وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ يُؤَاخِذ اللَّه النَّاس بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّة وَلَكِنْ يُؤَخِّرهُمْ إِلَى أَجَل مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلهمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَة وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَلَوْ يُؤَاخِذ اللَّه } عُصَاة بَنِي آدَم بِمَعَاصِيهِمْ , { مَا تَرَكَ عَلَيْهَا } يَعْنِي عَلَى الْأَرْض { مِنْ دَابَّة } تَدِبّ عَلَيْهَا . { وَلَكِنْ يُؤَخِّرهُمْ } يَقُول : وَلَكِنْ بِحِلْمِهِ يُؤَخِّر هَؤُلَاءِ الظَّلَمَة فَلَا يُعَاجِلهُمْ بِالْعُقُوبَةِ , { إِلَى أَجَل مُسَمًّى } يَقُول : إِلَى وَقْتهمْ الَّذِي وَقَّتَ لَهُمْ . { فَإِذَا جَاءَ أَجَلهمْ } يَقُول : فَإِذَا جَاءَ الْوَقْت الَّذِي وَقَّتَ لِهَلَاكِهِمْ , { لَا يَسْتَأْخِرُونَ } عَنْ الْهَلَاك سَاعَة فَيُمْهَلُونَ , { وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ } لَهُ حَتَّى يَسْتَوْفُوا آجَالهمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16372 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , قَالَ : كَادَ الْجُعَل أَنْ يُعَذَّب بِذَنْبِ بَنِي آدَم . وَقَرَأَ : { لَوْ يُؤَاخِذ اللَّه النَّاس بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّة } 16373 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن حَكِيم الْخُزَاعِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَابِر الْجُعْفِيّ , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , عَنْ أَبِي سَلَمَة , قَالَ : سَمِعَ أَبُو هُرَيْرَة رَجُلًا وَهُوَ يَقُول : إِنَّ الظَّالِم لَا يَضُرّ إِلَّا نَفْسه , قَالَ : فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَقَالَ : بَلَى , وَاَللَّه إِنَّ الْحُبَارَى لَتَمُوت فِي وَكْرهَا هُزَالًا بِظُلْمِ الظَّالِم ! 16374 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا أَبُو عُبَيْدَة الْحَدَّاد , قَالَ : ثنا قُرَّة بْن خَالِد السَّدُوسِيّ , عَنْ الزُّبَيْر بْن عَدِيّ , قَالَ : قَالَ اِبْن مَسْعُود : خَطِيئَة اِبْن آدَم قَتَلَتْ الْجُعَل . * حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : كَادَ الْجُعَل أَنْ يَهْلَك فِي جُحْره بِخَطِيئَةِ اِبْن آدَم . 16375 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَالَ اللَّه : { فَإِذَا جَاءَ أَجَلهمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَة وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ } قَالَ : نَرَى أَنَّهُ إِذَا حَضَرَ أَجَله فَلَا يُؤَخَّر سَاعَة وَلَا يُقَدَّم مَا لَمْ يَحْضُر أَجَله , فَإِنَّ اللَّه يُؤَخِّر مَا شَاءَ وَيُقَدِّم مَا شَاءَ .
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِف أَلْسِنَتهمْ الْكَذِب أَنَّ لَهُمْ الْحُسْنَى } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَجْعَل هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ . { وَتَصِف أَلْسِنَتهمْ الْكَذِب } يَقُول : وَتَقُول أَلْسِنَتهمْ الْكَذِب وَتَفْتَرِيه { أَنَّ لَهُمْ الْحُسْنَى } فَأَنَّ فِي مَوْضِع نَصْب , لِأَنَّهَا تَرْجَمَة عَنْ الْكَذِب . وَتَأْوِيل الْكَلَام : وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ , وَيَزْعُمُونَ أَنَّ لَهُمْ الْحُسْنَى الَّذِي يَكْرَهُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ , الْبَنَات يَجْعَلُونَهُنَّ لِلَّهِ تَعَالَى , وَزَعَمُوا أَنَّ الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه . وَأَمَّا الْحُسْنَى الَّتِي جَعَلُوهَا لِأَنْفُسِهِمْ : فَالذُّكُور مِنْ الْأَوْلَاد ; وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَئِدُونَ الْإِنَاث مِنْ أَوْلَادهمْ وَيَسْتَبِقُونَ الذُّكُور مِنْهُمْ , وَيَقُولُونَ : لَنَا الذُّكُور وَلِلَّهِ الْبَنَات . وَهُوَ نَحْو قَوْله : { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَات سُبْحَانه وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ } 16 57 وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16376 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَتَصِف أَلْسِنَتهمْ الْكَذِب أَنَّ لَهُمْ الْحُسْنَى } قَالَ : قَوْل قُرَيْش : لَنَا الْبَنُونَ وَلِلَّهِ الْبَنَات . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنْي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : قَوْل كُفَّار قُرَيْش . 16377 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِف أَلْسِنَتهمْ الْكَذِب } : أَيْ يَتَكَلَّمُونَ بِأَنَّ لَهُمْ الْحُسْنَى ; أَيْ الْغِلْمَان . 16378 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { أَنَّ لَهُمْ الْحُسْنَى } قَالَ : الْغِلْمَان .
وَقَوْله : { لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمْ النَّار وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : حَقًّا وَاجِبًا أَنَّ لِهَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ لِلَّهِ الْبَنَات الْجَاعِلِينَ لَهُ مَا يَكْرَهُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِأَنْفُسِهِمْ الْحُسْنَى عِنْد اللَّه يَوْم الْقِيَامَة النَّار . وَقَدْ بَيَّنَّا تَأْوِيل قَوْل اللَّه : { لَا جَرَمَ } فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ كِتَابنَا هَذَا بِشَوَاهِدِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ , مَا : 16379 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَا جَرَمَ } يَقُول : بَلَى . وَقَوْله : { لَا جَرَمَ } كَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يَقُول : لَمْ تُنْصَب جَرَمَ ب " لَا " كَمَا نُصِبَتْ الْمِيم مِنْ قَوْل : لَا غُلَام لَك ; قَالَ : وَلَكِنَّهَا نُصِبَتْ لِأَنَّهَا فِعْل مَاضٍ , مِثْل قَوْل الْقَائِل : قَعَدَ فُلَان وَجَلَسَ , وَالْكَلَام : لَا رَدَّ لِكَلَامِهِمْ أَيْ لَيْسَ الْأَمْر هَكَذَا , جَرَمَ : كَسَبَ , مِثْل قَوْله : لَا أُقْسِم , وَنَحْو ذَلِكَ . وَكَانَ بَعْضهمْ يَقُول : نَصْب " جَرَمَ " ب " لَا " , وَإِنَّمَا بِمَعْنَى : لَا بُدّ , وَلَا مَحَالَة ; وَلَكِنَّهَا كَثُرَتْ فِي الْكَلَام حَتَّى صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ " حَقًّا " . وَقَوْله : { وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَنَّهُمْ مُخَلَّفُونَ مَتْرُوكُونَ فِي النَّار , مَنْسِيُّونَ فِيهَا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ أَكْثَرهمْ بِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16380 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي هَذِهِ الْآيَة : { لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمْ النَّار وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } قَالَ : مَنْسِيُّونَ مُضَيَّعُونَ . * حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقِيّ , قَالَ : ثنا زَيْد بْن حُبَاب , قَالَ : أَخْبَرَنَا سَعِيد , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , مِثْله . * حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا بَهْز بْن أَسَد , عَنْ شُعْبَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , مِثْله . * حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمْ النَّار وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } قَالَ : مَتْرُوكُونَ فِي النَّار , مَنْسِيُّونَ فِيهَا . * حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : حُصَيْن , أَخْبَرَنَا , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , بِمِثْلِهِ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر بِمِثْلِهِ . 16381 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } قَالَ : مَنْسِيُّونَ . * حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 16382 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْدَة وَأَبُو مُعَاوِيَة وَأَبُو خَالِد , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } قَالَ : مَتْرُوكُونَ فِي النَّار . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ الْقَاسِم , عَنْ مُجَاهِد : { مُفْرَطُونَ } قَالَ : مَنْسِيُّونَ . 16383 - حَدَّثَنِي عَبْد الْوَارِث بْن عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ الْحُسَيْن , عَنْ قَتَادَة : { وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } يَقُول : مُضَاعُونَ . 16384 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا بَدَل , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن رَاشِد , قَالَ : سَمِعْت دَاوُدَ بْن أَبِي هِنْد , فِي قَوْل اللَّه : { وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } قَالَ : مَنْسِيُّونَ فِي النَّار . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ مُعَجَّلُونَ إِلَى النَّار مُقَدَّمُونَ إِلَيْهَا . وَذَهَبُوا فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْل الْعَرَب : أَفْرَطْنَا فُلَانًا فِي طَلَب الْمَاء , إِذَا قَدَّمُوهُ لِإِصْلَاحِ الدِّلَاء وَالْأَرْشِيَة وَتَسْوِيَة مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ عِنْد وُرُودهمْ عَلَيْهِ فَهُوَ مُفْرَط . فَأَمَّا الْمُتَقَدِّم نَفْسه فَهُوَ فَارِط , يُقَال : قَدْ فَرَطَ فُلَان أَصْحَابه يَفْرُطُهُمْ فُرْطًا وَفُرُوطًا : إِذَا تَقَدَّمَهُمْ . وَجَمْع فَارِط . فُرَّاط ; وَمِنْهُ قَوْل الْقَطَامِيّ : وَاسْتَعْجَلُونَا وَكَانُوا مِنْ صَحَابَتنَا كَمَا تَعَجَّلَ فُرَّاط لِوُرَّادِ وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنَا فَرَطكُمْ عَلَى الْحَوْض " : أَيْ مُتَقَدِّمكُمْ إِلَيْهِ وَسَابِقكُمْ " حَتَّى تَرِدُوهُ " . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16385 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } يَقُول : مُعَجَّلُونَ إِلَى النَّار . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } قَالَ : قَدْ أَفْرَطُوا فِي النَّار ; أَيْ مُعَجَّلُونَ . وَقَالَ آخَرُونَ . مَعْنَى ذَلِكَ : مُبْعَدُونَ فِي النَّار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16386 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَشْعَث السَّمَّان , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد : { وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } قَالَ : مُخْسَئُونَ مُبْعَدُونَ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ الْقَوْل الَّذِي اِخْتَرْنَاهُ , وَذَلِكَ أَنَّ الْإِفْرَاط الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى التَّقْدِيم , إِنَّمَا يُقَال فِيمَنْ قَدِمَ مَقْدِمًا لِإِصْلَاحِ مَا يَقْدَم إِلَيْهِ إِلَى وَقْت وُرُود مَنْ قَدَّمَهُ عَلَيْهِ , وَلَيْسَ بِمُقَدَّمٍ مِنْ قُدِّمَ إِلَى النَّار مِنْ أَهْلهَا لِإِصْلَاحِ شَيْء فِيهَا لِوَارِدٍ يَرِد عَلَيْهَا فِيهَا فَيُوَافِقهُ مُصْلِحًا , وَإِنَّمَا تَقَدَّمَ مَنْ قُدِّمَ إِلَيْهَا لِعَذَابٍ يُعَجَّل لَهُ . فَإِذَا كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ الْإِفْرَاط الَّذِي هُوَ تَأْوِيل التَّعْجِيل فَفَسَدَ أَنْ يَكُون لَهُ وَجْه فِي الصِّحَّة , صَحَّ الْمَعْنَى الْآخَر وَهُوَ الْإِفْرَاط الَّذِي بِمَعْنَى التَّخْلِيف وَالتَّرْك ; وَذَلِكَ أَنْ يُحْكَى عَنْ الْعَرَب : مَا أَفْرَطْت وَرَائِي أَحَدًا : أَيْ مَا خَلَّفْته ; وَمَا فَرَّطْته : أَيْ لَمْ أُخَلِّفهُ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمِصْرَيْنِ الْكُوفَة وَالْبَصْرَة : { وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } بِتَخْفِيفِ الرَّاء وَفَتْحهَا , عَلَى مَعْنَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله مِنْ أُفْرِطَ فَهُوَ مُفْرَط . وَقَدْ بَيَّنْت اِخْتِلَاف قِرَاءَة ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي التَّأْوِيل . وَقَرَأَهُ أَبُو جَعْفَر الْقَارِئ . " وَأَنَّهُمْ مُفَرِّطُونَ " بِكَسْرِ الرَّاء وَتَشْدِيدهَا , بِتَأْوِيلِ : أَنَّهُمْ مُفَرِّطُونَ فِي أَدَاء الْوَاجِب الَّذِي كَانَ لِلَّهِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا , مِنْ طَاعَته وَحُقُوقه , مُضَيِّعُو ذَلِكَ , مِنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه } 39 56 وَقَرَأَ نَافِع بْن أَبِي نُعَيْم : " وَأَنَّهُمْ مُفْرِطُونَ " بِكَسْرِ الرَّاء وَتَخْفِيفهَا . 16387 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ يُونُس , عَنْ وَرْش عَنْهُ . بِتَأْوِيلِ : أَنَّهُمْ مُفْرِطُونَ فِي الذُّنُوب وَالْمَعَاصِي , مُسْرِفُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ مُكْثِرُونَ مِنْهَا , مِنْ قَوْلهمْ : أَفْرَطَ فُلَان فِي الْقَوْل : إِذَا تَجَاوَزَ حَدّه , وَأَسْرَفَ فِيهِ . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى الْقِرَاءَات فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة الَّذِينَ ذَكَرْنَا قِرَاءَتهمْ مِنْ أَهْل الْعِرَاق لِمُوَافَقَتِهَا تَأْوِيل أَهْل التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْل , وَخُرُوج الْقِرَاءَات الْأُخْرَى عَنْ تَأْوِيلهمْ .
وَقَوْله : { لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمْ النَّار وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : حَقًّا وَاجِبًا أَنَّ لِهَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ لِلَّهِ الْبَنَات الْجَاعِلِينَ لَهُ مَا يَكْرَهُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِأَنْفُسِهِمْ الْحُسْنَى عِنْد اللَّه يَوْم الْقِيَامَة النَّار . وَقَدْ بَيَّنَّا تَأْوِيل قَوْل اللَّه : { لَا جَرَمَ } فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ كِتَابنَا هَذَا بِشَوَاهِدِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ , مَا : 16379 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَا جَرَمَ } يَقُول : بَلَى . وَقَوْله : { لَا جَرَمَ } كَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يَقُول : لَمْ تُنْصَب جَرَمَ ب " لَا " كَمَا نُصِبَتْ الْمِيم مِنْ قَوْل : لَا غُلَام لَك ; قَالَ : وَلَكِنَّهَا نُصِبَتْ لِأَنَّهَا فِعْل مَاضٍ , مِثْل قَوْل الْقَائِل : قَعَدَ فُلَان وَجَلَسَ , وَالْكَلَام : لَا رَدَّ لِكَلَامِهِمْ أَيْ لَيْسَ الْأَمْر هَكَذَا , جَرَمَ : كَسَبَ , مِثْل قَوْله : لَا أُقْسِم , وَنَحْو ذَلِكَ . وَكَانَ بَعْضهمْ يَقُول : نَصْب " جَرَمَ " ب " لَا " , وَإِنَّمَا بِمَعْنَى : لَا بُدّ , وَلَا مَحَالَة ; وَلَكِنَّهَا كَثُرَتْ فِي الْكَلَام حَتَّى صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ " حَقًّا " . وَقَوْله : { وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَنَّهُمْ مُخَلَّفُونَ مَتْرُوكُونَ فِي النَّار , مَنْسِيُّونَ فِيهَا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ أَكْثَرهمْ بِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16380 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي هَذِهِ الْآيَة : { لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمْ النَّار وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } قَالَ : مَنْسِيُّونَ مُضَيَّعُونَ . * حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقِيّ , قَالَ : ثنا زَيْد بْن حُبَاب , قَالَ : أَخْبَرَنَا سَعِيد , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , مِثْله . * حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا بَهْز بْن أَسَد , عَنْ شُعْبَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , مِثْله . * حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمْ النَّار وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } قَالَ : مَتْرُوكُونَ فِي النَّار , مَنْسِيُّونَ فِيهَا . * حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : حُصَيْن , أَخْبَرَنَا , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , بِمِثْلِهِ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر بِمِثْلِهِ . 16381 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } قَالَ : مَنْسِيُّونَ . * حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 16382 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْدَة وَأَبُو مُعَاوِيَة وَأَبُو خَالِد , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } قَالَ : مَتْرُوكُونَ فِي النَّار . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ الْقَاسِم , عَنْ مُجَاهِد : { مُفْرَطُونَ } قَالَ : مَنْسِيُّونَ . 16383 - حَدَّثَنِي عَبْد الْوَارِث بْن عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ الْحُسَيْن , عَنْ قَتَادَة : { وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } يَقُول : مُضَاعُونَ . 16384 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا بَدَل , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن رَاشِد , قَالَ : سَمِعْت دَاوُدَ بْن أَبِي هِنْد , فِي قَوْل اللَّه : { وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } قَالَ : مَنْسِيُّونَ فِي النَّار . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ مُعَجَّلُونَ إِلَى النَّار مُقَدَّمُونَ إِلَيْهَا . وَذَهَبُوا فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْل الْعَرَب : أَفْرَطْنَا فُلَانًا فِي طَلَب الْمَاء , إِذَا قَدَّمُوهُ لِإِصْلَاحِ الدِّلَاء وَالْأَرْشِيَة وَتَسْوِيَة مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ عِنْد وُرُودهمْ عَلَيْهِ فَهُوَ مُفْرَط . فَأَمَّا الْمُتَقَدِّم نَفْسه فَهُوَ فَارِط , يُقَال : قَدْ فَرَطَ فُلَان أَصْحَابه يَفْرُطُهُمْ فُرْطًا وَفُرُوطًا : إِذَا تَقَدَّمَهُمْ . وَجَمْع فَارِط . فُرَّاط ; وَمِنْهُ قَوْل الْقَطَامِيّ : وَاسْتَعْجَلُونَا وَكَانُوا مِنْ صَحَابَتنَا كَمَا تَعَجَّلَ فُرَّاط لِوُرَّادِ وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنَا فَرَطكُمْ عَلَى الْحَوْض " : أَيْ مُتَقَدِّمكُمْ إِلَيْهِ وَسَابِقكُمْ " حَتَّى تَرِدُوهُ " . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16385 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } يَقُول : مُعَجَّلُونَ إِلَى النَّار . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } قَالَ : قَدْ أَفْرَطُوا فِي النَّار ; أَيْ مُعَجَّلُونَ . وَقَالَ آخَرُونَ . مَعْنَى ذَلِكَ : مُبْعَدُونَ فِي النَّار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16386 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَشْعَث السَّمَّان , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد : { وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } قَالَ : مُخْسَئُونَ مُبْعَدُونَ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ الْقَوْل الَّذِي اِخْتَرْنَاهُ , وَذَلِكَ أَنَّ الْإِفْرَاط الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى التَّقْدِيم , إِنَّمَا يُقَال فِيمَنْ قَدِمَ مَقْدِمًا لِإِصْلَاحِ مَا يَقْدَم إِلَيْهِ إِلَى وَقْت وُرُود مَنْ قَدَّمَهُ عَلَيْهِ , وَلَيْسَ بِمُقَدَّمٍ مِنْ قُدِّمَ إِلَى النَّار مِنْ أَهْلهَا لِإِصْلَاحِ شَيْء فِيهَا لِوَارِدٍ يَرِد عَلَيْهَا فِيهَا فَيُوَافِقهُ مُصْلِحًا , وَإِنَّمَا تَقَدَّمَ مَنْ قُدِّمَ إِلَيْهَا لِعَذَابٍ يُعَجَّل لَهُ . فَإِذَا كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ الْإِفْرَاط الَّذِي هُوَ تَأْوِيل التَّعْجِيل فَفَسَدَ أَنْ يَكُون لَهُ وَجْه فِي الصِّحَّة , صَحَّ الْمَعْنَى الْآخَر وَهُوَ الْإِفْرَاط الَّذِي بِمَعْنَى التَّخْلِيف وَالتَّرْك ; وَذَلِكَ أَنْ يُحْكَى عَنْ الْعَرَب : مَا أَفْرَطْت وَرَائِي أَحَدًا : أَيْ مَا خَلَّفْته ; وَمَا فَرَّطْته : أَيْ لَمْ أُخَلِّفهُ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمِصْرَيْنِ الْكُوفَة وَالْبَصْرَة : { وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } بِتَخْفِيفِ الرَّاء وَفَتْحهَا , عَلَى مَعْنَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله مِنْ أُفْرِطَ فَهُوَ مُفْرَط . وَقَدْ بَيَّنْت اِخْتِلَاف قِرَاءَة ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي التَّأْوِيل . وَقَرَأَهُ أَبُو جَعْفَر الْقَارِئ . " وَأَنَّهُمْ مُفَرِّطُونَ " بِكَسْرِ الرَّاء وَتَشْدِيدهَا , بِتَأْوِيلِ : أَنَّهُمْ مُفَرِّطُونَ فِي أَدَاء الْوَاجِب الَّذِي كَانَ لِلَّهِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا , مِنْ طَاعَته وَحُقُوقه , مُضَيِّعُو ذَلِكَ , مِنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه } 39 56 وَقَرَأَ نَافِع بْن أَبِي نُعَيْم : " وَأَنَّهُمْ مُفْرِطُونَ " بِكَسْرِ الرَّاء وَتَخْفِيفهَا . 16387 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ يُونُس , عَنْ وَرْش عَنْهُ . بِتَأْوِيلِ : أَنَّهُمْ مُفْرِطُونَ فِي الذُّنُوب وَالْمَعَاصِي , مُسْرِفُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ مُكْثِرُونَ مِنْهَا , مِنْ قَوْلهمْ : أَفْرَطَ فُلَان فِي الْقَوْل : إِذَا تَجَاوَزَ حَدّه , وَأَسْرَفَ فِيهِ . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى الْقِرَاءَات فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة الَّذِينَ ذَكَرْنَا قِرَاءَتهمْ مِنْ أَهْل الْعِرَاق لِمُوَافَقَتِهَا تَأْوِيل أَهْل التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْل , وَخُرُوج الْقِرَاءَات الْأُخْرَى عَنْ تَأْوِيلهمْ .
تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَم مِنْ قَبْلك } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُقْسِمًا بِنَفْسِهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاَللَّه يَا مُحَمَّد لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلك إِلَى أُمَمهَا بِمِثْلِ مَا أَرْسَلْنَاك إِلَى أُمَّتك مِنْ الدُّعَاء إِلَى التَّوْحِيد لِلَّهِ وَإِخْلَاص الْعِبَادَة لَهُ وَالْإِذْعَان لَهُ بِالطَّاعَةِ وَخَلَعَ الْأَنْدَاد وَالْآلِهَة .
{ فَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان أَعْمَالهمْ } يَقُول : فَحَسَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْر بِاَللَّهِ وَعِبَادَة الْأَوْثَان مُقِيمِينَ , حَتَّى كَذَّبُوا رُسُلهمْ , وَرَدُّوا عَلَيْهِمْ مَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّهمْ .
{ فَهُوَ وَلِيّهمْ الْيَوْم } يَقُول : فَالشَّيْطَان نَاصِرهمْ الْيَوْم فِي الدُّنْيَا , وَبِئْسَ النَّاصِر .
{ وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم } فِي الْآخِرَة عِنْد وُرُودهمْ عَلَى رَبّهمْ , فَلَا يَنْفَعهُمْ حِينَئِذٍ وِلَايَة الشَّيْطَان , وَلَا هِيَ نَفَعَتْهُمْ فِي الدُّنْيَا بَلْ ضَرَّتْهُمْ فِيهَا وَهِيَ لَهُمْ فِي الْآخِرَة أَضَرّ .
{ فَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان أَعْمَالهمْ } يَقُول : فَحَسَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْر بِاَللَّهِ وَعِبَادَة الْأَوْثَان مُقِيمِينَ , حَتَّى كَذَّبُوا رُسُلهمْ , وَرَدُّوا عَلَيْهِمْ مَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّهمْ .
{ فَهُوَ وَلِيّهمْ الْيَوْم } يَقُول : فَالشَّيْطَان نَاصِرهمْ الْيَوْم فِي الدُّنْيَا , وَبِئْسَ النَّاصِر .
{ وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم } فِي الْآخِرَة عِنْد وُرُودهمْ عَلَى رَبّهمْ , فَلَا يَنْفَعهُمْ حِينَئِذٍ وِلَايَة الشَّيْطَان , وَلَا هِيَ نَفَعَتْهُمْ فِي الدُّنْيَا بَلْ ضَرَّتْهُمْ فِيهَا وَهِيَ لَهُمْ فِي الْآخِرَة أَضَرّ .
وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْكِتَاب إِلَّا لِتُبَيِّن لَهُمْ الَّذِي اِخْتَلَفُوا فِيهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمَا أَنْزَلْنَا يَا مُحَمَّد عَلَيْك كِتَابنَا وَبَعَثْنَاك رَسُولًا إِلَى خَلْقنَا إِلَّا لِتُبَيِّن لَهُمْ مَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ دِين اللَّه , فَتُعَرِّفهُمْ الصَّوَاب مِنْهُ وَالْحَقّ مِنْ الْبَاطِل , وَتُقِيم عَلَيْهِمْ بِالصَّوَابِ مِنْهُ حُجَّة اللَّه الَّذِي بَعَثَك بِهَا .
وَقَوْله : { وَهُدًى وَرَحْمَة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يَقُول : وَهُدًى بَيَانًا مِنْ الضَّلَالَة , يَعْنِي بِذَلِكَ الْكِتَاب , { وَرَحْمَة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } بِهِ , فَيُصَدِّقُونَ بِمَا فِيهِ , وَيُقِرُّونَ بِمَا تَضَمَّنَ مِنْ أَمْر اللَّه وَنَهْيه , وَيَعْمَلُونَ بِهِ . وَعَطَفَ بِالْهُدَى عَلَى مَوْضِع " لِيُبَيِّن " , لِأَنَّ مَوْضِعهَا نَصْب . وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْكِتَاب إِلَّا بَيَانًا لِلنَّاسِ فِيمَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ هُدًى وَرَحْمَة .
وَقَوْله : { وَهُدًى وَرَحْمَة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يَقُول : وَهُدًى بَيَانًا مِنْ الضَّلَالَة , يَعْنِي بِذَلِكَ الْكِتَاب , { وَرَحْمَة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } بِهِ , فَيُصَدِّقُونَ بِمَا فِيهِ , وَيُقِرُّونَ بِمَا تَضَمَّنَ مِنْ أَمْر اللَّه وَنَهْيه , وَيَعْمَلُونَ بِهِ . وَعَطَفَ بِالْهُدَى عَلَى مَوْضِع " لِيُبَيِّن " , لِأَنَّ مَوْضِعهَا نَصْب . وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْكِتَاب إِلَّا بَيَانًا لِلنَّاسِ فِيمَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ هُدًى وَرَحْمَة .
وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْض بَعْد مَوْتهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُنَبِّه خَلْقه عَلَى حُجَجه عَلَيْهِمْ فِي تَوْحِيده , وَأَنَّهُ لَا تَنْبَغِي الْأُلُوهَة إِلَّا لَهُ , وَلَا تَصْلُح الْعِبَادَة لِشَيْءٍ سِوَاهُ : أَيّهَا النَّاس مَعْبُودكُمْ الَّذِي لَهُ الْعِبَادَة دُون كُلّ شَيْء , { أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاء مَاء } يَعْنِي : مَطَرًا , يَقُول : فَأَنْبَتَ بِمَا أَنْزَلَ مِنْ ذَلِكَ الْمَاء مِنْ السَّمَاء الْأَرْض الْمَيِّتَة الَّتِي لَا زَرْع بِهَا وَلَا عُشْب وَلَا نَبْت ; { بَعْد مَوْتهَا } بَعْد مَا هِيَ مَيِّتَة لَا شَيْء فِيهَا .
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ فِي إِحْيَائِنَا الْأَرْض بَعْد مَوْتهَا بِمَا أَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاء مِنْ مَاء لَدَلِيلًا وَاضِحًا وَحُجَّة قَاطِعَة عُذْر مَنْ فَكَّرَ فِيهِ
{ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } يَقُول : لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ هَذَا الْقَوْل فَيَتَدَبَّرُونَهُ وَيَعْقِلُونَهُ وَيُطِيعُونَ اللَّه بِمَا دَلَّهُمْ عَلَيْهِ .
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ فِي إِحْيَائِنَا الْأَرْض بَعْد مَوْتهَا بِمَا أَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاء مِنْ مَاء لَدَلِيلًا وَاضِحًا وَحُجَّة قَاطِعَة عُذْر مَنْ فَكَّرَ فِيهِ
{ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } يَقُول : لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ هَذَا الْقَوْل فَيَتَدَبَّرُونَهُ وَيَعْقِلُونَهُ وَيُطِيعُونَ اللَّه بِمَا دَلَّهُمْ عَلَيْهِ .
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَام لَعِبْرَة نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنَّ لَكُمْ أَيّهَا النَّاس لَعِظَة فِي الْأَنْعَام الَّتِي نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونه . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { نُسْقِيكُمْ } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة أَهْل مَكَّة وَالْعِرَاق وَالْكُوفَة وَالْبَصْرَة , سِوَى عَاصِم , وَمِنْ أَهْل الْمَدِينَة أَبُو جَعْفَر : { نُسْقِيكُمْ } بِضَمِّ النُّون . بِمَعْنَى : أَنَّهُ أَسْقَاهُمْ شَرَابًا دَائِمًا . وَكَانَ الْكِسَائِيّ يَقُول : الْعَرَب تَقُول : أَسْقَيْنَاهُمْ نَهْرًا وَأَسْقَيْنَاهُمْ لَبَنًا : إِذَا جَعَلَتْهُ شِرْبًا دَائِمًا , فَإِذَا أَرَادُوا أَنَّهُمْ أَعْطَوْهُ شَرْبَة قَالُوا : سَقَيْنَاهُمْ فَنَحْنُ نَسْقِيهِمْ بِغَيْرِ أَلِف . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة سِوَى أَبِي جَعْفَر , وَمِنْ أَهْل الْعِرَاق عَاصِم : " نَسْقِيكُمْ " بِفَتْحِ النُّون مِنْ سَقَاهُ اللَّه فَهُوَ يَسْقِيه . وَالْعَرَب قَدْ تُدْخِل الْأَلِف فِيمَا كَانَ مِنْ السَّقْي غَيْر دَائِم وَتَنْزِعهَا فِيمَا كَانَ دَائِمًا , وَإِنْ كَانَ أَشْهَر الْكَلَامَيْنِ عِنْدهَا مَا قَالَ الْكِسَائِيّ , يَدُلّ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ ذَلِكَ , قَوْل لَبِيد فِي صِفَة سَحَاب : سَقَى قَوْمِي بَنِي مَجْد وَأَسْقَى نُمَيْرًا وَالْقَبَائِل مِنْ هِلَال فَجَمَعَ اللُّغَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا فِي مَعْنًى وَاحِد . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَبِأَيَّةِ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , غَيْر أَنَّ أَعْجَبَ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ قِرَاءَة ضَمّ النُّون لِمَا ذَكَرْت مِنْ أَنَّ أَكْثَر الْكَلَامَيْنِ عِنْد الْعَرَب فِيمَا كَانَ دَائِمًا مِنْ السَّقْي أَسْقَى بِالْأَلِفِ فَهُوَ يَسْقِي , وَمَا أَسْقَى اللَّه عِبَاده مِنْ بُطُون الْأَنْعَام فَدَائِم لَهُمْ غَيْر مُنْقَطِع عَنْهُمْ . وَأَمَّا قَوْله : { مِمَّا فِي بُطُونه } وَقَدْ ذَكَرَ الْأَنْعَام قَبْل ذَلِكَ , وَهِيَ جَمْع وَالْهَاء فِي الْبُطُون مُوَحَّدَة , فَإِنَّ لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّة فِي ذَلِكَ أَقْوَالًا , فَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة يَقُول : النَّعَم وَالْأَنْعَام شَيْء وَاحِد , لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا جَمْعَانِ , فَرَدَّ الْكَلَام فِي قَوْله : { مِمَّا فِي بُطُونه } إِلَى التَّذْكِير مُرَادًا بِهِ مَعْنَى النِّعَم , إِذْ كَانَ يُؤَدِّي عَنْ الْأَنْعَام ; وَيُسْتَشْهَد لِقَوْلِ ذَلِكَ بِرَجَزِ بَعْض الْأَعْرَاب : إِذَا رَأَيْت أَنْجُمًا مِنْ الْأَسَدْ جَبْهَته أَوْ الْخَرَاة وَالْكَتَدْ بَالَ سُهَيْل فِي الْفَضِيخ فَفَسَدْ وَطَابَ أَلْبَان اللِّقَاح فَبَرَدْ وَيَقُول : رَجَعَ بِقَوْلِهِ : " فَبَرَدْ " إِلَى مَعْنَى اللَّبَن , لِأَنَّ اللَّبَن وَالْأَلْبَان تَكُون فِي مَعْنًى وَاحِد . وَفِي تَذْكِير النَّعَم قَوْل الْآخَر : أَكُلّ عَام نَعَم تَحْوُونَهْ يُلَقِّحهُ قَوْم وَتَنْتِجُونَهْ فَذَكَّرَ النَّعَم . وَكَانَ غَيْره مِنْهُمْ يَقُول : إِنَّمَا قَالَ : { مِمَّا فِي بُطُونه } لِأَنَّهُ أَرَادَ : مِمَّا فِي بُطُون مَا ذَكَرْنَا ; وَيَنْشُد فِي ذَلِكَ رَجَزًا لِبَعْضِهِمْ : مِثْل الْفِرَاخ نُتِّفَتْ حَوَاصِلُهْ وَقَوْل الْأَسْوَد بْن يَعْفُر : إِنَّ الْمَنِيَّة وَالْحُتُوف كِلَاهُمَا يُوفِي الْمَخَارِم يَرْقُبَانِ سَوَادِي فَقَالَ : " كِلَاهُمَا " , وَلَمْ يَقُلْ : " كِلْتَاهُمَا " ; وَقَوْل الصَّلَتَان الْعَبْدِيّ : إِنَّ السَّمَاحَة وَالْمُرُوءَة ضُمِّنَا قَبْرًا بِمَرْو عَلَى الطَّرِيق الْوَاضِح وَقَوْل الْآخَر : وَعَفْرَاء أَدْنَى النَّاس مِنِّي مَوَدَّة وَعَفْرَاء عَنِّي الْمُعْرِض الْمُتَوَانِي وَلَمْ يَقُلْ : الْمُعْرِضَة الْمُتَوَانِيَة ; وَقَوْل الْآخَر : إِذَا النَّاس نَاس وَالْبِلَاد بِغِبْطَةٍ وَإِذْ أُمّ عَمَّار صَدِيق مُسَاعِف وَيَقُول : كُلّ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى هَذَا الشَّيْء وَهَذَا الشَّخْص وَالسَّوَاد , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ . وَيَقُول : مِنْ ذَلِكَ قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { فَلَمَّا رَأَى الشَّمْس بَازِغَة قَالَ هَذَا رَبِّي } 6 78 بِمَعْنَى : هَذَا الشَّيْء الطَّالِع , وَقَوْله : { كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَة فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ } 80 11 : 12 وَلَمْ يَقُلْ ذَكَرَهَا , لِأَنَّ مَعْنَاهُ : فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَ هَذَا الشَّيْء , وَقَوْله : { وَإِنِّي مُرْسِلَة إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَة بِمَ يَرْجِع الْمُرْسَلُونَ فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَان } 27 35 : 36 وَلَمْ يَقُلْ " جَاءَتْ " . وَكَانَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ يَقُول : قِيلَ : { مِمَّا فِي بُطُونه } لِأَنَّ الْمَعْنَى : نُسْقِيكُمْ مِنْ أَيّ الْأَنْعَام كَانَ فِي بُطُونه . وَيَقُول : فِيهِ اللَّبَن مُضْمَر , يَعْنِي أَنَّهُ يَسْقِي مِنْ أَيّهَا كَانَ ذَا لَبَن , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِكُلِّهَا لَبَن , وَإِنَّمَا يُسْقَى مِنْ ذَوَات اللَّبَن . وَالْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ أَصَحّ مَخْرَجًا عَلَى كَلَام الْعَرَب مِنْ هَذَا الْقَوْل الثَّالِث .
وَقَوْله : { مِنْ بَيْن فَرْث وَدَم لَبَنًا خَالِصًا } يَقُول : نُسْقِيكُمْ لَبَنًا , نُخْرِجهُ لَكُمْ مِنْ بَيْن فَرْث وَدَم خَالِصًا ; يَقُول : خَلَصَ مِنْ مُخَالَطَة الدَّم وَالْفَرْث فَلَمْ يَخْتَلِطَا بِهِ .
{ سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ } يَقُول : يَسُوغ لِمَنْ شَرِبَهُ فَلَا يَغَصّ بِهِ كَمَا يَغَصّ الْغَاصّ بِبَعْضِ مَا يَأْكُلهُ مِنْ الْأَطْعِمَة . وَقِيلَ : إِنَّهُ لَمْ يَغَصّ أَحَد بِاللَّبَنِ قَطُّ .
وَقَوْله : { مِنْ بَيْن فَرْث وَدَم لَبَنًا خَالِصًا } يَقُول : نُسْقِيكُمْ لَبَنًا , نُخْرِجهُ لَكُمْ مِنْ بَيْن فَرْث وَدَم خَالِصًا ; يَقُول : خَلَصَ مِنْ مُخَالَطَة الدَّم وَالْفَرْث فَلَمْ يَخْتَلِطَا بِهِ .
{ سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ } يَقُول : يَسُوغ لِمَنْ شَرِبَهُ فَلَا يَغَصّ بِهِ كَمَا يَغَصّ الْغَاصّ بِبَعْضِ مَا يَأْكُلهُ مِنْ الْأَطْعِمَة . وَقِيلَ : إِنَّهُ لَمْ يَغَصّ أَحَد بِاللَّبَنِ قَطُّ .
وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْ ثَمَرَات النَّخِيل وَالْأَعْنَاب تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَكُمْ أَيْضًا أَيّهَا النَّاس عِبْرَة فِيمَا نُسْقِيكُمْ مِنْ ثَمَرَات النَّخِيل وَالْأَعْنَاب مَا { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } مَعَ مَا نُسْقِيكُمْ مِنْ بُطُون الْأَنْعَام مِنْ اللَّبَن الْخَارِج مِنْ بَيْن الْفَرْث وَالدَّم . وَحُذِفَ مِنْ قَوْله : { وَمِنْ ثَمَرَات النَّخِيل وَالْأَعْنَاب } الِاسْم , وَالْمَعْنَى مَا وَصَفْت , وَهُوَ : وَمِنْ ثَمَرَات النَّخِيل وَالْأَعْنَاب مَا تَتَّخِذُونَ مِنْهُ ; لِدَلَالَةِ " مِنْ " عَلَيْهِ , لِأَنَّ " مِنْ " تَدْخُل فِي الْكَلَام مُبَعِّضَة , فَاسْتُغْنِيَ بِدَلَالَتِهَا وَمَعْرِفَة السَّامِعِينَ بِمَا يَقْتَضِي مِنْ ذِكْر الِاسْم مَعَهَا . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول فِي مَعْنَى الْكَلَام : وَمِنْ ثَمَرَات النَّخِيل وَالْأَعْنَاب شَيْء تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا , وَيَقُول : إِنَّمَا ذُكِرَتْ الْهَاء فِي قَوْله : { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ } لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا الشَّيْء , وَهُوَ عِنْدنَا عَائِد عَلَى الْمَتْرُوك , وَهُوَ " مَا " , وَقَوْله : { تَتَّخِذُونَ } مِنْ صِفَة " مَا " الْمَتْرُوكَة . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِالسَّكَرِ : الْخَمْر , وَبِالرِّزْقِ الْحَسَن : التَّمْر وَالزَّبِيب , وَقَالَ : إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة قَبْل تَحْرِيم الْخَمْر ثُمَّ حُرِّمَتْ بَعْد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16388 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُبَيْد الْمُحَارِبِيّ , قَالَ : ثنا أَيُّوب بْن جَابِر السُّحَيْمِيّ , عَنْ الْأَسْوَد , عَنْ عَمْرو بْن سُفْيَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } قَالَ : السَّكَر : مَا حَرُمَ مِنْ شَرَابه , وَالرِّزْق الْحَسَن : مَا أُحِلَّ مِنْ ثَمَرَته . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع وَسَعِيد بْن الرَّبِيع الرَّازِيّ , قَالَا : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ الْأَسْوَد بْن قَيْس , عَنْ عَمْرو بْن سُفْيَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } قَالَ : الرِّزْق الْحَسَن : مَا أُحِلَّ مِنْ ثَمَرَتهَا , وَالسَّكَر : مَا حَرُمَ مِنْ ثَمَرَتهَا . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْأَسْوَد , عَنْ عَمْرو بْن سُفْيَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس مِثْله . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ الْأَسْوَد بْن قَيْس , عَنْ عَمْرو بْن سُفْيَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس , بِنَحْوِهِ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم الْفَضْل بْن دُكَيْن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَسْوَد بْن قَيْس , عَنْ عَمْرو بْن سُفْيَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس بِنَحْوِهِ . * حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْأَسْوَد بْن قَيْس , قَالَ : سَمِعْت رَجُلًا يُحَدِّث عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة : { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } قَالَ : السَّكَر : مَا حَرُمَ مِنْ ثَمَرَتَيْهِمَا , وَالرِّزْق الْحَسَن : مَا أُحِلَّ مِنْ ثَمَرَتَيْهِمَا . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن صَالِح , عَنْ الْأَسْوَد بْن قَيْس , عَنْ عَمْرو بْن سُفْيَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس , بِنَحْوِهِ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو غَسَّان , قَالَ : ثنا زُهَيْر بْن مُعَاوِيَة , قَالَ : ثنا الْأَسْوَد بْن قَيْس , قَالَ : ثني عَمْرو بْن سُفْيَان , قَالَ : سَمِعْت اِبْن عَبَّاس يَقُول , وَذُكِرَتْ عِنْده هَذِهِ الْآيَة : { وَمِنْ ثَمَرَات النَّخِيل وَالْأَعْنَاب تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } قَالَ : السَّكَر : مَا حَرُمَ مِنْهُمَا , وَالرِّزْق الْحَسَن : مَا أُحِلَّ مِنْهُمَا . * حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَان , عَنْ الْأَسْوَد بْن قَيْس , عَنْ عَمْرو بْن سُفْيَان الْبَصْرِيّ , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } قَالَ : فَأَمَّا الرِّزْق الْحَسَن : فَمَا أُحِلَّ مِنْ ثَمَرَتهمَا , وَأَمَّا السَّكَر : فَمَا حَرُمَ مِنْ ثَمَرَتهمَا . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ الْأَسْوَد , عَنْ عَمْرو بْن سُفْيَان الْبَصْرِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } قَالَ : السَّكَر : حَرَامه , وَالرِّزْق الْحَسَن : حَلَاله . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْعَبَّاس بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَة , عَنْ الْأَسْوَد , عَنْ عَمْرو بْن سُفْيَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : السَّكَر : مَا حَرُمَ مِنْ ثَمَرَتهمَا , وَالرِّزْق الْحَسَن : مَا حَلَّ مِنْ ثَمَرَتهمَا . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : الرِّزْق الْحَسَن : الْحَلَال , وَالسَّكَر : الْحَرَام . 16389 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } قَالَ : مَا حَرُمَ مِنْ ثَمَرَتهمَا , وَمَا أُحِلَّ مِنْ ثَمَرَتهمَا . * حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : السَّكَر خَمْر , وَالرِّزْق الْحَسَن الْحَلَال . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ مِسْعَر وَسُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : الرِّزْق الْحَسَن : الْحَلَال , وَالسَّكَر : الْحَرَام . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , بِنَحْوِهِ . * حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي هَذِهِ الْآيَة : { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } قَالَ : السَّكَر : الْحَرَام , وَالرِّزْق الْحَسَن : الْحَلَال . 16390 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ أَبِي رَزِين : { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } قَالَ : نَزَلَ هَذَا وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْر , فَكَانَ هَذَا قَبْل أَنْ يَنْزِل تَحْرِيم الْخَمْر . 16391 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم وَالشَّعْبِيّ وَأَبِي رَزِين , قَالُوا : هِيَ مَنْسُوخَة فِي هَذِهِ الْآيَة : { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا أَبُو قَطَن , عَنْ سَعِيد , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم وَالشَّعْبِيّ , وَأَبِي رَزِين بِمِثْلِهِ . 16392 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } قَالَ : هِيَ مَنْسُوخَة نَسَخَهَا تَحْرِيم الْخَمْر . 16393 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا هَوْذَة , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } قَالَ : ذَكَرَ اللَّه نِعْمَته فِي السَّكَر قَبْل تَحْرِيم الْخَمْر 16394 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ مَنْصُور وَعَوْف , عَنْ الْحَسَن , قَالَ السَّكَر : مَا حَرَّمَ اللَّه مِنْهُ , وَالرِّزْق : مَا أَحَلَّ اللَّه مِنْهُ . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : الرِّزْق الْحَسَن : الْحَلَال , وَالسَّكَر : الْحَرَام . 16395 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سَلَمَة , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : الرِّزْق الْحَسَن : الْحَلَال , وَالسَّكَر : الْحَرَام . 16396 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ أَبِي كُدَيْنَة يَحْيَى بْن الْمُهَلَّب , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد قَالَ : السَّكَر : الْخَمْر , وَالرِّزْق الْحَسَن , الرُّطَب وَالْأَعْنَاب . 16397 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا } قَالَ : هِيَ الْخَمْر قَبْل أَنْ تُحَرَّم . 16398 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا } قَالَ : الْخَمْر قَبْل تَحْرِيمهَا , { وَرِزْقًا حَسَنًا } قَالَ : طَعَامًا . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد بِنَحْوِهِ . 16399 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَمِنْ ثَمَرَات النَّخِيل وَالْأَعْنَاب تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } أَمَّا السَّكَر : فَخُمُور هَذِهِ الْأَعَاجِم , وَأَمَّا الرِّزْق الْحَسَن : فَمَا تَنْتَبِذُونَ , وَمَا تُخَلِّلُونَ , وَمَا تَأْكُلُونَ . وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة وَلَمْ تُحَرِّم الْخَمْر يَوْمئِذٍ , وَإِنَّمَا جَاءَ تَحْرِيمهَا بَعْد ذَلِكَ فِي سُورَة الْمَائِدَة . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْدَة بْن سُلَيْمَان , قَالَ : قَرَأْت عَلَى اِبْن أَبِي عُذْرَة , قَالَ : هَكَذَا سَمِعْت قَتَادَة : { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث بِشْر . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { سَكَرًا } قَالَ : هِيَ خُمُور الْأَعَاجِم , وَنُسِخَتْ فِي سُورَة الْمَائِدَة . وَالرِّزْق الْحَسَن ; قَالَ : مَا تَنْتَبِذُونَ وَتُخَلِّلُونَ وَتَأْكُلُونَ . 16400 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنْي عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَمِنْ ثَمَرَات النَّخِيل وَالْأَعْنَاب تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } وَذَلِكَ أَنَّ النَّاس كَانُوا يُسَمُّونَ الْخَمْر سَكَرًا , وَكَانُوا يَشْرَبُونَهَا , قَالَ اِبْن عَبَّاس : مَرَّ رِجَال بِوَادِي السَّكْرَان الَّذِي كَانَتْ قُرَيْش تَجْتَمِع فِيهِ , إِذَا تَلَقَّوْا مُسَافِرِيهِمْ إِذَا جَاءُوا مِنْ الشَّام , وَانْطَلَقُوا مَعَهُمْ يُشَيِّعُونَهُمْ حَتَّى يَبْلُغُوا وَادِي السَّكْرَان ثُمَّ يَرْجِعُوا مِنْهُ , ثُمَّ سَمَّاهَا اللَّه بَعْد ذَلِكَ الْخَمْر حِين حُرِّمَتْ . وَقَدْ كَانَ اِبْن عَبَّاس يَزْعُم أَنَّهَا الْخَمْر , وَكَانَ يَزْعُم أَنَّ الْحَبَشَة يُسَمُّونَ الْخَلّ السَّكَر . قَوْله : { وَرِزْقًا حَسَنًا } يَعْنِي بِذَلِكَ : الْحَلَال التَّمْر وَالزَّبِيب , وَمَا كَانَ حَلَالًا لَا يُسْكِر . وَقَالَ آخَرُونَ : السَّكَر بِمَنْزِلَةِ الْخَمْر فِي التَّحْرِيم وَلَيْسَ بِخَمْرٍ , وَقَالُوا : هُوَ نَقِيع التَّمْر وَالزَّبِيب إِذَا اِشْتَدَّ وَصَارَ يُسْكِر شَارِبه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16401 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن بَشِير , قَالَ : ثنا عَمْرو , فِي قَوْله : { وَمِنْ ثَمَرَات النَّخِيل وَالْأَعْنَاب تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ هَذَا قَبْل أَنْ يَنْزِل تَحْرِيم الْخَمْر وَالسَّكَر حَرَام مِثْل الْخَمْر ; وَأَمَّا الْحَلَال مِنْهُ , فَالزَّبِيب وَالتَّمْر وَالْخَلّ وَنَحْوه . 16402 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , وَعَلِيّ بْن دَاوُدَ , قَالَا : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا } فَحَرَّمَ اللَّه بَعْد ذَلِكَ , يَعْنِي بَعْد مَا أُنْزِلَ فِي سُورَة الْبَقَرَة مِنْ ذِكْر الْخَمْر وَالْمَيْسِر وَالْأَنْصَاب وَالْأَزْلَام , السَّكَر مَعَ تَحْرِيم الْخَمْر لِأَنَّهُ مِنْهُ , قَالَ : { وَرِزْقًا حَسَنًا } فَهُوَ الْحَلَال مِنْ الْخَلّ وَالنَّبِيذ وَأَشْبَاه ذَلِكَ , فَأَقَرَّهُ اللَّه وَجَعَلَهُ حَلَالًا لِلْمُسْلِمِينَ . 16403 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ مُوسَى , قَالَ : سَأَلْت مُرَّة عَنْ السَّكَر , فَقَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : هُوَ خَمْر . 16404 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي فَرْوَة , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى , قَالَ : السَّكَر : خَمْر . 16405 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي الْهَيْثَم , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : السَّكَر : خَمْر . 16406 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا حَسَن بْن صَالِح , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم وَأَبِي رَزِين , قَالَا : السَّكَر : خَمْر . 16407 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا } يَعْنِي : مَا أَسْكَرَ مِنْ الْعِنَب وَالتَّمْر { وَرِزْقًا حَسَنًا } يَعْنِي : ثَمَرَتهَا . 16408 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } قَالَ : الْحَلَال مَا كَانَ عَلَى وَجْه الْحَلَال حَتَّى غَيَّرُوهَا فَجَعَلُوا مِنْهَا سَكَرًا . وَقَالَ آخَرُونَ : السَّكَر : هُوَ كُلّ مَا كَانَ حَلَالًا شُرْبه , كَالنَّبِيذِ الْحَلَال وَالْخَلّ وَالرُّطَب . وَالرِّزْق الْحَسَن : التَّمْر وَالزَّبِيب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16409 - حَدَّثَنِي دَاوُدُ الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , قَالَ أَبُو رَوْق : ثني قَالَ : قُلْت لِلشَّعْبِيِّ : أَرَأَيْت قَوْله تَعَالَى : { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا } أَهُوَ هَذَا السَّكَر الَّذِي تَصْنَعهُ النَّبَط ؟ قَالَ : لَا , هَذَا خَمْر , إِنَّمَا السَّكَر الَّذِي قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : النَّبِيذ وَالْخَلّ ; وَالرِّزْق الْحَسَن : التَّمْر وَالزَّبِيب . * حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن دَاوُدَ , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , قَالَ : وَذَكَرَ مُجَالِد , عَنْ عَامِر , نَحْوه . 16410 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا مَنْدَل , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } قَالَ : مَا كَانُوا يَتَّخِذُونَ مِنْ النَّخْل النَّبِيذ , وَالرِّزْق الْحَسَن : مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ مِنْ الزَّبِيب وَالتَّمْر . * حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا مِنْدَل , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : قُلْت لَهُ : مَا تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا ؟ قَالَ : كَانُوا يَصْنَعُونَ مِنْ النَّبِيذ وَالْخَلّ ; قُلْت : وَالرِّزْق الْحَسَن ؟ قَالَ : كَانُوا يَصْنَعُونَ مِنْ التَّمْر وَالزَّبِيب . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة وَأَحْمَد بْن بَشِير , عَنْ مَجَالِد , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : السَّكَر : النَّبِيذ وَالرِّزْق الْحَسَن : التَّمْر الَّذِي كَانَ يُؤْكَل . وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل , الْآيَة غَيْر مَنْسُوخَة , بَلْ حُكْمهَا ثَابِت . وَهَذَا التَّأْوِيل عِنْدِي هُوَ أَوْلَى الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَة , وَذَلِكَ أَنَّ السَّكَر فِي كَلَام الْعَرَب عَلَى أَحَد أَوْجُه أَرْبَعَة : أَحَدهَا : مَا أَسْكَرَ مِنْ الشَّرَاب . وَالثَّانِي : مَا طُعِمَ مِنْ الطَّعَام , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : جَعَلْت عَيْب الْأَكْرَمِينَ سَكَرَا أَيْ طُعْمًا . وَالثَّالِث : السُّكُون , مِنْ قَوْل الشَّاعِر : جَعَلَتْ عَيْن الْحَرُور تَسْكُر وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى . وَالرَّابِع : الْمَصْدَر مِنْ قَوْلهمْ : سَكِرَ فُلَان يَسْكَر سُكْرًا وَسَكْرًا وَسَكَرًا . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ مَا يُسْكِر مِنْ الشَّرَاب حَرَامًا بِمَا قَدْ دَلَّلْنَا عَلَيْهِ فِي كِتَابنَا الْمُسَمَّى : " لَطِيف الْقَوْل فِي أَحْكَام شَرَائِع الْإِسْلَام " وَكَانَ غَيْر جَائِز لَنَا أَنْ نَقُول : هُوَ مَنْسُوخ , إِذْ كَانَ الْمَنْسُوخ هُوَ مَا نَفَى حُكْمه النَّاسِخ وَمَا لَا يَجُوز اِجْتِمَاع الْحُكْم بِهِ وَنَاسِخه , وَلَمْ يَكُنْ فِي حُكْم اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِتَحْرِيمِ الْخَمْر دَلِيل عَلَى أَنَّ السَّكَر الَّذِي هُوَ غَيْر الْخَمْر , وَغَيْر مَا يُسْكِر مِنْ الشَّرَاب , حَرَام ; إِذْ كَانَ السَّكَر أَحَد مَعَانِيه عِنْد الْعَرَب , وَمَنْ نَزَلَ بِلِسَانِهِ الْقُرْآن هُوَ كُلّ مَا طُعِمَ , وَلَمْ يَكُنْ مَعَ ذَلِكَ , إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْس التَّنْزِيل دَلِيل عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخ , أَوْ وَرَدَ بِأَنَّهُ مَنْسُوخ خَبَر مِنْ الرَّسُول , وَلَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّة , فَوَجَبَ الْقَوْل بِمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ مَعْنَى السَّكَر فِي هَذَا الْمَوْضِع : هُوَ كُلّ مَا حَلَّ شُرْبه مِمَّا يُتَّخَذ مِنْ ثَمَر النَّخْل وَالْكَرْم , وَفَسَدَ أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ الْخَمْر أَوْ مَا يُسْكِر مِنْ الشَّرَاب , وَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ السَّكَر نَفْسه , إِذْ كَانَ السَّكَر لَيْسَ مِمَّا يُتَّخَذ مِنْ النَّخْل وَالْكَرْم , وَمِنْ أَنْ يَكُون بِمَعْنَى السُّكُون .
وَقَوْله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } يَقُول : فِيمَا إِنْ وَصَفْنَا لَكُمْ مِنْ نِعَمنَا الَّتِي آتَيْنَاكُمْ أَيّهَا النَّاس مِنْ الْأَنْعَام وَالنَّخْل وَالْكَرْم , لَدَلَالَة وَاضِحَة وَآيَة بَيِّنَة لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ عَنْ اللَّه حُجَجه وَيَفْهَمُونَ عَنْهُ مَوَاعِظه فَيَتَّعِظُونَ بِهَا .
وَقَوْله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } يَقُول : فِيمَا إِنْ وَصَفْنَا لَكُمْ مِنْ نِعَمنَا الَّتِي آتَيْنَاكُمْ أَيّهَا النَّاس مِنْ الْأَنْعَام وَالنَّخْل وَالْكَرْم , لَدَلَالَة وَاضِحَة وَآيَة بَيِّنَة لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ عَنْ اللَّه حُجَجه وَيَفْهَمُونَ عَنْهُ مَوَاعِظه فَيَتَّعِظُونَ بِهَا .
وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَوْحَى رَبّك إِلَى النَّحْل أَنْ اِتَّخِذِي مِنْ الْجِبَال بُيُوتًا وَمِنْ الشَّجَر وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَلْهَمَ رَبّك يَا مُحَمَّد النَّحْل إِيحَاء إِلَيْهَا { أَنْ اِتَّخِذِي مِنْ الْجِبَال بُيُوتًا وَمِنْ الشَّجَر وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } يَعْنِي : مِمَّا يَبْنُونَ مِنْ السُّقُوف , فَرَفَعُوهَا بِالْبِنَاءِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16411 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا مَرْوَان , عَنْ إِسْحَاق التَّمِيمِيّ , وَهُوَ اِبْن أَبِي الصَّبَاح , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد : { وَأَوْحَى رَبّك إِلَى النَّحْل } قَالَ : أَلْهَمَهَا إِلْهَامًا . 16412 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , قَالَ : بَلَغَنِي , فِي قَوْله : { وَأَوْحَى رَبّك إِلَى النَّحْل } قَالَ : قَذَفَ فِي أَنْفُسهَا . 16413 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ أَصْحَابه , قَوْله : { وَأَوْحَى رَبّك إِلَى النَّحْل } قَالَ : قَذَفَ فِي أَنْفُسهَا أَنْ اِتَّخِذِي مِنْ الْجِبَال بُيُوتًا . 16414 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَأَوْحَى رَبّك إِلَى النَّحْل } الْآيَة , قَالَ : أَمَرَهَا أَنْ تَأْكُل مِنْ الثَّمَرَات , وَأَمَرَهَا أَنْ تَتَّبِع سُبُل رَبّهَا ذُلُلًا . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْإِيحَاء وَاخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع , وَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْله : { يَعْرِشُونَ } وَكَانَ اِبْن زَيْد يَقُول فِي مَعْنَى يَعْرِشُونَ , مَا : 16415 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { يَعْرِشُونَ } قَالَ : الْكَرْم .
ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلّ الثَّمَرَات فَاسْلُكِي سُبُل رَبّك ذُلُلًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ثُمَّ كُلِي أَيَّتهَا النَّحْل مِنْ الثَّمَرَات , { فَاسْلُكِي سُبُل رَبّك } يَقُول : فَاسْلُكِي طُرُق رَبّك { ذُلُلًا } يَقُول : مُذَلَّلَة لَك , وَالذُّلُل : جَمَعَ ذَلُول . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16416 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { فَاسْلُكِي سُبُل رَبّك ذُلُلًا } قَالَ : لَا يَتَوَعَّر عَلَيْهَا مَكَان سَلَكَتْهُ . 16417 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { فَاسْلُكِي سُبُل رَبّك ذُلُلًا } قَالَ : طُرُقًا ذُلُلًا , قَالَ : لَا يَتَوَعَّر عَلَيْهَا مَكَان سَلَكَتْهُ . وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل الَّذِي تَأَوَّلَهُ مُجَاهِد , الذُّلُل مِنْ نَعْت السُّبُل . وَالتَّأْوِيل عَلَى قَوْله : { فَاسْلُكِي سُبُل رَبّك ذُلُلًا } الذُّلُل لَك : لَا يَتَوَعَّر عَلَيْك سَبِيل سَلَكْتِيهِ , ثُمَّ أَسْقَطْت الْأَلِف وَاللَّام فَنُصِبَ عَلَى الْحَال . وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا : 16418 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَاسْلُكِي سُبُل رَبّك ذُلُلًا } : أَيْ مُطِيعَة . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { ذُلُلًا } قَالَ : مُطِيعَة . 16419 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَاسْلُكِي سُبُل رَبّك ذُلُلًا } قَالَ : الذَّلُول : الَّذِي يُقَاد وَيُذْهَب بِهِ حَيْثُ أَرَادَ صَاحِبه , قَالَ : فَهُمْ يَخْرُجُونَ بِالنَّحْلِ يَنْتَجِعُونَ بِهَا وَيَذْهَبُونَ وَهِيَ تَتْبَعهُمْ . وَقَرَأَ : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ } 36 71 : 72 الْآيَة . فَعَلَى هَذَا الْقَوْل , الذُّلُل مِنْ نَعْت النَّحْل , وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ غَيْر بَعِيد مِنْ الصَّوَاب فِي الصِّحَّة وَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ , غَيْر أَنَّا اِخْتَرْنَا أَنْ يَكُون نَعْتًا لِلسُّبُلِ لِأَنَّهَا إِلَيْهَا أَقْرَب .
