الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَاب مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَمَّا تَنَاظَرَ الْجَمْعَانِ : جَمْع مُوسَى وَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيل , وَجَمْع فِرْعَوْن وَهُمْ الْقِبْط { قَالَ أَصْحَاب مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } أَيْ إِنَّا لَمُلْحَقُونَ , الْآن يَلْحَقنَا فِرْعَوْن وَجُنُوده فَيَقْتُلُونَنَا , وَذُكِرَ أَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ لِمُوسَى , تَشَاؤُمًا بِمُوسَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20237 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : قُلْت لِعَبْدِ الرَّحْمَن { فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَاب مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } قَالَ : تَشَاءَمُوا بِمُوسَى , وَقَالُوا : أُوذِينَا مِنْ قَبْل أَنْ تَأْتِيَنَا , وَمِنْ بَعْد مَا جِئْتنَا . 20238 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ } فَنَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيل إِلَى فِرْعَوْن قَدْ رَمَقَهُمْ قَالُوا { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ }. { قَالُوا } يَا مُوسَى { أُوذِينَا مِنْ قَبْل أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْد مَا جِئْتنَا } الْيَوْم يُدْرِكنَا فِرْعَوْن فَيَقْتُلنَا , إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ; الْبَحْر بَيْن أَيْدِينَا , وَفِرْعَوْن مِنْ خَلْفنَا . 20239 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ أَبِي بَكْر , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا اِنْتَهَى مُوسَى إِلَى الْبَحْر , وَهَاجَتْ الرِّيح الْعَاصِف , فَنَظَرَ أَصْحَاب مُوسَى خَلْفهمْ إِلَى الرِّيح , وَإِلَى الْبَحْر أَمَامهمْ { قَالَ أَصْحَاب مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار سِوَى الْأَعْرَج { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } , وَقَرَأَهُ الْأَعْرَج : " وَإِنَّا لَمُدْرَكُونَ " كَمَا يُقَال نَزَلَتْ , وَأُنْزِلَتْ . وَالْقِرَاءَة عِنْدنَا الَّتِي عَلَيْهَا قُرَّاء الْأَمْصَار , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهَا .
وَقَوْله : { كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ : لَيْسَ الْأَمْر كَمَا ذَكَرْتُمْ , كَلَّا لَنْ تُدْرَكُوا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ , يَقُول : سَيَهْدِينِ لِطَرِيقٍ أَنْجُو فِيهِ مِنْ فِرْعَوْن وَقَوْمه . كَمَا : 20240 - حَدَّثَنِي اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد بْن الْهَاد , قَالَ : لَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّهُ خَرَجَ فِرْعَوْن فِي طَلَب مُوسَى عَلَى سَبْعِينَ أَلْفًا مِنْ دُهْم الْخَيْل , سِوَى مَا فِي جُنْده مِنْ شِيَة الْخَيْل , وَخَرَجَ مُوسَى حَتَّى إِذَا قَابِله الْبَحْر , وَلَمْ يَكُنْ عَنْهُ مُنْصَرَف , طَلَعَ فِرْعَوْن فِي جُنْده مِنْ خَلْفهمْ { فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَاب مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } أَيْ لِلنَّجَاةِ , وَقَدْ وَعَدَنِي ذَلِكَ , وَلَا خُلْف لِمَوْعُودِهِ. 20241 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } يَقُول : سَيَكْفِينِي , وَقَالَ : { عَسَى رَبّكُمْ أَنْ يُهْلِك عَدُوّكُمْ وَيَسْتَخْلِفكُمْ فِي الْأَرْض فَيَنْظُر كَيْفَ تَعْمَلُونَ } . 7 129
فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ↓
وَقَوْله { فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ اِضْرِبْ بِعَصَاك الْبَحْر فَانْفَلَقَ } ذُكِرَ أَنَّ اللَّه كَانَ قَدْ أَمَرَ الْبَحْر أَنْ لَا يَنْفَلِق حَتَّى يَضْرِبهُ مُوسَى بِعَصَاهُ . 20242 -حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : فَتَقَدَّمَ هَارُون فَضَرَبَ الْبَحْر , فَأَبَى أَنْ يَنْفَتِح , وَقَالَ : مَنْ هَذَا الْجَبَّار الَّذِي يَضْرِبنِي , حَتَّى أَتَاهُ مُوسَى فَكَنَّاهُ أَبَا خَالِد , وَضَرَبَهُ فَانْفَلَقَ. 