَنَّة فَيَدْخُل الْجَنَّة ; فَقَالَ : وَلِأَيِّ شَيْء أُتْعِبُ نَفْسِي فَتَرَكَ عَمَله وَأَخَذَ فِي الْفُسُوق وَالْمَعْصِيَة , وَقَالَ لَهُ إِبْلِيس : لَك عُمُر طَوِيل فَتَمَتَّعْ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ تَتُوب , فَأَخَذَ فِي الْفُسُوق وَأَنْفَقَ مَالَهُ فِي الْفُجُور , فَأَتَاهُ مَلَك الْمَوْت فِي أَلَذّ مَا كَانَ , فَقَالَ : يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه ; ذَهَبَ عُمُرِي فِي طَاعَة الشَّيْطَان , فَنَدِمَ حِين لَا يَنْفَعهُ النَّدَم ; فَأَنْزَلَ اللَّه خَبَره فِي الْقُرْآن . وَقَالَ قَتَادَة : هَؤُلَاءِ أَصْنَاف ; صِنْف مِنْهُمْ قَالَ : " يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه " . وَصِنْف مِنْهُمْ قَالَ : " لَوْ أَنَّ اللَّه هَدَانِي لَكُنْت مِنْ الْمُتَّقِينَ " . وَقَالَ آخَر : " لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُون مِنْ الْمُحْسِنِينَ " فَقَالَ اللَّه تَعَالَى رَدًّا لِكَلَامِهِمْ : " بَلَى قَدْ جَاءَتْك آيَاتِي "
قَالَ الزَّجَّاج : " بَلَى " جَوَاب النَّفْي وَلَيْسَ فِي الْكَلَام لَفْظ النَّفْي , وَلَكِنَّ مَعْنَى " لَوْ أَنَّ اللَّه هَدَانِي " مَا هَدَانِي , وَكَأَنَّ هَذَا الْقَائِل قَالَ مَا هُدِيت ; فَقِيلَ : بَلْ قَدْ بُيِّنَ لَك طَرِيق الْهُدَى فَكُنْت بِحَيْثُ لَوْ أَرَدْت أَنْ تُؤْمِن أَمْكَنَك أَنْ تُؤْمِن . " آيَاتِي " أَيْ الْقُرْآن . وَقِيلَ : عَنَى بِالْآيَاتِ الْمُعْجِزَات ; أَيْ وَضَحَ الدَّلِيل فَأَنْكَرْته وَكَذَّبْته .
أَيْ تَكَبَّرْت عَنْ الْإِيمَان " وَكُنْت مِنْ الْكَافِرِينَ " . وَقَالَ : " اِسْتَكْبَرْت وَكُنْت " وَهُوَ خِطَاب الذَّكَر ; لِأَنَّ النَّفْس تَقَع عَلَى الذَّكَر وَالْأُنْثَى . يُقَال : ثَلَاثَة أَنْفُس . وَقَالَ الْمُبَرِّد ; تَقُول الْعَرَب نَفْس وَاحِد أَيْ إِنْسَان وَاحِد . وَرَوَى الرَّبِيع بْن أَنَس عَنْ أُمّ سَلَمَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ : " قَدْ جَاءَتْك آيَاتِي فَكَذَّبْت بِهَا وَاسْتَكْبَرْت وَكُنْت مِنْ الْكَافِرِينَ " . وَقَرَأَ الْأَعْمَش : " بَلَى قَدْ جَاءَتْهُ آيَاتِي " وَهَذَا يَدُلّ عَلَى التَّذْكِير . وَالرَّبِيع بْن أَنَس لَمْ يَلْحَق أُمّ سَلَمَة إِلَّا أَنَّ الْقِرَاءَة جَائِزَة ; لِأَنَّ النَّفْس تَقَع لِلْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّث . وَقَدْ أَنْكَرَ هَذِهِ الْقِرَاءَة بَعْضهمْ وَقَالَ : يَجِب إِذَا كُسِرَ التَّاء أَنْ تَقُول وَكُنْتِ مِنْ الْكَوَافِرِ أَوْ مِنْ الْكَافِرَات . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا لَا يَلْزَم ; أَلَا تَرَى أَنَّ قَبْله " أَنْ تَقُول نَفْس " ثُمَّ قَالَ : " وَإِنْ كُنْت لَمِنْ السَّاخِرِينَ " وَلَمْ يَقُلْ مِنْ السَّوَاخِرِ وَلَا مِنْ السَّاخِرَات . وَالتَّقْدِير فِي الْعَرَبِيَّة عَلَى كَسْر التَّاء " وَاسْتَكْبَرْت وَكُنْت " مِنْ الْجَمْع السَّاخِرِينَ أَوْ مِنْ النَّاس السَّاخِرِينَ أَوْ مِنْ الْقَوْم السَّاخِرِينَ .
