الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5
شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍسورة النحل الآية رقم 121
{ شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ } يَقُول : كَانَ يُخْلِص الشُّكْر لِلَّهِ فِيمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ , وَلَا يَجْعَل مَعَهُ فِي شُكْره فِي نِعَمه عَلَيْهِ شَرِيكًا مِنْ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد وَغَيْر ذَلِكَ كَمَا يَفْعَل مُشْرِكُو قُرَيْش .

{ اِجْتَبَاهُ } يَقُول : اِصْطَفَاهُ وَاخْتَارَهُ لِخُلَّتِهِ

{ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } يَقُول : وَأَرْشَدَهُ إِلَى الطَّرِيق الْمُسْتَقِيم , وَذَلِكَ دِين الْإِسْلَام لَا الْيَهُودِيَّة وَلَا النَّصْرَانِيَّة .
وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَسورة النحل الآية رقم 122
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَة لَمِنْ الصَّالِحِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَآتَيْنَا إِبْرَاهِيم عَلَى قُنُوته لِلَّهِ وَشُكْره عَلَى نِعَمه وَإِخْلَاصه الْعِبَادَة لَهُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا ذِكْرًا حَسَنًا وَثَنَاء جَمِيلًا بَاقِيًا عَلَى الْأَيَّام . { وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَة لَمِنْ الصَّالِحِينَ } يَقُول : وَإِنَّهُ فِي الدَّار الْآخِرَة يَوْم الْقِيَامَة لِمِمَّنْ صَلُحَ أَمْره وَشَأْنه عِنْد اللَّه وَحَسُنَتْ فِيهَا مَنْزِلَته وَكَرَامَته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16594 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَة } قَالَ : لِسَان صِدْق . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 16595 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَة } فَلَيْسَ مِنْ أَهْل دِين إِلَّا يَتَوَلَّاهُ وَيَرْضَاهُ .
ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَسورة النحل الآية رقم 123
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْك أَنْ اِتَّبِعْ مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْك يَا مُحَمَّد وَقُلْنَا لَك : اِتَّبِعْ مِلَّة إِبْرَاهِيم الْحَنِيفِيَّة الْمُسْلِمَة { حَنِيفًا } يَقُول : مُسْلِمًا عَلَى الدِّين الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيم , بَرِيئًا مِنْ الْأَوْثَان وَالْأَنْدَاد الَّتِي يَعْبُدهَا قَوْمك , كَمَا كَانَ إِبْرَاهِيم تَبَرَّأَ مِنْهَا .
إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَسورة النحل الآية رقم 124
وَقَوْله : { إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْت عَلَى الَّذِينَ اِخْتَلَفُوا فِيهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا فَرَضَ اللَّه أَيّهَا النَّاس تَعْظِيم يَوْم السَّبْت إِلَّا عَلَى الَّذِينَ اِخْتَلَفُوا فِيهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ أَعْظَم الْأَيَّام , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى فَرَغَ مِنْ خَلْق الْأَشْيَاء يَوْم الْجُمْعَة , ثُمَّ سَبَتَ يَوْم السَّبْت . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ أَعْظَم الْأَيَّام يَوْم الْأَحَد , لِأَنَّهُ الْيَوْم الَّذِي اِبْتَدَأَ فِيهِ خَلْق الْأَشْيَاء , فَاخْتَارُوهُ وَتَرَكُوا تَعْظِيم يَوْم الْجُمْعَة الَّذِي فَرَضَ اللَّه عَلَيْهِمْ تَعْظِيمه وَاسْتَحَلُّوهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16596 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْت عَلَى الَّذِينَ اِخْتَلَفُوا فِيهِ } اِتَّبَعُوهُ وَتَرَكُوا الْجُمْعَة . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 16597 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْت } قَالَ : أَرَادُوا الْجُمْعَة فَأَخْطَئُوا , فَأَخَذُوا السَّبْت مَكَانه . 16598 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْت عَلَى الَّذِينَ اِخْتَلَفُوا فِيهِ } اِسْتَحَلَّهُ بَعْضهمْ , وَحَرَّمَهُ بَعْضهمْ . 16599 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك وَسَعِيد بْن جُبَيْر : { إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْت عَلَى الَّذِينَ اِخْتَلَفُوا فِيهِ } قَالَ : بِاسْتِحْلَالِهِمْ يَوْم السَّبْت . 16600 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْت عَلَى الَّذِينَ اِخْتَلَفُوا فِيهِ } قَالَ : كَانُوا يَطْلُبُونَ يَوْم الْجُمْعَة فَأَخْطَئُوهُ , وَأَخَذُوا يَوْم السَّبْت فَجَعَلَهُ عَلَيْهِمْ .