وَقَوْله : { يَخْرُج مِنْ بُطُونهَا شَرَاب مُخْتَلِف أَلْوَانه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَخْرُج مِنْ بُطُون النَّحْل شَرَاب , وَهُوَ الْعَسَل , مُخْتَلِف أَلْوَانه , لِأَنَّ فِيهَا أَبْيَض وَأَحْمَر وَأَسْحَر وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَلْوَان . قَالَ أَبُو جَعْفَر : " أَسْحَر " : أَلْوَان مُخْتَلِفَة مِثْل أَبْيَض يَضْرِب إِلَى الْحُمْرَة . وَقَوْله : { فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَا عَادَتْ عَلَيْهِ الْهَاء الَّتِي فِي قَوْله : { فِيهِ } , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَادَتْ عَلَى الْقُرْآن , وَهُوَ الْمُرَاد بِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16420 - حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : { فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ } قَالَ : فِي الْقُرْآن شِفَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ أُرِيدَ بِهَا الْعَسَل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16421 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يَخْرُج مِنْ بُطُونهَا شَرَاب مُخْتَلِف أَلْوَانه فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ } فَفِيهِ شِفَاء كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى مِنْ الْأَدْوَاء , وَقَدْ كَانَ يَنْهَى عَنْ تَفْرِيق النَّحْل وَعَنْ قَتْلهَا . 16422 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ أَنَّ أَخَاهُ اِشْتَكَى بَطْنه , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اِذْهَبْ فَاسْقِ أَخَاك عَسَلًا ! " ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ : مَا زَادَهُ إِلَّا شِدَّة , فَقَالَ 3النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اِذْهَبْ فَاسْقِ أَخَاك عَسَلًا , فَقَدْ صَدَقَ اللَّه وَكَذَبَ بَطْن أَخِيك ! " فَسَقَاهُ , فَكَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَال . * حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { يَخْرُج مِنْ بُطُونهَا شَرَاب مُخْتَلِف أَلْوَانه فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ } قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ نَحْوه . 16423 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : شِفَاءَانِ : الْعَسَل شِفَاء مِنْ كُلّ دَاء , وَالْقُرْآن شِفَاء لِمَا فِي الصُّدُور . 16424 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ } الْعَسَل . وَهَذَا الْقَوْل , أَعْنِي قَوْل قَتَادَة , أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة ; لِأَنَّ قَوْله : { فِيهِ } فِي سِيَاق الْخَبَر عَنْ الْعَسَل , فَأَنْ تَكُون الْهَاء مِنْ ذِكْر الْعَسَل , إِذْ كَانَتْ فِي سِيَاق الْخَبَر عَنْهُ أَوْلَى مِنْ غَيْره .
وَقَوْله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ فِي إِخْرَاج اللَّه مِنْ بُطُون هَذِهِ النَّحْل : الشَّرَاب الْمُخْتَلِف , الَّذِي هُوَ شِفَاء لِلنَّاسِ , لَدَلَالَة وَحُجَّة وَاضِحَة عَلَى مَنْ سَخَّرَ النَّحْل وَهَدَاهَا لِأَكْلِ الثَّمَرَات الَّتِي تَأْكُل , وَاِتِّخَاذهَا الْبُيُوت الَّتِي تَنْحِت مِنْ الْجِبَال وَالشَّجَر وَالْعُرُوش , وَأَخْرَجَ مِنْ بُطُونهَا مَا أَخْرَجَ مِنْ الشِّفَاء لِلنَّاسِ , أَنَّهُ الْوَاحِد الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء , وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُون لَهُ شَرِيك وَلَا تَصِحّ الْأُلُوهَة إِلَّا لَهُ .
وَقَوْله : { يَخْرُج مِنْ بُطُونهَا شَرَاب مُخْتَلِف أَلْوَانه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَخْرُج مِنْ بُطُون النَّحْل شَرَاب , وَهُوَ الْعَسَل , مُخْتَلِف أَلْوَانه , لِأَنَّ فِيهَا أَبْيَض وَأَحْمَر وَأَسْحَر وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَلْوَان . قَالَ أَبُو جَعْفَر : " أَسْحَر " : أَلْوَان مُخْتَلِفَة مِثْل أَبْيَض يَضْرِب إِلَى الْحُمْرَة . وَقَوْله : { فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَا عَادَتْ عَلَيْهِ الْهَاء الَّتِي فِي قَوْله : { فِيهِ } , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَادَتْ عَلَى الْقُرْآن , وَهُوَ الْمُرَاد بِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16420 - حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : { فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ } قَالَ : فِي الْقُرْآن شِفَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ أُرِيدَ بِهَا الْعَسَل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16421 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يَخْرُج مِنْ بُطُونهَا شَرَاب مُخْتَلِف أَلْوَانه فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ } فَفِيهِ شِفَاء كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى مِنْ الْأَدْوَاء , وَقَدْ كَانَ يَنْهَى عَنْ تَفْرِيق النَّحْل وَعَنْ قَتْلهَا . 16422 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ أَنَّ أَخَاهُ اِشْتَكَى بَطْنه , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اِذْهَبْ فَاسْقِ أَخَاك عَسَلًا ! " ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ : مَا زَادَهُ إِلَّا شِدَّة , فَقَالَ 3النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اِذْهَبْ فَاسْقِ أَخَاك عَسَلًا , فَقَدْ صَدَقَ اللَّه وَكَذَبَ بَطْن أَخِيك ! " فَسَقَاهُ , فَكَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَال . * حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { يَخْرُج مِنْ بُطُونهَا شَرَاب مُخْتَلِف أَلْوَانه فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ } قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ نَحْوه . 16423 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : شِفَاءَانِ : الْعَسَل شِفَاء مِنْ كُلّ دَاء , وَالْقُرْآن شِفَاء لِمَا فِي الصُّدُور . 16424 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ } الْعَسَل . وَهَذَا الْقَوْل , أَعْنِي قَوْل قَتَادَة , أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة ; لِأَنَّ قَوْله : { فِيهِ } فِي سِيَاق الْخَبَر عَنْ الْعَسَل , فَأَنْ تَكُون الْهَاء مِنْ ذِكْر الْعَسَل , إِذْ كَانَتْ فِي سِيَاق الْخَبَر عَنْهُ أَوْلَى مِنْ غَيْره .
وَقَوْله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ فِي إِخْرَاج اللَّه مِنْ بُطُون هَذِهِ النَّحْل : الشَّرَاب الْمُخْتَلِف , الَّذِي هُوَ شِفَاء لِلنَّاسِ , لَدَلَالَة وَحُجَّة وَاضِحَة عَلَى مَنْ سَخَّرَ النَّحْل وَهَدَاهَا لِأَكْلِ الثَّمَرَات الَّتِي تَأْكُل , وَاِتِّخَاذهَا الْبُيُوت الَّتِي تَنْحِت مِنْ الْجِبَال وَالشَّجَر وَالْعُرُوش , وَأَخْرَجَ مِنْ بُطُونهَا مَا أَخْرَجَ مِنْ الشِّفَاء لِلنَّاسِ , أَنَّهُ الْوَاحِد الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء , وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُون لَهُ شَرِيك وَلَا تَصِحّ الْأُلُوهَة إِلَّا لَهُ .
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدّ إِلَى أَرْذَل الْعُمُر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاَللَّه خَلَقَكُمْ أَيّهَا النَّاس وَأَوْجَدَكُمْ وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا , لَا الْآلِهَة الَّتِي تَعْبُدُونَ مِنْ دُونه , فَاعْبُدُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ دُون غَيْره . { ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ } يَقُول : ثُمَّ يَقْبِضكُمْ . { وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدّ إِلَى أَرْذَل الْعُمُر } يَقُول : وَمِنْكُمْ مَنْ يَهْرَم فَيَصِير إِلَى أَرْذَل الْعُمُر , وَهُوَ أَرْدَؤُهُ , يُقَال مِنْهُ : رَذُلَ الرَّجُل وَفَسُلَ , يَرْذُل رَذَالَة وَرُذُولَة وَرَذَلْته أَنَا . وَقِيلَ : إِنَّهُ يَصِير كَذَلِكَ فِي خَمْس وَسَبْعِينَ سَنَة . 16425 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْفَزَارِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن سَوَّار , قَالَ : ثنا أَسَد بْن عِمْرَان , عَنْ سَعْد بْن طَرِيف , عَنْ الْأَصْبَغ بْن نُبَاتَة , عَنْ عَلِيّ , فِي قَوْله : { وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدّ إِلَى أَرْذَل الْعُمُر } قَالَ : خَمْس وَسَبْعُونَ سَنَة .
وَقَوْله : { لِكَيْ لَا يَعْلَم بَعْد عِلْم شَيْئًا } يَقُول : إِنَّمَا نَرُدّهُ إِلَى أَرْذَل الْعُمُر لِيَعُودَ جَاهِلًا كَمَا كَانَ فِي حَال طُفُولَته وَصِبَاهُ . { بَعْد عِلْم شَيْئًا } يَقُول : لِئَلَّا يَعْلَم شَيْئًا بَعْد عِلْم كَانَ يَعْلَمهُ فِي شَبَابه , فَذَهَبَ ذَلِكَ بِالْكِبَرِ وَنَسِيَ , فَلَا يَعْلَم مِنْهُ شَيْئًا , وَانْسَلَخَ مِنْ عَقْله , فَصَارَ مِنْ بَعْد عَقْل كَانَ لَهُ لَا يَعْقِل شَيْئًا .
{ إِنَّ اللَّه عَلِيم قَدِير } يَقُول : إِنَّ اللَّه لَا يَنْسَى وَلَا يَتَغَيَّر عِلْمه , عَلِيم بِكُلِّ مَا كَانَ وَيَكُون , قَدِير عَلَى مَا شَاءَ , لَا يَجْهَل شَيْئًا وَلَا يُعْجِزهُ شَيْء أَرَادَهُ .
وَقَوْله : { لِكَيْ لَا يَعْلَم بَعْد عِلْم شَيْئًا } يَقُول : إِنَّمَا نَرُدّهُ إِلَى أَرْذَل الْعُمُر لِيَعُودَ جَاهِلًا كَمَا كَانَ فِي حَال طُفُولَته وَصِبَاهُ . { بَعْد عِلْم شَيْئًا } يَقُول : لِئَلَّا يَعْلَم شَيْئًا بَعْد عِلْم كَانَ يَعْلَمهُ فِي شَبَابه , فَذَهَبَ ذَلِكَ بِالْكِبَرِ وَنَسِيَ , فَلَا يَعْلَم مِنْهُ شَيْئًا , وَانْسَلَخَ مِنْ عَقْله , فَصَارَ مِنْ بَعْد عَقْل كَانَ لَهُ لَا يَعْقِل شَيْئًا .
{ إِنَّ اللَّه عَلِيم قَدِير } يَقُول : إِنَّ اللَّه لَا يَنْسَى وَلَا يَتَغَيَّر عِلْمه , عَلِيم بِكُلِّ مَا كَانَ وَيَكُون , قَدِير عَلَى مَا شَاءَ , لَا يَجْهَل شَيْئًا وَلَا يُعْجِزهُ شَيْء أَرَادَهُ .
وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه فَضَّلَ بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض فِي الرِّزْق فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقهمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللَّه يَجْحَدُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاَللَّه أَيّهَا النَّاس فَضَّلَ بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض فِي الرِّزْق الَّذِي رَزَقَكُمْ فِي الدُّنْيَا , فَمَا الَّذِينَ فَضَّلَهُمْ اللَّه عَلَى غَيْرهمْ بِمَا رَزَقَهُمْ { بِرَادِّي رِزْقهمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهمْ } يَقُول : بِمُشْرِكِي مَمَالِيكهمْ فِيمَا رَزَقَهُمْ مِنْ الْأَمْوَال وَالْأَزْوَاج . { فَهُمْ فِيهِ سَوَاء } يَقُول : حَتَّى يَسْتَوُوا هُمْ فِي ذَلِكَ وَعَبِيدهمْ , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَهُمْ لَا يَرْضَوْنَ بِأَنْ يَكُونُوا هُمْ وَمَمَالِيكهمْ فِيمَا رَزَقْتهمْ سَوَاء , وَقَدْ جَعَلُوا عَبِيدِي شُرَكَائِي فِي مُلْكِي وَسُلْطَانِي . وَهَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِلْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ . وَقِيلَ : إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ الَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ الْمَسِيح اِبْن اللَّه مِنْ النَّصَارَى . وَقَوْله : { أَفَبِنِعْمَةِ اللَّه يَجْحَدُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَفَبِنِعْمَةِ اللَّه الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الرِّزْق الَّذِي رَزَقَهُمْ فِي الدُّنْيَا يَجْحَدُونَ بِإِشْرَاكِهِمْ غَيْر اللَّه مِنْ خَلْقه فِي سُلْطَانه وَمُلْكه ؟ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16426 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَاَللَّه فَضَّلَ بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض فِي الرِّزْق فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقهمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهمْ } يَقُول : لَمْ يَكُونُوا يُشْرِكُونَ عَبِيدهمْ فِي أَمْوَالهمْ وَنِسَائِهِمْ , فَكَيْف يُشْرِكُونَ عَبِيدِي مَعِي فِي سُلْطَانِي ؟ فَذَلِكَ قَوْله : { أَفَبِنِعْمَةِ اللَّه يَجْحَدُونَ } 16427 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : هَذِهِ الْآيَة فِي شَأْن عِيسَى اِبْن مَرْيَم , يَعْنِي بِذَلِكَ نَفْسه , إِنَّمَا عِيسَى عَبْد , فَيَقُول اللَّه : وَاَللَّه مَا تُشْرِكُونَ عَبِيدكُمْ فِي الَّذِي لَكُمْ فَتَكُونُوا أَنْتُمْ وَهُمْ سَوَاء , فَكَيْف تَرْضَوْنَ لِي بِمَا لَا تَرْضَوْنَ لِأَنْفُسِكُمْ ؟ 16428 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { بِرَادِّي رِزْقهمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهمْ } قَالَ : مِثْل آلِهَة الْبَاطِل مَعَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره . 16429 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَاَللَّه فَضَّلَ بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض فِي الرِّزْق فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقهمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللَّه يَجْحَدُونَ } وَهَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه , فَهَلْ مِنْكُمْ مِنْ أَحَد شَارَكَ مَمْلُوكه فِي زَوْجَته وَفِي فِرَاشه فَتَعْدِلُونَ بِاَللَّهِ خَلْقه وَعِبَاده ؟ فَإِنْ لَمْ تَرْضَ لِنَفْسِك هَذَا , فَاَللَّه أَحَقّ أَنْ يُنَزَّه مِنْهُ مِنْ نَفْسك , وَلَا تَعْدِل بِاَللَّهِ أَحَدًا مِنْ عِبَاده وَخَلْقه . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقهمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهمْ } قَالَ : هَذَا الَّذِي فُضِّلَ فِي الْمَال وَالْوَلَد , لَا يُشْرِك عَبْده فِي مَاله وَزَوْجَته . يَقُول : قَدْ رَضِيت بِذَلِكَ لِلَّهِ وَلَمْ تَرْضَ بِهِ لِنَفْسِك , فَجَعَلْت لِلَّهِ شَرِيكًا فِي مُلْكه وَخَلْقه .
