وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّه إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَان بَعْد تَوْكِيدهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّه عَلَيْكُمْ كَفِيلًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَوْفُوا بِمِيثَاقِ اللَّه إِذَا وَاثَقْتُمُوهُ , وَعَقْده إِذَا عَاقَدُّتمُوهُ , فَأَوْجَبْتُمْ بِهِ عَلَى أَنْفُسكُمْ حَقًّا لِمَنْ عَاقَدُّتمُوهُ بِهِ وَوَاثَقْتُمُوهُ عَلَيْهِ . { وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَان بَعْد تَوْكِيدهَا } يَقُول : وَلَا تُخَالِفُوا الْأَمْر الَّذِي تَعَاقَدْتُمْ فِيهِ الْأَيْمَان , يَعْنِي بَعْد مَا شَدَدْتُمْ الْأَيْمَان عَلَى أَنْفُسكُمْ , فَتَحْنَثُوا فِي أَيْمَانكُمْ وَتَكْذِبُوا فِيهَا وَتَنْقُضُوهَا بَعْد إِبْرَامهَا , يُقَال مِنْهُ : وَكَّدَ فُلَان يَمِينه يُوَكِّدهَا تَوْكِيدًا : إِذَا شَدَّدَهَا ; وَهِيَ لُغَة أَهْل الْحِجَاز , وَأَمَّا أَهْل نَجِد , فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ : أَكَّدْتهَا أُؤَكِّدهَا تَأْكِيدًا . وَقَوْله : { وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّه عَلَيْكُمْ كَفِيلًا } يَقُول : وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّه بِالْوَفَاءِ بِمَا تَعَاقَدْتُمْ عَلَيْهِ عَلَى أَنْفُسكُمْ رَاعِيًا يَرْعَى الْمُوفِي مِنْكُمْ بِعَهْدِ اللَّه الَّذِي عَاهَدَ عَلَى الْوَفَاء بِهِ وَالنَّاقِض . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى اِخْتِلَاف بَيْنهمْ فِيمَنْ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَة وَفِيمَا أَنْزَلَتْ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهَا الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَام , وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16506 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو لَيْلَى , عَنْ بُرَيْدَة , قَوْله : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّه إِذَا عَاهَدْتُمْ } قَالَ : أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي بَيْعَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَانَ مَنْ أَسْلَمَ بَايَعَ عَلَى الْإِسْلَام , فَقَالُوا : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّه إِذَا عَاهَدْتُمْ } هَذِهِ الْبَيْعَة الَّتِي بَايَعْتُمْ عَلَى الْإِسْلَام , { وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَان بَعْد تَوْكِيدهَا } الْبَيْعَة , فَلَا يَحْمِلكُمْ قِلَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه وَكَثْرَة الْمُشْرِكِينَ أَنْ تَنْقُضُوا الْبَيْعَة الَّتِي بَايَعْتُمْ عَلَى الْإِسْلَام , وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ قِلَّة وَالْمُشْرِكِينَ فِيهِمْ كَثْرَة . وَقَالَ آخَرُونَ : نَزَلَتْ فِي الْحِلْف الَّذِي كَانَ أَهْل الشِّرْك تَحَالَفُوا فِي الْجَاهِلِيَّة , فَأَمَرَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي الْإِسْلَام أَنْ يُوفُوا بِهِ وَلَا يَنْقُضُوهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16507 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَان بَعْد تَوْكِيدهَا } قَالَ : تَغْلِيظهَا فِي الْحِلْف . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه عَنْ وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 16508 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَان بَعْد تَوْكِيدهَا } يَقُول : بَعْد تَشْدِيدهَا وَتَغْلِيظهَا . 16509 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : هَؤُلَاءِ قَوْم كَانُوا حُلَفَاء لِقَوْمٍ تَحَالَفُوا وَأَعْطَى بَعْضهمْ الْعَهْد , فَجَاءَهُمْ قَوْم , فَقَالُوا : نَحْنُ أَكْثَر وَأَعَزّ وَأَمْنَع , فَانْقُضُوا عَهْد هَؤُلَاءِ وَارْجِعُوا إِلَيْنَا ! فَفَعَلُوا , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَان بَعْد تَوْكِيدهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّه عَلَيْكُمْ كَفِيلًا } أَنْ تَكُون أُمَّة هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّة , هِيَ أَرْبَى أَكْثَر مِنْ أَجْل أَنْ كَانَ هَؤُلَاءِ أَكْثَر مِنْ أُولَئِكَ , نَقَضْتُمْ الْعَهْد فِيمَا بَيْنكُمْ وَبَيْن هَؤُلَاءِ , فَكَانَ هَذَا فِي هَذَا . 16510 - حَدَّثَنِي اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : أَخْبَرَنَا نَافِع بْن يَزِيد , قَالَ : سَأَلَتْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ قَوْل اللَّه : { وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَان بَعْد تَوْكِيدهَا } قَالَ : الْعُهُود . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَ فِي هَذِهِ الْآيَة عِبَاده بِالْوَفَاءِ بِعُهُودِهِ الَّتِي يَجْعَلُونَهَا عَلَى أَنْفُسهمْ , وَنَهَاهُمْ عَنْ نَقْضِ الْأَيْمَان بَعْد تَوْكِيدهَا عَلَى أَنْفُسهمْ لِآخَرِينَ بِعُقُودٍ تَكُون بَيْنهمْ بِحَقٍّ مِمَّا لَا يَكْرَههُ اللَّه . وَجَائِز أَنْ تَكُون نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَهْيِهِمْ عَنْ نَقْضِ بَيْعَتهمْ حَذَرًا مِنْ قِلَّة عَدَد الْمُسْلِمِينَ وَكَثْرَة عَدَد الْمُشْرِكِينَ , وَأَنْ تَكُون نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ أَرَادُوا الِانْتِقَال بِحِلْفِهِمْ عَنْ حُلَفَائِهِمْ لِقِلَّةِ عَدَدهمْ فِي آخَرِينَ لِكَثْرَةِ عَدَدهمْ , وَجَائِز أَنْ تَكُون فِي غَيْر ذَلِكَ . وَلَا خَبَر تُنْبَت بِهِ الْحُجَّة أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ دُون شَيْء , وَلَا دَلَالَة فِي كِتَاب وَلَا حُجَّة عَقْل أَيْ ذَلِكَ عُنِيَ بِهَا , وَلَا قَوْل فِي ذَلِكَ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِمَّا قُلْنَا لِدَلَالَةِ ظَاهِره عَلَيْهِ , وَأَنَّ الْآيَة كَانَتْ قَدْ نَزَلَتْ لِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَاب , وَيَكُون الْحُكْم بِهَا عَامًّا فِي كُلّ مَا كَانَ بِمَعْنَى السَّبَب الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ . 16511 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّه عَلَيْكُمْ كَفِيلًا } قَالَ : وَكِيلًا .
وَقَوْله : { إِنَّ اللَّه يَعْلَم مَا تَفْعَلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّه أَيّهَا النَّاس يَعْلَم مَا تَفْعَلُونَ فِي الْعُهُود الَّتِي تُعَاهِدُونَ اللَّه مِنْ الْوَفَاء بِهَا وَالْأَحْلَاف وَالْأَيْمَان الَّتِي تُؤَكِّدُونَهَا عَلَى أَنْفُسكُمْ , أَتَبَرُّونَ فِيهَا أَمْ تَنْقُضُونَهَا وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالكُمْ , مُحْصٍ ذَلِكَ كُلّه عَلَيْكُمْ , وَهُوَ مُسَائِلكُمْ عَنْهَا وَعَمَّا عَمِلْتُمْ فِيهَا , يَقُول : فَاحْذَرُوا اللَّه أَنْ تَلْقَوْهُ وَقَدْ خَالَفْتُمْ فِيهَا أَمْره وَنَهْيه , فَتَسْتَوْجِبُوا بِذَلِكَ مِنْهُ مَا لَا قِبَل لَكُمْ بِهِ مِنْ أَلَم عِقَابه .
وَقَوْله : { إِنَّ اللَّه يَعْلَم مَا تَفْعَلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّه أَيّهَا النَّاس يَعْلَم مَا تَفْعَلُونَ فِي الْعُهُود الَّتِي تُعَاهِدُونَ اللَّه مِنْ الْوَفَاء بِهَا وَالْأَحْلَاف وَالْأَيْمَان الَّتِي تُؤَكِّدُونَهَا عَلَى أَنْفُسكُمْ , أَتَبَرُّونَ فِيهَا أَمْ تَنْقُضُونَهَا وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالكُمْ , مُحْصٍ ذَلِكَ كُلّه عَلَيْكُمْ , وَهُوَ مُسَائِلكُمْ عَنْهَا وَعَمَّا عَمِلْتُمْ فِيهَا , يَقُول : فَاحْذَرُوا اللَّه أَنْ تَلْقَوْهُ وَقَدْ خَالَفْتُمْ فِيهَا أَمْره وَنَهْيه , فَتَسْتَوْجِبُوا بِذَلِكَ مِنْهُ مَا لَا قِبَل لَكُمْ بِهِ مِنْ أَلَم عِقَابه .
وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلهَا مِنْ بَعْد قُوَّة أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانكُمْ دَخَلًا بَيْنكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره نَاهِيًا عِبَاده عَنْ نَقْضِ الْأَيْمَان بَعْد تَوْكِيدهَا , وَآمِرًا بِوَفَاءِ الْعُهُود , وَمُمَثِّلًا نَاقِض ذَلِكَ بِنَاقِضَةِ غَزْلهَا مِنْ بَعْد إِبْرَامه وَنَاكِثَته مِنْ بَعْد إِحْكَامه : وَلَا تَكُونُوا أَيّهَا النَّاس فِي نَقْضِكُمْ أَيْمَانكُمْ بَعْد تَوْكِيدهَا وَإِعْطَائِكُمْ اللَّه بِالْوَفَاءِ بِذَلِكَ الْعُهُود وَالْمَوَاثِيق { كَاَلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلهَا مِنْ بَعْد قُوَّة } يَعْنِي : مِنْ بَعْد إِبْرَام . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يَقُول : الْقُوَّة : مَا غُزِلَ عَلَى طَاقَة وَاحِدَة وَلَمْ يُثْنَ . وَقِيلَ : إِنَّ الَّتِي كَانَتْ تَفْعَل ذَلِكَ اِمْرَأَة حَمْقَاء مَعْرُوفَة بِمَكَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16512 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير : { كَاَلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلهَا مِنْ بَعْد قُوَّة } قَالَ : خَرْقَاء كَانَتْ بِمَكَّة تَنْقُضهُ بَعْد مَا تَبْرُمهُ . 16513 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ صَدَقَة , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلهَا مِنْ بَعْد قُوَّة أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانكُمْ دَخَلًا بَيْنكُمْ } قَالَ : هِيَ خَرْقَاء بِمَكَّة كَانَتْ إِذَا أَبْرَمَتْ غَزْلهَا نَقَضَتْهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِمَنْ نَقَضَ الْعَهْد , فَشَبَّهَهُ بِامْرَأَةٍ تَفْعَل هَذَا الْفِعْل . وَقَالُوا فِي مَعْنَى نَقَضَتْ غَزْلهَا مِنْ بَعْد قُوَّة , نَحْوًا مِمَّا قُلْنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16514 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلهَا مِنْ بَعْد قُوَّة أَنْكَاثًا } فَلَوْ سَمِعْتُمْ بِامْرَأَةٍ نَقَضَتْ غَزْلهَا مِنْ بَعْد إِبْرَامه لَقُلْتُمْ : مَا أَحْمَق هَذِهِ ! وَهَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِمَنْ نَكَثَ عَهْده . 16515 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلهَا مِنْ بَعْد قُوَّة } قَالَ : غَزْلهَا : حَبْلهَا تَنْقُضهُ بَعْد إِبْرَامهَا إِيَّاهُ وَلَا تَنْتَفِع بِهِ بَعْد . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { كَاَلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلهَا مِنْ بَعْد قُوَّة } قَالَ : نَقَضَتْ حَبْلهَا مِنْ بَعْد إِبْرَام قُوَّة . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 16516 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلهَا مِنْ بَعْد قُوَّة أَنْكَاثًا } قَالَ : هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِمَنْ نَقَضَ الْعَهْد الَّذِي يُعْطِيه , ضَرَبَ اللَّه هَذَا لَهُ مَثَلًا بِمَثَلِ الَّتِي غَزَلَتْ ثُمَّ نَقَضَتْ غَزْلهَا , فَقَدْ أَعْطَاهُمْ ثُمَّ رَجَعَ , فَنَكَثَ الْعَهْد الَّذِي أَعْطَاهُمْ . وَقَوْله : { أَنْكَاثًا } يَعْنِي : أَنْقَاضًا , وَكُلّ شَيْء نُقِضَ بَعْد الْفَتْل فَهُوَ أَنْكَاث , وَاحِدهَا : نِكْث حَبْلًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ غَزْلًا , يُقَال مِنْهُ : نَكَثَ فُلَان هَذَا الْحَبْل فَهُوَ يَنْكُثهُ نَكْثًا , وَالْحَبْل مُنْتَكِث : إِذَا اِنْتَقَضَتْ قُوَاهُ . وَإِنَّمَا عُنِيَ بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِع نَكْث الْعَهْد وَالْعَقْد . وَقَوْله : { تَتَّخِذُونَ أَيْمَانكُمْ دَخَلًا بَيْنكُمْ أَنْ تَكُون أُمَّة هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : تَجْعَلُونَ أَيْمَانكُمْ الَّتِي تَحْلِفُونَ بِهَا عَلَى أَنَّكُمْ مُوفُونَ بِالْعَهْدِ لِمَنْ عَاقَدُّتمُوهُ { دَخَلًا } يَقُول : خَدِيعَة وَغُرُورًا لِيَطْمَئِنُّوا إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ مُضْمِرُونَ لَهُمْ الْغَدْر وَتَرْك الْوَفَاء بِالْعَهْدِ وَالنُّقْلَة عَنْهُمْ إِلَى غَيْرهمْ مِنْ أَجْل أَنَّ غَيْرهمْ أَكْثَر عَدَدًا مِنْهُمْ . وَالدَّخَل فِي كَلَام الْعَرَب : كُلّ أَمْر لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا , يُقَال مِنْهُ : أَنَا أَعْلَم دَخَلَ فُلَان وَدُخْلُلَهُ وَدَاخِلَة أَمْره وَدُخْلَته وَدَخِيلَته .