20243 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , قَالَ : ثَنِي مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : أَوْحَى اللَّه فِيمَا ذُكِرَ إِلَى الْبَحْر : إِذَا ضَرَبَك مُوسَى بِعَصَاهُ فَانْفَلِقْ لَهُ , قَالَ : فَبَاتَ الْبَحْر يَضْرِب بَعْضه بَعْضًا فَرَقًا مِنْ اللَّه , وَانْتِظَار أَمْره , وَأَوْحَى اللَّه إِلَى مُوسَى أَنْ اِضْرِبْ بِعَصَاك الْبَحْر , فَضَرَبَهُ بِهَا وَفِيهَا سُلْطَان اللَّه الَّذِي أَعْطَاهُ , فَانْفَلَقَ . 20244 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , ظَنَّ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي السَّلِيل , قَالَ : لَمَّا ضَرَبَ مُوسَى بِعَصَاهُ الْبَحْر , قَالَ : إِيه أَبَا خَالِد , فَأَخَذَهُ أَفْكَلٌ . 20245 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , وَحَجَّاج عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد اللَّه وَغَيْره , قَالُوا : لَمَّا اِنْتَهَى مُوسَى إِلَى الْبَحْر وَهَاجَتْ الرِّيح وَالْبَحْر يَرْمِي بِنِيَارِهِ , وَيَمُوج مِثْل الْجِبَال , وَقَدْ أَوْحَى اللَّه إِلَى الْبَحْر أَنْ لَا يَنْفَلِق حَتَّى يَضْرِبهُ مُوسَى بِالْعَصَا , فَقَالَ لَهُ يُوشَع : يَا كَلِيم اللَّه أَيْنَ أُمِرْت ؟ قَالَ : هَهُنَا , قَالَ : فَجَازَ الْبَحْر مَا يُوَارِي حَافِره الْمَاء , فَذَهَبَ الْقَوْم يَصْنَعُونَ مِثْل ذَلِكَ , فَلَمْ يَقْدِرُوا , وَقَالَ لَهُ الَّذِي يَكْتُم إِيمَانه : يَا كَلِيم اللَّه أَيْنَ أُمِرْت ؟ قَالَ : هَهُنَا , فَكَبَحَ فَرَسه بِلِجَامِهِ حَتَّى طَارَ الزَّبَد مِنْ شِدْقَيْهِ , ثُمَّ قَحَمَهُ الْبَحْر فَأَرْسَبَ فِي الْمَاء , فَأَوْحَى اللَّه إِلَى مُوسَى أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاك الْبَحْر , فَضَرَبَ بِعَصَاهُ مُوسَى الْبَحْر فَانْفَلَقَ , فَإِذَا الرَّجُل وَاقِف عَلَى فَرَسه لَمْ يَبْتَلّ سَرْجه وَلَا لِبْده .
وَقَوْله : { فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَكَانَ كُلّ طَائِفَة مِنْ الْبَحْر لَمَّا ضَرَبَهُ مُوسَى كَالْجَبَلِ الْعَظِيم . وَذُكِرَ أَنَّهُ اِنْفَلَقَ اِثْنَتَيْ عَشْرَة فِلْقَة عَلَى عَدَد الْأَسْبَاط , لِكُلِّ سِبْط مِنْهُمْ فِرْق . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20246 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم } يَقُول : كَالْجَبَلِ الْعَظِيم , فَدَخَلَتْ بَنُو إِسْرَائِيل , وَكَانَ فِي الْبَحْر اِثْنَا عَشَر طَرِيقًا , فِي كُلّ طَرِيق سِبْط , وَكَانَ الطَّرِيق كَمَا إِذَا اِنْفَلَقَتْ الْجُدْرَان , فَقَالَ : كُلّ سِبْط قَدْ قُتِلَ أَصْحَابنَا ; فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مُوسَى دَعَا اللَّه فَجَعَلَهَا قَنَاطِر كَهَيْئَةِ الطِّيقَان , فَنَظَرَ آخِرهمْ إِلَى أَوَّلهمْ حَتَّى خَرَجُوا جَمِيعًا. 20247 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , وَحَجَّاج , عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد اللَّه وَغَيْره قَالُوا : اِنْفَلَقَ الْبَحْر , فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم , اِثْنَا عَشَر طَرِيقًا فِي كُلّ طَرِيق سِبْط , وَكَانَ بَنُو إِسْرَائِيل اِثْنَيْ عَشَر سَبْطَا , وَكَانَتْ الطُّرُق بِجُدْرَانٍ , فَقَالَ كُلّ سِبْط : قَدْ قُتِلَ أَصْحَابنَا ; فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مُوسَى , دَعَا اللَّه فَجَعَلَهَا لَهُمْ بِقَنَاطِر كَهَيْئَةِ الطِّيقَان , يَنْظُر بَعْضهمْ إِلَى بَعْض , وَعَلَى أَرْض يَابِسَة كَأَنَّ الْمَاء لَمْ يُصِبْهَا قَطُّ حَتَّى عَبَرَ . 20248 - قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : لَمَّا اِنْفَلَقَ الْبَحْر لَهُمْ صَارَ فِيهِ كُوًى يَنْظُر بَعْضهمْ إِلَى بَعْض . 20249 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , قَالَ : ثَنِي مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : { فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم } أَيْ كَالْجَبَلِ عَلَى نَشَز مِنْ الْأَرْض . 20250 -حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم } يَقُول : كَالْجَبَلِ . 20251 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله : { كَالطَّوْدِ الْعَظِيم } قَالَ : كَالْجَبَلِ الْعَظِيم . وَمِنْهُ قَوْل الْأَسْوَد بْن يَعْفُر : حَلُّوا بِأَنْقِرَةٍ يَسِيل عَلَيْهُمُ مَاء الْفُرَات يَجِيء مِنْ أَطْوَاد يَعْنِي بِالْأَطْوَادِ : جَمَعَ طَوْد , وَهُوَ الْجَبَل .