وَقَوْله : { وَإِنَّ رَبّك لَيَحْكُم بَيْنهمْ يَوْم الْقِيَامَة فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ رَبّك يَا مُحَمَّد لَيَحْكُم بَيْن هَؤُلَاءِ الْمُخْتَلِفِينَ بَيْنهمْ فِي اِسْتِحْلَال السَّبْت وَتَحْرِيمه عِنْد مَصِيرهمْ إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة , فَيَقْضِي بَيْنهمْ فِي ذَلِكَ وَفِي غَيْره مِمَّا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ فِي الدُّنْيَا بِالْحَقِّ , وَيَفْصِل بِالْعَدْلِ بِمُجَازَاةِ الْمُصِيب فِيهِ جَزَاءَهُ وَالْمُخْطِئ فِيهِ مِنْهُمْ مَا هُوَ أَهْله .
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَسورة النحل الآية رقم 125
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اُدْعُ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { اُدْعُ } يَا مُحَمَّد مَنْ أَرْسَلَك إِلَيْهِ رَبّك بِالدُّعَاءِ إِلَى طَاعَته .

{ إِلَى سَبِيل رَبّك } يَقُول : إِلَى شَرِيعَة رَبّك الَّتِي شَرَعَهَا لِخَلْقِهِ , وَهُوَ الْإِسْلَام .

{ بِالْحِكْمَةِ } يَقُول بِوَحْيِ اللَّه الَّذِي يُوحِيه إِلَيْك وَكِتَابه الَّذِي يُنْزِلهُ عَلَيْك .

{ وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة } يَقُول : وَبِالْعِبَرِ الْجَمِيلَة الَّتِي جَعَلَهَا اللَّه حُجَّة عَلَيْهِمْ فِي كِتَابه وَذَكِّرْهُمْ بِهَا فِي تَنْزِيله , كَاَلَّتِي عَدَّدَ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ السُّورَة مِنْ حُجَجه وَذَكِّرْهُمْ فِيهَا مَا ذَكَّرَهُمْ مِنْ آلَائِهِ .

{ وَجَادِلْهُمْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَن } يَقُول : وَخَاصِمْهُمْ بِالْخُصُومَةِ الَّتِي هِيَ أَحْسَن مِنْ غَيْرهَا أَنْ تَصْفَح عَمَّا نَالُوا بِهِ عِرْضك مِنْ الْأَذَى , وَلَا تَعْصِهِ فِي الْقِيَام بِالْوَاجِبِ عَلَيْك مِنْ تَبْلِيغهمْ رِسَالَة رَبّك . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16601 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { وَجَادِلْهُمْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَن } أَعْرِضْ عَنْ أَذَاهُمْ إِيَّاكَ . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .

وَقَوْله : { إِنَّ رَبّك هُوَ أَعْلَم بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيله } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ رَبّك يَا مُحَمَّد هُوَ أَعْلَم بِمَنْ جَارَ عَنْ قَصْد السَّبِيل مِنْ الْمُخْتَلِفِينَ فِي السَّبْت وَغَيْره مِنْ خَلْقه , وَحَادَ اللَّه , وَهُوَ أَعْلَم بِمَنْ كَانَ مِنْهُمْ سَالِكًا قَصْد السَّبِيل وَمَحَجَّة الْحَقّ , وَهُوَ مُجَازٍ جَمِيعهمْ جَزَاءَهُمْ عِنْد وُرُودهمْ عَلَيْهِ .
وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَسورة النحل الآية رقم 126
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْر لِلصَّابِرِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ : وَإِنْ عَاقَبْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ ظُلْمكُمْ وَاعْتُدِيَ عَلَيْكُمْ , فَعَاقِبُوهُ بِمِثْلِ الَّذِي نَالَكُمْ بِهِ ظَالِمكُمْ مِنْ الْعُقُوبَة , وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ عَنْ عُقُوبَته وَاحْتَسَبْتُمْ عِنْد اللَّه مَا نَالَكُمْ بِهِ مِنْ الظُّلْم وَوَكَّلْتُمْ أَمْره إِلَيْهِ حَتَّى يَكُون هُوَ الْمُتَوَلِّي عُقُوبَته , { لَهُوَ خَيْر لِلصَّابِرِينَ } يَقُول : لِلصَّبْرِ عَنْ عُقُوبَته بِذَلِكَ خَيْر لِأَهْلِ الصَّبْر اِحْتِسَابًا وَابْتِغَاء ثَوَاب اللَّه ; لِأَنَّ اللَّه يُعَوِّضهُ مِنْ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَنَالهُ بِانْتِقَامِهِ مِنْ ظَالِمه عَلَى ظُلْمه إِيَّاهُ مِنْ لَذَّة الِانْتِصَار , وَهُوَ مِنْ قَوْله : { لَهُوَ } كِنَايَة عَنْ الصَّبْر وَحَسَن ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَرَ قَبْل ذَلِكَ الصَّبْر لِدَلَالَةِ قَوْله : { وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ } عَلَيْهِ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة وَقِيلَ هِيَ مَنْسُوخَة أَوْ مُحْكَمَة ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ مِنْ أَجْل أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه أَقْسَمُوا حِين فَعَلَ الْمُشْرِكُونَ يَوْم أُحُد مَا فَعَلُوا بِقَتْلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ التَّمْثِيل بِهِمْ أَنْ يُجَاوِزُوا فِعْلهمْ فِي الْمُثْلَة بِهِمْ إِنْ رُزِقُوا الظَّفَر عَلَيْهِمْ يَوْمًا , فَنَهَاهُمْ اللَّه عَنْ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَة وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقْتَصِرُوا فِي التَّمْثِيل بِهِمْ إِنْ هُمْ ظَفِرُوا عَلَى مِثْل الَّذِي كَانَ مِنْهُمْ , ثُمَّ أَمَرَهُمْ بَعْد ذَلِكَ بِتَرْكِ التَّمْثِيل وَإِيثَار الصَّبْر عَنْهُ بِقَوْلِهِ : { وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرك إِلَّا بِاَللَّهِ } فَنُسِخَ بِذَلِكَ عِنْدهمْ مَا كَانَ أَذِنَ لَهُمْ فِيهِ مِنْ الْمُثْلَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16602 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , قَالَ : سَمِعْت دَاوُدَ , عَنْ عَامِر : أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا لَمَّا فَعَلَ الْمُشْرِكُونَ بِقَتْلَاهُمْ يَوْم أُحُد : لَئِنْ ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ لَنَفْعَلَنَّ وَلَنَفْعَلَنَّ ! فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْر لِلصَّابِرِينَ } قَالُوا : بَلْ نَصْبِر . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا دَاوُدُ , عَنْ عَامِر , قَالَ : لَمَّا رَأَى الْمُسْلِمُونَ مَا فَعَلَ الْمُشْرِكُونَ بِقَتْلَاهُمْ يَوْم أُحُد , مِنْ تَبْقِيرِ الْبُطُون وَقَطْع الْمَذَاكِير وَالْمُثْلَة السَّيِّئَة , قَالُوا : لَئِنْ أَظْفَرَنَا اللَّه بِهِمْ , لَنَفْعَلَنَّ وَلَنَفْعَلَنَّ ! فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ : { وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْر لِلصَّابِرِينَ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرك إِلَّا بِاَللَّهِ } 16603 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ بَعْض أَصْحَابه , عَنْ عَطَاء بْن يَسَار , قَالَ : نَزَلَتْ سُورَة النَّحْل كُلّهَا بِمَكَّة , وَهِيَ مَكِّيَّة , إِلَّا ثَلَاث آيَات فِي آخِرهَا نَزَلَتْ فِي