وَأَمَّا قَوْله : { أَنْ تَكُون أُمَّة هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّة } فَإِنَّ قَوْله أَرْبَى : أَفْعَل مِنْ الرِّبَا , يُقَال : هَذَا أَرْبَى مِنْ هَذَا وَأَرْبَأ مِنْهُ , إِذَا كَانَ أَكْثَر مِنْهُ ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : وَأَسْمَرَ خَطِّيّ كَأَنَّ كُعُوبه نَوَى الْقَسْب قَدْ أَرْبَى ذِرَاعًا عَلَى الْعَشْر وَإِنَّمَا يُقَال : أَرْبَى فُلَان مِنْ هَذَا وَذَلِكَ لِلزِّيَادَةِ الَّتِي يَزِيدهَا عَلَى غَرِيمه عَلَى رَأْس مَاله . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16517 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , وَعَلِيّ بْن دَاوُدَ , قَالَا : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَنْ تَكُون أُمَّة هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّة } يَقُول : أَكْثَر . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَنْ تَكُون أُمَّة هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّة } يَقُول : نَاس أَكْثَر مِنْ نَاس . 16518 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { أَنْ تَكُون أُمَّة هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّة } قَالَ : كَانُوا يُحَالِفُونَ الْحُلَفَاء , فَيَجِدُونَ أَكْثَر مِنْهُمْ وَأَعَزّ , فَيَنْقُضُونَ حِلْف هَؤُلَاءِ وَيُحَالِفُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ أَعَزّ مِنْهُمْ , فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ . * حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد . .. * وَحَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 16519 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { تَتَّخِذُونَ أَيْمَانكُمْ دَخَلًا بَيْنكُمْ } يَقُول : خِيَانَة وَغَدْرًا بَيْنكُمْ . { أَنْ تَكُون أُمَّة هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّة } أَنْ يَكُون قَوْم أَعَزّ وَأَكْثَر مِنْ قَوْم . 16520 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا أَبُو ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { دَخَلًا بَيْنكُمْ } قَالَ : خِيَانَة بَيْنكُمْ . 16521 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { تَتَّخِذُونَ أَيْمَانكُمْ دَخَلًا بَيْنكُمْ } يَغُرّ بِهَا , يُعْطِيه الْعَهْد يُؤَمِّنهُ وَيُنْزِلهُ مِنْ مَأْمَنه , فَتَزِلّ قَدَمه وَهُوَ فِي مَأْمَن , ثُمَّ يَعُود يُرِيد الْغَدْر , قَالَ : فَأَوَّل بُدُوّ هَذَا قَوْم كَانُوا حُلَفَاء لِقَوْمٍ تَحَالَفُوا وَأَعْطَى بَعْضهمْ بَعْضًا الْعَهْد , فَجَاءَهُمْ قَوْم قَالُوا : نَحْنُ أَكْثَر وَأَعَزّ وَأَمْنَع , فَانْقُضُوا عَهْد هَؤُلَاءِ وَارْجِعُوا إِلَيْنَا ! فَفَعَلُوا , وَذَلِكَ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَان بَعْد تَوْكِيدهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّه عَلَيْكُمْ كَفِيلًا } { أَنْ تَكُون أُمَّة هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّة } هِيَ أَرْبَى : أَكْثَر مِنْ أَجْل أَنْ كَانُوا هَؤُلَاءِ أَكْثَر مِنْ أُولَئِكَ نَقَضْتُمْ الْعَهْد فِيمَا بَيْنكُمْ وَبَيْن هَؤُلَاءِ , فَكَانَ هَذَا فِي هَذَا , وَكَانَ الْأَمْر الْآخَر فِي الَّذِي يُعَاهِدهُ فَيُنْزِلهُ مِنْ حِصْنه ثُمَّ يَنْكُث عَلَيْهِ , الْآيَة الْأُولَى فِي هَؤُلَاءِ الْقَوْم وَهِيَ مَبْدَؤُهُ , وَالْأُخْرَى فِي هَذَا . 16522 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله : { أَنْ تَكُون أُمَّة هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّة } يَقُول : أَكْثَر , يَقُول : فَعَلَيْكُمْ بِوَفَاءِ الْعَهْد .
وَقَوْله : { إِنَّمَا يَبْلُوكُمْ اللَّه بِهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّمَا يَخْتَبِركُمْ اللَّه بِأَمْرِهِ إِيَّاكُمْ بِالْوَفَاءِ بِعَهْدِ اللَّه إِذَا عَاهَدْتُمْ , لِيَتَبَيَّن الْمُطِيع مِنْكُمْ الْمُنْتَهِي إِلَى أَمْره وَنَهْيه مِنْ الْعَاصِي الْمُخَالِف أَمْره وَنَهْيه .
{ وَلَيُبَيِّنَن لَكُمْ يَوْم الْقِيَامَة مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَيُبَيِّنَن لَكُمْ أَيّهَا النَّاس رَبّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة إِذَا وَرَدْتُمْ عَلَيْهِ بِمُجَازَاةِ كُلّ فَرِيق مِنْكُمْ عَلَى عَمَله فِي الدُّنْيَا , الْمُحْسِن مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ , { مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } وَاَلَّذِي كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ فِي الدُّنْيَا أَنَّ الْمُؤْمِن بِاَللَّهِ كَانَ يُقِرّ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَنُبُوَّة نَبِيّه , وَيُصَدِّق بِمَا اِبْتَعَثَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ , وَكَانَ يُكَذِّب بِذَلِكَ كُلّه الْكَافِر ; فَذَلِكَ كَانَ اِخْتِلَافهمْ فِي الدُّنْيَا الَّذِي وَعَدَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عِبَاده أَنْ يُبَيِّنهُ لَهُمْ عِنْد وُرُودهمْ عَلَيْهِ بِمَا وَصَفْنَا مِنْ الْبَيَان .
وَأَمَّا قَوْله : { أَنْ تَكُون أُمَّة هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّة } فَإِنَّ قَوْله أَرْبَى : أَفْعَل مِنْ الرِّبَا , يُقَال : هَذَا أَرْبَى مِنْ هَذَا وَأَرْبَأ مِنْهُ , إِذَا كَانَ أَكْثَر مِنْهُ ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : وَأَسْمَرَ خَطِّيّ كَأَنَّ كُعُوبه نَوَى الْقَسْب قَدْ أَرْبَى ذِرَاعًا عَلَى الْعَشْر وَإِنَّمَا يُقَال : أَرْبَى فُلَان مِنْ هَذَا وَذَلِكَ لِلزِّيَادَةِ الَّتِي يَزِيدهَا عَلَى غَرِيمه عَلَى رَأْس مَاله . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16517 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , وَعَلِيّ بْن دَاوُدَ , قَالَا : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَنْ تَكُون أُمَّة هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّة } يَقُول : أَكْثَر . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَنْ تَكُون أُمَّة هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّة } يَقُول : نَاس أَكْثَر مِنْ نَاس . 16518 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { أَنْ تَكُون أُمَّة هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّة } قَالَ : كَانُوا يُحَالِفُونَ الْحُلَفَاء , فَيَجِدُونَ أَكْثَر مِنْهُمْ وَأَعَزّ , فَيَنْقُضُونَ حِلْف هَؤُلَاءِ وَيُحَالِفُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ أَعَزّ مِنْهُمْ , فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ . * حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد . .. * وَحَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 16519 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { تَتَّخِذُونَ أَيْمَانكُمْ دَخَلًا بَيْنكُمْ } يَقُول : خِيَانَة وَغَدْرًا بَيْنكُمْ . { أَنْ تَكُون أُمَّة هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّة } أَنْ يَكُون قَوْم أَعَزّ وَأَكْثَر مِنْ قَوْم . 16520 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا أَبُو ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { دَخَلًا بَيْنكُمْ } قَالَ : خِيَانَة بَيْنكُمْ . 16521 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { تَتَّخِذُونَ أَيْمَانكُمْ دَخَلًا بَيْنكُمْ } يَغُرّ بِهَا , يُعْطِيه الْعَهْد يُؤَمِّنهُ وَيُنْزِلهُ مِنْ مَأْمَنه , فَتَزِلّ قَدَمه وَهُوَ فِي مَأْمَن , ثُمَّ يَعُود يُرِيد الْغَدْر , قَالَ : فَأَوَّل بُدُوّ هَذَا قَوْم كَانُوا حُلَفَاء لِقَوْمٍ تَحَالَفُوا وَأَعْطَى بَعْضهمْ بَعْضًا الْعَهْد , فَجَاءَهُمْ قَوْم قَالُوا : نَحْنُ أَكْثَر وَأَعَزّ وَأَمْنَع , فَانْقُضُوا عَهْد هَؤُلَاءِ وَارْجِعُوا إِلَيْنَا ! فَفَعَلُوا , وَذَلِكَ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَان بَعْد تَوْكِيدهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّه عَلَيْكُمْ كَفِيلًا } { أَنْ تَكُون أُمَّة هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّة } هِيَ أَرْبَى : أَكْثَر مِنْ أَجْل أَنْ كَانُوا هَؤُلَاءِ أَكْثَر مِنْ أُولَئِكَ نَقَضْتُمْ الْعَهْد فِيمَا بَيْنكُمْ وَبَيْن هَؤُلَاءِ , فَكَانَ هَذَا فِي هَذَا , وَكَانَ الْأَمْر الْآخَر فِي الَّذِي يُعَاهِدهُ فَيُنْزِلهُ مِنْ حِصْنه ثُمَّ يَنْكُث عَلَيْهِ , الْآيَة الْأُولَى فِي هَؤُلَاءِ الْقَوْم وَهِيَ مَبْدَؤُهُ , وَالْأُخْرَى فِي هَذَا . 16522 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله : { أَنْ تَكُون أُمَّة هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّة } يَقُول : أَكْثَر , يَقُول : فَعَلَيْكُمْ بِوَفَاءِ الْعَهْد .
وَقَوْله : { إِنَّمَا يَبْلُوكُمْ اللَّه بِهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّمَا يَخْتَبِركُمْ اللَّه بِأَمْرِهِ إِيَّاكُمْ بِالْوَفَاءِ بِعَهْدِ اللَّه إِذَا عَاهَدْتُمْ , لِيَتَبَيَّن الْمُطِيع مِنْكُمْ الْمُنْتَهِي إِلَى أَمْره وَنَهْيه مِنْ الْعَاصِي الْمُخَالِف أَمْره وَنَهْيه .
{ وَلَيُبَيِّنَن لَكُمْ يَوْم الْقِيَامَة مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَيُبَيِّنَن لَكُمْ أَيّهَا النَّاس رَبّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة إِذَا وَرَدْتُمْ عَلَيْهِ بِمُجَازَاةِ كُلّ فَرِيق مِنْكُمْ عَلَى عَمَله فِي الدُّنْيَا , الْمُحْسِن مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ , { مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } وَاَلَّذِي كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ فِي الدُّنْيَا أَنَّ الْمُؤْمِن بِاَللَّهِ كَانَ يُقِرّ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَنُبُوَّة نَبِيّه , وَيُصَدِّق بِمَا اِبْتَعَثَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ , وَكَانَ يُكَذِّب بِذَلِكَ كُلّه الْكَافِر ; فَذَلِكَ كَانَ اِخْتِلَافهمْ فِي الدُّنْيَا الَّذِي وَعَدَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عِبَاده أَنْ يُبَيِّنهُ لَهُمْ عِنْد وُرُودهمْ عَلَيْهِ بِمَا وَصَفْنَا مِنْ الْبَيَان .
وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ شَاءَ اللَّه لَجَعَلَكُمْ أُمَّة وَاحِدَة وَلَكِنْ يُضِلّ مَنْ يَشَاء وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء يَشَاء وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْ شَاءَ رَبّكُمْ أَيّهَا النَّاس لَلَطَفَ بِكُمْ بِتَوْفِيَةٍ مِنْ عِنْده , فَصِرْتُمْ جَمِيعًا جَمَاعَة وَاحِدَة وَأَهْل مِلَّة وَاحِدَة لَا تَخْتَلِفُونَ وَلَا تَفْتَرِقُونَ ; وَلَكِنَّهُ تَعَالَى ذِكْره خَالَفَ بَيْنكُمْ فَجَعَلَكُمْ أَهْل مِلَل شَتَّى , بِأَنْ وَفَّقَ هَؤُلَاءِ لِلْإِيمَانِ بِهِ وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ فَكَانُوا مُؤْمِنِينَ , وَخَذَلَ هَؤُلَاءِ فَحَرَمَهُمْ تَوْفِيقه فَكَانُوا كَافِرِينَ , وَلَيَسْأَلَنكُمْ اللَّه جَمِيعًا يَوْم الْقِيَامَة عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فِي الدُّنْيَا فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ , ثُمَّ لَيُجَازِيَنكُمْ جَزَاء الْمُطِيع مِنْكُمْ بِطَاعَتِهِ وَالْعَاصِي لَهُ بِمَعْصِيَتِهِ .
وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ السُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانكُمْ دَخَلًا بَيْنكُمْ فَتَزِلّ قَدَم بَعْد ثُبُوتهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانكُمْ بَيْنكُمْ دَخَلًا وَخَدِيعَة بَيْنكُمْ , تَغُرُّونَ بِهَا النَّاس { فَتَزِلّ قَدَم بَعْد ثُبُوتهَا } يَقُول : فَتَهْلَكُوا بَعْد أَنْ كُنْتُمْ مِنْ الْهَلَاك آمِنِينَ . وَإِنَّمَا هَذَا مَثَل لِكُلِّ مُبْتَلًى بَعْد عَافِيَة , أَوْ سَاقِط فِي وَرْطَة بَعْد سَلَامَة , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ : " زَلَّتْ قَدَمه " , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : سَيَمْنَعُ مِنْك السَّبْق إِنْ كُنْت سَابِقًا وَتُلْطَع إِنْ زَلَّتْ بِك النَّعْلَانِ
وَقَوْله : { وَتَذُوقُوا السُّوء } يَقُول : وَتَذُوقُوا أَنْتُمْ السُّوء ; وَذَلِكَ السُّوء هُوَ عَذَاب اللَّه الَّذِي يُعَذِّب بِهِ أَهْل مَعَاصِيه فِي الدُّنْيَا , وَذَلِكَ بَعْض مَا عُذِّبَ بِهِ أَهْل الْكُفْر .
{ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيل اللَّه } يَقُول : بِمَا فَتَنْتُمْ مَنْ أَرَادَ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله عَنْ الْإِيمَان .
{ وَلَكُمْ عَذَاب عَظِيم } فِي الْآخِرَة , وَذَلِكَ نَار جَهَنَّم . وَهَذِهِ الْآيَة تَدُلّ عَلَى أَنَّ تَأْوِيل بُرَيْدَة الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْهُ فِي قَوْله : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّه إِذَا عَاهَدْتُمْ } وَالْآيَات الَّتِي بَعْدهَا , أَنَّهُ عُنِيَ بِذَلِكَ : الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَام , عَنْ مُفَارَقَة الْإِسْلَام لِقِلَّةِ أَهْله , وَكَثْرَة أَهْل الشِّرْك هُوَ الصَّوَاب , دُون الَّذِي قَالَ مُجَاهِد أَنَّهُمْ عَنَوْا بِهِ , لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي اِنْتِقَال قَوْم تَحَالَفُوا عَنْ حُلَفَائِهِمْ إِلَى آخَرِينَ غَيْرهمْ صَدّ عَنْ سَبِيل اللَّه وَلَا ضَلَال عَنْ الْهُدَى , وَقَدْ وَصَفَ تَعَالَى ذِكْره فِي هَذِهِ الْآيَة فَاعِلِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ بِاِتِّخَاذِهِمْ الْأَيْمَان دَخَلًا بَيْنهمْ وَنَقْضِهِمْ الْأَيْمَان بَعْد تَوْكِيدهَا , صَادُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه , وَأَنَّهُمْ أَهْل ضَلَال فِي الَّتِي قَبْلهَا , وَهَذِهِ صِفَة أَهْل الْكُفْر بِاَللَّهِ لَا صِفَة أَهْل النُّقْلَة بِالْحِلْفِ عَنْ قَوْم إِلَى قَوْم .