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَاَللَّه } الَّذِي { جَعَلَ لَكُمْ } أَيّهَا النَّاس { مِنْ أَنْفُسكُمْ أَزْوَاجًا } يَعْنِي أَنَّهُ خَلَقَ آدَم وَزَوْجَته حَوَّاء , { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَة } , كَمَا : 16430 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَاَللَّه جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسكُمْ أَزْوَاجًا } : أَيْ وَاَللَّه خَلَقَ آدَم , ثُمَّ خَلَقَ زَوْجَته مِنْهُ ثُمَّ جَعَلَ لَكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَة . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيِّينَ بِالْحَفَدَةِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمْ الْأَخْتَان , أَخْتَان الرَّجُل عَلَى بَنَاته . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16431 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , قَالَ : ثنا أَبَان بْن تَغْلِب , عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو , عَنْ اِبْن حُبَيْش , عَنْ عَبْد اللَّه : { بَنِينَ وَحَفَدَة } قَالَ : الْأَخْتَان . 16432 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر , عَنْ عَاصِم , عَنْ وَرْقَاء سَأَلْت عَبْد اللَّه : مَا تَقُول فِي الْحَفَدَة ؟ هُمْ حَشَم الرَّجُل يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَن ؟ قَالَ : لَا , وَلَكِنَّهُمْ الْأَخْتَان . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن ; وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَا جَمِيعًا : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَاصِم بْن بَهْدَلَة , عَنْ زِرّ بْن حُبَيْش , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : الْحَفَدَة : الْأَخْتَان . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي . عَنْ سُفْيَان بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله . 16433 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار وَأَحْمَد بْن الْوَلِيد الْقُرَشِيّ وَابْن وَكِيع وَسَوَّار بْن عَبْد اللَّه الْعَنْبَرِيّ وَمُحَمَّد بْن خَلَف بْن خِرَاش وَالْحَسَن بْن خَلَف الْوَاسِطِيّ , قَالُوا : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد الْقَطَّان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي الضُّحَى , قَالَ : الْحَفَدَة : الْأَخْتَان . 16434 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : الْحَفَدَة : الْأَخْتَان . 16435 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { بَنِينَ وَحَفَدَة } قَالَ : الْحَفَدَة : الْأَخْتَان . * حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : الْحَفَدَة : الْخَتْن . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَاصِم , عَنْ زِرّ , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : الْأَخْتَان . 16436 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حَفْص , عَنْ أَشْعَث , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : الْأَخْتَان . 16437 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَحَفَدَة } قَالَ : الْأَصْهَار . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ عَاصِم , عَنْ زِرّ , عَنْ اِبْن مَسْعُود , قَالَ : الْحَفَدَة : الْأَخْتَان . 16438 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَاصِم بْن أَبِي النَّجُود , عَنْ زِرّ بْن حُبَيْش , قَالَ : قَالَ لِي عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : مَا الْحَفَدَة يَا زِرّ ؟ قَالَ : قُلْت : هُمْ أَحْفَاد الرَّجُل مِنْ وَلَده وَوَلَد وَلَده . قَالَ : لَا , هُمْ الْأَصْهَار . وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ أَعْوَان الرَّجُل وَخَدَمه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16439 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن خَالِد بْن خِدَاش , قَالَ : ثني سُلَيْم بْن قُتَيْبَة , عَنْ وَهْب بْن حَبِيب الْأَسَدِيّ , عَنْ أَبِي حَمْزَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس سُئِلَ عَنْ قَوْله : { بَنِينَ وَحَفَدَة } قَالَ : مَنْ أَعَانَك فَقَدْ حَفَدَك , أَمَا سَمِعْت قَوْل الشَّاعِر : حَفَدَ الْوَلَائِد حَوْلهنَّ وَأُسْلِمَتْ بِأَكُفِّهِنَّ أَزِمَّة الْأَجْمَال 16440 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : { بَنِينَ وَحَفَدَة } قَالَ : الْحَفَدَة : الْخُدَّام . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن خَالِد بْن خِدَاش , قَالَ : ثني سَلْم بْن قُتَيْبَة , عَنْ حَازِم بْن إِبْرَاهِيم الْبَجَلِيّ , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : قَالَ : الْحَفَدَة : الْخُدَّام . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عِمْرَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ حُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : هُمْ الَّذِينَ يُعِينُونَ الرَّجُل مِنْ وَلَده وَخَدَمه . * حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْحَكَم بْن أَبَان , عَنْ عِكْرِمَة : { وَحَفَدَة } قَالَ : الْحَفَدَة : مِنْ خَدَمك مِنْ وَلَدك . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ سَلَّام بْن سُلَيْم , وَقَيْس عَنْ سَمَّاك , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : هُمْ الْخَدَم . * حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سَلَّام أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , مِثْله . 16441 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن خَالِد , قَالَ : ثني سَلَمَة , عَنْ أَبِي هِلَال , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { بَنِينَ وَحَفَدَة } قَالَ : الْبَنِينَ وَبَنِي الْبَنِينَ , مَنْ أَعَانَك مِنْ أَهْل وَخَادِم فَقَدْ حَفَدَك . 16442 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ مَنْصُور , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : هُمْ الْخَدَم . 16443 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن خَالِد وَابْن وَكِيع , وَيَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالُوا : ثنا إِسْمَاعِيل بْن عُلَيَّة , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْحَفَدَة : الْخَدَم . 16444 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد ; وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي ; وَحَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , جَمِيعًا عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { بَنِينَ وَحَفَدَة } قَالَ : اِبْنه وَخَادِمه . 16445 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { بَنِينَ وَحَفَدَة } قَالَ : أَنْصَارًا وَأَعْوَانًا وَخُدَّامًا . 16446 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا زَمْعَة , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : الْحَفَدَة : الْخَدَم . 16447 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار مَرَّة أُخْرَى , قَالَ : اِبْنه وَخَادِمه . 16448 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَالَ : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَة } مِهْنَة يَمْهُنُونَك وَيَخْدُمُونَك مِنْ وَلَدك , كَرَامَة أَكْرَمكُمْ اللَّه بِهَا . 16449 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك : الْحَفَدَة , قَالَ : الْأَعْوَان . 16450 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : الَّذِينَ يُعِينُونَهُ . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَكَم بْن أَبَانَ , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : { بَنِينَ وَحَفَدَة } قَالَ : الْحَفَدَة : مَنْ خَدَمَك مِنْ وَلَدك وَوَلَد وَلَدك . * حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : الْحَفَدَة : الْخَدَم . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة : { بَنِينَ وَحَفَدَة } قَالَ : وَلَده الَّذِينَ يُعِينُونَهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ وَلَد الرَّجُل وَوَلَد وَلَده . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16451 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَحَفَدَة } قَالَ : هُمْ الْوَلَد وَوَلَد الْوَلَد . * حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ مُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة : { بَنِينَ وَحَفَدَة } قَالَ : الْحَفَدَة : الْبَنُونَ . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا غُنْدَر , عَنْ شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . 16452 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي بَكْر , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : بَنُوك حِين يَحْفِدُونَك وَيَرْفِدُونَك وَيُعِينُونَك وَيَخْدُمُونَك , قَالَ حُمَيْد : حَفَدَ الْوَلَائِد حَوْلهنَّ وَأُسْلِمَتْ بِأَكُفِّهِنَّ أَزِمَّة الْأَجْمَال 16453 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَة } قَالَ : الْحَفَدَة : الْخَدَم مِنْ وَلَد الرَّجُل هُمْ وَلَده , وَهُمْ يَخْدُمُونَهُ . قَالَ : وَلَيْسَ تَكُون الْعَبِيد مِنْ الْأَزْوَاج , كَيْف يَكُون مِنْ زَوْجِي عَبْد ؟ إِنَّمَا الْحَفَدَة : وَلَد الرَّجُل وَخَدَمه . 16454 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله : { بَنِينَ وَحَفَدَة } يَعْنِي : وَلَد الرَّجُل يَحْفِدُونَهُ وَيَخْدُمُونَهُ , وَكَانَتْ الْعَرَب إِنَّمَا تَخْدُمهُمْ أَوْلَادهمْ الذُّكُور . وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ بَنُو اِمْرَأَة الرَّجُل مِنْ غَيْره . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16455 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَة } يَقُول : بَنُو اِمْرَأَة الرَّجُل لَيْسُوا مِنْهُ . وَيُقَال : الْحَفَدَة : الرَّجُل يَعْمَل بَيْن يَدَيْ الرَّجُل , يَقُول : فُلَان يَحْفِد لَنَا , وَيَزْعُم رِجَال أَنَّ الْحَفَدَة أَخْتَان الرَّجُل . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَخْبَرَ عِبَاده مُعَرِّفهمْ نِعَمه عَلَيْهِمْ , فِيمَا جَعَلَ لَهُمْ مِنْ الْأَزْوَاج وَالْبَنِينَ , فَقَالَ تَعَالَى : { وَاَللَّه جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَة } فَأَعْلَمهُمْ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُمْ مِنْ أَزْوَاجهمْ بَنِينَ وَحَفَدَة , وَالْحَفَدَة فِي كَلَام الْعَرَب : جَمْع حَافِد , كَمَا الْكَذَبَة : جَمْع كَاذِب , وَالْفَسَقَة : جَمَعَ فَاسِق . وَالْحَافِد فِي كَلَامهمْ : هُوَ الْمُتَخَفِّف فِي الْخِدْمَة وَالْعَمَل , وَالْحَفْد : خِفَّة الْعَمَل ; يُقَال : مَرَّ الْبَعِير يَحْفِد حَفَدَانًا : إِذَا مَرَّ يُسْرِع فِي سَيْره . وَمِنْهُ قَوْلهمْ : " إِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِد " : أَيْ نُسْرِع إِلَى الْعَمَل بِطَاعَتِك . يُقَال مِنْهُ : حَفَدَ لَهُ يَحْفِد حَفْدًا وَحُفُودًا وَحَفَدَانًا وَمِنْهُ قَوْل الرَّاعِي : كَلَّفْت مَجْهُولهَا نُوقًا يَمَانِيَة إِذَا الْحُدَاة عَلَى أَكْسَائِهَا حَفَدُوا وَإِذْ كَانَ مَعْنَى الْحَفَدَة مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُمْ الْمُسْرِعُونَ فِي خِدْمَة الرَّجُل الْمُتَخَفِّفُونَ فِيهَا , وَكَانَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَنَا أَنَّ مِمَّا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْنَا أَنْ جَعَلَ لَنَا حَفَدَة تَحْفِد لَنَا , وَكَانَ أَوْلَادنَا وَأَزْوَاجنَا الَّذِينَ يَصْلُحُونَ لِلْخِدْمَةِ مِنَّا وَمِنْ غَيْرنَا وَأَخْتَاننَا الَّذِينَ هُمْ أَزْوَاج بَنَاتنَا مِنْ أَزْوَاجنَا وَخَدَمنَا مِنْ مَمَالِيكنَا إِذَا كَانُوا يَحْفِدُونَنَا فَيَسْتَحِقُّونَ اِسْم حَفَدَة , وَلَمْ يَكُنْ اللَّه تَعَالَى دَلَّ بِظَاهِرِ تَنْزِيله وَلَا عَلَى لِسَان رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بِحُجَّةِ عَقْل , عَلَى أَنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ نَوْعًا مِنْ الْحَفَدَة دُون نَوْع مِنْهُمْ , وَكَانَ قَدْ أَنْعَمَ بِكُلِّ ذَلِكَ عَلَيْنَا , لَمْ يَكُنْ لَنَا أَنْ نُوَجِّه ذَلِكَ إِلَى خَاصّ مِنْ الْحَفَدَة دُون عَامّ , إِلَّا مَا اِجْتَمَعَتْ الْأُمَّة عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْر دَاخِل فِيهِمْ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلِكُلِّ الْأَقْوَال الَّتِي ذَكَرْنَا عَمَّنْ ذَكَرْنَا وَجْه فِي الصِّحَّة وَمَخْرَج فِي التَّأْوِيل ; وَإِنْ كَانَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ الْقَوْل مَا اِخْتَرْنَا لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الدَّلِيل .
وَقَوْله : { وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَات } يَقُول : وَرَزَقَكُمْ مِنْ حَلَال الْمَعَاش وَالْأَرْزَاق وَالْأَقْوَات .
{ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يُحَرِّم عَلَيْهِمْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَان مِنْ الْبَحَائِر وَالسَّوَائِب وَالْوَصَائِل , فَيُصَدِّق هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ .
{ وَبِنِعْمَةِ اللَّه هُمْ يَكْفُرُونَ } يَقُول : وَبِمَا أَحَلَّ اللَّه لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِإِحْلَالِهِ , { يَكْفُرُونَ } يَقُول : يُنْكِرُونَ تَحْلِيله , وَيَجْحَدُونَ أَنْ يَكُون اللَّه أَحَلَّهُ .
وَقَوْله : { وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَات } يَقُول : وَرَزَقَكُمْ مِنْ حَلَال الْمَعَاش وَالْأَرْزَاق وَالْأَقْوَات .
{ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يُحَرِّم عَلَيْهِمْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَان مِنْ الْبَحَائِر وَالسَّوَائِب وَالْوَصَائِل , فَيُصَدِّق هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ .
{ وَبِنِعْمَةِ اللَّه هُمْ يَكْفُرُونَ } يَقُول : وَبِمَا أَحَلَّ اللَّه لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِإِحْلَالِهِ , { يَكْفُرُونَ } يَقُول : يُنْكِرُونَ تَحْلِيله , وَيَجْحَدُونَ أَنْ يَكُون اللَّه أَحَلَّهُ .
وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه مَا لَا يَمْلِك لَهُمْ رِزْقًا مِنْ السَّمَاوَات وَالْأَرْض شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَعْبُد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ مِنْ دُونه أَوْثَانًا لَا تَمْلِك لَهُمْ رِزْقًا مِنْ السَّمَاوَات , لِأَنَّهَا لَا تَقْدِر عَلَى إِنْزَال قَطْر مِنْهَا لِإِحْيَاءِ مَوَتَان الْأَرَضِينَ . { وَالْأَرْض } يَقُول : وَلَا تَمْلِك لَهُمْ أَيْضًا رِزْقًا مِنْ الْأَرْض لِأَنَّهَا لَا تَقْدِر عَلَى إِخْرَاج شَيْء مِنْ نَبَاتهَا وَثِمَارهَا لَهُمْ وَلَا شَيْئًا مِمَّا عَدَّدَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّهُ أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِمْ . { وَلَا يَسْتَطِيعُونَ } يَقُول : وَلَا تَمْلِك أَوْثَانهمْ شَيْئًا مِنْ السَّمَاوَات وَالْأَرْض , بَلْ هِيَ وَجَمِيع مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض لِلَّهِ مُلْك , { وَلَا يَسْتَطِيعُونَ } يَقُول : وَلَا تَقْدِر عَلَى شَيْء . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي النَّاصِب قَوْله : " شَيْئًا " فَقَالَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ : هُوَ مَنْصُوب عَلَى الْبَدَل مِنْ الرِّزْق , وَهُوَ فِي مَعْنَى : لَا يَمْلِكُونَ رِزْقًا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا . وَقَالَ بَعْض الْكُوفِيِّينَ : نَصَبَ " شَيْئًا " بِوُقُوعِ الرِّزْق عَلَيْهِ , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { أَلَمْ نَجْعَل الْأَرْض كِفَاتًا أَحْيَاء وَأَمْوَاتًا } 77 25 : 26 أَيْ تَكْفِت الْأَحْيَاء وَالْأَمْوَات , وَمِثْله قَوْله تَعَالَى ذِكْره : { أَوْ إِطْعَام فِي يَوْم ذِي مَسْغَبَة يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَة أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَة } 90 14 : 16 قَالَ : وَلَوْ كَانَ الرِّزْق مَعَ الشَّيْء لَجَازَ خَفْضه , لَا يَمْلِك لَكُمْ رِزْق شَيْء مِنْ السَّمَاوَات , وَمِثْله : { فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } 5 95
وَقَوْله : { فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَال } يَقُول : فَلَا تُمَثِّلُوا لِلَّهِ الْأَمْثَال , وَلَا تُشَبِّهُوا لَهُ الْأَشْبَاه , فَإِنَّهُ لَا مِثْل لَهُ وَلَا شَبَه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16456 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : الْأَمْثَال الْأَشْبَاه . 16457 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَال } يَعْنِي اِتِّخَاذهمْ الْأَصْنَام , يَقُول : لَا تَجْعَلُوا مَعِي إِلَهًا غَيْرِي , فَإِنَّهُ لَا إِلَه غَيْرِي . 16458 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه مَا لَا يَمْلِك لَهُمْ رِزْقًا مِنْ السَّمَاوَات وَالْأَرْض شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ } قَالَ : هَذِهِ الْأَوْثَان الَّتِي تُعْبَد مِنْ دُون اللَّه لَا تَمْلِك لِمَنْ يَعْبُدهَا رِزْقًا وَلَا ضَرًّا وَلَا نَفْعًا , وَلَا حَيَاة وَلَا نُشُورًا . وَقَوْله : { فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَال } فَإِنَّهُ أَحَد صَمَد لَمْ يَلِد وَلَمْ يُولَد وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد .
{ إِنَّ اللَّه يَعْلَم وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } يَقُول : وَاَللَّه أَيّهَا النَّاس يَعْلَم خَطَأ مَا تُمَثِّلُونَ وَتَضْرِبُونَ مِنْ الْأَمْثَال وَصَوَابه , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ سَائِر الْأَشْيَاء , وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ صَوَاب ذَلِكَ مِنْ خَطَئِهِ .
{ إِنَّ اللَّه يَعْلَم وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } يَقُول : وَاَللَّه أَيّهَا النَّاس يَعْلَم خَطَأ مَا تُمَثِّلُونَ وَتَضْرِبُونَ مِنْ الْأَمْثَال وَصَوَابه , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ سَائِر الْأَشْيَاء , وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ صَوَاب ذَلِكَ مِنْ خَطَئِهِ .
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِق مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَشَبَّهَ لَكُمْ شَبَهًا أَيّهَا النَّاس لِلْكَافِرِ مِنْ عَبِيده , وَالْمُؤْمِن بِهِ مِنْهُمْ . فَأَمَّا مَثَل الْكَافِر : فَإِنَّهُ لَا يَعْمَل بِطَاعَةِ اللَّه , وَلَا يَأْتِي خَيْرًا , وَلَا يُنْفِق فِي شَيْء مِنْ سَبِيل اللَّه مَاله لِغَلَبَةِ خِذْلَان اللَّه عَلَيْهِ , كَالْعَبْدِ الْمَمْلُوك الَّذِي لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء فَيُنْفِقهُ . وَأَمَّا الْمُؤْمِن بِاَللَّهِ فَإِنَّهُ يَعْمَل بِطَاعَةِ اللَّه وَيُنْفِق فِي سَبِيله مَاله كَالْحُرِّ الَّذِي آتَاهُ اللَّه مَالًا فَهُوَ يُنْفِق مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا , يَقُول : بِعِلْمٍ مِنْ النَّاس وَغَيْر عِلْم . { هَلْ يَسْتَوُونَ } يَقُول هَلْ يَسْتَوِي الْعَبْد الَّذِي لَا يَمْلِك شَيْئًا وَلَا يَقْدِر عَلَيْهِ , وَهَذَا الْحُرّ الَّذِي قَدْ رَزَقَهُ اللَّه رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِق كَمَا وَصَفَ ؟ فَكَذَلِكَ لَا يَسْتَوِي الْكَافِر الْعَامِل بِمَعَاصِي اللَّه الْمُخَالِف أَمْره وَالْمُؤْمِن الْعَامِل بِطَاعَتِهِ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ كَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم يَقُول . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16459 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء } هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِلْكَافِرِ , رَزَقَهُ مَالًا فَلَمْ يُقَدِّم فِيهِ خَيْرًا وَلَمْ يَعْمَل فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّه , قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا } فَهَذَا الْمُؤْمِن أَعْطَاهُ اللَّه مَالًا , فَعَمِلَ فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّه وَأَخَذَ بِالشُّكْرِ وَمَعْرِفَة حَقّ اللَّه , فَأَثَابَهُ اللَّه عَلَى مَا رَزَقَهُ الرِّزْق الْمُقِيم الدَّائِم لِأَهْلِهِ فِي الْجَنَّة , قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا } 11 24 وَاَللَّه مَا يَسْتَوِيَانِ : { الْحَمْد لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ } 16460 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء } قَالَ : هُوَ الْكَافِر لَا يَعْمَل بِطَاعَةِ اللَّه وَلَا يُنْفِق خَيْرًا ; { وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا } قَالَ : الْمُؤْمِن يُطِيع اللَّه فِي نَفْسه وَمَاله . 16461 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء } يَعْنِي : الْكَافِر أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيع أَنْ يُنْفِق نَفَقَة فِي سَبِيل اللَّه ; { وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِق مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا } يَعْنِي الْمُؤْمِن , وَهَذَا الْمَثَل فِي النَّفَقَة . وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول : ضَرَبَ اللَّه هَذَا الْمَثَل , وَالْمَثَل الْآخَر بَعْده لِنَفْسِهِ , وَالْآلِهَة الَّتِي تُعْبَد مِنْ دُونه .
وَقَوْله : { الْحَمْد لِلَّهِ } يَقُول : الْحَمْد الْكَامِل لِلَّهِ خَالِصًا دُون مَا تَدْعُونَ أَيّهَا الْقَوْم مِنْ دُونه مِنْ الْأَوْثَان فَإِيَّاهُ فَاحْمَدُوا دُونهَا .
وَقَوْله : { بَلْ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ } يَقُول : مَا الْأَمْر كَمَا تَفْعَلُونَ , وَلَا الْقَوْل كَمَا تَقُولُونَ , مَا لِلْأَوْثَانِ عِنْدهمْ مِنْ يَد وَلَا مَعْرُوف فَتُحْمَد عَلَيْهِ , إِنَّمَا الْحَمْد لِلَّهِ ; وَلَكِنَّ أَكْثَر هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة الَّذِينَ يَعْبُدُونَهَا لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَهُمْ بِجَهْلِهِمْ بِمَا يَأْتُونَ وَيَذَرُونَ يَجْعَلُونَهَا لِلَّهِ شُرَكَاء فِي الْعِبَادَة وَالْحَمْد .
وَقَوْله : { الْحَمْد لِلَّهِ } يَقُول : الْحَمْد الْكَامِل لِلَّهِ خَالِصًا دُون مَا تَدْعُونَ أَيّهَا الْقَوْم مِنْ دُونه مِنْ الْأَوْثَان فَإِيَّاهُ فَاحْمَدُوا دُونهَا .
وَقَوْله : { بَلْ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ } يَقُول : مَا الْأَمْر كَمَا تَفْعَلُونَ , وَلَا الْقَوْل كَمَا تَقُولُونَ , مَا لِلْأَوْثَانِ عِنْدهمْ مِنْ يَد وَلَا مَعْرُوف فَتُحْمَد عَلَيْهِ , إِنَّمَا الْحَمْد لِلَّهِ ; وَلَكِنَّ أَكْثَر هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة الَّذِينَ يَعْبُدُونَهَا لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَهُمْ بِجَهْلِهِمْ بِمَا يَأْتُونَ وَيَذَرُونَ يَجْعَلُونَهَا لِلَّهِ شُرَكَاء فِي الْعِبَادَة وَالْحَمْد .