وَقَوْله : { فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَكَانَ كُلّ طَائِفَة مِنْ الْبَحْر لَمَّا ضَرَبَهُ مُوسَى كَالْجَبَلِ الْعَظِيم . وَذُكِرَ أَنَّهُ اِنْفَلَقَ اِثْنَتَيْ عَشْرَة فِلْقَة عَلَى عَدَد الْأَسْبَاط , لِكُلِّ سِبْط مِنْهُمْ فِرْق . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20246 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم } يَقُول : كَالْجَبَلِ الْعَظِيم , فَدَخَلَتْ بَنُو إِسْرَائِيل , وَكَانَ فِي الْبَحْر اِثْنَا عَشَر طَرِيقًا , فِي كُلّ طَرِيق سِبْط , وَكَانَ الطَّرِيق كَمَا إِذَا اِنْفَلَقَتْ الْجُدْرَان , فَقَالَ : كُلّ سِبْط قَدْ قُتِلَ أَصْحَابنَا ; فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مُوسَى دَعَا اللَّه فَجَعَلَهَا قَنَاطِر كَهَيْئَةِ الطِّيقَان , فَنَظَرَ آخِرهمْ إِلَى أَوَّلهمْ حَتَّى خَرَجُوا جَمِيعًا. 20247 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , وَحَجَّاج , عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد اللَّه وَغَيْره قَالُوا : اِنْفَلَقَ الْبَحْر , فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم , اِثْنَا عَشَر طَرِيقًا فِي كُلّ طَرِيق سِبْط , وَكَانَ بَنُو إِسْرَائِيل اِثْنَيْ عَشَر سَبْطَا , وَكَانَتْ الطُّرُق بِجُدْرَانٍ , فَقَالَ كُلّ سِبْط : قَدْ قُتِلَ أَصْحَابنَا ; فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مُوسَى , دَعَا اللَّه فَجَعَلَهَا لَهُمْ بِقَنَاطِر كَهَيْئَةِ الطِّيقَان , يَنْظُر بَعْضهمْ إِلَى بَعْض , وَعَلَى أَرْض يَابِسَة كَأَنَّ الْمَاء لَمْ يُصِبْهَا قَطُّ حَتَّى عَبَرَ . 20248 - قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : لَمَّا اِنْفَلَقَ الْبَحْر لَهُمْ صَارَ فِيهِ كُوًى يَنْظُر بَعْضهمْ إِلَى بَعْض . 20249 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , قَالَ : ثَنِي مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : { فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم } أَيْ كَالْجَبَلِ عَلَى نَشَز مِنْ الْأَرْض . 20250 -حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم } يَقُول : كَالْجَبَلِ . 20251 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله : { كَالطَّوْدِ الْعَظِيم } قَالَ : كَالْجَبَلِ الْعَظِيم . وَمِنْهُ قَوْل الْأَسْوَد بْن يَعْفُر : حَلُّوا بِأَنْقِرَةٍ يَسِيل عَلَيْهُمُ مَاء الْفُرَات يَجِيء مِنْ أَطْوَاد يَعْنِي بِالْأَطْوَادِ : جَمَعَ طَوْد , وَهُوَ الْجَبَل .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ } يَعْنِي بِقَوْلِ تَعَالَى ذِكْره : { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ } : وَقَرَّبْنَا هُنَالِكَ آل فِرْعَوْن مِنْ الْبَحْر , وَقَدَّمْنَاهُمْ إِلَيْهِ , وَمِنْهُ قَوْله : { وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّة لِلْمُتَّقِينَ } 26 90 بِمَعْنَى : قُرِّبَتْ وَأُدْنِيَتْ ; وَمِنْهُ قَوْل الْعَجَّاج : طَيّ اللَّيَالِي زُلَفًا فَزُلَفًا سَمَاوَة الْهِلَال حَتَّى اِحْقَوْقَفَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20252 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ } قَالَ : قَرَّبْنَا . 20253 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ } قَالَ : هُمْ قَوْم فِرْعَوْن قَرَّبَهُمْ اللَّه حَتَّى أَغْرَقَهُمْ فِي الْبَحْر . 20254 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : دَنَا فِرْعَوْن وَأَصْحَابه بَعْد مَا قَطَعَ مُوسَى بِبَنِي إِسْرَائِيل الْبَحْر مِنْ الْبَحْر ; فَلَمَّا نَظَرَ فِرْعَوْن إِلَى الْبَحْر مُنْفَلِقًا , قَالَ : أَلَا تَرَوْنَ الْبَحْر فَرَقَ مِنِّي , قَدْ تَفْتَح لِي حَتَّى أُدْرِك أَعْدَائِي فَأَقْتُلهُمْ , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ } يَقُول : قَرَّبْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ هُمْ آل فِرْعَوْن ; فَلَمَّا قَامَ فِرْعَوْن عَلَى الطُّرُق , وَأَبَتْ خَيْله أَنْ تَتَقَحَّم , فَنَزَلَ جِبْرَائِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَاذِيَانَة , فَتَشَامَّتْ الْحُصُن رِيح الْمَاذِيَانَة فَاقْتَحَمَتْ فِي أَثَرهَا حَتَّى إِذَا هَمَّ أَوَّلهمْ أَنْ يَخْرُج وَدَخَلَ آخِرهمْ , أُمِرَ الْبَحْر أَنْ يَأْخُذهُمْ , فَالْتَطَمَ عَلَيْهِمْ , وَتَفَرَّدَ جِبْرَائِيل بِمُقْلَةٍ مِنْ مُقَل الْبَحْر , فَجَعَلَ يَدُسّهَا فِي فِيهِ . 20255 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : أَقْبَلَ فِرْعَوْن فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْمَاء , قَالَ أَصْحَاب مُوسَى : يَا مُكَلِّم اللَّه إِنَّ الْقَوْم يَتَّبِعُونَنَا فِي الطَّرِيق , فَاضْرِبْ بِعَصَاك الْبَحْر فَاخْلِطْهُ , فَأَرَادَ مُوسَى أَنْ يَفْعَل , فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ : أَنْ اُتْرُكْ الْبَحْر رَهْوًا يَقُول : أَمْره عَلَى سَكَنَاته { إِنَّهُمْ جُنْد مُغْرَقُونَ } 44 24 إِنَّمَا أَمْكُر بِهِمْ , فَإِذَا سَلَكُوا طَرِيقكُمْ غَرَّقْتهمْ ; فَلَمَّا نَظَرَ فِرْعَوْن إِلَى الْبَحْر قَالَ : أَلَا تَرَوْنَ الْبَحْر فَرَقَ مِنِّي حَتَّى تَفَتَّحَ لِي , حَتَّى أُدْرِك أَعْدَائِي فَأَقْتُلهُمْ ; فَلَمَّا وَقَفَ عَلَى أَفْوَاه الطُّرُق وَهُوَ عَلَى حِصَان , فَرَأَى الْحِصَان الْبَحْر فِيهِ أَمْثَال الْجِبَال هَابَ وَخَافَ , وَقَالَ فِرْعَوْن : أَنَا رَاجِع , فَمَكَرَ بِهِ جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام , فَأَقْبَلَ عَلَى فَرَس أُنْثَى , فَأَدْنَاهَا مِنْ حِصَان فِرْعَوْن , فَطَفِقَ فَرَسه لَا يَقَرّ , وَجَعَلَ جِبْرَائِيل يَقُول : تَقَدَّمْ , وَيَقُول : لَيْسَ أَحَد أَحَقّ بِالطَّرِيقِ مِنْك , فَتَشَامَّتْ الْحُصُن الْمَاذِيَانَة , فَمَا مَلَك فِرْعَوْن فَرَسه أَنْ وَلَجَ عَلَى أَثَره ; فَلَمَّا اِنْتَهَى فِرْعَوْن إِلَى وَسَط الْبَحْر , أَوْحَى اللَّه إِلَى الْبَحْر : خُذْ عَبْدِي الظَّالِم وَعِبَادِي الظُّلْمَة , سُلْطَانِي فِيك , فَإِنِّي قَدْ سَلَّطْتُك عَلَيْهِمْ , قَالَ : فَتَغَطْغَطَتْ تِلْكَ الْفِرَق مِنْ الْأَمْوَاج كَأَنَّهَا الْجِبَال , وَضَرَبَ بَعْضهَا بَعْضًا ; فَلَمَّا أَدْرَكَهُ الْغَرَق { قَالَ آمَنْت أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيل وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ } 10 90 وَكَانَ جِبْرَائِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَدِيد الْأَسَف عَلَيْهِ لِمَا رَدَّ مِنْ آيَات اللَّه , وَلِطُولِ عِلَاج مُوسَى إِيَّاهُ , فَدَخَلَ فِي أَسْفَل الْبَحْر , فَأَخْرَجَ طِينًا , فَحَشَاهُ فِي فَم فِرْعَوْن لِكَيْلَا يَقُولهَا الثَّانِيَة , فَتُدْرِكهُ الرَّحْمَة , قَالَ : فَبَعَثَ اللَّه إِلَيْهِ مِيكَائِيل يُعَيِّرهُ : { آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْت قَبْلُ وَكُنْت مِنْ الْمُفْسِدِينَ } 10 91 وَقَالَ جِبْرَائِيل : يَا مُحَمَّد مَا أَبْغَضْت أَحَدًا مِنْ خَلْق اللَّه مَا أَبْغَضْت اِثْنَيْنِ أَحَدهمَا مِنْ الْجِنّ وَهُوَ إِبْلِيس , وَالْآخَر فِرْعَوْن { قَالَ أَنَا رَبّكُمْ الْأَعْلَى } 79 24 وَلَقَدْ رَأَيْتنِي يَا مُحَمَّد , وَأَنَا أَحْشُو فِي فِيهِ مَخَافَة أَنْ يَقُول كَلِمَة يَرْحَمهُ اللَّه بِهَا . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ } وَجَمَعْنَا , قَالَ : وَمِنْهُ لَيْلَة الْمُزْدَلِفَة , قَالَ : وَمَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّهَا لَيْلَة جَمْع . وَقَالَ بَعْضهمْ : وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ وَأَهْلَكْنَا .
وَقَوْله : { وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَنْجَيْنَا مُوسَى مِمَّا أَتْبَعَنَا بِهِ فِرْعَوْن وَقَوْمه مِنْ الْغَرَق فِي الْبَحْر وَمَنْ مَعَ مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل أَجْمَعِينَ .
وَقَوْله : { ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ } يَقُول : ثُمَّ أَغْرَقْنَا فِرْعَوْن وَقَوْمه مِنْ الْقِبْط فِي الْبَحْر بَعْد أَنْ أَنْجَيْنَا مُوسَى مِنْهُ وَمَنْ مَعَهُ .