أَيْ تَكَبَّرْت عَنْ الْإِيمَان " وَكُنْت مِنْ الْكَافِرِينَ " . وَقَالَ : " اِسْتَكْبَرْت وَكُنْت " وَهُوَ خِطَاب الذَّكَر ; لِأَنَّ النَّفْس تَقَع عَلَى الذَّكَر وَالْأُنْثَى . يُقَال : ثَلَاثَة أَنْفُس . وَقَالَ الْمُبَرِّد ; تَقُول الْعَرَب نَفْس وَاحِد أَيْ إِنْسَان وَاحِد . وَرَوَى الرَّبِيع بْن أَنَس عَنْ أُمّ سَلَمَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ : " قَدْ جَاءَتْك آيَاتِي فَكَذَّبْت بِهَا وَاسْتَكْبَرْت وَكُنْت مِنْ الْكَافِرِينَ " . وَقَرَأَ الْأَعْمَش : " بَلَى قَدْ جَاءَتْهُ آيَاتِي " وَهَذَا يَدُلّ عَلَى التَّذْكِير . وَالرَّبِيع بْن أَنَس لَمْ يَلْحَق أُمّ سَلَمَة إِلَّا أَنَّ الْقِرَاءَة جَائِزَة ; لِأَنَّ النَّفْس تَقَع لِلْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّث . وَقَدْ أَنْكَرَ هَذِهِ الْقِرَاءَة بَعْضهمْ وَقَالَ : يَجِب إِذَا كُسِرَ التَّاء أَنْ تَقُول وَكُنْتِ مِنْ الْكَوَافِرِ أَوْ مِنْ الْكَافِرَات . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا لَا يَلْزَم ; أَلَا تَرَى أَنَّ قَبْله " أَنْ تَقُول نَفْس " ثُمَّ قَالَ : " وَإِنْ كُنْت لَمِنْ السَّاخِرِينَ " وَلَمْ يَقُلْ مِنْ السَّوَاخِرِ وَلَا مِنْ السَّاخِرَات . وَالتَّقْدِير فِي الْعَرَبِيَّة عَلَى كَسْر التَّاء " وَاسْتَكْبَرْت وَكُنْت " مِنْ الْجَمْع السَّاخِرِينَ أَوْ مِنْ النَّاس السَّاخِرِينَ أَوْ مِنْ الْقَوْم السَّاخِرِينَ .
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ ↓
أَيْ مِمَّا حَاطَ بِهِمْ مِنْ غَضَب اللَّه وَنِقْمَتِهِ . وَقَالَ الْأَخْفَش : " تَرَى " غَيْر عَامِل فِي قَوْله : " وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ " إِنَّمَا هُوَ اِبْتِدَاء وَخَبَر . الزَّمَخْشَرِيّ : جُمْلَة فِي مَوْضِع الْحَال إِنْ كَانَ " تَرَى " مِنْ رُؤْيَة الْبَصَر , وَمَفْعُول ثَانٍ إِنْ كَانَ مِنْ رُؤْيَة الْقَلْب .
بَيَّنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْنَى الْكِبْر فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : ( سَفَهُ الْحَقّ وَغَمْطُ النَّاسِ ) أَيْ اِحْتِقَارهمْ . وَقَدْ مَضَى فِي [ الْبَقَرَة ] وَغَيْرهَا . وَفِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يُحْشَر الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْم الْقِيَامَة كَالذَّرِّ يَلْحَقهُمْ الصَّغَارُ حَتَّى يُؤْتَى بِهِمْ إِلَى سِجْن جَهَنَّم ) .
بَيَّنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْنَى الْكِبْر فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : ( سَفَهُ الْحَقّ وَغَمْطُ النَّاسِ ) أَيْ اِحْتِقَارهمْ . وَقَدْ مَضَى فِي [ الْبَقَرَة ] وَغَيْرهَا . وَفِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يُحْشَر الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْم الْقِيَامَة كَالذَّرِّ يَلْحَقهُمْ الصَّغَارُ حَتَّى يُؤْتَى بِهِمْ إِلَى سِجْن جَهَنَّم ) .