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَضَرَبَ اللَّه مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدهمَا أَبْكَم لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء وَهُوَ كَلّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُر بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } وَهَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه تَعَالَى لِنَفْسِهِ وَالْآلِهَة الَّتِي تُعْبَد مِنْ دُونه , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَضَرَبَ اللَّه مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدهمَا أَبْكَم لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء } يَعْنِي بِذَلِكَ الصَّنَم أَنَّهُ لَا يَسْمَع شَيْئًا وَلَا يَنْطِق , لِأَنَّهُ إِمَّا خَشَب مَنْحُوت وَإِمَّا نُحَاس مَصْنُوع لَا يَقْدِر عَلَى نَفْع لِمَنْ خَدَمَهُ وَلَا دَفْع ضُرّ عَنْهُ . { وَهُوَ كَلّ عَلَى مَوْلَاهُ } يَقُول : وَهُوَ عِيَال عَلَى اِبْن عَمّه وَحُلَفَائِهِ وَأَهْل وِلَايَته , فَكَذَلِكَ الصَّنَم كَلّ عَلَى مَنْ يَعْبُدهُ , يَحْتَاج أَنْ يَحْمِلهُ وَيَضَعهُ وَيَخْدُمهُ , كَالْأَبْكَمِ مِنْ النَّاس الَّذِي لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء , فَهُوَ كَلّ عَلَى أَوْلِيَائِهِ مِنْ بَنِي أَعْمَامه وَغَيْرهمْ . { أَيْنَمَا يُوَجِّههُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ } يَقُول : حَيْثُمَا يُوَجِّههُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ , لِأَنَّهُ لَا يَفْهَم مَا يُقَال لَهُ , وَلَا يَقْدِر أَنْ يُعَبِّر عَنْ نَفْسه مَا يُرِيد , فَهُوَ لَا يَفْهَم وَلَا يُفْهَم عَنْهُ , فَكَذَلِكَ الصَّنَم لَا يَعْقِل مَا يُقَال لَهُ فَيَأْتَمِر لِأَمْرِ مَنْ أَمَرَهُ , وَلَا يَنْطِق فَيَأْمُر وَيَنْهَى ; يَقُول اللَّه تَعَالَى : { هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُر بِالْعَدْلِ } يَعْنِي : هَلْ يَسْتَوِي هَذَا الْأَبْكَم الْكَلّ عَلَى مَوْلَاهُ الَّذِي لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ حَيْثُ تَوَجَّهَ وَمَنْ هُوَ نَاطِق مُتَكَلِّم يَأْمُر بِالْحَقِّ وَيَدْعُو إِلَيْهِ وَهُوَ اللَّه الْوَاحِد الْقَهَّار الَّذِي يَدْعُو عِبَاده إِلَى تَوْحِيده وَطَاعَته ؟ يَقُول : لَا يَسْتَوِي هُوَ تَعَالَى ذِكْره , وَالصَّنَم الَّذِي صِفَته مَا وَصَفَ . وَقَوْله : { وَهُوَ عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } يَقُول : وَهُوَ مَعَ أَمْره بِالْعَدْلِ , عَلَى طَرِيق مِنْ الْحَقّ فِي دُعَائِهِ إِلَى الْعَدْل وَأَمْره بِهِ مُسْتَقِيم , لَا يَعْوَجّ عَنْ الْحَقّ وَلَا يَزُول عَنْهُ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَضْرُوب لَهُ هَذَا الْمَثَل , فَقَالَ بَعْضهمْ فِي ذَلِكَ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16462 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء } قَالَ : هُوَ الْوَثَن . { هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُر بِالْعَدْلِ } قَالَ : اللَّه يَأْمُر بِالْعَدْلِ . { وَهُوَ عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } وَكَذَلِكَ كَانَ مُجَاهِد يَقُول ; إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يَقُول : الْمَثَل الْأَوَّل أَيْضًا ضَرَبَهُ اللَّه لِنَفْسِهِ وَلِلْوَثَنِ . 16463 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا } { وَرَجُلَيْنِ أَحَدهمَا أَبْكَم } { وَمَنْ يَأْمُر بِالْعَدْلِ } قَالَ : كُلّ هَذَا مَثَل إِلَه الْحَقّ , وَمَا يُدْعَى مِنْ دُونه مِنْ الْبَاطِل . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 16464 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { وَضَرَبَ اللَّه مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدهمَا أَبْكَم } قَالَ : إِنَّمَا هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كِلَا الْمَثَلَيْنِ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِر . وَذَلِكَ قَوْل يُرْوَى عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة عَنْهُ فِي الْمَثَل الْأَوَّل فِي مَوْضِعه . وَأَمَّا فِي الْمَثَل الْآخَر : 16465 - فَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَضَرَبَ اللَّه مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدهمَا أَبْكَم لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء وَهُوَ كَلّ عَلَى مَوْلَاهُ } إِلَى آخِر الْآيَة , يَعْنِي بِالْأَبْكَمِ : الَّذِي هُوَ كَلّ عَلَى مَوْلَاهُ الْكَافِر , وَبِقَوْلِهِ : { وَمَنْ يَأْمُر بِالْعَدْلِ } الْمُؤْمِن , وَهَذَا الْمَثَل فِي الْأَعْمَال . 16466 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن الصَّبَّاح الْبَزَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن إِسْحَاق السَّالَحِينِيّ , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُثْمَان بْن خُثَيْم , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ يَعْلَى بْن أُمَيَّة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا } قَالَ : نَزَلَتْ فِي رَجُل مِنْ قُرَيْش وَعَبْده . وَفِي قَوْله : { مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدهمَا أَبْكَم لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء } . .. إِلَى قَوْله : { وَهُوَ عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } قَالَ : هُوَ عُثْمَان بْن عَفَّان . قَالَ : وَالْأَبْكَم الَّذِي أَيْنَمَا يُوَجَّه لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ , ذَاكَ مَوْلَى عُثْمَان بْن عَفَّان , كَانَ عُثْمَان يُنْفِق عَلَيْهِ وَيَكْفُلهُ وَيَكْفِيه الْمَئُونَة , وَكَانَ الْآخَر يَكْرَه الْإِسْلَام وَيَأْبَاهُ وَيَنْهَاهُ عَنْ الصَّدَقَة وَالْمَعْرُوف , فَنَزَلَتْ فِيهِمَا . وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا الْقَوْل الَّذِي اِخْتَرْنَاهُ فِي الْمَثَل الْأَوَّل لِأَنَّهُ تَعَالَى ذِكْره مَثَّلَ مَثَل الْكَافِر بِالْعَبْدِ الَّذِي وَصَفَ صِفَته , وَمَثَّلَ مَثَل الْمُؤْمِن بِاَلَّذِي رَزَقَهُ حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِق مِمَّا رَزَقَهُ سِرًّا وَجَهْرًا , فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُون ذَلِكَ لِلَّهِ مَثَلًا , إِذْ كَانَ اللَّه إِنَّمَا مَثَّلَ الْكَافِر الَّذِي لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء بِأَنَّهُ لَمْ يَرْزُقهُ رِزْقًا يُنْفِق مِنْهُ سِرًّا , وَمَثَّلَ الْمُؤْمِن الَّذِي وَفَّقَهُ اللَّه لِطَاعَتِهِ فَهَدَاهُ لِرُشْدِهِ فَهُوَ يَعْمَل بِمَا يَرْضَاهُ اللَّه , كَالْحُرِّ الَّذِي بَسَطَ لَهُ فِي الرِّزْق فَهُوَ يُنْفِق مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا , وَاَللَّه تَعَالَى ذِكْره هُوَ الرَّازِق غَيْر الْمَرْزُوق , فَغَيْر جَائِز أَنْ يُمَثِّل إِفْضَاله وَجُودَه بِإِنْفَاقِ الْمَرْزُوق الرِّزْق الْحَسَن . وَأَمَّا الْمَثَل الثَّانِي , فَإِنَّهُ تَمْثِيل مِنْهُ تَعَالَى ذِكْره مَنْ مَثَله الْأَبْكَم الَّذِي لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء وَالْكُفَّار لَا شَكَّ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَهُ الْأَمْوَال الْكَثِيرَة , وَمَنْ يَضُرّ أَحْيَانًا الضُّرّ الْعَظِيم بِفَسَادِهِ , فَغَيْر كَائِن مَا لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره مَثَلًا , لِمَنْ يَقْدِر عَلَى أَشْيَاء كَثِيرَة . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ أَوْلَى الْمَعَانِي بِهِ تَمْثِيل مَا لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء ; كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره بِمَثَلِهِ مَا لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء , وَذَلِكَ الْوَثَن الَّذِي لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء , بِالْأَبْكَمِ الْكَلّ عَلَى مَوْلَاهُ الَّذِي لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء كَمَا قَالَ وَوَصَفَ .
وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِلَّهِ غَيْب السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا أَمْر السَّاعَة إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَر أَوْ هُوَ أَقْرَب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلِلَّهِ أَيّهَا النَّاس مُلْك مَا غَابَ عَنْ أَبْصَاركُمْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض دُون آلِهَتكُمْ الَّتِي تَدْعُونَ مِنْ دُونه , وَدُون كُلّ مَا سِوَاهُ , لَا يَمْلِك ذَلِكَ أَحَد سِوَاهُ . { وَمَا أَمْر السَّاعَة إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَر } يَقُول : وَمَا أَمْر قِيَام الْقِيَامَة وَالسَّاعَة الَّتِي تُنْشَر فِيهَا الْخَلْق لِلْوُقُوفِ فِي مَوْقِف الْقِيَامَة , إِلَّا كَنَظْرَةٍ مِنْ الْبَصَر , لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ أَنْ يُقَال لَهُ كُنْ فَيَكُون . كَمَا : 16467 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَر أَوْ هُوَ أَقْرَب } وَالسَّاعَة : كَلَمْحِ الْبَصَر , أَوْ أَقْرَب . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَمَا أَمْر السَّاعَة إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَر } قَالَ : هُوَ أَنْ يَقُول : كُنْ , فَهُوَ كَلَمْحِ الْبَصَر فَأَمْر السَّاعَة كَلَمْحِ الْبَصَر أَوْ أَقْرَب , يَعْنِي يَقُول : أَوْ هُوَ أَقْرَب مِنْ لَمْح الْبَصَر .
وَقَوْله : { إِنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } يَقُول : إِنَّ اللَّه عَلَى إِقَامَة السَّاعَة فِي أَقْرَب مِنْ لَمْح الْبَصَر قَادِر , وَعَلَى مَا يَشَاء مِنْ الْأَشْيَاء كُلّهَا , لَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ شَيْء أَرَادَهُ .
وَقَوْله : { إِنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } يَقُول : إِنَّ اللَّه عَلَى إِقَامَة السَّاعَة فِي أَقْرَب مِنْ لَمْح الْبَصَر قَادِر , وَعَلَى مَا يَشَاء مِنْ الْأَشْيَاء كُلّهَا , لَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ شَيْء أَرَادَهُ .
وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُون أُمَّهَاتكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْع وَالْأَبْصَار وَالْأَفْئِدَة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ مِنْ بَعْد مَا أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُون أُمَّهَاتكُمْ لَا تَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا تَعْلَمُونَ , فَرَزَقَكُمْ عُقُولًا تَفْقَهُونَ بِهَا وَتُمَيِّزُونَ بِهَا الْخَيْر مِنْ الشَّرّ وَبَصَّرَكُمْ بِهَا مَا لَمْ تَكُونُوا تُبْصِرُونَ , وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْع الَّذِي تَسْمَعُونَ بِهِ الْأَصْوَات , فَيَفْقَه بَعْضكُمْ عَنْ بَعْض مَا تَتَحَاوَرُونَ بِهِ بَيْنكُمْ وَالْأَبْصَار الَّتِي تُبْصِرُونَ بِهَا الْأَشْخَاص فَتَتَعَارَفُونَ بِهَا وَتُمَيِّزُونَ بِهَا بَعْضًا مِنْ بَعْض . { وَالْأَفْئِدَة } يَقُول : وَالْقُلُوب الَّتِي تَعْرِفُونَ بِهَا الْأَشْيَاء فَتَحْفَظُونَهَا وَتُفَكِّرُونَ فَتَفْقَهُونَ بِهَا . { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } يَقُول : فَعَلْنَا ذَلِكَ بِكُمْ , فَاشْكُرُوا اللَّه عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ ذَلِكَ , دُون الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد , فَجَعَلْتُمْ لَهُ شُرَكَاء فِي الشُّكْر , وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِيمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ نِعَمه شَرِيك . وَقَوْله : { وَاَللَّه أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُون أُمَّهَاتكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا } كَلَام مُتَنَاهٍ , ثُمَّ اُبْتُدِئَ الْخَبَر , فَقِيلَ : وَجَعَلَ اللَّه لَكُمْ السَّمْع وَالْأَبْصَار وَالْأَفْئِدَة . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ كَذَلِكَ , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره جَعَلَ الْعِبَادَة وَالسَّمْع وَالْأَبْصَار وَالْأَفْئِدَة قَبْل أَنْ يُخْرِجهُمْ مِنْ بُطُون أُمَّهَاتهمْ , وَإِنَّمَا أَعْطَاهُمْ الْعِلْم وَالْعَقْل بَعْد مَا أَخْرَجَهُمْ مِنْ بُطُون أُمَّهَاتهمْ .
أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْر مُسَخَّرَات فِي جَوّ السَّمَاء مَا يُمْسِكهُنَّ إِلَّا اللَّه إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ : أَلَمْ تَرَوْا أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ إِلَى الطَّيْر مُسَخَّرَات فِي جَوّ السَّمَاء , يَعْنِي : فِي هَوَاء السَّمَاء بَيْنهَا وَبَيْن الْأَرْض , كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيم بْن عِمْرَان الْأَنْصَارِيّ : وَيُلِمّهَا مِنْ هَوَاء الْجَوّ طَالِبَة وَلَا كَهَذَا الَّذِي فِي الْأَرْض مَطْلُوب يَعْنِي : فِي هَوَاء السَّمَاء . { مَا يُمْسِكهُنَّ إِلَّا اللَّه } يَقُول : مَا طَيَرَانهَا فِي الْجَوّ إِلَّا بِاَللَّهِ وَبِتَسْخِيرِهِ إِيَّاهَا بِذَلِكَ , وَلَوْ سَلَبَهَا مَا أَعْطَاهَا مِنْ الطَّيَرَان لَمْ تَقْدِر عَلَى النُّهُوض اِرْتِفَاعًا . وَقَوْله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يَقُول : إِنَّ فِي تَسْخِير اللَّه الطَّيْر وَتَمْكِينه لَهَا الطَّيَرَان فِي جَوّ السَّمَاء , لَعَلَامَات وَدَلَالَات عَلَى أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ , وَأَنَّهُ لَا حَظَّ لِلْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَان فِي الْأُلُوهَة . { لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يَعْنِي : لِقَوْمٍ يُقِرُّونَ بِوِجْدَانِ مَا تُعَايِنهُ أَبْصَارهمْ وَتُحِسّهُ حَوَاسّهمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16468 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { مُسَخَّرَات فِي جَوّ السَّمَاء } : أَيْ فِي كَبِد السَّمَاء .
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُود الْأَنْعَام بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْم ظَعْنكُمْ وَيَوْم إِقَامَتكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَاَللَّه جَعَلَ لَكُمْ } أَيّهَا النَّاس , { مِنْ بُيُوتكُمْ } الَّتِي هِيَ مِنْ الْحَجَر وَالْمَدَر , { سَكَنًا } تَسْكُنُونَ أَيَّام مَقَامكُمْ فِي دُوركُمْ وَبِلَادكُمْ . { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُود الْأَنْعَام بُيُوتًا } وَهِيَ الْبُيُوت مِنْ الْأَنْطَاع وَالْفَسَاطِيط مِنْ الشَّعْر وَالصُّوف وَالْوَبَر . { تَسْتَخِفُّونَهَا } يَقُول : تَسْتَخِفُّونَ حَمْلهَا وَنَقْلهَا , { يَوْم ظَعْنكُمْ } مِنْ بِلَادكُمْ وَأَمْصَاركُمْ لِأَسْفَارِكُمْ , { وَيَوْم إِقَامَتكُمْ } فِي بِلَادكُمْ وَأَمْصَاركُمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى السَّكَن قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16469 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { مِنْ بُيُوتكُمْ سَكَنًا } قَالَ : تَسْكُنُونَ فِيهِ . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .
{ وَمِنْ أَصْوَافهَا وَأَوْبَارهَا وَأَشْعَارهَا أَثَاثًا } أَمَّا الْأَشْعَار فَجَمْع شَعَر تُثَقَّل عَيْنه وَتُخَفَّف , وَوَاحِد الشَّعَر شَعْرَة . وَأَمَّا الْأَثَاث فَإِنَّهُ مَتَاع الْبَيْت لَمْ يُسْمَع لَهُ بِوَاحِدٍ , وَهُوَ فِي أَنَّهُ لَا وَاحِد لَهُ مِثْل الْمَتَاع . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْض النَّحْوِيِّينَ أَنَّهُ كَانَ يَقُول : وَاحِد الْأَثَاث أَثَاثَة ; وَلَمْ أَرَ أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب يَعْرِفُونَ ذَلِكَ . وَمِنْ الدَّلِيل عَلَى أَنَّ الْأَثَاث هُوَ الْمَتَاع , قَوْل الشَّاعِر : أَهَاجَتْك الظَّعَائِن يَوْم بَانُوا بِذِي الرِّئْي الْجَمِيل مِنْ الْأَثَاث وَيُرْوَى : " بِذِي الزِّيّ " . وَأَنَا أَرَى أَصْل الْأَثَاث اِجْتِمَاع بَعْض الْمَتَاع إِلَى بَعْض حَتَّى يَكْثُر كَالشَّعْرِ الْأَثِيث وَهُوَ الْكَثِير الْمُلْتَفّ , يُقَال مِنْهُ , أَثَّ شَعْر فُلَان يَئِثّ أَثًّا : إِذَا كَثُرَ وَالْتَفَّ وَاجْتَمَعَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16470 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنْي عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَثَاثًا } يَعْنِي بِالْأَثَاثِ : الْمَال . 16471 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { أَثَاثًا } قَالَ : مَتَاعًا . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 16472 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { أَثَاثًا } قَالَ : هُوَ الْمَال . 16473 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن حَرْب الرَّازِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا سَلَمَة , 3 عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن , فِي قَوْله : { أَثَاثًا } قَالَ : الثِّيَاب .
وَقَوْله : { وَمَتَاعًا إِلَى حِين } فَإِنَّهُ يَعْنِي : أَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ لَهُمْ بَلَاغًا , يَتَبَلَّغُونَ وَيَكْتَفُونَ بِهِ إِلَى حِين آجَالهمْ لِلْمَوْتِ . كَمَا : 16474 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَمَتَاعًا إِلَى حِين } فَإِنَّهُ يَعْنِي : زِينَة , يَقُول : يَنْتَفِعُونَ بِهِ إِلَى حِين . 16475 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَمَتَاعًا إِلَى حِين } قَالَ : إِلَى الْمَوْت . 16476 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَمَتَاعًا إِلَى حِين } إِلَى أَجَل وَبُلْغَة .
{ وَمِنْ أَصْوَافهَا وَأَوْبَارهَا وَأَشْعَارهَا أَثَاثًا } أَمَّا الْأَشْعَار فَجَمْع شَعَر تُثَقَّل عَيْنه وَتُخَفَّف , وَوَاحِد الشَّعَر شَعْرَة . وَأَمَّا الْأَثَاث فَإِنَّهُ مَتَاع الْبَيْت لَمْ يُسْمَع لَهُ بِوَاحِدٍ , وَهُوَ فِي أَنَّهُ لَا وَاحِد لَهُ مِثْل الْمَتَاع . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْض النَّحْوِيِّينَ أَنَّهُ كَانَ يَقُول : وَاحِد الْأَثَاث أَثَاثَة ; وَلَمْ أَرَ أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب يَعْرِفُونَ ذَلِكَ . وَمِنْ الدَّلِيل عَلَى أَنَّ الْأَثَاث هُوَ الْمَتَاع , قَوْل الشَّاعِر : أَهَاجَتْك الظَّعَائِن يَوْم بَانُوا بِذِي الرِّئْي الْجَمِيل مِنْ الْأَثَاث وَيُرْوَى : " بِذِي الزِّيّ " . وَأَنَا أَرَى أَصْل الْأَثَاث اِجْتِمَاع بَعْض الْمَتَاع إِلَى بَعْض حَتَّى يَكْثُر كَالشَّعْرِ الْأَثِيث وَهُوَ الْكَثِير الْمُلْتَفّ , يُقَال مِنْهُ , أَثَّ شَعْر فُلَان يَئِثّ أَثًّا : إِذَا كَثُرَ وَالْتَفَّ وَاجْتَمَعَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16470 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنْي عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَثَاثًا } يَعْنِي بِالْأَثَاثِ : الْمَال . 16471 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { أَثَاثًا } قَالَ : مَتَاعًا . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 16472 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { أَثَاثًا } قَالَ : هُوَ الْمَال . 16473 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن حَرْب الرَّازِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا سَلَمَة , 3 عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن , فِي قَوْله : { أَثَاثًا } قَالَ : الثِّيَاب .
وَقَوْله : { وَمَتَاعًا إِلَى حِين } فَإِنَّهُ يَعْنِي : أَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ لَهُمْ بَلَاغًا , يَتَبَلَّغُونَ وَيَكْتَفُونَ بِهِ إِلَى حِين آجَالهمْ لِلْمَوْتِ . كَمَا : 16474 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَمَتَاعًا إِلَى حِين } فَإِنَّهُ يَعْنِي : زِينَة , يَقُول : يَنْتَفِعُونَ بِهِ إِلَى حِين . 16475 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَمَتَاعًا إِلَى حِين } قَالَ : إِلَى الْمَوْت . 16476 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَمَتَاعًا إِلَى حِين } إِلَى أَجَل وَبُلْغَة .
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمِنْ نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس أَنْ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ مِنْ الْأَشْجَار وَغَيْرهَا ظِلَالًا تَسْتَظِلُّونَ بِهَا مِنْ شِدَّة الْحَرّ , وَهِيَ جَمْع ظِلّ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16477 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن بَشِير , قَالَ : ثنا عَمْرو , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا } قَالَ : الشَّجَر . * حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَاَللَّه جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا } إِي وَاَللَّه , مِنْ الشَّجَر وَمِنْ غَيْرهَا .
وَقَوْله : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْجِبَال أَكْنَانًا } يَقُول : وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْجِبَال مَوَاضِع تَسْكُنُونَ فِيهَا , وَهِيَ جَمْع كِنّ ; كَمَا : 16478 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْجِبَال أَكْنَانًا } يَقُول : غِيرَانًا مِنْ الْجِبَال يَسْكُن فِيهَا .
{ وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيل تَقِيكُمْ الْحَرّ } يَعْنِي ثِيَاب الْقُطْن وَالْكَتَّان وَالصُّوف وَقُمَّصهَا . كَمَا : 16479 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيل تَقِيكُمْ الْحَرّ } مِنْ الْقُطْن وَالْكَتَّان وَالصُّوف . * حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { سَرَابِيل تَقِيكُمْ الْحَرّ } قَالَ : الْقُطْن وَالْكَتَّان .
وَقَوْله : { سَرَابِيل تَقِيكُمْ بَأْسكُمْ } يَقُول : وَدُرُوعًا تَقِيكُمْ بَأْسكُمْ , وَالْبَأْس : هُوَ الْحَرْب , وَالْمَعْنَى : تَقِيكُمْ فِي بَأْسكُمْ السِّلَاح أَنْ يَصِل إِلَيْكُمْ . كَمَا : 16480 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَسَرَابِيل تَقِيكُمْ بَأْسكُمْ } مِنْ هَذَا الْحَدِيد . * حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَسَرَابِيل تَقِيكُمْ بَأْسكُمْ } قَالَ : هِيَ سَرَابِيل مِنْ حَدِيد .
وَقَوْله : { كَذَلِكَ يُتِمّ نِعْمَته عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : كَمَا أَعْطَاكُمْ رَبّكُمْ هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي وَصَفَهَا فِي هَذِهِ الْآيَات نِعْمَة مِنْهُ بِذَلِكَ عَلَيْكُمْ , فَكَذَا يُتِمّ نِعْمَته عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ . يَقُول : لِتَخْضَعُوا لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ , وَتُذَلّ مِنْكُمْ بِتَوْحِيدِهِ النُّفُوس , وَتُخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَة . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : " لَعَلَّكُمْ تَسْلَمُونَ " بِفَتْحِ التَّاء . 16481 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَمَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ حَنْظَلَة , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , قَالَ : كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : " لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ " قَالَ : يَعْنِي مِنْ الْجِرَاح . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم بْن سَلَّام , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن الْعَوَّام , عَنْ حَنْظَلَة السَّدُوسِيّ , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ اِبْن عَبَّاس , أَنَّهُ قَرَأَهَا : " لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ " مِنْ الْجِرَاحَات , قَالَ أَحْمَد بْن يُوسُف : قَالَ أَبُو عُبَيْد : يَعْنِي بِفَتْحِ التَّاء وَاللَّام . فَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى قِرَاءَة اِبْن عَبَّاس هَذِهِ : كَذَلِكَ يُتِمّ نِعْمَته عَلَيْكُمْ بِمَا جَعَلَ لَكُمْ مِنْ السَّرَابِيل الَّتِي تَقِيكُمْ بَأْسكُمْ , لِتَسْلَمُوا مِنْ السِّلَاح فِي حُرُوبكُمْ , وَالْقِرَاءَة الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَة بِخِلَافِهَا بِضَمِّ التَّاء مِنْ قَوْله : { لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } وَكَسْر اللَّام ; مِنْ أَسْلَمْت تُسْلِم يَا هَذَا , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ قُرَّاء الْأَمْصَار عَلَيْهَا . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَكَيْف جَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيل تَقِيكُمْ الْحَرّ , فَخَصَّ بِالذِّكْرِ الْحَرّ دُون الْبَرْد , وَهِيَ تَقِي الْحَرّ وَالْبَرْد ؟ أَمْ كَيْف قِيلَ : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْجِبَال أَكْنَانًا } وَتَرَكَ ذِكْر مَا جَعَلَ لَهُمْ مِنْ السَّهْل ؟ قِيلَ لَهُ : قَدْ اُخْتُلِفَ فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله جَاءَ التَّنْزِيل كَذَلِكَ , وَسَنَذْكُرُ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ نَدُلّ عَلَى أَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ . فَرُوِيَ عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ فِي ذَلِكَ مَا : 16482 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن كَثِير , عَنْ عُثْمَان بْن عَطَاء , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : إِنَّمَا نَزَلَ الْقُرْآن عَلَى قَدْر مَعْرِفَتهمْ , أَلَا تَرَى إِلَى قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَاَللَّه جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْجِبَال أَكْنَانًا } وَمَا جَعَلَ لَهُمْ مِنْ السُّهُول أَعْظَم وَأَكْثَر , وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَاب جِبَال , أَلَا تَرَى إِلَى قَوْله : { وَمِنْ أَصْوَافهَا وَأَوْبَارهَا وَأَشْعَارهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِين } ؟ و مَا جَعَلَ لَهُمْ مِنْ غَيْر ذَلِكَ أَعْظَم مِنْهُ وَأَكْثَر , وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَاب وَبَر وَشَعَر ; أَلَا تَرَى إِلَى قَوْله : { وَيُنَزِّل مِنْ السَّمَاء مِنْ جِبَال فِيهَا مِنْ بَرَد } 24 43 يُعَجِّبُهُمْ مِنْ ذَلِكَ ؟ وَمَا أَنْزَلَ مِنْ الثَّلْج أَعْظَم وَأَكْثَر , وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا لَا يُعْرَفُونَ بِهِ , أَلَا تَرَى إِلَى قَوْله : { سَرَابِيل تَقِيكُمْ الْحَرّ } وَمَا تَقِي مِنْ الْبَرْد , أَكْثَر وَأَعْظَم ؟ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَاب حَرّ . فَالسَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله خَصَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره السَّرَابِيل بِأَنَّهَا تَقِي الْحَرّ دُون الْبَرْد عَلَى هَذَا الْقَوْل , هُوَ أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ كَانُوا أَصْحَاب حَرّ , فَذَكَرَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره نِعْمَته عَلَيْهِمْ بِمَا يَقِيهِمْ مَكْرُوه مَا بِهِ عَرَفُوا مَكْرُوهه دُون مَا لَمْ يَعْرِفُوا مَبْلَغ مَكْرُوهه , وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي سَائِر الْأَحْرُف الْأُخَر . وَقَالَ آخَرُونَ : ذَكَرَ ذَلِكَ خَاصَّة اِكْتِفَاء بِذِكْرِ أَحَدهمَا مِنْ ذِكْر الْآخَر , إِذْ كَانَ مَعْلُومًا عِنْد الْمُخَاطَبِينَ بِهِ مَعْنَاهُ , وَأَنَّ السَّرَابِيل الَّتِي تَقِي الْحَرّ تَقِي أَيْضًا الْبَرْد ; وَقَالُوا : ذَلِكَ مَوْجُود فِي كَلَام الْعَرَب مُسْتَعْمَل , وَاسْتَشْهَدُوا لِقَوْلِهِمْ بِقَوْلِ الشَّاعِر : وَمَا أَدْرِي إِذَا يَمَّمْت وَجْهًا أُرِيد الْخَيْر أَيّهمَا يَلِينِي فَقَالَ : أَيّهمَا يَلِينِي : يُرِيد الْخَيْر أَوْ الشَّرّ , وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْخَيْر لِأَنَّهُ إِذَا أَرَادَ الْخَيْر فَهُوَ يَتَّقِي الشَّرّ . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ الْقَوْم خُوطِبُوا عَلَى قَدْر مَعْرِفَتهمْ , وَإِنْ كَانَ فِي ذِكْر بَعْض ذَلِكَ دَلَالَة عَلَى مَا تُرِكَ ذِكْره لِمَنْ عَرَفَ الْمَذْكُور وَالْمَتْرُوك ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره إِنَّمَا عَدَّدَ نِعَمه الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَى الَّذِينَ قَصَدُوا بِالذِّكْرِ فِي هَذِهِ السُّورَة دُون غَيْرهمْ , فَذَكَرَ أَيَادِيه عِنْدهمْ .
وَقَوْله : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْجِبَال أَكْنَانًا } يَقُول : وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْجِبَال مَوَاضِع تَسْكُنُونَ فِيهَا , وَهِيَ جَمْع كِنّ ; كَمَا : 16478 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْجِبَال أَكْنَانًا } يَقُول : غِيرَانًا مِنْ الْجِبَال يَسْكُن فِيهَا .
{ وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيل تَقِيكُمْ الْحَرّ } يَعْنِي ثِيَاب الْقُطْن وَالْكَتَّان وَالصُّوف وَقُمَّصهَا . كَمَا : 16479 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيل تَقِيكُمْ الْحَرّ } مِنْ الْقُطْن وَالْكَتَّان وَالصُّوف . * حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { سَرَابِيل تَقِيكُمْ الْحَرّ } قَالَ : الْقُطْن وَالْكَتَّان .
وَقَوْله : { سَرَابِيل تَقِيكُمْ بَأْسكُمْ } يَقُول : وَدُرُوعًا تَقِيكُمْ بَأْسكُمْ , وَالْبَأْس : هُوَ الْحَرْب , وَالْمَعْنَى : تَقِيكُمْ فِي بَأْسكُمْ السِّلَاح أَنْ يَصِل إِلَيْكُمْ . كَمَا : 16480 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَسَرَابِيل تَقِيكُمْ بَأْسكُمْ } مِنْ هَذَا الْحَدِيد . * حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَسَرَابِيل تَقِيكُمْ بَأْسكُمْ } قَالَ : هِيَ سَرَابِيل مِنْ حَدِيد .
وَقَوْله : { كَذَلِكَ يُتِمّ نِعْمَته عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : كَمَا أَعْطَاكُمْ رَبّكُمْ هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي وَصَفَهَا فِي هَذِهِ الْآيَات نِعْمَة مِنْهُ بِذَلِكَ عَلَيْكُمْ , فَكَذَا يُتِمّ نِعْمَته عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ . يَقُول : لِتَخْضَعُوا لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ , وَتُذَلّ مِنْكُمْ بِتَوْحِيدِهِ النُّفُوس , وَتُخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَة . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : " لَعَلَّكُمْ تَسْلَمُونَ " بِفَتْحِ التَّاء . 16481 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَمَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ حَنْظَلَة , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , قَالَ : كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : " لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ " قَالَ : يَعْنِي مِنْ الْجِرَاح . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم بْن سَلَّام , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن الْعَوَّام , عَنْ حَنْظَلَة السَّدُوسِيّ , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ اِبْن عَبَّاس , أَنَّهُ قَرَأَهَا : " لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ " مِنْ الْجِرَاحَات , قَالَ أَحْمَد بْن يُوسُف : قَالَ أَبُو عُبَيْد : يَعْنِي بِفَتْحِ التَّاء وَاللَّام . فَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى قِرَاءَة اِبْن عَبَّاس هَذِهِ : كَذَلِكَ يُتِمّ نِعْمَته عَلَيْكُمْ بِمَا جَعَلَ لَكُمْ مِنْ السَّرَابِيل الَّتِي تَقِيكُمْ بَأْسكُمْ , لِتَسْلَمُوا مِنْ السِّلَاح فِي حُرُوبكُمْ , وَالْقِرَاءَة الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَة بِخِلَافِهَا بِضَمِّ التَّاء مِنْ قَوْله : { لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } وَكَسْر اللَّام ; مِنْ أَسْلَمْت تُسْلِم يَا هَذَا , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ قُرَّاء الْأَمْصَار عَلَيْهَا . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَكَيْف جَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيل تَقِيكُمْ الْحَرّ , فَخَصَّ بِالذِّكْرِ الْحَرّ دُون الْبَرْد , وَهِيَ تَقِي الْحَرّ وَالْبَرْد ؟ أَمْ كَيْف قِيلَ : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْجِبَال أَكْنَانًا } وَتَرَكَ ذِكْر مَا جَعَلَ لَهُمْ مِنْ السَّهْل ؟ قِيلَ لَهُ : قَدْ اُخْتُلِفَ فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله جَاءَ التَّنْزِيل كَذَلِكَ , وَسَنَذْكُرُ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ نَدُلّ عَلَى أَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ . فَرُوِيَ عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ فِي ذَلِكَ مَا : 16482 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن كَثِير , عَنْ عُثْمَان بْن عَطَاء , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : إِنَّمَا نَزَلَ الْقُرْآن عَلَى قَدْر مَعْرِفَتهمْ , أَلَا تَرَى إِلَى قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَاَللَّه جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْجِبَال أَكْنَانًا } وَمَا جَعَلَ لَهُمْ مِنْ السُّهُول أَعْظَم وَأَكْثَر , وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَاب جِبَال , أَلَا تَرَى إِلَى قَوْله : { وَمِنْ أَصْوَافهَا وَأَوْبَارهَا وَأَشْعَارهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِين } ؟ و مَا جَعَلَ لَهُمْ مِنْ غَيْر ذَلِكَ أَعْظَم مِنْهُ وَأَكْثَر , وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَاب وَبَر وَشَعَر ; أَلَا تَرَى إِلَى قَوْله : { وَيُنَزِّل مِنْ السَّمَاء مِنْ جِبَال فِيهَا مِنْ بَرَد } 24 43 يُعَجِّبُهُمْ مِنْ ذَلِكَ ؟ وَمَا أَنْزَلَ مِنْ الثَّلْج أَعْظَم وَأَكْثَر , وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا لَا يُعْرَفُونَ بِهِ , أَلَا تَرَى إِلَى قَوْله : { سَرَابِيل تَقِيكُمْ الْحَرّ } وَمَا تَقِي مِنْ الْبَرْد , أَكْثَر وَأَعْظَم ؟ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَاب حَرّ . فَالسَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله خَصَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره السَّرَابِيل بِأَنَّهَا تَقِي الْحَرّ دُون الْبَرْد عَلَى هَذَا الْقَوْل , هُوَ أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ كَانُوا أَصْحَاب حَرّ , فَذَكَرَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره نِعْمَته عَلَيْهِمْ بِمَا يَقِيهِمْ مَكْرُوه مَا بِهِ عَرَفُوا مَكْرُوهه دُون مَا لَمْ يَعْرِفُوا مَبْلَغ مَكْرُوهه , وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي سَائِر الْأَحْرُف الْأُخَر . وَقَالَ آخَرُونَ : ذَكَرَ ذَلِكَ خَاصَّة اِكْتِفَاء بِذِكْرِ أَحَدهمَا مِنْ ذِكْر الْآخَر , إِذْ كَانَ مَعْلُومًا عِنْد الْمُخَاطَبِينَ بِهِ مَعْنَاهُ , وَأَنَّ السَّرَابِيل الَّتِي تَقِي الْحَرّ تَقِي أَيْضًا الْبَرْد ; وَقَالُوا : ذَلِكَ مَوْجُود فِي كَلَام الْعَرَب مُسْتَعْمَل , وَاسْتَشْهَدُوا لِقَوْلِهِمْ بِقَوْلِ الشَّاعِر : وَمَا أَدْرِي إِذَا يَمَّمْت وَجْهًا أُرِيد الْخَيْر أَيّهمَا يَلِينِي فَقَالَ : أَيّهمَا يَلِينِي : يُرِيد الْخَيْر أَوْ الشَّرّ , وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْخَيْر لِأَنَّهُ إِذَا أَرَادَ الْخَيْر فَهُوَ يَتَّقِي الشَّرّ . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ الْقَوْم خُوطِبُوا عَلَى قَدْر مَعْرِفَتهمْ , وَإِنْ كَانَ فِي ذِكْر بَعْض ذَلِكَ دَلَالَة عَلَى مَا تُرِكَ ذِكْره لِمَنْ عَرَفَ الْمَذْكُور وَالْمَتْرُوك ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره إِنَّمَا عَدَّدَ نِعَمه الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَى الَّذِينَ قَصَدُوا بِالذِّكْرِ فِي هَذِهِ السُّورَة دُون غَيْرهمْ , فَذَكَرَ أَيَادِيه عِنْدهمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَاغ الْمُبِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَإِنْ أَدْبَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَا مُحَمَّد عَمَّا أَرْسَلْتُك بِهِ إِلَيْهِمْ مِنْ الْحَقّ , فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَك وَأَعْرَضُوا عَنْهُ , فَمَا عَلَيْك مِنْ لَوْم وَلَا عَذْل ; لِأَنَّك قَدْ أَدَّيْت مَا عَلَيْك فِي ذَلِكَ , إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْك إِلَّا بَلَاغهمْ مَا أُرْسِلْت بِهِ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ { الْمُبِين } الَّذِي يُبَيِّن لِمَنْ سَمِعَهُ حَتَّى يَفْهَمهُ .
وَأَمَّا قَوْله : { يَعْرِفُونَ نِعْمَة اللَّه ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنَى بِالنِّعْمَةِ الَّتِي أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَهَا مَعَ مَعْرِفَتهمْ بِهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفُوا نُبُوَّته ثُمَّ جَحَدُوهَا وَكَذَّبُوهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16483 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ : { يَعْرِفُونَ نِعْمَة اللَّه ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا } قَالَ : مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ أَنَّ مَا عَدَّدَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره فِي هَذِهِ السُّورَة مِنْ النِّعَم مِنْ عِنْد اللَّه , وَأَنَّ اللَّه هُوَ الْمُنْعِم بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ , وَلَكِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ , فَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ وَرِثُوهُ عَنْ آبَائِهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16484 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { يَعْرِفُونَ نِعْمَة اللَّه ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا } قَالَ : هِيَ الْمَسَاكِن وَالْأَنْعَام وَمَا يُرْزَقُونَ مِنْهَا , وَالسَّرَابِيل مِنْ الْحَدِيد وَالثِّيَاب , تَعْرِف هَذَا كُفَّار قُرَيْش , ثُمَّ تُنْكِرهُ بِأَنْ تَقُول : هَذَا كَانَ لِآبَائِنَا , فَرَوَّحُونَا إِيَّاهُ . 16485 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : فَوَرَّثُونَا إِيَّاهَا . وَزَادَ فِي الْحَدِيث عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّه خَلَقَهُمْ وَأَعْطَاهُمْ مَا أَعْطَاهُمْ , فَهُوَ مَعْرِفَتهمْ نِعْمَته ثُمَّ إِنْكَارهمْ إِيَّاهَا كُفْرهمْ بَعْد . وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ , مَا : 16486 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ عَمْرو , عَنْ أَبِي إِسْحَاق الْفَزَارِيّ , عَنْ لَيْث , عَنْ عَوْن بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة : { يَعْرِفُونَ نِعْمَة اللَّه ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا } قَالَ : إِنْكَارهمْ إِيَّاهَا , أَنْ يَقُول الرَّجُل : لَوْلَا فُلَان مَا كَانَ كَذَا وَكَذَا , وَلَوْلَا فُلَان مَا أَصَبْت كَذَا وَكَذَا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْكُفَّار إِذَا قِيلَ لَهُمْ : مَنْ رَزَقَكُمْ ؟ أَقَرُّوا بِأَنَّ اللَّه هُوَ الَّذِي رَزَقَهُمْ , ثُمَّ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ : رَزَقَنَا ذَلِكَ بِشَفَاعَةِ آلِهَتنَا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ وَأَشْبَههَا بِتَأْوِيلِ الْآيَة , قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِالنِّعْمَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي قَوْله { يَعْرِفُونَ نِعْمَة اللَّه } النِّعْمَة عَلَيْهِمْ بِإِرْسَالِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ دَاعِيًا إِلَى مَا بَعَثَهُ بِدُعَائِهِمْ إِلَيْهِ . وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة بَيْن آيَتَيْنِ كِلْتَاهُمَا خَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَمَّا بُعِثَ بِهِ , فَأَوْلَى مَا بَيْنهمَا أَنْ يَكُون فِي مَعْنَى مَا قَبْله وَمَا بَعْده , إِذْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَى يَدُلّ عَلَى اِنْصِرَافه عَمَّا قَبْله وَعَمَّا بَعْده ; فَاَلَّذِي قَبْل هَذِهِ الْآيَة قَوْله : { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَاغ الْمُبِين يَعْرِفُونَ نِعْمَة اللَّه ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا } وَمَا بَعْده : { وَيَوْم نَبْعَث مِنْ كُلّ أُمَّة شَهِيدًا } وَهُوَ رَسُولهَا . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَعْنَى الْآيَة : يَعْرِف هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ نِعْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ يَا مُحَمَّد بِك , ثُمَّ يُنْكِرُونَك وَيَجْحَدُونَ نُبُوَّتك .
{ وَأَكْثَرهمْ الْكَافِرُونَ } يَقُول : وَأَكْثَر قَوْمك الْجَاحِدُونَ نُبُوَّتك , لَا الْمُقِرُّونَ بِهَا .