وَقَوْله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ فِيمَا فَعَلْت بِفِرْعَوْن وَمَنْ مَعَهُ تَغْرِيقِي إِيَّاهُمْ فِي الْبَحْر إِذْ كَذَّبُوا رَسُولِي مُوسَى , وَخَالَفُوا أَمْرِي بَعْد الْإِعْذَار إِلَيْهِمْ , وَالْإِنْذَار لِدَلَالَةِ بَيِّنَة يَا مُحَمَّد لِقَوْمِك مِنْ قُرَيْش عَلَى أَنَّ ذَلِكَ سُنَّتِي فِيمَنْ سَلَكَ سَبِيلهمْ مِنْ تَكْذِيب رُسُلِي , وَعِظَة لَهُمْ وَعِبْرَة أَنْ اِدَّكَرُوا وَاعْتَبَرُوا أَنْ يَفْعَلُوا مِثْل فِعْلهمْ مِنْ تَكْذِيبك مَعَ الْبُرْهَان وَالْآيَات الَّتِي قَدْ أَتَيْتهمْ , فَيَحِلّ بِهِمْ مِنْ الْعُقُوبَة نَظِير مَا حَلَّ بِهِمْ , وَلَك آيَة فِي فِعْلِي بِمُوسَى , وَتَنْجِيَتِي إِيَّاهُ بَعْد طُول عِلَاجه فِرْعَوْن وَقَوْمه مِنْهُ , وَإِظْهَارِي إِيَّاهُ وَتَوْرِيثه وَقَوْمه دُورهمْ وَأَرْضهمْ وَأَمْوَالهمْ , عَلَى أَنِّي سَالِك فِيك سَبِيله , إِنْ أَنْتَ صَبَرْت صَبْره , وَقُمْت مِنْ تَبْلِيغ الرِّسَالَة إِلَى مَنْ أَرْسَلْتُك إِلَيْهِ قِيَامه , وَمُظْهِرك عَلَى مُكَذِّبِيك , وَمُعْلِيك عَلَيْهِمْ .
يَقُول : وَمَا كَانَ أَكْثَر قَوْمك يَا مُحَمَّد مُؤْمِنِينَ بِمَا أَتَاك اللَّه مِنْ الْحَقّ الْمُبِين , فَسَابِق فِي عِلْمِي أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ .
يَقُول : وَمَا كَانَ أَكْثَر قَوْمك يَا مُحَمَّد مُؤْمِنِينَ بِمَا أَتَاك اللَّه مِنْ الْحَقّ الْمُبِين , فَسَابِق فِي عِلْمِي أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ .
{ الْعَزِيز } فِي اِنْتِقَامه مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ وَكَذَّبَ رُسُله مِنْ أَعْدَائِهِ , { الرَّحِيم } بِمَنْ أَنْجَى مِنْ رُسُله , وَأَتْبَاعهمْ مِنْ الْغَرَق وَالْعَذَاب الَّذِي عُذِّبَ بِهِ الْكَفَرَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ إِبْرَاهِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاقْصُصْ عَلَى قَوْمك مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَا مُحَمَّد خَبَر إِبْرَاهِيم حِين قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمه : أَيّ شَيْء تَعْبُدُونَ ؟
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاقْصُصْ عَلَى قَوْمك مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَا مُحَمَّد خَبَر إِبْرَاهِيم حِين قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمه : أَيّ شَيْء تَعْبُدُونَ ؟
{ قَالُوا } لَهُ : { نَعْبُد أَصْنَامًا فَنَظَلّ لَهَا عَاكِفِينَ } يَقُول : فَنَظَلّ لَهَا خَدَمًا مُقِيمِينَ عَلَى عِبَادَتهَا وَخِدْمَتهَا . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْعُكُوف بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْل , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَكَانَ اِبْن عَبَّاس فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ يَقُول فِي مَعْنَى ذَلِكَ مَا . 20256 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { قَالُوا نَعْبُد أَصْنَامًا فَنَظَلّ لَهَا عَاكِفِينَ } قَالَ : الصَّلَاة لِأَصْنَامِهِمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ إِبْرَاهِيم لَهُمْ : هَلْ تَسْمَع دُعَاءَكُمْ هَؤُلَاءِ الْآلِهَة إِذْ تَدْعُونَهُمْ ؟ وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي مَعْنَى ذَلِكَ : فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة مَعْنَاهُ : هَلْ يَسْمَعُونَ مِنْكُمْ أَوْ هَلْ يَسْمَعُونَ دُعَاءَكُمْ . فَحُذِفَ الدُّعَاء , كَمَا قَالَ زُهَيْر : الْقَائِد الْخَيْل مَنْكُوبًا دَوَابِرهَا قَدْ أُحْكِمَتْ حَكَمَات الْقِدّ وَالْأَبَقَا وَقَالَ : يُرِيد أُحْكِمَتْ حَكَمَات الْأَبَق , فَأَلْقَى الْحَكَمَات وَأَقَامَ الْأَبَق مَقَامهَا . وَقَالَ بَعْض مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ قَوْله مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة : الْفَصِيح مِنْ الْكَلَام فِي ذَلِكَ هُوَ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن , لِأَنَّ الْعَرَب تَقُول : سَمِعْت زَيْدًا مُتَكَلِّمًا , يُرِيدُونَ : سَمِعْت كَلَام زَيْد , ثُمَّ تَعْلَم أَنَّ السَّمْع لَا يَقَع عَلَى الْأَنَاسِيّ. إِنَّمَا يَقَع عَلَى كَلَامهمْ ثُمَّ يَقُولُونَ : سَمِعْت زَيْدًا : أَيْ سَمِعْت كَلَامه . قَالَ : وَلَوْ لَمْ يَقْدَم فِي بَيْت زُهَيْر حَكَمَات الْقِدّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْبَق بِالْأَبَقِ عَلَيْهَا , لِأَنَّهُ لَا يُقَال : رَأَيْت الْأَبَق , وَهُوَ يُرِيد الْحَكَمَة .