الْمَدِينَة بَعْد أُحُد , حَيْثُ قُتِلَ حَمْزَة وَمُثِّلَ بِهِ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَئِنْ ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ لَنُمَثِّلَنَّ بِثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ ! " فَلَمَّا سَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ , قَالُوا : وَاَللَّه لَئِنْ ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ لَنُمَثِّلَنَّ بِهِمْ مِثْله لَمْ يُمَثِّلهَا أَحَد مِنْ الْعَرَب بِأَحَدٍ قَطُّ ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْر لِلصَّابِرِينَ } . .. إِلَى آخِر السُّورَة . 16604 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } قَالَ الْمُسْلِمُونَ يَوْم أُحُد فَقَالَ : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } . .. إِلَى قَوْله : { لَهُوَ خَيْر لِلصَّابِرِينَ } ثُمَّ قَالَ بَعْد : { وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرك إِلَّا بِاَللَّهِ } 16605 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : لَمَّا أُصِيبَ فِي أَهْل أُحُد الْمُثَل , فَقَالَ : الْمُسْلِمُونَ : لَئِنْ أَصَبْنَاهُمْ لَنُمَثِّلَنَّ بِهِمْ ! فَقَالَ اللَّه : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْر لِلصَّابِرِينَ } ثُمَّ عَزَمَ وَأَخْبَرَ فَلَا يُمَثِّل , فَنُهِيَ عَنْ الْمِثْل , قَالَ : مَثَّلَ الْكُفَّار بِقَتْلَى أُحُد , إِلَّا حَنْظَلَة بْن الرَّاهِب , كَانَ الرَّاهِب أَبُو عَامِر مَعَ أَبِي سُفْيَان , فَتَرَكُوا حَنْظَلَة لِذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ : نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي بَرَاءَة : { اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } 9 5 قَالُوا : وَإِنَّمَا قَالَ : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } خَبَرًا مِنْ اللَّه لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ لَا يَبْدَءُوهُمْ بِقِتَالٍ حَتَّى يَبْدَءُوهُمْ بِهِ , فَقَالَ : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه الَّذِينَ يُقَاتِلُوكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } 2 190 ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16606 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنْي عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَإِذْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } قَالَ : هَذَا خَبَر مِنْ اللَّه نَبِيّه أَنْ يُقَاتِل مَنْ قَاتَلَهُ . قَالَ : ثُمَّ نَزَلَتْ بَرَاءَة وَانْسِلَاخ الْأَشْهُر الْحُرُم ; قَالَ : فَهَذَا مِنْ الْمَنْسُوخ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى اللَّه تَعَالَى بِقَوْلِهِ : { وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرك إِلَّا بِاَللَّهِ } نَبِيّ اللَّه خَاصَّة دُون سَائِر أَصْحَابه , فَكَانَ الْأَمْر بِالصَّبْرِ لَهُ عَزِيمَة مِنْ اللَّه دُونهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16607 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } قَالَ : أَمَرَهُمْ اللَّه أَنْ يَعْفُوا عَنْ الْمُشْرِكِينَ , فَأَسْلَمَ رِجَال لَهُمْ مَنَعَة , فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , لَوْ أَذِنَ اللَّه لَنَا لَانْتَصَرْنَا مِنْ هَؤُلَاءِ الْكِلَاب ! فَنَزَلَ الْقُرْآن : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْر لِلصَّابِرِينَ } وَاصْبِرْ أَنْتَ يَا مُحَمَّد , وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْق مِمَّنْ يَنْتَصِر , وَمَا صَبْرك إِلَّا بِاَللَّهِ . ثُمَّ نُسِخَ هَذَا وَأَمَرَهُ بِجِهَادِهِمْ , فَهَذَا كُلّه مَنْسُوخ . وَقَالَ آخَرُونَ : لَمْ يُعْنَ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ شَيْء مِمَّا ذَكَرَ هَؤُلَاءِ , وَإِنَّمَا عُنِيَ بِهِمَا أَنَّ مَنْ ظَلَمَ بِظُلَامَةٍ فَلَا يَحِلّ لَهُ أَنْ يَنَال مِمَّنْ ظَلَمَهُ أَكْثَر مِمَّا نَالَ الظَّالِم مِنْهُ , وَقَالُوا : الْآيَة مُحْكَمَة غَيْر مَنْسُوخَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16608 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ خَالِد , عَنْ اِبْن سِيرِينَ : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } يَقُول : إِنْ أَخَذَ مِنْك رَجُل شَيْئًا , فَخُذْ مِنْهُ مِثْله . 16609 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : إِنْ أَخَذَ مِنْك شَيْئًا فَخُذْ مِنْهُ مِثْله . قَالَ الْحَسَن : قَالَ عَبْد الرَّزَّاق : قَالَ سُفْيَان : وَيَقُولُونَ : إِنْ أَخَذَ مِنْك دِينَارًا فَلَا تَأْخُذ مِنْهُ إِلَّا دِينَارًا , وَإِنْ أَخَذَ مِنْك شَيْئًا فَلَا تَأْخُذ مِنْهُ إِلَّا مِثْل ذَلِكَ الشَّيْء . 16610 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } لَا تَعْتَدُوا . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَمَرَ مَنْ عُوقِبَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِعُقُوبَةٍ أَنْ يُعَاقِب مَنْ عَاقَبَهُ بِمِثْلِ الَّذِي عُوقِبَ بِهِ , إِنْ اِخْتَارَ عُقُوبَته , وَأَعْلَمَهُ أَنَّ الصَّبْر عَلَى تَرْك عُقُوبَته عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ إِلَيْهِ خَيْر وَعَزَمَ عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَصْبِر ; وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ ظَاهِر التَّنْزِيل , وَالتَّأْوِيلَات الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَمَّنْ ذَكَرُوهَا عَنْهُ مُحْتَمِلَتهَا الْآيَة كُلّهَا . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَلَمْ يَكُنْ فِي الْآيَة دَلَالَة عَلَى أَيّ ذَلِكَ عَنَى بِهَا مِنْ خَبَر وَلَا عَقْل كَانَ الْوَاجِب عَلَيْنَا الْحُكْم بِهَا إِلَى نَاطِق لَا دَلَالَة عَلَيْهِ , وَأَنْ يُقَال : هِيَ آيَة مُحْكَمَة أَمَرَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عِبَاده أَنْ لَا يَتَجَاوَزُوا فِيمَا وَجَبَ لَهُمْ قِبَل غَيْرهمْ مِنْ حَقّ مِنْ مَال أَوْ نَفْس الْحَقّ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه لَهُمْ إِلَى غَيْره , وَأَنَّهَا غَيْر مَنْسُوخَة , إِذْ كَانَ لَا دَلَالَة عَلَى نَسْخهَا , وَأَنَّ لِلْقَوْلِ بِأَنَّهَا مُحْكَمَة وَجْهًا صَحِيحًا مَفْهُومًا .
وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَسورة النحل الآية رقم 127
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرك إِلَّا بِاَللَّهِ وَلَا تَحْزَن عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْق مِمَّا يَمْكُرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاصْبِرْ يَا مُحَمَّد عَلَى مَا أَصَابَك مِنْ أَذًى فِي اللَّه . { وَمَا صَبْرك إِلَّا بِاَللَّهِ } يَقُول : وَمَا صَبْرك إِنْ صَبَرْت إِلَّا بِمَعُونَةِ اللَّه وَتَوْفِيقه إِيَّاكَ لِذَلِكَ . { وَلَا تَحْزَن عَلَيْهِمْ } يَقُول : وَلَا تَحْزَن عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَك وَيُنْكِرُونَ مَا جِئْتهمْ بِهِ فِي آنٍ وَلَّوْا عَنْك وَأَعْرَضُوا عَمَّا أَتَيْتهمْ بِهِ مِنْ النَّصِيحَة . { وَلَا تَكُ فِي ضَيْق مِمَّا يَمْكُرُونَ } يَقُول : وَلَا يَضِقْ صَدْرك بِمَا يَقُولُونَ مِنْ الْجَهْل وَنِسْبَتهمْ مَا جِئْتهمْ بِهِ إِلَى أَنَّهُ سِحْر أَوْ شِعْر أَوْ كِهَانَة . { مِمَّا يَمْكُرُونَ } مِمَّا يَحْتَالُونَ بِالْخُدَعِ فِي الصَّدّ عَنْ سَبِيل اللَّه مَنْ أَرَادَ الْإِيمَان بِك وَالتَّصْدِيق بِمَا أَنْزَلَ اللَّه إِلَيْك . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْعِرَاق : { وَلَا تَكُ فِي ضَيْق } بِفَتْحِ الضَّاد فِي الضَّيْق عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْت مِنْ تَأْوِيله . وَقِرَاءَة بَعْض قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة : " وَلَا تَكُ فِي ضِيق " بِكَسْرِ الضَّاد . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدنَا قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ : { فِي ضَيْق } بِفَتْحِ الضَّاد , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى إِنَّمَا نَهَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَضِيق صَدْره مِمَّا يَلْقَى مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ عَلَى تَبْلِيغه إِيَّاهُمْ وَحْي اللَّه وَتَنْزِيله , فَقَالَ لَهُ : { فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرك حَرَج مِنْهُ لِتُنْذِر بِهِ } 7 2 وَقَالَ : { فَلَعَلَّك تَارِك بَعْض مَا يُوحَى إِلَيْك وَضَائِق بِهِ صَدْرك أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْز أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَك إِنَّمَا أَنْتَ نَذِير } 11 12 وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي نَهَاهُ تَعَالَى ذِكْره , فَفَتْح الضَّاد هُوَ الْكَلَام الْمَعْرُوف مِنْ كَلَام الْعَرَب فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى , تَقُول الْعَرَب : فِي صَدْرِي مِنْ هَذَا الْأَمْر ضَيْق , وَإِنَّمَا تَكْسِر الضَّاد فِي الشَّيْء الْمُعَاش وَضِيق الْمَسْكَن وَنَحْو ذَلِكَ . فَإِنْ وَقَعَ الضَّيْق بِفَتْحِ الضَّاد فِي مَوْضِع الضِّيق بِالْكَسْرِ , كَانَ عَلَى الَّذِي يَتَّسِع أَحْيَانًا وَيَضِيق مِنْ قِلَّة أَحَد وَجْهَيْنِ , إِمَّا عَلَى جَمْع الضَّيْقَة , كَمَا قَالَ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة : فَلَئِنْ رَبّك مِنْ رَحْمَته كَشَفَ الضَّيْقَة عَنَّا وَفَسَحْ وَالْآخَر عَلَى تَخْفِيف الشَّيْء الضَّيِّق , كَمَا يُخَفَّف الْهَيِّن اللَّيِّن , فَيُقَال : هُوَ هَيْن لَيْن .
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَسورة النحل الآية رقم 128
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرك إِلَّا بِاَللَّهِ وَلَا تَحْزَن عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْق مِمَّا يَمْكُرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاصْبِرْ يَا مُحَمَّد عَلَى مَا أَصَابَك مِنْ أَذًى فِي اللَّه . { وَمَا صَبْرك إِلَّا بِاَللَّهِ } يَقُول : وَمَا صَبْرك إِنْ صَبَرْت إِلَّا بِمَعُونَةِ اللَّه وَتَوْفِيقه إِيَّاكَ لِذَلِكَ . { وَلَا تَحْزَن عَلَيْهِمْ } يَقُول : وَلَا تَحْزَن عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَك وَيُنْكِرُونَ مَا جِئْتهمْ بِهِ فِي آنٍ وَلَّوْا عَنْك وَأَعْرَضُوا عَمَّا أَتَيْتهمْ بِهِ مِنْ النَّصِيحَة . { وَلَا تَكُ فِي ضَيْق مِمَّا يَمْكُرُونَ } يَقُول : وَلَا يَضِقْ صَدْرك بِمَا يَقُولُونَ مِنْ الْجَهْل وَنِسْبَتهمْ مَا جِئْتهمْ بِهِ إِلَى أَنَّهُ سِحْر أَوْ شِعْر أَوْ كِهَانَة . { مِمَّا يَمْكُرُونَ } مِمَّا يَحْتَالُونَ بِالْخُدَعِ فِي الصَّدّ عَنْ سَبِيل اللَّه مَنْ أَرَادَ الْإِيمَان بِك وَالتَّصْدِيق بِمَا أَنْزَلَ اللَّه إِلَيْك . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْعِرَاق : { وَلَا تَكُ فِي ضَيْق } بِفَتْحِ الضَّاد فِي الضَّيْق عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْت مِنْ تَأْوِيله . وَقِرَاءَة بَعْض قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة : " وَلَا تَكُ فِي ضِيق " بِكَسْرِ الضَّاد . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدنَا قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ : { فِي ضَيْق } بِفَتْحِ الضَّاد , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى إِنَّمَا نَهَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَضِيق صَدْره مِمَّا يَلْقَى مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ عَلَى تَبْلِيغه إِيَّاهُمْ وَحْي اللَّه وَتَنْزِيله , فَقَالَ لَهُ : { فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرك حَرَج مِنْهُ لِتُنْذِر بِهِ } 7 2 وَقَالَ : { فَلَعَلَّك تَارِك بَعْض مَا يُوحَى إِلَيْك وَضَائِق بِهِ صَدْرك أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْز أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَك إِنَّمَا أَنْتَ نَذِير } 11 12 وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي نَهَاهُ تَعَالَى ذِكْره , فَفَتْح الضَّاد هُوَ الْكَلَام الْمَعْرُوف مِنْ كَلَام الْعَرَب فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى , تَقُول الْعَرَب : فِي صَدْرِي مِنْ هَذَا الْأَمْر ضَيْق , وَإِنَّمَا تَكْسِر الضَّاد فِي الشَّيْء الْمُعَاش وَضِيق الْمَسْكَن وَنَحْو ذَلِكَ . فَإِنْ وَقَعَ الضَّيْق بِفَتْحِ الضَّاد فِي مَوْضِع الضِّيق بِالْكَسْرِ , كَانَ عَلَى الَّذِي يَتَّسِع أَحْيَانًا وَيَضِيق مِنْ قِلَّة أَحَد وَجْهَيْنِ , إِمَّا عَلَى جَمْع الضَّيْقَة , كَمَا قَالَ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة : فَلَئِنْ رَبّك مِنْ رَحْمَته كَشَفَ الضَّيْقَة عَنَّا وَفَسَحْ وَالْآخَر عَلَى تَخْفِيف الشَّيْء الضَّيِّق , كَمَا يُخَفَّف الْهَيِّن اللَّيِّن , فَيُقَال : هُوَ هَيْن لَيْن .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ اللَّه مَعَ الَّذِينَ اِتَّقَوْا وَاَلَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { إِنَّ اللَّه } يَا مُحَمَّد { مَعَ الَّذِينَ اِتَّقَوْا } اللَّه فِي مَحَارِمه فَاجْتَنَبُوهَا , وَخَافُوا عِقَابه عَلَيْهَا , فَأَحْجَمُوا عَنْ التَّقَدُّم عَلَيْهَا . { وَاَلَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ } يَقُول : وَهُوَ مَعَ الَّذِينَ يُحْسِنُونَ رِعَايَة فَرَائِضه وَالْقِيَام بِحُقُوقِهِ وَلُزُوم طَاعَته فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16611 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ الْحَسَن : { إِنَّ اللَّه مَعَ الَّذِينَ اِتَّقَوْا وَاَلَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ } قَالَ : اِتَّقُوا اللَّه فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ , وَأَحْسَنُوا فِيمَا اِفْتَرَضَ عَلَيْهِمْ . * حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ رَجُل , عَنْ الْحَسَن , مِثْله . 16612 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَرَم بْن حَيَّان الْعَبْدِيّ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْت , قِيلَ لَهُ : أَوْصِ ! قَالَ : مَا أَدْرِي مَا أُوصِي , وَلَكِنْ بِيعُوا دِرْعِي فَاقْضُوا عَنِّي دَيْنِي , فَإِنْ لَمْ تَفِ فَبِيعُوا فَرَسِي , فَإِنْ لَمْ يَفِ فَبِيعُوا غُلَامِي , وَأُوصِيكُمْ بِخَوَاتِيم سُورَة النَّحْل : { اُدْعُ إِلَى سَبِيل رَبّك بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة وَجَادِلْهُمْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَن إِنَّ رَبّك هُوَ أَعْلَم بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيله وَهُوَ أَعْلَم بِالْمُهْتَدِينَ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْر لِلصَّابِرِينَ } ذَكَرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة قَالَ : " بَلْ نَصْبِر " .
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5