{ وَأَكْثَرهمْ الْكَافِرُونَ } يَقُول : وَأَكْثَر قَوْمك الْجَاحِدُونَ نُبُوَّتك , لَا الْمُقِرُّونَ بِهَا .
وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ↑
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَوْم نَبْعَث مِنْ كُلّ أُمَّة شَهِيدًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَعْرِفُونَ نِعْمَة اللَّه ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا الْيَوْم وَيَسْتَنْكِرُونَ { يَوْم نَبْعَث مِنْ كُلّ أُمَّة شَهِيدًا } وَهُوَ الشَّاهِد عَلَيْهَا بِمَا أَجَابَتْ دَاعِي اللَّه , وَهُوَ رَسُولهمْ الَّذِي أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16487 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَيَوْم نَبْعَث مِنْ كُلّ أُمَّة شَهِيدًا } وَشَاهِدهَا نَبِيّهَا , عَلَى أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ رِسَالَات رَبّه , قَالَ اللَّه تَعَالَى : { وَجِئْنَا بِك شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ }
{ ثُمَّ لَا يُؤْذَن لِلَّذِينَ كَفَرُوا } يَقُول : ثُمَّ لَا يُؤْذَن لِلَّذِينَ كَفَرُوا فِي الِاعْتِذَار , فَيَعْتَذِرُوا مِمَّا كَانُوا بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ يَكْفُرُونَ .
{ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } فَيَتْرُكُوا الرُّجُوع إِلَى الدُّنْيَا فَيُنِيبُوا وَيَتُوبُوا ; وَذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { هَذَا يَوْم لَا يَنْطِقُونَ وَلَا يُؤْذَن لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } 77 35 : 36
{ ثُمَّ لَا يُؤْذَن لِلَّذِينَ كَفَرُوا } يَقُول : ثُمَّ لَا يُؤْذَن لِلَّذِينَ كَفَرُوا فِي الِاعْتِذَار , فَيَعْتَذِرُوا مِمَّا كَانُوا بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ يَكْفُرُونَ .
{ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } فَيَتْرُكُوا الرُّجُوع إِلَى الدُّنْيَا فَيُنِيبُوا وَيَتُوبُوا ; وَذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { هَذَا يَوْم لَا يَنْطِقُونَ وَلَا يُؤْذَن لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } 77 35 : 36
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَاب فَلَا يُخَفَّف عَنْهُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا عَايَنَ الَّذِينَ كَذَّبُوك يَا مُحَمَّد وَجَحَدُوا نُبُوَّتك وَالْأُمَم الَّذِينَ كَانُوا عَلَى مِنْهَاج مُشْرِكِي قَوْمك عَذَاب اللَّه , فَلَا يُنْجِيهِمْ مِنْ عَذَاب اللَّه شَيْء ; لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْذَن لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ فَيُخَفَّف عَنْهُمْ الْعَذَاب بِالْعُذْرِ الَّذِي يَدَّعُونَهُ ,
{ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ } يَقُول : وَلَا يُرْجَئُونَ بِالْعِقَابِ , لِأَنَّ وَقْت التَّوْبَة وَالْإِنَابَة قَدْ فَاتَ , فَلَيْسَ ذَلِكَ وَقْتًا لَهُمَا , وَإِنَّمَا هُوَ وَقْت لِلْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَال , فَلَا يُنْظَر بِالْعِتَابِ لِيُعْتَب بِالتَّوْبَةِ .
{ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ } يَقُول : وَلَا يُرْجَئُونَ بِالْعِقَابِ , لِأَنَّ وَقْت التَّوْبَة وَالْإِنَابَة قَدْ فَاتَ , فَلَيْسَ ذَلِكَ وَقْتًا لَهُمَا , وَإِنَّمَا هُوَ وَقْت لِلْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَال , فَلَا يُنْظَر بِالْعِتَابِ لِيُعْتَب بِالتَّوْبَةِ .
وَإِذَا رَأى الَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَاءَهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَؤُلاء شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْ مِن دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونك فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمْ الْقَوْل إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا رَأَى الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ يَوْم الْقِيَامَة مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه مِنْ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان وَغَيْر ذَلِكَ , قَالُوا : رَبّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا فِي الْكُفْر بِك , وَالشُّرَكَاء الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوهُمْ آلِهَة مِنْ دُونك . قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { فَأَلْقَوْا } يَعْنِي : شُرَكَاءَهُمْ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُون اللَّه { الْقَوْل } يَقُول : قَالُوا لَهُمْ : إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ أَيّهَا الْمُشْرِكِينَ , مَا كُنَّا نَدْعُوكُمْ إِلَى عِبَادَتنَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16488 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمْ الْقَوْل } قَالَ : حَدَّثُوهُمْ . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّه يَوْمئِذٍ السَّلَم وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَلْقَى الْمُشْرِكُونَ إِلَى اللَّه يَوْمئِذٍ السَّلَم ; يَقُول : اِسْتَسْلَمُوا يَوْمئِذٍ وَذَلُّوا لِحُكْمِهِ فِيهِمْ , وَلَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ آلِهَتهمْ الَّتِي كَانُوا يَدْعُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ دُون اللَّه , وَتَبَرَّأَتْ مِنْهُمْ , وَلَا قَوْمهمْ , وَلَا عَشَائِرهمْ الَّذِينَ كَانُوا فِي الدُّنْيَا يُدَافِعُونَ عَنْهُمْ . وَالْعَرَب تَقُول : أَلْقَيْت إِلَيْهِ كَذَا تَعْنِي بِذَلِكَ قُلْت لَهُ . وَقَوْله : { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } يَقُول : وَأَخْطَأَهُمْ مِنْ آلِهَتهمْ مَا كَانُوا يَأْمُلُونَ مِنْ الشَّفَاعَة عِنْد اللَّه بِالنَّجَاةِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16489 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّه يَوْمئِذٍ السَّلَم } يَقُول : ذَلُّوا وَاسْتَسْلَمُوا يَوْمئِذٍ { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ }
الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ كَفَرُوا وَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْق الْعَذَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : الَّذِينَ جَحَدُوا يَا مُحَمَّد نُبُوَّتك وَكَذَّبُوك فِيمَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّك , وَصَدُّوا عَنْ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَمَنْ أَرَادَهُ , زِدْنَاهُمْ عَذَابًا يَوْم الْقِيَامَة فِي جَهَنَّم فَوْق الْعَذَاب الَّذِي هُمْ فِيهِ قَبْل أَنْ يُزَادُوهُ . وَقِيلَ : تِلْكَ الزِّيَادَة الَّتِي وَعَدَهُمْ اللَّه أَنْ يَزِيدهُمُوهَا عَقَارِب وَحَيَّات . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16490 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُرَّة , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه : { زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْق الْعَذَاب } قَالَ : عَقَارِب لَهَا أَنْيَاب كَالنَّخْلِ . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُرَّة , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه مِثْله . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة وَابْن عُيَيْنَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُرَّة , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه : { زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْق الْعَذَاب } قَالَ : زِيدُوا عَقَارِب لَهَا أَنْيَاب كَالنَّخْلِ الطِّوَال . * حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن يَعْقُوب الْجَوْزَجَانِيّ , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُرَّة , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله . * حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ سُلَيْمَان , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُرَّة , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه , نَحْوه . 16491 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : { زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْق الْعَذَاب } قَالَ : أَفَاعِي . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : أَفَاعِي فِي النَّار . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله . 16492 - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى وَالْفَضْل بْن الصَّبَّاح , قَالَا : ثنا جَعْفَر بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر , قَالَ : إِنَّ لِجَهَنَّم جِبَابًا فِيهَا حَيَّات أَمْثَال الْبُخْت وَعَقَارِب أَمْثَال الْبِغَال الدُّهْم , يَسْتَغِيث أَهْل النَّار إِلَى تِلْكَ الْجِبَاب أَوْ السَّاحِل , فَتَثِب إِلَيْهِمْ فَتَأْخُذ بِشِفَاهِهِمْ وَشِفَارهمْ إِلَى أَقْدَامهمْ , فَيَسْتَغِيثُونَ مِنْهَا إِلَى النَّار , فَيَقُولُونَ : النَّار النَّار ! فَتَتْبَعهُمْ حَتَّى تَجِد حَرّهَا فَتَرْجِع , قَالَ : وَهِيَ فِي أَسْرَاب . 16493 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي حُيَيّ بْن عَبْد اللَّه , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن الْحَبْلِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , قَالَ : إِنَّ لِجَهَنَّم سَوَاحِل فِيهَا حَيَّات وَعَقَارِب أَعْنَاقهَا كَأَعْنَاقِ الْبُخْت .
وَقَوْله : { بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ } يَقُول : زِدْنَاهُمْ ذَلِكَ الْعَذَاب عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ الْعَذَاب بِمَا كَانُوا يَفْسُدُونَ , بِمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَعْصُونَ اللَّه وَيَأْمُرُونَ عِبَاده بِمَعْصِيَتِهِ , فَذَلِكَ كَانَ إِفْسَادهمْ , اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلك الْعَافِيَة يَا مَالِك الدُّنْيَا وَالْآخِرَة الْبَاقِيَة .
وَقَوْله : { بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ } يَقُول : زِدْنَاهُمْ ذَلِكَ الْعَذَاب عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ الْعَذَاب بِمَا كَانُوا يَفْسُدُونَ , بِمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَعْصُونَ اللَّه وَيَأْمُرُونَ عِبَاده بِمَعْصِيَتِهِ , فَذَلِكَ كَانَ إِفْسَادهمْ , اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلك الْعَافِيَة يَا مَالِك الدُّنْيَا وَالْآخِرَة الْبَاقِيَة .
وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَوْم نَبْعَث فِي كُلّ أُمَّة شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَيَوْم نَبْعَث فِي كُلّ أُمَّة شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسهمْ } يَقُول : نَسْأَل نَبِيّهمْ الَّذِي بَعَثْنَاهُ إِلَيْهِمْ لِلدُّعَاءِ إِلَى طَاعَتنَا . وَقَالَ : { مِنْ أَنْفُسهمْ } لِأَنَّهُ تَعَالَى ذِكْره كَانَ يُبْعَث إِلَى أُمَم أَنْبِيَاؤُهَا مِنْهَا : مَاذَا أَجَابُوكُمْ , وَمَا رَدُّوا عَلَيْكُمْ ؟
{ وَجِئْنَا بِك شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ } يَقُول لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَجِئْنَا بِك يَا مُحَمَّد شَاهِدًا عَلَى قَوْمك وَأُمَّتك الَّذِينَ أَرْسَلْتُك إِلَيْهِمْ بِمَا أَجَابُوك وَمَاذَا عَمِلُوا فِيمَا أَرْسَلْتُك بِهِ إِلَيْهِمْ .
وَقَوْله : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْك الْكِتَاب تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْء } يَقُول : نَزَلَ عَلَيْك يَا مُحَمَّد هَذَا الْقُرْآن بَيَانًا لِكُلِّ مَا بِالنَّاسِ إِلَيْهِ الْحَاجَة مِنْ مَعْرِفَة الْحَلَال وَالْحَرَام وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16494 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ اِبْن عُيَيْنَة , قَالَ : ثنا أَبَان بْن تَغْلِب , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد : { تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْء } قَالَ : مِمَّا أَحَلَّ وَحَرَّمَ . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ أَبَان بْن تَغْلِب , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْء } مِمَّا أَحَلَّ لَهُمْ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ . 16495 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْء } قَالَ : مَا أُمِرَ بِهِ , وَمَا نَهَى عَنْهُ . 16496 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , فِي قَوْله : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْك الْكِتَاب تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْء } قَالَ : مَا أُمِرُوا بِهِ , وَنُهُوا عَنْهُ . 16497 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ أَشْعَث , عَنْ رَجُل , قَالَ : قَالَ اِبْن مَسْعُود : أُنْزِلَ فِي هَذَا الْقُرْآن كُلّ عِلْم وَكُلّ شَيْء قَدْ بُيِّنَ لَنَا فِي الْقُرْآن . ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة .
{ وَهُدًى } مِنْ الضَّلَالَة
{ وَرَحْمَة } لِمَنْ صَدَّقَ بِهِ , وَعَمَل بِمَا فِيهِ مِنْ حُدُود اللَّه وَأَمْره وَنَهْيه , فَأَحَلَّ حَلَاله وَحَرَّمَ حَرَامه .
{ وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } يَقُول : وَبِشَارَة لِمَنْ أَطَاعَ اللَّه وَخَضَعَ لَهُ بِالتَّوْحِيدِ وَأَذْعَنَ لَهُ بِالطَّاعَةِ , يُبَشِّرهُ بِجَزِيلِ ثَوَابه فِي الْآخِرَة وَعَظِيم كَرَامَته .
{ وَجِئْنَا بِك شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ } يَقُول لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَجِئْنَا بِك يَا مُحَمَّد شَاهِدًا عَلَى قَوْمك وَأُمَّتك الَّذِينَ أَرْسَلْتُك إِلَيْهِمْ بِمَا أَجَابُوك وَمَاذَا عَمِلُوا فِيمَا أَرْسَلْتُك بِهِ إِلَيْهِمْ .
وَقَوْله : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْك الْكِتَاب تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْء } يَقُول : نَزَلَ عَلَيْك يَا مُحَمَّد هَذَا الْقُرْآن بَيَانًا لِكُلِّ مَا بِالنَّاسِ إِلَيْهِ الْحَاجَة مِنْ مَعْرِفَة الْحَلَال وَالْحَرَام وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16494 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ اِبْن عُيَيْنَة , قَالَ : ثنا أَبَان بْن تَغْلِب , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد : { تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْء } قَالَ : مِمَّا أَحَلَّ وَحَرَّمَ . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ أَبَان بْن تَغْلِب , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْء } مِمَّا أَحَلَّ لَهُمْ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ . 16495 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْء } قَالَ : مَا أُمِرَ بِهِ , وَمَا نَهَى عَنْهُ . 16496 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , فِي قَوْله : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْك الْكِتَاب تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْء } قَالَ : مَا أُمِرُوا بِهِ , وَنُهُوا عَنْهُ . 16497 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ أَشْعَث , عَنْ رَجُل , قَالَ : قَالَ اِبْن مَسْعُود : أُنْزِلَ فِي هَذَا الْقُرْآن كُلّ عِلْم وَكُلّ شَيْء قَدْ بُيِّنَ لَنَا فِي الْقُرْآن . ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة .
{ وَهُدًى } مِنْ الضَّلَالَة
{ وَرَحْمَة } لِمَنْ صَدَّقَ بِهِ , وَعَمَل بِمَا فِيهِ مِنْ حُدُود اللَّه وَأَمْره وَنَهْيه , فَأَحَلَّ حَلَاله وَحَرَّمَ حَرَامه .
{ وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } يَقُول : وَبِشَارَة لِمَنْ أَطَاعَ اللَّه وَخَضَعَ لَهُ بِالتَّوْحِيدِ وَأَذْعَنَ لَهُ بِالطَّاعَةِ , يُبَشِّرهُ بِجَزِيلِ ثَوَابه فِي الْآخِرَة وَعَظِيم كَرَامَته .
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ اللَّه يَأْمُر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر وَالْبَغْي يَعِظكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّه يَأْمُر فِي هَذَا الْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيْك يَا مُحَمَّد بِالْعَدْلِ , وَهُوَ الْإِنْصَاف ; وَمِنْ الْإِنْصَاف : الْإِقْرَار بِمَنْ أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِنِعْمَتِهِ , وَالشُّكْر لَهُ عَلَى إِفْضَاله , وَتَوَلِّي الْحَمْد أَهْله . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْعَدْل وَلَمْ يَكُنْ لِلْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَام عِنْدنَا يَد تَسْتَحِقّ الْحَمْد عَلَيْهَا , كَانَ جَهْلًا بِنَا حَمْدهَا وَعِبَادَتهَا , وَهِيَ لَا تُنْعِم فَتُشْكَر وَلَا تَنْفَع فَتُعْبَد , فَلَزِمْنَا أَنْ نَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ , وَلِذَلِكَ قَالَ مَنْ قَالَ : الْعَدْل فِي هَذَا الْمَوْضِع شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16498 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , وَعَلِيّ بْن دَاوُدَ , قَالَا : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّ اللَّه يَأْمُر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان } قَالَ : شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . وَقَوْله : { وَالْإِحْسَان } فَإِنَّ الْإِحْسَان الَّذِي أَمَرَ بِهِ تَعَالَى ذِكْره مَعَ الْعَدْل الَّذِي وَصَفْنَا صِفَته : الصَّبْر لِلَّهِ عَلَى طَاعَته فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى , فِي الشِّدَّة وَالرَّخَاء وَالْمَكْرَه وَالْمَنْشَط , وَذَلِكَ هُوَ أَدَاء فَرَائِضه . كَمَا : 16499 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , وَعَلِيّ بْن دَاوُدَ , قَالَا : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَالْإِحْسَان } يَقُول : أَدَاء الْفَرَائِض وَقَوْله : { وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى } يَقُول : وَإِعْطَاء ذِي الْقُرْبَى الْحَقّ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّه عَلَيْك بِسَبَبِ الْقَرَابَة وَالرَّحِم . كَمَا : 16500 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى وَعَلِيّ , قَالَا : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى } يَقُول : الْأَرْحَام . وَقَوْله : { وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاء } قَالَ : الْفَحْشَاء فِي هَذَا الْمَوْضِع : الزِّنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16501 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , وَعَلِيّ بْن دَاوُدَ , قَالَا : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاء } يَقُول : الزِّنَا . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْفَحْشَاء بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْل . وَقَوْله : { وَالْبَغْي } قِيلَ : عُنِيَ بِالْبَغْيِ فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْكِبْر وَالظُّلْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16502 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , وَعَلِيّ بْن دَاوُدَ , قَالَا : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَالْبَغْي } يَقُول : الْكِبْر وَالظُّلْم . وَأَصْل الْبَغْي : التَّعَدِّي وَمُجَاوَزَة الْقَدْر وَالْحَدّ مِنْ كُلّ شَيْء . وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْل . وَقَوْله : { يَعِظكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } يَقُول : يُذَكِّركُمْ أَيّهَا النَّاس رَبّكُمْ لِتَذْكُرُوا فَتُنِيبُوا إِلَى أَمْره وَنَهْيه , وَتَعْرِفُوا الْحَقّ لِأَهْلِهِ . كَمَا : 16503 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى وَعَلِيّ بْن دَاوُدَ , قَالَا : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { يَعِظكُمْ } يَقُول : يُوصِيكُمْ , { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ اِبْن عُيَيْنَة أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي تَأْوِيل ذَلِكَ : إِنَّ مَعْنَى الْعَدْل فِي هَذَا الْمَوْضِع اِسْتِوَاء السَّرِيرَة وَالْعَلَانِيَة مِنْ كُلّ عَامِل لِلَّهِ عَمَلًا , وَإِنَّ مَعْنَى الْإِحْسَان : أَنْ تَكُون سَرِيرَته أَحْسَن مِنْ عَلَانِيَته , وَإِنَّ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر أَنْ تَكُون عَلَانِيَته أَحْسَن مِنْ سَرِيرَته . وَذُكِرَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة , مَا : 16504 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت مَنْصُور بْن النُّعْمَان , عَنْ عَامِر , عَنْ شُتَيْر بْن شَكَل , قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه يَقُول : إِنَّ أَجْمَع آيَة فِي الْقُرْآن فِي سُورَة النَّحْل : { إِنَّ اللَّه يَأْمُر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وَإِيتَاء ذِي اللَّه } . .. إِلَى آخِر الْآيَة . * حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ شُتَيْر بْن شَكْل , قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه يَقُول : إِنَّ أَجْمَع آيَة فِي الْقُرْآن لِخَيْرٍ أَوْ لِشَرٍّ , آيَة فِي سُورَة النَّحْل : { إِنَّ اللَّه يَأْمُر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان } . ... الْآيَة . 16505 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّ اللَّه يَأْمُر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى } . .. الْآيَة , إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ خُلُق حَسَن كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَعْمَلُونَ بِهِ وَيَسْتَحْسِنُونَهُ إِلَّا أَمْر اللَّه بِهِ , وَلَيْسَ مِنْ خَلَقَ سَيِّئ كَانُوا يَتَعَايَرُونَهُ بَيْنهمْ إِلَّا نَهَى اللَّه عَنْهُ وَقَدَّمَ فِيهِ . وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ سَفَاسِف الْأَخْلَاق وَمَذَامّهَا .