وَقَوْله : { وَتَذُوقُوا السُّوء } يَقُول : وَتَذُوقُوا أَنْتُمْ السُّوء ; وَذَلِكَ السُّوء هُوَ عَذَاب اللَّه الَّذِي يُعَذِّب بِهِ أَهْل مَعَاصِيه فِي الدُّنْيَا , وَذَلِكَ بَعْض مَا عُذِّبَ بِهِ أَهْل الْكُفْر .
{ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيل اللَّه } يَقُول : بِمَا فَتَنْتُمْ مَنْ أَرَادَ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله عَنْ الْإِيمَان .
{ وَلَكُمْ عَذَاب عَظِيم } فِي الْآخِرَة , وَذَلِكَ نَار جَهَنَّم . وَهَذِهِ الْآيَة تَدُلّ عَلَى أَنَّ تَأْوِيل بُرَيْدَة الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْهُ فِي قَوْله : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّه إِذَا عَاهَدْتُمْ } وَالْآيَات الَّتِي بَعْدهَا , أَنَّهُ عُنِيَ بِذَلِكَ : الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَام , عَنْ مُفَارَقَة الْإِسْلَام لِقِلَّةِ أَهْله , وَكَثْرَة أَهْل الشِّرْك هُوَ الصَّوَاب , دُون الَّذِي قَالَ مُجَاهِد أَنَّهُمْ عَنَوْا بِهِ , لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي اِنْتِقَال قَوْم تَحَالَفُوا عَنْ حُلَفَائِهِمْ إِلَى آخَرِينَ غَيْرهمْ صَدّ عَنْ سَبِيل اللَّه وَلَا ضَلَال عَنْ الْهُدَى , وَقَدْ وَصَفَ تَعَالَى ذِكْره فِي هَذِهِ الْآيَة فَاعِلِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ بِاِتِّخَاذِهِمْ الْأَيْمَان دَخَلًا بَيْنهمْ وَنَقْضِهِمْ الْأَيْمَان بَعْد تَوْكِيدهَا , صَادُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه , وَأَنَّهُمْ أَهْل ضَلَال فِي الَّتِي قَبْلهَا , وَهَذِهِ صِفَة أَهْل الْكُفْر بِاَللَّهِ لَا صِفَة أَهْل النُّقْلَة بِالْحِلْفِ عَنْ قَوْم إِلَى قَوْم .
وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً إِنَّمَا عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّه ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْد اللَّه هُوَ خَيْر لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَا تَنْقُضُوا عُهُودكُمْ أَيّهَا النَّاس وَعُقُودكُمْ الَّتِي عَاقَدُّتمُوهَا مِنْ عَاقَدْتُمْ مُؤَكِّدِيهَا بِأَيْمَانِكُمْ , تَطْلُبُونَ بِنَقْضِكُمْ ذَلِكَ عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا قَلِيلًا ; وَلَكِنْ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّه الَّذِي أَمَرَكُمْ بِالْوَفَاءِ بِهِ يَثِبكُمْ اللَّه عَلَى الْوَفَاء بِهِ , فَإِنَّ مَا عِنْد اللَّه مِنْ الثَّوَاب لَكُمْ عَلَى الْوَفَاء بِذَلِكَ هُوَ خَيْر لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فَضْل مَا بَيْن الْعِوَضَيْنِ اللَّذَيْنِ أَحَدهمَا الثَّمَن الْقَلِيل الَّذِي تَشْتَرُونَ بِنَقْضِ عَهْد اللَّه فِي الدُّنْيَا ; وَالْآخَر الثَّوَاب الْجَزِيل فِي الْآخِرَة عَلَى الْوَفَاء بِهِ .
مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ↓
ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى ذِكْره فَرْق مَا بَيْن الْعِوَضَيْنِ وَفَضْل مَا بَيْن الثَّوَابَيْنِ , فَقَالَ : مَا عِنْدكُمْ أَيّهَا النَّاس مِمَّا تَتَمَلَّكُونَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنْ كَثُرَ فَنَافِد فَانٍ , وَمَا عِنْد اللَّه لِمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَأَطَاعَهُ مِنْ الْخَيْرَات بَاقٍ غَيْر فَانٍ , فَلِمَا عِنْده فَاعْمَلُوا وَعَلَى الْبَاقِي الَّذِي لَا يَفْنَى فَاحْرِصُوا .
وَقَوْله : { وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرهمْ بِأَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَيُثِيبَن اللَّه الَّذِينَ صَبَرُوا عَلَى طَاعَتهمْ إِيَّاهُ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء , ثَوَابهمْ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى صَبْرهمْ عَلَيْهَا وَمُسَارَعَتهمْ فِي رِضَاهُ , بِأَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ مِنْ الْأَعْمَال دُون أَسْوَئِهَا , وَلَيَغْفِرَن اللَّه لَهُمْ سَيِّئَهَا بِفَضْلِهِ .
وَقَوْله : { وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرهمْ بِأَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَيُثِيبَن اللَّه الَّذِينَ صَبَرُوا عَلَى طَاعَتهمْ إِيَّاهُ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء , ثَوَابهمْ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى صَبْرهمْ عَلَيْهَا وَمُسَارَعَتهمْ فِي رِضَاهُ , بِأَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ مِنْ الْأَعْمَال دُون أَسْوَئِهَا , وَلَيَغْفِرَن اللَّه لَهُمْ سَيِّئَهَا بِفَضْلِهِ .
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَنْ عَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّه , وَأَوْفَى بِعُهُودِ اللَّه إِذَا عَاهَدَ مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى مِنْ بَنِي آدَم { وَهُوَ مُؤْمِن } يَقُول : وَهُوَ مُصَدِّق بِثَوَابِ اللَّه الَّذِي وَعَدَ أَهْل طَاعَته عَلَى الطَّاعَة , وَبِوَعِيدِ أَهْل مَعْصِيَته عَلَى الْمَعْصِيَة ; { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة } . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِي عَنَى اللَّه بِالْحَيَاةِ الطَّيِّبَة الَّتِي وَعَدَ هَؤُلَاءِ الْقَوْم أَنْ يُحْيِيهُمُوهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى أَنَّهُ يُحْيِيهِمْ فِي الدُّنْيَا مَا عَاشُوا فِيهَا بِالرِّزْقِ الْحَلَال . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16523 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن سُمَيْع , عَنْ أَبِي مَالِك , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة } قَالَ : الْحَيَاة الطَّيِّبَة : الرِّزْق الْحَلَال فِي الدُّنْيَا . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن سُمَيْع , عَنْ أَبِي مَالِك وَأَبِي الرَّبِيع , عَنْ اِبْن عَبَّاس , بِنَحْوِهِ . * حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن سُمَيْع , عَنْ أَبِي الرَّبِيع , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة } قَالَ : الرِّزْق الْحَسَن فِي الدُّنْيَا . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن سُمَيْع , عَنْ أَبِي الرَّبِيع , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة } قَالَ : الرِّزْق الطَّيِّب فِي الدُّنْيَا . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْفَضْل بْن دُكَيْن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن سُمَيْع , عَنْ أَبِي الرَّبِيع , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة } قَالَ : الرِّزْق الطَّيِّب فِي الدُّنْيَا . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة } يَعْنِي فِي الدُّنْيَا . 16524 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ الضَّحَّاك : { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة } قَالَ : الرِّزْق الطَّيِّب الْحَلَال . 16525 - حَدَّثَنِي عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل , قَالَ : ثنا عَوْن بْن سَلَّام الْقُرَشِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة } قَالَ : يَأْكُل حَلَالًا وَيَلْبَس حَلَالًا . وَقَالَ آخَرُونَ : { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة } بِأَنْ نَرْزُقهُ الْقَنَاعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16526 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ الْمِنْهَال بْن خَلِيفَة , عَنْ أَبِي خُزَيْمَة سُلَيْمَان التَّمَّار , عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ عَلِيّ : { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة } قَالَ : الْقُنُوع . 16527 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو عِصَام , عَنْ أَبِي سَعِيد , عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ , قَالَ : الْحَيَاة الطَّيِّبَة : الْقَنَاعَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ يَعْنِي بِالْحَيَاةِ الطَّيِّبَة الْحَيَاة مُؤْمِنًا بِاَللَّهِ عَامِلًا بِطَاعَتِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16528 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة } يَقُول : مَنْ عَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا وَهُوَ مُؤْمِن فِي فَاقَة أَوْ مَيْسَرَة , فَحَيَاته طَيِّبَة , وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْر اللَّه فَلَمْ يُؤْمِن وَلَمْ يَعْمَل صَالِحًا , عِيشَته ضَنْكَة لَا خَيْر فِيهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : الْحَيَاة الطَّيِّبَة السَّعَادَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16529 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى وَعَلِيّ بْن دَاوُدَ , قَالَا : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة } قَالَ : السَّعَادَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : الْحَيَاة فِي الْجَنَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16530 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا هَوْذَة , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن : { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة } قَالَ : لَا تَطِيب لِأَحَدٍ حَيَاة دُون الْجَنَّة . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن : { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة } قَالَ : مَا تَطِيب الْحَيَاة لِأَحَدٍ إِلَّا فِي الْجَنَّة . 16531 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة } فَإِنَّ اللَّه لَا يَشَاء عَمَلًا إِلَّا فِي إِخْلَاص , وَيُوجِب عَمَل ذَلِكَ فِي إِيمَان , قَالَ اللَّه تَعَالَى : { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة } وَهِيَ الْجَنَّة . 16532 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة } قَالَ : الْآخِرَة يُحْيِيهِمْ حَيَاة طَيِّبَة فِي الْآخِرَة . 16533 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة } قَالَ : الْحَيَاة الطَّيِّبَة فِي الْآخِرَة : هِيَ الْجَنَّة , تِلْكَ الْحَيَاة الطَّيِّبَة , قَالَ : { وَلَنَجْزِيَنَّهُم أَجْرهمْ بِأَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } وَقَالَ : أَلَا تَرَاهُ يَقُول : { يَا لَيْتَنِي قَدَّمْت لِحَيَاتِي } 89 24 ؟ قَالَ : هَذِهِ آخِرَته . وَقَرَأَ أَيْضًا : { وَإِنَّ الدَّار الْآخِرَة لَهِيَ الْحَيَوَان } 29 64 قَالَ : الْآخِرَة دَار حَيَاة لِأَهْلِ النَّار وَأَهْل الْجَنَّة , لَيْسَ فِيهَا مَوْت لِأَحَدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ . 16534 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , فِي قَوْله : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن } قَالَ : الْإِيمَان : الْإِخْلَاص لِلَّهِ وَحْده , فَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَقْبَل عَمَلًا إِلَّا بِالْإِخْلَاصِ لَهُ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : تَأْوِيل ذَلِكَ : فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة بِالْقَنَاعَةِ ; وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ قَنَعَهُ اللَّه بِمَا قَسَمَ لَهُ مِنْ رِزْق لَمْ يُكْثِر لِلدُّنْيَا تَعَبه وَلَمْ يَعْظُم فِيهَا نَصَبه وَلَمْ يَتَكَدَّر فِيهَا عَيْشه بِاتِّبَاعِهِ بُغْيَة مَا فَاتَهُ مِنْهَا وَحِرْصه عَلَى مَا لَعَلَّهُ لَا يُدْرِكهُ فِيهَا . وَإِنَّمَا قُلْت ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَات فِي ذَلِكَ بِالْآيَةِ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ أَوْعَدَ قَوْمًا قَبْلهَا عَلَى مَعْصِيَتهمْ إِيَّاهُ إِنْ عَصَوْهُ أَذَاقَهُمْ السُّوء فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَاب فِي الْآخِرَة , فَقَالَ تَعَالَى : { وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانكُمْ دَخَلًا بَيْنكُمْ فَتَزِلّ قَدَم بَعْد ثُبُوتهَا وَتَذُوقُوا السُّوء بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيل اللَّه } فَهَذَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا , وَلَهُمْ فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم , فَهَذَا لَهُمْ فِي الْآخِرَة . ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ مَا لِمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِ اللَّه وَأَطَاعَهُ فَقَالَ تَعَالَى : مَا عِنْدكُمْ فِي الدُّنْيَا يَنْفَد , وَمَا عِنْد اللَّه بَاقٍ , فَاَلَّذِي هَذِهِ السَّيِّئَة بِحِكْمَتِهِ أَنْ يُعْقِب ذَلِكَ الْوَعْد لِأَهْلِ طَاعَته بِالْإِحْسَانِ فِي الدُّنْيَا , وَالْغُفْرَان فِي الْآخِرَة , وَكَذَلِكَ فَعَلَ تَعَالَى ذِكْره . وَأَمَّا الْقَوْل الَّذِي رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ الرِّزْق الْحَلَال , فَهُوَ مُحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , مِنْ أَنَّهُ تَعَالَى يُقْنِعهُ فِي الدُّنْيَا بِاَلَّذِي يَرْزُقهُ مِنْ الْحَلَال وَإِنْ قَلَّ فَلَا تَدْعُوهُ نَفْسه إِلَى الْكَثِير مِنْهُ مِنْ غَيْر حِلّه , لَا أَنَّهُ يَرْزُقهُ الْكَثِير مِنْ الْحَلَال , وَذَلِكَ أَنَّ أَكْثَر الْعَامِلِينَ لِلَّهِ تَعَالَى بِمَا يَرْضَاهُ مِنْ الْأَعْمَال لَمْ نَرَهُمْ رُزِقُوا الرِّزْق الْكَثِير مِنْ الْحَلَال فِي الدُّنْيَا , وَوَجَدْنَا ضِيق الْعَيْش عَلَيْهِمْ أَغْلَب مِنْ السَّعَة .