وَقَوْله : { أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ } يَقُول : أَوْ تَنْفَعكُمْ هَذِهِ الْأَصْنَام , فَيَرْزُقُونَكُمْ شَيْئًا عَلَى عِبَادَتِكُمُوهَا , أَوْ يَضُرُّونَكُمْ فَيُعَاقِبُونَكُمْ عَلَى تَرْككُمْ عِبَادَتهَا بِأَنْ يَسْلُبُوكُمْ أَمْوَالكُمْ , أَوْ يُهْلِكُوكُمْ إِذَا هَلَكْتُمْ وَأَوْلَادكُمْ { قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } . وَفِي الْكَلَام مَتْرُوك اُسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَمَّا تُرِكَ , وَذَلِكَ جَوَابهمْ إِبْرَاهِيم عَنْ مَسْأَلَته إِيَّاهُمْ : { هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ } فَكَانَ جَوَابهمْ إِيَّاهُ : لَا , مَا يَسْمَعُونَنَا إِذَا دَعَوْنَاهُمْ , وَلَا يَنْفَعُونَنَا وَلَا يَضُرُّونَ , يَدُلّ عَلَى أَنَّهُمْ بِذَلِكَ أَجَابُوهُ.
قَوْلهمْ : { بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } وَذَلِكَ رُجُوع عَنْ مَجْحُود , كَقَوْلِ الْقَائِل : مَا كَانَ كَذَا بَلْ كَذَا وَكَذَا , وَمَعْنَى قَوْلهمْ : { وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } وَجَدْنَا مِنْ قَبْلنَا وَلَا يَضُرُّونَ , يَدُلّ عَلَى أَنَّهُمْ بِذَلِكَ أَجَابُوهُ. قَوْلهمْ مِنْ آبَائِنَا يَعْبُدُونَهَا وَيَعْكُفُونَ عَلَيْهَا لِخِدْمَتِهَا وَعِبَادَتهَا , فَنَحْنُ نَفْعَل ذَلِكَ اِقْتِدَاء بِهِمْ , وَاتِّبَاعًا لِمِنْهَاجِهِمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ إِبْرَاهِيم لِقَوْمِهِ : أَفَرَأَيْتُمْ أَيّهَا الْقَوْم مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَام أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الْأَقْدَمُونَ , يَعْنِي بِالْأَقْدَمِينَ : الْأَقْدَمِينَ مِنْ الَّذِينَ كَانَ إِبْرَاهِيم يُخَاطِبهُمْ , وَهُمْ الْأَوَّلُونَ قَبْلهمْ مِمَّنْ كَانَ عَلَى مِثْل مَا كَانَ عَلَيْهِ الَّذِينَ كَلَّمَهُمْ إِبْرَاهِيم مِنْ عِبَادَة الْأَصْنَام
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ إِبْرَاهِيم لِقَوْمِهِ : أَفَرَأَيْتُمْ أَيّهَا الْقَوْم مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَام أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الْأَقْدَمُونَ , يَعْنِي بِالْأَقْدَمِينَ : الْأَقْدَمِينَ مِنْ الَّذِينَ كَانَ إِبْرَاهِيم يُخَاطِبهُمْ , وَهُمْ الْأَوَّلُونَ قَبْلهمْ مِمَّنْ كَانَ عَلَى مِثْل مَا كَانَ عَلَيْهِ الَّذِينَ كَلَّمَهُمْ إِبْرَاهِيم مِنْ عِبَادَة الْأَصْنَام
فَإِنَّهُمْ عَدُوّ لِي إِلَّا رَبّ الْعَالَمِينَ . يَقُول قَائِل : وَكَيْفَ يُوصَف الْخَشَب وَالْحَدِيد وَالنُّحَاس بِعَدَاوَةِ اِبْن آدَم ؟ فَإِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : فَإِنَّهُمْ عَدُوّ لِي لَوْ عَبَّدْتهمْ يَوْم الْقِيَامَة , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَاِتَّخَذُوا مِنْ دُون اللَّه آلِهَة لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } 19 81 : 82 . وَقَوْله : { إِلَّا رَبّ الْعَالَمِينَ } نَصْبًا عَلَى الِاسْتِثْنَاء , وَالْعَدُوّ بِمَعْنَى الْجَمْع , وَوُحِّدَ لِأَنَّهُ أُخْرِجَ مَخْرَج الْمَصْدَر , مِثْل الْقُعُود وَالْجُلُوس. وَمَعْنَى الْكَلَام : أَفَرَأَيْتُمْ كُلّ مَعْبُود لَكُمْ وَلِآبَائِكُمْ , فَإِنِّي مِنْهُ بَرِيء لَا أَعْبُدهُ , إِلَّا رَبّ الْعَالَمِينَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } يَقُول : فَإِنَّهُمْ عَدُوّ لِي إِلَّا رَبّ الْعَالَمِينَ { الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } لِلصَّوَابِ مِنْ الْقَوْل وَالْعَمَل , وَيُسَدِّدنِي لِلرَّشَادِ .
يَقُول : وَاَلَّذِي يَغْذُونِي بِالطَّعَامِ وَالشَّرَاب , وَيَرْزُقنِي الْأَرْزَاق .