وَقَوْله : { وَلَنَجْزِيَنَّهُم أَجْرهمْ بِأَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } فَذَلِكَ لَا شَكَّ أَنَّهُ فِي الْآخِرَة ; وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16535 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن سُمَيْع , عَنْ أَبِي مَالِك , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَلَنَجْزِيَنَّهُم أَجْرهمْ بِأَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } قَالَ : إِذَا صَارُوا إِلَى اللَّه جَزَاهُمْ أَجْرهمْ بِأَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن سُمَيْع , عَنْ أَبِي مَالِك , وَأَبِي الرَّبِيع , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . 16536 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن سُمَيْع , عَنْ أَبِي الرَّبِيع , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَلَنَجْزِيَنَّهُم أَجْرهمْ } قَالَ : فِي الْآخِرَة . * حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن سَمِيع , عَنْ أَبِي الرَّبِيع , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَلَنَجْزِيَنَّهُم أَجْرهمْ بِأَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } يَقُول : يَجْزِيهِمْ أَجْرهمْ فِي الْآخِرَة بِأَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . وَقِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ بِسَبَبِ قَوْم مِنْ أَهْل مِلَل شَتَّى تَفَاخَرُوا , فَقَالَ أَهْل كُلّ مِلَّة مِنْهَا : نَحْنُ أَفْضَل , فَبَيَّنَ اللَّه لَهُمْ أَفْضَل أَهْل الْمِلَل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16537 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَعْلَى بْن عُبَيْد , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ أَبِي صَالِح , قَالَ : جَلَسَ نَاس مِنْ أَهْل الْأَوْثَان وَأَهْل التَّوْرَاة وَأَهْل الْإِنْجِيل , فَقَالَ هَؤُلَاءِ : نَحْنُ أَفْضَل ! وَقَالَ هَؤُلَاءِ : نَحْنُ أَفْضَل ! فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة وَلَنَجْزِيَنَّهُم أَجْرهمْ بِأَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
وَقَوْله : { وَلَنَجْزِيَنَّهُم أَجْرهمْ بِأَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } فَذَلِكَ لَا شَكَّ أَنَّهُ فِي الْآخِرَة ; وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16535 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن سُمَيْع , عَنْ أَبِي مَالِك , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَلَنَجْزِيَنَّهُم أَجْرهمْ بِأَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } قَالَ : إِذَا صَارُوا إِلَى اللَّه جَزَاهُمْ أَجْرهمْ بِأَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن سُمَيْع , عَنْ أَبِي مَالِك , وَأَبِي الرَّبِيع , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . 16536 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن سُمَيْع , عَنْ أَبِي الرَّبِيع , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَلَنَجْزِيَنَّهُم أَجْرهمْ } قَالَ : فِي الْآخِرَة . * حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن سَمِيع , عَنْ أَبِي الرَّبِيع , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَلَنَجْزِيَنَّهُم أَجْرهمْ بِأَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } يَقُول : يَجْزِيهِمْ أَجْرهمْ فِي الْآخِرَة بِأَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . وَقِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ بِسَبَبِ قَوْم مِنْ أَهْل مِلَل شَتَّى تَفَاخَرُوا , فَقَالَ أَهْل كُلّ مِلَّة مِنْهَا : نَحْنُ أَفْضَل , فَبَيَّنَ اللَّه لَهُمْ أَفْضَل أَهْل الْمِلَل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16537 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَعْلَى بْن عُبَيْد , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ أَبِي صَالِح , قَالَ : جَلَسَ نَاس مِنْ أَهْل الْأَوْثَان وَأَهْل التَّوْرَاة وَأَهْل الْإِنْجِيل , فَقَالَ هَؤُلَاءِ : نَحْنُ أَفْضَل ! وَقَالَ هَؤُلَاءِ : نَحْنُ أَفْضَل ! فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة وَلَنَجْزِيَنَّهُم أَجْرهمْ بِأَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِذَا قَرَأْت الْقُرْآن فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَإِذَا كُنْت يَا مُحَمَّد قَارِئًا الْقُرْآن , فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يَزْعُم أَنَّهُ مِنْ الْمُؤَخَّر الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيم . وَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام عِنْده : وَإِذَا اِسْتَعَذْت بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم , فَاقْرَأْ الْقُرْآن . وَلَا وَجْه لِمَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ , لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ مَتَى اِسْتَعَاذَ مُسْتَعِيذ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم لَزِمَهُ أَنْ يَقْرَأ الْقُرْآن , وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ مَا وَصَفْنَاهُ . وَلَيْسَ قَوْله : { فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم } بِالْأَمْرِ اللَّازِم , وَإِنَّمَا هُوَ إِعْلَام وَنَدْب ; وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَاف بَيْن الْجَمِيع أَنَّ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآن وَلَمْ يَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم قَبْل قِرَاءَته أَوْ بَعْدهَا أَنَّهُ لَمْ يُضَيِّع فَرْضًا وَاجِبًا . وَكَانَ اِبْن زَيْد يَقُول فِي ذَلِكَ نَحْو الَّذِي قُلْنَا . 16538 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَإِذَا قَرَأْت الْقُرْآن فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم } قَالَ : فَهَذَا دَلِيل مِنْ اللَّه تَعَالَى دَلَّ عِبَاده عَلَيْهِ .
وَأَمَّا قَوْله : { إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَان عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبّهمْ يَتَوَكَّلُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ : أَنَّ الشَّيْطَان لَيْسَتْ لَهُ حُجَّة عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَ اللَّه بِهِ وَانْتَهَوْا عَمَّا نَهَاهُمْ اللَّه عَنْهُ . { وَعَلَى رَبّهمْ يَتَوَكَّلُونَ } يَقُول : وَعَلَى رَبّهمْ يَتَوَكَّلُونَ فِيمَا نَابَهُمْ مِنْ مُهِمَّات أُمُورهمْ .
{ إِنَّمَا سُلْطَانه عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ } يَقُول : إِنَّمَا حُجَّته عَلَى الَّذِينَ يَعْبُدُونَهُ , { وَاَلَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ } يَقُول : وَاَلَّذِينَ هُمْ بِاَللَّهِ مُشْرِكُونَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16539 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إِنَّمَا سُلْطَانه } قَالَ : حُجَّته . 16540 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { إِنَّمَا سُلْطَانه عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ } قَالَ : يُطِيعُونَهُ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْله لَمْ يُسَلَّط فِيهِ الشَّيْطَان عَلَى الْمُؤْمِن . فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 16541 - حُدِّثْت عَنْ وَاقِد بْن سُلَيْمَان , عَنْ سُفْيَان , فِي قَوْله : { إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَان عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبّهمْ يَتَوَكَّلُونَ } قَالَ : لَيْسَ لَهُ سُلْطَان عَلَى أَنْ يَحْمِلهُمْ عَلَى ذَنْب لَا يُغْفَر . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الِاسْتِعَاذَة , فَإِنَّهُ إِذَا اِسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ مُنِعَ مِنْهُ وَلَمْ يُسَلَّط عَلَيْهِ . وَاسْتُشْهِدَ لِصِحَّةِ قَوْله ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى : { وَإِمَّا يَنْزَغَنك مِنْ الشَّيْطَان نَزْغ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ إِنَّهُ سَمِيع عَلِيم } 7 200 وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة بِذَلِكَ فِي سُورَة الْحِجْر . وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ , بِمَا : 16542 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , فِي قَوْله : { أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَان عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبّهمْ يَتَوَكَّلُونَ } إِلَى قَوْله : { وَاَلَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ } يُقَال : إِنَّ عَدُوّ اللَّه إِبْلِيس قَالَ : { لَأُغْوِيَنهمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادك مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ } 38 82 : 83 فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَمْ يُجْعَل لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِمْ سَبِيل , وَإِنَّمَا سُلْطَانه عَلَى قَوْم اِتَّخَذُوهُ وَلِيًّا وَأَشْرَكُوهُ فِي أَعْمَالهمْ . 16543 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَان عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبّهمْ يَتَوَكَّلُونَ } يَقُول : السُّلْطَان عَلَى مَنْ تَوَلَّى الشَّيْطَان وَعَمِلَ بِمَعْصِيَةِ اللَّه . 16544 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّمَا سُلْطَانه عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ } يَقُول : الَّذِينَ يُطِيعُونَهُ وَيَعْبُدُونَهُ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَان عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا فَاسْتَعَاذُوا بِاَللَّهِ مِنْهُ , بِمَا نَدَبَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره مِنْ الِاسْتِعَاذَة ; { وَعَلَى رَبّهمْ يَتَوَكَّلُونَ } عَلَى مَا عَرَضَ لَهُمْ مِنْ خَطَرَاته وَوَسَاوِسه . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَات بِالْآيَةِ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ أَتْبَعَ هَذَا الْقَوْل : { فَإِذَا قَرَأْت الْقُرْآن فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم } وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر : { وَإِمَّا يَنْزَغَنك مِنْ الشَّيْطَان نَزْغ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ إِنَّهُ سَمِيع عَلِيم } 7 200 فَكَانَ بَيَّنَّا بِذَلِكَ أَنَّهُ إِنَّمَا نَدَبَ عِبَاده إِلَى الِاسْتِعَاذَة مِنْهُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَال لِيُعِيذَهُمْ مِنْ سُلْطَانه . وَأَمَّا قَوْله : { وَاَلَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ فِيهِ بِمَا قُلْنَا إِنَّ مَعْنَاهُ : وَاَلَّذِينَ هُمْ بِاَللَّهِ مُشْرِكُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16545 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَاَلَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ } قَالَ : يَعْدِلُونَ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَاَلَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ } قَالَ : يَعْدِلُونَ بِاَللَّهِ . 16546 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : فِي قَوْله : { وَاَلَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ } عَدَلُوا إِبْلِيس بِرَبِّهِمْ , فَإِنَّهُمْ بِاَللَّهِ مُشْرِكُونَ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَاَلَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ , أَشْرَكُوا الشَّيْطَان فِي أَعْمَالهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16547 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَاَلَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ } أَشْرَكُوهُ فِي أَعْمَالهمْ . وَالْقَوْل الْأَوَّل , أَعْنِي قَوْل مُجَاهِد , أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ ; وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ الشَّيْطَان إِنَّمَا يُشْرِكُونَهُ بِاَللَّهِ فِي عِبَادَتهمْ وَذَبَائِحهمْ وَمَطَاعِمهمْ وَمَشَارِبهمْ , لَا أَنَّهُمْ يُشْرِكُونَ بِالشَّيْطَانِ . وَلَوْ كَانَ مَعْنَى الْكَلَام مَا قَالَهُ الرَّبِيع , لَكَانَ التَّنْزِيل : الَّذِينَ هُمْ مُشْرِكُوهُ , وَلَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَام " بِهِ " , فَكَانَ يَكُون لَوْ كَانَ التَّنْزِيل كَذَلِكَ : وَاَلَّذِينَ هُمْ مُشْرِكُوهُ فِي أَعْمَالهمْ , إِلَّا أَنْ يُوَجِّه مُوَجِّه مَعْنَى الْكَلَام إِلَى أَنَّ الْقَوْم كَانُوا يَدِينُونَ بِأُلُوهَةِ الشَّيْطَان وَيُشْرِكُونَ اللَّه بِهِ فِي عِبَادَتهمْ إِيَّاهُ , فَيَصِحّ حِينَئِذٍ مَعْنَى الْكَلَام , وَيَخْرُج عَمَّا جَاءَ التَّنْزِيل بِهِ فِي سَائِر الْقُرْآن ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى وَصَفَ الْمُشْرِكِينَ فِي سَائِر سُوَر الْقُرْآن أَنَّهُمْ أَشْرَكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنْزِل بِهِ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا , وَقَالَ فِي كُلّ مَوْضِع تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ بِالزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ : لَا تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا , وَلَمْ نَجِد فِي شَيْء مِنْ التَّنْزِيل : لَا تُشْرِكُوا اللَّه بِشَيْءٍ , وَلَا فِي شَيْء مِنْ الْقُرْآن خَبَرًا مِنْ اللَّه عَنْهُمْ أَنَّهُمْ أَشْرَكُوا اللَّه بِشَيْءٍ فَيَجُوز لَنَا تَوْجِيه مَعْنَى قَوْله : { وَاَلَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ } إِلَى وَاَلَّذِينَ هُمْ بِالشَّيْطَانِ مُشْرِكُو اللَّه . فَبَيَّنَ إِذًا إِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَنَّ الْهَاء فِي قَوْله : { وَاَلَّذِينَ هُمْ بِهِ } عَائِدَة عَلَى " الرَّبّ " فِي قَوْله : { وَعَلَى رَبّهمْ يَتَوَكَّلُونَ }
وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَة مَكَان آيَة وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا يُنَزِّل قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا نَسَخْنَا حُكْم آيَة فَأَبْدَلْنَا مَكَانه حُكْم أُخْرَى , { وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا يُنَزِّل } يَقُول : وَاَللَّه أَعْلَم بِاَلَّذِي هُوَ أَصْلَح لِخَلْقِهِ فِيمَا يُبَدِّل وَيُغَيِّر مِنْ أَحْكَامه , { قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ } يَقُول : قَالَ الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ الْمُكَذِّبُو رَسُوله لِرَسُولِهِ : إِنَّمَا أَنْتَ يَا مُحَمَّد مُفْتَرٍ ; أَيْ مُكَذِّب تَخْرَص بِتَقَوُّلِ الْبَاطِل عَلَى اللَّه . يَقُول اللَّه تَعَالَى : بَلْ أَكْثَر هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ لَك يَا مُحَمَّد إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ جُهَّال بِأَنَّ الَّذِي تَأْتِيهِمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه نَاسِخه وَمَنْسُوخه لَا يَعْلَمُونَ حَقِيقَة صِحَّته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَة مَكَان آيَة } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16548 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَة مَكَان آيَة } رَفَعْنَاهَا فَأَنْزَلْنَا غَيْرهَا . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَة مَكَان آيَة } قَالَ : نَسَخْنَاهَا , بَدَّلْنَاهَا , رَفَعْنَاهَا , وَأَثْبَتْنَا غَيْرهَا . 16549 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَة مَكَان آيَة } هُوَ كَقَوْلِهِ : { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ نُنْسِهَا } 2 106 16550 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَة مَكَان آيَة } قَالُوا : إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ , تَأْتِي بِشَيْءٍ وَتَنْقُضهُ , فَتَأْتِي بِغَيْرِهِ . قَالَ : وَهَذَا التَّبْدِيل نَاسِخ , وَلَا نُبَدِّل آيَة مَكَان آيَة إِلَّا بِنَسْخٍ .
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ نَزَّلَهُ رُوح الْقُدُس مِنْ رَبّك بِالْحَقِّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلْقَائِلِينَ لَك إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ فِيمَا تَتْلُو عَلَيْهِمْ مِنْ آي كِتَابنَا : أَنْزَلَهُ رُوح الْقُدُس ; يَقُول : قُلْ جَاءَ بِهِ جَبْرَائِيل مِنْ عِنْد رَبِّي بِالْحَقِّ . وَقَدْ بَيَّنْت فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع مَعْنَى رُوح الْقُدُس , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16551 - حَدَّثَنِي عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن عَوْن الْعُمَرِيّ , عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدَة الرَّبَذِيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب , قَالَ : رُوح الْقُدُس : جَبْرَائِيل .
وَقَوْله : { لِيُثَبِّت الَّذِينَ آمَنُوا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ نَزَّلَ هَذَا الْقُرْآن نَاسِخه وَمَنْسُوخه رُوح الْقُدُس عَلَيَّ مِنْ رَبِّي , تَثْبِيتًا لِلْمُؤْمِنِينَ وَتَقْوِيَة لِإِيمَانِهِمْ , لِيَزْدَادُوا بِتَصْدِيقِهِمْ لِنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخه إِيمَانًا لِإِيمَانِهِمْ وَهُدًى لَهُمْ مِنْ الضَّلَالَة , وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ اِسْتَسْلَمُوا لِأَمْرِ اللَّه وَانْقَادُوا لِأَمْرِهِ وَنَهْيه وَمَا أَنْزَلَهُ فِي آي كِتَابه , فَأَقَرُّوا بِكُلِّ ذَلِكَ وَصَدَّقُوا بِهِ قَوْلًا وَعَمَلًا .
وَقَوْله : { لِيُثَبِّت الَّذِينَ آمَنُوا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ نَزَّلَ هَذَا الْقُرْآن نَاسِخه وَمَنْسُوخه رُوح الْقُدُس عَلَيَّ مِنْ رَبِّي , تَثْبِيتًا لِلْمُؤْمِنِينَ وَتَقْوِيَة لِإِيمَانِهِمْ , لِيَزْدَادُوا بِتَصْدِيقِهِمْ لِنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخه إِيمَانًا لِإِيمَانِهِمْ وَهُدًى لَهُمْ مِنْ الضَّلَالَة , وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ اِسْتَسْلَمُوا لِأَمْرِ اللَّه وَانْقَادُوا لِأَمْرِهِ وَنَهْيه وَمَا أَنْزَلَهُ فِي آي كِتَابه , فَأَقَرُّوا بِكُلِّ ذَلِكَ وَصَدَّقُوا بِهِ قَوْلًا وَعَمَلًا .
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ نَعْلَم أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمهُ بَشَر لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ نَعْلَم أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَقُولُونَ جَهْلًا مِنْهُمْ : إِنَّمَا يُعَلِّم مُحَمَّدًا هَذَا الَّذِي يَتْلُوهُ بَشَر مِنْ بَنِي آدَم , وَمَا هُوَ مِنْ عِنْد اللَّه . يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره مُكَذِّبهمْ فِي قِيلهمْ ذَلِكَ : أَلَا تَعْلَمُونَ كَذِب مَا تَقُولُونَ ؟ إِنَّ لِسَان الَّذِي تُلْحِدُونَ إِلَيْهِ , يَقُول : تَمِيلُونَ إِلَيْهِ . بِأَنَّهُ يُعَلِّم مُحَمَّدًا , أَعْجَمِيّ . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ فِيمَا ذُكِرَ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ الَّذِي يُعَلِّم مُحَمَّدًا هَذَا الْقُرْآن عَبْد رُومِيّ , فَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } يَقُول : وَهَذَا الْقُرْآن لِسَان عَرَبِيّ مُبِين . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى اِخْتِلَاف مِنْهُمْ فِي اِسْم الَّذِي كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ يُعَلِّم مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْقُرْآن مِنْ الْبَشَر , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ اِسْمه بَلْعَام , وَكَانَ قَيْنًا بِمَكَّة نَصْرَانِيًّا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16552 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن مُحَمَّد الطُّوسِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَان , عَنْ مُسْلِم بْن عَبْد اللَّه الْمُلَائِيّ , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّم قَيْنًا بِمَكَّة , وَكَانَ أَعْجَمِيّ اللِّسَان , وَكَانَ اِسْمه بَلْعَام , فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَرَوْنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين يَدْخُل عَلَيْهِ وَحِين يَخْرُج مِنْ عِنْده , فَقَالُوا : إِنَّمَا يُعَلِّمهُ بَلْعَام ! فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَلَقَدْ نَعْلَم أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمهُ بَشَر لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } وَقَالَ آخَرُونَ : اِسْمه يَعِيش . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16553 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَبِيب , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يُقْرِئ غُلَامًا لِبَنِي الْمُغِيرَة أَعْجَمِيًّا - قَالَ سُفْيَان : أَرَاهُ يُقَال لَهُ : يَعِيش - قَالَ : فَذَلِكَ قَوْله : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } 16554 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَقَدْ نَعْلَم أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمهُ بَشَر } وَقَدْ قَالَتْ قُرَيْش : إِنَّمَا يُعَلِّمهُ بَشَر , عَبْد لِبَنِي الْحَضْرَمِيّ يُقَال لَهُ يَعِيش , قَالَ اللَّه تَعَالَى : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } وَكَانَ يَعِيش يَقْرَأ الْكُتُب . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ اِسْمه جَبْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16555 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنِي كَثِيرًا مَا يَجْلِس عِنْد الْمَرْوَة إِلَى غُلَام نَصْرَانِيّ يُقَال لَهُ جَبْر , عَبْد لِبَنِي بَيَاضَة الْحَضْرَمِيّ , فَكَانُوا يَقُولُونَ : وَاَللَّه مَا يُعَلِّم مُحَمَّدًا كَثِيرًا مِمَّا يَأْتِي بِهِ إِلَّا جَبْر النَّصْرَانِيّ غُلَام الْحَضْرَمِيّ ! فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى فِي قَوْلهمْ : { وَلَقَدْ نَعْلَم أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمهُ بَشَر لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } 16556 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : كَانُوا يَقُولُونَ : إِنَّمَا يُعَلِّمهُ نَصْرَانِيّ عَلَى الْمَرْوَة , وَيُعَلِّم مُحَمَّدًا رُومِيّ يَقُولُونَ اِسْمه جَبْر وَكَانَ صَاحِب كُتُب عَبْد لِابْنِ الْحَضْرَمِيّ , قَالَ اللَّه تَعَالَى : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ } قَالَ : وَهَذَا قَوْل قُرَيْش إِنَّمَا يُعَلِّمهُ بَشَر , قَالَ اللَّه تَعَالَى : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ اللَّه أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَا غُلَامَيْنِ اِسْم أَحَدهمَا يَسَار وَالْآخَر جَبْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16557 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ حُصَيْن , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُسْلِم الْحَضْرَمِيّ : أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ عَبْدَانِ مِنْ أَهْل عِير الْيَمَن , وَكَانَا طِفْلَيْنِ , وَكَانَ يُقَال لِأَحَدِهِمَا يَسَار وَالْآخَر جَبْر , فَكَانَا يَقْرَآنِ التَّوْرَاة , وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُبَّمَا جَلَسَ إِلَيْهِمَا , فَقَالَ كُفَّار قُرَيْش : إِنَّمَا يَجْلِس إِلَيْهِمَا يَتَعَلَّم مِنْهُمَا , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مَعْن بْن أَسَد , قَالَ : ثنا خَالِد بْن عَبْد اللَّه , عَنْ حُصَيْن , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُسْلِم الْحَضْرَمِيّ , نَحْوه . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ حُصَيْن , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُسْلِم , قَالَ : كَانَ لَنَا غُلَامَانِ فَكَانَ يَقْرَآنِ كِتَابًا لَهُمَا بِلِسَانِهِمَا , فَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُرّ عَلَيْهِمَا , فَيَقُوم يَسْتَمِع مِنْهُمَا , فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : يَتَعَلَّم مِنْهُمَا , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى مَا كَذَّبَهُمْ بِهِ , فَقَالَ : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ اللَّه أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ ذَلِكَ سَلْمَان الْفَارِسِيّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16558 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ اللَّه أَعْجَمِيّ } كَانُوا يَقُولُونَ : إِنَّمَا يُعَلِّمهُ سَلْمَان الْفَارِسِيّ . 16559 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَقَدْ نَعْلَم أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمهُ بَشَر } قَالَ : قَوْل كُفَّار قُرَيْش : إِنَّمَا يُعَلِّم مُحَمَّدًا عَبْد اِبْن الْحَضْرَمِيّ , وَهُوَ صَاحِب كِتَاب , يَقُول اللَّه : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } وَقِيلَ : إِنَّ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ رَجُل كَاتِب لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِرْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16560 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس , عَنْ اِبْن شِهَاب , قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيد بْن الْمُسَيَّب : أَنَّ الَّذِي ذَكَرَ اللَّه إِنَّمَا يُعَلِّمهُ بَشَر إِنَّمَا اُفْتُتِنَ إِنَّهُ كَانَ يَكْتُب الْوَحْي , فَكَانَ يُمْلِي عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " سَمِيع عَلِيم " أَوْ " عَزِيز حَكِيم " وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ خَوَاتِم الْآي , ثُمَّ يَشْتَغِل عَنْهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْوَحْي , فَيَسْتَفْهِم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَقُول : أَعَزِيز حَكِيم , أَوْ سَمِيع عَلِيم , أَوْ عَزِيز عَلِيم ؟ فَيَقُول رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيّ ذَلِكَ كَتَبْت فَهُوَ كَذَلِكَ " . فَفَتَنَهُ ذَلِكَ , فَقَالَ : إِنَّ مُحَمَّدًا يَكِل ذَلِكَ إِلَيَّ , فَأَكْتُب مَا شِئْت . وَهُوَ الَّذِي ذُكِرَ فِي سَعِيد بْن الْمُسَيَّب مِنْ الْحُرُوف السَّبْعَة . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { يُلْحِدُونَ } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ } بِضَمِّ الْيَاء مِنْ أَلْحَدَ يُلْحِد إِلْحَادًا , بِمَعْنَى يَعْتَرِضُونَ وَيَعْدِلُونَ إِلَيْهِ وَيَعْرُجُونَ إِلَيْهِ ; مِنْ قَوْل الشَّاعِر : قَدْنِيَ مِنْ نَصْر الْخُبَيْبَيْنِ قَدِي لَيْسَ أَمِيرِي بِالشَّحِيحِ الْمُلْحِد وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة : " لِسَان الَّذِي يَلْحِدُونَ إِلَيْهِ " بِفَتْحِ الْيَاء , يَعْنِي : يَمِيلُونَ إِلَيْهِ , مِنْ لَحَدَ فُلَان إِلَى هَذَا الْأَمْر يَلْحِد لَحْدًا وَلُحُودًا . وَهُمَا عِنْدِي لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب فِيهِمَا الصَّوَاب . وَقِيلَ : { وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } يَعْنِي : الْقُرْآن كَمَا تَقُول الْعَرَب لِقَصِيدَةِ مِنْ الشِّعْر يَعْرِضهَا الشَّاعِر : هَذَا لِسَان فُلَان , تُرِيد قَصِيدَته ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : لِسَان السُّوء تُهْدِيهَا إِلَيْنَا وَحِنْت وَمَا حَسِبْتُك أَنْ تَحِينَا يَعْنِي بِاللِّسَانِ الْقَصِيدَة وَالْكَلِمَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّه لَا يَهْدِيهِمْ اللَّه وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم } يَقُول تَعَالَى : إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِحُجَجِ اللَّه وَأَدِلَّته فَيُصَدِّقُونَ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ , { لَا يَهْدِيهِمْ اللَّه } يَقُول : لَا يُوَفِّقهُمْ اللَّه لِإِصَابَةِ الْحَقّ وَلَا يَهْدِيهِمْ لِسَبِيلِ الرُّشْد فِي الدُّنْيَا , وَلَهُمْ فِي الْآخِرَة وَعِنْد اللَّه إِذَا وَرَدُوا عَلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة عَذَاب مُؤْلِم مُوجِع .
إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ↓
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ , أَنَّهُمْ هُمْ أَهْل الْفِرْيَة وَالْكَذِب , لَا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِهِ , وَبَرَّأَ مِنْ ذَلِكَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , فَقَالَ : إِنَّمَا يَتَخَرَّص الْكَذِب وَيَتَقَوَّل الْبَاطِل , الَّذِينَ لَا يُصَدِّقُونَ بِحُجَجِ اللَّه وَإِعْلَامه ; لِأَنَّهُمْ لَا يَرْجُونَ عَلَى الصِّدْق ثَوَابًا وَلَا يَخَافُونَ عَلَى الْكَذِب عِقَابًا , فَهُمْ أَهْل الْإِفْك وَافْتِرَاء الْكَذِب , لَا مَنْ كَانَ رَاجِيًا مِنْ اللَّه عَلَى الصِّدْق الثَّوَاب الْجَزِيل , وَخَائِفًا عَلَى الْكَذِب الْعِقَاب الْأَلِيم . وَقَوْله :
{ وَأُولَئِكَ هُمْ الْكَاذِبُونَ } يَقُول : وَاَلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّه هُمْ أَهْل الْكَذِب لَا الْمُؤْمِنُونَ .
{ وَأُولَئِكَ هُمْ الْكَاذِبُونَ } يَقُول : وَاَلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّه هُمْ أَهْل الْكَذِب لَا الْمُؤْمِنُونَ .
مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْد إِيمَانه إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبه مُطْمَئِنّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَب مِنْ اللَّه وَلَهُمْ عَذَاب عَظِيم } اِخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي الْعَامِل فِي " مَنْ " مِنْ قَوْله : { مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ } وَمِنْ قَوْله : { وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا } , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : صَارَ قَوْله : { فَعَلَيْهِمْ } خَبَرًا لِقَوْلِهِ : { وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا } , وَقَوْله : { مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْد إِيمَانه } فَأَخْبَرَ لَهُمْ بِخَبَرٍ وَاحِد , وَكَانَ ذَلِكَ يَدُلّ عَلَى الْمَعْنَى . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : إِنَّمَا هَذَانِ جُزْءَانِ اِجْتَمَعَا , أَحَدهمَا مُنْعَقِد بِالْآخَرِ , فَجَوَابهمَا وَاحِد كَقَوْلِ الْقَائِل : مَنْ يَأْتِنَا فَمَنْ يُحْسِن نُكْرِمهُ , بِمَعْنَى : مَنْ يُحْسِن مِمَّنْ يَأْتِنَا نُكْرِمهُ . قَالَ : وَكَذَلِكَ كُلّ جَزَاءَيْنِ اِجْتَمَعَا الثَّانِي مُنْعَقِد بِالْأَوَّلِ , فَالْجَوَاب لَهُمَا وَاحِد . وَقَالَ آخَر مِنْ أَهْل الْبَصْرَة : بَلْ قَوْله : { مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ } مَرْفُوع بِالرَّدِّ عَلَى " الَّذِينَ " فِي قَوْله : { إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِب الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّه } ; وَمَعْنَى الْكَلَام عِنْده : إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِب مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْد إِيمَانه , إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَقَلْبه مُطْمَئِنّ بِالْإِيمَانِ . وَهَذَا قَوْل لَا وَجْه لَهُ ; وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ قَائِل هَذَا الْقَوْل , لَكَانَ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ أَخْرَجَ مِمَّنْ اِفْتَرَى الْكَذِب فِي هَذِهِ الْآيَة الَّذِينَ وُلِدُوا عَلَى الْكُفْر وَأَقَامُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يُؤْمِنُوا قَطُّ , وَخَصَّ بِهِ الَّذِينَ قَدْ كَانُوا آمَنُوا فِي حَال , ثُمَّ رَاجَعُوا الْكُفْر بَعْد الْإِيمَان ; وَالتَّنْزِيل يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُخَصِّص بِذَلِكَ هَؤُلَاءِ دُون سَائِر الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى الشِّرْك مُقِيمِينَ , وَذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ خَبَر قَوْم مِنْهُمْ أَضَافُوا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِفْتِرَاء الْكَذِب , فَقَالَ : { وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَة مَكَان آيَة وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا يُنَزِّل قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ , بَلْ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ } 16 101 وَكَذَبَ جَمِيع الْمُشْرِكِينَ بِافْتِرَائِهِمْ عَلَى اللَّه وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ أَحَقّ بِهَذِهِ الصِّفَة مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : { إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِب الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّه وَأُولَئِكَ هُمْ الْكَاذِبُونَ } . وَلَوْ كَانَ الَّذِينَ عَنَوْا بِهَذِهِ الْآيَة هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ مِنْ بَعْد إِيمَانهمْ , وَجَبَ أَنْ يَكُون الْقَائِلُونَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ حِين بَدَّلَ اللَّه آيَة مَكَان آيَة , كَانُوا هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ بَعْد الْإِيمَان خَاصَّة دُون غَيْرهمْ مِنْ سَائِر الْمُشْرِكِينَ ; لِأَنَّ هَذِهِ فِي سِيَاق الْخَبَر عَنْهُمْ , وَذَلِكَ قَوْل إِنْ قَالَهُ قَائِل فَبَيِّن فَسَاده مَعَ خُرُوجه عَنْ تَأْوِيل جَمِيع أَهْل الْعِلْم بِالتَّأْوِيلِ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ الرَّافِع " مَنْ " الْأُولَى وَالثَّانِيَة , قَوْله : { فَعَلَيْهِمْ غَضَب مِنْ اللَّه } وَالْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ فِي حُرُوف الْجَزَاء إِذَا اِسْتَأْنَفَتْ أَحَدهمَا عَلَى آخَر . وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي عَمَّار بْن يَاسِر وَقَوْم كَانُوا أَسْلَمُوا فَفَتَنَهُمْ الْمُشْرِكُونَ عَنْ دِينهمْ , فَثَبَتَ عَلَى الْإِسْلَام بَعْضهمْ وَافْتُتِنَ بَعْض . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16561 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْد إِيمَانه إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبه مُطْمَئِنّ بِالْإِيمَانِ } . .. إِلَى آخِر الْآيَة . وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَصَابُوا عَمَّار بْن يَاسِر فَعَذَّبُوهُ , ثُمَّ تَرَكُوهُ , فَرَجَعَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثَهُ بِاَلَّذِي لَقِيَ مِنْ قُرَيْش وَاَلَّذِي قَالَ ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عُذْره : { مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْد إِيمَانه } . .. إِلَى قَوْله : { وَلَهُمْ عَذَاب عَظِيم } 16562 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْد إِيمَانه إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبه مُطْمَئِنّ بِالْإِيمَانِ } قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَمَّار بْن يَاسِر , أَخَذَهُ بَنُو الْمُغِيرَة فَغَطَّوْهُ فِي بِئْر مَيْمُون وَقَالُوا : اُكْفُرْ بِمُحَمَّدٍ ! فَتَابَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَقَلْبه كَارِه , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبه مُطْمَئِنّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا } : أَيْ مَنْ أَتَى الْكُفْر عَلَى اِخْتِيَار وَاسْتِحْبَاب , { فَعَلَيْهِمْ غَضَب مِنْ اللَّه وَلَهُمْ عَذَاب عَظِيم } 16563 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ عَبْد الْكَرِيم الْجَزَرِيّ , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة بْن مُحَمَّد بْن عَمَّار بْن يَاسِر , قَالَ : أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّار بْن يَاسِر , فَعَذَّبُوهُ حَتَّى بَارَاهُمْ فِي بَعْض مَا أَرَادُوا . فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَيْف تَجِد قَلْبك ؟ " قَالَ : مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ . قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ " . 16564 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك , فِي قَوْله : { إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبه مُطْمَئِنّ بِالْإِيمَانِ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي عَمَّار بْن يَاسِر . 16565 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : لَمَّا عُذِّبَ الْأَعْبُد أَعْطَوْهُمْ مَا سَأَلُوا إِلَّا خَبَّاب بْن الْأَرَتّ , كَانُوا يُضْجِعُونَهُ عَلَى الرَّضْف فَلَمْ يَسْتَقِلُّوا مِنْهُ شَيْئًا . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ : مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْد إِيمَانه , إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْر فَنَطَقَ بِكَلِمَةِ الْكُفْر بِلِسَانِهِ وَقَلْبه مُطْمَئِنّ بِالْإِيمَانِ , مُوقِن بِحَقِيقَتِهِ صَحِيح عَلَيْهِ عَزْمه غَيْر مَفْسُوح الصَّدْر بِالْكُفْرِ ; لَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَاخْتَارَهُ وَآثَرَهُ عَلَى الْإِيمَان وَبَاحَ بِهِ طَائِعًا , فَعَلَيْهِمْ غَضَب مِنْ اللَّه وَلَهُمْ عَذَاب عَظِيم . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ وَرَدَ الْخَبَر عَنْ اِبْن عَبَّاس . 16566 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُدَ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنْي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبه مُطْمَئِنّ بِالْإِيمَانِ } فَأَخْبَرَ اللَّه سُبْحَانه أَنَّهُ مَنْ كَفَرَ مِنْ بَعْد إِيمَانه , فَعَلَيْهِ غَضَب مِنْ اللَّه وَلَهُ عَذَاب عَظِيم . فَأَمَّا مَنْ أُكْرِهَ فَتَكَلَّمَ بِهِ لِسَانه وَخَالَفَهُ قَلْبه بِالْإِيمَانِ لِيَنْجُوَ بِذَلِكَ مِنْ عَدُوّهُ , فَلَا حَرَج عَلَيْهِ , لِأَنَّ اللَّه سُبْحَانه إِنَّمَا يَأْخُذ الْعِبَاد بِمَا عَقَدَتْ عَلَيْهِ قُلُوبهمْ .
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اِسْتَحَبُّوا الْحَيَاة الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَة وَأَنَّ اللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الْكَافِرِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : حَلَّ بِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ غَضَب اللَّه وَوَجَبَ لَهُمْ الْعَذَاب الْعَظِيم , مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ اِخْتَارُوا زِينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا عَلَى نَعِيم الْآخِرَة , وَلِأَنَّ اللَّه لَا يُوَفِّق الْقَوْم الَّذِينَ يَجْحَدُونَ آيَاته مَعَ إِصْرَارهمْ عَلَى جُحُودهَا .
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ وَسَمْعهمْ وَأَبْصَارهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ وَصَفْت لَكُمْ صِفَتهمْ فِي هَذِهِ الْآيَات أَيّهَا النَّاس , هُمْ الْقَوْم الَّذِينَ طَبَعَ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ , فَخَتَمَ عَلَيْهَا بِطَابَعِهِ , فَلَا يُؤْمِنُونَ وَلَا يَهْتَدُونَ , وَأَصَمَّ أَسْمَاعهمْ فَلَا يَسْمَعُونَ دَاعِي اللَّه إِلَى الْهُدَى , وَأَعْمَى أَبْصَارهمْ فَلَا يُبْصِرُونَ بِهَا حُجَج اللَّه إِبْصَار مُعْتَبَر وَمُتَّعِظ .
{ وَأُولَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ } يَقُول : وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ جَعَلَ اللَّه فِيهِمْ هَذِهِ الْأَفْعَال هُمْ السَّاهُونَ عَمَّا أَعَدَّ اللَّه لِأَمْثَالِهِمْ مِنْ أَهْل الْكُفْر وَعَمَّا يُرَاد بِهِمْ .
{ وَأُولَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ } يَقُول : وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ جَعَلَ اللَّه فِيهِمْ هَذِهِ الْأَفْعَال هُمْ السَّاهُونَ عَمَّا أَعَدَّ اللَّه لِأَمْثَالِهِمْ مِنْ أَهْل الْكُفْر وَعَمَّا يُرَاد بِهِمْ .
وَقَوْله : { لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَة هُمْ الْخَاسِرُونَ } الْهَالِكُونَ , الَّذِينَ غَبَنُوا أَنْفُسهمْ حُظُوظهَا مِنْ كَرَامَة اللَّه تَعَالَى .
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ↓
16562 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْد إِيمَانه إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبه مُطْمَئِنّ بِالْإِيمَانِ } قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَمَّار بْن يَاسِر , أَخَذَهُ بَنُو الْمُغِيرَة فَغَطَّوْهُ فِي بِئْر مَيْمُون وَقَالُوا : اُكْفُرْ بِمُحَمَّدٍ ! فَتَابَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَقَلْبه كَارِه , فَأَنْزَلَ لِلَّهِ تَعَالَى ذِكْره : { إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبه مُطْمَئِنّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا } : أَيْ مَنْ أَتَى الْكُفْر عَلَى اِخْتِيَار وَاسْتِحْبَاب , { فَعَلَيْهِمْ غَضَب مِنْ اللَّه وَلَهُمْ عَذَاب عَظِيم } 16563 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ عَبْد الْكَرِيم الْجَزَرِيّ , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة بْن مُحَمَّد بْن عَمَّار بْن يَاسِر , قَالَ : أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّار بْن يَاسِر , فَعَذَّبُوهُ حَتَّى بَارَاهُمْ فِي بَعْض مَا أَرَادُوا . فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَيْف تَجِد قَلْبك ؟ " قَالَ : مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ . قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ " . 16564 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك , فِي قَوْله : { إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبه مُطْمَئِنّ بِالْإِيمَانِ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي عَمَّار بْن يَاسِر . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي شَأْن اِبْن أَبِي سَرْح . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16571 - حَدَّثَنِي اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , عَنْ الْحُسَيْن , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ , قَالَا فِي سُورَة النَّحْل : { مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْد إِيمَانه إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبه مُطْمَئِنّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَب مِنْ اللَّه وَلَهُمْ عَذَاب عَظِيم } ثُمَّ نُسِخَ وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ , فَقَالَ : { ثُمَّ إِنَّ رَبّك لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْد مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبّك مِنْ بَعْدهَا لَغَفُور رَحِيم } وَهُوَ عَبْد اللَّه بْن أَبِي سَرْح الَّذِي كَانَ يَكْتُب لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَزَلَّهُ الشَّيْطَان , فَلَحِقَ بِالْكُفَّارِ , فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْتَل يَوْم فَتْح مَكَّة , فَاسْتَجَارَ لَهُ أَبُو عَمْرو , فَأَجَارَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَوْم تَأْتِي كُلّ نَفْس تُجَادِل عَنْ نَفْسهَا وَتُوَفَّى كُلّ نَفْس مَا عَلِمَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ رَبّك مِنْ بَعْدهَا لَغَفُور رَحِيم { يَوْم تَأْتِي كُلّ نَفْس } تُخَاصِم عَنْ نَفْسهَا , وَتَحْتَجّ عَنْهَا بِمَا أَسْلَفَتْ فِي الدُّنْيَا مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ أَوْ إِيمَان أَوْ كُفْر . { وَتُوَفَّى كُلّ نَفْس مَا عَمِلَتْ } فِي الدُّنْيَا مِنْ طَاعَة وَمَعْصِيَة . { وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } : يَقُول : وَهُمْ لَا يَفْعَل بِهِمْ إِلَّا مَا يَسْتَحِقُّونَهُ وَيَسْتَوْجِبُونَهُ بِمَا قَدَّمُوهُ مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ , فَلَا يُجْزَى الْمُحْسِن إِلَّا بِالْإِحْسَانِ وَلَا الْمُسِيء إِلَّا بِاَلَّذِي أَسْلَفَ مِنْ الْإِسَاءَة , لَا يُعَاقَب مُحْسِن وَلَا يُبْخَس جَزَاء إِحْسَانه , وَلَا يُثَاب مُسِيء إِلَّا ثَوَاب عَمَله . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله قِيلَ " تُجَادِل " فَأَنَّثَ الْكُلّ , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : قِيلَ ذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى كُلّ نَفْس : كُلّ إِنْسَان , وَأَنَّثَ لِأَنَّ النَّفْس تُذَكَّر وَتُؤَنَّث , يُقَال : مَا جَاءَ فِي نَفْس وَاحِد وَوَاحِدَة . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يَرَى هَذَا الْقَوْل مِنْ قَائِله غَلَطًا وَيَقُول : " كُلّ " إِذَا أُضِيفَتْ إِلَى نَكِرَة وَاحِدَة خَرَجَ الْفِعْل عَلَى قَدْر النَّكِرَة : كُلّ اِمْرَأَة قَائِمَة , وَكُلّ رَجُل قَائِم , وَكُلّ اِمْرَأَتَيْنِ قَائِمَتَانِ , وَكُلّ رَجُلَيْنِ قَائِمَانِ , وَكُلّ نِسَاء قَائِمَات , وَكُلّ رِجَال قَائِمُونَ , فَيَخْرُج عَلَى عَدَد النَّكِرَة وَتَأْنِيثهَا وَتَذْكِيرهَا , وَلَا حَاجَة بِهِ إِلَى تَأْنِيث النَّفْس وَتَذْكِيرهَا .