يَقُول : وَإِذَا سَقِمَ جِسْمِي وَاعْتَلَّ , فَهُوَ يُبْرِئهُ وَيُعَافِيه.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِي يُمِيتنِي ثُمَّ يُحْيِينِ } يَقُول : وَاَلَّذِي يُمِيتنِي إِذَا شَاءَ ثُمَّ يُحْيِينِي إِذَا أَرَادَ بَعْد مَمَاتِي.
{ وَاَلَّذِي أَطْمَع أَنْ يَغْفِر لِي خَطِيئَتِي يَوْم الدِّين } فَرَبِّي هَذَا الَّذِي بِيَدِهِ نَفْعِي وَضُرِّي , وَلَهُ الْقُدْرَة وَالسُّلْطَان , وَلَهُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , لَا الَّذِي لَا يَسْمَع إِذَا دُعِيَ , وَلَا يَنْفَع وَلَا يَضُرّ. وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الْكَلَام مِنْ إِبْرَاهِيم اِحْتِجَاجًا عَلَى قَوْمه , فِي أَنَّهُ لَا تَصْلُح الْأُلُوهَة , وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُون الْعُبُودَة إِلَّا لِمَنْ يَفْعَل هَذِهِ الْأَفْعَال , لَا لِمَنْ لَا يُطِيق نَفْعًا وَلَا ضُرًّا . وَقِيلَ : إِنَّ إِبْرَاهِيم صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ , عُنِيَ بِقَوْلِهِ : { وَاَلَّذِي أَطْمَع أَنْ يَغْفِر لِي خَطِيئَتِي يَوْم الدِّين } : وَاَلَّذِي أَرْجُو أَنْ يَغْفِر لِي قَوْلِي : { إِنِّي سَقِيم } 37 89 , وَقَوْله : { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرهمْ هَذَا } 21 63 وَقَوْلِي لِسَارَة إِنَّهَا أُخْتِي . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20257 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { أَنْ يَغْفِر لِي خَطِيئَتِي يَوْم الدِّين } قَالَ : قَوْله : { إِنِّي سَقِيم } 37 89 وَقَوْله { فَعَلَهُ كَبِيرهمْ هَذَا } 21 63 وَقَوْله لِسَارَة : إِنَّهَا أُخْتِي , حِين أَرَادَ فِرْعَوْن مِنْ الْفَرَاعِنَة أَنْ يَأْخُذهَا . * -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَاَلَّذِي أَطْمَع أَنْ يَغْفِر لِي خَطِيئَتِي يَوْم الدِّين } قَالَ : قَوْله { إِنِّي سَقِيم } 37 89 , وَقَوْله { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرهمْ هَذَا } 21 63 وَقَوْله لِسَارَة : إِنَّهَا أُخْتِي . * - قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَبُو تُمَيْلَة , عَنْ أَبِي حَمْزَة , عَنْ جَابِر , عَنْ عِكْرِمَة وَمُجَاهِد نَحْوه . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ { يَوْم الدِّين } يَوْم الْحِسَاب , يَوْم الْمُجَازَاة . وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { رَبّ هَبْ لِي حُكْمًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ مَسْأَلَة خَلِيله إِبْرَاهِيم إِيَّاهُ { رَبّ هَبْ لِي حُكْمًا } يَقُول : رَبّ هَبْ لِي نُبُوَّة .
يَقُول : وَاجْعَلْنِي رَسُولًا إِلَى خَلْقك , حَتَّى تُلْحِقنِي بِذَلِكَ بِعِدَادِ مَنْ أَرْسَلْته مِنْ رُسُلك إِلَى خَلْقك , وَائْتَمَنْته عَلَى وَحْيك , وَاصْطَفَيْته لِنَفْسِك .
يَقُول : وَاجْعَلْنِي رَسُولًا إِلَى خَلْقك , حَتَّى تُلْحِقنِي بِذَلِكَ بِعِدَادِ مَنْ أَرْسَلْته مِنْ رُسُلك إِلَى خَلْقك , وَائْتَمَنْته عَلَى وَحْيك , وَاصْطَفَيْته لِنَفْسِك .
وَقَوْله : { وَاجْعَلْ لِي لِسَان صِدْق فِي الْآخِرِينَ } يَقُول : وَاجْعَلْ لِي فِي النَّاس ذِكْرًا جَمِيلًا , وَثَنَاء حَسَنًا , بَاقِيًا فِيمَنْ يَجِيء مِنْ الْقُرُون بَعْدِي . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20258 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ أَبِي بَكْر , عَنْ عِكْرِمَة , قَوْله : { وَاجْعَلْ لِي لِسَان صِدْق فِي الْآخَرِينَ } , قَوْله { وَآتَيْنَاهُ أَجْره فِي الدُّنْيَا } 29 27 . قَالَ : إِنَّ اللَّه فَضْله بِالْخُلَّةِ حِين اِتَّخَذَهُ خَلِيلًا , فَسَأَلَ اللَّه فَقَالَ : { وَاجْعَلْ لِي لِسَان صِدْق فِي الْآخِرِينَ } حَتَّى لَا تُكَذِّبنِي الْأُمَم , فَأَعْطَاهُ اللَّه ذَلِكَ , فَإِنَّ الْيَهُود آمَنَتْ بِمُوسَى , وَكَفَرَتْ بِعِيسَى , وَإِنَّ النَّصَارَى آمَنَتْ بِعِيسَى , وَكَفَرَتْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكُلّهمْ يَتَوَلَّى إِبْرَاهِيم ; قَالَتْ الْيَهُود : هُوَ خَلِيل اللَّه وَهُوَ مِنَّا , فَقَطَعَ اللَّه وِلَايَتهمْ مِنْهُ بَعْد مَا أَقَرُّوا لَهُ بِالنُّبُوَّةِ وَآمَنُوا بِهِ , فَقَالَ : { مَا كَانَ إِبْرَاهِيم يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا , وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ } 3 67 ثُمَّ أَلْحَقَ وِلَايَته بِكُمْ فَقَالَ : { إِنَّ أَوْلَى النَّاس بِإِبْرَاهِيم لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَاَللَّه وَلِيّ الْمُؤْمِنِينَ } 3 68 فَهَذَا أَجْره الَّذِي عُجِّلَ لَهُ , وَهِيَ الْحَسَنَة , إِذْ يَقُول : { وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَة } 16 122 وَهُوَ اللِّسَان الصِّدْق الَّذِي سَأَلَ رَبّه . 20259 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَاجْعَلْ لِي لِسَان صِدْق فِي الْآخِرِينَ } قَالَ : اللِّسَان الصِّدْق : الذِّكْر الصِّدْق , وَالثَّنَاء الصَّالِح , وَالذِّكْر الصَّالِح فِي الْآخِرِينَ مِنْ النَّاس , مِنْ الْأُمَم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَة جَنَّة النَّعِيم } يَعْنِي إِبْرَاهِيم صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ : { وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَة جَنَّة النَّعِيم } أَوْرِثْنِي يَا رَبّ مِنْ مَنَازِل مَنْ هَلَكَ مِنْ أَعْدَائِك الْمُشْرِكِينَ بِك مِنْ الْجَنَّة , وَأَسْكِنِّي ذَلِكَ .
يَقُول : وَاصْفَحْ لِأَبِي عَنْ شِرْكه بِك , وَلَا تَعَاقُبه عَلَيْهِ { إِنَّهُ كَانَ مِنْ الضَّالِّينَ } يَقُول : إِنَّهُ كَانَ مِمَّنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيل الْهُدَى , فَكَفَرَ بِك . وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْله اِسْتَغْفَرَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ , وَاخْتِلَاف أَهْل الْعِلْم فِي ذَلِكَ , وَالصَّوَاب عِنْدنَا مِنْ الْقَوْل فِيهِ فِيمَا مَضَى , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
وَقَوْله : { وَلَا تُخْزِنِي يَوْم يُبْعَثُونَ } يَقُول : وَلَا تُذِلّنِي بِعِقَابِك إِيَّايَ يَوْم تَبْعَث عِبَادك مِنْ قُبُورهمْ لِمَوْقِفِ الْقِيَامَة .
يَقُول : لَا تُخْزِنِي يَوْم لَا يَنْفَع مَنْ كَفَرَ بِك وَعَصَاك فِي الدُّنْيَا مَال كَانَ لَهُ فِي الدُّنْيَا , وَلَا بَنُوهُ الَّذِينَ كَانُوا لَهُ فِيهَا , فَيَدْفَع ذَلِكَ عَنْهُ عِقَاب اللَّه إِذَا عَاقَبَهُ , وَلَا يُنْجِيه مِنْهُ .
وَقَوْله : { إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّه بِقَلْبٍ سَلِيم } يَقُول : وَلَا تُخْزِنِي يَوْم يُبْعَثُونَ , يَوْم لَا يَنْفَع إِلَّا الْقَلْب السَّلِيم . وَاَلَّذِي عُنِيَ بِهِ مِنْ سَلَامَة الْقَلْب فِي هَذَا الْمَوْضِع : هُوَ سَلَامَة الْقَلْب مِنْ الشَّكّ فِي تَوْحِيد اللَّه , وَالْبَعْث بَعْد الْمَمَات . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20260 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ عَوْن , قَالَ : قُلْت لِمُحَمَّدٍ : مَا الْقَلْب السَّلِيم ؟ قَالَ : أَنْ يَعْلَم أَنَّ اللَّه حَقّ , وَأَنَّ السَّاعَة قَائِمَة , وَأَنَّ اللَّه يَبْعَث مَنْ فِي الْقُبُور . 20261 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : { إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّه بِقَلْبٍ سَلِيم } قَالَ : لَا شَكّ فِيهِ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّه بِقَلْبٍ سَلِيم } قَالَ : لَيْسَ فِيهِ شَكّ فِي الْحَقّ . 20262 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { بِقَلْبٍ سَلِيم } قَالَ : سَلِيم مِنْ الشِّرْك . 20263 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : { إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّه بِقَلْبٍ سَلِيم } قَالَ : سَلِيم مِنْ الشِّرْك , فَأَمَّا الذُّنُوب فَلَيْسَ يَسْلَم مِنْهَا أَحَد . 20264 - حَدَّثَنِي عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد الْآمِلِيّ , قَالَ : ثَنَا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْل اللَّه : { إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّه بِقَلْبٍ سَلِيم } قَالَ : هُوَ الْخَالِص .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّة لِلْمُتَّقِينَ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّة لِلْمُتَّقِينَ } وَأُدْنِيَتْ الْجَنَّة وَقُرِّبَتْ لِلْمُتَّقِينَ , الَّذِينَ اِتَّقُوا عِقَاب اللَّه فِي الْآخِرَة بِطَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ فِي الدُّنْيَا