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَضَرَبَ اللَّه مَثَلًا قَرْيَة كَانَتْ آمِنَة مُطْمَئِنَّة يَأْتِيهَا رِزْقهَا رَغَدًا مِنْ كُلّ مَكَان } يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره . وَمَثَّلَ اللَّه مَثَلًا لِمَكَّة الَّتِي سُكَّانهَا أَهْل الشِّرْك بِاَللَّهِ هِيَ الْقَرْيَة الَّتِي كَانَتْ آمِنَة مُطْمَئِنَّة . وَكَانَ أَمْنهَا أَنَّ الْعَرَب كَانَتْ تَتَعَادَى وَيَقْتُل بَعْضهَا بَعْضًا وَيَسْبِي بَعْضهَا بَعْضًا , وَأَهْل مَكَّة لَا يُعَار عَلَيْهِمْ وَلَا يُحَارَبُونَ فِي بَلَدهمْ , فَذَلِكَ كَانَ أَمْنهَا . وَقَوْله : { مُطْمَئِنَّة } يَعْنِي : قَارَّة بِأَهْلِهَا , لَا يَحْتَاج أَهْلهَا إِلَى النَّجْع كَمَا كَانَ سُكَّان الْبَوَادِي يَحْتَاجُونَ إِلَيْهَا . { يَأْتِيهَا رِزْقهَا رَغَدًا } يَقُول : يَأْتِي أَهْلهَا مَعَايِشهمْ وَاسِعَة كَثِيرَة . وَقَوْله : { مِنْ كُلّ مَكَان } يَعْنِي : مِنْ كُلّ فَجّ مِنْ فِجَاج هَذِهِ الْقَرْيَة وَمِنْ كُلّ نَاحِيَة فِيهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي أَنَّ الْقَرْيَة الَّتِي ذُكِرَتْ فِي هَذَا الْمَوْضِع أُرِيدَ بِهَا مَكَّة قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16572 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَضَرَبَ اللَّه مَثَلًا قَرْيَة كَانَتْ آمِنَة مُطْمَئِنَّة يَأْتِيهَا رِزْقهَا رَغَدًا مِنْ كُلّ مَكَان } يَعْنِي : مَكَّة . 16573 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { قَرْيَة كَانَتْ آمِنَة مُطْمَئِنَّة } قَالَ : مَكَّة . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنْي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد . مِثْله . 16574 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَضَرَبَ اللَّه مَثَلًا قَرْيَة كَانَتْ آمِنَة مُطْمَئِنَّة } قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا مَكَّة . * حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { قَرْيَة كَانَتْ آمِنَة } قَالَ : هِيَ مَكَّة . 16575 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَضَرَبَ اللَّه مَثَلًا قَرْيَة كَانَتْ آمِنَة مُطْمَئِنَّة } . .. إِلَى آخِر الْآيَة . قَالَ : هَذِهِ مَكَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْقَرْيَة الَّتِي ذَكَرَ اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع مَدِينَة الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16576 - حَدَّثَنِي اِبْن عَبْد الرَّحِيم الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : أَخْبَرَنَا نَافِع بْن يَزِيد , قَالَ : ثني عَبْد الرَّحْمَن بْن شُرَيْح , أَنَّ عَبْد الْكَرِيم بْن الْحَارِث الْحَضْرَمِيّ , حَدَّثَ أَنَّهُ سَمِعَ مِشْرَح بْن عَاهَان , يَقُول : سَمِعْت سُلَيْم بْن نُمَيْر يَقُول : صَدَرْنَا مِنْ الْحَجّ مَعَ حَفْصَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُثْمَان مَحْصُور بِالْمَدِينَةِ ; فَكَانَتْ تَسْأَل عَنْهُ مَا فَعَلَ , حَتَّى رَأَتْ رَاكِبَيْنِ , فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِمَا تَسْأَلهُمَا , فَقَالَا : قُتِلَ ! فَقَالَتْ حَفْصَة : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا الْقَرْيَة , تَعْنِي الْمَدِينَة الَّتِي قَالَ اللَّه تَعَالَى : { وَضَرَبَ اللَّه مَثَلًا قَرْيَة كَانَتْ آمِنَة مُطْمَئِنَّة يَأْتِيهَا رِزْقهَا رَغَدًا مِنْ كُلّ مَكَان فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّه } قَرَأَهَا . قَالَ أَبُو شُرَيْح : وَأَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن الْمُغِيرَة عَمَّنْ حَدَّثَهُ , أَنَّهُ كَانَ يَقُول : إِنَّهَا الْمَدِينَة .
وَقَوْله : { فَكَفَرَتْ بِأَنْعُم اللَّه } يَقُول : فَكَفَرَ أَهْل هَذِهِ الْقَرْيَة بِأَنْعُم اللَّه الَّتِي أَنْعَمَ عَلَيْهَا . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَاحِد " الْأَنْعُم " , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : جَمَعَ النِّعْمَة عَلَى أَنْعُم , كَمَا قَالَ اللَّه : { حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدّهُ } 46 15 فَزَعَمَ أَنَّهُ جَمْع الشِّدَّة . وَقَالَ آخَر مِنْهُمْ الْوَاحِد نُعْم , وَقَالَ : يُقَال : أَيَّام طُعْم وَنُعْم : أَيْ نَعِيم , قَالَ : فَيَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَاهَا : فَكَفَرَتْ بِنَعِيمِ اللَّه لَهَا . وَاسْتُشْهِدَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِر : وَعِنْدِي قُرُوض الْخَيْر وَالشَّرّ كُلّه فَبُؤْس لِذِي بُؤْس وَنُعْم بِأَنْعُمِ وَكَانَ بَعْض أَهْل الْكُوفَة يَقُول : أَنْعُم : جَمْع نَعْمَاء , مِثْل بَأْسَاء وَأَبْؤُس , وَضَرَّاء وَأَضُرّ ; فَأَمَّا الْأَشَدّ فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ جَمْع شَدّ .
وَقَوْله : { فَأَذَاقَهَا اللَّه لِبَاس الْجُوع وَالْخَوْف } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَذَاقَ اللَّه أَهْل هَذِهِ الْقَرْيَة لِبَاس الْجُوع ; وَذَلِكَ جُوع خَالَطَ أَذَاهُ أَجْسَامهمْ , فَجَعَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره ذَلِكَ لِمُخَالَطَتِهِ أَجْسَامهمْ بِمَنْزِلَةِ اللِّبَاس لَهَا . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ سَلَّطَ عَلَيْهِمْ الْجُوع سِنِينَ مُتَوَالِيَة بِدُعَاءِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حَتَّى أَكَلُوا الْعِلْهِزَ وَالْجِيَف . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْعِلْهِز : الْوَبَر يُعْجَن بِالدَّمِ وَالْقُرَاد يَأْكُلُونَهُ . وَأَمَّا الْخَوْف فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ خَوْفهمْ مِنْ سَرَايَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي كَانَتْ تُطِيف بِهِمْ .
وَقَوْله : { بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } يَقُول : بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ مِنْ الْكُفْر بِأَنْعُمِ اللَّه , وَيَجْحَدُونَ آيَاته , وَيُكَذِّبُونَ رَسُوله . وَقَالَ : { بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } وَقَدْ جَرَى الْكَلَام مِنْ اِبْتِدَاء الْآيَة إِلَى هَذَا الْمَوْضِع عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنْ الْقَرْيَة , لِأَنَّ الْخَبَر وَإِنْ كَانَ جَرَى فِي الْكَلَام عَنْ الْقَرْيَة اِسْتِغْنَاء بِذِكْرِهَا عَنْ ذِكْر أَهْلهَا لِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ بِالْمُرَادِ مِنْهَا , فَإِنَّ الْمُرَاد أَهْلهَا ; فَلِذَلِكَ قِيلَ : { بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } فَرَدَّ الْخَبَر إِلَى أَهْل الْقَرْيَة , وَذَلِكَ نَظِير قَوْله : { فَجَاءَهَا بَأْسنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ } وَلَمْ يَقُلْ قَائِلَة , وَقَدْ قَالَ قَبْله : { فَجَاءَهَا بَأْسنَا } , لِأَنَّهُ رَجَعَ بِالْخَبَرِ إِلَى الْإِخْبَار عَنْ أَهْل الْقَرْيَة ; وَنَظَائِر ذَلِكَ فِي الْقُرْآن كَثِيرَة .
وَقَوْله : { فَكَفَرَتْ بِأَنْعُم اللَّه } يَقُول : فَكَفَرَ أَهْل هَذِهِ الْقَرْيَة بِأَنْعُم اللَّه الَّتِي أَنْعَمَ عَلَيْهَا . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَاحِد " الْأَنْعُم " , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : جَمَعَ النِّعْمَة عَلَى أَنْعُم , كَمَا قَالَ اللَّه : { حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدّهُ } 46 15 فَزَعَمَ أَنَّهُ جَمْع الشِّدَّة . وَقَالَ آخَر مِنْهُمْ الْوَاحِد نُعْم , وَقَالَ : يُقَال : أَيَّام طُعْم وَنُعْم : أَيْ نَعِيم , قَالَ : فَيَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَاهَا : فَكَفَرَتْ بِنَعِيمِ اللَّه لَهَا . وَاسْتُشْهِدَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِر : وَعِنْدِي قُرُوض الْخَيْر وَالشَّرّ كُلّه فَبُؤْس لِذِي بُؤْس وَنُعْم بِأَنْعُمِ وَكَانَ بَعْض أَهْل الْكُوفَة يَقُول : أَنْعُم : جَمْع نَعْمَاء , مِثْل بَأْسَاء وَأَبْؤُس , وَضَرَّاء وَأَضُرّ ; فَأَمَّا الْأَشَدّ فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ جَمْع شَدّ .
وَقَوْله : { فَأَذَاقَهَا اللَّه لِبَاس الْجُوع وَالْخَوْف } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَذَاقَ اللَّه أَهْل هَذِهِ الْقَرْيَة لِبَاس الْجُوع ; وَذَلِكَ جُوع خَالَطَ أَذَاهُ أَجْسَامهمْ , فَجَعَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره ذَلِكَ لِمُخَالَطَتِهِ أَجْسَامهمْ بِمَنْزِلَةِ اللِّبَاس لَهَا . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ سَلَّطَ عَلَيْهِمْ الْجُوع سِنِينَ مُتَوَالِيَة بِدُعَاءِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حَتَّى أَكَلُوا الْعِلْهِزَ وَالْجِيَف . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْعِلْهِز : الْوَبَر يُعْجَن بِالدَّمِ وَالْقُرَاد يَأْكُلُونَهُ . وَأَمَّا الْخَوْف فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ خَوْفهمْ مِنْ سَرَايَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي كَانَتْ تُطِيف بِهِمْ .
وَقَوْله : { بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } يَقُول : بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ مِنْ الْكُفْر بِأَنْعُمِ اللَّه , وَيَجْحَدُونَ آيَاته , وَيُكَذِّبُونَ رَسُوله . وَقَالَ : { بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } وَقَدْ جَرَى الْكَلَام مِنْ اِبْتِدَاء الْآيَة إِلَى هَذَا الْمَوْضِع عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنْ الْقَرْيَة , لِأَنَّ الْخَبَر وَإِنْ كَانَ جَرَى فِي الْكَلَام عَنْ الْقَرْيَة اِسْتِغْنَاء بِذِكْرِهَا عَنْ ذِكْر أَهْلهَا لِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ بِالْمُرَادِ مِنْهَا , فَإِنَّ الْمُرَاد أَهْلهَا ; فَلِذَلِكَ قِيلَ : { بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } فَرَدَّ الْخَبَر إِلَى أَهْل الْقَرْيَة , وَذَلِكَ نَظِير قَوْله : { فَجَاءَهَا بَأْسنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ } وَلَمْ يَقُلْ قَائِلَة , وَقَدْ قَالَ قَبْله : { فَجَاءَهَا بَأْسنَا } , لِأَنَّهُ رَجَعَ بِالْخَبَرِ إِلَى الْإِخْبَار عَنْ أَهْل الْقَرْيَة ; وَنَظَائِر ذَلِكَ فِي الْقُرْآن كَثِيرَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُول مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ الْعَذَاب وَهُمْ ظَالِمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ جَاءَ أَهْل هَذِهِ الْقَرْيَة الَّتِي وَصَفَ اللَّه صِفَتهَا فِي هَذِهِ الْآيَة الَّتِي قَبْل هَذِهِ الْآيَة { رَسُول مِنْهُمْ } يَقُول : رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ , يَقُول : مِنْ أَنْفُسهمْ يَعْرِفُونَهُ وَيَعْرِفُونَ نَسَبه وَصِدْق لَهْجَته , يَدْعُوهُمْ إِلَى الْحَقّ وَإِلَى طَرِيق مُسْتَقِيم . { فَكَذَّبُوهُ } وَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه . { فَأَخَذَهُمْ الْعَذَاب } وَذَلِكَ لِبَاس الْجُوع وَالْخَوْف مَكَان الْأَمْن وَالطُّمَأْنِينَة وَالرِّزْق الْوَاسِع الَّذِي كَانَ قَبْل ذَلِكَ يَرْزُقُونَهُ , وَقُتِلَ بِالسَّيْفِ . { وَهُمْ ظَالِمُونَ } يَقُول : وَهُمْ مُشْرِكُونَ , وَذَلِكَ أَنَّهُ قَتَلَ عُظَمَاءَهُمْ يَوْم بَدْر بِالسَّيْفِ عَلَى الشِّرْك . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16577 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُول مِنْهُمْ } إِي وَاَللَّه , يَعْرِفُونَ نَسَبه وَأَمْره . { فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ الْعَذَاب وَهُمْ ظَالِمُونَ } , فَأَخَذَهُمْ اللَّه بِالْجُوعِ وَالْخَوْف وَالْقَتْل .
فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ↑
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّه إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَكُلُوا أَيّهَا النَّاس مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه مِنْ بَهَائِم الْأَنْعَام الَّتِي أَحَلَّهَا لَكُمْ حَلَالًا طَيِّبًا مُذَكَّاة غَيْر مُحَرَّمَة عَلَيْكُمْ . { وَاشْكُرُوا نِعْمَة اللَّه } يَقُول : وَاشْكُرُوا اللَّه عَلَى نِعَمه الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْكُمْ فِي تَحْلِيله مَا أَحَلَّ لَكُمْ مِنْ ذَلِكَ , وَعَلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ نِعَمه . { إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } يَقُول : إِنْ كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ اللَّه , فَتُطِيعُونَهُ فِيمَا يَأْمُركُمْ وَيَنْهَاكُمْ . وَكَانَ بَعْضهمْ يَقُول : إِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ : { فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه حَلَالًا طَيِّبًا } طَعَامًا كَانَ بَعَثَ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمه فِي سِنِي الْجَدْب وَالْقَحْط رِقَّة عَلَيْهِمْ , فَقَالَ اللَّه تَعَالَى لِلْمُشْرِكِينَ : فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه مِنْ هَذَا الَّذِي بَعَثَ بِهِ إِلَيْكُمْ حَلَالًا طَيِّبًا . وَذَلِكَ تَأْوِيل بَعِيد مِمَّا يَدُلّ عَلَيْهِ ظَاهِر التَّنْزِيل , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ أَتْبَع ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة وَالدَّم } . .. الْآيَة وَاَلَّتِي بَعْدهَا , فَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْله : { فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه حَلَالًا طَيِّبًا } إِعْلَام مِنْ اللَّه عِبَاده أَنَّ مَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُحَرِّمُونَهُ مِنْ الْبَحَائِر وَالسَّوَائِب وَالْوَصَائِل وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا قَدْ بَيَّنَّا قَبْل فِيمَا مَضَى لَا مَعْنَى لَهُ , إِذْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ خُطُوَات الشَّيْطَان , فَإِنَّ كُلّ ذَلِكَ حَلَال لَمْ يُحَرِّم اللَّه مِنْهُ شَيْئًا .
إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة وَالدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُكَذِّبًا الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانُوا يُحَرِّمُونَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْبَحَائِر وَغَيْر ذَلِكَ : مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس إِلَّا الْمَيْتَة وَالدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير وَمَا ذُبِحَ لِلْأَنْصَابِ فَسُمِّيَ عَلَيْهِ غَيْر اللَّه ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ ذَبَائِح مَنْ لَا يَحِلّ أَكْل ذَبِيحَته , فَمَنْ اُضْطُرَّ إِلَى ذَلِكَ أَوْ إِلَى شَيْء مِنْهُ لِمَجَاعَةٍ حَلَّتْ فَأَكَلَهُ { غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } يَقُول : ذُو سِتْر عَلَيْهِ أَنْ يُؤَاخِذهُ بِأَكْلِهِ ذَلِكَ فِي حَال الضَّرُورَة , رَحِيم بِهِ أَنْ يُعَاقِبهُ عَلَيْهِ . وَقَدْ بَيَّنَّا اِخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي قَوْله : { غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ } وَالصَّوَاب عِنْدنَا مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . 16578 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة وَالدَّم } . .. الْآيَة ; قَالَ : وَإِنَّ الْإِسْلَام دِين يُطَهِّرهُ اللَّه مِنْ كُلّ سُوء , وَجَعَلَ لَك فِيهِ يَا اِبْن آدَم سَعَة إِذَا اُضْطُرَّتْ إِلَى شَيْء مِنْ ذَلِكَ . قَوْله { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ } غَيْر بَاغٍ فِي أَكْله وَلَا عَادٍ أَنْ يَتَعَدَّى حَلَالًا إِلَى حَرَام , وَهُوَ يَجِد عَنْهُ مَنْدُوحَة .
وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِف أَلْسِنَتكُمْ الْكَذِب هَذَا حَلَال وَهَذَا حَرَام لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّه الْكَذِب إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب لَا يُفْلِحُونَ } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق { وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِف أَلْسِنَتكُمْ الْكَذِب } فَتَكُون تَصِف الْكَذِب , بِمَعْنَى : وَلَا تَقُولُوا لِوَصْفِ أَلْسِنَتكُمْ الْكَذِب , فَتَكُون " مَا " بِمَعْنَى الْمَصْدَر . وَذُكِرَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ قَرَأَ : " وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِف أَلْسِنَتكُمْ الْكَذِب " هَذَا بِخَفْضِ الْكَذِب , بِمَعْنَى : وَلَا تَقُولُوا لِلْكَذِبِ الَّذِي تَصِفهُ أَلْسِنَتكُمْ , { هَذَا حَلَال وَهَذَا حَرَام } فَيَجْعَل الْكَذِب تَرْجَمَة عَنْ " مَا " الَّتِي فِي " لِمَا " , فَتَخْفِضهُ بِمَا تُخْفَض بِهِ " مَا " . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضهمْ : " لِمَا تَصِف أَلْسِنَتكُمْ الْكُذُب " يَرْفَع " الْكُذُب " , فَيَجْعَل الْكُذُب مِنْ صِفَة الْأَلْسِنَة , وَيَخْرُج عَلَى فُعُل عَلَى أَنَّهُ جَمَعَ كُذُوب وَكُذُب , مِثْل شُكُور وَشُكُر . وَالصَّوَاب عِنْدِي مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ نَصْب " الْكَذِب " لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا : وَلَا تَقُولُوا لِوَصْفِ أَلْسِنَتكُمْ الْكَذِب فِيمَا رَزَقَ اللَّه عِبَاده مِنْ الْمَطَاعِم : هَذَا حَلَال , وَهَذَا حَرَام , كَيْ تَفْتَرُوا عَلَى اللَّه بِقِيلِكُمْ ذَلِكَ الْكَذِب , فَإِنَّ اللَّه لَمْ يُحَرِّم مِنْ ذَلِكَ مَا تُحَرِّمُونَ , وَلَا أَحَلَّ كَثِيرًا مِمَّا تَحِلُّونَ . ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ بِالْوَعِيدِ عَلَى كَذِبهمْ عَلَيْهِ , فَقَالَ : { إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب } يَقُول : إِنَّ الَّذِينَ يَتَخَرَّصُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب وَيَخْتَلِقُونَهُ , لَا يَخْلُدُونَ فِي الدُّنْيَا وَلَا يَبْقَوْنَ فِيهَا , إِنَّمَا يَتَمَتَّعُونَ فِيهَا قَلِيلًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16579 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَا : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى : وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { لِمَا تَصِف أَلْسِنَتكُمْ الْكَذِب هَذَا حَلَال وَهَذَا حَرَام } فِي الْبَحِيرَة وَالسَّائِبَة . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْبَحَائِر وَالسَّوَائِب .
وَقَالَ : { مَتَاع قَلِيل } فَرُفِعَ , لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي هُمْ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا مَتَاع قَلِيل , أَوْ لَهُمْ مَتَاع قَلِيل فِي الدُّنْيَا .
وَقَوْله : { وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم } يَقُول : ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعهمْ وَمَعَادهمْ , وَلَهُمْ عَلَى كَذِبهمْ وَافْتِرَائِهِمْ عَلَى اللَّه بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ عَذَاب عِنْد مَصِيرهمْ إِلَيْهِ أَلِيم .
وَقَوْله : { وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم } يَقُول : ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعهمْ وَمَعَادهمْ , وَلَهُمْ عَلَى كَذِبهمْ وَافْتِرَائِهِمْ عَلَى اللَّه بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ عَذَاب عِنْد مَصِيرهمْ إِلَيْهِ أَلِيم .
وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْك مِنْ قَبْل وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسهمْ يَظْلِمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَحَرَّمْنَا مِنْ قَبْلك يَا مُحَمَّد عَلَى الْيَهُود مَا أَنْبَأْنَاك بِهِ مِنْ قَبْل فِي سُورَة الْأَنْعَام , وَذَاكَ كُلّ ذِي ظُفُر , وَمِنْ الْبَقَر وَالْغَنَم حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومهمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورهمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اِخْتَلَطَ بِعَظْمٍ . { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ } بِتَحْرِيمِنَا ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , { وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسهمْ يَظْلِمُونَ } فَجَزَيْنَاهُمْ ذَلِكَ بِبَغْيِهِمْ عَلَى رَبّهمْ وَظُلْمهمْ أَنْفُسهمْ بِمَعْصِيَةِ اللَّه , فَأَوْرَثَهُمْ ذَلِكَ عُقُوبَة اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16580 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْك مِنْ قَبْل } قَالَ : فِي سُورَة الْأَنْعَام . 16581 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَيُّوب , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْك مِنْ قَبْل } قَالَ فِي سُورَة الْأَنْعَام . 16582 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْك مِنْ قَبْل } قَالَ : مَا قَصَّ اللَّه تَعَالَى فِي سُورَة الْأَنْعَام حَيْثُ يَقُول : { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلّ ذِي ظُفُر } . .. الْآيَة .
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ إِنَّ رَبّك لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوء بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْد ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبّك مِنْ بَعْدهَا لَغَفُور رَحِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ رَبّك لِلَّذِينَ عَصَوْا اللَّه فَجَهِلُوا بِرُكُوبِهِمْ مَا رَكِبُوا مِنْ مَعْصِيَة اللَّه وَسَفُهُوا بِذَلِكَ ثُمَّ رَاجَعُوا طَاعَة اللَّه وَالنَّدَم عَلَيْهَا وَالِاسْتِغْفَار وَالتَّوْبَة مِنْهَا مِنْ بَعْد مَا سَلَفَ مِنْهُمْ مَا سَلَفَ مِنْ رُكُوب الْمَعْصِيَة , وَأَصْلَحَ فَعَمِلَ بِمَا يُحِبّ اللَّه وَيَرْضَاهُ ; { إِنَّ رَبّك مِنْ بَعْدهَا } يَقُول : إِنَّ رَبّك يَا مُحَمَّد مِنْ بَعْد تَوْبَتهمْ لَهُ { لَغَفُور رَحِيم }
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ إِبْرَاهِيم كَانَ أُمَّة قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ إِبْرَاهِيم خَلِيل اللَّه كَانَ مُعَلِّم خَيْر يَأْتَمّ بِهِ أَهْل الْهُدَى { قَانِتًا } يَقُول : مُطِيعًا لِلَّهِ { حَنِيفًا } يَقُول : مُسْتَقِيمًا عَلَى دِين الْإِسْلَام , { وَلَمْ يَكُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ } يَقُول : وَلَمْ يَكُ يُشْرِك بِاَللَّهِ شَيْئًا , فَيَكُون مِنْ أَوْلِيَاء أَهْل الشِّرْك بِهِ . وَهَذَا إِعْلَام مِنْ اللَّه تَعَالَى أَهْل الشِّرْك بِهِ مِنْ قُرَيْش أَنَّ إِبْرَاهِيم مِنْهُمْ بَرِيء وَأَنَّهُمْ مِنْهُ بَرَاء . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى { أُمَّة قَانِتًا } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16583 - حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ الْحَكَم , عَنْ يَحْيَى بْن الْجَزَّار , عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ , أَنَّهُ جَاءَ إِلَى عَبْد اللَّه فَقَالَ : مَنْ نَسْأَل إِذَا لَمْ نَسْأَلك ؟ فَكَأَنَّ اِبْن مَسْعُود رَقَّ لَهُ , فَقَالَ : أَخْبَرَنِي عَنْ الْأُمَّة ! قَالَ : الَّذِي يُعَلِّم النَّاس الْخَيْر . 16584 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْلٍ , عَنْ مُسْلِم الْبُطَيْن , عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , عَنْ الْأُمَّة الْقَانِت , قَالَ : الْأُمَّة : مُعَلِّم الْخَيْر , وَالْقَانِت : الْمُطِيع لِلَّهِ وَرَسُوله . 16585 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ مَنْصُور , يَعْنِي اِبْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : ثني فَرْوَة بْن نَوْفَل الْأَشْجَعِيّ , قَالَ : قَالَ اِبْن مَسْعُود : إِنَّ مَعَاذًا كَانَ أُمَّة قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا . فَقُلْت فِي نَفْسِي : غَلِطَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن , إِنَّمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : { إِنَّ إِبْرَاهِيم كَانَ أُمَّة قَانِتًا لِلَّهِ } ! فَقَالَ : تَدْرِي مَا الْأُمَّة وَمَا الْقَانِت ؟ قُلْت : اللَّه أَعْلَم . قَالَ : الْأُمَّة : الَّذِي يُعَلِّم الْخَيْر , وَالْقَانِت : الْمُطِيع لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ , وَكَذَلِكَ كَانَ مُعَاذ بْن جَبَل يُعَلِّم الْخَيْر وَكَانَ مُطِيعًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : سَمِعْت فِرَاسًا يُحَدِّث , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ مُعَاذًا كَانَ أُمَّة قَانِتًا لِلَّهِ . قَالَ : فَقَالَ رَجُل مِنْ أَشْجَع يُقَال لَهُ فَرْوَة بْن نَوْفَل : نَسِيَ إِنَّمَا ذَاكَ إِبْرَاهِيم . قَالَ : فَقَالَ عَبْد اللَّه : مَنْ نَسِيَ إِنَّمَا كُنَّا نُشْبِههُ بِإِبْرَاهِيم . قَالَ : وَسُئِلَ عَبْد اللَّه عَنْ الْأُمَّة , فَقَالَ : مُعَلِّم الْخَيْر , وَالْقَانِت : الْمُطِيع لِلَّهِ وَرَسُوله . * حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ فِرَاس , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ مَسْرُوق قَالَ : قَرَأْت عِنْد عَبْد اللَّه هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّ إِبْرَاهِيم كَانَ أُمَّة قَانِتًا لِلَّهِ } فَقَالَ : كَانَ مُعَاذ أُمَّة قَانِتًا . قَالَ : هَلْ تَدْرِي مَا الْأُمَّة ؟ الْأُمَّة الَّذِي يُعَلِّم النَّاس الْخَيْر , وَالْقَانِت : الَّذِي يُطِيع اللَّه وَرَسُوله . * حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , قَالَ : ثنا بَيَان بْن بِشْر الْبَجَلِيّ , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : إِنَّ مُعَاذًا كَانَ أُمَّة قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ . فَقَالَ لَهُ رَجُل : نَسِيت ! قَالَ : لَا , وَلَكِنَّهُ شَبِيه إِبْرَاهِيم , وَالْأُمَّة : مُعَلِّم الْخَيْر , وَالْقَانِت : الْمُطِيع . 16586 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَعِيد الْكِنْدِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ الشَّعْبِيّ , فِي قَوْله : { إِنَّ إِبْرَاهِيم كَانَ أُمَّة قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا } قَالَ : مُطِيعًا . 16587 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : إِنَّ مُعَاذًا كَانَ أُمَّة قَانِتًا مُعَلِّم الْخَيْر . وَذُكِرَ فِي الْأُمَّة أَشْيَاء مُخْتَلِف فِيهَا , قَالَ : { وَادَّكَرَ بَعْد أُمَّة } 12 45 يَعْنِي : بَعْد حِين ; و { أُمَّة وَسَطًا } 2 143 16588 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ سَعِيد بْن سَابِق , عَنْ لَيْث , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , قَالَ : لَمْ تَبْقَ الْأَرْض إِلَّا وَفِيهَا أَرْبَعَة عَشَرَ يَدْفَع اللَّه بِهِمْ عَنْ أَهْل الْأَرْض وَتَخْرُج بَرَكَتهَا , إِلَّا زَمَن إِبْرَاهِيم فَإِنَّهُ كَانَ وَحْده . 16589 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا سَيَّار , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : وَأَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا وَمُجَالِد , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ اِبْن مَسْعُود , نَحْو حَدِيث يَعْقُوب , عَنْ اِبْن عُلَيَّة وَزَادَ فِيهِ : الْأُمَّة : الَّذِي يُعَلِّم الْخَيْر وَيُؤْتَمّ بِهِ وَيُقْتَدَى بِهِ ; وَالْقَانِت : الْمُطِيع لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ . قَالَ لَهُ أَبُو فَرْوَة الْكِنْدِيّ : إِنَّك وَهِمْت . 16590 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إِنَّ إِبْرَاهِيم كَانَ أُمَّة } عَلَى حِدَة , { قَانِتًا لِلَّهِ } قَالَ : مُطِيعًا . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : مُطِيعًا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا . قَالَ اِبْن جُرَيْج : وَأَخْبَرَنِي عُوَيْمِر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , أَنَّهُ قَالَ : قَانِتًا : مُطِيعًا . 16591 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّ إِبْرَاهِيم كَانَ أُمَّة قَانِتًا لِلَّهِ } قَالَ : كَانَ إِمَام هُدًى مُطِيعًا تُتَّبَع سُنَّته وَمِلَّته . 16592 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , أَنَّ اِبْن مَسْعُود قَالَ : إِنَّ مُعَاذ بْن جَبَل كَانَ أُمَّة قَانِتًا . قَالَ غَيْر قَتَادَة : قَالَ اِبْن مَسْعُود : هَلْ تَدْرُونَ : مَا الْأُمَّة ؟ الَّذِي يُعَلِّم الْخَيْر . 16593 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ فِرَاس , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : قَرَأْت عِنْد عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : { إِنَّ إِبْرَاهِيم كَانَ أُمَّة قَانِتًا } فَقَالَ : إِنَّ مُعَاذًا كَانَ أُمَّة قَانِتًا , قَالَ : فَأَعَادُوا , فَأَعَادَ عَلَيْهِمْ , ثُمَّ قَالَ : أَتَدْرُونَ مَا الْأُمَّة ؟ الَّذِي يُعَلِّم النَّاس الْخَيْر , وَالْقَانِت : الَّذِي يُطِيع اللَّه . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْأُمَّة وَوُجُوههَا وَمَعْنَى الْقَانِت بِاخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع مِنْ كِتَابنَا بِشَوَاهِدِهِ , فَأَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .