سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّواْ إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُواْ فِيهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّواْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمهمْ } وَهَؤُلَاءِ فَرِيق آخَر مِنْ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يُظْهِرُونَ الْإِسْلَام لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه لِيَأْمَنُوا بِهِ عِنْدهمْ مِنْ الْقَتْل وَالسِّبَاء وَأَخْذ الْأَمْوَال وَهُمْ كُفَّار , يَعْلَم ذَلِكَ مِنْهُمْ قَوْمهمْ , إِذَا لَقُوهُمْ كَانُوا مَعَهُمْ وَعَبَدُوا مَا يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُون اللَّه لِيَأْمَنُوهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ وَنِسَائِهِمْ وَذَرَارِيّهمْ , يَقُول اللَّه : { كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَة أُرْكِسُوا فِيهَا } يَعْنِي : كُلَّمَا دَعَاهُمْ إِلَى الشِّرْك بِاَللَّهِ اِرْتَدُّوا فَصَارُوا مُشْرِكِينَ مِثْلهمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِينَ عَنَوْا بِهَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمْ نَاس كَانُوا مِنْ أَهْل مَكَّة أَسْلَمُوا عَلَى مَا وَصَفَهُمْ اللَّه بِهِ مِنْ التَّقِيَّة وَهُمْ كُفَّار , لِيَأْمَنُوا عَلَى أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ وَذَرَارِيّهمْ وَنِسَائِهِمْ , يَقُول اللَّه : { كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَة أُرْكِسُوا فِيهَا } يَعْنِي : كُلَّمَا دَعَاهُمْ إِلَى الشِّرْك بِاَللَّهِ اِرْتَدُّوا , فَصَارُوا مُشْرِكِينَ مِثْلهمْ لِيَأْمَنُوا عِنْد هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7973 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمهمْ } قَالَ نَاس كَانُوا يَأْتُونَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيُسْلِمُونَ رِيَاء , ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى قُرَيْش فَيَرْتَكِسُونَ فِي الْأَوْثَان , يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ أَنْ يَأْمَنُوا هَهُنَا وَهَهُنَا , فَأَمَرَ بِقِتَالِهِمْ إِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوا وَيُصْلِحُوا. * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 7974 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمهمْ كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَة أُرْكِسُوا فِيهَا } يَقُول : كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ فِتْنَة أُرْكِسُوا فِيهَا . وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُل كَانَ يُوجَد قَدْ تَكَلَّمَ بِالْإِسْلَامِ , فَيُقَرَّب إِلَى الْعُود وَالْجُحْر وَإِلَى الْعَقْرَب وَالْخُنْفُسَاء , فَيَقُول الْمُشْرِكُونَ لِذَلِكَ الْمُتَكَلِّم بِالْإِسْلَامِ : قُلْ هَذَا رَبِّي , لِلْخُنْفُسَاءِ وَالْعَقْرَب . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُمْ قَوْم مِنْ أَهْل الشِّرْك كَانُوا طَلَبُوا الْأَمَان مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَأْمَنُوا عِنْده وَعِنْد أَصْحَابه وَعِنْد الْمُشْرِكِينَ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7975 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمهمْ } قَالَ : حَيّ كَانُوا بِتِهَامَة , قَالُوا : يَا نَبِيّ اللَّه لَا نُقَاتِلك وَلَا نُقَاتِل قَوْمنَا , وَأَرَادُوا أَنْ يَأْمَنُوا نَبِيّ اللَّه وَيَأْمَنُوا قَوْمهمْ . فَأَبَى اللَّه ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , فَقَالَ : { كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَة أُرْكِسُوا فِيهَا } يَقُول : كُلَّمَا عَرَضَ لَهُمْ بَلَاء هَلَكُوا فِيهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي نُعَيْم بْن مَسْعُود الْأَشْجَعِيّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7976 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : ثُمَّ ذَكَرَ نُعَيْم بْن مَسْعُود الْأَشْجَعِيّ , وَكَانَ يَأْمَن فِي الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ , يَنْقُل الْحَدِيث بَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقَالَ : { سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمهمْ كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَة } يَقُول : إِلَى الشِّرْك.
وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَة أُرْكِسُوا فِيهَا } فَإِنَّهُمْ كَمَا : 7977 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَة أُرْكِسُوا فِيهَا } قَالَ : كُلَّمَا اُبْتُلُوا بِهَا عَمُوا فِيهَا . 7978 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : كُلَّمَا عُرِضَ لَهُمْ بَلَاء هَلَكُوا فِيهِ. وَالْقَوْل فِي ذَلِكَ مَا قَدْ بَيَّنْت قَبْل , وَذَلِكَ أَنَّ الْفِتْنَة فِي كَلَام الْعَرَب : الِاخْتِبَار , وَالْإِرْكَاس : الرُّجُوع . فَتَأْوِيل الْكَلَام : كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الِاخْتِبَار لِيَرْجِعُوا إِلَى الْكُفْر وَالشِّرْك رَجَعُوا إِلَيْهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمْ السَّلَم } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمهمْ , وَهِيَ كُلَّمَا دُعُوا إِلَى الشِّرْك أَجَابُوا إِلَيْهِ , وَيُلْقُوا إِلَيْكُمْ السَّلَم , وَلَمْ يَسْتَسْلِمُوا إِلَيْكُمْ فَيُعْطُوكُمْ الْمُقَاد وَيُصَالِحُوكُمْ . كَمَا : 7979 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { فَإِذْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمْ السَّلَم } قَالَ : الصُّلْح .
{ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ } يَقُول : وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ عَنْ قِتَالكُمْ ,
{ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوهُمْ أَيْنَ أَصَبْتُمُوهُمْ مِنْ الْأَرْض وَلَقِيتُمُوهُمْ فِيهَا فَاقْتُلُوهُمْ , فَإِنَّ دِمَاءَهُمْ لَكُمْ حِينَئِذٍ حَلَال .
{ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمهمْ وَهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْر , إِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمْ السَّلَم وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ , جَعَلْنَا لَكُمْ حُجَّة فِي قَتْلهمْ أَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ , بِمُقَامِهِمْ عَلَى كُفْرهمْ وَتَرْكهمْ هِجْرَة دَار الشِّرْك. { مُبِينًا } يَعْنِي أَنَّهَا تُبَيِّن عَنْ اِسْتِحْقَاقهمْ ذَلِكَ مِنْكُمْ وَإِصَابَتكُمْ الْحَقّ فِي قَتْلهمْ , وَذَلِكَ قَوْله : { سُلْطَانًا مُبِينًا } . وَالسُّلْطَان : هُوَ الْحُجَّة . كَمَا : 7980 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا قَبِيصَة , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : مَا كَانَ فِي الْقُرْآن مِنْ سُلْطَان فَهُوَ حُجَّة . 7981 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : قَوْله : { سُلْطَانًا مُبِينًا } أَمَّا السُّلْطَان الْمُبِين : فَهُوَ الْحُجَّة .
وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَة أُرْكِسُوا فِيهَا } فَإِنَّهُمْ كَمَا : 7977 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَة أُرْكِسُوا فِيهَا } قَالَ : كُلَّمَا اُبْتُلُوا بِهَا عَمُوا فِيهَا . 7978 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : كُلَّمَا عُرِضَ لَهُمْ بَلَاء هَلَكُوا فِيهِ. وَالْقَوْل فِي ذَلِكَ مَا قَدْ بَيَّنْت قَبْل , وَذَلِكَ أَنَّ الْفِتْنَة فِي كَلَام الْعَرَب : الِاخْتِبَار , وَالْإِرْكَاس : الرُّجُوع . فَتَأْوِيل الْكَلَام : كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الِاخْتِبَار لِيَرْجِعُوا إِلَى الْكُفْر وَالشِّرْك رَجَعُوا إِلَيْهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمْ السَّلَم } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمهمْ , وَهِيَ كُلَّمَا دُعُوا إِلَى الشِّرْك أَجَابُوا إِلَيْهِ , وَيُلْقُوا إِلَيْكُمْ السَّلَم , وَلَمْ يَسْتَسْلِمُوا إِلَيْكُمْ فَيُعْطُوكُمْ الْمُقَاد وَيُصَالِحُوكُمْ . كَمَا : 7979 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { فَإِذْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمْ السَّلَم } قَالَ : الصُّلْح .
{ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ } يَقُول : وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ عَنْ قِتَالكُمْ ,
{ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوهُمْ أَيْنَ أَصَبْتُمُوهُمْ مِنْ الْأَرْض وَلَقِيتُمُوهُمْ فِيهَا فَاقْتُلُوهُمْ , فَإِنَّ دِمَاءَهُمْ لَكُمْ حِينَئِذٍ حَلَال .
{ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمهمْ وَهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْر , إِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمْ السَّلَم وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ , جَعَلْنَا لَكُمْ حُجَّة فِي قَتْلهمْ أَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ , بِمُقَامِهِمْ عَلَى كُفْرهمْ وَتَرْكهمْ هِجْرَة دَار الشِّرْك. { مُبِينًا } يَعْنِي أَنَّهَا تُبَيِّن عَنْ اِسْتِحْقَاقهمْ ذَلِكَ مِنْكُمْ وَإِصَابَتكُمْ الْحَقّ فِي قَتْلهمْ , وَذَلِكَ قَوْله : { سُلْطَانًا مُبِينًا } . وَالسُّلْطَان : هُوَ الْحُجَّة . كَمَا : 7980 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا قَبِيصَة , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : مَا كَانَ فِي الْقُرْآن مِنْ سُلْطَان فَهُوَ حُجَّة . 7981 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : قَوْله : { سُلْطَانًا مُبِينًا } أَمَّا السُّلْطَان الْمُبِين : فَهُوَ الْحُجَّة .
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأ } وَمَا أَذِنَ اللَّه لِمُؤْمِنٍ وَلَا أَبَاحَ لَهُ أَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا . يَقُول : مَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ فِيمَا جَعَلَ لَهُ رَبّه وَأَذِنَ لَهُ فِيهِ مِنْ الْأَشْيَاء الْبَتَّة . كَمَا : 7982 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأ } يَقُول : مَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا أَتَاهُ مِنْ رَبّه مِنْ عَهْد اللَّه الَّذِي عَهِدَ إِلَيْهِ . وَأَمَّا قَوْله : { إِلَّا خَطَأ } فَإِنَّهُ يَقُول : إِلَّا أَنَّ الْمُؤْمِن قَدْ يَقْتُل الْمُؤْمِن خَطَأ , وَلَيْسَ لَهُ مِمَّا جَعَلَ لَهُ رَبّه فَأَبَاحَهُ لَهُ . وَهَذَا مِنْ الِاسْتِثْنَاء الَّذِي تُسَمِّيه أَهْل الْعَرَبِيَّة : الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطِع , كَمَا قَالَ جَرِير بْن عَطِيَّة : مِنْ الْبِيض لَمْ تَظْعَن بَعِيدًا وَلَمْ تَطَأ عَلَى الْأَرْض إِلَّا رَيْط بُرْدٍ مُرَحَّلِ يَعْنِي : لَمْ تَطَأ عَلَى الْأَرْض إِلَّا أَنْ تَطَأ ذَيْل الْبُرْد , وَلَيْسَ ذَيْلًا لِبُرْدٍ مِنْ الْأَرْض . وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي عَيَّاش بْن أَبِي رَبِيعَة الْمَخْزُومِيّ , وَكَانَ قَدْ قَتَلَ رَجُلًا مُسْلِمًا بَعْد إِسْلَامه وَهُوَ لَا يَعْلَم بِإِسْلَامِهِ . ذِكْر الْآثَار بِذَلِكَ : 7983 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأ } قَالَ : عَيَّاش بْن أَبِي رَبِيعَة قَتَلَ رَجُلًا مُؤْمِنًا كَانَ يُعَذِّبهُ مَعَ أَبِي جَهْل , وَهُوَ أَخُوهُ لِأُمِّهِ , فَاتَّبَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَحْسَب أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُل كَانَ كَمَا هُوَ وَكَانَ عَيَّاش هَاجَرَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤْمِنًا , فَجَاءَ أَبُو جَهْل وَهُوَ أَخُوهُ لِأُمِّهِ , فَقَالَ : إِنَّ أُمّك تُنَاشِدك رَحِمهَا وَحَقّهَا أَنْ تَرْجِع إِلَيْهَا ! وَهِيَ أَسْمَاء اِبْنَة مَخْرَمَة . فَأَقْبَلَ مَعَهُ , فَرَبَطَهُ أَبُو جَهْل حَتَّى قَدِمَ مَكَّة ; فَلَمَّا رَآهُ الْكُفَّار زَادَهُمْ ذَلِكَ كُفْرًا وَافْتِتَانًا , وَقَالُوا : إِنَّ أَبَا جَهْل لَيَقْدِر مِنْ مُحَمَّد عَلَى مَا يَشَاء وَيَأْخُذ أَصْحَابه . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثه : فَاتَّبَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ الرَّجُل وَعَيَّاش يَحْسَبهُ أَنَّهُ كَافِر كَمَا هُوَ , وَكَانَ عَيَّاش هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَة مُؤْمِنًا , فَجَاءَهُ أَبُو جَهْل وَهُوَ أَخُوهُ لِأُمِّهِ , فَقَالَ : إِنَّ أُمّك تَنْشُدك بِرَحِمِهَا وَحَقّهَا إِلَّا رَجَعْت إِلَيْهَا ! وَقَالَ أَيْضًا : فَيَأْخُذ أَصْحَابه فَيَرْبِطهُمْ . 7984 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد بِنَحْوِهِ . قَالَ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : كَانَ الْحَارِث بْن يَزِيد بْن نُبَيْشَة مِنْ بَنِي عَامِر بْن لُؤَيّ يُعَذِّب عَيَّاش بْن أَبِي رَبِيعَة مَعَ أَبِي جَهْل . ثُمَّ خَرَجَ الْحَارِث بْن يَزِيد مُهَاجِرًا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَقِيَهُ عَيَّاش بِالْحَرَّةِ فَعَلَاهُ بِالسَّيْفِ حَتَّى سَكَتَ , وَهُوَ يَحْسَب أَنَّهُ كَافِر. ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ , وَنَزَلَتْ : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأ } . .. الْآيَة , فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ , ثُمَّ قَالَ لَهُ : " قُمْ فَحَرِّرْ " . 7985 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي عَيَّاش بْن أَبِي رَبِيعَة الْمَخْزُومِيّ , فَكَانَ أَخًا لِأَبِي جَهْل بْن هِشَام لِأُمِّهِ. وَإِنَّهُ أَسْلَمَ وَهَاجَرَ فِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ قَبْل قُدُوم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَطَلَبَهُ أَبُو جَهْل وَالْحَارِث بْن هِشَام وَمَعَهُمَا رَجُل مِنْ بَنِي عَامِر بْن لُؤَيّ , فَأَتَوْهُ بِالْمَدِينَةِ , وَكَانَ عَيَّاش أَحَبّ إِخْوَته إِلَى أُمّه , فَكَلَّمُوهُ وَقَالُوا : إِنَّ أُمّك قَدْ حَلَفَتْ أَنْ لَا يُظِلّهَا بَيْت حَتَّى تَرَاك وَهِيَ مُضْطَجِعَة فِي الشَّمْس , فَأْتِهَا لِتَنْظُر إِلَيْك ثُمَّ اِرْجِعْ ! وَأَعْطَوْهُ مَوْثِقًا مِنْ اللَّه لَا يَحْجِزُونَهُ حَتَّى يَرْجِع إِلَى الْمَدِينَة . فَأَعْطَاهُ بَعْض أَصْحَابه بَعِيرًا لَهُ نَجِيبًا , وَقَالَ : إِنْ خِفْت مِنْهُمْ شَيْئًا فَاقْعُدْ عَلَى النَّجِيب. فَلَمَّا أَخْرَجُوهُ مِنْ الْمَدِينَة أَخَذُوهُ فَأَوْثَقُوهُ , وَجَلَدَهُ الْعَامِرِيّ , فَحَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ الْعَامِرِيّ . فَلَمْ يَزَلْ مَحْبُوسًا بِمَكَّة حَتَّى خَرَجَ يَوْم الْفَتْح , فَاسْتَقْبَلَهُ الْعَامِرِيّ وَقَدْ أَسْلَمَ وَلَا يَعْلَم عَيَّاش بِإِسْلَامِهِ , فَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأ } يَقُول : وَهُوَ لَا يَعْلَم أَنَّهُ مُؤْمِن , { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة وَدِيَة مُسَلَّمَة إِلَى أَهْله إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا } فَيَتْرُكُوا الدِّيَة. وَقَالَ آخَرُونَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي أَبِي الدَّرْدَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7986 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأ }. .. الْآيَة . قَالَ : نَزَلَ هَذَا فِي رَجُل قَتَلَهُ أَبُو الدَّرْدَاء كَانُوا فِي سَرِيَّة , فَعَدَلَ أَبُو الدَّرْدَاء إِلَى شِعْب يُرِيد حَاجَة لَهُ , فَوَجَدَ رَجُلًا مِنْ الْقَوْم فِي غَنَم لَهُ , فَحَمَلَ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ , فَقَالَ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , قَالَ : فَضَرَبَهُ ثُمَّ جَاءَ بِغَنَمِهِ إِلَى الْقَوْم . ثُمَّ وَجَدَ فِي نَفْسه شَيْئًا , فَأَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ , فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَلَا شَقَقْت عَنْ قَلْبه ؟ " فَقَالَ : مَا عَسَيْت أَجِد ! هَلْ هُوَ يَا رَسُول اللَّه إِلَّا دَم أَوْ مَاء ؟ قَالَ : " فَقَدْ أَخْبَرَك بِلِسَانِهِ فَلَمْ تُصَدِّقهُ " , قَالَ : كَيْفَ بِي يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : " فَكَيْفَ بِلَا إِلَه إِلَّا اللَّه ؟ " قَالَ : فَكَيْفَ بِي يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : " فَكَيْفَ بِلَا إِلَه إِلَّا اللَّه " . حَتَّى تَمَنَّيْت أَنْ يَكُون ذَلِكَ مُبْتَدَأ إِسْلَامِي. قَالَ : وَنَزَلَ الْقُرْآن : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأ }. .. حَتَّى بَلَغَ : { إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا } قَالَ : إِلَّا أَنْ يَضَعُوهَا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه عَرَّفَ عِبَاده بِهَذِهِ الْآيَة مَا عَلَى مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأ مِنْ كَفَّارَة وَدِيَة . وَجَائِز أَنْ تَكُون الْآيَة نَزَلَتْ فِي عَيَّاش بْن أَبِي رَبِيعَة وَقَتِيله , وَفِي أَبِي الدَّرْدَاء وَصَاحِبه . وَأَيّ ذَلِكَ كَانَ فَاَلَّذِي عَنَى اللَّه تَعَالَى بِالْآيَةِ تَعْرِيف عِبَاده مَا ذَكَرْنَا , وَقَدْ عَرَفَ ذَلِكَ مَنْ عَقَلَ عَنْهُ مِنْ عِبَاده تَنْزِيله , وَغَيْر ضَائِرهمْ جَهْلهمْ بِمَنْ نَزَلَتْ فِيهِ.
ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَاده بِحُكْمِ مَنْ قَتَلَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ خَطَأ , فَقَالَ : { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأ فَتَحْرِير رَقَبَة } يَقُول : فَعَلَيْهِ تَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة مِنْ مَاله وَدِيَة مُسَلَّمَة يُؤَدِّيهَا عَاقِلَته إِلَى أَهْله : { إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا } يَقُول : إِلَّا أَنْ يَصَّدَّق أَهْل الْقَتِيل خَطَأ عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ دِيَة قَتِيلهمْ , فَيَعْفُوا عَنْهُ وَيَتَجَاوَزُوا عَنْ ذَنْبه , فَيَسْقُط عَنْهُ . وَمَوْضِع " أَنْ " مِنْ قَوْله : { إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا } نَصْب , لِأَنَّ مَعْنَاهُ : فَعَلَيْهِ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا. وَأَمَّا الرَّقَبَة الْمُؤْمِنَة فَإِنَّ أَهْل الْعِلْم مُخْتَلِفُونَ فِي صِفَتهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : لَا تَكُون الرَّقَبَة مُؤْمِنَة حَتَّى تَكُون قَدْ اِخْتَارَتْ الْإِيمَان بَعْد بُلُوغهَا وَصَلَّتْ وَصَامَتْ , وَلَا يَسْتَحِقّ الطِّفْل هَذِهِ الصِّفَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7987 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي حَيَّان , قَالَ : سَأَلْت الشَّعْبِيّ عَنْ قَوْله : { فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } قَالَ : قَدْ صَلَّتْ وَعَرَفَتْ الْإِيمَان . 7988 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } يَعْنِي بِالْمُؤْمِنَةِ : مَنْ عَقَلَ الْإِيمَان وَصَامَ وَصَلَّى . 7989 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : مَا كَانَ فِي الْقُرْآن مِنْ رَقَبَة مُؤْمِنَة فَلَا يَجْزِي إِلَّا مَنْ صَامَ وَصَلَّى , وَمَا كَانَ فِي الْقُرْآن مِنْ رَقَبَة لَيْسَتْ مُؤْمِنَة , فَالصَّبِيّ يُجْزِئ. 7990 - حُدِّثْت عَنْ يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ هِشَام بْن حَسَّان , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : كُلّ شَيْء فِي كِتَاب اللَّه { فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } فَمَنْ صَامَ وَصَلَّى وَعَقَلَ , وَإِذَا قَالَ : " فَتَحْرِير رَقَبَة " : فَمَا شَاءَ . 7991 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم قَالَ : كُلّ شَيْء فِي الْقُرْآن { فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } فَاَلَّذِي قَدْ صَلَّى , وَمَا لَمْ تَكُنْ " مُؤْمِنَة " , فَتَحْرِير مَنْ لَمْ يُصَلِّ . 7992 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } وَالرَّقَبَة الْمُؤْمِنَة عِنْد قَتَادَة : مَنْ قَدْ صَلَّى . وَكَانَ يَكْرَه أَنْ يُعْتِق فِي هَذَا الطِّفْل الَّذِي لَمْ يُصَلِّ وَلَمْ يَبْلُغ ذَلِكَ. 7993 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن طَلْحَة الْيَرْبُوعِيّ , قَالَ : ثنا فُضَيْل بْن عِيَاض , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم فِي قَوْله : { فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } قَالَ : إِذَا عَقَلَ دِينه . 7994 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ فِي : { فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } لَا يُجْزِئ فِيهَا صَبِيّ. 7995 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } يُعْنَى بِالْمُؤْمِنَةِ : مَنْ قَدْ عَقَلَ الْإِيمَان وَصَامَ وَصَلَّى , فَإِنْ لَمْ يَجِد رَقَبَة فَصِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ , وَعَلَيْهِ دِيَة مُسَلَّمَة إِلَى أَهْله , إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا بِهَا عَلَيْهِ. وَقَالَ آخَرُونَ : إِذَا كَانَ مَوْلُودًا بَيْن أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ فَهُوَ مُؤْمِن وَإِنْ كَانَ طِفْلًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7996 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : كُلّ رَقَبَة وُلِدَتْ فِي الْإِسْلَام فَهِيَ تَجْزِي . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ , قَوْل مَنْ قَالَ : لَا يُجْزِئ فِي قَتْل الْخَطَأ مِنْ الرِّقَاب إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ وَهُوَ يَعْقِل الْإِيمَان مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء إِذَا كَانَ مِمَّنْ كَانَ أَبَوَاهُ عَلَى مِلَّة مِنْ الْمِلَل سِوَى الْإِسْلَام وَوُلِدَ يَتِيمًا وَهُوَ كَذَلِكَ , ثُمَّ لَمْ يُسْلِمَا وَلَا وَاحِد مِنْهُمَا حَتَّى أُعْتِقَ فِي كَفَّارَة الْخَطَأ . وَأَمَّا مَنْ وُلِدَ بَيْن أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ فَقَدْ أَجْمَعَ الْجَمِيع مِنْ أَهْل الْعِلْم أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغ حَدّ الِاخْتِيَار وَالتَّمْيِيز وَلَمْ يُدْرِك الْحُلُم فَمَحْكُوم لَهُ بِحُكْمِ أَهْل الْإِيمَان فِي الْمُوَارَثَة وَالصَّلَاة عَلَيْهِ إِنْ مَاتَ , وَمَا يَجِب عَلَيْهِ إِنْ جَنَى , وَيَجِب لَهُ إِنْ جُنِيَ عَلَيْهِ , وَفِي الْمُنَاكَحَة . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعهمْ إِجْمَاعًا , فَوَاجِب أَنْ يَكُون لَهُ مِنْ الْحُكْم فِيمَا يُجْزِئ فِيهِ مِنْ كَفَّارَة الْخَطَأ إِنْ أُعْتِقَ فِيهَا مِنْ حُكْم أَهْل الْإِيمَان مِثْل الَّذِي لَهُ مِنْ حُكْم الْإِيمَان فِي سَائِر الْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَغَيْرهَا. وَمَنْ أَبَى ذَلِكَ عُكِسَ عَلَيْهِ الْأَمْر فِيهِ , ثُمَّ سُئِلَ الْفَرْق بَيْن ذَلِكَ مِنْ أَصْل أَوْ قِيَاس , فَلَنْ يَقُول فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي غَيْره مِثْله .
وَأَمَّا الدِّيَة الْمُسَلَّمَة إِلَى أَهْل الْقَتِيل فَهِيَ الْمَدْفُوعَة إِلَيْهِمْ عَلَى مَا وَجَبَ لَهُمْ مُوَفَّرَة غَيْر مُنْتَقِصَة حُقُوق أَهْلهمْ مِنْهَا . وَذُكِرَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقُول : هِيَ الْمُوَفَّرَة . 7997 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَدِيَة مُسَلَّمَة إِلَى أَهْله } قَالَ : مُوَفَّرَة. وَأَمَّا قَوْله : { إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : إِلَّا أَنْ يَتَصَدَّقُوا بِالدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِل أَوْ عَلَى عَاقِلَته ; فَأُدْغِمَتْ التَّاء مِنْ قَوْله : " يَتَصَدَّقُوا " فِي الصَّاد فَصَارَتَا صَادًا . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة أُبَيّ : " إِلَّا أَنْ يَتَصَدَّقُوا " . 7998 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا بَكْر بْن الشَّرُود : فِي حَرْف أُبَيّ : { إِلَّا أَنْ يَتَصَدَّقُوا } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن } فَإِنْ كَانَ هَذَا الْقَتِيل الَّذِي قَتَلَهُ الْمُؤْمِن خَطَأ مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ , يَعْنِي : مِنْ عِدَاد قَوْم أَعْدَاء لَكُمْ فِي الدِّين مُشْرِكِينَ , لَمْ يَأْمَنُوكُمْ الْحَرْب عَلَى خِلَافكُمْ عَلَى الْإِسْلَام , وَهُوَ مُؤْمِن { فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } يَقُول : فَإِذَا قَتَلَ الْمُسْلِم خَطَأ رَجُلًا مِنْ عِدَاد الْمُشْرِكِينَ وَالْمَقْتُول مُؤْمِن وَالْقَاتِل يَحْسَب أَنَّهُ عَلَى كُفْره , فَعَلَيْهِ تَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُول مِنْ قَوْم هُمْ عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن ; أَيْ بَيْن أَظْهُركُمْ لَمْ يُهَاجِر , فَقَتَلَهُ مُؤْمِن , فَلَا دِيَة عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ تَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7999 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سُفْيَان , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة وَالْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم فِي قَوْله : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن } قَالَ : هُوَ الرَّجُل يُسْلِم فِي دَار الْحَرْب , فَيُقْتَل . قَالَ : لَيْسَ فِيهِ دِيَة , وَفِيهِ الْكَفَّارَة . 8000 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن } قَالَ : يَعْنِي : الْمَقْتُول يَكُون مُؤْمِنًا وَقَوْمه كُفَّار , قَالَ : فَلَيْسَ لَهُ دِيَة , وَلَكِنْ تَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة . 8001 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو غَسَّان , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن } قَالَ : يَكُون الرَّجُل مُؤْمِنًا وَقَوْمه كُفَّار , فَلَا دِيَة لَهُ , وَلَكِنْ تَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة . 8002 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن } فِي دَار الْكُفْر , يَقُول : { فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } وَلَيْسَ لَهُ دِيَة . 8003 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } وَلَا دِيَة لِأَهْلِهِ مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ كُفَّار , وَلَيْسَ بَيْنهمْ وَبَيْن اللَّه عَهْد وَلَا ذِمَّة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْل اللَّه : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن } . .. إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : كَانَ الرَّجُل يُسْلِم , ثُمَّ يَأْتِي قَوْمه فَيُقِيم فِيهِمْ وَهُمْ مُشْرِكُونَ , فَيَمُرّ بِهِمْ الْجَيْش لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيُقْتَل فِيمَنْ يُقْتَل , فَيُعْتِق قَاتِلهُ رَقَبَة وَلَا دِيَة لَهُ . 8004 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن فَتَحْرِير رَقَبَة } قَالَ : هَذَا إِذَا كَانَ الرَّجُل الْمُسْلِم مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ : أَيْ لَيْسَ لَهُمْ عَهْد يُقْتَل خَطَأ , فَإِنَّ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ تَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن } فَإِنْ كَانَ فِي أَهْل الْحَرْب وَهُوَ مُؤْمِن , فَقَتَلَهُ خَطَأ , فَعَلَى قَاتِله أَنْ يُكَفِّر بِتَحْرِيرِ رَقَبَة مُؤْمِنَة , أَوْ صِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ , وَلَا دِيَة عَلَيْهِ . 8005 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن } الْقَتِيل مُسْلِم وَقَوْمه كُفَّار , { فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } وَلَا يُؤَدِّي إِلَيْهِمْ الدِّيَة فَيَتَقَوَّوْنَ بِهَا عَلَيْكُمْ. وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِهِ الرَّجُل مِنْ أَهْل الْحَرْب يَقْدَم دَار الْإِسْلَام فَيُسْلِم ثُمَّ يَرْجِع إِلَى دَار الْحَرْب , فَإِذَا مَرَّ بِهِمْ الْجَيْش مِنْ أَهْل الْإِسْلَام هَرَبَ قَوْمه , وَأَقَامَ ذَلِكَ الْمُسْلِم مِنْهُمْ فِيهَا , فَقَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ وَهُمْ يَحْسَبُونَهُ كَافِرًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8006 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } فَهُوَ الْمُؤْمِن يَكُون فِي الْعَدُوّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَسْمَعُونَ بِالسَّرِيَّةِ مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَفِرُّونَ وَيَثْبُت الْمُؤْمِن فَيُقْتَل , فَفِيهِ تَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق فَدِيَة مُسَلَّمَة إِلَى أَهْله وَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } وَإِنْ كَانَ الْقَتِيل الَّذِي قَتَلَهُ الْمُؤْمِن خَطَأ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَبَيْنهمْ مِيثَاق : أَيْ عَهْد وَذِمَّة , وَلَيْسُوا أَهْل حَرْب لَكُمْ , { فَدِيَة مُسَلَّمَة إِلَى أَهْله } يَقُول : فَعَلَى قَاتِله دِيَة مُسَلَّمَة إِلَى أَهْله يَتَحَمَّلهَا عَاقِلَته , وَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة كَفَّارَة لِقَتْلِهِ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة هَذَا الْقَتِيل الَّذِي هُوَ مِنْ قَوْم بَيْننَا وَبَيْنهمْ مِيثَاق أَهُوَ مُؤْمِن أَوْ كَافِر ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ كَافِر , إِلَّا أَنَّهُ لَزِمَتْ قَاتِله دِيَته ; لِأَنَّ لَهُ وَلِقَوْمِهِ عَهْدًا , فَوَاجِب أَدَاء دِيَته إِلَى قَوْمه لِلْعَهْدِ الَّذِي بَيْنهمْ وَبَيْن الْمُؤْمِنِينَ , وَأَنَّهَا مَال مِنْ أَمْوَالهمْ , وَلَا يَحِلّ لِلْمُؤْمِنِينَ شَيْء مِنْ أَمْوَالهمْ بِغَيْرِ طِيب أَنْفُسهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8007 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } يَقُول : إِذَا كَانَ كَافِرًا فِي ذِمَّتكُمْ فَقُتِلَ , فَعَلَى قَاتِله الدِّيَة مُسَلَّمَة إِلَى أَهْله , وَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة , أَوْ صِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ . 8008 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَيُّوب , قَالَ : سَمِعْت الزُّهْرِيّ يَقُول : دِيَة الذِّمِّيّ دِيَة الْمُسْلِم . قَالَ : وَكَانَ يَتَأَوَّل : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق فَدِيَة مُسَلَّمَة إِلَى أَهْله } . 8009 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن إِدْرِيس , عَنْ عِيسَى بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق فَدِيَة مُسَلَّمَة إِلَى أَهْله } قَالَ : مِنْ أَهْل الْعَهْد , وَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ . 8010 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن مَهْدِيّ , عَنْ هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } وَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ . 8011 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق فَدِيَة مُسَلَّمَة إِلَى أَهْله وَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } بِقَتْلِهِ : أَيْ بِاَلَّذِي أَصَابَ مِنْ أَهْل ذِمَّته وَعَهْده ; { فَمَنْ لَمْ يَجِد فَصِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَة مِنْ اللَّه }. .. الْآيَة 8012 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق فَدِيَة مُسَلَّمَة إِلَى أَهْله } يَقُول : فَأَدُّوا إِلَيْهِمْ الدِّيَة بِالْمِيثَاقِ . قَالَ : وَأَهْل الذِّمَّة يَدْخُلُونَ فِي هَذَا , وَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة , فَمَنْ لَمْ يَجِد فَصِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ مُؤْمِن , فَعَلَى قَاتِله دِيَة يُؤَدِّيهَا إِلَى قَوْمه مِنْ الْمُشْرِكِينَ , لِأَنَّهُمْ أَهْل ذِمَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8013 - حَدَّثَنِي اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق فَدِيَة مُسَلَّمَة إِلَى أَهْله وَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } قَالَ : هَذَا الرَّجُل الْمُسْلِم وَقَوْمه مُشْرِكُونَ لَهُمْ عَقْد , فَتَكُون دِيَته لِقَوْمِهِ وَمِيرَاثه لِلْمُسْلِمِينَ , وَيَعْقِل عَنْهُ قَوْمه وَلَهُمْ دِيَته . 8014 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ هُشَيْم , عَنْ أَبِي إِسْحَاق الْكُوفِيّ , عَنْ جَابِر بْن زَيْد فِي قَوْله : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } قَالَ : وَهُوَ مُؤْمِن . 8015 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن مَهْدِيّ , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } قَالَ : هُوَ كَافِر . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِتَأْوِيلِ الْآيَة قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِذَلِكَ الْمَقْتُول مِنْ أَهْل الْعَهْد , لِأَنَّ اللَّه أَبْهَمَ ذَلِكَ , فَقَالَ : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ } وَلَمْ يَقُلْ : " وَهُوَ مُؤْمِن " كَمَا قَالَ فِي الْقَتِيل مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْل الْحَرْب ; أَوْ عَنَى الْمُؤْمِن مِنْهُمْ وَهُوَ مُؤْمِن . فَكَانَ فِي تَرْكه وَصْفه بِالْإِيمَانِ الَّذِي وَصَفَ بِهِ الْقَتِيلَيْنِ الْمَاضِيَ ذِكْرهمَا قَبْل , الدَّلِيل الْوَاضِح عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ. فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ فِي قَوْله تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَدِيَة مُسَلَّمَة إِلَى أَهْله } دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْل الْإِيمَان , لِأَنَّ الدِّيَة عِنْده لَا تَكُون إِلَّا لِمُؤْمِنٍ , فَقَدْ ظَنَّ خَطَأ ; وَذَلِكَ أَنَّ دِيَة الذِّمِّيّ وَأَهْل الْإِسْلَام سَوَاء , لِإِجْمَاعِ جَمِيعهمْ عَلَى أَنَّ دِيَات عَبِيدهمْ الْكُفَّار وَعَبِيد الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْل الْإِيمَان سَوَاء , فَكَذَلِكَ حُكْم دِيَات أَحْرَارهمْ سَوَاء , مَعَ أَنَّ دِيَاتهمْ لَوْ كَانَتْ عَلَى مَا قَالَ مَنْ خَالَفَنَا فِي ذَلِكَ , فَجَعَلَهَا عَلَى النِّصْف مِنْ دِيَات أَهْل الْإِيمَان أَوْ عَلَى الثُّلُث , لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } مِنْ أَهْل الْإِيمَان , لِأَنَّ دِيَة الْمُؤْمِنَة لَا خِلَاف بَيْن الْجَمِيع , إِلَّا مَنْ لَا يَعُدّ خِلَافًا أَنَّهَا عَلَى النِّصْف مِنْ دِيَة الْمُؤْمِن , وَذَلِكَ غَيْر مُخْرِجهَا مِنْ أَنْ تَكُون دِيَة , فَكَذَلِكَ حُكْم دِيَات أَهْل الذِّمَّة لَوْ كَانَتْ مُقَصَّرَة عَنْ دِيَات أَهْل الْإِيمَان لَمْ يُخْرِجهَا ذَلِكَ مِنْ أَنْ تَكُون دِيَات , فَكَيْفَ وَالْأَمْر فِي ذَلِكَ بِخِلَافِهِ وَدِيَاتهمْ وَدِيَات الْمُؤْمِنِينَ سَوَاء ؟ . وَأَمَّا الْمِيثَاق : فَإِنَّهُ الْعَهْد وَالذِّمَّة , وَقَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَالْأَصْل الَّذِي مِنْهُ أُخِذَ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8016 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } يَقُول : عَهْد. 8017 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ فِي قَوْله : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } قَالَ : هُوَ الْمُعَاهَدَة . 8018 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو غَسَّان , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } عَهْد . 8019 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , مِثْله . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا صِفَة الْخَطَأ الَّذِي إِذَا قَتَلَ الْمُؤْمِن الْمُؤْمِن أَوْ الْمُعَاهَد لَزِمَتْهُ دِيَته وَالْكَفَّارَة ؟ قِيلَ : هُوَ مَا قَالَ النَّخَعِيّ فِي ذَلِكَ. وَذَلِكَ مَا : 8020 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم قَالَ : الْخَطَأ أَنْ يُرِيد الشَّيْء فَيُصِيب غَيْره . 8021 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَيَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَا : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : الْخَطَأ أَنْ يَرْمِيَ الشَّيْء فَيُصِيب إِنْسَانًا وَهُوَ لَا يُرِيدهُ , فَهُوَ خَطَأ , وَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَة . فَإِنْ قَالَ : فَمَا الدِّيَة الْوَاجِبَة فِي ذَلِكَ ؟ قِيلَ : أَمَّا فِي قَتْل الْمُؤْمِن فَمِائَة مِنْ الْإِبِل إِنْ كَانَ مِنْ أَهْل الْإِبِل عَلَى عَاقِلَة قَاتِله , لَا خِلَاف بَيْن الْجَمِيع فِي ذَلِكَ , وَإِنْ كَانَ فِي مَبْلَغ أَسْنَانهَا اِخْتِلَاف بَيْن أَهْل الْعِلْم , فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول : هِيَ أَرْبَاع : خَمْس وَعِشْرُونَ مِنْهَا حِقَّة , وَخَمْس وَعِشْرُونَ جَذَعَة , وَخَمْس وَعِشْرُونَ بِنْت مَخَاض , وَخَمْس وَعِشْرُونَ بِنْت لَبُون . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8022 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : فِي الْخَطَأ شِبْه الْعَمْد ثَلَاث وَثَلَاثُونَ حِقَّة , وَثَلَاث وَثَلَاثُونَ جَذَعَة , وَأَرْبَع وَثَلَاثُونَ ثَنِيَّة إِلَى بَازِل عَامّهَا ; وَفِي الْخَطَأ : خَمْس وَعِشْرُونَ حِقَّة , وَخَمْس وَعِشْرُونَ جَذَعَة , وَخَمْس وَعِشْرُونَ بِنْت مَخَاض , وَخَمْس وَعِشْرُونَ بِنْت لَبُون . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ فِرَاس وَالشَّيْبَانِيّ , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَاصِم بْن ضَمْرَة , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنِي وَاصِل بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ أَشْعَث بْن سَوَّار , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : فِي قَتْل الْخَطَأ الدِّيَة مِائَة أَرْبَاعًا , ثُمَّ ذَكَرَ مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ أَخْمَاس : عِشْرُونَ حِقَّة , وَعِشْرُونَ جَذَعَة , وَعِشْرُونَ بِنْت لَبُون , وَعِشْرُونَ ابْن لَبُون , وَعِشْرُونَ بِنْت مَخَاض . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8023 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة عَنْ أَبِي مِجْلَز , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ : فِي الْخَطَأ عِشْرُونَ حِقَّة , وَعِشْرُونَ جَذَعَة , وَعِشْرُونَ بِنْت لَبُون , وَعِشْرُونَ ابْن لَبُون , وَعِشْرُونَ بِنْت مَخَاض . * - حَدَّثَنَا وَاصِل بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ أَشْعَث , عَنْ عَامِر , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : فِي قَتْل الْخَطَأ مِائَة مِنْ الْإِبِل أَخْمَاسًا : خَمْس جِذَاع , وَخَمْس حِقَاق , وَخَمْس بَنَات لَبُون , وَخَمْس بَنَات مَخَاض , وَخَمْس بَنِي مَخَاض . * - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي مِجْلَز , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : الدِّيَة أَخْمَاس دِيَة الْخَطَأ : خَمْس بَنَات مَخَاض , وَخَمْس بَنَات لَبُون , وَخَمْس حِقَاق , وَخَمْس جِذَاع , وَخَمْس بَنِي مَخَاض . وَاعْتَلَّ قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة بِحَدِيثٍ : 8024 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة وَأَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ حَجَّاج , عَنْ زَيْد بْن جُبَيْر , عَنْ الْخِشْف بْن مَالِك , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي الدِّيَة فِي الْخَطَأ أَخْمَاسًا . قَالَ أَبُو هِشَام : قَالَ اِبْن أَبِي زَائِدَة : عِشْرُونَ حِقَّة , وَعِشْرُونَ جَذَعَة , وَعِشْرُونَ اِبْنَة لَبُون , وَعِشْرُونَ اِبْنَة مَخَاض , وَعِشْرُونَ ابْن مَخَاض . * - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام , قَالَ : ثنا يَحْيَى , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَلْقَمَة , عَنْ عَبْد اللَّه أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ أَرْبَاع , غَيْر أَنَّهَا ثَلَاثُونَ حِقَّة , وَثَلَاثُونَ بِنْت لَبُون , وَعِشْرُونَ بِنْت مَخَاض , وَعِشْرُونَ ابْن لَبُون ذُكُور . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8025 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن بَكْر , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عَبْد رَبّه , عَنْ أَبِي عِيَاض , عَنْ عُثْمَان وَزَيْد بْن ثَابِت قَالَا : فِي الْخَطَأ شِبْه الْعَمْد : أَرْبَعُونَ جَذَعَة خَلِفَة , وَثَلَاثُونَ حِقَّة , وَثَلَاثُونَ بِنْت مَخَاض ; وَفِي الْخَطَأ : ثَلَاثُونَ حِقَّة , وَثَلَاثُونَ جَذَعَة , وَعِشْرُونَ بِنْت مَخَاض , وَعِشْرُونَ ابْن لَبُون ذُكُور. 8026 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ زَيْد بْن ثَابِت فِي دِيَة الْخَطَأ : ثَلَاثُونَ حِقَّة , وَثَلَاثُونَ بِنْت لَبُون , وَعِشْرُونَ بِنْت مَخَاض , وَعِشْرُونَ ابْن لَبُون ذُكُور . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن عَثْمَة , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن بَشِير , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عَبْد رَبّه , عَنْ أَبِي عِيَاض , عَنْ عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , قَالَ : وَحَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب عَنْ زَيْد بْن ثَابِت , مِثْله . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّ الْجَمِيع مُجْمِعُونَ أَنَّ فِي الْخَطَأ الْمَحْض عَلَى أَهْل الْإِبِل مِائَة مِنْ الْإِبِل . ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي مَبَالِغ أَسْنَانهَا , وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَصِّر بِهَا فِي الَّذِي وَجَبَتْ لَهُ الْأَسْنَان عَنْ أَقَلّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَسْنَانهَا الَّتِي حَدَّهَا الَّذِينَ ذَكَرْنَا اِخْتِلَافهمْ فِيهَا , وَأَنَّهُ لَا يُجَاوِز بِهَا الَّذِي وَجَبَتْ عَنْ أَعْلَاهَا . وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعهمْ إِجْمَاعًا , فَالْوَاجِب أَنْ يَكُون مُجْزِيًا مَنْ لَزِمَتْهُ دِيَة قَتْل خَطَأ : أَيْ هَذِهِ الْأَسْنَان الَّتِي اِخْتَلَفَ الْمُخْتَلِفُونَ فِيهَا أَدَّاهَا إِلَى مَنْ وَجَبَتْ لَهُ , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يَحُدّ ذَلِكَ بِحَدٍّ لَا يُجَاوِز بِهِ وَلَا يُقَصِّر عَنْهُ وَلَا رَسُوله إِلَّا مَا ذَكَرْت مِنْ إِجْمَاعهمْ فِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ , فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ مُجَاوَزَة ذَلِكَ فِي الْحُكْم بِتَقْصِيرٍ وَلَا زِيَادَة , وَلَهُ التَّخْيِير فِيمَا بَيْن ذَلِكَ بِمَا رَأَى الصَّلَاح فِيهِ لِلْفَرِيقَيْنِ , وَإِنْ كَانَتْ عَاقِلَة الْقَاتِل مِنْ أَهْل الذَّهَب فَإِنَّ لِوَرَثَةِ الْقَتِيل عَلَيْهِمْ عِنْدنَا أَلْف دِينَار , وَعَلَيْهِ عُلَمَاء الْأَمْصَار . وَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ تَقْوِيم مِنْ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لِإِبِلٍ عَلَى أَهْل الذَّهَب فِي عَصْره , وَالْوَاجِب أَنْ يُقَوَّم فِي كُلّ زَمَان قِيمَتهَا إِذَا عَدِمَ الْإِبِل عَاقِلَة الْقَاتِل . وَاعْتَلُّوا بِمَا : 8027 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَيُّوب بْن مُوسَى , عَنْ مَكْحُول , قَالَ : كَانَتْ الدِّيَة تَرْتَفِع وَتَنْخَفِض , فَتُوُفِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ ثَمَانمِائَةِ دِينَار , فَخَشِيَ عُمَر مِنْ بَعْده , فَجَعَلَهَا اِثْنَيْ عَشَر أَلْف دِرْهَم أَوْ أَلْف دِينَار. وَأَمَّا الَّذِينَ أَوْجَبُوهَا فِي كُلّ زَمَان عَلَى أَهْل الذَّهَب ذَهَبًا أَلْف دِينَار , فَقَالُوا : ذَلِكَ فَرِيضَة فَرَضَهَا اللَّه عَلَى لِسَان رَسُوله , كَمَا فَرَضَ الْإِبِل عَلَى أَهْل الْإِبِل . قَالُوا : وَفِي إِجْمَاع عُلَمَاء الْأَمْصَار فِي كُلّ عَصْر وَزَمَان إِلَّا مَنْ شَذَّ عَنْهُمْ , عَلَى أَنَّهَا لَا تُزَاد عَلَى أَلْف دِينَار وَلَا تُنْقَص عَنْهَا , أَوْضَح الدَّلِيل عَلَى أَنَّهَا الْوَاجِبَة عَلَى أَهْل الذَّهَب وُجُوب الْإِبِل عَلَى أَهْل الْإِبِل , لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ قِيمَة لِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِل لَاخْتَلَفَ ذَلِكَ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَان لِتَغَيُّرِ أَسْعَار الْإِبِل. وَهَذَا الْقَوْل هُوَ الْحَقّ فِي ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ إِجْمَاع الْحُجَّة عَلَيْهِ . وَأَمَّا مِنْ الْوَرِق عَلَى أَهْل الْوَرِق عِنْدنَا , فَاثْنَا عَشَر أَلْف دِرْهَم , وَقَدْ بَيَّنَّا الْعِلَل فِي ذَلِكَ فِي كِتَابنَا " كِتَاب لَطِيف الْقَوْل فِي أَحْكَام شَرَائِع الْإِسْلَام " . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عَلَى أَهْل الْوَرِق مِنْ الْوَرِق عَشَرَة آلَاف دِرْهَم . وَأَمَّا دِيَة الْمُعَاهَد الَّذِي بَيْننَا وَبَيْن قَوْمه مِيثَاق , فَإِنَّ أَهْل الْعِلْم اِخْتَلَفُوا فِي مَبْلَغهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : دِيَته وَدِيَة الْحُرّ الْمُسْلِم سَوَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8028 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا بِشْر بْن السَّرِيّ , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن سَعْد , عَنْ الزُّهْرِيّ : أَنَّ أَبَا بَكْر وَعُثْمَان رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمَا كَانَا يَجْعَلَانِ دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ إِذَا كَانَا مُعَاهَدَيْنِ كَدِيَةِ الْمُسْلِم . 8029 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا بِشْر بْن السَّرِيّ , عَنْ الدَّسْتُوَائِيّ , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , عَنْ الْحَكَم بْن عُيَيْنَة : أَنَّ اِبْن مَسْعُود كَانَ يَجْعَل دِيَة أَهْل الْكِتَاب إِذَا كَانُوا أَهْل ذِمَّة كَدِيَةِ الْمُسْلِمِينَ . 8030 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ حَمَّاد , قَالَ : سَأَلَنِي عَبْد الْحَمِيد عَنْ دِيَة أَهْل الْكِتَاب , فَأَخْبَرْته أَنَّ إِبْرَاهِيم قَالَ : إِنَّ دِيَتهمْ وَدِيَتنَا سَوَاء . 8031 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم وَدَاوُد عَنْ الشَّعْبِيّ أَنَّهُمَا قَالَا : دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ وَالْمَجُوسِيّ مِثْل دِيَة الْحُرّ الْمُسْلِم. 8032 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : كَانَ يُقَال : دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ وَالْمَجُوسِيّ كَدِيَةِ الْمُسْلِم إِذَا كَانَتْ لَهُ ذِمَّة . 8033 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد وَعَطَاء أَنَّهُمَا قَالَا : دِيَة الْمُعَاهَد دِيَة الْمُسْلِم. * - حَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا الْمَسْعُودِيّ , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , أَنَّهُ قَالَ : دِيَة الْمُسْلِم وَالْمُعَاهَد سَوَاء . 8034 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَيُّوب , قَالَ : سَمِعْت الزُّهْرِيّ يَقُول : دِيَة الذِّمِّيّ دِيَة الْمُسْلِم . 8035 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ أَشْعَث , عَنْ عَامِر قَالَ : دِيَة الذِّمِّيّ مِثْل دِيَة الْمُسْلِم . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ أَبِي مَعْشَر , عَنْ إِبْرَاهِيم مِثْله . * - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم مِثْله . 8036 - ثنا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن يَزِيد , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ عَامِر , وَبَلَغَهُ أَنَّ الْحَسَن كَانَ يَقُول : دِيَة الْمَجُوسِيّ ثَمَانمِائَةٍ وَدِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ أَرْبَعَة آلَاف , فَقَالَ : دِيَتهمْ وَاحِدَة . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : دِيَة الْمُعَاهَد وَالْمُسْلِم فِي كَفَّارَتهمَا سَوَاء . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : دِيَة الْمُعَاهَد وَالْمُسْلِم سَوَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ دِيَته عَلَى النِّصْف مِنْ دِيَة الْمُسْلِم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8037 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب فِي دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ قَالَ : جَعَلَهَا عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ نِصْف دِيَة الْمُسْلِم , وَدِيَة الْمَجُوسِيّ ثَمَانمِائَةٍ . فَقُلْت لِعَمْرِو بْن شُعَيْب : إِنَّ الْحَسَن يَقُول : أَرْبَعَة آلَاف , قَالَ : لَعَلَّهُ كَانَ ذَلِكَ قَبْل , وَقَالَ : إِنَّمَا جَعَلَ دِيَة الْمَجُوسِيّ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْد . 8038 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه الْأَشْجَعِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي الزِّنَاد , عَنْ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز قَالَ : دِيَة الْمُعَاهَد عَلَى النِّصْف مِنْ دِيَة الْمُسْلِم. وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ دِيَته عَلَى الثُّلُث مِنْ دِيَة الْمُسْلِم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8039 - حَدَّثَنِي وَاصِل بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ أَبِي عُثْمَان - قَالَ : كَانَ قَاضِيًا لِأَهْلِ مَرْو - قَالَ : جَعَلَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ أَرْبَعَة آلَاف أَرْبَعَة آلَاف . 8040 - حَدَّثَنَا عَمَّار بْن خَالِد الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : قَالَ عُمَر : دِيَة النَّصْرَانِيّ أَرْبَعَة آلَاف , وَالْمَجُوسِيّ ثَمَانمِائَةٍ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ ثَابِت , قَالَ : سَمِعْت سَعِيد بْن الْمُسَيِّب يَقُول : قَالَ عُمَر : دِيَة أَهْل الْكِتَاب أَرْبَعَة آلَاف , وَدِيَة الْمَجُوسِيّ ثَمَانمِائَةٍ . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ , فَذَكَرَ مِثْله . 8041 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَبِي الْمَلِيح : أَنَّ رَجُلًا مِنْ قَوْمه رَمَى يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ , فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عُمَر بْن الْخَطَّاب , فَأَغْرَمَهُ دِيَته أَرْبَعَة آلَاف. * - وَبِهِ عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : قَالَ عُمَر : دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ أَرْبَعَة آلَاف , أَرْبَعَة آلَاف . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَصْحَابنَا , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ عُمَر مِثْله . 8042 - قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ عَطَاء , عَنْ عُمَر مِثْله . 8043 - قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سُلَيْمَان بْن يَسَار , أَنَّهُ قَالَ : دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ أَرْبَعَة آلَاف , وَالْمَجُوسِيّ ثَمَانمِائَةٍ . 8044 - حَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا خَالِد بْن الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , مِثْله . 8045 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك فِي قَوْله : { فَمَنْ لَمْ يَجِد فَصِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } الصِّيَام لِمَنْ لَا يَجِد رَقَبَة , وَأَمَّا الدِّيَة فَوَاجِبَة لَا يُبْطِلهَا شَيْء .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ لَمْ يَجِد فَصِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَة مِنْ اللَّه } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فَمَنْ لَمْ يَجِد فَصِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } فَمَنْ لَمْ يَجِد رَقَبَة مُؤْمِنَة يُحَرِّرهَا كَفَّارَة لِخَطَئِهِ فِي قَتْله مَنْ قَتَلَ مِنْ مُؤْمِن أَوْ مُعَاهَد لِعُسْرَتِهِ بِثَمَنِهَا , { فَصِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } يَقُول : فَعَلَيْهِ صِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ فِيهِ بِنَحْوِ مَا قُلْنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8046 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { فَمَنْ لَمْ يَجِد فَصِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } قَالَ : مَنْ لَمْ يَجِد عِتْقًا - أَوْ عَتَاقَة , شَكَّ أَبُو عِصَام - فِي قَتْل مُؤْمِن خَطَأ , قَالَ : وَأُنْزِلَتْ فِي عَيَّاش بْن أَبِي رَبِيعَة قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأ . وَقَالَ آخَرُونَ : صَوْم الشَّهْرَيْنِ عَنْ الدِّيَة وَالرَّقَبَة. قَالُوا : وَتَأْوِيل الْآيَة : فَمَنْ لَمْ يَجِد رَقَبَة مُؤْمِنَة وَلَا دِيَة يُسَلِّمهَا إِلَى أَهْلهَا فَعَلَيْهِ صَوْم شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8047 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ مَسْرُوق : أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة النِّسَاء : { فَمَنْ لَمْ يَجِد فَصِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } صِيَام الشَّهْرَيْنِ عَنْ الرَّقَبَة وَحْدهَا , أَوْ عَنْ الدِّيَة وَالرَّقَبَة ؟ فَقَالَ : مَنْ لَمْ يَجِد فَهُوَ عَنْ الدِّيَة وَالرَّقَبَة . * - حَدَّثَنَا بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ عَامِر , عَنْ مَسْرُوق بِنَحْوِهِ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّ الصَّوْم عَنْ الرَّقَبَة دُون الدِّيَة , لِأَنَّ دِيَة الْخَطَأ عَلَى عَاقِلَة الْقَاتِل , وَالْكَفَّارَة عَلَى الْقَاتِل بِإِجْمَاعِ الْحُجَّة عَلَى ذَلِكَ , نَقْلًا عَنْ نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَا يَقْضِي صَوْم صَائِم عَمَّا لَزِمَ غَيْره فِي مَاله . وَالْمُتَابَعَة صَوْم الشَّهْرَيْنِ , وَلَا يَقْطَعهُ بِإِفْطَارِ بَعْض أَيَّامه لِغَيْرِ عِلَّة حَائِلَة بَيْنه وَبَيْن صَوْمه . ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { تَوْبَة مِنْ اللَّه وَكَانَ اللَّه عَلِيمًا حَكِيمًا } يَعْنِي : تَجَاوُزًا مِنْ اللَّه لَكُمْ إِلَى التَّيْسِير عَلَيْهِ بِتَخْفِيفِهِ عَنْكُمْ مَا خَفَّفَ عَنْكُمْ مِنْ فَرْض تَحْرِير الرَّقَبَة الْمُؤْمِنَة إِذَا أَعْسَرْتُمْ بِهَا بِإِيجَابِهِ عَلَيْكُمْ صَوْم شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ.
{ وَكَانَ اللَّه عَلِيمًا حَكِيمًا } يَقُول : وَلَمْ يَزَلْ اللَّه عَلِيمًا بِمَا يُصْلِح عِبَاده فِيمَا يُكَلِّفهُمْ مِنْ فَرَائِضه وَغَيْر ذَلِكَ , حَكِيمًا بِمَا يَقْضِي فِيهِمْ وَيُرِيد .
ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَاده بِحُكْمِ مَنْ قَتَلَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ خَطَأ , فَقَالَ : { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأ فَتَحْرِير رَقَبَة } يَقُول : فَعَلَيْهِ تَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة مِنْ مَاله وَدِيَة مُسَلَّمَة يُؤَدِّيهَا عَاقِلَته إِلَى أَهْله : { إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا } يَقُول : إِلَّا أَنْ يَصَّدَّق أَهْل الْقَتِيل خَطَأ عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ دِيَة قَتِيلهمْ , فَيَعْفُوا عَنْهُ وَيَتَجَاوَزُوا عَنْ ذَنْبه , فَيَسْقُط عَنْهُ . وَمَوْضِع " أَنْ " مِنْ قَوْله : { إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا } نَصْب , لِأَنَّ مَعْنَاهُ : فَعَلَيْهِ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا. وَأَمَّا الرَّقَبَة الْمُؤْمِنَة فَإِنَّ أَهْل الْعِلْم مُخْتَلِفُونَ فِي صِفَتهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : لَا تَكُون الرَّقَبَة مُؤْمِنَة حَتَّى تَكُون قَدْ اِخْتَارَتْ الْإِيمَان بَعْد بُلُوغهَا وَصَلَّتْ وَصَامَتْ , وَلَا يَسْتَحِقّ الطِّفْل هَذِهِ الصِّفَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7987 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي حَيَّان , قَالَ : سَأَلْت الشَّعْبِيّ عَنْ قَوْله : { فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } قَالَ : قَدْ صَلَّتْ وَعَرَفَتْ الْإِيمَان . 7988 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } يَعْنِي بِالْمُؤْمِنَةِ : مَنْ عَقَلَ الْإِيمَان وَصَامَ وَصَلَّى . 7989 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : مَا كَانَ فِي الْقُرْآن مِنْ رَقَبَة مُؤْمِنَة فَلَا يَجْزِي إِلَّا مَنْ صَامَ وَصَلَّى , وَمَا كَانَ فِي الْقُرْآن مِنْ رَقَبَة لَيْسَتْ مُؤْمِنَة , فَالصَّبِيّ يُجْزِئ. 7990 - حُدِّثْت عَنْ يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ هِشَام بْن حَسَّان , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : كُلّ شَيْء فِي كِتَاب اللَّه { فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } فَمَنْ صَامَ وَصَلَّى وَعَقَلَ , وَإِذَا قَالَ : " فَتَحْرِير رَقَبَة " : فَمَا شَاءَ . 7991 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم قَالَ : كُلّ شَيْء فِي الْقُرْآن { فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } فَاَلَّذِي قَدْ صَلَّى , وَمَا لَمْ تَكُنْ " مُؤْمِنَة " , فَتَحْرِير مَنْ لَمْ يُصَلِّ . 7992 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } وَالرَّقَبَة الْمُؤْمِنَة عِنْد قَتَادَة : مَنْ قَدْ صَلَّى . وَكَانَ يَكْرَه أَنْ يُعْتِق فِي هَذَا الطِّفْل الَّذِي لَمْ يُصَلِّ وَلَمْ يَبْلُغ ذَلِكَ. 7993 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن طَلْحَة الْيَرْبُوعِيّ , قَالَ : ثنا فُضَيْل بْن عِيَاض , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم فِي قَوْله : { فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } قَالَ : إِذَا عَقَلَ دِينه . 7994 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ فِي : { فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } لَا يُجْزِئ فِيهَا صَبِيّ. 7995 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } يُعْنَى بِالْمُؤْمِنَةِ : مَنْ قَدْ عَقَلَ الْإِيمَان وَصَامَ وَصَلَّى , فَإِنْ لَمْ يَجِد رَقَبَة فَصِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ , وَعَلَيْهِ دِيَة مُسَلَّمَة إِلَى أَهْله , إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا بِهَا عَلَيْهِ. وَقَالَ آخَرُونَ : إِذَا كَانَ مَوْلُودًا بَيْن أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ فَهُوَ مُؤْمِن وَإِنْ كَانَ طِفْلًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7996 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : كُلّ رَقَبَة وُلِدَتْ فِي الْإِسْلَام فَهِيَ تَجْزِي . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ , قَوْل مَنْ قَالَ : لَا يُجْزِئ فِي قَتْل الْخَطَأ مِنْ الرِّقَاب إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ وَهُوَ يَعْقِل الْإِيمَان مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء إِذَا كَانَ مِمَّنْ كَانَ أَبَوَاهُ عَلَى مِلَّة مِنْ الْمِلَل سِوَى الْإِسْلَام وَوُلِدَ يَتِيمًا وَهُوَ كَذَلِكَ , ثُمَّ لَمْ يُسْلِمَا وَلَا وَاحِد مِنْهُمَا حَتَّى أُعْتِقَ فِي كَفَّارَة الْخَطَأ . وَأَمَّا مَنْ وُلِدَ بَيْن أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ فَقَدْ أَجْمَعَ الْجَمِيع مِنْ أَهْل الْعِلْم أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغ حَدّ الِاخْتِيَار وَالتَّمْيِيز وَلَمْ يُدْرِك الْحُلُم فَمَحْكُوم لَهُ بِحُكْمِ أَهْل الْإِيمَان فِي الْمُوَارَثَة وَالصَّلَاة عَلَيْهِ إِنْ مَاتَ , وَمَا يَجِب عَلَيْهِ إِنْ جَنَى , وَيَجِب لَهُ إِنْ جُنِيَ عَلَيْهِ , وَفِي الْمُنَاكَحَة . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعهمْ إِجْمَاعًا , فَوَاجِب أَنْ يَكُون لَهُ مِنْ الْحُكْم فِيمَا يُجْزِئ فِيهِ مِنْ كَفَّارَة الْخَطَأ إِنْ أُعْتِقَ فِيهَا مِنْ حُكْم أَهْل الْإِيمَان مِثْل الَّذِي لَهُ مِنْ حُكْم الْإِيمَان فِي سَائِر الْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَغَيْرهَا. وَمَنْ أَبَى ذَلِكَ عُكِسَ عَلَيْهِ الْأَمْر فِيهِ , ثُمَّ سُئِلَ الْفَرْق بَيْن ذَلِكَ مِنْ أَصْل أَوْ قِيَاس , فَلَنْ يَقُول فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي غَيْره مِثْله .
وَأَمَّا الدِّيَة الْمُسَلَّمَة إِلَى أَهْل الْقَتِيل فَهِيَ الْمَدْفُوعَة إِلَيْهِمْ عَلَى مَا وَجَبَ لَهُمْ مُوَفَّرَة غَيْر مُنْتَقِصَة حُقُوق أَهْلهمْ مِنْهَا . وَذُكِرَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقُول : هِيَ الْمُوَفَّرَة . 7997 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَدِيَة مُسَلَّمَة إِلَى أَهْله } قَالَ : مُوَفَّرَة. وَأَمَّا قَوْله : { إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : إِلَّا أَنْ يَتَصَدَّقُوا بِالدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِل أَوْ عَلَى عَاقِلَته ; فَأُدْغِمَتْ التَّاء مِنْ قَوْله : " يَتَصَدَّقُوا " فِي الصَّاد فَصَارَتَا صَادًا . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة أُبَيّ : " إِلَّا أَنْ يَتَصَدَّقُوا " . 7998 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا بَكْر بْن الشَّرُود : فِي حَرْف أُبَيّ : { إِلَّا أَنْ يَتَصَدَّقُوا } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن } فَإِنْ كَانَ هَذَا الْقَتِيل الَّذِي قَتَلَهُ الْمُؤْمِن خَطَأ مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ , يَعْنِي : مِنْ عِدَاد قَوْم أَعْدَاء لَكُمْ فِي الدِّين مُشْرِكِينَ , لَمْ يَأْمَنُوكُمْ الْحَرْب عَلَى خِلَافكُمْ عَلَى الْإِسْلَام , وَهُوَ مُؤْمِن { فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } يَقُول : فَإِذَا قَتَلَ الْمُسْلِم خَطَأ رَجُلًا مِنْ عِدَاد الْمُشْرِكِينَ وَالْمَقْتُول مُؤْمِن وَالْقَاتِل يَحْسَب أَنَّهُ عَلَى كُفْره , فَعَلَيْهِ تَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُول مِنْ قَوْم هُمْ عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن ; أَيْ بَيْن أَظْهُركُمْ لَمْ يُهَاجِر , فَقَتَلَهُ مُؤْمِن , فَلَا دِيَة عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ تَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7999 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سُفْيَان , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة وَالْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم فِي قَوْله : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن } قَالَ : هُوَ الرَّجُل يُسْلِم فِي دَار الْحَرْب , فَيُقْتَل . قَالَ : لَيْسَ فِيهِ دِيَة , وَفِيهِ الْكَفَّارَة . 8000 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن } قَالَ : يَعْنِي : الْمَقْتُول يَكُون مُؤْمِنًا وَقَوْمه كُفَّار , قَالَ : فَلَيْسَ لَهُ دِيَة , وَلَكِنْ تَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة . 8001 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو غَسَّان , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن } قَالَ : يَكُون الرَّجُل مُؤْمِنًا وَقَوْمه كُفَّار , فَلَا دِيَة لَهُ , وَلَكِنْ تَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة . 8002 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن } فِي دَار الْكُفْر , يَقُول : { فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } وَلَيْسَ لَهُ دِيَة . 8003 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } وَلَا دِيَة لِأَهْلِهِ مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ كُفَّار , وَلَيْسَ بَيْنهمْ وَبَيْن اللَّه عَهْد وَلَا ذِمَّة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْل اللَّه : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن } . .. إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : كَانَ الرَّجُل يُسْلِم , ثُمَّ يَأْتِي قَوْمه فَيُقِيم فِيهِمْ وَهُمْ مُشْرِكُونَ , فَيَمُرّ بِهِمْ الْجَيْش لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيُقْتَل فِيمَنْ يُقْتَل , فَيُعْتِق قَاتِلهُ رَقَبَة وَلَا دِيَة لَهُ . 8004 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن فَتَحْرِير رَقَبَة } قَالَ : هَذَا إِذَا كَانَ الرَّجُل الْمُسْلِم مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ : أَيْ لَيْسَ لَهُمْ عَهْد يُقْتَل خَطَأ , فَإِنَّ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ تَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن } فَإِنْ كَانَ فِي أَهْل الْحَرْب وَهُوَ مُؤْمِن , فَقَتَلَهُ خَطَأ , فَعَلَى قَاتِله أَنْ يُكَفِّر بِتَحْرِيرِ رَقَبَة مُؤْمِنَة , أَوْ صِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ , وَلَا دِيَة عَلَيْهِ . 8005 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن } الْقَتِيل مُسْلِم وَقَوْمه كُفَّار , { فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } وَلَا يُؤَدِّي إِلَيْهِمْ الدِّيَة فَيَتَقَوَّوْنَ بِهَا عَلَيْكُمْ. وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِهِ الرَّجُل مِنْ أَهْل الْحَرْب يَقْدَم دَار الْإِسْلَام فَيُسْلِم ثُمَّ يَرْجِع إِلَى دَار الْحَرْب , فَإِذَا مَرَّ بِهِمْ الْجَيْش مِنْ أَهْل الْإِسْلَام هَرَبَ قَوْمه , وَأَقَامَ ذَلِكَ الْمُسْلِم مِنْهُمْ فِيهَا , فَقَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ وَهُمْ يَحْسَبُونَهُ كَافِرًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8006 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } فَهُوَ الْمُؤْمِن يَكُون فِي الْعَدُوّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَسْمَعُونَ بِالسَّرِيَّةِ مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَفِرُّونَ وَيَثْبُت الْمُؤْمِن فَيُقْتَل , فَفِيهِ تَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق فَدِيَة مُسَلَّمَة إِلَى أَهْله وَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } وَإِنْ كَانَ الْقَتِيل الَّذِي قَتَلَهُ الْمُؤْمِن خَطَأ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَبَيْنهمْ مِيثَاق : أَيْ عَهْد وَذِمَّة , وَلَيْسُوا أَهْل حَرْب لَكُمْ , { فَدِيَة مُسَلَّمَة إِلَى أَهْله } يَقُول : فَعَلَى قَاتِله دِيَة مُسَلَّمَة إِلَى أَهْله يَتَحَمَّلهَا عَاقِلَته , وَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة كَفَّارَة لِقَتْلِهِ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة هَذَا الْقَتِيل الَّذِي هُوَ مِنْ قَوْم بَيْننَا وَبَيْنهمْ مِيثَاق أَهُوَ مُؤْمِن أَوْ كَافِر ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ كَافِر , إِلَّا أَنَّهُ لَزِمَتْ قَاتِله دِيَته ; لِأَنَّ لَهُ وَلِقَوْمِهِ عَهْدًا , فَوَاجِب أَدَاء دِيَته إِلَى قَوْمه لِلْعَهْدِ الَّذِي بَيْنهمْ وَبَيْن الْمُؤْمِنِينَ , وَأَنَّهَا مَال مِنْ أَمْوَالهمْ , وَلَا يَحِلّ لِلْمُؤْمِنِينَ شَيْء مِنْ أَمْوَالهمْ بِغَيْرِ طِيب أَنْفُسهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8007 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } يَقُول : إِذَا كَانَ كَافِرًا فِي ذِمَّتكُمْ فَقُتِلَ , فَعَلَى قَاتِله الدِّيَة مُسَلَّمَة إِلَى أَهْله , وَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة , أَوْ صِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ . 8008 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَيُّوب , قَالَ : سَمِعْت الزُّهْرِيّ يَقُول : دِيَة الذِّمِّيّ دِيَة الْمُسْلِم . قَالَ : وَكَانَ يَتَأَوَّل : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق فَدِيَة مُسَلَّمَة إِلَى أَهْله } . 8009 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن إِدْرِيس , عَنْ عِيسَى بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق فَدِيَة مُسَلَّمَة إِلَى أَهْله } قَالَ : مِنْ أَهْل الْعَهْد , وَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ . 8010 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن مَهْدِيّ , عَنْ هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } وَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ . 8011 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق فَدِيَة مُسَلَّمَة إِلَى أَهْله وَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } بِقَتْلِهِ : أَيْ بِاَلَّذِي أَصَابَ مِنْ أَهْل ذِمَّته وَعَهْده ; { فَمَنْ لَمْ يَجِد فَصِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَة مِنْ اللَّه }. .. الْآيَة 8012 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق فَدِيَة مُسَلَّمَة إِلَى أَهْله } يَقُول : فَأَدُّوا إِلَيْهِمْ الدِّيَة بِالْمِيثَاقِ . قَالَ : وَأَهْل الذِّمَّة يَدْخُلُونَ فِي هَذَا , وَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة , فَمَنْ لَمْ يَجِد فَصِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ مُؤْمِن , فَعَلَى قَاتِله دِيَة يُؤَدِّيهَا إِلَى قَوْمه مِنْ الْمُشْرِكِينَ , لِأَنَّهُمْ أَهْل ذِمَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8013 - حَدَّثَنِي اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق فَدِيَة مُسَلَّمَة إِلَى أَهْله وَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة } قَالَ : هَذَا الرَّجُل الْمُسْلِم وَقَوْمه مُشْرِكُونَ لَهُمْ عَقْد , فَتَكُون دِيَته لِقَوْمِهِ وَمِيرَاثه لِلْمُسْلِمِينَ , وَيَعْقِل عَنْهُ قَوْمه وَلَهُمْ دِيَته . 8014 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ هُشَيْم , عَنْ أَبِي إِسْحَاق الْكُوفِيّ , عَنْ جَابِر بْن زَيْد فِي قَوْله : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } قَالَ : وَهُوَ مُؤْمِن . 8015 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن مَهْدِيّ , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } قَالَ : هُوَ كَافِر . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِتَأْوِيلِ الْآيَة قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِذَلِكَ الْمَقْتُول مِنْ أَهْل الْعَهْد , لِأَنَّ اللَّه أَبْهَمَ ذَلِكَ , فَقَالَ : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ } وَلَمْ يَقُلْ : " وَهُوَ مُؤْمِن " كَمَا قَالَ فِي الْقَتِيل مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْل الْحَرْب ; أَوْ عَنَى الْمُؤْمِن مِنْهُمْ وَهُوَ مُؤْمِن . فَكَانَ فِي تَرْكه وَصْفه بِالْإِيمَانِ الَّذِي وَصَفَ بِهِ الْقَتِيلَيْنِ الْمَاضِيَ ذِكْرهمَا قَبْل , الدَّلِيل الْوَاضِح عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ. فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ فِي قَوْله تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَدِيَة مُسَلَّمَة إِلَى أَهْله } دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْل الْإِيمَان , لِأَنَّ الدِّيَة عِنْده لَا تَكُون إِلَّا لِمُؤْمِنٍ , فَقَدْ ظَنَّ خَطَأ ; وَذَلِكَ أَنَّ دِيَة الذِّمِّيّ وَأَهْل الْإِسْلَام سَوَاء , لِإِجْمَاعِ جَمِيعهمْ عَلَى أَنَّ دِيَات عَبِيدهمْ الْكُفَّار وَعَبِيد الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْل الْإِيمَان سَوَاء , فَكَذَلِكَ حُكْم دِيَات أَحْرَارهمْ سَوَاء , مَعَ أَنَّ دِيَاتهمْ لَوْ كَانَتْ عَلَى مَا قَالَ مَنْ خَالَفَنَا فِي ذَلِكَ , فَجَعَلَهَا عَلَى النِّصْف مِنْ دِيَات أَهْل الْإِيمَان أَوْ عَلَى الثُّلُث , لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } مِنْ أَهْل الْإِيمَان , لِأَنَّ دِيَة الْمُؤْمِنَة لَا خِلَاف بَيْن الْجَمِيع , إِلَّا مَنْ لَا يَعُدّ خِلَافًا أَنَّهَا عَلَى النِّصْف مِنْ دِيَة الْمُؤْمِن , وَذَلِكَ غَيْر مُخْرِجهَا مِنْ أَنْ تَكُون دِيَة , فَكَذَلِكَ حُكْم دِيَات أَهْل الذِّمَّة لَوْ كَانَتْ مُقَصَّرَة عَنْ دِيَات أَهْل الْإِيمَان لَمْ يُخْرِجهَا ذَلِكَ مِنْ أَنْ تَكُون دِيَات , فَكَيْفَ وَالْأَمْر فِي ذَلِكَ بِخِلَافِهِ وَدِيَاتهمْ وَدِيَات الْمُؤْمِنِينَ سَوَاء ؟ . وَأَمَّا الْمِيثَاق : فَإِنَّهُ الْعَهْد وَالذِّمَّة , وَقَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَالْأَصْل الَّذِي مِنْهُ أُخِذَ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8016 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } يَقُول : عَهْد. 8017 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ فِي قَوْله : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } قَالَ : هُوَ الْمُعَاهَدَة . 8018 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو غَسَّان , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } عَهْد . 8019 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , مِثْله . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا صِفَة الْخَطَأ الَّذِي إِذَا قَتَلَ الْمُؤْمِن الْمُؤْمِن أَوْ الْمُعَاهَد لَزِمَتْهُ دِيَته وَالْكَفَّارَة ؟ قِيلَ : هُوَ مَا قَالَ النَّخَعِيّ فِي ذَلِكَ. وَذَلِكَ مَا : 8020 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم قَالَ : الْخَطَأ أَنْ يُرِيد الشَّيْء فَيُصِيب غَيْره . 8021 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَيَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَا : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : الْخَطَأ أَنْ يَرْمِيَ الشَّيْء فَيُصِيب إِنْسَانًا وَهُوَ لَا يُرِيدهُ , فَهُوَ خَطَأ , وَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَة . فَإِنْ قَالَ : فَمَا الدِّيَة الْوَاجِبَة فِي ذَلِكَ ؟ قِيلَ : أَمَّا فِي قَتْل الْمُؤْمِن فَمِائَة مِنْ الْإِبِل إِنْ كَانَ مِنْ أَهْل الْإِبِل عَلَى عَاقِلَة قَاتِله , لَا خِلَاف بَيْن الْجَمِيع فِي ذَلِكَ , وَإِنْ كَانَ فِي مَبْلَغ أَسْنَانهَا اِخْتِلَاف بَيْن أَهْل الْعِلْم , فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول : هِيَ أَرْبَاع : خَمْس وَعِشْرُونَ مِنْهَا حِقَّة , وَخَمْس وَعِشْرُونَ جَذَعَة , وَخَمْس وَعِشْرُونَ بِنْت مَخَاض , وَخَمْس وَعِشْرُونَ بِنْت لَبُون . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8022 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : فِي الْخَطَأ شِبْه الْعَمْد ثَلَاث وَثَلَاثُونَ حِقَّة , وَثَلَاث وَثَلَاثُونَ جَذَعَة , وَأَرْبَع وَثَلَاثُونَ ثَنِيَّة إِلَى بَازِل عَامّهَا ; وَفِي الْخَطَأ : خَمْس وَعِشْرُونَ حِقَّة , وَخَمْس وَعِشْرُونَ جَذَعَة , وَخَمْس وَعِشْرُونَ بِنْت مَخَاض , وَخَمْس وَعِشْرُونَ بِنْت لَبُون . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ فِرَاس وَالشَّيْبَانِيّ , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَاصِم بْن ضَمْرَة , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنِي وَاصِل بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ أَشْعَث بْن سَوَّار , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : فِي قَتْل الْخَطَأ الدِّيَة مِائَة أَرْبَاعًا , ثُمَّ ذَكَرَ مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ أَخْمَاس : عِشْرُونَ حِقَّة , وَعِشْرُونَ جَذَعَة , وَعِشْرُونَ بِنْت لَبُون , وَعِشْرُونَ ابْن لَبُون , وَعِشْرُونَ بِنْت مَخَاض . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8023 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة عَنْ أَبِي مِجْلَز , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ : فِي الْخَطَأ عِشْرُونَ حِقَّة , وَعِشْرُونَ جَذَعَة , وَعِشْرُونَ بِنْت لَبُون , وَعِشْرُونَ ابْن لَبُون , وَعِشْرُونَ بِنْت مَخَاض . * - حَدَّثَنَا وَاصِل بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ أَشْعَث , عَنْ عَامِر , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : فِي قَتْل الْخَطَأ مِائَة مِنْ الْإِبِل أَخْمَاسًا : خَمْس جِذَاع , وَخَمْس حِقَاق , وَخَمْس بَنَات لَبُون , وَخَمْس بَنَات مَخَاض , وَخَمْس بَنِي مَخَاض . * - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي مِجْلَز , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : الدِّيَة أَخْمَاس دِيَة الْخَطَأ : خَمْس بَنَات مَخَاض , وَخَمْس بَنَات لَبُون , وَخَمْس حِقَاق , وَخَمْس جِذَاع , وَخَمْس بَنِي مَخَاض . وَاعْتَلَّ قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة بِحَدِيثٍ : 8024 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة وَأَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ حَجَّاج , عَنْ زَيْد بْن جُبَيْر , عَنْ الْخِشْف بْن مَالِك , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي الدِّيَة فِي الْخَطَأ أَخْمَاسًا . قَالَ أَبُو هِشَام : قَالَ اِبْن أَبِي زَائِدَة : عِشْرُونَ حِقَّة , وَعِشْرُونَ جَذَعَة , وَعِشْرُونَ اِبْنَة لَبُون , وَعِشْرُونَ اِبْنَة مَخَاض , وَعِشْرُونَ ابْن مَخَاض . * - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام , قَالَ : ثنا يَحْيَى , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَلْقَمَة , عَنْ عَبْد اللَّه أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ أَرْبَاع , غَيْر أَنَّهَا ثَلَاثُونَ حِقَّة , وَثَلَاثُونَ بِنْت لَبُون , وَعِشْرُونَ بِنْت مَخَاض , وَعِشْرُونَ ابْن لَبُون ذُكُور . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8025 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن بَكْر , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عَبْد رَبّه , عَنْ أَبِي عِيَاض , عَنْ عُثْمَان وَزَيْد بْن ثَابِت قَالَا : فِي الْخَطَأ شِبْه الْعَمْد : أَرْبَعُونَ جَذَعَة خَلِفَة , وَثَلَاثُونَ حِقَّة , وَثَلَاثُونَ بِنْت مَخَاض ; وَفِي الْخَطَأ : ثَلَاثُونَ حِقَّة , وَثَلَاثُونَ جَذَعَة , وَعِشْرُونَ بِنْت مَخَاض , وَعِشْرُونَ ابْن لَبُون ذُكُور. 8026 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ زَيْد بْن ثَابِت فِي دِيَة الْخَطَأ : ثَلَاثُونَ حِقَّة , وَثَلَاثُونَ بِنْت لَبُون , وَعِشْرُونَ بِنْت مَخَاض , وَعِشْرُونَ ابْن لَبُون ذُكُور . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن عَثْمَة , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن بَشِير , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عَبْد رَبّه , عَنْ أَبِي عِيَاض , عَنْ عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , قَالَ : وَحَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب عَنْ زَيْد بْن ثَابِت , مِثْله . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّ الْجَمِيع مُجْمِعُونَ أَنَّ فِي الْخَطَأ الْمَحْض عَلَى أَهْل الْإِبِل مِائَة مِنْ الْإِبِل . ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي مَبَالِغ أَسْنَانهَا , وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَصِّر بِهَا فِي الَّذِي وَجَبَتْ لَهُ الْأَسْنَان عَنْ أَقَلّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَسْنَانهَا الَّتِي حَدَّهَا الَّذِينَ ذَكَرْنَا اِخْتِلَافهمْ فِيهَا , وَأَنَّهُ لَا يُجَاوِز بِهَا الَّذِي وَجَبَتْ عَنْ أَعْلَاهَا . وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعهمْ إِجْمَاعًا , فَالْوَاجِب أَنْ يَكُون مُجْزِيًا مَنْ لَزِمَتْهُ دِيَة قَتْل خَطَأ : أَيْ هَذِهِ الْأَسْنَان الَّتِي اِخْتَلَفَ الْمُخْتَلِفُونَ فِيهَا أَدَّاهَا إِلَى مَنْ وَجَبَتْ لَهُ , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يَحُدّ ذَلِكَ بِحَدٍّ لَا يُجَاوِز بِهِ وَلَا يُقَصِّر عَنْهُ وَلَا رَسُوله إِلَّا مَا ذَكَرْت مِنْ إِجْمَاعهمْ فِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ , فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ مُجَاوَزَة ذَلِكَ فِي الْحُكْم بِتَقْصِيرٍ وَلَا زِيَادَة , وَلَهُ التَّخْيِير فِيمَا بَيْن ذَلِكَ بِمَا رَأَى الصَّلَاح فِيهِ لِلْفَرِيقَيْنِ , وَإِنْ كَانَتْ عَاقِلَة الْقَاتِل مِنْ أَهْل الذَّهَب فَإِنَّ لِوَرَثَةِ الْقَتِيل عَلَيْهِمْ عِنْدنَا أَلْف دِينَار , وَعَلَيْهِ عُلَمَاء الْأَمْصَار . وَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ تَقْوِيم مِنْ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لِإِبِلٍ عَلَى أَهْل الذَّهَب فِي عَصْره , وَالْوَاجِب أَنْ يُقَوَّم فِي كُلّ زَمَان قِيمَتهَا إِذَا عَدِمَ الْإِبِل عَاقِلَة الْقَاتِل . وَاعْتَلُّوا بِمَا : 8027 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَيُّوب بْن مُوسَى , عَنْ مَكْحُول , قَالَ : كَانَتْ الدِّيَة تَرْتَفِع وَتَنْخَفِض , فَتُوُفِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ ثَمَانمِائَةِ دِينَار , فَخَشِيَ عُمَر مِنْ بَعْده , فَجَعَلَهَا اِثْنَيْ عَشَر أَلْف دِرْهَم أَوْ أَلْف دِينَار. وَأَمَّا الَّذِينَ أَوْجَبُوهَا فِي كُلّ زَمَان عَلَى أَهْل الذَّهَب ذَهَبًا أَلْف دِينَار , فَقَالُوا : ذَلِكَ فَرِيضَة فَرَضَهَا اللَّه عَلَى لِسَان رَسُوله , كَمَا فَرَضَ الْإِبِل عَلَى أَهْل الْإِبِل . قَالُوا : وَفِي إِجْمَاع عُلَمَاء الْأَمْصَار فِي كُلّ عَصْر وَزَمَان إِلَّا مَنْ شَذَّ عَنْهُمْ , عَلَى أَنَّهَا لَا تُزَاد عَلَى أَلْف دِينَار وَلَا تُنْقَص عَنْهَا , أَوْضَح الدَّلِيل عَلَى أَنَّهَا الْوَاجِبَة عَلَى أَهْل الذَّهَب وُجُوب الْإِبِل عَلَى أَهْل الْإِبِل , لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ قِيمَة لِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِل لَاخْتَلَفَ ذَلِكَ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَان لِتَغَيُّرِ أَسْعَار الْإِبِل. وَهَذَا الْقَوْل هُوَ الْحَقّ فِي ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ إِجْمَاع الْحُجَّة عَلَيْهِ . وَأَمَّا مِنْ الْوَرِق عَلَى أَهْل الْوَرِق عِنْدنَا , فَاثْنَا عَشَر أَلْف دِرْهَم , وَقَدْ بَيَّنَّا الْعِلَل فِي ذَلِكَ فِي كِتَابنَا " كِتَاب لَطِيف الْقَوْل فِي أَحْكَام شَرَائِع الْإِسْلَام " . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عَلَى أَهْل الْوَرِق مِنْ الْوَرِق عَشَرَة آلَاف دِرْهَم . وَأَمَّا دِيَة الْمُعَاهَد الَّذِي بَيْننَا وَبَيْن قَوْمه مِيثَاق , فَإِنَّ أَهْل الْعِلْم اِخْتَلَفُوا فِي مَبْلَغهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : دِيَته وَدِيَة الْحُرّ الْمُسْلِم سَوَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8028 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا بِشْر بْن السَّرِيّ , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن سَعْد , عَنْ الزُّهْرِيّ : أَنَّ أَبَا بَكْر وَعُثْمَان رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمَا كَانَا يَجْعَلَانِ دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ إِذَا كَانَا مُعَاهَدَيْنِ كَدِيَةِ الْمُسْلِم . 8029 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا بِشْر بْن السَّرِيّ , عَنْ الدَّسْتُوَائِيّ , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , عَنْ الْحَكَم بْن عُيَيْنَة : أَنَّ اِبْن مَسْعُود كَانَ يَجْعَل دِيَة أَهْل الْكِتَاب إِذَا كَانُوا أَهْل ذِمَّة كَدِيَةِ الْمُسْلِمِينَ . 8030 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ حَمَّاد , قَالَ : سَأَلَنِي عَبْد الْحَمِيد عَنْ دِيَة أَهْل الْكِتَاب , فَأَخْبَرْته أَنَّ إِبْرَاهِيم قَالَ : إِنَّ دِيَتهمْ وَدِيَتنَا سَوَاء . 8031 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم وَدَاوُد عَنْ الشَّعْبِيّ أَنَّهُمَا قَالَا : دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ وَالْمَجُوسِيّ مِثْل دِيَة الْحُرّ الْمُسْلِم. 8032 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : كَانَ يُقَال : دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ وَالْمَجُوسِيّ كَدِيَةِ الْمُسْلِم إِذَا كَانَتْ لَهُ ذِمَّة . 8033 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد وَعَطَاء أَنَّهُمَا قَالَا : دِيَة الْمُعَاهَد دِيَة الْمُسْلِم. * - حَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا الْمَسْعُودِيّ , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , أَنَّهُ قَالَ : دِيَة الْمُسْلِم وَالْمُعَاهَد سَوَاء . 8034 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَيُّوب , قَالَ : سَمِعْت الزُّهْرِيّ يَقُول : دِيَة الذِّمِّيّ دِيَة الْمُسْلِم . 8035 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ أَشْعَث , عَنْ عَامِر قَالَ : دِيَة الذِّمِّيّ مِثْل دِيَة الْمُسْلِم . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ أَبِي مَعْشَر , عَنْ إِبْرَاهِيم مِثْله . * - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم مِثْله . 8036 - ثنا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن يَزِيد , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ عَامِر , وَبَلَغَهُ أَنَّ الْحَسَن كَانَ يَقُول : دِيَة الْمَجُوسِيّ ثَمَانمِائَةٍ وَدِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ أَرْبَعَة آلَاف , فَقَالَ : دِيَتهمْ وَاحِدَة . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : دِيَة الْمُعَاهَد وَالْمُسْلِم فِي كَفَّارَتهمَا سَوَاء . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : دِيَة الْمُعَاهَد وَالْمُسْلِم سَوَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ دِيَته عَلَى النِّصْف مِنْ دِيَة الْمُسْلِم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8037 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب فِي دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ قَالَ : جَعَلَهَا عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ نِصْف دِيَة الْمُسْلِم , وَدِيَة الْمَجُوسِيّ ثَمَانمِائَةٍ . فَقُلْت لِعَمْرِو بْن شُعَيْب : إِنَّ الْحَسَن يَقُول : أَرْبَعَة آلَاف , قَالَ : لَعَلَّهُ كَانَ ذَلِكَ قَبْل , وَقَالَ : إِنَّمَا جَعَلَ دِيَة الْمَجُوسِيّ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْد . 8038 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه الْأَشْجَعِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي الزِّنَاد , عَنْ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز قَالَ : دِيَة الْمُعَاهَد عَلَى النِّصْف مِنْ دِيَة الْمُسْلِم. وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ دِيَته عَلَى الثُّلُث مِنْ دِيَة الْمُسْلِم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8039 - حَدَّثَنِي وَاصِل بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ أَبِي عُثْمَان - قَالَ : كَانَ قَاضِيًا لِأَهْلِ مَرْو - قَالَ : جَعَلَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ أَرْبَعَة آلَاف أَرْبَعَة آلَاف . 8040 - حَدَّثَنَا عَمَّار بْن خَالِد الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : قَالَ عُمَر : دِيَة النَّصْرَانِيّ أَرْبَعَة آلَاف , وَالْمَجُوسِيّ ثَمَانمِائَةٍ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ ثَابِت , قَالَ : سَمِعْت سَعِيد بْن الْمُسَيِّب يَقُول : قَالَ عُمَر : دِيَة أَهْل الْكِتَاب أَرْبَعَة آلَاف , وَدِيَة الْمَجُوسِيّ ثَمَانمِائَةٍ . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ , فَذَكَرَ مِثْله . 8041 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَبِي الْمَلِيح : أَنَّ رَجُلًا مِنْ قَوْمه رَمَى يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ , فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عُمَر بْن الْخَطَّاب , فَأَغْرَمَهُ دِيَته أَرْبَعَة آلَاف. * - وَبِهِ عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : قَالَ عُمَر : دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ أَرْبَعَة آلَاف , أَرْبَعَة آلَاف . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَصْحَابنَا , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ عُمَر مِثْله . 8042 - قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ عَطَاء , عَنْ عُمَر مِثْله . 8043 - قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سُلَيْمَان بْن يَسَار , أَنَّهُ قَالَ : دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ أَرْبَعَة آلَاف , وَالْمَجُوسِيّ ثَمَانمِائَةٍ . 8044 - حَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا خَالِد بْن الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , مِثْله . 8045 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك فِي قَوْله : { فَمَنْ لَمْ يَجِد فَصِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } الصِّيَام لِمَنْ لَا يَجِد رَقَبَة , وَأَمَّا الدِّيَة فَوَاجِبَة لَا يُبْطِلهَا شَيْء .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ لَمْ يَجِد فَصِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَة مِنْ اللَّه } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فَمَنْ لَمْ يَجِد فَصِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } فَمَنْ لَمْ يَجِد رَقَبَة مُؤْمِنَة يُحَرِّرهَا كَفَّارَة لِخَطَئِهِ فِي قَتْله مَنْ قَتَلَ مِنْ مُؤْمِن أَوْ مُعَاهَد لِعُسْرَتِهِ بِثَمَنِهَا , { فَصِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } يَقُول : فَعَلَيْهِ صِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ فِيهِ بِنَحْوِ مَا قُلْنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8046 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { فَمَنْ لَمْ يَجِد فَصِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } قَالَ : مَنْ لَمْ يَجِد عِتْقًا - أَوْ عَتَاقَة , شَكَّ أَبُو عِصَام - فِي قَتْل مُؤْمِن خَطَأ , قَالَ : وَأُنْزِلَتْ فِي عَيَّاش بْن أَبِي رَبِيعَة قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأ . وَقَالَ آخَرُونَ : صَوْم الشَّهْرَيْنِ عَنْ الدِّيَة وَالرَّقَبَة. قَالُوا : وَتَأْوِيل الْآيَة : فَمَنْ لَمْ يَجِد رَقَبَة مُؤْمِنَة وَلَا دِيَة يُسَلِّمهَا إِلَى أَهْلهَا فَعَلَيْهِ صَوْم شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8047 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ مَسْرُوق : أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة النِّسَاء : { فَمَنْ لَمْ يَجِد فَصِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } صِيَام الشَّهْرَيْنِ عَنْ الرَّقَبَة وَحْدهَا , أَوْ عَنْ الدِّيَة وَالرَّقَبَة ؟ فَقَالَ : مَنْ لَمْ يَجِد فَهُوَ عَنْ الدِّيَة وَالرَّقَبَة . * - حَدَّثَنَا بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ عَامِر , عَنْ مَسْرُوق بِنَحْوِهِ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّ الصَّوْم عَنْ الرَّقَبَة دُون الدِّيَة , لِأَنَّ دِيَة الْخَطَأ عَلَى عَاقِلَة الْقَاتِل , وَالْكَفَّارَة عَلَى الْقَاتِل بِإِجْمَاعِ الْحُجَّة عَلَى ذَلِكَ , نَقْلًا عَنْ نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَا يَقْضِي صَوْم صَائِم عَمَّا لَزِمَ غَيْره فِي مَاله . وَالْمُتَابَعَة صَوْم الشَّهْرَيْنِ , وَلَا يَقْطَعهُ بِإِفْطَارِ بَعْض أَيَّامه لِغَيْرِ عِلَّة حَائِلَة بَيْنه وَبَيْن صَوْمه . ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { تَوْبَة مِنْ اللَّه وَكَانَ اللَّه عَلِيمًا حَكِيمًا } يَعْنِي : تَجَاوُزًا مِنْ اللَّه لَكُمْ إِلَى التَّيْسِير عَلَيْهِ بِتَخْفِيفِهِ عَنْكُمْ مَا خَفَّفَ عَنْكُمْ مِنْ فَرْض تَحْرِير الرَّقَبَة الْمُؤْمِنَة إِذَا أَعْسَرْتُمْ بِهَا بِإِيجَابِهِ عَلَيْكُمْ صَوْم شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ.
{ وَكَانَ اللَّه عَلِيمًا حَكِيمًا } يَقُول : وَلَمْ يَزَلْ اللَّه عَلِيمًا بِمَا يُصْلِح عِبَاده فِيمَا يُكَلِّفهُمْ مِنْ فَرَائِضه وَغَيْر ذَلِكَ , حَكِيمًا بِمَا يَقْضِي فِيهِمْ وَيُرِيد .
وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدًا فِيهَا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا عَامِدًا قَتْله , مُرِيدًا إِتْلَاف نَفْسه , { فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم } يَقُول : فَثَوَابه مِنْ قَتْله إِيَّاهُ جَهَنَّم , يَعْنِي : عَذَاب جَهَنَّم , { خَالِدًا فِيهَا } يَعْنِي : بَاقِيًا فِيهَا. وَالْهَاء وَالْأَلِف فِي قَوْله : " فِيهَا " مِنْ ذِكْر جَهَنَّم . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة الْقَتْل الَّذِي يَسْتَحِقّ صَاحِبه أَنْ يُسَمَّى مُتَعَمِّدًا بَعْد إِجْمَاع جَمِيعهمْ عَلَى أَنَّهُ إِذَا ضَرَبَ رَجُل رَجُلًا بِحَدِّ حَدِيد يُجْرَح بِحَدِّهِ , أَوْ يُبْضِع وَيَقْطَع , فَلَمْ يُقْلِع عَنْهُ ضَرْبًا بِهِ , حَتَّى أَتْلَفَ نَفْسه , وَهُوَ فِي حَال ضَرْبه إِيَّاهُ بِهِ قَاصِد ضَرْبه أَنَّهُ عَامِد قَتْله . ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : لَا عَمْد إِلَّا مَا كَانَ كَذَلِكَ عَلَى الصِّفَة الَّتِي وَصَفْنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8048 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عَطَاء : الْعَمْد : السِّلَاح - أَوْ قَالَ : الْحَدِيد - قَالَ : وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : هُوَ السِّلَاح . 8049 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَيَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَا : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : الْعَمْد مَا كَانَ بِحَدِيدَةٍ , وَمَا كَانَ بِدُونِ حَدِيدَة فَهُوَ شِبْه الْعَمْد , لَا قَوَد فِيهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : الْعَمْد مَا كَانَ بِحَدِيدَةٍ , وَشِبْه الْعَمْد : مَا كَانَ بِخَشَبَةٍ , وَشِبْه الْعَمْد لَا يَكُون إِلَّا فِي النَّفْس . 8050 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَمَّاد الدُّولَابِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَمْرو , عَنْ طَاوُس , قَالَ : مَنْ قُتِلَ فِي عَصَبِيَّة فِي رَمْي يَكُون مِنْهُمْ بِحِجَارَةٍ أَوْ جَلْد بِالسِّيَاطِ أَوْ ضَرْب بِالْعِصِيِّ فَهُوَ خَطَأ دِيَته دِيَة الْخَطَأ , وَمَنْ قُتِلَ عَمْدًا فَهُوَ قَوَد يَدِيه. 8051 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير وَمُغِيرَة , عَنْ الْحَارِث وَأَصْحَابه فِي : الرَّجُل يَضْرِب الرَّجُل فَيَكُون مَرِيضًا حَتَّى يَمُوت , قَالَ : أَسْأَل الشُّهُود أَنَّهُ ضَرَبَهُ , فَلَمْ يَزَلْ مَرِيضًا مِنْ ضَرْبَته حَتَّى مَاتَ , فَإِنْ كَانَ بِسِلَاحٍ فَهُوَ قَوَد , وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ شِبْه الْعَمْد . وَقَالَ آخَرُونَ : كُلّ مَا عَمَدَ الضَّارِب إِتْلَاف نَفْس الْمَضْرُوب فَهُوَ عَمْد , إِذَا كَانَ الَّذِي ضَرَبَ بِهِ الْأَغْلَب مِنْهُ أَنَّهُ يَقْتُل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8052 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن يَحْيَى , عَنْ حِبَّان بْن أَبِي جَبَلَة عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر , أَنَّهُ قَالَ : وَأَيّ عَمْد هُوَ أَعْمَد مِنْ أَنْ يَضْرِب رَجُلًا بِعَصًا ثُمَّ لَا يُقْلِع عَنْهُ حَتَّى يَمُوت . 8053 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي هَاشِم , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : إِذَا خَنَقَهُ بِحَبْلٍ حَتَّى يَمُوت أَوْ ضَرَبَهُ بِخَشَبَةٍ حَتَّى يَمُوت فَهُوَ الْقَوَد . وَعِلَّة مَنْ قَالَ كُلّ مَا عَدَا الْحَدِيد خَطَأ , مَا : 8054 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي عَازِب , عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير , قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كُلّ شَيْء خَطَأ إِلَّا السَّيْف , وَلِكُلّ خَطَأ أَرْش " . وَعِلَّة مَنْ قَالَ : حُكْم كُلّ مَا قُتِلَ الْمَضْرُوب بِهِ مِنْ شَيْء حُكْم السَّيْف مِنْ أَنَّ مَنْ قُتِلَ بِهِ قَتِيل عَمْد , مَا : 8055 - حَدَّثَنَا بِهِ اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا هَمَّام , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس بْن مَالِك : أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَة عَلَى أَوْضَاح لَهَا بَيْن حَجَرَيْنِ , فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَتَلَهُ بَيْن حَجَرَيْنِ . قَالُوا : فَأَقَادَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَاتِل بِحَجَرٍ وَذَلِكَ غَيْر حَدِيد . قَالُوا : وَكَذَلِكَ حُكْم كُلّ مَنْ قَتَلَ رَجُلًا بِشَيْءٍ الْأَغْلَب مِنْهُ أَنَّهُ يُقْتَل مِثْل الْمَقْتُول بِهِ , نَظِير حُكْم الْيَهُودِيّ الْقَاتِل الْجَارِيَة بَيْن الْحَجَرَيْنِ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا قَوْل مَنْ قَالَ : كُلّ مَنْ ضَرَبَ إِنْسَانًا بِشَيْءٍ الْأَغْلَب مِنْهُ أَنَّهُ يُتْلِفهُ , فَلَمْ يُقْلِع عَنْهُ حَتَّى أَتْلَفَ نَفْسه بِهِ أَنَّهُ قَاتِل عَمْد مَا كَانَ الْمَضْرُوب بِهِ مِنْ شَيْء ; لِلَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَأَمَّا قَوْله : { فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدًا فِيهَا } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم إِنْ جَازَاهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8056 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي مِجْلَز فِي قَوْله : { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم } قَالَ : هُوَ جَزَاؤُهُ , وَإِنْ شَاءَ تَجَاوَزَ عَنْهُ. 8057 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو النُّعْمَان الْحَكَم بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ يَسَار , عَنْ أَبِي صَالِح : { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم } قَالَ : جَزَاؤُهُ جَهَنَّم إِنْ جَازَاهُ. وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِذَلِكَ رَجُل بِعَيْنِهِ كَانَ أَسْلَمَ , فَارْتَدَّ عَنْ إِسْلَامه وَقَتَلَ رَجُلًا مُؤْمِنًا ; قَالُوا : فَمَعْنَى الْآيَة : وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا مُسْتَحِلًّا قَتْله , فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدًا فِيهَا. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8058 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة : أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَار قَتَلَ أَخَا مِقْيَس بْن صُبَابَة , فَأَعْطَاهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدِّيَة فَقَبِلَهَا , ثُمَّ وَثَبَ عَلَى قَاتِل أَخِيهِ فَقَتَلَهُ . قَالَ اِبْن جُرَيْج وَقَالَ غَيْره : ضَرَبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَته عَلَى بَنِي النَّجَّار , ثُمَّ بَعَثَ مِقْيَسًا وَبَعَثَ مَعَهُ رَجُلًا مِنْ بَنِي فِهْر فِي حَاجَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَاحْتَمَلَ مِقْيَس الفِهْرِيّ وَكَانَ أَيِّدًا , فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْض , وَرَضَخَ رَأْسه بَيْن حَجَرَيْنِ , ثُمَّ أُلْفِيَ يَتَغَنَّى : قَتَلْت بِهِ فِهْرًا وَحَمَلَتْ عَقْله سَرَاة بَنِي النَّجَّار أَرْبَاب فَارِع فَقَالَ النَّبِيّ : " أَظُنّهُ قَدْ أَحْدَثَ حَدَثًا , أَمَا وَاَللَّه لَئِنْ كَانَ فَعَلَ لَا أُؤَمِّنهُ فِي حِلّ وَلَا حَرَم , وَلَا سِلْم وَلَا حَرْب " فَقُتِلَ يَوْم الْفَتْح ; قَالَ اِبْن جُرَيْج : وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا } ... الْآيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِلَّا مَنْ تَابَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8059 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر , أَوْ حَدَّثَنِي الْحَكَم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : سَأَلْت اِبْن عَبَّاس عَنْ قَوْله : { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم } قَالَ : إِنَّ الرَّجُل إِذَا عَرَفَ الْإِسْلَام وَشَرَائِع الْإِسْلَام ثُمَّ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم , وَلَا تَوْبَة لَهُ . فَذَكَرْت ذَلِكَ لِمُجَاهِدٍ , فَقَالَ : إِلَّا مَنْ نَدِمَ . وَقَالَ آخَرُونَ : ذَلِكَ إِيجَاب مِنْ اللَّه الْوَعِيد لِقَاتِلِ الْمُؤْمِن مُتَعَمِّدًا كَائِنًا مَنْ كَانَ الْقَاتِل , عَلَى مَا وَصَفَهُ فِي كِتَابه , وَلَمْ يَجْعَل لَهُ تَوْبَة مِنْ فِعْله . قَالُوا : فَكُلّ قَاتِل مُؤْمِن عَمْدًا فَلَهُ مَا أَوْعَدَهُ اللَّه مِنْ الْعَذَاب وَالْخُلُود فِي النَّار , وَلَا تَوْبَة لَهُ . وَقَالُوا : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة بَعْد الَّتِي فِي سُورَة الْفُرْقَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8060 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ يَحْيَى الْجَابِر , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , قَالَ : كُنَّا عِنْد اِبْن عَبَّاس بَعْد مَا كُفَّ بَصَره , فَأَتَاهُ رَجُل فَنَادَاهُ : يَا عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس مَا تَرَى فِي رَجُل قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا ؟ فَقَالَ : جَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدًا فِيهَا , وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ , وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا. قَالَ : أَفَرَأَيْت إِنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اِهْتَدَى ؟ قَالَ اِبْن عَبَّاس : ثَكِلَتْهُ أُمّه , وَأَنَّى لَهُ التَّوْبَة وَالْهُدَى , فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سَمِعْت نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " ثَكِلَتْهُ أُمّه ! رَجُل قَتَلَ رَجُلًا مُتَعَمِّدًا , جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة آخِذًا بِيَمِينِهِ أَوْ بِشِمَالِهِ , تَشْخَب أَوْدَاجه دَمًا , فِي قُبُلِ عَرْش الرَّحْمَن , يَلْزَم قَاتِله بِيَدِهِ الْأُخْرَى يَقُول : سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي " . وَاَلَّذِي نَفْس عَبْد اللَّه بِيَدِهِ لَقَدْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة فَمَا نَسَخَتْهَا مِنْ آيَة حَتَّى قُبِضَ نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَا نَزَلَ بَعْدهَا مِنْ بُرْهَان . 8061 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد , عَنْ عَمْرو بْن قَيْس , عَنْ يَحْيَى بْن الْحَارِث التَّيْمِيّ , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } فَقِيلَ لَهُ : وَإِنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ؟ فَقَالَ : وَأَنَّى لَهُ التَّوْبَة !. * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُوسَى بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا هَمَّام عَنْ يَحْيَى , عَنْ رَجُل , عَنْ سَالِم , قَالَ كُنْت جَالِسًا مَعَ اِبْن عَبَّاس , فَسَأَلَهُ رَجُل فَقَالَ : أَرَأَيْت رَجُلًا قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا أَيْنَ مَنْزِله ؟ قَالَ : جَهَنَّم خَالِدًا فِيهَا , وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ , وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا . قَالَ : أَفَرَأَيْت إِنْ هُوَ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اِهْتَدَى ؟ قَالَ : وَأَنَّى لَهُ الْهُدَى ثَكِلَتْهُ أُمّه ! وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَسَمِعْته يَقُول - يَعْنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة مُعَلِّقًا رَأْسه بِإِحْدَى يَدَيْهِ , إِمَّا بِيَمِينِهِ أَوْ بِشِمَالِهِ , آخِذًا صَاحِبه بِيَدِهِ الْأُخْرَى تَشْخَب أَوْدَاجه حِيَال عَرْش الرَّحْمَن يَقُول : يَا رَبّ سَلْ عَبْدك هَذَا عَلَامَ قَتَلَنِي ؟ " فَمَا جَاءَ نَبِيّ بَعْد نَبِيّكُمْ , وَلَا نَزَلَ كِتَاب بَعْد كِتَابكُمْ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا قَبِيصَة , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن زُرَيْق , عَنْ عَمَّار الدُّهْنِيّ , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , عَنْ اِبْن عَبَّاس بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثه : فَوَاَللَّهِ لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَى نَبِيّكُمْ ثُمَّ مَا نَسَخَهَا شَيْء , وَلَقَدْ سَمِعْته يَقُول : " وَيْل لِقَاتِلِ الْمُؤْمِن , يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة آخِذًا رَأْسه بِيَدِهِ " ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيث نَحْوه . 8062 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : قَالَ لِي عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبْزَى : سُئِلَ اِبْن عَبَّاس عَنْ قَوْله : { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم } فَقَالَ : لَمْ يَنْسَخهَا شَيْء . وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا } 25 68 قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَهْل الشِّرْك . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : أَمَرَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبْزَى أَنْ أَسْأَل اِبْن عَبَّاس عَنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ , فَذَكَرَ نَحْوه . 8063 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا طَلْق بْن غَنَّام , عَنْ زَائِدَة , عَنْ مَنْصُور , قَالَ : حَدَّثَنِي سَعِيد بْن جُبَيْر , أَوْ حُدِّثْت عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , أَنَّ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبْزَى أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَل اِبْن عَبَّاس عَنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ الَّتِي فِي النِّسَاء : { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم } . .. إِلَى آخِر الْآيَة , وَاَلَّتِي فِي الْفُرْقَان : { وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا } . .. إِلَى : { وَيَخْلُد فِيهِ مُهَانًا } 25 68 قَالَ اِبْن عَبَّاس : إِذَا دَخَلَ الرَّجُل فِي الْإِسْلَام وَعَلِمَ شَرَائِعه وَأَمْرَهُ ثُمَّ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَلَا تَوْبَة لَهُ . وَأَمَّا الَّتِي فِي الْفُرْقَان , فَإِنَّهَا لَمَّا أُنْزِلَتْ قَالَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْل مَكَّة : فَقَدْ عَدَلْنَا بِاَللَّهِ وَقَتَلْنَا النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه بِغَيْرِ الْحَقّ وَآتَيْنَا الْفَوَاحِش , فَمَا يَنْفَعنَا الْإِسْلَام ؟ قَالَ : فَنَزَلَتْ { إِلَّا مَنْ تَابَ } . .. الْآيَة . 8064 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْمُغِيرَة بْن النُّعْمَان , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم } قَالَ : مَا نَسَخَهَا شَيْء . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : هِيَ مِنْ آخِر مَا نَزَلَتْ مَا نَسَخَهَا شَيْء . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْمُغِيرَة بْن النُّعْمَان , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : اِخْتَلَفَ أَهْل الْكُوفَة فِي قَتْل الْمُؤْمِن , فَدَخَلْت إِلَى اِبْن عَبَّاس فَسَأَلْته , فَقَالَ : لَقَدْ نَزَلَتْ فِي آخِر مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآن وَمَا نَسَخَهَا شَيْء . 8065 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : ثنا أَبُو إِيَاس مُعَاوِيَة بْن قُرَّة , قَالَ : أَخْبَرَنِي شَهْر بْن حَوْشَب , قَالَ : سَمِعْت اِبْن عَبَّاس يَقُول : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم } بَعْد قَوْله : { إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا } بِسَنَةٍ . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سَلْم بْن قُتَيْبَة , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مُعَاوِيَة بْن قُرَّة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم } قَالَ : نَزَلَتْ بَعْد : { إِلَّا مَنْ تَابَ } بِسَنَةٍ . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد بْن عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : ثنا أَبُو إِيَاس , قَالَ : ثني مَنْ سَمِعَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : فِي قَاتِل الْمُؤْمِن نَزَلَتْ بَعْد ذَلِكَ بِسَنَةٍ , فَقُلْت لِأَبِي إِيَاس : مَنْ أَخْبَرَك ؟ فَقَالَ : شَهْر بْن حَوْشَب . 8066 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا } قَالَ : لَيْسَ لِقَاتِلٍ تَوْبَة إِلَّا أَنْ يَسْتَغْفِر اللَّه. 8067 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا } . .. الْآيَة , قَالَ عَطِيَّة : وَسُئِلَ عَنْهَا اِبْن عَبَّاس , فَزَعَمَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْد الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة الْفُرْقَان بِثَمَانِ سِنِينَ , وَهُوَ قَوْله : { وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر } . .. 25 68 إِلَى قَوْله : { غَفُورًا رَحِيمًا } 25 70 8068 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ أَبِي السَّفَر , عَنْ نَاجِيَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : هُمَا الْمُبْهَمَتَانِ : الشِّرْك , وَالْقَتْل . 8069 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : أَكْبَر الْكَبَائِر : الْإِشْرَاك بِاَللَّهِ وَقَتْل النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه ; لِأَنَّ اللَّه سُبْحَانه يَقُول : { فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } . 8070 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ بَعْض أَشْيَاخه الْكُوفِيِّينَ , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ اِبْن مَسْعُود فِي قَوْله : { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم } قَالَ : إِنَّهَا لَمُحْكَمَة , وَمَا تَزْدَاد إِلَّا شِدَّة . 8071 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : ثني هَيَّاج بْن بِسْطَام , عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرو , عَنْ مُوسَى بْن عُقْبَة , عَنْ أَبِي الزِّنَاد , عَنْ خَارِجَة بْن زَيْد , عَنْ زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : نَزَلَتْ سُورَة النِّسَاء بَعْد سُورَة الْفُرْقَان بِسِتَّةِ أَشْهُر . 8072 - حَدَّثَنَا اِبْن الْبَرْقِيّ قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : أَخْبَرَنَا نَافِع بْن يَزِيد , قَالَ : ثني أَبُو صَخْر , عَنْ أَبِي مُعَاوِيَة الْبَجَلِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : يَأْتِي الْمَقْتُول يَوْم الْقِيَامَة آخِذًا رَأْسه بِيَمِينِهِ وَأَوْدَاجه تَشْخَب دَمًا , يَقُول : يَا رَبّ دَمِي عِنْد فُلَان ! فَيُؤْخَذَانِ فَيُسْنَدَانِ إِلَى الْعَرْش , فَمَا أَدْرِي مَا يَقْضِي بَيْنهمَا . ثُمَّ نَزَعَ بِهَذِهِ الْآيَة : { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدًا فِيهَا } . .. الْآيَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا نَسَخَهَا اللَّه جَلَّ وَعَزَّ مُنْذُ أَنْزَلَهَا عَلَى نَبِيّكُمْ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام . 8073 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ أَبِي الزِّنَاد , قَالَ : سَمِعْت رَجُلًا يُحَدِّث خَارِجَة بْن زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : سَمِعْت أَبَاك يَقُول : نَزَلَتْ الشَّدِيدَة بَعْد الْهَيِّنَة بِسِتَّةِ أَشْهُر , قَوْله : { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا } . .. إِلَى آخِر الْآيَة , بَعْد قَوْله : { وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر } . .. 25 68 إِلَى آخِر الْآيَة . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ أَبِي الزِّنَاد , قَالَ : سَمِعْت رَجُلًا يُحَدِّث خَارِجَة بْن زَيْد , قَالَ : سَمِعْت أَبَاك فِي هَذَا الْمَكَان بِمِنًى يَقُول : نَزَلَتْ الشَّدِيدَة بَعْد الْهَيِّنَة , قَالَ : أَرَاهُ بِسِتَّةِ أَشْهُر , يَعْنِي : { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا } بَعْد : { إِنَّ اللَّه لَا يَغْفِر أَنْ يُشْرَك بِهِ } 4 48 8074 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سَلَمَة بْن نُبَيْط , عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , قَالَ : مَا نَسَخَهَا شَيْء مُنْذُ نَزَلَتْ , وَلَيْسَ لَهُ تَوْبَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْقَوْل فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ إِنْ جَزَاهُ جَهَنَّم خَالِدًا فِيهَا , وَلَكِنَّهُ يَعْفُو أَوْ يَتَفَضَّل عَلَى أَهْل الْإِيمَان بِهِ وَبِرَسُولِهِ , فَلَا يُجَازِيهِمْ بِالْخُلُودِ فِيهَا , وَلَكِنَّهُ عَزَّ ذِكْره إِمَّا أَنْ يَعْفُو بِفَضْلِهِ فَلَا يُدْخِلهُ النَّار , وَإِمَّا أَنْ يُدْخِلهُ إِيَّاهَا ثُمَّ يُخْرِجهُ مِنْهَا بِفَضْلِ رَحْمَته لِمَا سَلَفَ مِنْ وَعْده عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه إِنَّ اللَّه يَغْفِر الذُّنُوب جَمِيعًا } . 39 53 فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ الْقَاتِل إِنْ وَجَبَ أَنْ يَكُون دَاخِلًا فِي هَذِهِ الْآيَة , فَقَدْ يَجِب أَنْ يَكُون الْمُشْرِك دَاخِلًا فِيهِ , لِأَنَّ الشِّرْك مِنْ الذُّنُوب , فَإِنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ غَيْر غَافِر الشِّرْك لِأَحَدٍ بِقَوْلِهِ : { إِنَّ اللَّه لَا يَغْفِر أَنْ يُشْرَك بِهِ وَيَغْفِر مَا دُون ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء } 4 48 وَالْقَتْل دُون الشِّرْك .
{ وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْهِ } يَقُول : وَغَضِبَ اللَّه بِقَتْلِهِ إِيَّاهُ مُتَعَمِّدًا ,
{ وَلَعَنَهُ } يَقُول : وَأَبْعَدَهُ مِنْ رَحْمَته وَأَخْزَاهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا , وَذَلِكَ مَا لَا يَعْلَم قَدْر مَبْلَغه سِوَاهُ تَعَالَى ذِكْره .
{ وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْهِ } يَقُول : وَغَضِبَ اللَّه بِقَتْلِهِ إِيَّاهُ مُتَعَمِّدًا ,
{ وَلَعَنَهُ } يَقُول : وَأَبْعَدَهُ مِنْ رَحْمَته وَأَخْزَاهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا , وَذَلِكَ مَا لَا يَعْلَم قَدْر مَبْلَغه سِوَاهُ تَعَالَى ذِكْره .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيل اللَّه فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلَام لَسْت مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاة الدُّنْيَا فَعِنْد اللَّه مَغَانِم كَثِيرَة كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْل فَمَنَّ اللَّه عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَصَدَّقُوا رَسُوله , فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّهمْ ; { إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيل اللَّه } يَقُول : إِذَا سِرْتُمْ مَسِيرًا لِلَّهِ فِي جِهَاد أَعْدَائِكُمْ { فَتَبَيَّنُوا } يَقُول : فَتَأَنَّوْا فِي قَتْل مَنْ أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ أَمْره , فَلَمْ تَعْلَمُوا حَقِيقَة إِسْلَامه وَلَا كُفْره , وَلَا تَعْجَلُوا فَتَقْتُلُوا مَنْ اِلْتَبَسَ عَلَيْكُمْ أَمْره , وَلَا تَتَقَدَّمُوا عَلَى قَتْل أَحَد إِلَّا عَلَى قَتْل مَنْ عَلِمْتُمُوهُ يَقِينًا حَرْبًا لَكُمْ وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ. { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلَام } يَقُول : وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ اِسْتَسْلَمَ لَكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلكُمْ , مُظْهِرًا لَكُمْ أَنَّهُ مِنْ أَهْل مِلَّتكُمْ وَدَعْوَتكُمْ , { لَسْت مُؤْمِنًا } فَتَقْتُلُوهُ اِبْتِغَاء عَرَض الْحَيَاة الدُّنْيَا , يَقُول : طَلَب مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا , فَإِنَّ عِنْد اللَّه مَغَانِم كَثِيرَة مِنْ رِزْقه وَفَوَاضِل نِعَمه , فَهِيَ خَيْر لَكُمْ إِنْ أَطَعْتُمْ اللَّه فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَنَهَاكُمْ عَنْهُ فَأَثَابَكُمْ بِهَا عَلَى طَاعَتكُمْ إِيَّاهُ , فَالْتَمِسُوا ذَلِكَ مِنْ عِنْده { كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْل } يَقُول : كَمَا كَانَ هَذَا الَّذِي أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلَام فَقُلْت لَهُ لَسْت مُؤْمِنًا فَقَتَلْتُمُوهُ , كَذَلِكَ أَنْتُمْ مِنْ قَبْل , يَعْنِي : مِنْ قَبْل إِعْزَاز اللَّه دِينه بِتُبَّاعِهِ وَأَنْصَاره , تَسْتَخْفُونَ بِدِينِكُمْ كَمَا اِسْتَخْفَى هَذَا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ , وَأَخَذْتُمْ مَاله بِدِينِهِ مِنْ قَوْمه أَنْ يُظْهِرهُ لَهُمْ حَذَرًا عَلَى نَفْسه مِنْهُمْ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى قَوْله : { كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْل } كُنْتُمْ كُفَّارًا مِثْلهمْ. { فَمَنَّ اللَّه عَلَيْكُمْ } يَقُول : فَتَفَضَّلَ اللَّه عَلَيْكُمْ بِإِعْزَازِ دِينه بِأَنْصَارِهِ وَكَثْرَة تُبَّاعه. وَقَدْ قِيلَ : فَمَنَّ اللَّه عَلَيْكُمْ بِالتَّوْبَةِ مِنْ قَتْلكُمْ هَذَا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ , وَأَخَذْتُمْ مَاله بَعْد مَا أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلَام . { فَتَبَيَّنُوا } يَقُول : فَلَا تَعْجَلُوا بِقَتْلِ مَنْ أَرَدْتُمْ قَتْله مِمَّنْ اِلْتَبَسَ عَلَيْكُمْ أَمْر إِسْلَامه , فَلَعَلَّ اللَّه أَنْ يَكُون قَدْ مَنَّ عَلَيْهِ مِنْ الْإِسْلَام بِمِثْلِ الَّذِي مَنَّ بِهِ عَلَيْكُمْ , وَهَدَاهُ لِمِثْلِ الَّذِي هَدَاكُمْ لَهُ مِنْ الْإِيمَان . وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي سَبَب قَتِيل قَتَلَتْهُ سَرِيَّة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد مَا قَالَ : إِنِّي مُسْلِم , أَوْ بَعْد مَا شَهِدَ شَهَادَة الْحَقّ , أَوْ بَعْد مَا سَلَّمَ عَلَيْهِمْ , لِغَنِيمَةٍ كَانَتْ مَعَهُ أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ مِلْكه , فَأَخَذُوهُ مِنْهُ . ذِكْر الرِّوَايَة وَالْآثَار بِذَلِكَ : 8075 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ نَافِع , أَنَّ اِبْن عُمَر , قَالَ : بَعَثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَلِّم بْن جَثَّامَة مَبْعَثًا , فَلَقِيَهُمْ عَامِر بْن الْأَضْبَط , فَحَيَّاهُمْ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَام , وَكَانَتْ بَيْنهمْ إِحْنَة فِي الْجَاهِلِيَّة , فَرَمَاهُ مُحَلِّم بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ. فَجَاءَ الْخَبَر إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَتَكَلَّمَ فِيهِ عُيَيْنَة وَالْأَقْرَع , فَقَالَ الْأَقْرَع : يَا رَسُول اللَّه سُنَّ الْيَوْم وَغَيِّرْ غَدًا ! فَقَالَ عُيَيْنَة : لَا وَاَللَّه حَتَّى تَذُوق نِسَاؤُهُ مِنْ الثُّكْل مَا ذَاقَ نِسَائِي ! فَجَاءَ مُحَلِّم فِي بُرْدَيْنِ , فَجَلَسَ بَيْن يَدَيْ رَسُول اللَّه لِيَسْتَغْفِر لَهُ , فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا غَفَرَ اللَّه لَك " فَقَامَ وَهُوَ يَتَلَقَّى دُمُوعه بِبُرْدَيْهِ , فَمَا مَضَتْ بِهِ سَابِعَة حَتَّى مَاتَ وَدَفَنُوهُ , فَلَفَظَتْهُ الْأَرْض. فَجَاءُوا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ , فَقَالَ : " إِنَّ الْأَرْض تَقْبَل مَنْ هُوَ شَرّ مِنْ صَاحِبكُمْ , وَلَكِنَّ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ أَرَادَ أَنْ يَعِظكُمْ " . ثُمَّ طَرَحُوهُ بَيْن صَدَفَيْ جَبَل , وَأَلْقَوْا عَلَيْهِ مِنْ الْحِجَارَة , وَنَزَلَتْ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيل اللَّه فَتَبَيَّنُوا } . .. الْآيَة . 8076 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ يَزِيد بْن عَبْد اللَّه بْن قُسَيْط , عَنْ الْقَعْقَاع بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي حَدْرَد الْأَسْلَمِيّ , عَنْ أَبِيهِ عَبْد اللَّه بْن أَبِي حَدْرَد , قَالَ : بَعَثَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى إِضَم , فَخَرَجْت فِي نَفَر مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ أَبُو قَتَادَة الْحَارِث بْن رِبْعِيّ وَمُحَلِّم بْن جَثَّامَة بْن قَيْس اللَّيْثِيّ. فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَطْنِ إِضَم , مَرَّ بِنَا عَامِر بْن الْأَضْبَط الْأَشْجَعِيّ عَلَى قَعُود لَهُ مَعَهُ مُتَيِّع لَهُ وَوَطْب مِنْ لَبَن . فَلَمَّا مَرَّ بِنَا سَلَّمَ عَلَيْنَا بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَام , فَأَمْسَكْنَا عَنْهُ , وَحَمَلَ عَلَيْهِ مُحَلِّم بْن جَثَّامَة اللَّيْثِيّ لِشَيْءٍ كَانَ بَيْنه وَبَيْنه , فَقَتَلَهُ وَأَخَذَ بَعِيره وَمُتَيِّعَهُ , فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرَنَاهُ الْخَبَر , نَزَلَ فِينَا الْقُرْآن : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيل اللَّه فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلَام لَسْت مُؤْمِنًا } . .. الْآيَة. * - حَدَّثَنِي هَارُون بْن إِدْرِيس الْأَصَمّ , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ يَزِيد بْن عَبْد اللَّه بْن قُسَيْط , عَنْ أَبِي حَدْرَد الْأَسْلَمِيّ , عَنْ أَبِيهِ بِنَحْوِهِ . 8077 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو , عَنْ عَطَاء , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لَحِقَ نَاس مِنْ الْمُسْلِمِينَ رَجُلًا فِي غَنِيمَة لَهُ , فَقَالَ : السَّلَام عَلَيْكُمْ ! فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا تِلْكَ الْغَنِيمَة , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلَام لَسْت مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاة الدُّنْيَا } تِلْكَ الْغَنِيمَة. * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عَطَاء , عَنْ اِبْن عَبَّاس , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن الرَّبِيع , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَمْرو سَمِعَ عَطَاء , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لَحِقَ الْمُسْلِمُونَ رَجُلًا , ثُمَّ ذَكَرَ مِثْله. 8078 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحِيم بْن سُلَيْمَان , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : مَرَّ رَجُل مِنْ بَنِي سُلَيْم عَلَى نَفَر مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه وَهُوَ فِي غَنَم لَهُ , فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ , فَقَالُوا : مَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا لِيَتَعَوَّذ مِنْكُمْ ! فَعَمَدُوا إِلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا غَنَمه , فَأَتَوْا بِهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيل اللَّه فَتَبَيَّنُوا } . .. إِلَى آخِر الْآيَة . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِثْله . 8079 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ الرَّجُل يَتَكَلَّم بِالْإِسْلَامِ وَيُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالرَّسُول , وَيَكُون فِي قَوْمه , فَإِذَا جَاءَتْ سَرِيَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِهَا حَيّه - يَعْنِي قَوْمه - فَفَرُّوا , وَأَقَامَ الرَّجُل لَا يَخَاف الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَجْل أَنَّهُ عَلَى دِينهمْ حَتَّى يَلْقَاهُمْ , فَيُلْقِي إِلَيْهِمْ السَّلَام , فَيَقُول الْمُؤْمِنُونَ : لَسْت مُؤْمِنًا ! وَقَدْ أَلْقَى السَّلَام , فَيَقْتُلُونَهُ , فَقَالَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيل اللَّه فَتَبَيَّنُوا }. .. . إِلَى : { تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاة الدُّنْيَا } يَعْنِي : تَقْتُلُونَهُ إِرَادَة أَنْ يَحِلّ لَكُمْ مَاله الَّذِي وَجَدْتُمْ مَعَهُ , وَذَلِكَ عَرَضُ الْحَيَاة الدُّنْيَا , فَإِنَّ عِنْدِي مَغَانِم كَثِيرَة , فَالْتَمِسُوا مِنْ فَضْل اللَّه . وَهُوَ رَجُل اِسْمه مِرْدَاس جَلَّا قَوْمه هَارِبِينَ مِنْ خَيْل بَعَثَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا رَجُل مِنْ بَنِي لَيْث اِسْمه قُلَيْب , وَلَمْ يُجَامِعهُمْ إِذَا لَقِيَهُمْ مِرْدَاس , فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوهُ , فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِهِ بِدِيَتِهِ وَرَدَّ إِلَيْهِمْ مَاله وَنَهَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مِثْل ذَلِكَ . 8080 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيل اللَّه فَتَبَيَّنُوا } . .. الْآيَة , قَالَ : هَذَا الْحَدِيث فِي شَأْن مِرْدَاس رَجُل مِنْ غَطَفَان ; ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ جَيْشًا عَلَيْهِمْ غَالِب اللَّيْثِيّ إِلَى أَهْل فَدَك , وَبِهِ نَاس مِنْ غَطَفَان وَكَانَ مِرْدَاس مِنْهُمْ , فَفَرَّ أَصْحَابه , فَقَالَ مِرْدَاس : إِنِّي مُؤْمِن وَإِنِّي غَيْر مُتَّبِعكُمْ ! فَصَبَّحَتْهُ الْخَيْل غَدْوَة , فَلَمَّا لَقُوهُ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ مِرْدَاس , فَتَلَقَّوْهُ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلُوهُ , وَأَخَذُوا مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ مَتَاع , فَأَنْزَلَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ فِي شَأْنه : { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلَام لَسْت مُؤْمِنًا } لِأَنَّ تَحِيَّة الْمُسْلِمِينَ السَّلَام , بِهَا يَتَعَارَفُونَ , وَبِهَا يُحَيِّي بَعْضهمْ بَعْضًا . 8081 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيل اللَّه فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلَام لَسْت مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاة الدُّنْيَا } . .. الْآيَة . قَالَ : بَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّة عَلَيْهَا أُسَامَة بْن زَيْد إِلَى بَنِي ضَمْرَة , فَلَقُوا رَجُلًا مِنْهُمْ يُدْعَى مِرْدَاس بْن نَهِيك مَعَهُ غَنِيمَة لَهُ وَجَمَل أَحْمَر , فَلَمَّا رَآهُمْ أَوَى إِلَى كَهْف جَبَل , وَاتَّبَعَهُ أُسَامَة , فَلَمَّا بَلَغَ مِرْدَاس الْكَهْف وَضَعَ فِيهِ غَنَمه , ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ : السَّلَام عَلَيْكُمْ , أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه ! فَشَدَّ عَلَيْهِ أُسَامَة فَقَتَلَهُ مِنْ أَجْل جَمَله وَغَنِيمَته. وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ أُسَامَة أَحَبَّ أَنْ يُثْنِيَ عَلَيْهِ خَيْرًا , وَيَسْأَل عَنْهُ أَصْحَابه , فَلَمَّا رَجَعُوا لَمْ يَسْأَلهُمْ عَنْهُ , فَجَعَلَ الْقَوْم يُحَدِّثُونَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُونَ : يَا رَسُول اللَّه لَوْ رَأَيْت أُسَامَة وَلَقِيَهُ رَجُل فَقَالَ الرَّجُل : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه مُحَمَّد رَسُول اللَّه , فَشَدَّ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ ! وَهُوَ مُعْرِض عَنْهُمْ . فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ , رَفَعَ رَأْسه إِلَى أُسَامَة فَقَالَ : " كَيْفَ أَنْتَ وَلَا إِلَه إِلَّا اللَّه " ؟ قَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنَّمَا قَالَهَا مُتَعَوِّذًا , تَعَوَّذَ بِهَا. فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَلَّا شَقَقْت عَنْ قَلْبه فَنَظَرْت إِلَيْهِ ؟ " قَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنَّمَا قَلْبه بَضْعَة مِنْ جَسَده . فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ خَبَر هَذَا , وَأَخْبَرَهُ إِنَّمَا قَتَلَهُ مِنْ أَجْل جَمَله وَغَنَمه , فَذَلِكَ حِين يَقُول : { يَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاة الدُّنْيَا } فَلَمَّا بَلَغَ : { فَمَنَّ اللَّه عَلَيْكُمْ } يَقُول : فَتَابَ اللَّه عَلَيْكُمْ , فَحَلَفَ أُسَامَة أَنْ لَا يُقَاتِل رَجُلًا يَقُول لَا إِلَه إِلَّا اللَّه بَعْد ذَلِكَ الرَّجُل وَمَا لَقِيَ مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ . 8082 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلَام لَسْت مُؤْمِنًا } قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَغَارَ عَلَى رَجُل مِنْ الْمُشْرِكِينَ , فَحَمَلَ عَلَيْهِ , فَقَالَ لَهُ الْمُشْرِك : إِنِّي مُسْلِم , أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ! فَقَتَلَهُ الْمُسْلِم بَعْد أَنْ قَالَهَا , فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ لِلَّذِي قَتَلَهُ : " أَقَتَلْته وَقَدْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ؟ " فَقَالَ وَهُوَ يَعْتَذِر : يَا نَبِيّ اللَّه إِنَّمَا قَالَهَا مُتَعَوِّذًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَهَلَّا شَقَقْت عَنْ قَلْبه ؟ " ثُمَّ مَاتَ قَاتِل الرَّجُل فَقُبِرَ , فَلَفَظَتْهُ الْأَرْض , فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقْبُرُوهُ , ثُمَّ لَفَظَتْهُ الْأَرْض , حَتَّى فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ ثَلَاث مَرَّات , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الْأَرْض أَبَتْ أَنْ تَقْبَلهُ فَأَلْقُوهُ فِي غَار مِنْ الْغِيرَان ". قَالَ مَعْمَر : وَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّ الْأَرْض تَقْبَل مَنْ هُوَ شَرّ مِنْهُ , وَلَكِنَّ اللَّه جَعَلَهُ لَكُمْ عِبْرَة . 8083 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق : أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَقُوا رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ فِي غُنَيْمَة لَهُ , فَقَالَ : السَّلَام عَلَيْكُمْ إِنِّي مُؤْمِن ! فَظَنُّوا أَنَّهُ يَتَعَوَّذ بِذَلِكَ , فَقَتَلُوهُ , وَأَخَذُوا غُنَيْمَته . قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلَام لَسْت مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاة الدُّنْيَا } تِلْكَ الْغُنَيْمَة ; { كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْل فَمَنَّ اللَّه عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا } . 8084 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي عَمْرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيل اللَّه فَتَبَيَّنُوا } قَالَ : خَرَجَ الْمِقْدَاد بْن الْأَسْوَد فِي سَرِيَّة بَعَثَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : فَمَرُّوا بِرَجُلٍ فِي غُنَيْمَة لَهُ , فَقَالَ : إِنِّي مُسْلِم ! فَقَتَلَهُ الْمِقْدَاد . فَلَمَّا قَدِمُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلَام لَسْت مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاة الدُّنْيَا } قَالَ : الْغُنَيْمَة. 8085 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : نَزَلَ ذَلِكَ فِي رَجُل قَتَلَهُ أَبُو الدَّرْدَاء - فَذَكَرَ مِنْ قِصَّة أَبِي الدَّرْدَاء نَحْو الْقِصَّة الَّتِي ذُكِرَتْ عَنْ أُسَامَة بْن زَيْد , وَقَدْ ذُكِرَتْ فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأ } , ثُمَّ قَالَ فِي الْخَبَر - : وَنَزَلَ الْفُرْقَان : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأ } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { لَسْت مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاة الدُّنْيَا } غَنَمه الَّتِي كَانَتْ عَرَض الْحَيَاة الدُّنْيَا , { فَعِنْد اللَّه مَغَانِم كَثِيرَة } خَيْر مِنْ تِلْكَ الْغَنَم , إِلَى قَوْله : { إِنَّ اللَّه كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } . 8086 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلَام لَسْت مُؤْمِنًا } قَالَ : رَاعِي غَنَم , لَقِيَهُ نَفَر مِنْ الْمُؤْمِنِينَ , فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا مَا مَعَهُ , وَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ : وَالسَّلَام عَلَيْكُمْ , فَإِنِّي مُؤْمِن " . 8087 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلَام لَسْت مُؤْمِنًا } قَالَ : حَرَّمَ اللَّه عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُولُوا لِمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه لَسْت مُؤْمِنًا , كَمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ الْمَيْتَة , فَهُوَ آمِن عَلَى مَاله وَدَمه , وَلَا تَرُدُّوا عَلَيْهِ قَوْله . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { فَتَبَيَّنُوا } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَكِّيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ : { فَتَبَيَّنُوا } بِالْبَاءِ وَالنُّون مِنْ التَّبَيُّن , بِمَعْنَى : التَّأَنِّي وَالنَّظَر وَالْكَشْف عَنْهُ حَتَّى يَتَّضِح . وَقَرَأَ ذَلِكَ عُظْم قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : " فَتَثَبَّتُوا " بِمَعْنَى التَّثَبُّت الَّذِي هُوَ خِلَاف الْعَجَلَة . وَالْقَوْل عِنْدنَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَة الْمُسْلِمِينَ بِمَعْنًى وَاحِد وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ بِهِمَا الْأَلْفَاظ , لِأَنَّ الْمُتَثَبِّت مُتَبَيِّن , وَالْمُتَبَيِّن مُتَثَبِّت , فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب صَوَاب الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ. وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلَام } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَكِّيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ " السَّلَم " بِغَيْرِ أَلِف , بِمَعْنَى الِاسْتِسْلَام , وَقَرَأَهُ بَعْض الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ : { السَّلَام } بِأَلِفٍ , بِمَعْنَى التَّحِيَّة . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا : " لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلَم " بِمَعْنَى : مَنْ اِسْتَسْلَمَ لَكُمْ مُذْعِنًا لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ مُقِرًّا لَكُمْ بِمِلَّتِكُمْ. وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَة فِي ذَلِكَ , فَمِنْ رَاوٍ رَوَى أَنَّهُ اِسْتَسْلَمَ بِأَنْ شَهِدَ شَهَادَة الْحَقّ وَقَالَ : إِنِّي مُسْلِم ; وَمِنْ رَاوٍ رَوَى أَنَّهُ قَالَ : السَّلَام عَلَيْكُمْ , فَحَيَّاهُمْ تَحِيَّة الْإِسْلَام , وَمِنْ رَاوٍ رَوَى أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامٍ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ قَبْل قَتْلهمْ إِيَّاهُ . وَكُلّ هَذِهِ الْمَعَانِي يَجْمَعهَا السَّلَم , لِأَنَّ الْمُسْلِم مُسْتَسْلِم , وَالْمُحَيِّي بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَام مُسْتَسْلِم , وَالْمُتَشَهِّد شَهَادَة الْحَقّ مُسْتَسْلِم لِأَهْلِ الْإِسْلَام , فَمَعْنَى السَّلَم جَامِع جَمِيع الْمَعَانِي الَّتِي رُوِيَتْ فِي أَمْر الْمَقْتُول الَّذِي نَزَلَتْ فِي شَأْنه هَذِهِ الْآيَة , وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي السَّلَام , لِأَنَّ السَّلَام لَا وَجْه لَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِع إِلَّا التَّحِيَّة , فَلِذَلِكَ وَصَفْنَا السَّلَم بِالصَّوَابِ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْل } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : كَمَا كَانَ هَذَا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ بَعْد مَا أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلَام مُسْتَخْفِيًا فِي قَوْمه بِدِينِهِ خَوْفًا عَلَى نَفْسه مِنْهُمْ , كُنْتُمْ أَنْتُمْ مُسْتَخْفِينَ بِأَدْيَانِكُمْ مِنْ قَوْمكُمْ حَذَرًا عَلَى أَنْفُسكُمْ مِنْهُمْ , فَمَنَّ اللَّه عَلَيْكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8088 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي قَوْله : { كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْل } تَسْتَخْفُونَ بِإِيمَانِكُمْ كَمَا اِسْتَخْفَى هَذَا الرَّاعِي بِإِيمَانِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي عَمْرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْل } تَكْتُمُونَ إِيمَانكُمْ فِي الْمُشْرِكِينَ. قَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : كَمَا كَانَ هَذَا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ بَعْد مَا أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلَم كَافِرًا كُنْتُمْ كُفَّارًا , فَهَدَاهُ كَمَا هَدَاكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8089 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْل فَمَنَّ اللَّه عَلَيْكُمْ } كُفَّارًا مِثْله , { فَتَبَيَّنُوا } . وَأَوْلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَة الْقَوْل الْأَوَّل , وَهُوَ قَوْل مَنْ قَالَ : كَذَلِكَ كُنْتُمْ تُخْفُونَ إِيمَانكُمْ فِي قَوْمكُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَنْتُمْ مُقِيمِينَ بَيْن أَظْهُرهمْ , كَمَا كَانَ هَذَا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ مُقِيمًا بَيْن أَظْهُر قَوْمه مِنْ الْمُشْرِكِينَ , مُسْتَخْفِيًا بِدِينِهِ مِنْهُمْ . وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا التَّأْوِيل أَوْلَى بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره إِنَّمَا عَاتَبَ الَّذِينَ قَتَلُوهُ مِنْ أَهْل الْإِيمَان بَعْد إِلْقَائِهِ إِلَيْهِمْ السَّلَام , وَلَمْ يُقَدْ بِهِ قَاتِلُوهُ لِلَّبْسِ الَّذِي كَانَ دَخَلَ فِي أَمْره عَلَى قَاتِلِيهِ بِمُقَامِهِ بَيْن أَظْهُر قَوْمه مِنْ الْمُشْرِكِينَ , وَظَنّهمْ أَنَّهُ أَلْقَى السَّلَام إِلَى الْمُؤْمِنِينَ تَعَوُّذًا مِنْهُمْ , وَلَمْ يُعَاتِبهُمْ عَلَى قَتْلهمْ إِيَّاهُ مُشْرِكًا , فَيُقَال : كَمَا كَانَ كَافِرًا كُنْتُمْ كُفَّارًا ; بَلْ لَا وَجْه لِذَلِكَ , لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يُعَاتِب أَحَدًا مِنْ خَلْقه عَلَى قَتْل مُحَارِب لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مِنْ أَهْل الشِّرْك بَعْد إِذْنه لَهُ بِقَتْلِهِ . وَاخْتَلَفَ أَيْضًا أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَمَنَّ اللَّه عَلَيْكُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَمَنَّ اللَّه عَلَيْكُمْ بِإِظْهَارِ دِينه وَإِعْزَاز أَهْله , حَتَّى أَظْهَرُوا الْإِسْلَام بَعْد مَا كَانُوا يَكْتُمُونَهُ مِنْ أَهْل الشِّرْك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8090 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي عَمْرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { فَمَنَّ اللَّه عَلَيْكُمْ } فَأَظْهَرَ الْإِسْلَام . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَمَنَّ اللَّه عَلَيْكُمْ أَيّهَا الْقَاتِلُونَ الَّذِي أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلَام طَلَبَ عَرَضِ الْحَيَاة الدُّنْيَا بِالتَّوْبَةِ مِنْ قَتْلكُمْ إِيَّاهُ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8091 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَمَنَّ اللَّه عَلَيْكُمْ } يَقُول : تَابَ اللَّه عَلَيْكُمْ . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْته عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَالَة عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْل } مَا وَصَفْنَا قَبْل , فَالْوَاجِب أَنْ يَكُون عَقِيب ذَلِكَ : { فَمَنَّ اللَّه عَلَيْكُمْ } فَرَفَعَ مَا كُنْتُمْ فِيهِ مِنْ الْخَوْف مِنْ أَعْدَائِكُمْ عَنْكُمْ بِإِظْهَارِ دِينه وَإِعْزَاز أَهْله , حَتَّى أَمْكَنَكُمْ إِظْهَار مَا كُنْتُمْ تَسْتَخْفُونَ بِهِ , مِنْ تَوْحِيده وَعِبَادَته , حَذَرًا مِنْ أَهْل الشِّرْك .
{ إِنَّ اللَّه كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } يَقُول : إِنَّ اللَّه كَانَ بِقَتْلِكُمْ مَنْ تَقْتُلُونَ وَكَفّكُمْ عَمَّنْ تَكُفُّونَ عَنْ قَتْله مِنْ أَعْدَاء اللَّه وَأَعْدَائِكُمْ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أُمُوركُمْ وَأُمُور غَيْركُمْ { خَبِيرًا } يَعْنِي : ذَا خِبْرَة وَعِلْم بِهِ , يَحْفَظهُ عَلَيْكُمْ وَعَلَيْهِمْ , حَتَّى يُجَازِيَ جَمِيعكُمْ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة جَزَاء الْمُحْسِن بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ .
{ إِنَّ اللَّه كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } يَقُول : إِنَّ اللَّه كَانَ بِقَتْلِكُمْ مَنْ تَقْتُلُونَ وَكَفّكُمْ عَمَّنْ تَكُفُّونَ عَنْ قَتْله مِنْ أَعْدَاء اللَّه وَأَعْدَائِكُمْ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أُمُوركُمْ وَأُمُور غَيْركُمْ { خَبِيرًا } يَعْنِي : ذَا خِبْرَة وَعِلْم بِهِ , يَحْفَظهُ عَلَيْكُمْ وَعَلَيْهِمْ , حَتَّى يُجَازِيَ جَمِيعكُمْ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة جَزَاء الْمُحْسِن بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ .
لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْر أُولِي الضَّرَر وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ فَضَّلَ اللَّه الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْر أُولِي الضَّرَر وَالْمُجَاهِدُونَ } لَا يَعْتَدِل الْمُتَخَلِّفُونَ عَنْ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه مِنْ أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ , الْمُؤْثِرُونَ الدَّعَة وَالْخَفْض وَالْقُعُود فِي مَنَازِلهمْ عَلَى مُقَاسَاة حُزُونَة الْأَسْفَار وَالسَّيْر فِي الْأَرْض وَمَشَقَّة مُلَاقَاة أَعْدَاء اللَّه بِجِهَادِهِمْ فِي ذَات اللَّه وَقِتَالهمْ فِي طَاعَة اللَّه , إِلَّا أَهْل الْعُذْر مِنْهُمْ بِذَهَابِ أَبْصَارهمْ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْعِلَل الَّتِي لَا سَبِيل لِأَهْلِهَا لِلضَّرَرِ الَّذِي بِهِمْ إِلَى قِتَالهمْ وَجِهَادهمْ فِي سَبِيل اللَّه وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه , وَمِنْهَاج دِينه , لِتَكُونَ كَلِمَة اللَّه هِيَ الْعُلْيَا , الْمُسْتَفْرِغُونَ طَاقَتهمْ فِي قِتَال أَعْدَاء اللَّه وَأَعْدَاء دِينهمْ بِأَمْوَالِهِمْ , إِنْفَاقًا لَهَا فِيمَا أَوْهَنَ كَيْد أَعْدَاء أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَبِأَنْفُسِهِمْ , مُبَاشِرَة بِهَا قِتَالهمْ , بِمَا تَكُون بِهِ كَلِمَة اللَّه الْعَالِيَة , وَكَلِمَة الَّذِينَ كَفَرُوا السَّافِلَة. وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { غَيْرُ أُولِي الضَّرَر } ; فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَمَكَّة وَالشَّام : " وَغَيْرَ أُولِي الضَّرَر " نَصْبًا , بِمَعْنَى : إِلَّا أُولِي الضَّرَر . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْعِرَاق وَالْكُوفَة وَالْبَصْرَة : { غَيْرُ أُولِي الضَّرَر } بِرَفْعِ " غَيْر " عَلَى مَذْهَب النَّعْت لِلْقَاعِدِينَ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا : " غَيْر أُولِي الضَّرَر " بِنَصْبِ غَيْر , لِأَنَّ الْأَخْبَار مُتَظَاهِرَة بِأَنَّ قَوْله : " غَيْر أُولِي الضَّرَر " نَزَلَ بَعْد قَوْله : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ } اِسْتِثْنَاء مِنْ قَوْله : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ } . ذِكْر بَعْض الْأَخْبَار الْوَارِدَة بِذَلِكَ : 8092 - حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَلِيّ الْجَهْضَمِيّ , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " اِئْتُونِي بِالْكَتِفِ وَاللَّوْح " ! فَكَتَبَ : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ } وَعَمْرو اِبْن أُمّ مَكْتُوم خَلْف ظَهْره , فَقَالَ : هَلْ لِي مِنْ رُخْصَة يَا رَسُول اللَّه ؟ فَنَزَلَتْ . : " غَيْر أُولِي الضَّرَر " . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } جَاءَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم وَكَانَ أَعْمَى , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه كَيْفَ وَأَنَا أَعْمَى ؟ فَمَا بَرِحَ حَتَّى نَزَلَتْ : { غَيْر أُولِي الضَّرَر } * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب فِي قَوْله : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْر أُولِي الضَّرَر } قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ جَاءَ عَمْرو اِبْن أُمّ مَكْتُوم إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ ضَرِير الْبَصَر , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه مَا تَأْمُرنِي , فَإِنِّي ضَرِير الْبَصَر ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ : " اِئْتُونِي بِالْكَتِفِ وَالدَّوَاة , أَوْ اللَّوْح وَالدَّوَاة " . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن إِسْرَائِيل الدَّلَّال الرَّمْلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن الْمُغِيرَة , قَالَ : ثنا مِسْعَر , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } كَلَّمَهُ اِبْن أُمّ مَكْتُوم , فَأُنْزِلَتْ : { غَيْر أُولِي الضَّرَر } * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاء يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه } قَالَ : فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدًا , فَجَاءَ بِكَتِفٍ فَكَتَبَهَا , قَالَ : فَشَكَا إِلَيْهِ اِبْن أُمّ مَكْتُوم ضَرَارَته , فَنَزَلَتْ : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْر أُولِي الضَّرَر } قَالَ شُعْبَة : وَأَخْبَرَنِي سَعْد بْن إِبْرَاهِيم , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ رَجُل , عَنْ زَيْد فِي هَذِهِ الْآيَة : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ } مِثْل حَدِيث الْبَرَاء . 8093 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِي سِنَان الشَّيْبَانِيّ , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ زَيْد بْن أَرْقَم , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه } جَاءَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه مَا لِي رُخْصَة ؟ قَالَ : لَا قَالَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم : اللَّهُمَّ إِنِّي ضَرِير فَرَخِّصْ ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { غَيْر أُولِي الضَّرَر } وَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَتَبَهَا , يَعْنِي الْكَاتِب . 8094 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بُزَيْع وَيَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَا : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْحَاق , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ سَهْل بْن سَعْد , قَالَ : رَأَيْت مَرْوَان بْن الْحَكَم جَالِسًا , فَجِئْت حَتَّى جَلَسْت إِلَيْهِ , فَحَدَّثَنَا عَنْ زَيْد بْن ثَابِت : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه } قَالَ : فَجَاءَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم وَهُوَ يُمْلِيهَا عَلَيَّ , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه لَوْ أَسْتَطِيع الْجِهَاد لَجَاهَدْت ! قَالَ : فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ وَفَخِذه عَلَى فَخِذِي , فَثَقُلَتْ , فَظَنَنْت أَنْ تَرُضّ فَخِذِي , ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ , فَقَالَ : { غَيْر أُولِي الضَّرَر } 8095 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ قَبِيصَة بْن ذُؤَيْب , عَنْ زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : كُنْت أَكْتُب لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : " اُكْتُبْ : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه } " ! فَجَاءَ عَبْد اللَّه بْن أُمّ مَكْتُوم , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أُحِبّ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه , وَلَكِنْ بِي مِنْ الزَّمَانَة مَا قَدْ تَرَى , قَدْ ذَهَبَ بَصَرِي. قَالَ زَيْد : فَثَقُلَتْ فَخِذ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي حَتَّى خَشِيت أَنْ يَرُضّهَا , ثُمَّ قَالَ : " اُكْتُبْ : لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْر أُولِي الضَّرَر وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه ". 8096 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد الْكَرِيم : أَنَّ مِقْسَمًا مَوْلَى عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث أَخْبَرَهُ أَنَّ اِبْن عَبَّاس أَخْبَرَهُ , قَالَ : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } عَنْ بَدْر وَالْخَارِجُونَ إِلَى بَدْر . 8097 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا حُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد الْكَرِيم أَنَّهُ سَمِعَ مِقْسَمًا يُحَدِّث عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُول : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } عَنْ بَدْر وَالْخَارِجُونَ إِلَى بَدْر. لَمَّا نَزَلَتْ غَزْوَة بَدْر , قَالَ عَبْد اللَّه اِبْن أُمّ مَكْتُوم وَأَبُو أَحْمَد بْن جَحْش بْن قَيْس الْأَسَدِيّ : يَا رَسُول اللَّه , إِنَّنَا أَعْمَيَانِ , فَهَلْ لَنَا رُخْصَة ؟ فَنَزَلَتْ : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْر أُولِي الضَّرَر وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ فَضَّلَ اللَّه الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَة } 8098 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ } فَسَمِعَ بِذَلِكَ عَبْد اللَّه اِبْن أُمّ مَكْتُوم الْأَعْمَى , فَأَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , قَدْ أَنْزَلَ اللَّه فِي الْجِهَاد مَا قَدْ عَلِمْت وَأَنَا رَجُل ضَرِير الْبَصَر لَا أَسْتَطِيع الْجِهَاد , فَهَلْ لِي مِنْ رُخْصَة عِنْد اللَّه إِنْ قَعَدْت ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَمَا أُمِرْت فِي شَأْنك بِشَيْءٍ وَمَا أَدْرِي هَلْ يَكُون لَك وَلِأَصْحَابِك مِنْ رُخْصَة ! " فَقَالَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم : اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدك بَصَرِي ! فَأَنْزَلَ اللَّه بَعْد ذَلِكَ عَلَى رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْر أُولِي الضَّرَر وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه } . .. إِلَى قَوْله : { عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَة } . 8099 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد , قَالَ : نَزَلَتْ : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه } فَقَالَ رَجُل أَعْمَى : يَا نَبِيّ اللَّه فَأَنَا أُحِبّ الْجِهَاد وَلَا أَسْتَطِيع أَنْ أُجَاهِد ! فَنَزَلَتْ : { غَيْر أُولِي الضَّرَر } . 8100 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الْجِهَاد : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ عَبْد اللَّه اِبْن أُمّ مَكْتُوم : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي ضَرِير كَمَا تَرَى ! فَنَزَلَتْ : { غَيْر أُولِي الضَّرَر } 8101 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْر أُولِي الضَّرَر } عَذَرَ اللَّه أَهْل الْعُذْر مِنْ النَّاس , فَقَالَ : { غَيْر أُولِي الضَّرَر } كَانَ مِنْهُمْ اِبْن أُمّ مَكْتُوم , { وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ } . 8102 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْر أُولِي الضَّرَر وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه } ... إِلَى قَوْله : { وَكُلًّا وَعَدَ اللَّه الْحُسْنَى } لَمَّا ذُكِرَ فَضْل الْجِهَاد , قَالَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أَعْمَى وَلَا أُطِيق الْجِهَاد ! فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِ : { غَيْر أُولِي الضَّرَر } 8103 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه النُّفَيْلِيّ , قَالَ : ثنا زُهَيْر بْن مُعَاوِيَة , قَالَ : ثنا أَبُو إِسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء , قَالَ : كُنْت عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : " اُدْعُ لِي زَيْدًا وَقُلْ لَهُ يَأْتِي - أَوْ يَجِيء - بِالْكَتِفِ وَالدَّوَاة - أَوْ اللَّوْح وَالدَّوَاة , الشَّكّ مِنْ زُهَيْر - اُكْتُبْ : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه } فَقَالَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ بِعَيْنِي ضَرَرًا ! فَنَزَلَتْ قَبْل أَنْ يَبْرَح { غَيْر أُولِي الضَّرَر } * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن رَجَاء الْبَصْرِيّ , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اُدْعُ لِي زَيْدًا وَلْيَجِئْنِي مَعَهُ بِكَتِفٍ وَدَوَاة , أَوْ لَوْح وَدَوَاة " . 8104 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ زِيَاد بْن فَيَّاض , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ } قَالَ عَمْرو ابْن أُمّ مَكْتُوم : يَا رَبّ اِبْتَلَيْتنِي فَكَيْفَ أَصْنَع ؟ فَنَزَلَتْ : { غَيْر أُولِي الضَّرَر } وَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول فِي مَعْنَى : { غَيْر أُولِي الضَّرَر } نَحْوًا مِمَّا قُلْنَا . 8105 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { غَيْر أُولِي الضَّرَر } قَالَ : أَهْل الضَّرَر .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَضَّلَ اللَّه الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَة } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَضَّلَ اللَّه الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَة } فَضَّلَ اللَّه الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ مِنْ أُولِي الضَّرَر دَرَجَة وَاحِدَة , يَعْنِي فَضِيلَة وَاحِدَة , وَذَلِكَ بِفَضْلِ جِهَاد بِنَفْسِهِ , فَأَمَّا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُمَا مُسْتَوِيَانِ . كَمَا : 8106 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك أَنَّهُ سَمِعَ اِبْن جُرَيْج يَقُول فِي : { فَضَّلَ اللَّه الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَة } قَالَ : عَلَى أَهْل الضَّرَر .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَكُلًّا وَعَدَ اللَّه الْحُسْنَى } . يَعْنِي [ بِقَوْلِهِ ] جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَكُلًّا وَعَدَ اللَّه الْحُسْنَى } وَعَدَ اللَّه الْكُلّ مِنْ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ , وَالْقَاعِدِينَ مِنْ أَهْل الضَّرَر الْحُسْنَى . وَيَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْحُسْنَى : الْجَنَّة ; كَمَا : 8107 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَكُلًّا وَعَدَ اللَّه الْحُسْنَى } وَهِيَ الْجَنَّة , وَاَللَّه يُؤْتِي كُلّ ذِي فَضْل فَضْله . 8108 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : قَالَ : الْحُسْنَى : الْجَنَّة .
وَأَمَّا قَوْله : { وَفَضَّلَ اللَّه الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَفَضَّلَ اللَّه الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ مِنْ غَيْر أُولِي الضَّرَر أَجْرًا عَظِيمًا . كَمَا : 8109 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جُرَيْج : { وَفَضَّلَ اللَّه الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَات مِنْهُ وَمَغْفِرَة } قَالَ : عَلَى الْقَاعِدِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْر أُولِي الضَّرَر .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَضَّلَ اللَّه الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَة } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَضَّلَ اللَّه الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَة } فَضَّلَ اللَّه الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ مِنْ أُولِي الضَّرَر دَرَجَة وَاحِدَة , يَعْنِي فَضِيلَة وَاحِدَة , وَذَلِكَ بِفَضْلِ جِهَاد بِنَفْسِهِ , فَأَمَّا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُمَا مُسْتَوِيَانِ . كَمَا : 8106 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك أَنَّهُ سَمِعَ اِبْن جُرَيْج يَقُول فِي : { فَضَّلَ اللَّه الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَة } قَالَ : عَلَى أَهْل الضَّرَر .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَكُلًّا وَعَدَ اللَّه الْحُسْنَى } . يَعْنِي [ بِقَوْلِهِ ] جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَكُلًّا وَعَدَ اللَّه الْحُسْنَى } وَعَدَ اللَّه الْكُلّ مِنْ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ , وَالْقَاعِدِينَ مِنْ أَهْل الضَّرَر الْحُسْنَى . وَيَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْحُسْنَى : الْجَنَّة ; كَمَا : 8107 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَكُلًّا وَعَدَ اللَّه الْحُسْنَى } وَهِيَ الْجَنَّة , وَاَللَّه يُؤْتِي كُلّ ذِي فَضْل فَضْله . 8108 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : قَالَ : الْحُسْنَى : الْجَنَّة .
وَأَمَّا قَوْله : { وَفَضَّلَ اللَّه الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَفَضَّلَ اللَّه الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ مِنْ غَيْر أُولِي الضَّرَر أَجْرًا عَظِيمًا . كَمَا : 8109 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جُرَيْج : { وَفَضَّلَ اللَّه الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَات مِنْهُ وَمَغْفِرَة } قَالَ : عَلَى الْقَاعِدِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْر أُولِي الضَّرَر .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { دَرَجَات مِنْهُ وَمَغْفِرَة وَرَحْمَة } يَعْنِي [ بِقَوْلِهِ ] جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { دَرَجَات مِنْهُ } فَضَائِل مِنْهُ وَمَنَازِل مِنْ مَنَازِل الْكَرَامَة . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الدَّرَجَات الَّتِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { دَرَجَات مِنْهُ } . فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 8110 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { دَرَجَات مِنْهُ وَمَغْفِرَة وَرَحْمَة } كَانَ يُقَال : الْإِسْلَام دَرَجَة , وَالْهِجْرَة فِي الْإِسْلَام دَرَجَة , وَالْجِهَاد فِي الْهِجْرَة دَرَجَة , وَالْقَتْل فِي الْجِهَاد دَرَجَة . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 8111 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : سَأَلْت اِبْن زَيْد عَنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { وَفَضَّلَ اللَّه الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَات مِنْهُ } الدَّرَجَات : هِيَ السَّبْع الَّتِي ذَكَرَهَا فِي سُورَة بَرَاءَة : { مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَة وَمَنْ حَوْلهمْ مِنْ الْأَعْرَاب أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُول اللَّه وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسه ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبهُمْ ظَمَأ وَلَا نَصَب } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { أَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } 9 120 : 121 قَالَ هَذِهِ السَّبْع الدَّرَجَات . قَالَ : وَكَانَ أَوَّل شَيْء , فَكَانَتْ دَرَجَة الْجِهَاد مُجْمَلَة , فَكَانَ الَّذِي جَاهَدَ بِمَالِهِ لَهُ اِسْم فِي هَذِهِ , فَلَمَّا جَاءَتْ هَذِهِ الدَّرَجَات بِالتَّفْضِيلِ أُخْرِجَ مِنْهَا , فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهَا إِلَّا النَّفَقَة . فَقَرَأَ : { لَا يُصِيبهُمْ ظَمَأ وَلَا نَصَب } 9 120 وَقَالَ : لَيْسَ هَذَا لِصَاحِبِ النَّفَقَة . ثُمَّ قَرَأَ : { وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَة } 9 121 قَالَ : وَهَذِهِ نَفَقَة الْقَاعِد. وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِذَلِكَ دَرَجَات الْجَنَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 8112 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحَسَن الْأَزْدِيّ , قَالَ : ثنا الْأَشْجَعِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ هِشَام بْن حَسَّان , عَنْ جَبَلَة بْن سُحَيْم , عَنْ اِبْن مُحَيْرِيز فِي قَوْله : { فَضَّلَ اللَّه الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ } . .. إِلَى قَوْله : { دَرَجَات } قَالَ : الدَّرَجَات : سَبْعُونَ دَرَجَة , مَا بَيْن الدَّرَجَتَيْنِ حُضْر الْفَرَس الْجَوَاد الْمُضَمَّر سَبْعِينَ سَنَة . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَات بِتَأْوِيلِ قَوْله : { دَرَجَات مِنْهُ } أَنْ يَكُون مَعْنِيًّا بِهِ دَرَجَات الْجَنَّة , كَمَا قَالَ اِبْن مُحَيْرِيز ; لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى ذِكْره : { دَرَجَات مِنْهُ } تَرْجَمَة وَبَيَان عَنْ قَوْله : { أَجْرًا عَظِيمًا } , وَمَعْلُوم أَنَّ الْأَجْر إِنَّمَا هُوَ الثَّوَاب وَالْجَزَاء , وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَتْ الدَّرَجَات وَالْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة تَرْجَمَة عَنْهُ , كَانَ مَعْلُومًا أَنْ لَا وَجْه لِقَوْلِ مَنْ وَجَّهَ مَعْنَى قَوْله : { دَرَجَات مِنْهُ } إِلَى الْأَعْمَال وَزِيَادَتهَا عَلَى أَعْمَال الْقَاعِدِينَ عَنْ الْجِهَاد كَمَا قَالَ قَتَادَة وَابْن زَيْد . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ الصَّحِيح مِنْ تَأْوِيل ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا , فَبُيِّنَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَفَضَّلَ اللَّه الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيل اللَّه عَلَى الْقَاعِدِينَ مِنْ غَيْر أُولِي الضَّرَر . أَجْرًا عَظِيمًا وَثَوَابًا جَزِيلًا , وَهُوَ دَرَجَات أَعْطَاهُمُوهَا فِي الْآخِرَة مِنْ دَرَجَات الْجَنَّة , رَفَعَهُمْ بِهَا عَلَى الْقَاعِدِينَ بِمَا أَبْلَوْا فِي ذَات اللَّه . { وَمَغْفِرَة } يَقُول : وَصَفَحَ لَهُمْ عَنْ ذُنُوبهمْ , فَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِتَرْكِ عُقُوبَتهمْ عَلَيْهَا . { وَرَحْمَة } يَقُول : وَرَأْفَة بِهِمْ .
{ وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا } يَقُول : وَلَمْ يَزَلْ اللَّه غَفُورًا لِذُنُوبِ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ , فَيَصْفَح لَهُمْ عَنْ الْعُقُوبَة عَلَيْهَا { رَحِيمًا } بِهِمْ , يَتَفَضَّل عَلَيْهِمْ بِنِعَمِهِ , مَعَ خِلَافهمْ أَمْره وَنَهْيه وَرُكُوبهمْ مَعَاصِيَهُ .
{ وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا } يَقُول : وَلَمْ يَزَلْ اللَّه غَفُورًا لِذُنُوبِ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ , فَيَصْفَح لَهُمْ عَنْ الْعُقُوبَة عَلَيْهَا { رَحِيمًا } بِهِمْ , يَتَفَضَّل عَلَيْهِمْ بِنِعَمِهِ , مَعَ خِلَافهمْ أَمْره وَنَهْيه وَرُكُوبهمْ مَعَاصِيَهُ .
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْض قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْض اللَّه وَاسِعَة فَتُهَاجِرُوا فِيهَا } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة } : إِنَّ الَّذِينَ تَقْبِض أَرْوَاحهمْ الْمَلَائِكَة { ظَالِمِي أَنْفُسهمْ } يَعْنِي : مُكْسِبِي أَنْفُسهمْ غَضَب اللَّه وَسَخَطه . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الظُّلْم فِيمَا مَضَى قَبْل . { قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ } يَقُول : قَالَتْ الْمَلَائِكَة لَهُمْ : فِيمَ كُنْتُمْ , فِي أَيّ شَيْء كُنْتُمْ مِنْ دِينكُمْ . { قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْض } يَعْنِي : قَالَ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ : كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْض , يَسْتَضْعِفنَا أَهْل الشِّرْك بِاَللَّهِ فِي أَرْضنَا وَبِلَادنَا بِكَثْرَةِ عَدَدهمْ وَقُوَّتهمْ , فَيَمْنَعُونَا مِنْ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَاتِّبَاع رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مَعْذِرَة ضَعِيفَة وَحُجَّة وَاهِيَة. { قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْض اللَّه وَاسِعَة فَتُهَاجِرُوا فِيهَا } يَقُول : فَتَخْرُجُوا مِنْ أَرْضكُمْ وَدُوركُمْ , وَتُفَارِقُوا مَنْ يَمْنَعكُمْ بِهَا مِنْ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَاتِّبَاع رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْأَرْض الَّتِي يَمْنَعكُمْ أَهْلهَا مِنْ سُلْطَان أَهْل الشِّرْك بِاَللَّهِ , فَتُوَحِّدُوا اللَّه فِيهَا وَتَعْبُدُوهُ , وَتَتَّبِعُوا نَبِيّه ؟ وَذُكِرَ أَنَّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ وَاَلَّتِي بَعْدهمَا نَزَلَتْ فِي أَقْوَام مِنْ أَهْل مَكَّة كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا وَآمَنُوا بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ , وَتَخَلَّفُوا عَنْ الْهِجْرَة مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين هَاجَرَ , وَعُرِضَ بَعْضهمْ عَلَى الْفِتْنَة فَافْتُتِنَ , وَشَهِدَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ حَرْب الْمُسْلِمِينَ , فَأَبَى اللَّه قَبُول مَعْذِرَتهمْ الَّتِي اِعْتَذَرُوا بِهَا , الَّتِي بَيَّنَّهَا فِي قَوْله خَبَرًا عَنْهُمْ : { قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْض } . ذِكْر الْأَخْبَار الْوَارِدَة بِصِحَّةِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ نُزُول الْآيَة فِي الَّذِينَ ذَكَرْنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِمْ : 8113 - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , قَالَ : ثنا أَشْعَث , عَنْ عِكْرِمَة : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ } قَالَ : كَانَ نَاس مِنْ أَهْل مَكَّة أَسْلَمُوا , فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بِهَا هَلَكَ , قَالَ اللَّه : { فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّم وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَان } إِلَى قَوْله : { عَفُوًّا غَفُورًا } قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَأَنَا مِنْهُمْ وَأُمِّي مِنْهُمْ , قَالَ عِكْرِمَة : وَكَانَ الْعَبَّاس مِنْهُمْ . 8114 - أَحْمَد بْن مَنْصُور الرَّمَادِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن شَرِيك , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ قَوْم مِنْ أَهْل مَكَّة أَسْلَمُوا , وَكَانُوا يَسْتَخْفُونَ بِالْإِسْلَامِ , فَأَخْرَجَهُمْ الْمُشْرِكُونَ يَوْم بَدْر مَعَهُمْ , فَأُصِيبَ بَعْضهمْ , فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : كَانَ أَصْحَابنَا هَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ وَأُكْرِهُوا , فَاسْتَغْفِرُوا لَهُمْ. فَنَزَلَتْ : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ }. .. الْآيَة , قَالَ : فَكُتِبَ إِلَى مَنْ بَقِيَ بِمَكَّة مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِهَذِهِ الْآيَة , وَأَنَّهُ لَا عُذْر لَهُمْ . قَالَ : فَخَرَجُوا , فَلَحِقَهُمْ الْمُشْرِكُونَ , فَأَعْطَوْهُمْ الْفِتْنَة , فَنَزَلَتْ فِيهِمْ : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول آمَنَّا بِاَللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّه }. .. 29 10 إِلَى آخِر الْآيَة , فَكَتَبَ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ , فَحَزِنُوا وَأَيِسُوا مِنْ كُلّ خَيْر , ثُمَّ نَزَلَتْ فِيهِمْ : { ثُمَّ إِنَّ رَبّك لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْد مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبّك مِنْ بَعْدهَا لَغَفُور رَحِيم } 16 110 فَكَتَبُوا إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ : إِنَّ اللَّه قَدْ جَعَلَ لَكُمْ مَخْرَجًا . فَخَرَجُوا , فَأَدْرَكَهُمْ الْمُشْرِكُونَ , فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى نَجَا مَنْ نَجَا وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ. 8115 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي حَيْوَة - أَوْ اِبْن لَهِيعَة , الشَّكّ مِنْ يُونُس - عَنْ أَبِي الْأَسْوَد , أَنَّهُ سَمِعَ مَوْلًى لِابْنِ عَبَّاس يَقُول عَنْ اِبْن عَبَّاس : إِنَّ نَاسًا مُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يُكْثِرُونَ سَوَاد الْمُشْرِكِينَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَأْتِي السَّهْم يُرْمَى بِهِ , فَيُصِيب أَحَدهمْ فَيَقْتُلهُ , أَوْ يُضْرَب فَيُقْتَل , فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ } , حَتَّى بَلَغَ : { فَتُهَاجِرُوا فِيهَا } . 8116 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الْمُقْرِئ قَالَ : أَخْبَرَنَا حَيْوَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن نَوْفَل الْأَسَدِيّ , قَالَ : قُطِعَ عَلَى أَهْل الْمَدِينَة بَعْث , فَاكْتُتِبْت فِيهِ , فَلَقِيت عِكْرِمَة مَوْلَى اِبْن عَبَّاس , فَنَهَانِي عَنْ ذَلِكَ أَشَدّ النَّهْي . ثُمَّ قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن عَبَّاس أَنَّ نَاسًا مُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ ; ثُمَّ ذَكَرَ مِثْل حَدِيث يُونُس عَنْ اِبْن وَهْب. 8117 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ } هُمْ قَوْم تَخَلَّفُوا بَعْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكُوا أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُ , فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْل أَنْ يَلْحَق بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَتْ الْمَلَائِكَة وَجْهه وَدُبُره . 8118 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ } . .. إِلَى قَوْله : { وَسَاءَتْ مَصِيرًا } قَالَ : نَزَلَتْ فِي قَيْس بْن الْفَاكِه بْن الْمُغِيرَة وَالْحَارِث بْن زَمْعَة بْن الْأَسْوَد وَقَيْس بْن الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة وَأَبِي الْعَاصِ بْن مُنَبِّه بْن الْحَجَّاج وَعَلِيّ بْن أُمَيَّة بْن خَلَف . قَالَ : لَمَّا خَرَجَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْش وَأَتْبَاعهمْ لِمَنْعِ أَبِي سُفْيَان بْن حَرْب وَعِير قُرَيْش مِنْ رَسُول اللَّه وَأَصْحَابه , وَأَنْ يَطْلُبُوا مَا نِيلَ مِنْهُمْ يَوْم نَخْلَة , خَرَجُوا مَعَهُمْ بِشُبَّانٍ كَارِهِينَ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا وَاجْتَمَعُوا بِبَدْرٍ عَلَى غَيْر مَوْعِد , فَقُتِلُوا بِبَدْرٍ كُفَّارًا , وَرَجَعُوا عَنْ الْإِسْلَام , وَهُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَمَّيْنَاهُمْ . قَالَ اِبْن جُرَيْج وَقَالَ مُجَاهِد : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِيمَنْ قُتِلَ يَوْم بَدْر مِنْ الضُّعَفَاء مِنْ كُفَّار قُرَيْش . قَالَ اِبْن جُرَيْج وَقَالَ عِكْرِمَة : لَمَّا نَزَلَ الْقُرْآن فِي هَؤُلَاءِ النَّفَر , إِلَى قَوْله : { وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَان } قَالَ : يَعْنِي : الشَّيْخ الْكَبِير , وَالْعَجُوز وَالْجَوَارِي وَالصِّغَار وَالْغِلْمَان . 8119 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ }. .. إِلَى قَوْله : { وَسَاءَتْ مَصِيرًا } قَالَ : لَمَّا أُسِرَ الْعَبَّاس وَعَقِيل وَنَوْفَل , قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ : " اِفْدِ نَفْسك وَابْن أَخِيك ! " قَالَ : يَا رَسُول اللَّه أَلَمْ نُصَلِّ قِبْلَتك , وَنَشْهَد شَهَادَتك ؟ قَالَ : " يَا عَبَّاس إِنَّكُمْ خَاصَمْتُمْ فَخُصِمْتُمْ " , ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { أَلَمْ تَكُنْ أَرْض اللَّه وَاسِعَة فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّم وَسَاءَتْ مَصِيرًا } فَيَوْم نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة كَانَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَمْ يُهَاجِر فَهُوَ كَافِر حَتَّى يُهَاجِر , إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ الَّذِينَ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَة وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا , حِيلَة فِي الْمَال , وَالسَّبِيل : الطَّرِيق . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كُنْت أَنَا مِنْهُمْ مِنْ الْوِلْدَان . 8120 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة يَقُول : كَانَ نَاس بِمَكَّة قَدْ شَهِدُوا أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , فَلَمَّا خَرَجَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى بَدْر أَخْرَجُوهُمْ مَعَهُمْ , فَقُتِلُوا , فَنَزَلَتْ : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ } . .. إِلَى قَوْله : { أُولَئِكَ عَسَى اللَّه أَنْ يَعْفُو عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّه عَفُوًّا غَفُورًا } فَكَتَبَ بِهَا الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ بِالْمَدِينَةِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ بِمَكَّة . قَالَ : فَخَرَجَ نَاس مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيق طَلَبَهُمْ الْمُشْرِكُونَ فَأَدْرَكُوهُمْ , فَمِنْهُمْ مَنْ أَعْطَى الْفِتْنَة , فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول آمَنَّا بِاَللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّه جَعَلَ فِتْنَة النَّاس كَعَذَابِ اللَّه } 29 10 فَكَتَبَ بِهَا الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ بِالْمَدِينَةِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ بِمَكَّة , وَأَنْزَلَ اللَّه فِي أُولَئِكَ الَّذِينَ أَعْطَوْا الْفِتْنَة : { ثُمَّ إِنَّ رَبّك لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْد مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا }. .. إِلَى { غَفُور رَحِيم } 16 110 قَالَ اِبْن عُيَيْنَة : أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن إِسْحَاق فِي قَوْله { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة } قَالَ : هُمْ خَمْسَة فِتْيَة مِنْ قُرَيْش : عَلِيّ بْن أُمَيَّة , وَأَبُو قَيْس بْن الْفَاكِه , وَزَمْعَة بْن الْأَسْوَد , وَأَبُو الْعَاصِ بْن مُنَبِّه , وَنَسِيت الْخَامِس . 8121 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ } . .. الْآيَة , حَدَّثَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَة أُنْزِلَتْ فِي أُنَاس تَكَلَّمُوا بِالْإِسْلَامِ مِنْ أَهْل مَكَّة , فَخَرَجُوا مَعَ عَدُوّ اللَّه أَبِي جَهْل , فَقُتِلُوا يَوْم بَدْر , فَاعْتَذَرُوا بِغَيْرِ عُذْر , فَأَبَى اللَّه أَنْ يَقْبَل مِنْهُمْ . وَقَوْله { إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَان لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَة وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا } أُنَاس مِنْ أَهْل مَكَّة عَذَرَهُمْ اللَّه , فَاسْتَثْنَاهُمْ فَقَالَ : { أُولَئِكَ عَسَى اللَّه أَنْ يَعْفُو عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّه عَفُوًّا غَفُورًا } قَالَ : وَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : كُنْت أَنَا وَأُمِّي مِنْ الَّذِينَ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَة وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا. 8122 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ } . .. الْآيَة , قَالَ : أُنَاس مِنْ الْمُنَافِقِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمْ يَخْرُجُوا مَعَهُ إِلَى الْمَدِينَة , وَخَرَجُوا مَعَ مُشْرِكِي قُرَيْش إِلَى بَدْر , فَأُصِيبُوا يَوْمئِذٍ فِيمَنْ أُصِيبَ , فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَة. وَأَمَّا قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة } فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون تَوَفَّاهُمْ " فِي مَوْضِع نَصْب بِمَعْنَى الْمُضِيّ , لِأَنَّ " فَعَلَ " مَنْصُوبَة فِي كُلّ حَال . وَالْآخَر أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع رَفْع بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَال , يُرَاد بِهِ : إِنَّ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة . فَتَكُون إِحْدَى التَّاءَيْنِ مِنْ تَوَفَّاهُمْ مَحْذُوفَة , وَهِيَ مُرَادَة فِي الْكَلِمَة , لِأَنَّ الْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ إِذَا اِجْتَمَعَتْ تَاءَانِ فِي أَوَّل الْكَلِمَة رُبَّمَا حَذَفَتْ إِحْدَاهُمَا وَأَثْبَتَتْ الْأُخْرَى , وَرُبَّمَا أَثْبَتَتْهُمَا جَمِيعًا.
يَقُول اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّم } : أَيْ فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْت لَكُمْ صِفَتهمْ , الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ , مَأْوَاهُمْ جَهَنَّم , يَقُول : مَصِيرهمْ فِي الْآخِرَة جَهَنَّم , وَهِيَ مَسْكَنهمْ .
{ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } يَعْنِي : وَسَاءَتْ جَهَنَّم لِأَهْلِهَا الَّذِينَ صَارُوا إِلَيْهَا مَصِيرًا وَمَسْكَنًا وَمَأْوًى.
يَقُول اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّم } : أَيْ فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْت لَكُمْ صِفَتهمْ , الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ , مَأْوَاهُمْ جَهَنَّم , يَقُول : مَصِيرهمْ فِي الْآخِرَة جَهَنَّم , وَهِيَ مَسْكَنهمْ .
{ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } يَعْنِي : وَسَاءَتْ جَهَنَّم لِأَهْلِهَا الَّذِينَ صَارُوا إِلَيْهَا مَصِيرًا وَمَسْكَنًا وَمَأْوًى.
إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ↓
ثُمَّ اِسْتَثْنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْمُسْتَضْعَفِينَ الَّذِينَ اِسْتَضْعَفَهُمْ الْمُشْرِكُونَ مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَان , وَهُمْ الْعَجَزَة عَنْ الْهِجْرَة بِالْعُسْرَةِ وَقِلَّة الْحِيلَة وَسُوء الْبَصَر وَالْمَعْرِفَة بِالطَّرِيقِ مِنْ أَرْضهمْ أَرْض الشِّرْك إِلَى أَرْض الْإِسْلَام مِنْ الْقَوْم الَّذِينَ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّم أَنْ تَكُون جَهَنَّم مَأْوَاهُمْ , لِلْعُذْرِ الَّذِي هُمْ فِيهِ , عَلَى مَا بَيَّنَهُ تَعَالَى ذِكْره . وَنَصَبَ الْمُسْتَضْعَفِينَ عَلَى الِاسْتِثْنَاء مِنْ الْهَاء وَالْمِيم اللَّتَيْنِ فِي قَوْله : { فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّم } , 8123 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب قَالَ : سَأَلْته , يَعْنِي اِبْن زَيْد , عَنْ قَوْل اللَّه : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَان } فَقَالَ : لَمَّا بُعِثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَظَهَرَ وَنَبَعَ الْإِيمَان نَبَعَ النِّفَاق مِنْهُ , فَأَتَى إِلَى رَسُول اللَّه رِجَال , فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , لَوْلَا أَنَّا نَخَاف هَؤُلَاءِ الْقَوْم يُعَذِّبُونَنَا وَيَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ لَأَسْلَمْنَا , وَلَكِنَّا نَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَأَنَّك رَسُول اللَّه ! فَكَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ لَهُ . فَلَمَّا كَانَ يَوْم بَدْر قَامَ الْمُشْرِكُونَ , فَقَالُوا : لَا يَتَخَلَّف عَنَّا أَحَد إِلَّا هَدَمْنَا دَاره وَاسْتَبَحْنَا مَاله ! فَخَرَجَ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ الْقَوْل لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ , فَقُتِلَتْ طَائِفَة مِنْهُمْ وَأُسِرَتْ طَائِفَة . قَالَ : فَأَمَّا الَّذِينَ قُتِلُوا فَهُمْ الَّذِينَ قَالَ اللَّه فِيهِمْ : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ }. .. الْآيَة كُلّهَا { أَلَمْ تَكُنْ أَرْض اللَّه وَاسِعَة فَتُهَاجِرُوا فِيهَا } وَتَتْرُكُوا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَسْتَضْعِفُونَكُمْ { أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّم وَسَاءَتْ مَصِيرًا } . قَالَ : ثُمَّ عَذَرَ اللَّه أَهْل الصِّدْق فَقَالَ : { إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَان لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَة وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا } يَتَوَجَّهُونَ لَهُ لَوْ خَرَجُوا لَهَلَكُوا , فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّه أَنْ يَعْفُو عَنْهُمْ إِقَامَتهمْ بَيْن ظَهْرَيْ الْمُشْرِكِينَ. وَقَالَ الَّذِينَ أُسِرُوا : يَا رَسُول اللَّه إِنَّك تَعْلَم أَنَّا كُنَّا نَأْتِيك فَنَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّك رَسُول اللَّه , وَأَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْم خَرَجْنَا مَعَهُمْ خَوْفًا ! فَقَالَ اللَّه : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَم اللَّه فِي قُلُوبكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِر لَكُمْ } 8 70 صَنِيعكُمْ الَّذِي صَنَعْتُمْ بِخُرُوجِكُمْ مَعَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتك فَقَدْ خَانُوا اللَّه مِنْ قَبْل } 8 71 خَرَجُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ { فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاَللَّه عَلِيم حَكِيم } 8 71 8124 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن خَالِد بْن خِدَاش , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ أَيُّوب , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي مُلَيْكَة عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّهُ قَالَ : كُنْت أَنَا وَأُمِّي مِمَّنْ عَذَرَ اللَّه إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَان لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَة وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا. 8125 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ شَرِيك , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَان } قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَنَا مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ . 8126 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { ظَالِمِي أَنْفُسهمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ } قَالَ مَنْ قُتِلَ مِنْ ضُعَفَاء كُفَّار قُرَيْش يَوْم بَدْر. * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي يَزِيد , قَالَ : سَمِعْت اِبْن عَبَّاس يَقُول : كُنْت أَنَا وَأُمِّي مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ النِّسَاء وَالْوِلْدَان . 8127 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد , عَنْ عَبْد اللَّه أَوْ إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه الْقُرَشِيّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي دُبُر صَلَاة الظُّهْر : " اللَّهُمَّ خَلِّصْ الْوَلِيد وَسَلَمَة بْن هِشَام وَعَيَّاش بْن أَبِي رَبِيعَة وَضَعَفَة الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَة وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا " . 8128 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَة وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا } قَالَ : مُؤْمِنُونَ مُسْتَضْعَفُونَ بِمَكَّة , فَقَالَ فِيهِمْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هُمْ بِمَنْزِلَةِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قُتِلُوا بِبَدْرٍ ضُعَفَاء مَعَ كُفَّار قُرَيْش. فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ : { لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَة وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا } . .. الْآيَة * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد نَحْوه . وَأَمَّا قَوْله : { لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَة } فَإِنَّ مَعْنَاهُ كَمَا : 8129 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَة } قَالَ : نُهُوضًا إِلَى الْمَدِينَة ; { وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا } : طَرِيقًا إِلَى الْمَدِينَة . 8130 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا } : طَرِيقًا إِلَى الْمَدِينَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله. 8131 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : الْحِيلَة : الْمَال , وَالسَّبِيل : الطَّرِيق إِلَى الْمَدِينَة .
يَقُول اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّه أَنْ يَعْفُو عَنْهُمْ } يَعْنِي : هَؤُلَاءِ الْمُسْتَضْعَفِينَ , يَقُول : لَعَلَّ اللَّه أَنْ يَعْفُو عَنْهُمْ لِلْعُذْرِ الَّذِي هُمْ فِيهِ وَهُمْ مُؤْمِنُونَ , فَيَتَفَضَّل عَلَيْهِمْ بِالصَّفْحِ عَنْهُمْ فِي تَرْكهمْ الْهِجْرَة , إِذْ لَمْ يَتْرُكُوهَا اِخْتِيَارًا وَلَا إِيثَارًا مِنْهُمْ لِدَارِ الْكُفْر عَلَى دَار الْإِسْلَام , وَلَكِنْ لِلْعَجْزِ الَّذِي هُمْ فِيهِ عَنْ النُّقْلَة عَنْهَا .
{ وَكَانَ اللَّه عَفُوًّا غَفُورًا } يَقُول : وَلَمْ يَزَلْ اللَّه عَفُوًّا , يَعْنِي ذَا صَفْح بِفَضْلِهِ عَنْ ذُنُوب عِبَاده بِتَرْكِهِ الْعُقُوبَة عَلَيْهَا , غَفُورًا سَاتِرًا عَلَيْهِمْ ذُنُوبهمْ بِعَفْوِهِ لَهُمْ عَنْهَا .
{ وَكَانَ اللَّه عَفُوًّا غَفُورًا } يَقُول : وَلَمْ يَزَلْ اللَّه عَفُوًّا , يَعْنِي ذَا صَفْح بِفَضْلِهِ عَنْ ذُنُوب عِبَاده بِتَرْكِهِ الْعُقُوبَة عَلَيْهَا , غَفُورًا سَاتِرًا عَلَيْهِمْ ذُنُوبهمْ بِعَفْوِهِ لَهُمْ عَنْهَا .
وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يُهَاجِر فِي سَبِيل اللَّه يَجِد فِي الْأَرْض مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَة وَمَنْ يَخْرُج مِنْ بَيْته مُهَاجِرًا إِلَى اللَّه وَرَسُوله ثُمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت فَقَدْ وَقَعَ أَجْره عَلَى اللَّه } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَمَنْ يُهَاجِر فِي سَبِيل اللَّه } : وَمَنْ يُفَارِق أَرْض الشِّرْك وَأَهْلهَا هَرَبًا بِدِينِهِ مِنْهَا وَمِنْهُمْ إِلَى أَرْض الْإِسْلَام وَأَهْلهَا الْمُؤْمِنِينَ , { فِي سَبِيل اللَّه } يَعْنِي فِي مِنْهَاج دِين اللَّه وَطَرِيقه الَّذِي شَرَعَهُ لِخَلْقِهِ , وَذَلِكَ الدِّين الْقَيِّم. { يَجِد فِي الْأَرْض مُرَاغَمًا كَثِيرًا } يَقُول : يَجِد هَذَا الْمُهَاجِر فِي سَبِيل اللَّه مُرَاغَمًا كَثِيرًا , وَهُوَ الْمُضْطَرِب فِي الْبِلَاد وَالْمَذْهَب , يُقَال مِنْهُ : رَاغَمَ فُلَان قَوْمه مُرَاغَمًا وَمُرَاغَمَة مَصْدَرَانِ , وَمِنْهُ قَوْل نَابِغَة بَنِي جَعْدَة : كَطَوْدٍ يُلَاذ بِأَرْكَانِهِ عَزِيز الْمُرَاغَم وَالْمَهْرَب وَقَوْله : { وَسَعَة } فَإِنَّهُ يَحْتَمِل السَّعَة فِي أَمْر دِينهمْ بِمَكَّة , وَذَلِكَ مَنْعهمْ إِيَّاهُمْ مِنْ إِظْهَار دِينهمْ وَعِبَادَة رَبّهمْ عَلَانِيَة ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّنْ خَرَجَ مُهَاجِرًا مِنْ أَرْض الشِّرْك فَارًّا بِدِينِهِ إِلَى اللَّه وَإِلَى رَسُوله إِنْ أَدْرَكَتْهُ مَنِيَّته قَبْل بُلُوغه أَرْض الْإِسْلَام وَدَار الْهِجْرَة , فَقَالَ : مَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ وَقَعَ أَجْره عَلَى اللَّه , وَذَلِكَ ثَوَاب عَمَله وَجَزَاء هِجْرَته وَفِرَاق وَطَنه وَعَشِيرَته إِلَى دَار الْإِسْلَام وَأَهْل دِينه. يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَنْ يَخْرُج مُهَاجِرًا مِنْ دَاره إِلَى اللَّه وَإِلَى رَسُوله , فَقَدْ اِسْتَوْجَبَ ثَوَاب هِجْرَته إِنْ لَمْ يَبْلُغ دَار هِجْرَته بِاخْتِرَامِ الْمَنِيَّة إِيَّاهُ قَبْل بُلُوغه إِيَّاهَا عَلَى رَبّه . وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ بِسَبَبِ بَعْض مَنْ كَانَ مُقِيمًا بِمَكَّة وَهُوَ مُسْلِم , فَخَرَجَ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ اللَّه أَنْزَلَ الْآيَتَيْنِ قَبْلهَا , وَذَلِكَ قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ } . .. إِلَى قَوْله : { وَكَانَ اللَّه عَفُوًّا غَفُورًا } فَمَاتَ فِي طَرِيقه قَبْل بُلُوغه الْمَدِينَة . ذِكْر الْأَخْبَار الْوَارِدَة بِذَلِكَ : 8132 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي قَوْله : { وَمَنْ يَخْرُج مِنْ بَيْته مُهَاجِرًا إِلَى اللَّه وَرَسُوله } قَالَ : كَانَ رَجُل مِنْ خُزَاعَة يُقَال لَهُ ضَمْرَة بْن الْعَيْص أَوْ الْعَيْص بْن ضَمْرَة بْن زِنْبَاع , قَالَ : فَلَمَّا أُمِرُوا بِالْهِجْرَةِ كَانَ مَرِيضًا , فَأَمَرَ أَهْله أَنْ يَفْرِشُوا لَهُ عَلَى سَرِيره وَيَحْمِلُوهُ إِلَى رَسُول اللَّه , قَالَ : فَفَعَلُوا , فَأَتَاهُ الْمَوْت وَهُوَ بِالتَّنْعِيمِ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَنَّهُ قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَمَنْ يَخْرُج مِنْ بَيْته مُهَاجِرًا إِلَى اللَّه وَرَسُوله ثُمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت فَقَدْ وَقَعَ أَجْره عَلَى اللَّه } فِي ضَمْرَة بْن الْعَيْص بْن الزِّنْبَاع , أَوْ فُلَان بْن ضَمْرَة بْن الْعَيْص بْن الزِّنْبَاع , حِين بَلَغَ التَّنْعِيم مَاتَ فَنَزَلَتْ فِيهِ . حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ الْعَوَّام التَّيْمِيّ بِنَحْوِ حَدِيث يَعْقُوب , عَنْ هُشَيْم , قَالَ : وَكَانَ رَجُلًا مِنْ خُزَاعَة . 8133 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَمَنْ يُهَاجِر فِي سَبِيل اللَّه يَجِد فِي الْأَرْض مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَة } . .. الْآيَة , قَالَ : لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه هَؤُلَاءِ الْآيَات وَرَجُل مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يُقَال لَهُ ضَمْرَة بِمَكَّة , قَالَ : وَاَللَّه إِنَّ لِي مِنْ الْمَال مَا يُبَلِّغنِي الْمَدِينَة وَأَبْعَد مِنْهَا وَإِنِّي لَأَهْتَدِي , أَخْرِجُونِي ! وَهُوَ مَرِيض حِينَئِذٍ . فَلَمَّا جَاوَزَ الْحَرَم قَبَضَهُ اللَّه فَمَاتَ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَمَنْ يَخْرُج مِنْ بَيْته مُهَاجِرًا إِلَى اللَّه } . .. * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ } قَالَ رَجُل مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمئِذٍ وَهُوَ مَرِيض : وَاَللَّه مَا لِي مِنْ عُذْر إِنِّي لَدَلِيل بِالطَّرِيقِ , وَإِنِّي لَمُوسِر , فَاحْمِلُونِي ! فَحَمَلُوهُ فَأَدْرَكَهُ الْمَوْت بِالطَّرِيقِ , فَنَزَلَتْ فِيهِ : { وَمَنْ يَخْرُج مِنْ بَيْته مُهَاجِرًا إِلَى اللَّه وَرَسُوله } . 8134 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة يَقُول : لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ }. .. الْآيَتَيْنِ , قَالَ رَجُل مِنْ بَنِي ضَمْرَة وَكَانَ مَرِيضًا : أَخْرِجُونِي إِلَى الرَّوْح ! فَأَخْرَجُوهُ , حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْحَصْحَاصِ مَاتَ , فَنَزَلَ فِيهِ : { وَمَنْ يَخْرُج مِنْ بَيْته مُهَاجِرًا إِلَى اللَّه وَرَسُوله } . .. الْآيَة . 8135 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي عَنْ الْمُنْذِر بْن ثَعْلَبَة , عَنْ عِلْبَاء بْن أَحْمَر الْيَشْكُرِيّ , قَوْله : { وَمَنْ يَخْرُج مِنْ بَيْته مُهَاجِرًا إِلَى اللَّه وَرَسُوله ثُمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت فَقَدْ وَقَعَ أَجْره عَلَى اللَّه } قَالَ : نَزَلَتْ فِي رَجُل مِنْ خُزَاعَة . 8136 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثنا قُرَّة , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْل اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : { وَمَنْ يَخْرُج مِنْ بَيْته مُهَاجِرًا إِلَى اللَّه وَرَسُوله ثُمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت فَقَدْ وَقَعَ أَجْره عَلَى اللَّه } قَالَ : لَمَّا سَمِعَ رَجُل مِنْ أَهْل مَكَّة أَنَّ بَنِي كِنَانَة قَدْ ضَرَبَتْ وُجُوههمْ وَأَدْبَارهمْ الْمَلَائِكَة قَالَ لِأَهْلِهِ : أَخْرِجُونِي ! وَقَدْ أُدْنِفَ لِلْمَوْتِ . قَالَ : فَاحْتُمِلَ حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى عَقَبَة قَدْ سَمَّاهَا , فَتُوُفِّيَ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمَنْ يَخْرُج مِنْ بَيْته مُهَاجِرًا إِلَى اللَّه وَرَسُوله } ... الْآيَة. 8137 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا سَمِعَ بِهَذِهِ - يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ }. .. إِلَى قَوْله : { وَكَانَ اللَّه عَفُوًّا غَفُورًا } - ضَمْرَة بْن جُنْدُب الضَّمْرِيّ قَالَ لِأَهْلِهِ وَكَانَ وَجِعًا : أَرْحِلُوا رَاحِلَتِي , فَإِنَّ الْأَخْشَبَيْنِ قَدْ غَمَّانِي - يَعْنِي : جَبَلَيْ مَكَّة - لَعَلِّي أَنْ أَخْرُج فَيُصِيبنِي رَوْح ! فَقَعَدَ عَلَى رَاحِلَته ثُمَّ تَوَجَّهَ نَحْو الْمَدِينَة فَمَاتَ بِالطَّرِيقِ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمَنْ يَخْرُج مِنْ بَيْته مُهَاجِرًا إِلَى اللَّه وَرَسُوله ثُمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت فَقَدْ وَقَعَ أَجْره عَلَى اللَّه } . وَأَمَّا حِين تَوَجَّهَ إِلَى الْمَدِينَة , فَإِنَّهُ قَالَ : اللَّهُمَّ مُهَاجِر إِلَيْك وَإِلَى رَسُولك . 8138 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , يَعْنِي قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة } قَالَ جُنْدُب بْن ضَمْرَة الْجُنْدَعِيّ : اللَّهُمَّ أَبْلَغْت فِي الْمَعْذِرَة وَالْحُجَّة , وَلَا مَعْذِرَة لِي وَلَا حُجَّة. قَالَ : ثُمَّ خَرَجَ وَهُوَ شَيْخ كَبِير فَمَاتَ بِبَعْضِ الطَّرِيق , فَقَالَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَاتَ قَبْل أَنْ يُهَاجِر , فَلَا نَدْرِي أَعَلَى وِلَايَة أَمْ لَا ؟ فَنَزَلَتْ : { وَمَنْ يَخْرُج مِنْ بَيْته مُهَاجِرًا إِلَى اللَّه وَرَسُوله ثُمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت فَقَدْ وَقَعَ أَجْره عَلَى اللَّه } . * - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه فِي الَّذِينَ قُتِلُوا مَعَ مُشْرِكِي قُرَيْش بِبَدْرٍ : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ } . .. الْآيَة , سَمِعَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ رَجُل مِنْ بَنِي لَيْث كَانَ عَلَى دِين النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقِيمًا بِمَكَّة , وَكَانَ مِمَّنْ عَذَرَ اللَّه كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا وَضِيئًا , فَقَالَ لِأَهْلِهِ : مَا أَنَا بِبَائِتٍ اللَّيْلَة بِمَكَّة ! فَخَرَجُوا بِهِ مَرِيضًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ التَّنْعِيم مِنْ طَرِيق الْمَدِينَة أَدْرَكَهُ الْمَوْت , فَنَزَلَ فِيهِ : { وَمَنْ يَخْرُج مِنْ بَيْته مُهَاجِرًا إِلَى اللَّه } . .. الْآيَة . 8139 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَمَنْ يُهَاجِر فِي سَبِيل اللَّه يَجِد فِي الْأَرْض مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَة } قَالَ : هَاجَرَ رَجُل مِنْ بَنِي كِنَانَة يُرِيد النَّبِيّ , فَمَاتَ فِي الطَّرِيق . فَسَخِرَ بِهِ قَوْمه وَاسْتَهْزَءُوا بِهِ , وَقَالُوا : لَا هُوَ بَلَغَ الَّذِي يُرِيد , وَلَا هُوَ أَقَامَ فِي أَهْله يَقُومُونَ عَلَيْهِ وَيُدْفَن ! قَالَ : فَنَزَلَ الْقُرْآن : { وَمَنْ يَخْرُج مِنْ بَيْته مُهَاجِرًا إِلَى اللَّه وَرَسُوله ثُمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت فَقَدْ وَقَعَ أَجْره عَلَى اللَّه } . 8140 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مَنْصُور الرَّمَادِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ } وَكَانَ بِمَكَّة رَجُل يُقَال لَهُ ضَمْرَة مِنْ بَنِي بَكْر وَكَانَ مَرِيضًا , فَقَالَ لِأَهْلِهِ : أَخْرِجُونِي مِنْ مَكَّة , فَإِنِّي أَجِد الْحَرّ ! فَقَالُوا : أَيْنَ نُخْرِجك ؟ فَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْو الْمَدِينَة . فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَمَنْ يَخْرُج مِنْ بَيْته مُهَاجِرًا إِلَى اللَّه وَرَسُوله } . .. إِلَى آخِر الْآيَة . 8141 - حَدَّثَنِي الْحَارِث بْن أَبِي أُسَامَة , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز بْن أَبَان , قَالَ : ثنا قَيْس , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْر أُولِي الضَّرَر } قَالَ : رَخَّصَ فِيهَا قَوْم مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ كَانَ بِمَكَّة مِنْ أَهْل الضَّرَر حَتَّى نَزَلَتْ فَضِيلَة الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ , فَقَالُوا : قَدْ بَيَّنَ اللَّه فَضِيلَة الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ وَرَخَّصَ لِأَهْلِ الضَّرَر . حَتَّى نَزَلَتْ : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ }. .. إِلَى قَوْله : { وَسَاءَتْ مَصِيرًا } قَالُوا : هَذِهِ مُوجِبَة. حَتَّى نَزَلَتْ : { إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَان لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَة وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا } , فَقَالَ ضَمْرَة بْن الْعَيْص الزُّرَقِيّ أَحَد بَنِي لَيْث , وَكَانَ مُصَاب الْبَصَر : إِنِّي لَذُو حِيلَة فِي مَال وَلِي رَقِيق , فَاحْمِلُونِي ! فَخَرَجَ وَهُوَ مَرِيض , فَأَدْرَكَهُ الْمَوْت عِنْد التَّنْعِيم , فَدُفِنَ عِنْد مَسْجِد التَّنْعِيم , فَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَة : { وَمَنْ يَخْرُج مِنْ بَيْته مُهَاجِرًا إِلَى اللَّه وَرَسُوله ثُمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت } . .. الْآيَة . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل الْمُرَاغَم , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ التَّحَوُّل مِنْ أَرْض إِلَى أَرْض. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8142 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { مُرَاغَمًا كَثِيرًا } قَالَ : الْمَرَاغِم : التَّحَوُّل مِنْ الْأَرْض إِلَى الْأَرْض . 8143 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك , يَقُول فِي قَوْله : { مُرَاغَمًا كَثِيرًا } يَقُول : مُتَحَوَّلًا. 8144 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { يَجِد فِي الْأَرْض مُرَاغَمًا كَثِيرًا } قَالَ : مُتَحَوَّلًا . 8145 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن أَوْ قَتَادَة : { مُرَاغَمًا كَثِيرًا } قَالَ : مُتَحَوَّلًا. 8146 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { يَجِد فِي الْأَرْض مُرَاغَمًا كَثِيرًا } قَالَ : مَنْدُوحَة عَمَّا يَكْرَه. * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : { مُرَاغَمًا كَثِيرًا } قَالَ : مُزَحْزِحًا عَمَّا يَكْرَه . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { مُرَاغَمًا كَثِيرًا } قَالَ : مُتَزَحْزِحًا عَمَّا يَكْرَه . وَقَالَ آخَرُونَ : مُبْتَغَى مَعِيشَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8147 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَجِد فِي الْأَرْض مُرَاغَمًا كَثِيرًا } يَقُول : مُبْتَغًى لِلْمَعِيشَةِ . وَقَالَ آخَرُونَ : الْمُرَاغَم : الْمُهَاجَر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8148 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { مُرَاغَمًا } الْمُرَاغَم : الْمُهَاجَر . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَدْ بَيَّنَّا أَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ فِيمَا مَضَى قَبْل . وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي مَعْنَى السَّعَة الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع فَقَالَ : { وَسَعَة } فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ السَّعَة فِي الرِّزْق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8149 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَة } قَالَ : السَّعَة فِي الرِّزْق . 8150 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , فِي قَوْله : { مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَة } قَالَ : السَّعَة فِي الرِّزْق . 8151 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَسَعَة } يَقُول : سَعَة فِي الرِّزْق . وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا : 8152 - حَدَّثَنِي بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { يَجِد فِي الْأَرْض مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَة } : أَيْ وَاَللَّه مِنْ الضَّلَالَة إِلَى الْهُدَى , وَمِنْ الْعَيْلَة إِلَى الْغِنَى . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَخْبَرَ أَنَّ مَنْ هَاجَرَ فِي سَبِيله يَجِد فِي الْأَرْض مُضْطَرَبًا وَمُتَّسَعًا ; وَقَدْ يَدْخُل فِي السَّعَة , السَّعَة فِي الرِّزْق , وَالْغِنَى مِنْ الْفَقْر ; وَيَدْخُل فِيهِ السَّعَة مِنْ ضِيق الْهَمّ , وَالْكَرْب الَّذِي كَانَ فِيهِ أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّة , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي السَّعَة الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى الرَّوْح وَالْفَرَج مِنْ مَكْرُوه مَا كَرِهَ اللَّه لِلْمُؤْمِنِينَ بِمُقَامِهِمْ بَيْن ظَهْرَيْ الْمُشْرِكِينَ وَفِي سُلْطَانهمْ . وَلَمْ يَضَع اللَّه دَلَالَة عَلَى أَنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ : " وَسَعَة " بَعْض مَعَانِي السَّعَة الَّتِي وَصَفْنَا , فَكُلّ مَعَانِي السَّعَة هِيَ الَّتِي بِمَعْنَى الرَّوْح وَالْفَرَج مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنْ ضِيق الْعَيْش وَغَمّ جِوَار أَهْل الشِّرْك وَضِيق الْمَصْدَر , بِتَعَذُّرِ إِظْهَار الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَإِخْلَاص تَوْحِيده وَفِرَاق الْأَنْدَاد وَالْآلِهَة , دَاخِل فِي ذَلِكَ. وَقَدْ تَأَوَّلَ قَوْم مِنْ أَهْل الْعِلْم هَذِهِ الْآيَة , أَعْنِي قَوْله : { وَمَنْ يَخْرُج مِنْ بَيْته مُهَاجِرًا إِلَى اللَّه وَرَسُوله ثُمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت فَقَدْ وَقَعَ أَجْره عَلَى اللَّه } أَنَّهَا فِي حُكْم الْغَازِي يَخْرُج لِلْغَزْوِ فَيُدْرِكهُ الْمَوْت بَعْد مَا يَخْرُج مِنْ مَنْزِله فَاصِلًا فَيَمُوت , أَنَّ لَهُ سَهْمه مِنْ الْمَغْنَم وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَهِدَ الْوَقْعَة . كَمَا : 8153 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يُوسُف بْن عَدِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن لَهِيعَة , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب , أَنَّ أَهْل الْمَدِينَة يَقُولُونَ : مَنْ خَرَجَ فَاصِلًا وَجَبَ سَهْمه ; وَتَأَوَّلُوا قَوْله تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَمَنْ يَخْرُج مِنْ بَيْته مُهَاجِرًا إِلَى اللَّه وَرَسُوله } .
{ وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا } يَقُول : وَلَمْ يَزَلْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره غَفُورًا , يَعْنِي : سَاتِرًا ذُنُوب عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ بِالْعَفْوِ لَهُمْ عَنْ الْعُقُوبَة عَلَيْهَا رَحِيمًا بِهِمْ رَفِيقًا .
{ وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا } يَقُول : وَلَمْ يَزَلْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره غَفُورًا , يَعْنِي : سَاتِرًا ذُنُوب عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ بِالْعَفْوِ لَهُمْ عَنْ الْعُقُوبَة عَلَيْهَا رَحِيمًا بِهِمْ رَفِيقًا .
وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاة إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض } : وَإِذَا سِرْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي الْأَرْض , { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح } يَقُول : فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ حَرَج وَلَا إِثْم , { أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاة } : يَعْنِي أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ عَدَدهَا , فَتُصَلُّوا مَا كَانَ لَكُمْ عَدَده مِنْهَا فِي الْحَضَر وَأَنْتُمْ مُقِيمُونَ أَرْبَعًا , اِثْنَتَيْنِ , فِي قَوْل بَعْضهمْ. وَقِيلَ : مَعْنَاهُ : لَا جُنَاح عَلَيْكُمْ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاة إِلَى أَقَلّ عَدَدهَا فِي حَال ضَرْبكُمْ فِي الْأَرْض , أَشَارَ إِلَى وَاحِدَة فِي قَوْل آخَرِينَ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ لَا جُنَاح عَلَيْكُمْ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ حُدُود الصَّلَاة إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا. يَعْنِي : إِنْ خَشِيتُمْ أَنْ يَفْتِنكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي صَلَاتكُمْ وَفِتْنَتهمْ إِيَّاهُمْ فِيهَا حَمْلُهُمْ عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِيهَا سَاجِدُونَ , حَتَّى يَقْتُلُوهُمْ أَوْ يَأْسِرُوهُمْ , فَيَمْنَعُوهُمْ مِنْ إِقَامَتهَا وَأَدَائِهَا , وَيَحُولُوا بَيْنهمْ وَبَيْن عِبَادَة اللَّه وَإِخْلَاص التَّوْحِيد لَهُ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْقَصْر الَّذِي وَضَعَ اللَّه الْجُنَاح فِيهِ عَنْ فَاعِله , فَقَالَ بَعْضهمْ : فِي السَّفَر مِنْ الصَّلَاة الَّتِي كَانَ وَاجِبًا تَمَامهَا فِي الْحَضَر أَرْبَع رَكَعَات , وَأَذِنَ فِي قَصْرهَا فِي السَّفَر إِلَى اِثْنَتَيْنِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8154 - حَدَّثَنِي عُبَيْد بْن إِسْمَاعِيل الْهَبَّارِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن إِدْرِيس , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ اِبْن أَبِي عَمَّار , عَنْ عَبْد اللَّه بْن بَابَيْهِ , عَنْ يَعْلَى بْن أُمَيَّة , قَالَ : قُلْت لِعُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاة إِنْ خِفْتُمْ } وَقَدْ أَمِنَ النَّاس ! فَقَالَ : عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ حَتَّى سَأَلْتُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ , فَقَالَ : " صَدَقَة تَصَدَّقَ اللَّه بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَته " . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ اِبْن أَبِي عَمَّار , عَنْ عَبْد اللَّه بْن بَابَيْهِ عَنْ يَعْلَى بْن أُمَيَّة , عَنْ عُمَر , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِثْله . * - حَدَّثَنَا سَعِيد بْن يَحْيَى الْأُمَوِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : سَمِعْت عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي عَمَّار يُحَدِّث عَنْ عَبْد اللَّه بْن بَابَيْهِ , يُحَدِّث عَنْ يَعْلَى بْن أُمَيَّة , قَالَ : قُلْت لِعُمَر بْن الْخَطَّاب أَعْجَب مِنْ قَصْر النَّاس الصَّلَاة وَقَدْ أَمِنُوا , وَقَدْ قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاة إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا } ! فَقَالَ عُمَر : عَجِبْت مِمَّا عَجِبْت مِنْهُ , فَذَكَرْت ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : " صَدَقَة تَصَدَّقَ اللَّه بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَته " . 8155 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا هِشَام بْن عَبْد الْمَلِك , قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : سَافَرْت إِلَى مَكَّة , فَكُنْت أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ , فَلَقِيَنِي قُرَّاء مِنْ أَهْل هَذِهِ النَّاحِيَة , فَقَالُوا : كَيْفَ تُصَلِّي ؟ قُلْت : رَكْعَتَيْنِ , قَالُوا : أَسُنَّة أَوْ قُرْآن ؟ قُلْت : كُلّ ذَلِكَ سُنَّة وَقُرْآن , قُلْت : صَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ , قَالُوا : إِنَّهُ كَانَ فِي حَرْب ! قُلْت : قَالَ اللَّه : { لَقَدْ صَدَقَ اللَّه رَسُوله الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِد الْحَرَام إِنْ شَاءَ اللَّه آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ } 48 27 وَقَالَ : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاة } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { فَإِذَا اِطْمَأْنَنْتُمْ } . 8156 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن هَاشِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا يُوسُف , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ أَبِي أَيُّوب , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : سَأَلَ قَوْم مِنْ التُّجَّار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه إِنَّا نَضْرِب فِي الْأَرْض , فَكَيْفَ نُصَلِّي ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاة } ثُمَّ اِنْقَطَعَ الْوَحْي . فَلَمَّا كَانَ بَعْد ذَلِكَ بِحَوْلٍ , غَزَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَصَلَّى الظُّهْر , فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : لَقَدْ أَمْكَنَكُمْ مُحَمَّد وَأَصْحَابه مِنْ ظُهُورهمْ هَلَّا شَدَدْتُمْ عَلَيْهِمْ ! فَقَالَ قَائِل مِنْهُمْ : إِنَّ لَهُمْ أُخْرَى مِثْلهَا فِي أَثَرهَا . فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَيْن الصَّلَاتَيْنِ : { إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ فَأَقَمْت لَهُمْ الصَّلَاة فَلْتَقُمْ طَائِفَة مِنْهُمْ مَعَك } . .. إِلَى قَوْله : { إِنَّ اللَّه أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا } فَنَزَلَتْ صَلَاة الْخَوْف. قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا تَأْوِيل لِلْآيَةِ حَسَن لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَام " إِذَا " , وَإِذَا تُؤْذِن بِانْقِطَاعِ مَا بَعْدهَا عَنْ مَعْنَى مَا قَبْلهَا , وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَام " إِذَا " كَانَ مَعْنَى الْكَلَام عَلَى هَذَا التَّأْوِيل الَّذِي رَوَاهُ سَيْف , عَنْ أَبِي رَوْق : إِنْ خِفْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ يَفْتِنكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي صَلَاتكُمْ , وَكُنْت فِيهِمْ يَا مُحَمَّد , فَأَقَمْت لَهُمْ الصَّلَاة , فَلْتَقُمْ طَائِفَة مِنْهُمْ مَعَك , الْآيَة . وَبَعْد , فَإِنَّ ذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ فِي قِرَاءَة أُبَيّ بْن كَعْب : " وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاة أَنْ يَفْتِنكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا " . 8157 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا الثَّوْرِيّ , عَنْ وَاصِل بْن حَيَّان , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبْزَى , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : " أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاة أَنْ يَفْتِنكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا " , وَلَا يَقْرَأ : " إِنْ خِفْتُمْ " . 8158 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا بَكْر بْن شَرُود , عَنْ الثَّوْرِيّ , عَنْ وَاصِل الْأَحْدَب , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب أَنَّهُ قَرَأَ : " أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاة أَنْ يَفْتِنكُمْ " , قَالَ بَكْر : وَهِيَ فِي مُصْحَف الْإِمَام عُثْمَان رَحِمَهُ اللَّه : { إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا } . وَهَذِهِ الْقِرَاءَة تُنْبِئ عَلَى أَنَّ قَوْله : { إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا } مُوَاصِل قَوْله : { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاة } وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاة , وَأَنَّ قَوْله : { وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ } قِصَّة مُبْتَدَأَة غَيْر قِصَّة هَذِهِ الْآيَة . وَذَلِكَ أَنَّ تَأْوِيل قِرَاءَة أُبَيّ هَذِهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْهُ : " وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاة أَنْ لَا يَفْتِنكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا " , فَحُذِفَتْ " لَا " لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهَا , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا } 4 176 بِمَعْنَى : أَنْ لَا تَضِلُّوا . فَفِيمَا وَصَفْنَا دَلَالَة بَيِّنَة عَلَى فَسَاد التَّأْوِيل الَّذِي رَوَاهُ سَيْف , عَنْ أَبِي رَوْق . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ الْقَصْر فِي السَّفَر , غَيْر أَنَّهُ إِنَّمَا أَذِنَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهِ لِلْمُسَافِرِ فِي حَال خَوْفه مِنْ عَدُوّ يَخْشَى أَنْ يَفْتِنهُ فِي صَلَاته . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8159 - حَدَّثَنِي أَبُو عَاصِم عِمْرَان بْن مُحَمَّد الْأَنْصَارِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الْكَبِير بْن عَبْد الْمَجِيد , قَالَ : ثني عُمَر بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر الصِّدِّيق , قَالَ : سَمِعْت أَبِي , يَقُول : سَمِعْت عَائِشَة تَقُول فِي السَّفَر : أَتِمُّوا صَلَاتكُمْ ! فَقَالُوا : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي السَّفَر رَكْعَتَيْنِ ؟ فَقَالَتْ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي حَرْب وَكَانَ يَخَاف , هَلْ تَخَافُونَ أَنْتُمْ ؟ . 8160 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي فُدَيْك , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي ذِئْب , عَنْ اِبْن شِهَاب , عَنْ أُمَيَّة بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أَسِيد , أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّه بْن عُمَر : إِنَّا نَجِد فِي كِتَاب اللَّه قَصْر الصَّلَاة فِي الْخَوْف , وَلَا نَجِد قَصْر صَلَاة الْمُسَافِر ؟ فَقَالَ عَبْد اللَّه : إِنَّا وَجَدْنَا نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَل عَمَلًا عَمِلْنَا بِهِ. 8161 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل الرَّمْلِيّ , قَالَ : ثنا مُؤَمِّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ عَائِشَة كَانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَر رَكْعَتَيْنِ . 8162 - حَدَّثَنَا سَعِيد بْن يَحْيَى , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثنا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : أَيّ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُتِمّ الصَّلَاة فِي السَّفَر ؟ قَالَ : عَائِشَة وَسَعْد بْن أَبِي وَقَّاص . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِهَذِهِ الْآيَة : قَصْر صَلَاة الْخَوْف فِي غَيْر حَال الْمُسَايَفَة , قَالُوا : وَفِيهَا نَزَلَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8163 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاة } قَالَ : يَوْم كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه بِعُسْفَانَ وَالْمُشْرِكُونَ بِضَجَنَان , فَتَوَاقَفُوا , فَصَلَّى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ صَلَاة الظُّهْر رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا , أَبُو عَاصِم رُكُوعهمْ وَسُجُودهمْ وَقِيَامهمْ مَعًا جَمِيعًا. فَهَمَّ بِهِمْ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَى أَمْتِعَتهمْ وَأَثْقَالهمْ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِ : { فَلْتَقُمْ طَائِفَة مِنْهُمْ مَعَك } فَصَلَّى الْعَصْر , فَصَفَّ أَصْحَابه صَفَّيْنِ , ثُمَّ كَبَّرَ بِهِمْ جَمِيعًا , ثُمَّ سَجَدَ الْأَوَّلُونَ سَجْدَة وَالْآخَرُونَ قِيَام , ثُمَّ سَجَدَ الْآخَرُونَ حِين قَامَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ بِهِمْ وَرَكَعُوا جَمِيعًا , فَتَقَدَّمَ الصَّفّ الْآخَر , وَاسْتَأْخَرَ الْأَوَّل , فَتَعَاقَبُوا السُّجُود كَمَا فَعَلُوا أَوَّل مَرَّة وَقَصَرَ الْعَصْر إِلَى رَكْعَتَيْنِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاة } قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه بِعُسْفَانَ وَالْمُشْرِكُونَ بِضَجَنَان , فَتَوَاقَفُوا , فَصَلَّى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه صَلَاة الظُّهْر رَكْعَتَيْنِ رُكُوعهمْ وَسُجُودهمْ وَقِيَامهمْ جَمِيعًا , فَهَمَّ بِهِمْ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَى أَمْتِعَتهمْ وَأَثْقَالهمْ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَلْتَقُمْ طَائِفَة مِنْهُمْ مَعَك } فَصَلَّى بِهِمْ صَلَاة الْعَصْر , فَصَفَّ أَصْحَابه صَفَّيْنِ , ثُمَّ كَبَّرَ بِهِمْ جَمِيعًا , ثُمَّ سَجَدَ الْأَوَّلُونَ بِسُجُودِهِ وَالْآخَرُونَ قِيَام لَمْ يَسْجُدُوا , حَتَّى قَامَ النَّبِيّ , ثُمَّ كَبَّرَ بِهِمْ وَرَكَعُوا جَمِيعًا , فَقَدَّمَ الصَّفّ الْآخَر وَاسْتَأْخَرَ الصَّفّ الْمُقَدَّم , فَتَعَاقَبُوا السُّجُود كَمَا دَخَلُوا أَوَّل مَرَّة , وَقُصِرَتْ صَلَاة الْعَصْر إِلَى رَكْعَتَيْنِ . 8164 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ أَبِي عَيَّاش الزُّرَقِيّ , قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ , وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ خَالِد بْن الْوَلِيد . قَالَ : فَصَلَّيْنَا الظُّهْر , فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : كَانُوا عَلَى حَال لَوْ أَرَدْنَا لَأَصَبْنَا غِرَّة , لَأَصَبْنَا غَفْلَة . فَأُنْزِلَتْ آيَة الْقَصْر بَيْن الظُّهْر وَالْعَصْر , فَأَخَذَ النَّاس السِّلَاح , وَصَفُّوا خَلْف رَسُول اللَّه مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَة وَالْمُشْرِكُونَ مُسْتَقْبِلهمْ , فَكَبَّرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَبَّرُوا جَمِيعًا , ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعُوا جَمِيعًا , ثُمَّ رَفَعَ رَأْسه فَرَفَعُوا جَمِيعًا , ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ الصَّفّ الَّذِي يَلِيه وَقَامَ الْآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ , فَلَمَّا فَرَغَ هَؤُلَاءِ مِنْ سُجُودهمْ سَجَدَ هَؤُلَاءِ . ثُمَّ نَكَصَ الصَّفّ الَّذِي يَلِيه وَتَقَدَّمَ الْآخَرُونَ فَقَامُوا فِي مَقَامهمْ , فَرَكَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَكَعُوا جَمِيعًا , ثُمَّ رَفَعَ رَأْسه فَرَفَعُوا جَمِيعًا , ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ الصَّفّ الَّذِي يَلِيه , وَقَامَ الْآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ . فَلَمَّا فَرَغَ هَؤُلَاءِ مِنْ سُجُودهمْ , سَجَدَ هَؤُلَاءِ الْآخَرُونَ , ثُمَّ اِسْتَوَوْا مَعَهُ , فَقَعَدُوا جَمِيعًا , ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا , فَصَلَّاهَا بِعُسْفَانَ , وَصَلَّاهَا يَوْم بَنِي سُلَيْم . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ شَيْبَان النَّحْوِيّ , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ أَبِي عَيَّاش الزُّرَقِيّ . وَعَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ أَبِي عَيَّاش , قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه. 8165 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُعَاذ بْن هِشَام , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سُلَيْمَان الْيَشْكُرِيّ , أَنَّهُ سَأَلَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه عَنْ إِقْصَار الصَّلَاة , أَيّ يَوْم أُنْزِلَ ؟ أَوْ أَيّ يَوْم هُوَ ؟ فَقَالَ جَابِر : اِنْطَلَقْنَا نَتَلَقَّى عِير قُرَيْش آتِيَة مِنْ الشَّأْم , حَتَّى إِذَا كُنَّا بِنَخْل , جَاءَ رَجُل مِنْ الْقَوْم إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا مُحَمَّد ! قَالَ : " نَعَمْ " , قَالَ : هَلْ تَخَافنِي ؟ قَالَ : " لَا " , قَالَ : فَمَنْ يَمْنَعك مِنِّي ؟ قَالَ : " اللَّه يَمْنَعنِي مِنْك " . قَالَ : فَسَلَّ السَّيْف ثُمَّ هَدَّدَهُ وَأَوْعَدَهُ . ثُمَّ نَادَى بِالرَّحِيلِ وَأَخَذَ السِّلَاح , ثُمَّ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ , فَصَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَائِفَةٍ مِنْ الْقَوْم , وَطَائِفَة أُخْرَى يَحْرُسُونَهُمْ , فَصَلَّى بِاَلَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَتَيْنِ , ثُمَّ تَأَخَّرَ الَّذِينَ يَلُونَهُ عَلَى أَعْقَابهمْ , فَقَامُوا فِي مَصَافّ أَصْحَابهمْ , ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُونَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ وَالْآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ , ثُمَّ سَلَّمَ , فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَع رَكَعَات , وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ , فَيَوْمئِذٍ أَنْزَلَ اللَّه فِي إِقْصَار الصَّلَاة , وَأَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَخْذِ السِّلَاح. وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِهَا قَصْر صَلَاة الْخَوْف فِي حَال غَيْر شِدَّة الْخَوْف , إِلَّا أَنَّهُ عَنَى بِهِ الْقَصْر فِي صَلَاة السَّفَر , لَا فِي صَلَاة الْإِقَامَة . قَالُوا : وَذَلِكَ أَنَّ صَلَاة السَّفَر فِي غَيْر حَال الْخَوْف رَكْعَتَانِ تَمَام غَيْر قَصْر , كَمَا أَنَّ صَلَاة الْإِقَامَة أَرْبَع رَكَعَات فِي حَال الْإِقَامَة , قَالُوا : فَقُصِرَتْ فِي السَّفَر فِي حَال الْأَمْن غَيْر الْخَوْف عَنْ صَلَاة الْمُقِيم , فَحُمِلَتْ عَلَى النِّصْف , وَهِيَ تَمَام فِي السَّفَر , ثُمَّ قُصِرَتْ فِي حَال الْخَوْف فِي السَّفَر عَنْ صَلَاة الْأَمْن فِيهِ , فَجُعِلَتْ عَلَى النِّصْف رَكْعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8166 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ , ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَقْصُرُوا } . .. إِلَى قَوْله : { عَدُوًّا مُبِينًا } إِنَّ الصَّلَاة إِذَا صُلِّيَتْ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَر فَهِيَ تَمَام , وَالتَّقْصِير لَا يَحِلّ إِلَّا أَنْ تَخَاف مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَفْتِنُوك عَنْ الصَّلَاة وَالتَّقْصِير رَكْعَة , يَقُوم الْإِمَام , وَيَقُوم جُنْده جُنْدَيْنِ , طَائِفَة خَلْفه , وَطَائِفَة يُوَازُونَ الْعَدُوّ , فَيُصَلِّي بِمَنْ مَعَهُ رَكْعَة وَيَمْشُونَ إِلَيْهِمْ عَلَى أَدْبَارهمْ حَتَّى يَقُومُوا فِي مَقَام أَصْحَابهمْ , وَتِلْكَ الْمِشْيَة الْقَهْقَرَى , ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَة الْأُخْرَى , فَتُصَلِّي مَعَ الْإِمَام رَكْعَة أُخْرَى , ثُمَّ يَجْلِس الْإِمَام فَيُسَلِّم , فَيَقُومُونَ فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَة ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى صَفّهمْ , وَيَقُوم الْآخَرُونَ فَيُضِيفُونَ إِلَى رَكْعَتهمْ رَكْعَة , وَالنَّاس يَقُولُونَ : لَا , بَلْ هِيَ رَكْعَة وَاحِدَة , لَا يُصَلِّي أَحَد مِنْهُمْ إِلَى رَكْعَته شَيْئًا , تُجْزِئهُ رَكْعَة الْإِمَام , فَيَكُون لِلْإِمَامِ رَكْعَتَانِ , وَلَهُمْ رَكْعَة , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه : { وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ فَأَقَمْت لَهُمْ الصَّلَاة } . .. إِلَى قَوْله : { وَخُذُوا حِذْركُمْ } . 8167 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن الْوَلِيد الْقُرَشِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ سِمَاك الْحَنَفِيّ , قَالَ : سَأَلْت اِبْن عُمَر عَنْ صَلَاة السَّفَر ؟ فَقَالَ : رَكْعَتَانِ تَمَام غَيْر قَصْر إِنَّمَا الْقَصْر صَلَاة الْمَخَافَة . فَقُلْت : وَمَا صَلَاة الْمَخَافَة ؟ قَالَ : يُصَلِّي الْإِمَام بِطَائِفَةٍ رَكْعَة , ثُمَّ يَجِيء هَؤُلَاءِ مَكَان هَؤُلَاءِ وَيَجِيء هَؤُلَاءِ مَكَان هَؤُلَاءِ , فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَة , فَيَكُون لِلْإِمَامِ رَكْعَتَانِ وَلِكُلِّ طَائِفَة رَكْعَة رَكْعَة. 8168 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : كَيْفَ تَكُون قَصْرًا وَهُمْ يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ ؟ إِنَّمَا هِيَ رَكْعَة . 8169 - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن عَمْرو السَّكُونِيّ , قَالَ : ثنا بَقِيَّة , قَالَ : ثنا الْمَسْعُودِيّ , قَالَ : ثني يَزِيد الْفَقِير , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : صَلَاة الْخَوْف رَكْعَة . 8170 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثني عَمِّي عَبْد اللَّه بْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَرْث , قَالَ : ثني بَكْر بْن سَوَادَة أَنَّ زِيَاد بْن نَافِع حَدَّثَهُ , عَنْ كَعْب - وَكَانَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُطِعَتْ يَده يَوْم الْيَمَامَة - : أَنَّ صَلَاة الْخَوْف لِكُلِّ طَائِفَة رَكْعَة وَسَجْدَتَانِ. وَاعْتَلَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة مِنْ الْآثَار بِمَا : 8171 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثني أَشْعَث بْن أَبِي الشَّعْثَاء , عَنْ الْأَسْوَد بْن هِلَال , عَنْ ثَعْلَبَة بْن زَهْدَم الْيَرْبُوعِيّ , قَالَ : كُنَّا مَعَ سَعِيد بْن الْعَاصِ بِطَبَرِسْتَان , فَقَالَ : أَيّكُمْ يَحْفَظ صَلَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَوْف ؟ فَقَالَ حُذَيْفَة : أَنَا . فَأَقَامَنَا خَلْفه صَفًّا وَصَفّ مُوَازِي الْعَدُوّ , فَصَلَّى بِاَلَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَة , ثُمَّ ذَهَبَ هَؤُلَاءِ إِلَى مَصَافّ أُولَئِكَ , وَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَة . 8172 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى وَعَبْد الرَّحْمَن , قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ الرُّكَيْن بْن الرَّبِيع , عَنْ الْقَاسِم بْن حَسَّان , قَالَ : سَأَلْت زَيْد بْن ثَابِت عَنْهُ , فَحَدَّثَنِي بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَشْعَث , عَنْ الْأَسْوَد بْن هِلَال , عَنْ ثَعْلَبَة بْن زَهْدَم الْيَرْبُوعِيّ , عَنْ حُذَيْفَة بِنَحْوِهِ . 8173 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثني يَحْيَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر بْن أَبِي الْجَهْم , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه , عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِذِي قَرَد , فَصَفَّ النَّاس خَلْفه صَفَّيْنِ : صَفًّا خَلْفه , وَصَفًّا مُوَازِي الْعَدُوّ ; فَصَلَّى بِاَلَّذِينَ خَلْفه رَكْعَة , ثُمَّ اِنْصَرَفَ هَؤُلَاءِ إِلَى مَكَان هَؤُلَاءِ , وَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَة , وَلَمْ يَقْضُوا . * - حَدَّثَنَا تَمِيم بْن الْمُنْتَصِر , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق الْأَزْرَق , عَنْ شَرِيك , عَنْ أَبِي بَكْر بْن صُخَيْر , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . 8174 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَة , عَنْ بُكَيْر بْن الْأَخْنَس , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : فَرَضَ اللَّه الصَّلَاة عَلَى لِسَان نَبِيّكُمْ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الْحَضَر أَرْبَعًا , وَفِي السَّفَر رَكْعَتَيْنِ , وَفِي الْخَوْف رَكْعَة . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَة , عَنْ بُكَيْر بْن الْأَخْنَس , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . * - حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَوْدِيّ , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ أَيُّوب بْن عَائِذ الطَّائِيّ , عَنْ بُكَيْر بْن الْأَخْنَس , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . * - حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن مَاهَان , قَالَ : ثنا الْقَاسِم بْن مَالِك , عَنْ أَيُّوب بْن عَائِذ الطَّائِيّ , عَنْ بُكَيْر بْن الْأَخْنَس , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . 8175 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ يَزِيد الْفَقِير , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ صَلَاة الْخَوْف , فَقَامَ صَفّ بَيْن يَدَيْهِ وَصَفّ خَلْفه , فَصَلَّى بِاَلَّذِينَ خَلْفه رَكْعَة وَسَجْدَتَيْنِ , ثُمَّ تَقَدَّمَ هَؤُلَاءِ حَتَّى قَامُوا مَقَام أَصْحَابهمْ وَجَاءَ أُولَئِكَ حَتَّى قَامُوا مَقَام هَؤُلَاءِ , فَصَلَّى بِهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَة وَسَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ , فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ وَلَهُمْ رَكْعَة. 8176 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن وَهْب , قَالَ : ثني عَمِّي عَبْد اللَّه بْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث أَنَّ بَكْر بْن سَوَادَة حَدَّثَهُ عَنْ زِيَادَة بْن نَافِع , حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي مُوسَى , أَنَّ جَابِر بْن عَبْد اللَّه حَدَّثَهُمْ : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ صَلَاة الْخَوْف يَوْم مُحَارِب وَثَعْلَبَة , لِكُلِّ طَائِفَة رَكْعَة وَسَجْدَتَيْنِ. 8177 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن مُحَمَّد الطُّوسِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن عَبْد الْهَنَّائِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن شَقِيق , قَالَ : ثنا أَبُو هُرَيْرَة : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ بَيْن ضَجَنَان وَعُسْفَان , فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : إِنَّ لِهَؤُلَاءِ صَلَاة هِيَ أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَأَبْكَارهمْ , وَهِيَ الْعَصْر , فَأَجْمِعُوا أَمْركُمْ , فَمِيلُوا عَلَيْهِمْ مَيْلَة وَاحِدَة ! وَإِنَّ جِبْرِيل أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُقَسِّم أَصْحَابه شَطْرَيْنِ , فَيُصَلِّي بَعْضهمْ وَتَقُوم طَائِفَة أُخْرَى وَرَاءَهُمْ فَيَأْخُذُوا حِذْرهمْ وَأَسْلِحَتهمْ , ثُمَّ يَأْمُر الْأُخْرَى فَيُصَلُّوا مَعَهُ وَيَأْخُذ هَؤُلَاءِ حِذْرهمْ وَأَسْلِحَتهمْ , فَتَكُون لَهُمْ رَكْعَة رَكْعَة مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِهِ الْقَصْر فِي السَّفَر , إِلَّا أَنَّهُ عَنَى بِهِ الْقَصْر فِي شِدَّة الْحَرْب وَعِنْد الْمُسَايَفَة , فَأُبِيحَ عِنْد اِلْتِحَام الْحَرْب لِلْمُصَلِّي أَنْ يَرْكَع رَكْعَة إِيمَاء بِرَأْسِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَ بِوَجْهِهِ . قَالُوا : فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاة إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا } . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8178 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض } . .. الْآيَة , قَصْر الصَّلَاة إِنْ لَقِيت الْعَدُوّ وَقَدْ حَانَتْ الصَّلَاة أَنْ تُكَبِّر اللَّه وَتَخْفِض رَأْسَك إِيمَاء رَاكِبًا كُنْت أَوْ مَاشِيًا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال الَّتِي ذَكَرْنَاهَا بِتَأْوِيلِ الْآيَة قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِالْقَصْرِ فِيهَا الْقَصْر مِنْ حُدُودهَا , وَذَلِكَ تَرْك إِتْمَام رُكُوعهَا وَسُجُودهَا , وَإِبَاحَة أَدَائِهَا كَيْفَ أَمْكَنَ أَدَاؤُهَا مُسْتَقْبِل الْقِبْلَة فِيهَا وَمُسْتَدْبِرهَا وَرَاكِبًا وَمَاشِيًا , وَذَلِكَ فِي حَال الشَّبْكَة. وَالْمُسَايَفَة وَالْتِحَام الْحَرْب وَتَزَاحُف الصُّفُوف , وَهِيَ الْحَالَة الَّتِي قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا } 2 239 وَأَذِنَ بِالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَة فِيهَا رَاكِبًا إِيمَاء بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود عَلَى نَحْو مَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس مِنْ 0 تَأْوِيله ذَلِكَ . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَات بِقَوْلِهِ : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاة إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا } لِدَلَالَةِ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { فَإِذَا اِطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاة } عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ إِقَامَتهَا إِتْمَام حُدُودهَا مِنْ الرُّكُوع وَالسُّجُود وَسَائِر فُرُوضهَا دُون الزِّيَادَة فِي عَدَدهَا الَّتِي لَمْ تَكُنْ وَاجِبَة فِي حَال الْخَوْف . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ ذَلِكَ أَمْر مِنْ اللَّه بِإِتْمَامِ عَدَدهَا الْوَاجِب عَلَيْهِ فِي حَال الْأَمْن بَعْد زَوَال الْخَوْف , فَقَدْ يَجِب أَنْ يَكُون الْمُسَافِر فِي حَال قَصْره صَلَاته عَنْ صَلَاة الْمُقِيم غَيْر مُقِيم صَلَاته لِنَقْصِ عَدَد صَلَاته مِنْ الْأَرْبَع اللَّازِمَة كَانَتْ لَهُ فِي حَال إِقَامَته إِلَى الرَّكْعَتَيْنِ , فَذَلِكَ قَوْل إِنْ قَالَهُ قَائِل مُخَالِف لِمَا عَلَيْهِ الْأُمَّة مُجْمِعَة مِنْ أَنَّ الْمُسَافِر لَا يَسْتَحِقّ أَنْ يُقَال لَهُ : إِذَا أَتَى بِصَلَاتِهِ بِكَمَالِ حُدُودهَا الْمَفْرُوضَة عَلَيْهِ فِيهَا , وَقَصَرَ عَدَدهَا عَنْ أَرْبَع إِلَى اِثْنَتَيْنِ أَنَّهُ غَيْر مُقِيم صَلَاته . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ اللَّه تَعَالَى قَدْ أَمَرَ الَّذِي أَبَاحَ لَهُ أَنْ يَقْصُر صَلَاته خَوْفًا مِنْ عَدُوّهُ أَنْ يَفْتِنهُ , أَنْ يُقِيم صَلَاته إِذَا اِطْمَأَنَّ وَزَالَ الْخَوْف , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ إِقَامَة ذَلِكَ فِي حَال الطُّمَأْنِينَة , عَيْن الَّذِي كَانَ أُسْقِطَ عَنْهُ فِي حَال الْخَوْف , وَإِذْ كَانَ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِ فِي حَال الطُّمَأْنِينَة إِقَامَة صَلَاته , فَاَلَّذِي أُسْقِطَ عَنْهُ فِي غَيْر حَال الطُّمَأْنِينَة تَرْك إِقَامَتهَا . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ تَرْك إِقَامَتهَا , إِنَّمَا هُوَ تَرْك حُدُودهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا.
ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّا عَلَيْهِ أَهْل الْكُفْر لَهُمْ فَقَالَ : { إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا } يَعْنِي : الْجَاحِدُونَ وَحْدَانِيَّة اللَّه كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا , يَقُول : عَدُوًّا قَدْ أَبَانُوا لَكُمْ عَدَاوَتهمْ , بِمُنَاصَبَتِهِمْ لَكُمْ الْحَرْب عَلَى إِيمَانكُمْ بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ , وَتَرْككُمْ عِبَادَة مَا يَعْبُدُونَ مِنْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , وَمُخَالَفَتكُمْ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الضَّلَالَة .
ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّا عَلَيْهِ أَهْل الْكُفْر لَهُمْ فَقَالَ : { إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا } يَعْنِي : الْجَاحِدُونَ وَحْدَانِيَّة اللَّه كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا , يَقُول : عَدُوًّا قَدْ أَبَانُوا لَكُمْ عَدَاوَتهمْ , بِمُنَاصَبَتِهِمْ لَكُمْ الْحَرْب عَلَى إِيمَانكُمْ بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ , وَتَرْككُمْ عِبَادَة مَا يَعْبُدُونَ مِنْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , وَمُخَالَفَتكُمْ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الضَّلَالَة .
وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ فَأَقَمْت لَهُمْ الصَّلَاة فَلْتَقُمْ طَائِفَة مِنْهُمْ مَعَك وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتهمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَة أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَك وَلْيَأْخُذُوا حِذْرهمْ وَأَسْلِحَتهمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَإِذَا كُنْت فِي الضَّارِبِينَ فِي الْأَرْض مِنْ أَصْحَابك يَا مُحَمَّد الْخَائِفِينَ عَدُوّهُمْ أَنْ يَفْتِنهُمْ , { فَأَقَمْت لَهُمْ الصَّلَاة } يَقُول : فَأَقَمْت لَهُمْ الصَّلَاة بِحُدُودِهَا وَرُكُوعهَا وَسُجُودهَا , وَلَمْ تَقْصُرهَا الْقَصْر الَّذِي أَبَحْت لَهُمْ أَنْ يَقْصُرُوهَا فِي حَال تَلَاقِيهِمْ وَعَدُوّهُمْ وَتَزَاحُف بَعْضهمْ عَلَى بَعْض , مِنْ تَرْك إِقَامَة حُدُودهَا وَرُكُوعهَا وَسُجُودهَا وَسَائِر فُرُوضهَا , { فَلْتَقُمْ طَائِفَة مِنْهُمْ مَعَك } يَعْنِي : فَلْتَقُمْ فِرْقَة مِنْ أَصْحَابك الَّذِينَ تَكُون أَنْتَ فِيهِمْ مَعَك فِي صَلَاتك , وَلْيَكُنْ سَائِرهمْ فِي وُجُوه الْعَدُوّ . وَتُرِكَ ذِكْر مَا يَنْبَغِي لِسَائِرِ الطَّوَائِف غَيْر الْمُصَلِّيَة مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَفْعَلهُ لِدَلَالَةِ الْكَلَام الْمَذْكُور عَلَى الْمُرَاد بِهِ وَالِاسْتِغْنَاء بِمَا ذُكِرَ عَمَّا تُرِكَ ذِكْره. { وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتهمْ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الطَّائِفَة الْمَأْمُورَة بِأَخْذِ السِّلَاح , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ الطَّائِفَة الَّتِي كَانَتْ تُصَلِّي مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : وَمَعْنَى الْكَلَام : { وَلْيَأْخُذُوا } يَقُول : وَلْتَأْخُذْ الطَّائِفَة الْمُصَلِّيَة مَعَك مِنْ طَوَائِفهمْ { أَسْلِحَتهمْ } , وَالسِّلَاح الَّذِي أُمِرُوا بِأَخْذِهِ عِنْدهمْ فِي صَلَاتهمْ كَالسَّيْفِ يَتَقَلَّدهُ أَحَدهمْ وَالسِّكِّين وَالْخِنْجَر يَشُدّهُ إِلَى دِرْعه وَثِيَابه الَّتِي هِيَ عَلَيْهِ وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ سِلَاحه. وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ الطَّائِفَة الْمَأْمُورَة بِأَخْذِ السِّلَاح مِنْهُمْ , الطَّائِفَة الَّتِي كَانَتْ بِإِزَاءِ الْعَدُوّ وَدُون الْمُصَلِّيَة مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَذَلِكَ قَوْل اِبْن عَبَّاس . 8179 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَإِذَا سَجَدُوا } يَقُول : فَإِذَا سَجَدَتْ الطَّائِفَة الَّتِي قَامَتْ مَعَك فِي صَلَاتك تُصَلِّي بِصَلَاتِك , فَفَرَغَتْ مِنْ سُجُودهَا. { فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ } يَقُول : فَلْيَصِيرُوا بَعْد فَرَاغهمْ مِنْ سُجُودهمْ خَلْفكُمْ مَصَافِّي الْعَدُوّ فِي الْمَكَان الَّذِي فِيهِ سَائِر الطَّوَائِف الَّتِي لَمْ تُصَلِّ مَعَك وَلَمْ تَدْخُل مَعَك فِي صَلَاتك . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيله : فَإِذَا صَلَّوْا فَفَرَغُوا مِنْ صَلَاتهمْ فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ. ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل هَذِهِ الْمَقَالَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : إِذَا صَلَّتْ هَذِهِ الطَّائِفَة مَعَ الْإِمَام رَكْعَة , سَلَّمَتْ وَانْصَرَفَتْ مِنْ صَلَاتهَا حَتَّى تَأْتِي مَقَام أَصْحَابهَا بِإِزَاءِ الْعَدُوّ وَلَا قَضَاء عَلَيْهَا , وَهُمْ الَّذِينَ قَالُوا : عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاة } : أَنْ تَجْعَلُوهَا إِذَا خِفْتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَفْتِنُوكُمْ رَكْعَة . وَرَوَوْا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى بِطَائِفَةٍ صَلَاة الْخَوْف رَكْعَة وَلَمْ يَقْضُوا , وَبِطَائِفَةٍ أُخْرَى رَكْعَة وَلَمْ يَقْضُوا. وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْض ذَلِكَ فِيمَا مَضَى وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَة عَنْ اِسْتِيعَاب ذِكْر جَمِيع مَا فِيهِ . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ الْوَاجِب كَانَ عَلَى هَذِهِ الطَّائِفَة الَّتِي أَمَرَهَا اللَّه بِالْقِيَامِ مَعَ نَبِيّهَا إِذَا أَرَادَ إِقَامَة الصَّلَاة بِهِمْ فِي حَال خَوْف الْعَدُوّ إِذَا فَرَغَتْ مِنْ رَكْعَتهَا الَّتِي أَمَرَهَا اللَّه أَنْ تُصَلِّي مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا أَمَرَهَا بِهِ فِي كِتَابه أَنْ تَقُوم فِي مَقَامهَا الَّذِي صَلَّتْ فِيهِ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَتُصَلِّي لِأَنْفُسِهَا بَقِيَّة صَلَاتهَا وَتُسَلِّم , وَتَأْتِي مَصَافّ أَصْحَابهَا , وَكَانَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَثْبُت قَائِمًا فِي مَقَامه حَتَّى تَفْرُغ الطَّائِفَة الَّتِي صَلَّتْ مَعَهُ الرَّكْعَة الْأُولَى مِنْ بَقِيَّة صَلَاتهَا , إِذَا كَانَتْ صَلَاتهَا الَّتِي صَلَّتْ مَعَهُ مِمَّا يَجُوز قَصْر عَدَدهَا عَنْ الْوَاجِب الَّذِي عَلَى الْمُقِيمِينَ فِي أَمْن , وَتَذْهَب إِلَى مَصَافّ أَصْحَابهَا , وَتَأْتِي الطَّائِفَة الْأُخْرَى الَّتِي كَانَتْ مُصَافَّة عَدُوّهَا , فَيُصَلِّي بِهَا رَكْعَة أُخْرَى مِنْ صَلَاتهَا . ثُمَّ هُمْ فِي حُكْم هَذِهِ الطَّائِفَة الثَّانِيَة مُخْتَلِفُونَ , فَقَالَتْ فِرْقَة مِنْ أَهْل هَذِهِ الْمَقَالَة : كَانَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ وَرَفَعَ رَأْسه مِنْ سُجُوده مِنْ رَكْعَته الثَّانِيَة أَنْ يَقْعُد لِلتَّشَهُّدِ , وَعَلَى الطَّائِفَة الَّتِي صَلَّتْ مَعَهُ الرَّكْعَة الثَّانِيَة وَلَمْ تُدْرِك مَعَهُ الرَّكْعَة الْأُولَى لِاشْتِغَالِهَا بِعَدُوِّهَا أَنْ تَقُوم فَتَقْضِي رَكْعَتهَا الْفَائِتَة مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَعَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِنْتِظَارهَا قَاعِدًا فِي تَشَهُّده حَتَّى تَفْرُغ هَذِهِ الطَّائِفَة مِنْ رَكْعَتهَا الْفَائِتَة وَتَتَشَهَّد , ثُمَّ يُسَلِّم بِهِمْ. وَقَالَتْ فِرْقَة أُخْرَى مِنْهُمْ : بَلْ كَانَ الْوَاجِب عَلَى الطَّائِفَة الَّتِي لَمْ تُدْرِك مَعَهُ الرَّكْعَة الْأُولَى إِذَا قَعَدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلتَّشَهُّدِ أَنْ تَقْعُد مَعَهُ لِلتَّشَهُّدِ فَتَتَشَهَّد بِتَشَهُّدِهِ , فَإِذَا فَرَغَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَشَهُّده سَلَّمَ , ثُمَّ قَامَتْ الطَّائِفَة الَّتِي صَلَّتْ مَعَهُ الرَّكْعَة الثَّانِيَة حِينَئِذٍ , فَقَضَتْ رَكْعَتهَا الْفَائِتَة . وَكُلّ قَائِل مِنْ الَّذِينَ ذَكَرْنَا قَوْلهمْ رَوَى عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَارًا بِأَنَّهُ كَمَا قَالَ فَعَلَ. ذِكْر مَنْ قَالَ : اِنْتَظَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّائِفَتَيْنِ حَتَّى قَضَتْ صَلَاتهمَا وَلَمْ يَخْرُج مِنْ صَلَاته إِلَّا بَعْد فَرَاغ الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ صَلَاتهمَا : 8180 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَالِك , عَنْ يَزِيد بْن رُومَان , عَنْ صَالِح بْن خَوَّات , عَمَّنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاة الْخَوْف يَوْم ذَات الرِّقَاع : أَنَّ طَائِفَة صَفَّتْ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَائِفَة وِجَاه الْعَدُوّ , فَصَلَّى بِاَلَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَة , ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا فَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ , ثُمَّ جَاءَتْ الطَّائِفَة الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ , ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا , فَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ , ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ . 8181 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني عُبَيْد اللَّه بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْقَاسِم , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ صَالِح بْن خَوَّات , عَنْ سَهْل بْن أَبِي حَثْمَة , قَالَ : صَلَّى النَّبِيّ بِأَصْحَابِهِ فِي خَوْف , فَجَعَلَهُمْ خَلْفه صَفَّيْنِ , فَصَلَّى بِاَلَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَة , ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ خَلْفه رَكْعَة , ثُمَّ تَقَدَّمَ وَتَخَلَّفَ الَّذِينَ كَانُوا قُدَّامهمْ , فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَة , ثُمَّ جَلَسَ حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ تَخَلَّفُوا رَكْعَة , ثُمَّ سَلَّمَ . * - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا رَوْح , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْقَاسِم , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ صَالِح بْن خَوَّات , عَنْ سَهْل بْن أَبِي حَثْمَة , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي صَلَاة الْخَوْف : " تَقُوم طَائِفَة بَيْن يَدَيْ الْإِمَام وَطَائِفَة خَلْفه , فَيُصَلِّي بِاَلَّذِينَ خَلْفه رَكْعَة وَسَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَقْعُد مَكَانه حَتَّى يَقْضُوا رَكْعَة وَسَجْدَتَيْنِ , ثُمَّ يَتَحَوَّلُونَ إِلَى مَكَان أَصْحَابهمْ , ثُمَّ يَتَحَوَّل أُولَئِكَ إِلَى مَكَان هَؤُلَاءِ فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَة وَسَجْدَتَيْنِ , ثُمَّ يَقْعُد مَكَانه حَتَّى يُصَلُّوا رَكْعَة وَسَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّم " . ذِكْر مَنْ قَالَ : كَانَتْ الطَّائِفَة الثَّانِيَة تَقْعُد مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَفْرُغ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَلَاته , ثُمَّ تَقْضِي مَا بَقِيَ عَلَيْهَا بَعْد : 8182 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : سَمِعْت يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : سَمِعْت الْقَاسِم , قَالَ : ثني صَالِح بْن خَوَّات بْن جُبَيْر أَنَّ سَهْل بْن أَبِي حَثْمَة حَدَّثَهُ : أَنَّ صَلَاة الْخَوْف أَنْ يَقُوم الْإِمَام إِلَى الْقِبْلَة يُصَلِّي وَمَعَهُ طَائِفَة مِنْ أَصْحَابه , وَطَائِفَة أُخْرَى مُوَاجِهَة الْعَدُوّ فَيُصَلِّي , فَيَرْكَع الْإِمَام بِاَلَّذِينَ مَعَهُ , وَيَسْجُد ثُمَّ يَقُوم , فَإِذَا اِسْتَوَى قَائِمًا رَكَعَ الَّذِينَ وَرَاءَهُ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَة وَسَجْدَتَيْنِ , ثُمَّ سَلَّمُوا فَانْصَرَفُوا وَالْإِمَام قَائِم فَقَامُوا إِزَاء الْعَدُوّ , وَأَقْبَلَ الْآخَرُونَ فَكَبَّرُوا مَكَان الْإِمَام , فَرَكَعَ بِهِمْ الْإِمَام وَسَجَدَ ثُمَّ سَلَّمَ , فَقَامُوا فَرَكَعُوا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَة وَسَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمُوا . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد أَنَّ صَالِح بْن خَوَّات أَخْبَرَهُ عَنْ سَهْل بْن أَبِي حَثْمَة فِي صَلَاة الْخَوْف , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد وَسَأَلَهُ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد الْأَنْصَارِيّ , عَنْ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد , عَنْ صَالِح , عَنْ سَهْل بْن أَبِي حَثْمَة فِي صَلَاة الْخَوْف , قَالَ : يَقُوم الْإِمَام مُسْتَقْبِل الْقِبْلَة , وَتَقُوم طَائِفَة مِنْهُمْ مَعَهُ وَطَائِفَة مِنْ قِبَل الْعَدُوّ وُجُوههمْ إِلَى الْعَدُوّ , فَيَرْكَع بِهِمْ رَكْعَة , ثُمَّ يَرْكَعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ وَيَسْجُدُونَ سَجْدَتَيْنِ فِي مَكَانهمْ , وَيَذْهَبُونَ إِلَى مَقَام أُولَئِكَ وَيَجِيء أُولَئِكَ فَيَرْكَع بِهِمْ رَكْعَة وَيَسْجُد سَجْدَتَيْنِ ; فَهِيَ لَهُ رَكْعَتَانِ وَلَهُمْ وَاحِدَة , ثُمَّ يَرْكَعُونَ رَكْعَة وَيَسْجُدُونَ سَجْدَتَيْنِ . * - قَالَ بُنْدَار سَأَلْت يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ هَذَا الْحَدِيث , فَحَدَّثَنِي عَنْ شُعْبَة , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْقَاسِم , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ صَالِح بْن خَوَّات , عَنْ سَهْل بْن أَبِي حَثْمَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيث يَحْيَى بْن سَعِيد , وَقَالَ لِي : اُكْتُبْهُ إِلَى جَنْبه , فَلَسْت أَحْفَظهُ , وَلَكِنَّهُ مِثْل حَدِيث يَحْيَى بْن سَعِيد . 8183 - حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ الْقَاسِم بْن مُعَقِّد بْن أَبِي بَكْر , عَنْ صَالِح بْن خَوَّات : أَنَّ الْإِمَام يَقُوم فَيَصُفّ صَفَّيْنِ , طَائِفَة مُوَاجِهَة الْعَدُوّ , وَطَائِفَة خَلْف الْإِمَام , فَيُصَلِّي الْإِمَام بِاَلَّذِينَ خَلْفه رَكْعَة , ثُمَّ يَقُومُونَ فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَة , ثُمَّ يُسَلِّمُونَ , ثُمَّ يَنْطَلِقُونَ فَيَصُفُّونَ , وَيَجِيء الْآخَرُونَ فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَة , ثُمَّ يُسَلِّم فَيَقُومُونَ , فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَة . 8184 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت عُبَيْد اللَّه , عَنْ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد عَنْ صَالِح بْن خَوَّات , عَنْ رَجُل مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : صَلَاة الْخَوْف أَنْ تَقُوم طَائِفَة مِنْ خَلْف الْإِمَام , وَطَائِفَة يَلُونَ الْعَدُوّ , فَيُصَلِّي الْإِمَام بِاَلَّذِينَ خَلْفه رَكْعَة , وَيَقُوم قَائِمًا فَيُصَلِّي الْقَوْم إِلَيْهَا رَكْعَة أُخْرَى , ثُمَّ يُسَلِّمُونَ فَيَنْطَلِقُونَ إِلَى أَصْحَابهمْ , وَيَجِيء أَصْحَابهمْ وَالْإِمَام قَائِم , فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَة فَيُسَلِّم , ثُمَّ يَقُومُونَ فَيُصَلُّونَ إِلَيْهَا رَكْعَة أُخْرَى , ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ . قَالَ عُبَيْد اللَّه : فَمَا سَمِعْت فِيمَا نَذْكُرهُ فِي صَلَاة الْخَوْف شَيْئًا هُوَ أَحْسَن عِنْدِي مِنْ هَذَا . 8185 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ فَأَقَمْت لَهُمْ الصَّلَاة فَلْتَقُمْ طَائِفَة مِنْهُمْ مَعَك } فَهَذَا عِنْد الصَّلَاة فِي الْخَوْف يَقُوم الْإِمَام وَتَقُوم مَعَهُ طَائِفَة مِنْهُمْ , وَطَائِفَة يَأْخُذُونَ أَسْلِحَتهمْ , وَيَقِفُونَ بِإِزَاءِ الْعَدُوّ , فَيُصَلِّي الْإِمَام بِمَنْ مَعَهُ رَكْعَة , ثُمَّ يَجْلِس عَلَى هَيْئَته , فَيَقُوم الْقَوْم فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ الرَّكْعَة الثَّانِيَة وَالْإِمَام جَالِس , ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ حَتَّى يَأْتُوا أَصْحَابهمْ , فَيَقِفُونَ مَوْقِفهمْ , ثُمَّ يُقْبِل الْآخَرُونَ فَيُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَام الرَّكْعَة الثَّانِيَة , ثُمَّ يُسَلِّم فَيَقُوم الْقَوْم فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ الرَّكْعَة الثَّانِيَة ; فَهَكَذَا صَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بَطْن نَخْلَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ تَأْوِيل قَوْله : { فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ } فَإِذَا سَجَدَتْ الطَّائِفَة الَّتِي قَامَتْ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين دَخَلَ فِي صَلَاته , فَدَخَلَتْ مَعَهُ فِي صَلَاته السَّجْدَة الثَّانِيَة مِنْ رَكْعَتهَا الْأُولَى فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ , يَعْنِي : مِنْ وَرَائِك يَا مُحَمَّد وَوَرَاء أَصْحَابك الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا بِإِزَاءِ الْعَدُوّ . قَالُوا : وَكَانَتْ هَذِهِ الطَّائِفَة لَا تُسَلِّم مِنْ رَكْعَتهَا إِذَا هِيَ فَرَغَتْ مِنْ سَجْدَتَيْ رَكْعَتهَا الَّتِي صَلَّتْ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَكِنَّهَا تَمْضِي إِلَى مَوْقِف أَصْحَابهَا بِإِزَاءِ الْعَدُوّ وَعَلَيْهَا بَقِيَّة صَلَاتهَا . قَالُوا : وَكَانَتْ تَأْتِي الطَّائِفَة الْأُخْرَى الَّتِي كَانَتْ بِإِزَاءِ الْعَدُوّ حَتَّى تَدْخُل مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَقِيَّة صَلَاته , فَيُصَلِّي بِهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَة الَّتِي كَانَتْ قَدْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ . قَالُوا : وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْل اللَّه عَزَّ ذِكْره : { وَلْتَأْتِ طَائِفَة أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَك وَلْيَأْخُذُوا حِذْرهمْ وَأَسْلِحَتهمْ } . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل هَذِهِ الْمَقَالَة فِي صِفَة قَضَاء مَا كَانَ يَبْقَى عَلَى كُلّ طَائِفَة مِنْ هَاتَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ صَلَاتهَا بَعْد فَرَاغ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَلَاته وَسَلَامه مِنْ صَلَاته عَلَى قَوْل قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَة وَمُتَأَوِّلِي هَذَا التَّأْوِيل ; فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَتْ الطَّائِفَة الثَّانِيَة الَّتِي صَلَّتْ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَة الثَّانِيَة مِنْ صَلَاتهَا إِذَا سَلَّمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَلَاته فَقَامَتْ فَقَضَتْ مَا فَاتَهَا مِنْ صَلَاتهَا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَقَامهَا بَعْد فَرَاغ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَلَاته , وَالطَّائِفَة الَّتِي صَلَّتْ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَة الْأُولَى بِإِزَاءِ الْعَدُوّ بَعْد لَمْ تُتِمّ صَلَاتهَا , فَإِذَا هِيَ فَرَغَتْ مِنْ بَقِيَّة صَلَاتهَا الَّتِي فَاتَتْهَا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَضَتْ إِلَى مَصَافّ أَصْحَابهَا بِإِزَاءِ الْعَدُوّ , وَجَاءَتْ الطَّائِفَة الْأُولَى الَّتِي صَلَّتْ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَة الْأُولَى إِلَى مَقَامهَا الَّتِي كَانَتْ صَلَّتْ فِيهِ خَلْف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَضَتْ بَقِيَّة صَلَاتهَا . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 8186 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد بْن زِيَاد , قَالَ : ثنا خُصَيْف , قَالَ : ثنا أَبُو عُبَيْدَة بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : صَلَّى بِنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاة الْخَوْف فَقَامَتْ طَائِفَة مِنَّا خَلْفه , وَطَائِفَة بِإِزَاءِ - أَوْ مُسْتَقْبِلِي - الْعَدُوّ . فَصَلَّى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاَلَّذِينَ خَلْفه رَكْعَة , ثُمَّ نَكَصُوا فَذَهَبُوا إِلَى مَقَام أَصْحَابهمْ , وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَقَامُوا خَلْف النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَصَلَّى بِهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَة , ثُمَّ سَلَّمَ رَسُول اللَّه , ثُمَّ قَامَ هَؤُلَاءِ فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَة , ثُمَّ ذَهَبُوا فَقَامُوا مَقَام أَصْحَابهمْ مُسْتَقْبِلِي الْعَدُوّ , وَرَجَعَ الْآخَرُونَ إِلَى مَقَامهمْ فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَة. * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , قَالَ : ثنا خُصَيْف , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاة الْخَوْف , فَذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا تَمِيم بْن الْمُنْتَصِر , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا شَرِيك , عَنْ خُصَيْف , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوه . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَتْ الطَّائِفَة الثَّانِيَة الَّتِي صَلَّتْ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَة الثَّانِيَة لَا تَقْضِي بَقِيَّة صَلَاتهَا بَعْد مَا يُسَلِّم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَلَاته , وَلَكِنَّهَا كَانَتْ تَمْضِي قَبْل أَنْ تَقْضِيَ بَقِيَّة صَلَاتهَا , فَتَقِف مَوْقِف أَصْحَابهَا الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَة الْأُولَى , وَتَجِيء الطَّائِفَة الْأُولَى إِلَى مَوْقِفهَا الَّذِي صَلَّتْ فِيهِ رَكْعَتهَا الْأُولَى مَعَ رَسُول اللَّه فَتَقْضِي رَكْعَتهَا الَّتِي كَانَتْ بَقِيَتْ عَلَيْهَا مِنْ صَلَاتهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَتْ تَقْضِي تِلْكَ الرَّكْعَة بِغَيْرِ قِرَاءَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَتْ تَقْضِي بِقِرَاءَةٍ , فَإِذَا قَضَتْ رَكْعَتهَا الْبَاقِيَة عَلَيْهَا هُنَالِكَ وَسَلَّمَتْ مَضَتْ إِلَى مَصَافّ أَصْحَابهَا بِإِزَاءِ الْعَدُوّ , وَأَقْبَلَتْ الطَّائِفَة الَّتِي صَلَّتْ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَة الثَّانِيَة إِلَى مَقَامهَا الَّذِي صَلَّتْ فِيهِ مَعَ رَسُول اللَّه الرَّكْعَة الثَّانِيَة مِنْ صَلَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَضَتْ الرَّكْعَة الثَّانِيَة صَلَاتهَا بِقِرَاءَةٍ , فَإِذَا فَرَغَتْ وَسَلَّمَتْ اِنْصَرَفَتْ إِلَى أَصْحَابهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8187 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم فِي صَلَاة الْخَوْف , قَالَ : يَصُفّ صَفًّا خَلْفه وَصَفًّا بِإِزَاءِ الْعَدُوّ فِي غَيْر مُصَلَّاهُ , فَيُصَلِّي بِالصَّفِّ الَّذِي خَلْفه رَكْعَة , ثُمَّ يَذْهَبُونَ إِلَى مَصَافّ أُولَئِكَ , وَجَاءَ أُولَئِكَ الَّذِينَ بِإِزَاءِ الْعَدُوّ فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَة , ثُمَّ يُسَلِّم عَلَيْهِمْ , وَقَدْ صَلَّى هُوَ رَكْعَتَيْنِ , وَصَلَّى كُلّ صَفّ رَكْعَة , ثُمَّ قَامَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ إِلَى مَصَافّ أُولَئِكَ الَّذِينَ بِإِزَاءِ الْعَدُوّ , فَقَامُوا مَقَامهمْ , وَجَاءُوا فَقَضَوْا الرَّكْعَة , ثُمَّ ذَهَبُوا فَقَامُوا مَقَام أُولَئِكَ الَّذِينَ بِإِزَاءِ الْعَدُوّ , وَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّوْا رَكْعَة . قَالَ سُفْيَان : فَيَكُون لِكُلِّ إِنْسَان رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ. * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , وَحَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا زَيْد جَمِيعًا , عَنْ سُفْيَان , قَالَ : كَانَ إِبْرَاهِيم يَقُول فِي صَلَاة الْخَوْف , فَذَكَرَ نَحْوه . 8188 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب , مِثْل ذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كُلّ طَائِفَة مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ تَقْضِي صَلَاتهَا عَلَى مَا أَمْكَنَهَا مِنْ غَيْر تَضْيِيع مِنْهُمْ بَعْضهَا. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8189 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ يُونُس بْن عُبَيْد , عَنْ الْحَسَن : أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ صَلَاة الْخَوْف بِأَصْبَهَان إِذْ غَزَاهَا , قَالَ : فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ مِنْ الْقَوْم رَكْعَة , وَطَائِفَة تَحْرُس , فَنَكَصَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَة وَخَلَفَهُمْ الْآخَرُونَ , فَقَامُوا مَقَامهمْ , فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَة , ثُمَّ سَلَّمَ , فَقَامَتْ كُلّ طَائِفَة فَصَلَّتْ رَكْعَة . * - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث , قَالَ : حَدَّثَنَا يُونُس , عَنْ الْحَسَن , عَنْ أَبِي مُوسَى , بِنَحْوِهِ. 8190 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُعَاذ بْن هِشَام , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة وَيُونُس بْن جُبَيْر , قَالَا : صَلَّى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ بِأَصْحَابِهِ بِأَصْبَهَان , وَمَا بِهِمْ يَوْمئِذٍ خَوْف , وَلَكِنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يُعَلِّمهُمْ صَلَاتهمْ , فَصَفَّهُمْ صَفَّيْنِ , صَفًّا خَلْفه وَصَفًّا مُوَاجِهَة الْعَدُوّ مُقْبِلِينَ عَلَى عَدُوّهُمْ , فَصَلَّى بِاَلَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَة , ثُمَّ ذَهَبُوا إِلَى مَصَافّ أَصْحَابهمْ , وَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَفَّهُمْ خَلْفه , فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَة , ثُمَّ سَلَّمَ فَقَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَة وَهَؤُلَاءِ رَكْعَة , ثُمَّ سَلَّمَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض , فَكَانَتْ لِلْإِمَامِ رَكْعَتَيْنِ فِي جَمَاعَة وَلَهُمْ رَكْعَة رَكْعَة . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة عَنْ أَبِي مُوسَى مِثْله . 8191 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَيُّوب , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ قَالَ فِي صَلَاة الْخَوْف : يُصَلِّي طَائِفَة مِنْ الْقَوْم رَكْعَة , وَطَائِفَة تَحْرُس , ثُمَّ يَنْطَلِق هَؤُلَاءِ الَّذِينَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَة حَتَّى يَقُومُوا مَقَام أَصْحَابهمْ , ثُمَّ يَجِيء أُولَئِكَ فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَة , ثُمَّ يُسَلِّم فَتَقُوم كُلّ طَائِفَة فَتُصَلِّي رَكْعَة . * - حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنِي عِمْرَان بْن بَكَّار الْكُلَاعِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن صَالِح , قَالَ : ثنا أَنَّ عَيَّاش , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى صَلَاة الْخَوْف , فَذَكَرَ نَحْو . * - حَدَّثَنَا سَعِيد بْن يَحْيَى الْأُمَوِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيّ , عَنْ سَالِم , عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّث : أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ سَالِم , عَنْ اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَبْد اللَّه بْن نَافِع , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاة الْخَوْف : " يَقُوم الْأَمِير وَطَائِفَة مِنْ النَّاس فَيَسْجُدُونَ سَجْدَة وَاحِدَة , وَتَكُون طَائِفَة مِنْهُمْ بَيْنهمْ وَبَيْن الْعَدُوّ " ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن هَارُون الْحَرْبِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الْمُغِيرَة الْحِمْصِيّ , قَالَ : ثنا الْأَوْزَاعِيّ , عَنْ أَيُّوب بْن مُوسَى , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاة الْخَوْف بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَة , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . 8192 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ فَأَقَمْت لَهُمْ الصَّلَاة } . .. إِلَى قَوْله : { فَلْيُصَلُّوا مَعَك } فَإِنَّهُ كَانَتْ تَأْخُذ طَائِفَة مِنْهُمْ السِّلَاح فَيُقْبِلُونَ عَلَى الْعَدُوّ , وَالطَّائِفَة الْأُخْرَى يُصَلُّونَ مَعَ الْإِمَام رَكْعَة ثُمَّ يَأْخُذُونَ أَسْلِحَتهمْ , فَيَسْتَقْبِلُونَ الْعَدُوّ , وَيَرْجِع أَصْحَابهمْ فَيُصَلُّونَ مَعَ الْإِمَام رَكْعَة فَيَكُون لِلْإِمَامِ رَكْعَتَانِ وَلِسَائِرِ النَّاس رَكْعَة وَاحِدَة , ثُمَّ يَقْضُونَ رَكْعَة أُخْرَى , وَهَذَا تَمَام الصَّلَاة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي صَلَاة الْخَوْف , وَالْعَدُوّ يَوْمئِذٍ فِي ظَهْر الْقِبْلَة بَيْن الْمُسْلِمِينَ وَبَيْن الْقِبْلَة , فَكَانَتْ الصَّلَاة الَّتِي صَلَّى بِهِمْ يَوْمئِذٍ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاة الْخَوْف , إِذْ كَانَ الْعَدُوّ بَيْن الْإِمَام وَالْقِبْلَة . ذِكْر الْأَخْبَار الْمَنْقُولَة بِذَلِكَ : 8193 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثني يُونُس بْن بُكَيْر , عَنْ النَّضْر أَبِي عُمَر , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاة , فَلَقِيَ الْمُشْرِكِينَ بِعُسْفَانَ , فَلَمَّا صَلَّى الظُّهْر فَرَأَوْهُ يَرْكَع وَيَسْجُد هُوَ وَأَصْحَابه , قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ يَوْمئِذٍ : كَانَ فُرْصَة لَكُمْ لَوْ أَغَرْتُمْ عَلَيْهِمْ مَا عَلِمُوا بِكُمْ حَتَّى تُوَاقِعُوهُمْ , قَالَ قَائِل مِنْهُمْ : فَإِنَّ لَهُمْ صَلَاة أُخْرَى هِيَ أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلهمْ وَأَمْوَالهمْ , فَاسْتَعِدُّوا حَتَّى تُغِيرُوا عَلَيْهِمْ فِيهَا ! فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : { وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ فَأَقَمْت لَهُمْ الصَّلَاة } . .. إِلَى آخِر الْآيَة , وَأَعْلَمَهُ مَا اِئْتَمَرَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ . فَلَمَّا صَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْر وَكَانُوا قُبَالَته فِي الْقِبْلَة فَجَعَلَ الْمُسْلِمِينَ خَلْفه صَفَّيْنِ فَكَبَّرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرُوا جَمِيعًا , ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعُوا مَعَهُ جَمِيعًا ; فَلَمَّا سَجَدَ سَجَدَ مَعَهُ الصَّفّ الَّذِينَ يَلُونَهُ , وَقَامَ الصَّفّ الَّذِينَ خَلْفهمْ مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوّ ; فَلَمَّا فَرَغَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سُجُوده وَقَامَ , سَجَدَ الصَّفّ الثَّانِي , ثُمَّ قَامُوا وَتَأَخَّرَ الَّذِينَ يَلُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَدَّمَ الْآخَرُونَ , فَكَانُوا يَلُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا رَكَعَ رَكَعُوا مَعَهُ جَمِيعًا , ثُمَّ رَفَعَ فَرَفَعُوا مَعَهُ , ثُمَّ سَجَدَ فَسَجَدَ مَعَهُ الَّذِينَ يَلُونَهُ , وَقَامَ الصَّفّ الثَّانِي مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوّ , فَلَمَّا فَرَغَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سُجُوده , وَقَعَدَ الَّذِينَ يَلُونَهُ سَجَدَ الصَّفّ الْمُؤَخَّر ثُمَّ قَعَدُوا , فَتَشَهَّدُوا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيعًا , فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا , فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمْ الْمُشْرِكُونَ يَسْجُد بَعْضهمْ وَيَقُوم بَعْضهمْ يَنْظُر إِلَيْهِمْ , قَالُوا : لَقَدْ أُخْبِرُوا بِمَا أَرَدْنَا ! 8194 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن بَشِير , قَالَ : ثنا عُمَر بْن ذَرّ , قَالَ : ثني مُجَاهِد , قَالَ : كَانَ النَّبِيّ بِعُسْفَانَ , وَالْمُشْرِكُونَ بِضَجَنَان , بِالْمَاءِ الَّذِي يَلِي مَكَّة , فَلَمَّا صَلَّى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْر فَرَأَوْهُ سَجَدَ وَسَجَدَ النَّاس , قَالُوا : إِذَا صَلَّى صَلَاة بَعْد هَذِهِ أَغَرْنَا عَلَيْهِ ! فَحَذَّرَهُ اللَّه ذَلِكَ , فَقَامَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاة , فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاس مَعَهُ , فَذَكَرَ نَحْوه . 8195 - حَدَّثَنِي عِمْرَان بْن بَكَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن صَالِح , قَالَ ثنا اِبْن عَيَّاش , قَالَ : أَخْبَرَنِي عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر , عَنْ أَبِي الزُّبَيْر , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : كُنْت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَقِينَا الْمُشْرِكِينَ بِنَخْل , فَكَانُوا بَيْننَا وَبَيْن الْقِبْلَة , فَلَمَّا حَضَرَتْ الظُّهْر صَلَّى بِنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ جَمِيع , فَلَمَّا فَرَغْنَا تَذَامَرَ الْمُشْرِكُونَ فَقَالُوا : لَوْ كُنَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : فَإِنَّ لَهُمْ صَلَاة يَنْتَظِرُونَهَا تَأْتِي الْآن هِيَ أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَبْنَائِهِمْ , فَإِذَا صَلَّوْا فَمِيلُوا عَلَيْهِمْ ! قَالَ : فَجَاءَ جِبْرِيل إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَبَرِ وَعَلَّمَهُ كَيْفَ يُصَلِّي , فَلَمَّا حَضَرَتْ الْعَصْر قَامَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يَلِي الْعَدُوّ , وَقُمْنَا خَلْفه صَفَّيْنِ , فَكَبَّرَ نَبِيّ اللَّه وَكَبَّرْنَا مَعَهُ جَمِيعًا , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن مَعْمَر , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن مَسْعَدَة , عَنْ هِشَام بْن أَبِي عَبْد اللَّه , عَنْ أَبِي الزُّبَيْر , عَنْ جَابِر , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا مُؤَمِّل بْن هِشَام , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم , عَنْ هِشَام , عَنْ أَبِي الزُّبَيْر , عَنْ جَابِر , قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ نَحْوه . 8196 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد الصَّمَد , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ أَبِي عَيَّاش الزُّرَقِيّ , قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ , فَصَلَّى بِنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاة الظُّهْر وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ خَالِد بْن الْوَلِيد , فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : لَقَدْ أَصَبْنَا مِنْهُمْ غِرَّة ! وَلَقَدْ أَصَبْنَا مِنْهُمْ غَفْلَة ! فَأَنْزَلَ اللَّه صَلَاة الْخَوْف بَيْن الظُّهْر وَالْعَصْر , فَصَلَّى بِنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاة الْعَصْر , يَعْنِي فِرْقَتَيْنِ : فِرْقَة تُصَلِّي مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفِرْقَة تُصَلِّي خَلْفهمْ يَحْرُسُونَهُمْ , ثُمَّ كَبَّرَ فَكَبَّرُوا جَمِيعًا وَرَكَعُوا جَمِيعًا , ثُمَّ سَجَدَ بِاَلَّذِينَ يَلُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ قَامَ فَتَقَدَّمَ الْآخَرُونَ فَسَجَدُوا , ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ بِهِمْ جَمِيعًا , ثُمَّ سَجَدَ بِاَلَّذِينَ يَلُونَهُ حَتَّى تَأَخَّرَ هَؤُلَاءِ فَقَامُوا فِي مَصَافّ أَصْحَابهمْ , ثُمَّ تَقَدَّمَ الْآخَرُونَ فَسَجَدُوا , ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ; فَكَانَتْ لِكُلِّهِمْ رَكْعَتَيْنِ مَعَ إِمَامهمْ . وَصَلَّى مَرَّة أُخْرَى فِي أَرْض بَنِي سُلَيْم . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَتَأَمَّلْ الْآيَة عَلَى قَوْل هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَة , وَرَوَوْا هَذِهِ الرِّوَايَة : وَإِذَا كُنْت يَا مُحَمَّد فِيهِمْ , يَعْنِي فِي أَصْحَابك خَائِفًا , فَأَقَمْت لَهُمْ الصَّلَاة , فَلْتَقُمْ طَائِفَة مِنْهُمْ مَعَك ; يَعْنِي مِمَّنْ دَخَلَ مَعَك فِي صَلَاتك , { فَإِذَا سَجَدُوا } , يَقُول : فَإِذَا سَجَدَتْ هَذِهِ الطَّائِفَة بِسُجُودِك , وَرَفَعَتْ رُءُوسهَا مِنْ سُجُودهَا { فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ } يَقُول : فَلْيَصِرْ مِنْ خَلْفك , خَلْف الطَّائِفَة الَّتِي حَرَسَتْك وَإِيَّاهُمْ إِذَا سَجَدْت بِهِمْ وَسَجَدُوا مَعَك . { وَلْتَأْتِ طَائِفَة أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا } يَعْنِي الطَّائِفَة الْحَارِسَة الَّتِي صَلَّتْ مَعَهُ غَيْر أَنَّهَا لَمْ تَسْجُد بِسُجُودِهِ , فَمَعْنَى قَوْله : { لَمْ يُصَلُّوا } عَلَى مَذْهَب هَؤُلَاءِ : لَمْ يَسْجُدُوا بِسُجُودِك : { فَلْيُصَلُّوا مَعَك } يَقُول : فَلْيَسْجُدُوا بِسُجُودِك إِذَا سَجَدْت , وَيَحْرُسك وَإِيَّاهُمْ الَّذِينَ سَجَدُوا بِسُجُودِك فِي الرَّكْعَة الْأُولَى. { وَلْيَأْخُذُوا حِذْرهمْ وَأَسْلِحَتهمْ } يَعْنِي الْحَارِسَة . وَأَوْلَى الْأَقْوَال الَّتِي ذَكَرْنَاهَا بِتَأْوِيلِ الْآيَة قَوْل مَنْ قَالَ مَعْنَى ذَلِكَ : فَإِذَا سَجَدَتْ الطَّائِفَة الَّتِي قَامَتْ مَعَك فِي صَلَاتهَا , { فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ } يَعْنِي مِنْ خَلْفك وَخَلْف مَنْ يَدْخُل فِي صَلَاتك مِمَّنْ لَمْ يُصَلِّ مَعَك الرَّكْعَة الْأُولَى بِإِزَاءِ الْعَدُوّ بَعْد فَرَاغهَا مِنْ بَقِيَّة صَلَاتهَا , { وَلْتَأْتِ طَائِفَة أُخْرَى } وَهِيَ الطَّائِفَة الَّتِي كَانَتْ بِإِزَاءِ الْعَدُوّ لَمْ يُصَلُّوا , يَقُول : لَمْ يُصَلُّوا مَعَك الرَّكْعَة الْأُولَى { فَلْيُصَلُّوا مَعَك } يَقُول : فَلْيُصَلُّوا مَعَك الرَّكْعَة الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْك . { وَلْيَأْخُذُوا حِذْرهمْ وَأَسْلِحَتهمْ } لِقِتَالِ عَدُوّهُمْ بَعْد مَا يَفْرُغُونَ مِنْ صَلَاتهمْ ; وَذَلِكَ نَظِير الْخَبَر الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فَعَلَهُ يَوْم ذَات الرِّقَاع , وَالْخَبَر الَّذِي رَوَى سَهْل بْن أَبِي حَثْمَة . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة , لِأَنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره قَالَ : { وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ فَأَقَمْت لَهُمْ الصَّلَاة } وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ إِقَامَتهَا إِتْمَامهَا بِرُكُوعِهَا وَسُجُودهَا , وَدَلَّلْنَا مَعَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْله : { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاة إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا } إِنَّمَا هُوَ إِذْن بِالْقَصْرِ مِنْ رُكُوعهَا وَسُجُودهَا فِي حَال شِدَّة الْخَوْف . فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ كَانَ بَيِّنًا أَنْ لَا وَجْه لِتَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ أَنَّ الطَّائِفَة الْأُولَى إِذَا سَجَدَتْ مَعَ الْإِمَام فَقَدْ اِنْقَضَتْ صَلَاتهَا , لِقَوْلِهِ : { فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ } لِاحْتِمَالِ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي مَا ذُكِرَتْ قَبْل , وَلِأَنَّهُ لَا دَلَالَة فِي الْآيَة عَلَى أَنَّ الْقَصْر الَّذِي ذُكِرَ فِي الْآيَة قَبْلهَا عَنَى بِهِ الْقَصْر مِنْ عَدَد الرَّكَعَات . وَإِذْ كَانَ لَا وَجْه لِذَلِكَ , فَقَوْل مَنْ قَالَ : أُرِيدَ بِذَلِكَ التَّقَدُّم وَالتَّأَخُّر فِي الصَّلَاة عَلَى نَحْو صَلَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ أَبْعَد , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ يَقُول : { وَلْتَأْتِ طَائِفَة أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَك } وَكِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ قَدْ كَانَتْ صَلَّتْ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَته الْأُولَى فِي صَلَاته بِعُسْفَانَ , وَمُحَال أَنْ تَكُون الَّتِي صَلَّتْ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ مَعَهُ . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّهُ أُرِيدَ بِقَوْلِهِ : { لَمْ يُصَلُّوا } : لَمْ يَسْجُدُوا , فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْر الظَّاهِر الْمَفْهُوم مِنْ مَعَانِي الصَّلَاة , وَإِنَّمَا تَوَجَّهَ مَعَانِي كَلَام اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِلَى الْأَظْهَر وَالْأَشْهَر مِنْ وُجُوههمَا مَا لَمْ يَمْنَع مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِب التَّسْلِيم لَهُ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْآيَة أَمْر مِنْ اللَّه عَزَّ ذِكْره لِلطَّائِفَةِ الْأُولَى بِتَأْخِيرِ قَضَاء مَا بَقِيَ عَلَيْهَا مِنْ صَلَاتهَا إِلَى فَرَاغ الْإِمَام مِنْ بَقِيَّة صَلَاته , وَلَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ بِإِزَاءِ الْعَدُوّ فِي اِشْتِغَالهَا بِقَضَاءِ ذَلِكَ ضَرَر , لَمْ يَكُنْ لِأَمْرِهَا بِتَأْخِيرِ ذَلِكَ وَانْصِرَافهَا قَبْل قَضَاء بَاقِي صَلَاتهَا عَنْ مَوْضِعهَا مَعْنًى . غَيْر أَنَّ الْأَمْر وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ , فَإِنَّا نَرَى أَنَّ مَنْ صَلَّاهَا مِنْ الْأَئِمَّة فَوَافَقَتْ صَلَاته بَعْض الْوُجُوه الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّاهَا , فَصَلَاته مُجْزِئَة عَنْهُ تَامَّة لِصِحَّةِ الْأَخْبَار بِكُلِّ ذَلِكَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنَّهُ مِنْ الْأُمُور الَّتِي عَلَّمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّته ثُمَّ أَبَاحَ لَهُمْ الْعَمَل بِأَيِّ ذَلِكَ شَاءُوا .
وَأَمَّا قَوْله : { وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتكُمْ وَأَمْتِعَتكُمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : تَمَنَّى الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ , لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتكُمْ وَأَمْتِعَتكُمْ , يَقُول : لَوْ تَشْتَغِلُونَ بِصَلَاتِكُمْ عَنْ أَسْلِحَتكُمْ الَّتِي تُقَاتِلُونَهُمْ بِهَا , وَعَنْ أَمْتِعَتكُمْ الَّتِي بِهَا بَلَاغكُمْ فِي أَسْفَاركُمْ فَتَسْهُونَ عَنْهَا . { فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَة وَاحِدَة } يَقُول : فَيَحْمِلُونَ عَلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ مَشَاغِيل بِصَلَاتِكُمْ عَنْ أَسْلِحَتكُمْ وَأَمْتِعَتكُمْ جُمْلَة وَاحِدَة , فَيُصِيبُونَ مِنْكُمْ غِرَّة بِذَلِكَ فَيَقْتُلُونَكُمْ , وَيَسْتَبِيحُونَ عَسْكَركُمْ . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَلَا تَفْعَلُوا ذَلِكَ بَعْد هَذَا , فَتَشْتَغِلُوا جَمِيعكُمْ بِصَلَاتِكُمْ إِذَا حَضَرَتْكُمْ صَلَاتكُمْ وَأَنْتُمْ مُوَاقِفُو الْعَدُوّ , فَتُمَكِّنُوا عَدُوّكُمْ مِنْ أَنْفُسكُمْ وَأَسْلِحَتكُمْ وَأَمْتِعَتكُمْ وَلَكِنْ أَقِيمُوا الصَّلَاة عَلَى مَا بَيَّنْت لَكُمْ , وَخُذُوا مِنْ عَدُوّكُمْ حِذْركُمْ وَأَسْلِحَتكُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا جُنَاح عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَر أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتكُمْ وَخُذُوا حِذْركُمْ } . يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَلَا جُنَاح عَلَيْكُمْ } وَلَا حَرَج عَلَيْكُمْ وَلَا إِثْم , { إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَر } يَقُول : إِنْ نَالَكُمْ مِنْ مَطَر تُمْطَرُونَهُ وَأَنْتُمْ مُوَاقِفُو عَدُوّكُمْ . { أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى } يَقُول : جَرْحَى أَوْ أَعِلَّاء . { أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتكُمْ } إِنْ ضَعُفْتُمْ عَنْ حَمْلهَا , وَلَكِنْ إِنْ وَضَعْتُمْ أَسْلِحَتكُمْ مِنْ أَذَى مَطَر أَوْ مَرَض , فَخُذُوا مِنْ عَدُوّكُمْ حِذْركُمْ , يَقُول : اِحْتَرِسُوا مِنْهُمْ أَنْ يَمِيلُوا عَلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ عَنْهُمْ غَافِلُونَ غَارُّونَ . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ قَوْله : { أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى } نَزَلَ فِي عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف , وَكَانَ جَرِيحًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8197 - حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْن مُسْلِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَر أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى } عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف كَانَ جَرِيحًا .
{ إِنَّ اللَّه أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا } يَعْنِي بِذَلِكَ : أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُذِلًّا يَبْقَوْنَ فِيهِ أَبَدًا لَا يُخْرَجُونَ مِنْهُ , وَذَلِكَ هُوَ عَذَاب جَهَنَّم
وَأَمَّا قَوْله : { وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتكُمْ وَأَمْتِعَتكُمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : تَمَنَّى الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ , لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتكُمْ وَأَمْتِعَتكُمْ , يَقُول : لَوْ تَشْتَغِلُونَ بِصَلَاتِكُمْ عَنْ أَسْلِحَتكُمْ الَّتِي تُقَاتِلُونَهُمْ بِهَا , وَعَنْ أَمْتِعَتكُمْ الَّتِي بِهَا بَلَاغكُمْ فِي أَسْفَاركُمْ فَتَسْهُونَ عَنْهَا . { فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَة وَاحِدَة } يَقُول : فَيَحْمِلُونَ عَلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ مَشَاغِيل بِصَلَاتِكُمْ عَنْ أَسْلِحَتكُمْ وَأَمْتِعَتكُمْ جُمْلَة وَاحِدَة , فَيُصِيبُونَ مِنْكُمْ غِرَّة بِذَلِكَ فَيَقْتُلُونَكُمْ , وَيَسْتَبِيحُونَ عَسْكَركُمْ . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَلَا تَفْعَلُوا ذَلِكَ بَعْد هَذَا , فَتَشْتَغِلُوا جَمِيعكُمْ بِصَلَاتِكُمْ إِذَا حَضَرَتْكُمْ صَلَاتكُمْ وَأَنْتُمْ مُوَاقِفُو الْعَدُوّ , فَتُمَكِّنُوا عَدُوّكُمْ مِنْ أَنْفُسكُمْ وَأَسْلِحَتكُمْ وَأَمْتِعَتكُمْ وَلَكِنْ أَقِيمُوا الصَّلَاة عَلَى مَا بَيَّنْت لَكُمْ , وَخُذُوا مِنْ عَدُوّكُمْ حِذْركُمْ وَأَسْلِحَتكُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا جُنَاح عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَر أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتكُمْ وَخُذُوا حِذْركُمْ } . يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَلَا جُنَاح عَلَيْكُمْ } وَلَا حَرَج عَلَيْكُمْ وَلَا إِثْم , { إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَر } يَقُول : إِنْ نَالَكُمْ مِنْ مَطَر تُمْطَرُونَهُ وَأَنْتُمْ مُوَاقِفُو عَدُوّكُمْ . { أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى } يَقُول : جَرْحَى أَوْ أَعِلَّاء . { أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتكُمْ } إِنْ ضَعُفْتُمْ عَنْ حَمْلهَا , وَلَكِنْ إِنْ وَضَعْتُمْ أَسْلِحَتكُمْ مِنْ أَذَى مَطَر أَوْ مَرَض , فَخُذُوا مِنْ عَدُوّكُمْ حِذْركُمْ , يَقُول : اِحْتَرِسُوا مِنْهُمْ أَنْ يَمِيلُوا عَلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ عَنْهُمْ غَافِلُونَ غَارُّونَ . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ قَوْله : { أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى } نَزَلَ فِي عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف , وَكَانَ جَرِيحًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8197 - حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْن مُسْلِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَر أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى } عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف كَانَ جَرِيحًا .
{ إِنَّ اللَّه أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا } يَعْنِي بِذَلِكَ : أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُذِلًّا يَبْقَوْنَ فِيهِ أَبَدًا لَا يُخْرَجُونَ مِنْهُ , وَذَلِكَ هُوَ عَذَاب جَهَنَّم
فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلَاة فَاذْكُرُوا اللَّه قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبكُمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَإِذَا فَرَغْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ صَلَاتكُمْ , وَأَنْتُمْ مُوَاقِفُو عَدُوّكُمْ الَّتِي بَيَّنَّاهَا لَكُمْ , فَاذْكُرُوا اللَّه عَلَى كُلّ أَحْوَالكُمْ قِيَامًا وَقُعُودًا , وَمُضْطَجِعِينَ عَلَى جُنُوبكُمْ بِالتَّعْظِيمِ لَهُ , وَالدُّعَاء لِأَنْفُسِكُمْ بِالظَّفَرِ عَلَى عَدُوّكُمْ , لَعَلَّ اللَّه أَنْ يُظْفِركُمْ وَيَنْصُركُمْ عَلَيْهِمْ . وَذَلِكَ نَظِير قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَة فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّه كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } 8 45 . وَكَمَا : 8198 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { فَاذْكُرُوا اللَّه قِيَامًا } يَقُول : لَا يَفْرِض اللَّه عَلَى عِبَاده فَرِيضَة إِلَّا جَعَلَ لَهَا جَزَاء مَعْلُومًا. ثُمَّ عَذَرَ أَهْلهَا فِي حَال عُذْر غَيْر الذِّكْر , فَإِنَّ اللَّه لَمْ يَجْعَل لَهُ حَدًّا يَنْتَهِي إِلَيْهِ , وَلَمْ يَعْذُر أَحَدًا فِي تَرْكه إِلَّا مَغْلُوبًا عَلَى عَقْله , فَقَالَ : فَاذْكُرُوا اللَّه قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبكُمْ , بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار , فِي الْبَرّ وَالْبَحْر , وَفِي السَّفَر وَالنُّور , وَالْغِنَى وَالْفَقْر , وَالسَّقَم وَالصِّحَّة , وَالسِّرّ وَالْعَلَانِيَة , وَعَلَى كُلّ حَال .
وَأَمَّا قَوْله : { فَإِذَا اِطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاة } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى قَوْله : { فَإِذَا اِطْمَأْنَنْتُمْ } : فَإِذَا اِسْتَقْرَرْتُمْ فِي أَوْطَانكُمْ وَأَقَمْتُمْ فِي أَمْصَاركُمْ , { فَأَقِيمُوا } يَعْنِي : فَأَتِمُّوا { الصَّلَاة } الَّتِي أَذِنَ لَكُمْ بِقَصْرِهَا فِي حَال خَوْفكُمْ فِي سَفَركُمْ وَضَرْبكُمْ فِي الْأَرْض. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8199 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله { فَإِذَا اِطْمَأْنَنْتُمْ } قَالَ الْخُرُوج مِنْ دَار السَّفَر إِلَى دَار الْإِقَامَة. 8200 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله { فَإِذَا اِطْمَأْنَنْتُمْ } يَقُول : إِذَا اِطْمَأْنَنْتُمْ فِي أَمْصَاركُمْ فَأَتِمُّوا الصَّلَاة . وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَى ذَلِكَ : فَإِذَا اِسْتَقْرَرْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاة , أَيْ فَأَتِمُّوا حُدُودهَا بِرُكُوعِهَا وَسُجُودهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8201 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { فَإِذَا اِطْمَأْنَنْتُمْ } قَالَ : فَإِذَا اِطْمَأْنَنْتُمْ بَعْد الْخَوْف . 8202 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { فَإِذَا اِطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاة } قَالَ : فَإِذَا اِطْمَأْنَنْتُمْ فَصَلُّوا الصَّلَاة لَا تُصَلِّهَا رَاكِبًا وَلَا مَاشِيًا وَلَا قَاعِدًا . 8203 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { فَإِذَا اِطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاة } قَالَ أَتِمُّوهَا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . قَالَ أَبُو جَعْفَر وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَة , تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَهُ : فَإِذَا زَالَ خَوْفكُمْ مِنْ عَدُوّكُمْ وَأَمِنْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَاطْمَأَنَّتْ أَنْفُسكُمْ بِالْأَمْنِ , فَأَقِيمُوا الصَّلَاة , فَأَتِمُّوهَا بِحُدُودِهَا , الْمَفْرُوضَة عَلَيْكُمْ , غَيْر قَاصِرِيهَا عَنْ شَيْء مِنْ حُدُودهَا . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَرَّفَ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ الْوَاجِب عَلَيْهِمْ مِنْ فَرْض صَلَاتهمْ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فِي حَالَيْنِ : إِحْدَاهُمَا شِدَّة حَال خَوْف أَذِنَ لَهُمْ فِيهَا بِقَصْرِ الصَّلَاة , عَلَى مَا بَيَّنْت مِنْ قَصْر حُدُودهَا عَنْ التَّمَام , وَالْأُخْرَى حَال غَيْر شِدَّة الْخَوْف أَمَرَهُمْ فِيهَا بِإِقَامَةِ حُدُودهَا , وَإِتْمَامهَا عَلَى مَا وَصَفَهُ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ مُعَاقَبَة بَعْضهمْ بَعْضًا فِي الصَّلَاة خَلْف أَئِمَّتهمْ , وَحِرَاسَة بَعْضهمْ بَعْضًا مِنْ عَدُوّهُمْ وَهِيَ حَالَة لَا قَصْر فِيهَا , لِأَنَّهُ يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْحَال : وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ فَأَقَمْت لَهُمْ الصَّلَاة . فَمَعْلُوم بِذَلِكَ أَنَّ قَوْله : { فَإِذَا اِطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاة } إِنَّمَا هُوَ : فَإِذَا اِطْمَأْنَنْتُمْ مِنْ الْحَالَة الَّتِي لَمْ تَكُونُوا مُقِيمِينَ فِيهَا صَلَاتكُمْ فَأَقِيمُوهَا , وَتِلْكَ حَالَة شِدَّة الْخَوْف , لِأَنَّهُ قَدْ أَمَرَهُمْ بِإِقَامَتِهَا فِي حَال غَيْر شِدَّة الْخَوْف بِقَوْلِهِ : { وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ فَأَقَمْت لَهُمْ الصَّلَاة } . . الْآيَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الصَّلَاة كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } . اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : أَنَّ الصَّلَاة كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَرِيضَة مَفْرُوضَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8204 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ فُضَيْل بْن مَرْزُوق , عَنْ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ فِي قَوْله : { إِنَّ الصَّلَاة كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } قَالَ : فَرِيضَة مَفْرُوضَة . 8205 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة قَالَ : ثني عَلِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس : { إِنَّ الصَّلَاة كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } قَالَ : مَفْرُوضًا , الْمَوْقُوت : الْمَفْرُوض . 8206 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : أَمَّا كِتَابًا مَوْقُوتًا : فَمَفْرُوضًا . 8207 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : { كِتَابًا مَوْقُوتًا } قَالَ : مَفْرُوضًا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِنَّ الصَّلَاة كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَرْضًا وَاجِبًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8208 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { إِنَّ الصَّلَاة كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } قَالَ : كِتَابًا وَاجِبًا . 8209 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله { كِتَابًا مَوْقُوتًا } قَالَ وَاجِبًا . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 8210 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ مَعْمَر بْن سَام , عَنْ أَبِي جَعْفَر فِي قَوْله : { كِتَابًا مَوْقُوتًا } قَالَ : مُوجِبًا . 8211 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّ الصَّلَاة كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } وَالْمَوْقُوت : الْوَاجِب . * - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا مَعْمَر بْن يَحْيَى , قَالَ سَمِعْت أَبَا جَعْفَر يَقُول : { إِنَّ الصَّلَاة كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } قَالَ : وُجُوبهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِنَّ الصَّلَاة كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا مُنَجَّمًا يُؤَدُّونَهَا فِي أَنْجُمهَا. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8212 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { إِنَّ الصَّلَاة كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } قَالَ : قَالَ اِبْن مَسْعُود : إِنَّ لِلصَّلَاةِ وَقْتًا كَوَقْتِ الْحَجّ . 8213 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم فِي قَوْله : { إِنَّ الصَّلَاة كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } قَالَ : مُنَجَّمًا , كُلَّمَا مَضَى نَجْم جَاءَ نَجْم آخَر , يَقُول : كُلَّمَا مَضَى وَقْت جَاءَ وَقْت آخَر . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم بِمِثْلِهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذِهِ الْأَقْوَال قَرِيب مَعْنَى بَعْضهَا مِنْ بَعْض , لِأَنَّ مَا كَانَ مَفْرُوضًا فَوَاجِب , وَمَا كَانَ وَاجِبًا أَدَاؤُهُ فِي وَقْت بَعْد وَقْت فَمُنَجَّم . غَيْر أَنَّ أَوْلَى الْمَعَانِي بِتَأْوِيلِ الْكَلِمَة قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ الصَّلَاة كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَرْضًا مُنَجَّمًا , لِأَنَّ الْمَوْقُوت إِنَّمَا هُوَ مَفْعُول مِنْ قَوْل الْقَائِل : وَقَّتَ اللَّه عَلَيْك فَرْضه فَهُوَ يَقِتهُ , فَفَرَضَهُ عَلَيْك مَوْقُوت , إِذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ وَقْتًا يَجِب عَلَيْك أَدَاؤُهُ . فَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْله : { إِنَّ الصَّلَاة كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } إِنَّمَا هُوَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَرْضًا وَقْت وُجُوب أَدَائِهِ , فَبَيَّنَ ذَلِكَ لَهُمْ .
وَأَمَّا قَوْله : { فَإِذَا اِطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاة } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى قَوْله : { فَإِذَا اِطْمَأْنَنْتُمْ } : فَإِذَا اِسْتَقْرَرْتُمْ فِي أَوْطَانكُمْ وَأَقَمْتُمْ فِي أَمْصَاركُمْ , { فَأَقِيمُوا } يَعْنِي : فَأَتِمُّوا { الصَّلَاة } الَّتِي أَذِنَ لَكُمْ بِقَصْرِهَا فِي حَال خَوْفكُمْ فِي سَفَركُمْ وَضَرْبكُمْ فِي الْأَرْض. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8199 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله { فَإِذَا اِطْمَأْنَنْتُمْ } قَالَ الْخُرُوج مِنْ دَار السَّفَر إِلَى دَار الْإِقَامَة. 8200 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله { فَإِذَا اِطْمَأْنَنْتُمْ } يَقُول : إِذَا اِطْمَأْنَنْتُمْ فِي أَمْصَاركُمْ فَأَتِمُّوا الصَّلَاة . وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَى ذَلِكَ : فَإِذَا اِسْتَقْرَرْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاة , أَيْ فَأَتِمُّوا حُدُودهَا بِرُكُوعِهَا وَسُجُودهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8201 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { فَإِذَا اِطْمَأْنَنْتُمْ } قَالَ : فَإِذَا اِطْمَأْنَنْتُمْ بَعْد الْخَوْف . 8202 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { فَإِذَا اِطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاة } قَالَ : فَإِذَا اِطْمَأْنَنْتُمْ فَصَلُّوا الصَّلَاة لَا تُصَلِّهَا رَاكِبًا وَلَا مَاشِيًا وَلَا قَاعِدًا . 8203 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { فَإِذَا اِطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاة } قَالَ أَتِمُّوهَا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . قَالَ أَبُو جَعْفَر وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَة , تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَهُ : فَإِذَا زَالَ خَوْفكُمْ مِنْ عَدُوّكُمْ وَأَمِنْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَاطْمَأَنَّتْ أَنْفُسكُمْ بِالْأَمْنِ , فَأَقِيمُوا الصَّلَاة , فَأَتِمُّوهَا بِحُدُودِهَا , الْمَفْرُوضَة عَلَيْكُمْ , غَيْر قَاصِرِيهَا عَنْ شَيْء مِنْ حُدُودهَا . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَرَّفَ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ الْوَاجِب عَلَيْهِمْ مِنْ فَرْض صَلَاتهمْ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فِي حَالَيْنِ : إِحْدَاهُمَا شِدَّة حَال خَوْف أَذِنَ لَهُمْ فِيهَا بِقَصْرِ الصَّلَاة , عَلَى مَا بَيَّنْت مِنْ قَصْر حُدُودهَا عَنْ التَّمَام , وَالْأُخْرَى حَال غَيْر شِدَّة الْخَوْف أَمَرَهُمْ فِيهَا بِإِقَامَةِ حُدُودهَا , وَإِتْمَامهَا عَلَى مَا وَصَفَهُ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ مُعَاقَبَة بَعْضهمْ بَعْضًا فِي الصَّلَاة خَلْف أَئِمَّتهمْ , وَحِرَاسَة بَعْضهمْ بَعْضًا مِنْ عَدُوّهُمْ وَهِيَ حَالَة لَا قَصْر فِيهَا , لِأَنَّهُ يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْحَال : وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ فَأَقَمْت لَهُمْ الصَّلَاة . فَمَعْلُوم بِذَلِكَ أَنَّ قَوْله : { فَإِذَا اِطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاة } إِنَّمَا هُوَ : فَإِذَا اِطْمَأْنَنْتُمْ مِنْ الْحَالَة الَّتِي لَمْ تَكُونُوا مُقِيمِينَ فِيهَا صَلَاتكُمْ فَأَقِيمُوهَا , وَتِلْكَ حَالَة شِدَّة الْخَوْف , لِأَنَّهُ قَدْ أَمَرَهُمْ بِإِقَامَتِهَا فِي حَال غَيْر شِدَّة الْخَوْف بِقَوْلِهِ : { وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ فَأَقَمْت لَهُمْ الصَّلَاة } . . الْآيَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الصَّلَاة كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } . اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : أَنَّ الصَّلَاة كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَرِيضَة مَفْرُوضَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8204 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ فُضَيْل بْن مَرْزُوق , عَنْ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ فِي قَوْله : { إِنَّ الصَّلَاة كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } قَالَ : فَرِيضَة مَفْرُوضَة . 8205 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة قَالَ : ثني عَلِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس : { إِنَّ الصَّلَاة كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } قَالَ : مَفْرُوضًا , الْمَوْقُوت : الْمَفْرُوض . 8206 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : أَمَّا كِتَابًا مَوْقُوتًا : فَمَفْرُوضًا . 8207 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : { كِتَابًا مَوْقُوتًا } قَالَ : مَفْرُوضًا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِنَّ الصَّلَاة كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَرْضًا وَاجِبًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8208 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { إِنَّ الصَّلَاة كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } قَالَ : كِتَابًا وَاجِبًا . 8209 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله { كِتَابًا مَوْقُوتًا } قَالَ وَاجِبًا . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 8210 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ مَعْمَر بْن سَام , عَنْ أَبِي جَعْفَر فِي قَوْله : { كِتَابًا مَوْقُوتًا } قَالَ : مُوجِبًا . 8211 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّ الصَّلَاة كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } وَالْمَوْقُوت : الْوَاجِب . * - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا مَعْمَر بْن يَحْيَى , قَالَ سَمِعْت أَبَا جَعْفَر يَقُول : { إِنَّ الصَّلَاة كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } قَالَ : وُجُوبهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِنَّ الصَّلَاة كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا مُنَجَّمًا يُؤَدُّونَهَا فِي أَنْجُمهَا. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8212 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { إِنَّ الصَّلَاة كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } قَالَ : قَالَ اِبْن مَسْعُود : إِنَّ لِلصَّلَاةِ وَقْتًا كَوَقْتِ الْحَجّ . 8213 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم فِي قَوْله : { إِنَّ الصَّلَاة كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } قَالَ : مُنَجَّمًا , كُلَّمَا مَضَى نَجْم جَاءَ نَجْم آخَر , يَقُول : كُلَّمَا مَضَى وَقْت جَاءَ وَقْت آخَر . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم بِمِثْلِهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذِهِ الْأَقْوَال قَرِيب مَعْنَى بَعْضهَا مِنْ بَعْض , لِأَنَّ مَا كَانَ مَفْرُوضًا فَوَاجِب , وَمَا كَانَ وَاجِبًا أَدَاؤُهُ فِي وَقْت بَعْد وَقْت فَمُنَجَّم . غَيْر أَنَّ أَوْلَى الْمَعَانِي بِتَأْوِيلِ الْكَلِمَة قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ الصَّلَاة كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَرْضًا مُنَجَّمًا , لِأَنَّ الْمَوْقُوت إِنَّمَا هُوَ مَفْعُول مِنْ قَوْل الْقَائِل : وَقَّتَ اللَّه عَلَيْك فَرْضه فَهُوَ يَقِتهُ , فَفَرَضَهُ عَلَيْك مَوْقُوت , إِذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ وَقْتًا يَجِب عَلَيْك أَدَاؤُهُ . فَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْله : { إِنَّ الصَّلَاة كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } إِنَّمَا هُوَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَرْضًا وَقْت وُجُوب أَدَائِهِ , فَبَيَّنَ ذَلِكَ لَهُمْ .
وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَهِنُوا فِي اِبْتِغَاء الْقَوْم إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّه مَا لَا يَرْجُونَ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَلَا تَهِنُوا } : وَلَا تَضْعُفُوا , مِنْ قَوْلهمْ : وَهَنَ فُلَان فِي هَذَا الْأَمْر يَهِن وَهْنًا وَوُهُونًا . وَقَوْله : { فِي اِبْتِغَاء الْقَوْم } : يَعْنِي فِي اِلْتِمَاس الْقَوْم وَطَلَبهمْ , وَالْقَوْم هُمْ أَعْدَاء اللَّه وَأَعْدَاء الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْل الشِّرْك بِاَللَّهِ { إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ } يَقُول : إِنْ تَكُونُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ تَيْجَعُونَ مِمَّا يَنَالكُمْ مِنْ الْجِرَاح مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا . { فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ } يَقُول : فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ يَيْجَعُونَ مِمَّا يَنَالهُمْ مِنْكُمْ مِنْ الْجِرَاح وَالْأَذَى , مِثْل مَا تَيْجَعُونَ أَنْتُمْ مِنْ جِرَاحهمْ وَأَذَاهُمْ فِيهَا . { وَتَرْجُونَ } أَنْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ { مِنْ اللَّه } مِنْ الثَّوَاب عَلَى مَا يَنَالكُمْ , { مَا لَا يَرْجُونَ } هُمْ عَلَى مَا يَنَالهُمْ مِنْكُمْ . يَقُول : فَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ مِنْ ثَوَاب اللَّه لَكُمْ عَلَى مَا يُصِيبكُمْ مِنْهُمْ بِمَا هُمْ بِهِ مُكَذِّبُونَ , أَوْلَى وَأَحْرَى أَنْ تَصْبِرُوا عَلَى حَرْبهمْ وَقِتَالهمْ مِنْهُمْ عَلَى قِتَالكُمْ وَحَرْبكُمْ وَأَنْ تَجِدُّوا مِنْ طَلَبهمْ وَابْتِغَائِهِمْ لِقِتَالِهِمْ عَلَى مَا يَهِنُونَ هُمْ فِيهِ وَلَا يَجِدُّونَ , فَكَيْفَ عَلَى مَا جَدُّوا فِيهِ وَلَمْ يَهِنُوا ؟ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8214 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَلَا تَهِنُوا فِي اِبْتِغَاء الْقَوْم إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ } هُمْ , { فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ } يَقُول لَا تَضْعُفُوا فِي طَلَب الْقَوْم , فَإِنَّكُمْ إِنْ تَكُونُوا تَيْجَعُونَ , فَإِنَّهُمْ يَيْجَعُونَ كَمَا تَيْجَعُونَ , وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّه مِنْ الْأَجْر وَالثَّوَاب مَا لَا يَرْجُونَ . 8215 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَا تَهِنُوا فِي اِبْتِغَاء الْقَوْم إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ } قَالَ : يَقُول : لَا تَضْعُفُوا فِي طَلَب الْقَوْم , فَإِنْ تَكُونُوا تَيْجَعُونَ مِنْ الْجِرَاحَات , فَإِنَّهُمْ يَيْجَعُونَ كَمَا تَيْجَعُونَ . 8216 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَا تَهِنُوا فِي اِبْتِغَاء الْقَوْم } : لَا تَضْعُفُوا . 8217 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : { وَلَا تَهِنُوا } يَقُول : لَا تَضْعُفُوا . 8218 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلَا تَهِنُوا فِي اِبْتِغَاء الْقَوْم } قَالَ : يَقُول : لَا تَضْعُفُوا عَنْ اِبْتِغَائِهِمْ , { إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ } الْقِتَال , { فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ } قَالَ : وَهَذَا قَبْل أَنْ تُصِيبهُمْ الْجِرَاح إِنْ كُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْقِتَال فَتَأْلَمُونَهُ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ , { وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّه مَا لَا يَرْجُونَ } يَقُول : فَلَا تَضْعُفُوا فِي اِبْتِغَائِهِمْ مَكَان الْقِتَال . 8219 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ } : تَوْجَعُونَ. 8220 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ } قَالَ : تَوْجَعُونَ لِمَا يُصِيبكُمْ مِنْهُمْ , فَإِنَّهُمْ يَوْجَعُونَ كَمَا تَوْجَعُونَ . { وَتَرْجُونَ } أَنْتُمْ مِنْ الثَّوَاب فِيمَا يُصِيبكُمْ { مَا لَا يَرْجُونَ } . 8221 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا حَفْص بْن عُمَر , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن أَبَان , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا كَانَ قِتَال أُحُد , وَأَصَابَ الْمُسْلِمِينَ مَا أَصَابَ , صَعِدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَبَل , فَجَاءَ أَبُو سُفْيَان فَقَالَ : يَا مُحَمَّد لَا جُرْح إِلَّا بِجُرْحٍ , الْحَرْب سِجَال , يَوْم لَنَا وَيَوْم لَكُمْ ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ : " أَجِيبُوهُ " ! فَقَالُوا : لَا سَوَاء , قَتْلَانَا فِي الْجَنَّة , وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّار . فَقَالَ أَبُو سُفْيَان : عُزَّى لَنَا وَلَا عُزَّى لَكُمْ . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قُولُوا لَهُ : اللَّه مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ " . قَالَ أَبُو سُفْيَان : أُعْلُ هُبَل ! أُعْلُ هُبَل ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قُولُوا لَهُ : اللَّه أَعْلَى وَأَجَلّ " . فَقَالَ أَبُو سُفْيَان : مَوْعِدنَا وَمَوْعِدكُمْ بَدْر الصُّغْرَى . وَنَامَ الْمُسْلِمُونَ وَبِهِمْ الْكُلُوم . قَالَ عِكْرِمَة : وَفِيهَا أُنْزِلَتْ : { إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْح فَقَدْ مَسَّ الْقَوْم قَرْح مِثْله وَتِلْكَ الْأَيَّام نُدَاوِلهَا بَيْن النَّاس } 3 140 وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ . { إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّه مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّه عَلِيمًا حَكِيمًا } . 8222 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ } قَالَ : يَيْجَعُونَ كَمَا تَيْجَعُونَ . وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ كَانَ يَتَأَوَّل قَوْله : { وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّه مَا لَا يَرْجُونَ } : وَتَخَافُونَ مِنْ اللَّه مَا لَا يَخَافُونَ , مِنْ قَوْل اللَّه : { قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّام اللَّه } 45 14 بِمَعْنَى : لَا يَخَافُونَ أَيَّام اللَّه . وَغَيْر مَعْرُوف صَرْف الرَّجَاء إِلَى مَعْنَى الْخَوْف فِي كَلَام الْعَرَب , إِلَّا مَعَ جَحْد سَابِق لَهُ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا } 71 13 بِمَعْنَى : لَا تَخَافُونَ لِلَّهِ عَظَمَة , وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر الْهُذَلِيّ : لَا تَرْتَجِي حِين تُلَاقِي الذَّائِدَا أَسَبْعَة لَاقَتْ مَعًا أَمْ وَاحِدَا وَكَمَا قَالَ أَبُو ذُؤَيْب : إِذَا لَسَعَتْهُ النَّحْل لَمْ يَرْجُ لَسْعهَا وَخَالَفَهَا فِي بَيْت نُوَب عَوَاسِل وَهِيَ فِيمَا بَلَغَنَا لُغَة أَهْل الْحِجَاز , يَقُولُونَهَا بِمَعْنَى : مَا أُبَالِي وَمَا أَحْفِل .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَانَ اللَّه عَلِيمًا حَكِيمًا } : يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَمْ يَزَلْ اللَّه عَلِيمًا بِمَصَالِح خَلْقه , حَكِيمًا فِي تَدْبِيره وَتَقْدِيره , وَمِنْ عِلْمه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِمَصَالِحِكُمْ عَرَّفَكُمْ عِنْد حُضُور صَلَاتكُمْ , وَوَاجِبِ فَرْضِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ , وَأَنْتُمْ مُوَاقِفُو عَدُوّكُمْ مَا يَكُون بِهِ وُصُولكُمْ إِلَى أَدَاء فَرْض اللَّه عَلَيْكُمْ , وَالسَّلَامَة مِنْ عَدُوّكُمْ وَمِنْ حِكْمَته بَصَّرَكُمْ بِمَا فِيهِ تَأْيِيدكُمْ , وَتَوْهِين كَيْد عَدُوّكُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَانَ اللَّه عَلِيمًا حَكِيمًا } : يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَمْ يَزَلْ اللَّه عَلِيمًا بِمَصَالِح خَلْقه , حَكِيمًا فِي تَدْبِيره وَتَقْدِيره , وَمِنْ عِلْمه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِمَصَالِحِكُمْ عَرَّفَكُمْ عِنْد حُضُور صَلَاتكُمْ , وَوَاجِبِ فَرْضِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ , وَأَنْتُمْ مُوَاقِفُو عَدُوّكُمْ مَا يَكُون بِهِ وُصُولكُمْ إِلَى أَدَاء فَرْض اللَّه عَلَيْكُمْ , وَالسَّلَامَة مِنْ عَدُوّكُمْ وَمِنْ حِكْمَته بَصَّرَكُمْ بِمَا فِيهِ تَأْيِيدكُمْ , وَتَوْهِين كَيْد عَدُوّكُمْ .
إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ لِتَحْكُم بَيْن النَّاس بِمَا أَرَاك اللَّه وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ لِتَحْكُم بَيْن النَّاس بِمَا أَرَاك اللَّه } : إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْك يَا مُحَمَّد الْكِتَاب , يَعْنِي الْقُرْآن , { لِتَحْكُم بَيْن النَّاس } لِتَقْضِيَ بَيْن النَّاس , فَتَفْصِل بَيْنهمْ { بِمَا أَرَاك اللَّه } يَعْنِي : بِمَا أَنْزَلَ اللَّه إِلَيْك مِنْ كِتَابه . { وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا } يَقُول : وَلَا تَكُنْ لِمَنْ خَانَ مُسْلِمًا أَوْ مُعَاهَدًا فِي نَفْسه أَوْ مَاله , خَصِيمًا تُخَاصِم عَنْهُ , وَتَدْفَع عَنْهُ مَنْ طَالَبَهُ بِحَقِّهِ الَّذِي خَانَهُ فِيهِ . وَذُكِرَ أَنَّ الْخَائِنِينَ الَّذِينَ عَاتَبَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُصُومَته عَنْهُمْ بَنُو أُبَيْرِق . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي خِيَانَته الَّتِي كَانَتْ مِنْهُ فَوَصَفَهُ اللَّه بِهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَتْ سَرِقَة سَرَقَهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8223 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ لِتَحْكُم بَيْن النَّاس بِمَا أَرَاك اللَّه } ... إِلَى قَوْله : { وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ اِبْتِغَاء مَرْضَات اللَّه } فِيمَا بَيْن ذَلِكَ فِي طُعْمَة بْن أُبَيْرِق وَدِرْعه مِنْ حَدِيد الَّتِي سَرَقَ , وَقَالَ أَصْحَابه مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِلنَّبِيِّ : اعْذِرْهُ فِي النَّاس بِلِسَانِك ! وَرَمَوْا بِالدِّرْعِ رَجُلًا مِنْ يَهُود بَرِيئًا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . 8224 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن أَبِي شُعَيْب أَبُو مُسْلِم الْحَرَّانِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن سَلَمَة , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ عَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه قَتَادَة بْن النُّعْمَان , قَالَ : كَانَ أَهْل بَيْت مِنَّا يُقَال لَهُمْ بَنُو أُبَيْرِق : بِشْر وَبُشَيْر وَمُبَشِّر , وَكَانَ بُشَيْر رَجُلًا مُنَافِقًا , وَكَانَ يَقُول الشِّعْر يَهْجُو بِهِ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَنْحَلهُ إِلَى بَعْض الْعَرَب , ثُمَّ يَقُول : قَالَ فُلَان كَذَا , وَقَالَ فُلَان كَذَا , فَإِذَا سَمِعَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ الشِّعْر , قَالُوا : وَاَللَّه مَا يَقُول هَذَا الشِّعْر إِلَّا هَذَا الْخَبِيث , فَقَالَ : أَوَكُلَّمَا قَالَ الرِّجَال قَصِيدَة أَضِمُوا وَقَالُوا اِبْن الْأُبَيْرِق قَالَهَا قَالَ : وَكَانُوا أَهْل بَيْت فَاقَة وَحَاجَة فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام , وَكَانَ النَّاس إِنَّمَا طَعَامهمْ بِالْمَدِينَةِ التَّمْر وَالشَّعِير , وَكَانَ الرَّجُل إِذَا كَانَ لَهُ يَسَار فَقَدِمَتْ ضَافِطَة مِنْ الشَّام بِالدَّرْمَك , اِبْتَاعَ الرَّجُل مِنْهُمْ , فَخَصَّ بِهِ نَفْسه , فَأَمَّا الْعِيَال : فَإِنَّمَا طَعَامهمْ التَّمْر وَالشَّعِير . فَقَدِمَتْ ضَافِطَة مِنْ الشَّام , فَابْتَاعَ عَمِّي رِفَاعَة بْن زَيْد حِمْلًا مِنْ الدَّرْمَك , فَجَعَلَهُ فِي مَشْرَبَة لَهُ , وَفِي الْمَشْرَبَة سِلَاح لَهُ : دِرْعَانِ وَسَيْفَاهُمَا وَمَا يُصْلِحهُمَا . فَعُدِيَ عَلَيْهِ مِنْ تَحْت اللَّيْل , فَنُقِبَتْ الْمَشْرَبَة , وَأُخِذَ الطَّعَام وَالسِّلَاح. فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَانِي عَمِّي رِفَاعَة فَقَالَ : يَا اِبْن أَخِي تَعَلَّمْ أَنَّهُ قَدْ عُدِيَ عَلَيْنَا فِي لَيْلَتنَا هَذِهِ , فَنُقِبَتْ مَشْرَبَتنَا , فَذُهِبَ بِسِلَاحِنَا وَطَعَامنَا . قَالَ : فَتَجَسَّسْنَا فِي الدَّار وَسَأَلْنَا , فَقِيلَ لَنَا : قَدْ رَأَيْنَا بَنِي أُبَيْرِق اِسْتَوْقَدُوا فِي هَذِهِ اللَّيْلَة , وَلَا نَرَى فِيمَا نَرَاهُ إِلَّا عَلَى بَعْض طَعَامكُمْ. قَالَ : وَقَدْ كَانَ بَنُو أُبَيْرِق قَالُوا وَنَحْنُ نَسْأَل فِي الدَّار : وَاَللَّه مَا نَرَى صَاحِبكُمْ إِلَّا لَبِيد بْن سَهْم ! رَجُل مِنَّا لَهُ صَلَاح وَإِسْلَام. فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ لَبِيد اِخْتَرَطَ سَيْفه , ثُمَّ أَتَى بَنِي أُبَيْرِق فَقَالَ : وَاَللَّه لَيُخَالِطَنَّكُمْ هَذَا السَّيْف أَوْ لَتُبَيِّنُنَّ هَذِهِ السَّرِقَة ! قَالُوا : إِلَيْك عَنَّا أَيّهَا الرَّجُل , فَوَاَللَّهِ مَا أَنْتَ بِصَاحِبِهَا ! فَسَأَلْنَا فِي الدَّار حَتَّى لَمْ نَشُكّ أَنَّهُمْ أَصْحَابهَا , فَقَالَ عَمِّي : يَا اِبْن أَخِي , لَوْ أَتَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْت ذَلِكَ . قَالَ قَتَادَة : فَأَتَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ , فَقُلْت . يَا رَسُول اللَّه , إِنَّ أَهْل بَيْت مِنَّا أَهْل جَفَاء , عَمَدُوا إِلَى عَمِّي رِفَاعَة فَنَقَبُوا مَشْرَبَة لَهُ , وَأَخَذُوا سِلَاحه وَطَعَامه , فَلْيَرُدُّوا عَلَيْنَا سِلَاحنَا , فَأَمَّا الطَّعَام فَلَا حَاجَة لَنَا فِيهِ . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " سَأَنْظُرُ فِي ذَلِكَ " . فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ بَنُو أُبَيْرِق أَتَوْا رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَال لَهُ أُسَيْر بْن عُرْوَة , فَكَلَّمُوهُ فِي ذَلِكَ , وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَاس مِنْ أَهْل الدَّار , فَأَتَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , إِنَّ قَتَادَة بْن النُّعْمَان وَعَمّه عَمَدُوا إِلَى أَهْل بَيْت مِنَّا أَهْل إِسْلَام وَصَلَاح يَرْمُونَهُمْ بِالسَّرِقَةِ مِنْ غَيْر بَيِّنَة وَلَا ثَبَت . قَالَ قَتَادَة : فَأَتَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمْته , فَقَالَ : " عَمَدْت إِلَى أَهْل بَيْت ذُكِرَ مِنْهُمْ إِسْلَام وَصَلَاح تَرْمِيهِمْ بِالسَّرِقَةِ عَلَى غَيْر بَيِّنَة وَلَا ثَبَت ! " . قَالَ : فَرَجَعْت وَلَوَدِدْت أَنِّي خَرَجْت مِنْ بَعْض مَالِي وَلَمْ أُكَلِّم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ . فَأَتَيْت عَمِّي رِفَاعَة , فَقَالَ : يَا اِبْن أَخِي مَا صَنَعْت ؟ فَأَخْبَرْته بِمَا قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : اللَّه الْمُسْتَعَان. فَلَمْ نَلْبَث أَنْ نَزَلَ الْقُرْآن : { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ لِتَحْكُم بَيْن النَّاس بِمَا أَرَاك اللَّه وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا } يَعْنِي : بَنِي أُبَيْرِق , { وَاسْتَغْفِرْ اللَّه } أَيْ مِمَّا قُلْت لِقَتَادَةَ , { إِنَّ اللَّه كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا وَلَا تُجَادِل عَنْ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسهمْ } أَيْ بَنِي أُبَيْرِق { إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاس } . .. إِلَى قَوْله : { ثُمَّ يَسْتَغْفِر اللَّه يَجِد اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا } : أَيْ أَنَّهُمْ إِنْ يَسْتَغْفِرُوا اللَّه يَغْفِر لَهُمْ , { وَمَنْ يَكْسِب إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبهُ عَلَى نَفْسه وَكَانَ اللَّه عَلِيمًا حَكِيمًا وَمَنْ يَكْسِب خَطِيئَة أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدْ اِحْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } قَوْلهمْ لِلَبِيد : { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْك وَرَحْمَته لَهَمَّتْ طَائِفَة مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوك } يَعْنِي أُسَيْرًا وَأَصْحَابه. { وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسهمْ وَمَا يَضُرُّونَك مِنْ شَيْء وَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْك الْكِتَاب وَالْحِكْمَة } . .. إِلَى قَوْله : { فَسَوْفَ نُؤْتِيه أَجْرًا عَظِيمًا } فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآن أُتِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسِّلَاحِ , فَرَدَّهُ إِلَى رِفَاعَة . قَالَ قَتَادَة : فَلَمَّا أَتَيْت عَمِّي بِالسِّلَاحِ وَكَانَ شَيْخًا قَدْ عَسَا فِي الْجَاهِلِيَّة , وَكُنْت أَرَى إِسْلَامه مَدْخُولًا ; فَلَمَّا أَتَيْته بِالسِّلَاحِ , قَالَ : يَا اِبْن أَخِي , هُوَ فِي سَبِيل اللَّه . قَالَ : فَعَرَفْت أَنَّ إِسْلَامه كَانَ صَحِيحًا . فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآن لَحِقَ بُشَيْر بِالْمُشْرِكِينَ فَنَزَلَ عَلَى سُلَافَة بِنْت سَعْد بْن سَهْل , فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِ { وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُول مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِع غَيْر سَبِيل الْمُؤْمِنِينَ } . .. إِلَى قَوْله : { وَمَنْ يُشْرِك بِاَللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا } . فَلَمَّا نَزَلَ عَلَى سُلَافَة رَمَاهَا حَسَّان بْن ثَابِت بِأَبْيَاتٍ مِنْ شِعْر . فَأَخَذَتْ رَحْله فَوَضَعَتْهُ عَلَى رَأْسهَا ثُمَّ خَرَجَتْ فَرَمَتْهُ بِالْأَبْطُحِ , ثُمَّ قَالَتْ : أَهْدَيْت إِلَيَّ شِعْر حَسَّان ! مَا كُنْت تَأْتِينِي بِخَيْرٍ . 8225 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ لِتَحْكُم بَيْن النَّاس بِمَا أَرَاك اللَّه } يَقُول : بِمَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْك وَبَيَّنَ لَك , { وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا } فَقَرَأَ إِلَى قَوْله : { إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا } . ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَؤُلَاءِ الْآيَات أُنْزِلَتْ فِي شَأْن طُعْمَة بْن أُبَيْرِق وَفِيمَا هَمَّ بِهِ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُذْره , وَبَيَّنَ اللَّه شَأْن طُعْمَة بْن أُبَيْرِق , وَوَعَظَ نَبِيّه وَحَذَّرَهُ أَنْ يَكُون لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا . وَكَانَ طُعْمَة بْن أُبَيْرِق رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَار , ثُمَّ أَحَد بَنِي ظَفَر , سَرَقَ دِرْعًا لِعَمِّهِ كَانَتْ وَدِيعَة عِنْده , ثُمَّ قَذَفَهَا عَلَى يَهُودِيّ كَانَ يَغْشَاهُمْ , يُقَال لَهُ زَيْد بْن السَّمِين , فَجَاءَ الْيَهُودِيّ إِلَى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهْتِف , فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَوْمه بَنُو ظَفَر جَاءُوا إِلَى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَعْذِرُوا صَاحِبهمْ , وَكَانَ نَبِيّ اللَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَدْ هَمَّ بِعُذْرِهِ , حَتَّى أَنْزَلَ اللَّه فِي شَأْنه مَا أَنْزَلَ , فَقَالَ : { وَلَا تُجَادِل عَنْ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسهمْ } إِلَى قَوْله : { هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِل اللَّه عَنْهُمْ يَوْم الْقِيَامَة } يَعْنِي بِذَلِكَ قَوْمه , { وَمَنْ يَكْسِب خَطِيئَة أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدْ اِحْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } , وَكَانَ طُعْمَة قَذَفَ بِهَا بَرِيئًا . فَلَمَّا بَيَّنَ اللَّه شَأْن طُعْمَة نَافَقَ وَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ بِمَكَّة , فَأَنْزَلَ اللَّه فِي شَأْنه : { وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُول مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِع غَيْر سَبِيل الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّم وَسَاءَتْ مَصِيرًا } . 8226 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ لِتَحْكُم بَيْن النَّاس بِمَا أَرَاك اللَّه وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا } وَذَلِكَ أَنَّ نَفَرًا مِنْ الْأَنْصَار غَزَوْا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْض غَزَوَاته , فَسُرِقَتْ دِرْع لِأَحَدِهِمْ , فَأَظَنَّ بِهَا رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَار , فَأَتَى صَاحِب الدِّرْع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : إِنَّ طُعْمَة بْن أُبَيْرِق سَرَقَ دِرْعِي . فَأُتِيَ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا رَأَى السَّارِق ذَلِكَ , عَمَدَ إِلَيْهَا فَأَلْقَاهَا فِي بَيْت رَجُل بَرِيء , وَقَالَ لِنَفَرٍ مِنْ عَشِيرَته : إِنِّي قَدْ غَيَّبْت الدِّرْع وَأَلْقَيْتهَا فِي بَيْت فُلَان , وَسَتُوجَدُ عِنْده. فَانْطَلَقُوا إِلَى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلًا , فَقَالُوا : يَا نَبِيّ اللَّه إِنَّ صَاحِبنَا بَرِيء , وَإِنَّ سَارِق الدِّرْع فُلَان , وَقَدْ أُحِطْنَا بِذَلِكَ عِلْمًا , فَاعْذِرْ صَاحِبنَا عَلَى رُءُوس النَّاس وَجَادِلْ عَنْهُ , فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَعْصِمهُ اللَّه بِك يَهْلِك ! فَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَرَّأَهُ وَعَذَرَهُ عَلَى رُءُوس النَّاس , فَأَنْزَلَ اللَّه : { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ لِتَحْكُم بَيْن النَّاس بِمَا أَرَاك اللَّه وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا } يَقُول : اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه إِلَيْك فِي الْكِتَاب , { وَاسْتَغْفِرْ اللَّه إِنَّ اللَّه كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا وَلَا تُجَادِل عَنْ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسهمْ } . .. . الْآيَة , ثُمَّ قَالَ لِلَّذِينَ أَتَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلًا : { يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاس وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّه } ... . إِلَى قَوْله : { أَمْ مَنْ يَكُون عَلَيْهِمْ وَكِيلًا } يَعْنِي الَّذِينَ أَتَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَخْفِينَ بِالْكَذِبِ . ثُمَّ قَالَ : { وَمَنْ يَكْسِب خَطِيئَة أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدْ اِحْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } يَعْنِي : السَّارِق وَاَلَّذِينَ يُجَادِلُونَ عَنْ السَّارِق . 8227 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ لِتَحْكُم بَيْن النَّاس بِمَا أَرَاك اللَّه } ... الْآيَة . قَالَ : كَانَ رَجُل سَرَقَ دِرْعًا مِنْ حَدِيد فِي زَمَان النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَرَحَهُ عَلَى يَهُودِيّ , فَقَالَ الْيَهُودِيّ : وَاَللَّه مَا سَرَقْتهَا يَا أَبَا الْقَاسِم , وَلَكِنْ طُرِحَتْ عَلَيَّ ! وَكَانَ لِلرَّجُلِ الَّذِي سَرَقَ جِيرَان يُبَرِّئُونَهُ وَيَطْرَحُونَهُ عَلَى الْيَهُودِيّ وَيَقُولُونَ : يَا رَسُول اللَّه , إِنَّ هَذَا الْيَهُودِيّ الْخَبِيث يَكْفُر بِاَللَّهِ وَبِمَا جِئْت بِهِ ! قَالَ : حَتَّى مَالَ عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِ الْقَوْل , فَعَاتَبَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ , فَقَالَ : { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ لِتَحْكُم بَيْن النَّاس بِمَا أَرَاك اللَّه وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا وَاسْتَغْفِرْ اللَّه } بِمَا قُلْت لِهَذَا الْيَهُودِيّ , { إِنَّ اللَّه كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا } . ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى جِيرَانه فَقَالَ { هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { أَمَّنْ يَكُون عَلَيْهِمْ وَكِيلًا } . قَالَ : ثُمَّ عَرَضَ التَّوْبَة فَقَالَ : { وَمَنْ يَعْمَل سُوءًا أَوْ يَظْلِم نَفْسه ثُمَّ يَسْتَغْفِر اللَّه يَجِد اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا وَمَنْ يَكْسِب إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبهُ عَلَى نَفْسه } فَمَا أَدْخَلَكُمْ أَنْتُمْ أَيّهَا النَّاس عَلَى خَطِيئَة هَذَا تُكَلِّمُونَ دُونه . { وَكَانَ اللَّه عَلِيمًا حَكِيمًا وَمَنْ يَكْسِب خَطِيئَة أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا } وَإِنْ كَانَ مُشْرِكًا . { فَقَدْ اِحْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ إِلَى قَوْله : { وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُول مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى } قَالَ : أَبَى أَنْ يَقْبَل التَّوْبَة الَّتِي عَرَضَ اللَّه لَهُ. وَخَرَجَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّة , فَنَقَبَ بَيْتًا لِيَسْرِقهُ , فَهَدَمَهُ اللَّه عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ ; فَذَلِكَ قَوْله : { وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُول مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { وَسَاءَتْ مَصِيرًا } . وَيُقَال : هُوَ طُعْمَة بْن أُبَيْرِق , وَكَانَ نَازِلًا فِي بَنِي ظَفَر . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْخِيَانَة الَّتِي وَصَفَ اللَّه بِهَا مَنْ وَصَفَهُ بِقَوْلِهِ : { وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا } جُحُوده وَدِيعَة كَانَ أُودِعَهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8228 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ لِتَحْكُم بَيْن النَّاس بِمَا أَرَاك اللَّه وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا } قَالَ : أَمَّا " مَا أَرَاك اللَّه " : فَمَا أَوْحَى اللَّه إِلَيْك ; قَالَ : نَزَلَتْ فِي طُعْمَة بْن أُبَيْرِق , وَاسْتَوْدَعَهُ رَجُل مِنْ الْيَهُود دِرْعًا , فَانْطَلَقَ بِهَا إِلَى دَاره , فَحَفَرَ لَهَا الْيَهُودِيّ ثُمَّ دَفَنَهَا , فَخَالَفَ إِلَيْهَا طُعْمَة , فَاحْتَفَرَ عَنْهَا , فَأَخَذَهَا . فَلَمَّا جَاءَ الْيَهُودِيّ يَطْلُب دِرْعه كَافَرَهُ عَنْهَا , فَانْطَلَقَ إِلَى نَاس مِنْ الْيَهُود مِنْ عَشِيرَته , فَقَالَ : اِنْطَلِقُوا مَعِي , فَإِنِّي أَعْرِف وَضْع الدِّرْع ! فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ طُعْمَة , أَخَذَ الدِّرْع فَأَلْقَاهَا فِي دَار أَبِي مُلَيْل الْأَنْصَارِيّ , فَلَمَّا جَاءَتْ الْيَهُود تَطْلُب الدِّرْع فَلَمَّا تَقْدِر عَلَيْهَا , وَقَعَ بِهِ طُعْمَة وَأُنَاس مِنْ قَوْمه , فَسَبُّوهُ , وَقَالَ أَتُخَوِّنُونَنِي ؟ فَانْطَلَقُوا يَطْلُبُونَهَا فِي دَاره , فَأَشْرَفُوا عَلَى بَيْت أَبِي مُلَيْل , فَإِذَا هُمْ بِالدِّرْعِ , وَقَالَ طُعْمَة : أَخَذَهَا أَبُو مُلَيْل . وَجَادَلَتْ الْأَنْصَار دُون طُعْمَة , وَقَالَ لَهُمْ : اِنْطَلِقُوا مَعِي إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولُوا لَهُ يَنْضَح عَنِّي وَيُكَذِّب حُجَّة الْيَهُودِيّ , فَإِنِّي إِنْ أُكَذَّب كَذَبَ عَلَى أَهْل الْمَدِينَة الْيَهُودِيّ . فَأَتَاهُ أُنَاس مِنْ الْأَنْصَار فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه جَادِلْ عَنْ طُعْمَة وَأَكْذِب الْيَهُودِيّ ! فَهَمَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَفْعَل , فَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِ : { وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا وَاسْتَغْفِرْ اللَّه } مِمَّا أَرَدْت { إِنَّ اللَّه كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا وَلَا تُجَادِل عَنْ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسهمْ إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا } . ثُمَّ ذَكَرَ الْأَنْصَار . وَمُجَادَلَتهمْ عَنْهُ , فَقَالَ : { يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاس وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّه وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنْ الْقَوْل } يَقُول : يَقُولُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنْ الْقَوْل , { هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِل اللَّه عَنْهُمْ يَوْم الْقِيَامَة } . ثُمَّ دَعَا إِلَى التَّوْبَة , فَقَالَ : { وَمَنْ يَعْمَل سُوءًا أَوْ يَظْلِم نَفْسه ثُمَّ يَسْتَغْفِر اللَّه يَجِد اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا } . ثُمَّ ذَكَرَ قَوْله حِين قَالَ أَخَذَهَا أَبُو مُلَيْل فَقَالَ : { وَمَنْ يَكْسِب إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبهُ عَلَى نَفْسه . .. وَمَنْ يَكْسِب خَطِيئَة أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدْ اِحْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } . ثُمَّ ذَكَرَ الْأَنْصَار وَإِتْيَانهمْ إِيَّاهُ أَنْ يَنْضَح عَنْ صَاحِبهمْ وَيُجَادِل عَنْهُ فَقَوْله : { لَهَمَّتْ طَائِفَة مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوك وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسهمْ وَمَا يَضُرُّونَك مِنْ شَيْء وَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْك الْكِتَاب وَالْحِكْمَة } يَقُول : النُّبُوَّة . ثُمَّ ذَكَرَ مُنَاجَاتهمْ فِيمَا يُرِيدُونَ أَنْ يُكَذِّبُوا عَنْ طُعْمَة , فَقَالَ : { لَا خَيْر فِي كَثِير مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوف أَوْ إِصْلَاح بَيْن النَّاس } . فَلَمَّا فَضَحَ اللَّه طُعْمَة بِالْمَدِينَةِ بِالْقُرْآنِ , هَرَبَ حَتَّى أَتَى مَكَّة , فَكَفَرَ بَعْد إِسْلَامه. وَنَزَلَ عَلَى الْحَجَّاج بْن عِلَاط السُّلَمِيّ , فَنَقَبَ بَيْت الْحَجَّاج فَأَرَادَ أَنْ يَسْرِقهُ , فَسَمِعَ الْحَجَّاج خَشْخَشَة فِي بَيْته وَقَعْقَعَة جُلُود كَانَتْ عِنْده , فَنَظَرَ فَإِذَا هُوَ بِطُعْمَة , فَقَالَ : ضَيْفِي وَابْن عَمِّي وَأَرَدْت أَنْ تَسْرِقنِي ؟ ! فَأَخْرَجَهُ فَمَاتَ بِحَرَّةِ بَنِي سُلَيْم كَافِرًا , وَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِ : { وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُول مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِع غَيْر سَبِيل الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى } . .. إِلَى : { وَسَاءَتْ مَصِيرًا } . 8229 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : اِسْتَوْدَعَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار طُعْمَة بْن أُبَيْرِق مَشْرَبَة لَهُ فِيهَا دِرْع , وَخَرَجَ فَغَابَ . فَلَمَّا قَدِمَ الْأَنْصَارِيّ فَتَحَ مَشْرَبَته فَلَمْ يَجِد الدِّرْع , فَسَأَلَ عَنْهَا طُعْمَة بْن أُبَيْرِق , فَرَمَى بِهَا رَجُلًا مِنْ الْيَهُود يُقَال لَهُ زَيْد بْن السَّمِين . فَتَعَلَّقَ صَاحِب الدِّرْع بِطُعْمَة فِي دِرْعه ; فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَوْمه أَتَوْا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَكَلَّمُوهُ لِيَدْرَأ عَنْهُ فَهَمَّ بِذَلِكَ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ لِتَحْكُم بَيْن النَّاس بِمَا أَرَاك اللَّه وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا وَاسْتَغْفِرْ اللَّه إِنَّ اللَّه كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا وَلَا تُجَادِل عَنْ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسهمْ } يَعْنِي طُعْمَة بْن أُبَيْرِق وَقَوْمه , { هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِل اللَّه عَنْهُمْ يَوْم الْقِيَامَة أَمَّنْ يَكُون عَلَيْهِمْ وَكِيلًا } مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْم طُعْمَة . { وَمَنْ يَعْمَل سُوءًا أَوْ يَظْلِم نَفْسه ثُمَّ يَسْتَغْفِر اللَّه يَجِد اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا } مُحَمَّد وَطُعْمَة وَقَوْمه , قَالَ : { وَمَنْ يَكْسِب إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبهُ عَلَى نَفْسه }. .. الْآيَة , طُعْمَة . { وَمَنْ يَكْسِب خَطِيئَة أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا } يَعْنِي : زَيْد بْن السَّمِين , { فَقَدْ اِحْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } طُعْمَة بْن أُبَيْرِق . { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْك وَرَحْمَته } يَا مُحَمَّد , { لَهَمَّتْ طَائِفَة مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوك وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسهمْ وَمَا يَضُرُّونَك مِنْ شَيْء } قَوْم طُعْمَة بْن أُبَيْرِق . { وَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْك الْكِتَاب وَالْحِكْمَة وَعَلَّمَك مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَم وَكَانَ فَضْل اللَّه عَلَيْك عَظِيمًا } مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . { لَا خَيْر فِي كَثِير مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوف } حَتَّى تَنْقَضِي الْآيَة لِلنَّاسِ عَامَّة . { وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُول مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِع غَيْر سَبِيل الْمُؤْمِنِينَ } . .. الْآيَة . قَالَ : لَمَّا نَزَلَ الْقُرْآن فِي طُعْمَة بْن أُبَيْرِق لَحِقَ بِقُرَيْشٍ وَرَجَعَ فِي دِينه , ثُمَّ عَدَا عَلَى مَشْرَبَة لِلْحَجَّاجِ بْن عِلَاط الْبَهْزِيّ ثُمَّ السُّلَمِيّ حَلِيف لِبَنِي عَبْد الدَّار , فَنَقَبَهَا , فَسَقَطَ عَلَيْهِ حَجَر فَلَحِجَ . فَلَمَّا أَصْبَحَ أَخْرَجُوهُ مِنْ مَكَّة , فَخَرَجَ فَلَقِيَ , رَكْبًا مِنْ بَهْرَاء مِنْ قُضَاعَة , فَعَرَضَ لَهُمْ , فَقَالَ : اِبْن سَبِيل مُنْقَطِع بِهِ ! فَحَمَلُوهُ حَتَّى إِذَا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْل عَدَا عَلَيْهِمْ فَسَرَقَهُمْ , ثُمَّ اِنْطَلَقَ فَرَجَعُوا فِي طَلَبه فَأَدْرَكُوهُ , فَقَذَفُوهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى مَاتَ . قَالَ اِبْن جُرَيْج : فَهَذِهِ الْآيَات كُلّهَا فِيهِ نَزَلَتْ إِلَى قَوْله : { إِنَّ اللَّه لَا يَغْفِر أَنْ يُشْرَك بِهِ وَيَغْفِر مَا دُون ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء } أُنْزِلَتْ فِي طُعْمَة بْن أُبَيْرِق , يَقُولُونَ : إِنَّهُ رَمَى بِالدِّرْعِ فِي دَار أَبِي مُلَيْل بْن عَبْد اللَّه الْخَزْرَجِيّ , فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآن لَحِقَ بِقُرَيْشٍ , فَكَانَ مِنْ أَمْره مَا كَانَ . 8230 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , ثنا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { لِتَحْكُم بَيْن النَّاس بِمَا أَرَاك اللَّه } يَقُول : بِمَا أَنْزَلَ عَلَيْك وَأَرَاكه فِي كِتَابه . وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي رَجُل مِنْ الْأَنْصَار اسْتُودِعَ دِرْعًا فَجَحَدَ صَاحِبهَا , فَخَوَّنَهُ رِجَال مِنْ أَصْحَاب نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَغَضِبَ لَهُ قَوْمه , وَأَتَوْا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالُوا : خَوَّنُوا صَاحِبنَا وَهُوَ أَمِين مُسْلِم , فَاعْذِرْهُ يَا نَبِيّ اللَّه وَازْجُرْ عَنْهُ ! فَقَامَ نَبِيّ اللَّه فَعَذَرَهُ وَكَذَّبَ عَنْهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ بَرِيء وَأَنَّهُ مَكْذُوب عَلَيْهِ , فَأَنْزَلَ اللَّه بَيَان ذَلِكَ فَقَالَ : { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ لِتَحْكُم بَيْن النَّاس بِمَا أَرَاك اللَّه } ... إِلَى قَوْله : { أَمْ مَنْ يَكُون عَلَيْهِمْ وَكِيلًا } فَبَيَّنَ اللَّه خِيَانَته . فَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْل مَكَّة , وَارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَام , فَنَزَلَ فِيهِ : { وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُول مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى } إِلَى قَوْله : { وَسَاءَتْ مَصِيرًا } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِر الْآيَة قَوْل مَنْ قَالَ : كَانَتْ خِيَانَته الَّتِي وَصَفَهُ اللَّه بِهَا فِي هَذِهِ الْآيَة جُحُوده مَا أُودِعَ , لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوف مِنْ مَعَانِي الْخِيَانَات فِي كَلَام الْعَرَب ; وَتَوْجِيه تَأْوِيل الْقُرْآن إِلَى الْأَشْهَر مِنْ مَعَانِي كَلَام الْعَرَب مَا وُجِدَ إِلَيْهِ سَبِيل أَوْلَى مِنْ غَيْره .
{ وَاسْتَغْفِرْ اللَّه } يَا مُحَمَّد وَسَلْهُ أَنْ يَصْفَح لَك عَنْ عُقُوبَة ذَنْبك فِي مُخَاصَمَتك عَنْ الْخَائِن مَنْ خَانَ مَالًا لِغَيْرِهِ.
{ إِنَّ اللَّه كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا } يَقُول : إِنَّ اللَّه لَمْ يَزَلْ يَصْفَح عَنْ ذُنُوب عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ بِتَرْكِهِ عُقُوبَتهمْ عَلَيْهَا , إِذَا اِسْتَغْفَرُوهُ مِنْهَا , رَحِيمًا بِهِمْ , فَافْعَلْ ذَلِكَ أَنْتَ يَا مُحَمَّد , يَغْفِر اللَّه لَك مَا سَلَفَ مِنْ خُصُومَتك عَنْ هَذَا الْخَائِن . وَقَدْ قِيلَ إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ خَاصَمَ عَنْ الْخَائِن , وَلَكِنَّهُ هَمَّ بِذَلِكَ , فَأَمَرَهُ اللَّه بِالِاسْتِغْفَارِ مِمَّا هَمَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ .
{ إِنَّ اللَّه كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا } يَقُول : إِنَّ اللَّه لَمْ يَزَلْ يَصْفَح عَنْ ذُنُوب عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ بِتَرْكِهِ عُقُوبَتهمْ عَلَيْهَا , إِذَا اِسْتَغْفَرُوهُ مِنْهَا , رَحِيمًا بِهِمْ , فَافْعَلْ ذَلِكَ أَنْتَ يَا مُحَمَّد , يَغْفِر اللَّه لَك مَا سَلَفَ مِنْ خُصُومَتك عَنْ هَذَا الْخَائِن . وَقَدْ قِيلَ إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ خَاصَمَ عَنْ الْخَائِن , وَلَكِنَّهُ هَمَّ بِذَلِكَ , فَأَمَرَهُ اللَّه بِالِاسْتِغْفَارِ مِمَّا هَمَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ .
وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تُجَادِل عَنْ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسهمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَا تُجَادِل } يَا مُحَمَّد فَتُخَاصِم { عَنْ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسهمْ } يَعْنِي : يُخَوِّنُونَ أَنْفُسهمْ , يَجْعَلُونَهَا خَوَنَة بِخِيَانَتِهِمْ مَا خَانُوا مِنْ أَمْوَال مَنْ خَانُوهُ مَاله وَهُمْ بَنُو أُبَيْرِق , يَقُول : لَا تُخَاصِم عَنْهُمْ مَنْ يُطَالِبهُمْ بِحُقُوقِهِمْ , وَمَا خَانُوهُ فِيهِ مِنْ أَمْوَالهمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل , وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْر الرِّوَايَة عَنْهُمْ . 8231 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَلَا تُجَادِل عَنْ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسهمْ } قَالَ : اخْتَانَ رَجُل عَمًّا لَهُ دِرْعًا , فَقَذَفَ بِهَا يَهُودِيًّا كَانَ يَغْشَاهُمْ , فَجَادَلَ عَمّ الرَّجُل قَوْمه , فَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَذَرَهُ , ثُمَّ لَحِقَ بِأَرْضِ الشِّرْك , فَنَزَلَتْ فِيهِ : { وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُول مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى } . .. الْآيَة .
{ إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا } يَقُول : إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ مَنْ كَانَ مِنْ صِفَته خِيَانَة النَّاس فِي أَمْوَالهمْ , وَرُكُوب الْإِثْم فِي ذَلِكَ وَغَيْره , مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّه عَلَيْهِ .
{ إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا } يَقُول : إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ مَنْ كَانَ مِنْ صِفَته خِيَانَة النَّاس فِي أَمْوَالهمْ , وَرُكُوب الْإِثْم فِي ذَلِكَ وَغَيْره , مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّه عَلَيْهِ .
يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاس وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّه وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنْ الْقَوْل } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاس } يَسْتَخْفِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسهمْ مَا أُوتُوا مِنْ الْخِيَانَة , وَرَكِبُوا مِنْ الْعَار وَالْمَعْصِيَة مِنْ النَّاس الَّذِي لَا يَقْدِرُونَ لَهُمْ عَلَى شَيْء إِلَّا ذِكْرهمْ بِقَبِيحِ مَا أُوتُوا مِنْ فِعْلهمْ وَشَنِيع مَا رَكِبُوا مِنْ جُرْمهمْ إِذَا اِطَّلَعُوا عَلَيْهِ حَيَاء مِنْهُمْ , وَحَذَرًا مِنْ قَبِيح الْأُحْدُوثَة . { وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّه } الَّذِي هُوَ مُطَّلِع عَلَيْهِمْ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أَعْمَالهمْ , وَبِيَدِهِ الْعِقَاب وَالنَّكَال وَتَعْجِيل الْعَذَاب , وَهُوَ أَحَقّ أَنْ يُسْتَحَيَا مِنْهُ مِنْ غَيْره , وَأَوْلَى أَنْ يُعَظَّم بِأَنْ لَا يَرَاهُمْ حَيْثُ يَكْرَهُونَ أَنْ يَرَاهُمْ أَحَد مِنْ خَلْقه { وَهُوَ مَعَهُمْ } يَعْنِي : وَاَللَّه شَاهِدهمْ , { إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنْ الْقَوْل } يَقُول حِين يُسَوُّونَ لَيْلًا مَا لَا يَرْضَى مِنْ الْقَوْل فَيُغَيِّرُونَهُ عَنْ وَجْهه , وَيَكْذِبُونَ فِيهِ . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى التَّبْيِيت فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع , وَأَنَّهُ كُلّ كَلَام أَوْ أَمْر أُصْلِحَ لَيْلًا. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْض الطَّائِيِّينَ أَنَّ التَّبْيِيت فِي لُغَتهمْ التَّبْدِيل , وَأَنْشَدَ لِلْأَسْوَدِ بْن عَامِر بْن جُوَيْن الطَّائِيّ فِي مُعَاتَبَة رَجُل : وَبَيَّتَ قَوْلِي عَبْد الْمَلِيك قَاتَلَك اللَّه عَبْدًا كَنُودَا بِمَعْنَى : بَدَّلْت قَوْلِي. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي رَزِين أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي مَعْنَى قَوْله : " يُبَيِّتُونَ " يُؤَلِّفُونَ . 8232 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي رَزِين : { إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنْ الْقَوْل } قَالَ : يُؤَلِّفُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنْ الْقَوْل. * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن سِنَان الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي رَزِين , بِنَحْوِهِ. * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي رَزِين , مِثْله . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا الْقَوْل شَبِيه الْمَعْنَى بِاَلَّذِي قُلْنَاهُ , وَذَلِكَ أَنَّ التَّأْلِيف هُوَ التَّسْوِيَة وَالتَّغْيِير عَمَّا هُوَ بِهِ وَتَحْوِيله عَنْ مَعْنَاهُ إِلَى غَيْره . وَقَدْ قِيلَ : عَنَى بِقَوْلِهِ : { يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاس وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّه } : الرَّهْط الَّذِينَ مَشَوْا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْأَلَة الْمُدَافَعَة عَنْ بَنِي أُبَيْرِق وَالْجِدَال عَنْهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْل فِيمَا مَضَى عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره .
{ وَكَانَ اللَّه بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَكَانَ اللَّه بِمَا يَعْمَل هَؤُلَاءِ الْمُسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاس فِيمَا أُوتُوا مِنْ جُرْمهمْ حَيَاء مِنْهُمْ مِنْ تَبْيِيتهمْ مَا لَا يَرْضَى مِنْ الْقَوْل وَغَيْره مِنْ أَفْعَالهمْ مُحِيطًا مُحْصِيًا , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْهُ , حَافِظًا لِذَلِكَ عَلَيْهِمْ , حَتَّى يُجَازِيَهُمْ عَلَيْهِ جَزَاءَهُمْ .
{ وَكَانَ اللَّه بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَكَانَ اللَّه بِمَا يَعْمَل هَؤُلَاءِ الْمُسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاس فِيمَا أُوتُوا مِنْ جُرْمهمْ حَيَاء مِنْهُمْ مِنْ تَبْيِيتهمْ مَا لَا يَرْضَى مِنْ الْقَوْل وَغَيْره مِنْ أَفْعَالهمْ مُحِيطًا مُحْصِيًا , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْهُ , حَافِظًا لِذَلِكَ عَلَيْهِمْ , حَتَّى يُجَازِيَهُمْ عَلَيْهِ جَزَاءَهُمْ .
هَاأَنتُمْ هَؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } هَا أَنْتُمْ الَّذِينَ جَادَلْتُمْ يَا مَعْشَر مَنْ جَادَلَ عَنْ بَنِي أُبَيْرِق فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا . وَالْهَاء وَالْمِيم فِي قَوْله : { عَنْهُمْ } مِنْ ذِكْر الْخَائِنِينَ .
{ فَمَنْ يُجَادِل اللَّه عَنْهُمْ } يَقُول : فَمَنْ ذَا يُخَاصِم اللَّه عَنْهُمْ يَوْم الْقِيَامَة : أَيْ يَوْم يَقُوم النَّاس مِنْ قُبُورهمْ لِمَحْشَرِهِمْ , فَيُدَافِع عَنْهُمْ مَا اللَّه فَاعِل بِهِمْ , وَمُعَاقِبهمْ بِهِ . وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّكُمْ أَيّهَا الْمُدَافِعُونَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْخَائِنِينَ أَنْفُسهمْ , وَإِنْ دَافَعْتُمْ عَنْهُمْ فِي عَاجِل الدُّنْيَا , فَإِنَّهُمْ سَيَصِيرُونَ فِي آجِل الْآخِرَة إِلَى مَنْ لَا يُدَافِع عَنْهُمْ عِنْده أَحَد فِيمَا يَحِلّ بِهِمْ مِنْ أَلِيم الْعَذَاب وَنَكَال الْعِقَاب .
وَأَمَّا قَوْله : { أَمَّنْ يَكُون عَلَيْهِمْ وَكِيلًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَمَنْ ذَا الَّذِي يَكُون عَلَى هَؤُلَاءِ الْخَائِنِينَ وَكِيلًا يَوْم الْقِيَامَة : أَيْ وَمَنْ يَتَوَكَّل لَهُمْ فِي خُصُومَة رَبّهمْ عَنْهُمْ يَوْم الْقِيَامَة . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْوَكَالَة فِيمَا مَضَى وَأَنَّهَا الْقِيَام بِأَمْرِ مَنْ تَوَكَّلَ لَهُ.
{ فَمَنْ يُجَادِل اللَّه عَنْهُمْ } يَقُول : فَمَنْ ذَا يُخَاصِم اللَّه عَنْهُمْ يَوْم الْقِيَامَة : أَيْ يَوْم يَقُوم النَّاس مِنْ قُبُورهمْ لِمَحْشَرِهِمْ , فَيُدَافِع عَنْهُمْ مَا اللَّه فَاعِل بِهِمْ , وَمُعَاقِبهمْ بِهِ . وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّكُمْ أَيّهَا الْمُدَافِعُونَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْخَائِنِينَ أَنْفُسهمْ , وَإِنْ دَافَعْتُمْ عَنْهُمْ فِي عَاجِل الدُّنْيَا , فَإِنَّهُمْ سَيَصِيرُونَ فِي آجِل الْآخِرَة إِلَى مَنْ لَا يُدَافِع عَنْهُمْ عِنْده أَحَد فِيمَا يَحِلّ بِهِمْ مِنْ أَلِيم الْعَذَاب وَنَكَال الْعِقَاب .
وَأَمَّا قَوْله : { أَمَّنْ يَكُون عَلَيْهِمْ وَكِيلًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَمَنْ ذَا الَّذِي يَكُون عَلَى هَؤُلَاءِ الْخَائِنِينَ وَكِيلًا يَوْم الْقِيَامَة : أَيْ وَمَنْ يَتَوَكَّل لَهُمْ فِي خُصُومَة رَبّهمْ عَنْهُمْ يَوْم الْقِيَامَة . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْوَكَالَة فِيمَا مَضَى وَأَنَّهَا الْقِيَام بِأَمْرِ مَنْ تَوَكَّلَ لَهُ.
وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَعْمَل سُوءًا أَوْ يَظْلِم نَفْسه ثُمَّ يَسْتَغْفِر اللَّه يَجِد اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا } . يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَنْ يَعْمَل ذَنْبًا , وَهُوَ السُّوء , أَوْ يَظْلِم نَفْسه بِإِكْسَابِهِ إِيَّاهَا مَا يَسْتَحِقّ بِهِ عُقُوبَة اللَّه , { ثُمَّ يَسْتَغْفِر اللَّه } يَقُول : ثُمَّ يَتُوب إِلَى اللَّه بِإِنَابَتِهِ مِمَّا عَمِلَ مِنْ السُّوء وَظُلْم نَفْسه وَمُرَاجَعَته مَا يُحِبّهُ اللَّه مِنْ الْأَعْمَال الصَّالِحَة الَّتِي تَمْحُو ذَنْبه وَتُذْهِب جُرْمه , { يَجِد اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا } يَقُول : يَجِد رَبّه سَاتِرًا عَلَيْهِ ذَنْبه بِصَفْحِهِ لَهُ عَنْ عُقُوبَته جُرْمه , رَحِيمًا بِهِ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهَا الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَّه بِالْخِيَانَةِ بِقَوْلِهِ : { وَلَا تُجَادِل عَنْ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسهمْ } . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِهَا الَّذِينَ يُجَادِلُونَ عَنْ الْخَائِنِينَ , الَّذِينَ قَالَ اللَّه لَهُمْ : { هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } وَقَدْ ذَكَرْنَا قَائِلِي الْقَوْلَيْنِ كِلَيْهِمَا فِيمَا مَضَى . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنَّهُ عُنِيَ بِهَا كُلّ مَنْ عَمِلَ سُوءًا أَوْ ظَلَمَ نَفْسه , وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ فِي أَمْر الْخَائِنِينَ وَالْمُجَادِلِينَ عَنْهُمْ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّه أَمْرهمْ فِي الْآيَات قَبْلهَا . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8233 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي وَائِل قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيل إِذَا أَصَابَ أَحَدهمْ ذَنْبًا أَصْبَحَ قَدْ كَتَبَ كَفَّارَة ذَلِكَ الذَّنْب عَلَى بَابه , وَإِذَا أَصَابَ الْبَوْل شَيْئًا مِنْهُ قَرَضَهُ بِالْمِقْرَاضِ , فَقَالَ رَجُل : لَقَدْ أَتَى اللَّه بَنِي إِسْرَائِيل خَيْرًا . فَقَالَ عَبْد اللَّه : مَا آتَاكُمْ اللَّه خَيْرًا مِمَّا آتَاهُمْ , جَعَلَ اللَّه الْمَاء لَكُمْ طَهُورًا , وَقَالَ : { وَاَلَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ ذَكَرُوا اللَّه فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ } 3 135 وَقَالَ : { وَمَنْ يَعْمَل سُوءًا أَوْ يَظْلِم نَفْسه ثُمَّ يَسْتَغْفِر اللَّه يَجِد اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا } . 8234 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : ثنا اِبْن عَوْن , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , قَالَ : جَاءَتْ اِمْرَأَة إِلَى عَبْد اللَّه بْن مُغَفَّل , فَسَأَلَتْهُ عَنْ اِمْرَأَة فَجَرَتْ فَحَبِلَتْ , فَلَمَّا وَلَدَتْ قَتَلَتْ وَلَدهَا , فَقَالَ اِبْن مُغَفَّل : مَا لَهَا ؟ لَهَا النَّار ! فَانْصَرَفَتْ وَهِيَ تَبْكِي , فَدَعَاهَا , ثُمَّ قَالَ : مَا أَرَى أَمْرك إِلَّا أَحَد أَمْرَيْنِ : { وَمَنْ يَعْمَل سُوءًا أَوْ يَظْلِم نَفْسه ثُمَّ يَسْتَغْفِر اللَّه يَجِد اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا } قَالَ : فَمَسَحَتْ عَيْنهَا ثُمَّ مَضَتْ. 8235 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَنْ يَعْمَل سُوءًا أَوْ يَظْلِم نَفْسه ثُمَّ يَسْتَغْفِر اللَّه يَجِد اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا } قَالَ : أَخْبَرَ اللَّه عِبَاده بِحِلْمِهِ وَعَفْوه وَكَرَمه , وَسَعَة رَحْمَته وَمَغْفِرَته , فَمَنْ أَذْنَبَ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا , ثُمَّ يَسْتَغْفِر اللَّه , يَجِد اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا , وَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبه أَعْظَم مِنْ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَكْسِب إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبهُ عَلَى نَفْسه } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَنْ يَأْتِ ذَنْبًا عَلَى عَمْد مِنْهُ لَهُ وَمَعْرِفَة بِهِ , فَإِنَّمَا يَجْتَرِح وَبَال ذَلِكَ الذَّنْب وَضُرّه وَخِزْيه وَعَاره عَلَى نَفْسه دُون غَيْره مِنْ سَائِر خَلْق اللَّه , يَقُول : فَلَا تُجَادِلُوا أَيّهَا الَّذِينَ تُجَادِلُونَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْخَوَنَة , فَإِنَّكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ لَهُمْ عَشِيرَة وَقَرَابَة وَجِيرَانًا بُرَآء مِمَّا أَتَوْهُ مِنْ الذَّنْب وَمِنْ التَّبِعَة الَّتِي يُتَّبَعُونَ بِهَا , فَإِنَّكُمْ مَتَى دَافَعْتُمْ عَنْهُمْ أَوْ خَاصَمْتُمْ بِسَبَبِهِمْ كُنْتُمْ مِثْلهمْ , فَلَا تُدَافِعُوا عَنْهُمْ , وَلَا تُخَاصِمُوا .
وَأَمَّا قَوْله : { وَكَانَ اللَّه عَلِيمًا حَكِيمًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَكَانَ اللَّه عَالِمًا بِمَا تَفْعَلُونَ أَيّهَا الْمُجَادِلُونَ عَنْ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسهمْ فِي جِدَالكُمْ عَنْهُمْ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالكُمْ وَأَفْعَال غَيْركُمْ , وَهُوَ يُحْصِيهَا عَلَيْكُمْ وَعَلَيْهِمْ , حَتَّى يُجَازِيَ جَمِيعكُمْ بِهَا. { حَكِيمًا } يَقُول : وَهُوَ حَكِيم بِسِيَاسَتِكُمْ وَتَدْبِيركُمْ , وَتَدْبِير جَمِيع خَلْقه . وَقِيلَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي بَنِي أُبَيْرِق , وَقَدْ ذَكَرْنَا مَنْ قَالَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْل .
وَأَمَّا قَوْله : { وَكَانَ اللَّه عَلِيمًا حَكِيمًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَكَانَ اللَّه عَالِمًا بِمَا تَفْعَلُونَ أَيّهَا الْمُجَادِلُونَ عَنْ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسهمْ فِي جِدَالكُمْ عَنْهُمْ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالكُمْ وَأَفْعَال غَيْركُمْ , وَهُوَ يُحْصِيهَا عَلَيْكُمْ وَعَلَيْهِمْ , حَتَّى يُجَازِيَ جَمِيعكُمْ بِهَا. { حَكِيمًا } يَقُول : وَهُوَ حَكِيم بِسِيَاسَتِكُمْ وَتَدْبِيركُمْ , وَتَدْبِير جَمِيع خَلْقه . وَقِيلَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي بَنِي أُبَيْرِق , وَقَدْ ذَكَرْنَا مَنْ قَالَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْل .
وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَة أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَنْ يَعْمَل خَطِيئَة , وَهِيَ الذَّنْب , أَوْ إِثْمًا , وَهُوَ مَا لَا يَحِلّ مِنْ الْمَعْصِيَة . وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْن الْخَطِيئَة وَالْإِثْم , لِأَنَّ الْخَطِيئَة قَدْ تَكُون مِنْ قِبَل الْعَمْد وَغَيْر الْعَمْد , وَالْإِثْم لَا يَكُون إِلَّا مِنْ الْعَمْد , فَفَصَلَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِذَلِكَ بَيْنهمَا , فَقَالَ : وَمَنْ يَأْتِ خَطِيئَة عَلَى غَيْر عَمْد مِنْهُ لَهَا , أَوْ إِثْمًا عَلَى عَمْد مِنْهُ ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا , يَعْنِي بِاَلَّذِي تَعَمَّدَهُ بَرِيئًا , يَعْنِي ثُمَّ يَصِف مَا أَتَى مِنْ خَطَئِهِ أَوْ إِثْمه الَّذِي تَعَمَّدَهُ بَرِيئًا مِمَّا أَضَافَهُ إِلَيْهِ وَنَحَلَهُ إِيَّاهُ ; { فَقَدْ اِحْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } يَقُول : فَقَدْ تَحَمَّلَ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ فِرْيَة وَكَذِبًا وَإِثْمًا عَظِيمًا , يَعْنِي وَجُرْمًا عَظِيمًا عَلَى عِلْم مِنْهُ وَعَمْد لِمَا أَتَى مِنْ مَعْصِيَته وَذَنْبه . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { بَرِيئًا } بَعْد إِجْمَاع جَمِيعهمْ عَلَى أَنَّ الَّذِي رَمَى الْبَرِيء مِنْ الْإِثْم الَّذِي كَانَ أَتَاهُ اِبْن أُبَيْرِق الَّذِي وَصَفْنَا شَأْنه قَبْل . فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِالْبَرِيءِ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُقَال لَهُ لَبِيد بْن سَهْل . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى رَجُلًا مِنْ الْيَهُود يُقَال لَهُ زَيْد بْن السَّمِين , وَقَدْ ذَكَرْنَا رِوَايَة عَمَّنْ قَالَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى . وَمِمَّنْ . قَالَ كَانَ يَهُودِيًّا , اِبْن سِيرِينَ . 8236 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا غُنْدَر , عَنْ شُعْبَة , عَنْ خَالِد الْحَذَّاء , عَنْ اِبْن سِيرِينَ : { ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا } قَالَ : يَهُودِيًّا . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا بَدَل بْن الْمُحَبَّر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ خَالِد , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , مِثْله . وَقِيلَ : { يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا } بِمَعْنَى : ثُمَّ يَرْمِ بِالْإِثْمِ الَّذِي أَتَى هَذَا الْخَائِن مَنْ هُوَ بَرِيء مِمَّا رَمَاهُ بِهِ , فَالْهَاء فِي قَوْله " بِهِ " عَائِدَة عَلَى الْإِثْم , وَلَوْ جُعِلَتْ كِنَايَة مِنْ ذِكْر الْإِثْم وَالْخَطِيئَة كَانَ جَائِزًا , لِأَنَّ الْأَفْعَال وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ الْعِبَارَات عَنْهَا فَرَاجِعَة إِلَى مَعْنًى وَاحِد بِأَنَّهَا فِعْل .
وَأَمَّا قَوْله : { فَقَدْ اِحْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : فَقَدْ تَحَمَّلَ هَذَا الَّذِي رَمَى بِمَا أَتَى مِنْ الْمَعْصِيَة وَرَكِبَ مِنْ الْإِثْم وَالْخَطِيئَة مَنْ هُوَ بَرِيء مِمَّا رَمَاهُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ بُهْتَانًا , وَهُوَ الْفِرْيَة وَالْكَذِب , وَإِثْمًا مُبِينًا , يَعْنِي وِزْرًا مُبِينًا , يَعْنِي أَنَّهُ يُبَيِّن عَنْ أَمْر عَمَله وَجَرَاءَته عَلَى رَبّه وَتَقَدُّمه عَلَى خِلَافه فِيمَا نَهَاهُ عَنْهُ لِمَنْ يَعْرِف أَمْره .
وَأَمَّا قَوْله : { فَقَدْ اِحْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : فَقَدْ تَحَمَّلَ هَذَا الَّذِي رَمَى بِمَا أَتَى مِنْ الْمَعْصِيَة وَرَكِبَ مِنْ الْإِثْم وَالْخَطِيئَة مَنْ هُوَ بَرِيء مِمَّا رَمَاهُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ بُهْتَانًا , وَهُوَ الْفِرْيَة وَالْكَذِب , وَإِثْمًا مُبِينًا , يَعْنِي وِزْرًا مُبِينًا , يَعْنِي أَنَّهُ يُبَيِّن عَنْ أَمْر عَمَله وَجَرَاءَته عَلَى رَبّه وَتَقَدُّمه عَلَى خِلَافه فِيمَا نَهَاهُ عَنْهُ لِمَنْ يَعْرِف أَمْره .
وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ↑
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْك وَرَحْمَته لَهَمَّتْ طَائِفَة مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوك وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسهمْ وَمَا يَضُرُّونَك مِنْ شَيْء } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْك وَرَحْمَته } وَلَوْلَا أَنَّ اللَّه تَفَضَّلَ عَلَيْك يَا مُحَمَّد فَعَصَمَك بِتَوْفِيقِهِ وَتِبْيَانه لَك أَمْر هَذَا الْخَائِن , فَكَفَفْت لِذَلِكَ عَنْ الْجِدَال عَنْهُ , وَمُدَافَعَة أَهْل الْحَقّ عَنْ حَقّهمْ قَبْله ; { لَهَمَّتْ طَائِفَة مِنْهُمْ } يَقُول : لَهَمَّتْ فِرْقَة مِنْهُمْ , يَعْنِي مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسهمْ , { أَنْ يُضِلُّوك } يَقُول : يُزِلُّوكَ عَنْ طَرِيق الْحَقّ , وَذَلِكَ لِتَلْبِيسِهِمْ أَمْرَ الْخَائِن عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَهَادَتهمْ لِلْخَائِنِ عِنْده بِأَنَّهُ بَرِيء مِمَّا اِدَّعَى عَلَيْهِ , وَمَسْأَلَتهمْ إِيَّاهُ أَنْ يَعْذُرهُ وَيَقُوم بِمَعْذِرَتِهِ فِي أَصْحَابه , فَقَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : وَمَا يُضِلّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَمُّوا بِأَنْ يُضِلُّوك عَنْ الْوَاجِب مِنْ الْحُكْم فِي أَمْر هَذَا الْخَائِن دِرْع جَاره , إِلَّا أَنْفُسهمْ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : مَا كَانَ وَجْه إِضْلَالهمْ أَنْفُسهمْ ؟ قِيلَ : وَجْه إِضْلَالهمْ أَنْفُسهمْ : أَخْذهمْ بِهَا فِي غَيْر مَا أَبَاحَ اللَّه لَهُمْ الْأَخْذ بِهَا فِيهِ مِنْ سُبُله , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ كَانَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابه عَلَى لِسَان رَسُوله إِلَى خَلْقه بِالنَّهْيِ عَنْ أَنْ يَتَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْم وَالْعُدْوَان وَالْأَمْر بِالتَّعَاوُنِ عَلَى الْحَقّ , فَكَانَ مِنْ الْوَاجِب لِلَّهِ فِيمَنْ سَعَى فِي أَمْر الْخَائِنِينَ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّه أَمْرَهُمْ بِقَوْلِهِ : { وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا } مُعَاوَنَة مَنْ ظَلَمُوهُ دُون مَنْ خَاصَمَهُمْ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَب حَقّه مِنْهُمْ , فَكَانَ سَعْيهمْ فِي مَعُونَتهمْ دُون مَعُونَة مَنْ ظَلَمُوهُ , أَخْذًا مِنْهُمْ فِي غَيْر سَبِيل اللَّه , وَذَلِكَ هُوَ إِضْلَالهمْ أَنْفُسهمْ , الَّذِي وَصَفَهُ اللَّه فَقَالَ : { وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسهمْ وَمَا يَضُرُّونَك مِنْ شَيْء } وَمَا يَضُرّك هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَمُّوا لَك أَنْ يُزِلُّوكَ عَنْ الْحَقّ فِي أَمْر هَذَا الْخَائِن مِنْ قَوْمه وَعَشِيرَته مِنْ شَيْء , لِأَنَّ اللَّه مُثَبِّتك وَمُسَدِّدك فِي أُمُورك وَمُبَيِّن لَك أَمْر مَنْ سَعَوْا فِي ضَلَالك عَنْ الْحَقّ فِي أَمْره وَأَمْرهمْ , فَفَاضِحه وَإِيَّاهُمْ .
وَقَوْله : { وَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْك الْكِتَاب وَالْحِكْمَة } يَقُول : وَمِنْ فَضْل اللَّه عَلَيْك يَا مُحَمَّد مَعَ سَائِر مَا تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْك مِنْ نِعَمه , أَنَّهُ أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب , وَهُوَ الْقُرْآن الَّذِي فِيهِ بَيَان كُلّ شَيْء , وَهُدًى وَمَوْعِظَة , { وَالْحِكْمَة } : يَعْنِي وَأَنْزَلَ عَلَيْك مَعَ الْكِتَاب الْحِكْمَة , وَهِيَ مَا كَانَ فِي الْكِتَاب مُجْمَلًا ذِكْره , مِنْ حَلَاله وَحَرَامه , وَأَمْره وَنَهْيه وَأَحْكَامه , وَوَعْده وَوَعِيده { وَعَلَّمَك مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَم } مِنْ خَبَر الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ , وَمَا كَانَ , وَمَا هُوَ كَائِن قَبْل , ذَلِكَ مِنْ فَضْل اللَّه عَلَيْك يَا مُحَمَّد مُذْ خَلَقَك , فَاشْكُرْهُ عَلَى مَا أَوْلَاك مِنْ إِحْسَانه إِلَيْك بِالتَّمَسُّكِ بِطَاعَتِهِ , وَالْمُسَارَعَة إِلَى رِضَاهُ وَمَحَبَّته , وَلُزُوم الْعَمَل بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْك فِي كِتَابه وَحِكْمَته , وَمُخَالَفَة مَنْ حَاوَلَ إِضْلَالك عَنْ طَرِيقه وَمِنْهَاج دِينه , فَإِنَّ اللَّه هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّاك بِفَضْلِهِ , وَيَكْفِيك غَائِلَة مَنْ أَرَادَك بِسُوءٍ وَحَاوَلَ صَدَّك عَنْ سَبِيله , كَمَا كَفَاك أَمْر الطَّائِفَة الَّتِي هَمَّتْ أَنْ تُضِلّك عَنْ سَبِيله فِي أَمْر هَذَا الْخَائِن , وَلَا أَحَد مِنْ دُونه يُنْقِذك مِنْ سُوء إِنْ أَرَادَ بِك إِنْ أَنْتَ خَالَفْته فِي شَيْء مِنْ أَمْره وَنَهْيه وَاتَّبَعْت هَوَى مَنْ حَاوَلَ صَدَّك عَنْ سَبِيله. وَهَذِهِ الْآيَة تَنْبِيه مِنْ اللَّه نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَوْضِع حَظّه , وَتَذْكِير مِنْهُ لَهُ الْوَاجِب عَلَيْهِ مِنْ حَقّه .
وَقَوْله : { وَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْك الْكِتَاب وَالْحِكْمَة } يَقُول : وَمِنْ فَضْل اللَّه عَلَيْك يَا مُحَمَّد مَعَ سَائِر مَا تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْك مِنْ نِعَمه , أَنَّهُ أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب , وَهُوَ الْقُرْآن الَّذِي فِيهِ بَيَان كُلّ شَيْء , وَهُدًى وَمَوْعِظَة , { وَالْحِكْمَة } : يَعْنِي وَأَنْزَلَ عَلَيْك مَعَ الْكِتَاب الْحِكْمَة , وَهِيَ مَا كَانَ فِي الْكِتَاب مُجْمَلًا ذِكْره , مِنْ حَلَاله وَحَرَامه , وَأَمْره وَنَهْيه وَأَحْكَامه , وَوَعْده وَوَعِيده { وَعَلَّمَك مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَم } مِنْ خَبَر الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ , وَمَا كَانَ , وَمَا هُوَ كَائِن قَبْل , ذَلِكَ مِنْ فَضْل اللَّه عَلَيْك يَا مُحَمَّد مُذْ خَلَقَك , فَاشْكُرْهُ عَلَى مَا أَوْلَاك مِنْ إِحْسَانه إِلَيْك بِالتَّمَسُّكِ بِطَاعَتِهِ , وَالْمُسَارَعَة إِلَى رِضَاهُ وَمَحَبَّته , وَلُزُوم الْعَمَل بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْك فِي كِتَابه وَحِكْمَته , وَمُخَالَفَة مَنْ حَاوَلَ إِضْلَالك عَنْ طَرِيقه وَمِنْهَاج دِينه , فَإِنَّ اللَّه هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّاك بِفَضْلِهِ , وَيَكْفِيك غَائِلَة مَنْ أَرَادَك بِسُوءٍ وَحَاوَلَ صَدَّك عَنْ سَبِيله , كَمَا كَفَاك أَمْر الطَّائِفَة الَّتِي هَمَّتْ أَنْ تُضِلّك عَنْ سَبِيله فِي أَمْر هَذَا الْخَائِن , وَلَا أَحَد مِنْ دُونه يُنْقِذك مِنْ سُوء إِنْ أَرَادَ بِك إِنْ أَنْتَ خَالَفْته فِي شَيْء مِنْ أَمْره وَنَهْيه وَاتَّبَعْت هَوَى مَنْ حَاوَلَ صَدَّك عَنْ سَبِيله. وَهَذِهِ الْآيَة تَنْبِيه مِنْ اللَّه نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَوْضِع حَظّه , وَتَذْكِير مِنْهُ لَهُ الْوَاجِب عَلَيْهِ مِنْ حَقّه .
لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا خَيْر فِي كَثِير مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوف أَوْ إِصْلَاح بَيْن النَّاس } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { لَا خَيْر فِي كَثِير مِنْ نَجْوَاهُمْ } : لَا خَيْر فِي كَثِير مِنْ نَجْوَى النَّاس جَمِيعًا . { إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَة أَوْ مَعْرُوف } وَالْمَعْرُوف : هُوَ كُلّ مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ أَوْ نَدَبَ إِلَيْهِ مِنْ أَعْمَال الْبِرّ وَالْخَيْر . { أَوْ إِصْلَاح بَيْن النَّاس } وَهُوَ الْإِصْلَاح بَيْن الْمُتَبَايِنَيْنِ أَوْ الْمُخْتَصِمَيْنِ بِمَا أَبَاحَ اللَّه الْإِصْلَاح بَيْنهمَا لِيَتَرَاجَعَا إِلَى مَا فِيهِ الْأُلْفَة وَاجْتِمَاع الْكَلِمَة عَلَى مَا أَذِنَ اللَّه وَأَمَرَ بِهِ . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي مَعْنَى قَوْله : { لَا خَيْر فِي كَثِير مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : مَعْنَى ذَلِكَ : لَا خَيْر فِي كَثِير مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا فِي نَجْوَى مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ . كَأَنَّهُ عَطَفَ " مَنْ " عَلَى الْهَاء وَالْمِيم الَّتِي فِي " نَجْوَاهُمْ " . وَذَلِكَ خَطَأ عِنْد أَهْل الْعَرَبِيَّة لِأَنَّ إِلَّا لَا تَعْطِف عَلَى الْهَاء وَالْمِيم فِي مِثْل هَذَا الْمَوْضِع مِنْ أَجْل أَنَّهُ لَمْ يَنَلْهُ الْجَحْد . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : قَدْ تَكُون " مَنْ " فِي مَوْضِع خَفْض وَنَصْب ; وَأَمَّا الْخَفْض فَعَلَى قَوْلك : { لَا خَيْر فِي كَثِير مِنْ نَجْوَاهُمْ } إِلَّا فِيمَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ , فَتَكُون النَّجْوَى عَلَى هَذَا التَّأْوِيل هُمْ الرِّجَال الْمُنَاجُونَ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { مَا يَكُون مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رَابِعهمْ } 58 7 وَكَمَا قَالَ : { وَإِذْ هُمْ نَجْوَى } 17 47 وَأَمَّا النَّصْب , فَعَلَى أَنْ تُجْعَل النَّجْوَى فِعْلًا فَيَكُون نَصْبًا , لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُون اِسْتِئْنَاء مُنْقَطِعًا , لِأَنَّهُ مِنْ خِلَاف النَّجْوَى , فَيَكُون ذَلِكَ نَظِير قَوْل الشَّاعِر : . .. . .. . .. . .. وَمَا بِالرَّبْعِ مِنْ أَحَد إِلَّا أُوَارِيّ لِأْيًا مَا أُبَيِّنهَا ... . .. ... وَقَدْ يَحْتَمِل " مَنْ " عَلَى هَذَا التَّأْوِيل أَنْ يَكُون رَفْعًا , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَبَلْدَة لَيْسَ بِهَا أَنِيس إِلَّا الْيَعَافِير وَإِلَّا الْعِيس قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ , أَنْ تُجْعَل " مَنْ " فِي مَوْضِع خَفْض بِالرَّدِّ عَلَى النَّجْوَى , وَتَكُون النَّجْوَى بِمَعْنَى جَمْع الْمُتَنَاجِينَ , خَرَجَ مَخْرَج السَّكْرَى وَالْجَرْحَى وَالْمَرْضَى , وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ أَظْهَر مَعَانِيه , فَيَكُون تَأْوِيل الْكَلَام : لَا خَيْر فِي كَثِير مِنْ الْمُتَنَاجِينَ يَا مُحَمَّد مِنْ النَّاس , إِلَّا فِيمَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوف , أَوْ إِصْلَاح بَيْن النَّاس , فَإِنَّ أُولَئِكَ فِيهِمْ الْخَيْر.
ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِمَا وَعَدَ مِنْ فِعْل ذَلِكَ , فَقَالَ : { وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ اِبْتِغَاء مَرْضَات اللَّه } يَقُول : وَمَنْ يَأْمُر بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوف مِنْ الْأَمْر , أَوْ يُصْلِح بَيْن النَّاس اِبْتِغَاء مَرْضَاة اللَّه , يَعْنِي طَلَب رِضَا اللَّه بِفِعْلِهِ ذَلِكَ .
يَقُول : فَسَوْفَ نُعْطِيه جَزَاء لِمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ عَظِيمًا , وَلَا حَدّ لِمَبْلَغِ مَا سَمَّى اللَّه عَظِيمًا يَعْلَمهُ سِوَاهُ .
ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِمَا وَعَدَ مِنْ فِعْل ذَلِكَ , فَقَالَ : { وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ اِبْتِغَاء مَرْضَات اللَّه } يَقُول : وَمَنْ يَأْمُر بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوف مِنْ الْأَمْر , أَوْ يُصْلِح بَيْن النَّاس اِبْتِغَاء مَرْضَاة اللَّه , يَعْنِي طَلَب رِضَا اللَّه بِفِعْلِهِ ذَلِكَ .
يَقُول : فَسَوْفَ نُعْطِيه جَزَاء لِمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ عَظِيمًا , وَلَا حَدّ لِمَبْلَغِ مَا سَمَّى اللَّه عَظِيمًا يَعْلَمهُ سِوَاهُ .
وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُول مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُول } : وَمَنْ يُبَايِن الرَّسُول مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَادِيًا لَهُ , فَيُفَارِقهُ عَلَى الْعَدَاوَة لَهُ ; { مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى } يَعْنِي : مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ رَسُول اللَّه , وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه يَهْدِي إِلَى الْحَقّ , وَإِلَى طَرِيق مُسْتَقِيم . وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الْخَائِنِينَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّه فِي قَوْله : { وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا } لَمَّا أَبَى التَّوْبَة مَنْ أَبَى مِنْهُمْ , وَهُوَ طُعْمَة بْن الْأُبَيْرِق , وَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان بِمَكَّة مُرْتَدًّا مُفَارِقًا لِرَسُولِ اللَّه وَدِينه .
يَقُول : وَيَتَّبِع طَرِيقًا غَيْر طَرِيق أَهْل التَّصْدِيق , وَيَسْلُك مِنْهَاجًا غَيْر مِنْهَاجهمْ , وَذَلِكَ هُوَ الْكُفْر بِاَللَّهِ , لِأَنَّ الْكُفْر بِاَللَّهِ وَرَسُوله غَيْر سَبِيل الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْر مِنْهَاجهمْ .
يَقُول : نَجْعَل نَاصِره مَا اِسْتَنْصَرَهُ وَاسْتَعَانَ بِهِ مِنْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , وَهِيَ لَا تُغْنِيه وَلَا تَدْفَع عَنْهُ مِنْ عَذَاب اللَّه شَيْئًا وَلَا تَنْفَعهُ. كَمَا : 8237 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى } قَالَ : مِنْ آلِهَة الْبَاطِل . * - حَدَّثَنِي اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله.
يَقُولهُ: وَنَجْعَلهُ صِلَاء نَار جَهَنَّم , يَعْنِي نُحَرِّقهُ بِهَا , وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الصَّلْي فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع.
يَقُول : وَسَاءَتْ جَهَنَّم مَصِيرًا : مَوْضِعًا يَصِير إِلَيْهِ مَنْ صَارَ إِلَيْهِ .
يَقُول : وَيَتَّبِع طَرِيقًا غَيْر طَرِيق أَهْل التَّصْدِيق , وَيَسْلُك مِنْهَاجًا غَيْر مِنْهَاجهمْ , وَذَلِكَ هُوَ الْكُفْر بِاَللَّهِ , لِأَنَّ الْكُفْر بِاَللَّهِ وَرَسُوله غَيْر سَبِيل الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْر مِنْهَاجهمْ .
يَقُول : نَجْعَل نَاصِره مَا اِسْتَنْصَرَهُ وَاسْتَعَانَ بِهِ مِنْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , وَهِيَ لَا تُغْنِيه وَلَا تَدْفَع عَنْهُ مِنْ عَذَاب اللَّه شَيْئًا وَلَا تَنْفَعهُ. كَمَا : 8237 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى } قَالَ : مِنْ آلِهَة الْبَاطِل . * - حَدَّثَنِي اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله.
يَقُولهُ: وَنَجْعَلهُ صِلَاء نَار جَهَنَّم , يَعْنِي نُحَرِّقهُ بِهَا , وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الصَّلْي فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع.
يَقُول : وَسَاءَتْ جَهَنَّم مَصِيرًا : مَوْضِعًا يَصِير إِلَيْهِ مَنْ صَارَ إِلَيْهِ .
إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ اللَّه لَا يَغْفِر أَنْ يُشْرَك بِهِ وَيَغْفِر مَا دُون ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّ اللَّه لَا يَغْفِر لِطُعْمَة إِذْ أَشْرَكَ وَمَاتَ عَلَى شِرْكه بِاَللَّهِ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ خَلْقه بِشِرْكِهِمْ وَكُفْرهمْ بِهِ ; { وَيَغْفِر مَا دُون ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء } يَقُول : وَيَغْفِر مَا دُون الشِّرْك بِاَللَّهِ مِنْ الذُّنُوب لِمَنْ يَشَاء , يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَنَّ طُعْمَة لَوْلَا أَنَّهُ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ وَمَاتَ عَلَى شِرْكه لَكَانَ فِي مَشِيئَة اللَّه عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خِيَانَته وَمَعْصِيَته , وَكَانَ إِلَى اللَّه أَمْره فِي عَذَابه وَالْعَفْو عَنْهُ . وَكَذَلِكَ حُكْم كُلّ مَنْ اِجْتَرَمَ جُرْمًا , فَإِلَى اللَّه أَمْره , إِلَّا أَنْ يَكُون جُرْمه شِرْكًا بِاَللَّهِ وَكُفْرًا , فَإِنَّهُ مِمَّنْ خُتِمَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْل النَّار إِذَا مَاتَ عَلَى شِرْكه , فَإِذَا مَاتَ عَلَى شِرْكه , فَقَدْ حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ الْجَنَّة , وَمَأْوَاهُ النَّار. وَقَالَ السُّدِّيّ فِي ذَلِكَ بِمَا : 8238 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إِنَّ اللَّه لَا يَغْفِر أَنْ يُشْرَك بِهِ وَيَغْفِر مَا دُون ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء } يَقُول : مَنْ يَجْتَنِب الْكَبَائِر مِنْ الْمُسْلِمِينَ .
وَأَمَّا قَوْله : { وَمَنْ يُشْرِك بِاَللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَمَنْ يَجْعَل لِلَّهِ فِي عِبَادَته شَرِيكًا , فَقَدْ ذَهَبَ عَنْ طَرِيق الْحَقّ , وَزَالَ عَنْ قَصْد السَّبِيل ذَهَابًا بَعِيدًا وَزَوَالًا شَدِيدًا . وَذَلِكَ أَنَّهُ بِإِشْرَاكِهِ بِاَللَّهِ فِي عِبَادَته , فَقَدْ أَطَاعَ الشَّيْطَان وَسَلَكَ طَرِيقه وَتَرَكَ طَاعَة اللَّه وَمِنْهَاج دِينه , فَذَاكَ هُوَ الضَّلَال الْبَعِيد وَالْخُسْرَان الْمُبِين.
وَأَمَّا قَوْله : { وَمَنْ يُشْرِك بِاَللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَمَنْ يَجْعَل لِلَّهِ فِي عِبَادَته شَرِيكًا , فَقَدْ ذَهَبَ عَنْ طَرِيق الْحَقّ , وَزَالَ عَنْ قَصْد السَّبِيل ذَهَابًا بَعِيدًا وَزَوَالًا شَدِيدًا . وَذَلِكَ أَنَّهُ بِإِشْرَاكِهِ بِاَللَّهِ فِي عِبَادَته , فَقَدْ أَطَاعَ الشَّيْطَان وَسَلَكَ طَرِيقه وَتَرَكَ طَاعَة اللَّه وَمِنْهَاج دِينه , فَذَاكَ هُوَ الضَّلَال الْبَعِيد وَالْخُسْرَان الْمُبِين.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونه إِلَّا إِنَاثًا } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونه إِلَّا اللَّاتِ وَالْعُزَّى وَمَنَاة , فَسَمَّاهُنَّ اللَّه إِنَاثًا بِتَسْمِيَةِ الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهُنَّ بِتَسْمِيَةِ الْإِنَاث . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8239 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك فِي قَوْله : { إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونه إِلَّا إِنَاثًا } قَالَ : اللَّات وَالْعُزَّى وَمَنَاة , كُلّهَا مُؤَنَّث . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : كُلّهنَّ مُؤَنَّث. 8240 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ : { إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونه إِلَّا إِنَاثًا } يَقُول : يُسَمُّونَهُمْ إِنَاثًا : لَات , وَمَنَاة , وَعُزَّى . 8241 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونه إِلَّا إِنَاثًا } قَالَ : آلِهَتهمْ : اللَّات , وَالْعُزَّى , وَيَسَاف , وَنَائِلَة , هُمْ إِنَاث يَدْعُونَهُمْ مِنْ دُون اللَّه . وَقَرَأَ : { وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا } . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونه إِلَّا مَوَاتًا لَا رُوح فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8242 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ , عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونه إِلَّا إِنَاثًا } يَقُول : مَيِّتًا . 8243 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونه إِلَّا إِنَاثًا } : أَيْ إِلَّا مَيِّتًا لَا رُوح فِيهِ . 8244 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا مُبَارَك بْن فَضَالَة , عَنْ الْحَسَن : { إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونه إِلَّا إِنَاثًا } قَالَ : وَالْإِنَاث : كُلّ شَيْء مَيِّت لَيْسَ فِيهِ رُوح خَشَبَة يَابِسَة , أَوْ حَجَر يَابِس , قَالَ اللَّه تَعَالَى : { وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا } . .. إِلَى قَوْله : { فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَان الْأَنْعَام } . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَقُولُونَ : إِنَّ الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8245 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونه إِلَّا إِنَاثًا } قَالَ : الْمَلَائِكَة يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ بَنَات اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّ أَهْل الْأَوْثَان كَانُوا يُسَمُّونَ أَوْثَانهمْ إِنَاثًا , فَأَنْزَلَ اللَّه ذَلِكَ كَذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8246 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ نُوح بْن قَيْس , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن قَالَ : كَانَ لِكُلِّ حَيّ مِنْ أَحْيَاء الْعَرَب صَنَم يُسَمُّونَهَا أُنْثَى بَنِي فُلَان , فَأَنْزَلَ اللَّه : { إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونه إِلَّا إِنَاثًا } . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا نُوح بْن قَيْس , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن سَيْف أَبُو رَجَاء الْحُدَّانِيّ , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن يَقُول : كَانَ لِكُلِّ حَيّ مِنْ الْعَرَب , فَذَكَرَ نَحْوه . وَقَالَ آخَرُونَ : الْإِنَاث فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْأَوْثَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8247 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { إِنَاثًا } قَالَ : أَوْثَانًا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله. 8248 - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : كَانَ فِي مُصْحَف عَائِشَة : " إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونه إِلَّا إِنَاثًا " . قَالَ أَبُو جَعْفَر : رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : " أَنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونه إِلَّا أُثُنًا " , بِمَعْنَى جَمْع وَثَن , فَكَأَنَّهُ جَمَعَ وَثَنًا وُثُنًا , ثُمَّ قَلَبَ الْوَاو هَمْزَة مَضْمُومَة , كَمَا قِيلَ : مَا أَحْسَن هَذِهِ الْأُجُوه , بِمَعْنَى الْوُجُوه , وَكَمَا قِيلَ : { وَإِذَا الرُّسُل أُقِّتَتْ } 77 11 بِمَعْنَى : وُقِّتَتْ . وَذُكِرَ عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ : " إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونه إِلَّا أُنُثًا " , كَأَنَّهُ أَرَادَ جَمْع الْإِنَاث , فَجَمَعَهَا أُنُثًا , كَمَا تُجْمَع الثِّمَار ثُمُرًا . وَالْقِرَاءَة الَّتِي لَا أَسْتَجِيز الْقِرَاءَة بِغَيْرِهَا قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونه إِلَّا إِنَاثًا } بِمَعْنَى جَمْع أُنْثَى , لِأَنَّهَا كَذَلِكَ فِي مَصَاحِف الْمُسْلِمِينَ , وَلِإِجْمَاعِ الْحُجَّة عَلَى قِرَاءَة ذَلِكَ كَذَلِكَ . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَات الَّتِي ذُكِرْت بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ إِذْ كَانَ الصَّوَاب عِنْدنَا مِنْ الْقِرَاءَة مَا وَصَفْت , تَأْوِيل مَنْ قَالَ : عَنَى بِذَلِكَ الْآلِهَة الَّتِي كَانَ مُشْرِكُو الْعَرَب يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُون اللَّه , وَيُسَمُّونَهَا بِالْإِنَاثِ مِنْ الْأَسْمَاء كَاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَنَائِلَة وَمَنَاة , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة , لِأَنَّ الْأَظْهَر مِنْ مَعَانِي الْإِنَاث فِي كَلَام الْعَرَب مَا عُرِفَ بِالتَّأْنِيثِ دُون غَيْره . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَالْوَاجِب تَوْجِيه تَأْوِيله إِلَى الْأَشْهَر مِنْ مَعَانِيه , وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَتَأْوِيل الْآيَة : وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُول مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى , وَيَتَّبِع غَيْر سَبِيل الْمُؤْمِنِينَ , نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّم وَسَاءَتْ مَصِيرًا , إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونه إِلَّا إِنَاثًا , يَقُول : مَا يَدْعُو الَّذِينَ يُشَاقُّونَ الرَّسُول وَيَتَّبِعُونَ غَيْر سَبِيل الْمُؤْمِنِينَ شَيْئًا مِنْ دُون اللَّه بَعْد اللَّه وَسِوَاهُ , إِلَّا إِنَاثًا , يَعْنِي : إِلَّا مَا سَمَّوْهُ بِأَسْمَاءِ الْإِنَاث كَاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَحَسْب هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَشْرَكُوا بِاَللَّهِ وَعَبَدُوا مَا عَبَدُوا مِنْ دُونه مِنْ الْأَوْثَان وَالْأَنْدَاد , حُجَّة عَلَيْهِمْ فِي ضَلَالَتهمْ وَكُفْرهمْ وَذَهَابهمْ عَنْ قَصْد السَّبِيل , أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ إِنَاثًا وَيَدْعُونَهَا آلِهَة وَأَرْبَابًا . وَالْإِنَاث مِنْ كُلّ شَيْء أَخَسّه ; فَهُمْ يُقِرُّونَ لِلْخَسِيسِ مِنْ الْأَشْيَاء بِالْعُبُودِيَّةِ عَلَى عِلْم مِنْهُمْ بِخَسَاسَتِهِ , وَيَمْتَنِعُونَ مِنْ إِخْلَاص الْعُبُودِيَّة لِلَّذِي لَهُ مُلْك كُلّ شَيْء وَبِيَدِهِ الْخَلْق وَالْأَمْر.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا } . يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا } : وَمَا يَدْعُو هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَدْعُونَ هَذِهِ الْأَوْثَان الْإِنَاث مِنْ دُون اللَّه بِدُعَائِهِمْ إِيَّاهَا إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا , يَعْنِي مُتَمَرِّدًا عَلَى اللَّه فِي خِلَافه فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ وَفِيمَا نَهَاهُ عَنْهُ. كَمَا : 8249 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا } قَالَ : تَمَرَّدَ عَلَى مَعَاصِي اللَّه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا } . يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا } : وَمَا يَدْعُو هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَدْعُونَ هَذِهِ الْأَوْثَان الْإِنَاث مِنْ دُون اللَّه بِدُعَائِهِمْ إِيَّاهَا إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا , يَعْنِي مُتَمَرِّدًا عَلَى اللَّه فِي خِلَافه فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ وَفِيمَا نَهَاهُ عَنْهُ. كَمَا : 8249 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا } قَالَ : تَمَرَّدَ عَلَى مَعَاصِي اللَّه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَعَنَهُ اللَّه } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { لَعَنَهُ اللَّه } : أَخْزَاهُ وَأَقْصَاهُ وَأَبْعَدَهُ. وَمَعْنَى الْكَلَام : وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا قَدْ لَعَنَهُ اللَّه وَأَبْعَده مِنْ كُلّ خَيْر .
وَقَالَ : { لَأَتَّخِذَنَّ } يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ الشَّيْطَان الْمَرِيد قَالَ لِرَبِّهِ إِذْ لَعَنَهُ : { لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادك نَصِيبًا مَفْرُوضًا } يَعْنِي بِالْمَفْرُوضِ : الْمَعْلُوم ; كَمَا : 8250 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { نَصِيبًا مَفْرُوضًا } قَالَ : مَعْلُومًا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ يَتَّخِذ الشَّيْطَان مِنْ عِبَاد اللَّه نَصِيبًا مَفْرُوضًا ؟ قِيلَ : يَتَّخِذ مِنْهُمْ ذَلِكَ النَّصِيب بِإِغْوَائِهِ إِيَّاهُمْ عَنْ قَصْد السَّبِيل , وَدُعَائِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى طَاعَته , وَتَزْيِينه لَهُمْ الضَّلَال وَالْكُفْر , حَتَّى يُزِيلهُمْ عَنْ مَنْهَج الطَّرِيق ; فَمَنْ أَجَابَ دُعَاءَهُ وَاتَّبَعَ مَا زَيَّنَهُ لَهُ , فَهُوَ مِنْ نَصِيبه الْمَعْلُوم وَحَظّه الْمَقْسُوم . وَإِنَّمَا أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْآيَة بِمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ الشَّيْطَان مِنْ قِيله : { لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادك نَصِيبًا مَفْرُوضًا } لِيَعْلَم الَّذِينَ شَاقُّوا الرَّسُول مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى أَنَّهُمْ مِنْ نَصِيب الشَّيْطَان الَّذِي لَعَنَهُ اللَّه الْمَفْرُوض , وَأَنَّهُ مِمَّنْ صَدَقَ عَلَيْهِمْ ظَنّه . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى مَعْنَى اللَّعْنَة فِيمَا مَضَى , فَكَرِهْنَا إِعَادَته .
وَقَالَ : { لَأَتَّخِذَنَّ } يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ الشَّيْطَان الْمَرِيد قَالَ لِرَبِّهِ إِذْ لَعَنَهُ : { لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادك نَصِيبًا مَفْرُوضًا } يَعْنِي بِالْمَفْرُوضِ : الْمَعْلُوم ; كَمَا : 8250 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { نَصِيبًا مَفْرُوضًا } قَالَ : مَعْلُومًا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ يَتَّخِذ الشَّيْطَان مِنْ عِبَاد اللَّه نَصِيبًا مَفْرُوضًا ؟ قِيلَ : يَتَّخِذ مِنْهُمْ ذَلِكَ النَّصِيب بِإِغْوَائِهِ إِيَّاهُمْ عَنْ قَصْد السَّبِيل , وَدُعَائِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى طَاعَته , وَتَزْيِينه لَهُمْ الضَّلَال وَالْكُفْر , حَتَّى يُزِيلهُمْ عَنْ مَنْهَج الطَّرِيق ; فَمَنْ أَجَابَ دُعَاءَهُ وَاتَّبَعَ مَا زَيَّنَهُ لَهُ , فَهُوَ مِنْ نَصِيبه الْمَعْلُوم وَحَظّه الْمَقْسُوم . وَإِنَّمَا أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْآيَة بِمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ الشَّيْطَان مِنْ قِيله : { لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادك نَصِيبًا مَفْرُوضًا } لِيَعْلَم الَّذِينَ شَاقُّوا الرَّسُول مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى أَنَّهُمْ مِنْ نَصِيب الشَّيْطَان الَّذِي لَعَنَهُ اللَّه الْمَفْرُوض , وَأَنَّهُ مِمَّنْ صَدَقَ عَلَيْهِمْ ظَنّه . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى مَعْنَى اللَّعْنَة فِيمَا مَضَى , فَكَرِهْنَا إِعَادَته .
وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَان الْأَنْعَام } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيل الشَّيْطَان الْمَرِيد , الَّذِي وَصَفَ صِفَته فِي هَذِهِ الْآيَة : وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأَصُدَّنَّ النَّصِيب الْمَفْرُوض الَّذِي أَتَّخِذهُ مِنْ عِبَادك عَنْ مَحَجَّة الْهُدَى إِلَى الضَّلَال , وَمِنْ الْإِسْلَام إِلَى الْكُفْر . { وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ } يَقُول : لَأُزِيغَنهُمْ بِمَا أَجْعَل فِي نُفُوسهمْ مِنْ الْأَمَانِيّ عَنْ طَاعَتك وَتَوْحِيدك إِلَى طَاعَتِي , وَالشِّرْك بِك . { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَان الْأَنْعَام } يَقُول : وَلَآمُرَن النَّصِيب الْمَفْرُوض لِي مِنْ عِبَادك بِعِبَادَةِ غَيْرك مِنْ الْأَوْثَان وَالْأَنْدَاد , حَتَّى يَنْسُكُوا لَهُ , وَيُحَرِّمُوا , وَيُحَلِّلُوا لَهُ , وَيُشَرِّعُوا غَيْر الَّذِي شَرَّعْته لَهُمْ فَيَتَّبِعُونِي وَيُخَالِفُونَك. وَالْبَتْك : الْقَطْع , وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِع : قَطْع أُذُن الْبَحِيرَة لِيُعْلَم أَنَّهَا بَحِيرَة . وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ الْخَبِيث أَنَّهُ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْبَحِيرَة فَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ بِهَا طَاعَة لَهُ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8251 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَان الْأَنْعَام } قَالَ : الْبَتْك فِي الْبَحِيرَة وَالسَّائِبَة , كَانُوا يُبَتِّكُونَ آذَانهَا لِطَوَاغِيتِهِمْ . 8252 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَان الْأَنْعَام } أَمَّا يُبَتِّكُنَّ آذَان الْأَنْعَام : فَيَشُقُّونَهَا فَيَجْعَلُونَهَا بَحِيرَة . 8253 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ عِكْرِمَة : { فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَان الْأَنْعَام } قَالَ : دِين شَرَعَهُ لَهُمْ إِبْلِيس كَهَيْئَةِ الْبَحَائِر وَالسَّوَائِب .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } . اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه مِنْ الْبَهَائِم بِإِخْصَائِهِمْ إِيَّاهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8254 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَمَّار بْن أَبِي عَمَّار , عَنْ اِبْن عَبَّاس , أَنَّهُ كَرِهَ الْإِخْصَاء , وَقَالَ : فِيهِ نَزَلَتْ { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } . 8255 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَنَس , أَنَّهُ كَرِهَ الْإِخْصَاء , وَقَالَ : فِيهِ نَزَلَتْ { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : هُوَ الْإِخْصَاء , يَعْنِي قَوْل اللَّه : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ مُطَرِّف , قَالَ : ثني رَجُل , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : إِخْصَاء الْبَهَائِم مِثْله , ثُمَّ قَرَأَ : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } . 8256 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : مِنْ تَغْيِير خَلْق اللَّه الْإِخْصَاء. 8257 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا حَسَن بْن سُلَيْمَان , قَالَ : أَخْبَرَنِي شِبْل , أَنَّهُ سَمِعَ شَهْر بْن حَوْشَب قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : الْخِصَاء , قَالَ : فَأَمَرْت أَبَا التَّيَّاح , فَسَأَلَ الْحَسَن عَنْ خِصَاء الْغَنَم , فَقَالَ : لَا بَأْس بِهِ . 8258 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : ثنا عَمِّي وَهْب بْن نَافِع , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , قَالَ : أَمَرَنِي مُجَاهِد أَنْ أَسْأَل عِكْرِمَة عَنْ قَوْله : { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } فَسَأَلْته , فَقَالَ : هُوَ الْخِصَاء . 8259 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ عَبْد الْجَبَّار بْن وَرْد , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , قَالَ : قَالَ لِي مُجَاهِد : سَلْ عَنْهَا عِكْرِمَة : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } فَسَأَلْته , فَقَالَ : الْإِخْصَاء . قَالَ مُجَاهِد : مَا لَهُ لَعَنَهُ اللَّه ! فَوَاَللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْر الْإِخْصَاء . ثُمَّ قَالَ : سَلْهُ ! فَسَأَلْته , فَقَالَ عِكْرِمَة : أَلَمْ تَسْمَع إِلَى قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فِطْرَة اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لِخَلْقِ اللَّه } ؟ 30 30 قَالَ : لِدِينِ اللَّه . فَحَدَّثْت بِهِ مُجَاهِدًا فَقَالَ : مَا لَهُ أَخْزَاهُ اللَّه ! * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حَفْص , عَنْ لَيْث , قَالَ : قَالَ عِكْرِمَة : { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : الْإِخْصَاء . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هَارُون النَّحْوِيّ , قَالَ : ثنا مَطَر الْوَرَّاق , قَالَ : سُئِلَ عِكْرِمَة , عَنْ قَوْله : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : هُوَ الْإِخْصَاء . 8260 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي صَالِح , قَالَ : الْإِخْصَاء . * - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : سَمِعْت أَنَس بْن مَالِك يَقُول فِي قَوْله : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : مِنْهُ الْخِصَاء. * - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن سَلَمَة , عَنْ عَمَّار بْن أَبِي عَمَّار , عَنْ اِبْن عَبَّاس , بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُعَاذ بْن هِشَام , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عِكْرِمَة أَنَّهُ كَرِهَ الْإِخْصَاء , قَالَ : وَفِيهِ نَزَلَتْ : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ دِين اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8261 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : دِين اللَّه . 8262 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن وَأَبُو أَحْمَد , قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : دِين اللَّه. * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثني قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ إِبْرَاهِيم مِثْله. * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , عَنْ سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ إِبْرَاهِيم , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , مِثْله . 8263 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : ثنا عَمِّي , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , قَالَ : أَخْبَرْت مُجَاهِدًا بِقَوْلِ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : دِين اللَّه . 8264 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هَارُون النَّحْوِيّ , قَالَ : ثنا الْوَرَّاق , قَالَ : ذَكَرْت لِمُجَاهِدٍ قَوْل عِكْرِمَة فِي قَوْله : { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } فَقَالَ : كَذَبَ الْعَبْد { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : دِين اللَّه . 8265 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع وَعَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَا : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة , قَالَا : دِين اللَّه . 8266 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ وَحَفْص , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : دِين اللَّه , ثُمَّ قَرَأَ : { ذَلِكَ الدِّين الْقَيِّم } 30 30 . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو وَعَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَا : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ , الْفِطْرَة دِين اللَّه . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : الْفِطْرَة : الدِّين . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير , أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُول : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : دِين اللَّه. 8267 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } أَيْ دِين اللَّه , فِي قَوْل الْحَسَن وَقَتَادَة . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : دِين اللَّه . 8268 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الْمَلِك , عَنْ عُثْمَان بْن الْأَسْوَد , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة فِي قَوْله : { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : دِين اللَّه . 8269 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : أَمَّا خَلْق اللَّه : فَدِين اللَّه. 8270 - حَدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : دِين اللَّه , وَهُوَ قَوْل اللَّه : { فِطْرَة اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لِخَلْقِ اللَّه } يَقُول : لِدِينِ اللَّه . 8271 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : سَمِعْت اِبْن زَيْد يَقُول فِي قَوْله : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : دِين اللَّه , وَقَرَأَ : { لَا تَبْدِيل لِخَلْقِ اللَّه } قَالَ : لِدِينِ اللَّه . * - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثنا قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : دِين اللَّه . * - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عِمْرَان بْن حُدَيْر , عَنْ عِيسَى بْن هِلَال , قَالَ : كَتَبَ كَثِير مَوْلَى اِبْن سَمُرَة إِلَى الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم يَسْأَلهُ عَنْ قَوْله : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } فَكَتَبَ : إِنَّهُ دِين اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه بِالْوَشْمِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8272 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : الْوَشْم . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن نُوح , عَنْ قَيْس , عَنْ خَالِد بْن قَيْس , عَنْ الْحَسَن : { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : الْوَشْم . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا يُونُس بْن عُبَيْد أَوْ غَيْره , عَنْ الْحَسَن : { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : الْوَشْم . 8273 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا أَبُو هِلَال الرَّاسِبِيّ , قَالَ : سَأَلَ رَجُل الْحَسَن : مَا تَقُول فِي اِمْرَأَة قَشَّرَتْ وَجْههَا ؟ قَالَ : مَا لَهَا لَعَنَهَا اللَّه ! غَيَّرَتْ خَلْق اللَّه . 8274 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : لَعَنَ اللَّه الْمُتَفَلِّجَات وَالْمُتَنَمِّصَات وَالْمُسْتَوْشِمَات الْمُغَيِّرَات خَلْق اللَّه . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَلْقَمَة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : لَعَنَ اللَّه الْوَاشِرَات وَالْمُسْتَوْشِمَات وَالْمُتَنَمِّصَات وَالْمُتَفَلِّجَات لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَات خَلْق اللَّه . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَلْقَمَة عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : لَعَنَ اللَّه الْمُتَنَمِّصَات وَالْمُتَفَلِّجَات - قَالَ شُعْبَة : وَأَحْسَبهُ قَالَ - : الْمُغَيِّرَات خَلْق اللَّه . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه , قَالَ : دِين اللَّه , وَذَلِكَ لِدَلَالَةِ الْآيَة الْأُخْرَى عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ , وَهِيَ قَوْله : { فِطْرَة اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لِخَلْقِ اللَّه ذَلِكَ الدِّين الْقَيِّم } . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ دَخَلَ فِي ذَلِكَ فِعْل كُلّ مَا نَهَى اللَّه عَنْهُ مِنْ خِصَاء مَا لَا يَجُوز خِصَاؤُهُ , وَوَشْم مَا نَهَى عَنْ وَشْمه وَوَشْره , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْمَعَاصِي , وَدَخَلَ فِيهِ تَرْك كُلّ مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ , لِأَنَّ الشَّيْطَان لَا شَكَّ أَنَّهُ يَدْعُو إِلَى جَمِيع مَعَاصِي اللَّه , وَيَنْهَى عَنْ جَمِيع طَاعَته , فَذَلِكَ مَعْنَى أَمْره نَصِيبه الْمَفْرُوض مِنْ عِبَاد اللَّه بِتَغْيِيرِ مَا خَلَقَ اللَّه مِنْ دِينه ; وَلَا مَعْنَى لِتَوْجِيهِ مَنْ وَجَّهَ قَوْله : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } إِلَى أَنَّهُ وَعَدَ الْأَمْر بِتَغْيِيرِ بَعْض مَا نَهَى اللَّه عَنْهُ دُون بَعْض , أَوْ بَعْض مَا أَمَرَ بِهِ دُون بَعْض . فَإِذْ كَانَ الَّذِي وَجَّهَ مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى الْخِصَاء وَالْوَشْم دُون غَيْره , إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ : كَانَ عِنْده أَنَّهُ عَنَى بِهِ تَغْيِير الْأَجْسَام , فَإِنَّ فِي قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِخْبَارًا عَنْ قِيل الشَّيْطَان : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } مَا يُنْبِئ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ غَيْر مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ , لِأَنَّ تَبْتِيك آذَان الْأَنْعَام مِنْ تَغْيِير خَلْق اللَّه , الَّذِي هُوَ أَجْسَام . وَقَدْ مَضَى الْخَبَر عَنْهُ أَنَّهُ وَعَدَ الْأَمْرَ بِتَغْيِيرِ خَلْق اللَّه مِنْ الْأَجْسَام مُفَسَّرًا , فَلَا وَجْه لِإِعَادَةِ الْخَبَر عَنْهُ بِهِ مُجْمَلًا , إِذْ كَانَ الْفَصِيح فِي كَلَام الْعَرَب أَنْ يُتَرْجَم عَنْ الْمُجْمَل مِنْ الْكَلَام بِالْمُفَسَّرِ وَبِالْخَاصِّ عَنْ الْعَامِّ دُون التَّرْجَمَة عَنْ الْمُفَسَّر بِالْمُجْمَلِ , وَبِالْعَامِّ عَنْ الْخَاصّ , وَتَوْجِيه كِتَاب اللَّه إِلَى الْأَفْصَح مِنْ الْكَلَام أَوْلَى مِنْ تَوْجِيه إِلَى غَيْره مَا وُجِدَ إِلَيْهِ السَّبِيل .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَتَّخِذ الشَّيْطَان وَلِيًّا مِنْ دُون اللَّه فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا } . وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ حَال نَصِيب الشَّيْطَان الْمَفْرُوض مِنْ الَّذِينَ شَاقُّوا اللَّه وَرَسُوله مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى , يَقُول اللَّه : وَمَنْ يَتَّبِع الشَّيْطَان فَيُطِيعهُ فِي مَعْصِيَة اللَّه , وَخِلَاف أَمْره , وَيُوَالِيه فَيَتَّخِذهُ وَلِيًّا لِنَفْسِهِ وَنَصِيرًا دُون اللَّه , { فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا } يَقُول : فَقَدْ هَلَكَ هَلَاكًا , وَبَخَسَ نَفْسه حَظّهَا فَأَوْبَقَهَا بَخْسًا مُبِينًا يَبِين عَنْ عَطَبه وَهَلَاكه , لِأَنَّ الشَّيْطَان لَا يَمْلِك لَهُ نَصْرًا مِنْ اللَّه إِذَا عَاقَبَهُ عَلَى مَعْصِيَته إِيَّاهُ فِي خِلَافه أَمْره , بَلْ يَخْذُلهُ عِنْد حَاجَته إِلَيْهِ . وَإِنَّمَا حَاله مَعَهُ مَا دَامَ حَيًّا مُمْهِلًا بِالْعُقُوبَةِ , كَمَا وَصَفَهُ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { يَعِدهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدهُمْ الشَّيْطَان إِلَّا غُرُورًا }
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } . اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه مِنْ الْبَهَائِم بِإِخْصَائِهِمْ إِيَّاهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8254 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَمَّار بْن أَبِي عَمَّار , عَنْ اِبْن عَبَّاس , أَنَّهُ كَرِهَ الْإِخْصَاء , وَقَالَ : فِيهِ نَزَلَتْ { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } . 8255 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَنَس , أَنَّهُ كَرِهَ الْإِخْصَاء , وَقَالَ : فِيهِ نَزَلَتْ { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : هُوَ الْإِخْصَاء , يَعْنِي قَوْل اللَّه : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ مُطَرِّف , قَالَ : ثني رَجُل , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : إِخْصَاء الْبَهَائِم مِثْله , ثُمَّ قَرَأَ : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } . 8256 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : مِنْ تَغْيِير خَلْق اللَّه الْإِخْصَاء. 8257 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا حَسَن بْن سُلَيْمَان , قَالَ : أَخْبَرَنِي شِبْل , أَنَّهُ سَمِعَ شَهْر بْن حَوْشَب قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : الْخِصَاء , قَالَ : فَأَمَرْت أَبَا التَّيَّاح , فَسَأَلَ الْحَسَن عَنْ خِصَاء الْغَنَم , فَقَالَ : لَا بَأْس بِهِ . 8258 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : ثنا عَمِّي وَهْب بْن نَافِع , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , قَالَ : أَمَرَنِي مُجَاهِد أَنْ أَسْأَل عِكْرِمَة عَنْ قَوْله : { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } فَسَأَلْته , فَقَالَ : هُوَ الْخِصَاء . 8259 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ عَبْد الْجَبَّار بْن وَرْد , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , قَالَ : قَالَ لِي مُجَاهِد : سَلْ عَنْهَا عِكْرِمَة : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } فَسَأَلْته , فَقَالَ : الْإِخْصَاء . قَالَ مُجَاهِد : مَا لَهُ لَعَنَهُ اللَّه ! فَوَاَللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْر الْإِخْصَاء . ثُمَّ قَالَ : سَلْهُ ! فَسَأَلْته , فَقَالَ عِكْرِمَة : أَلَمْ تَسْمَع إِلَى قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فِطْرَة اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لِخَلْقِ اللَّه } ؟ 30 30 قَالَ : لِدِينِ اللَّه . فَحَدَّثْت بِهِ مُجَاهِدًا فَقَالَ : مَا لَهُ أَخْزَاهُ اللَّه ! * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حَفْص , عَنْ لَيْث , قَالَ : قَالَ عِكْرِمَة : { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : الْإِخْصَاء . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هَارُون النَّحْوِيّ , قَالَ : ثنا مَطَر الْوَرَّاق , قَالَ : سُئِلَ عِكْرِمَة , عَنْ قَوْله : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : هُوَ الْإِخْصَاء . 8260 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي صَالِح , قَالَ : الْإِخْصَاء . * - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : سَمِعْت أَنَس بْن مَالِك يَقُول فِي قَوْله : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : مِنْهُ الْخِصَاء. * - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن سَلَمَة , عَنْ عَمَّار بْن أَبِي عَمَّار , عَنْ اِبْن عَبَّاس , بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُعَاذ بْن هِشَام , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عِكْرِمَة أَنَّهُ كَرِهَ الْإِخْصَاء , قَالَ : وَفِيهِ نَزَلَتْ : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ دِين اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8261 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : دِين اللَّه . 8262 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن وَأَبُو أَحْمَد , قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : دِين اللَّه. * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثني قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ إِبْرَاهِيم مِثْله. * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , عَنْ سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ إِبْرَاهِيم , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , مِثْله . 8263 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : ثنا عَمِّي , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , قَالَ : أَخْبَرْت مُجَاهِدًا بِقَوْلِ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : دِين اللَّه . 8264 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هَارُون النَّحْوِيّ , قَالَ : ثنا الْوَرَّاق , قَالَ : ذَكَرْت لِمُجَاهِدٍ قَوْل عِكْرِمَة فِي قَوْله : { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } فَقَالَ : كَذَبَ الْعَبْد { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : دِين اللَّه . 8265 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع وَعَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَا : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة , قَالَا : دِين اللَّه . 8266 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ وَحَفْص , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : دِين اللَّه , ثُمَّ قَرَأَ : { ذَلِكَ الدِّين الْقَيِّم } 30 30 . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو وَعَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَا : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ , الْفِطْرَة دِين اللَّه . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : الْفِطْرَة : الدِّين . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير , أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُول : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : دِين اللَّه. 8267 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } أَيْ دِين اللَّه , فِي قَوْل الْحَسَن وَقَتَادَة . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : دِين اللَّه . 8268 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الْمَلِك , عَنْ عُثْمَان بْن الْأَسْوَد , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة فِي قَوْله : { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : دِين اللَّه . 8269 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : أَمَّا خَلْق اللَّه : فَدِين اللَّه. 8270 - حَدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : دِين اللَّه , وَهُوَ قَوْل اللَّه : { فِطْرَة اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لِخَلْقِ اللَّه } يَقُول : لِدِينِ اللَّه . 8271 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : سَمِعْت اِبْن زَيْد يَقُول فِي قَوْله : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : دِين اللَّه , وَقَرَأَ : { لَا تَبْدِيل لِخَلْقِ اللَّه } قَالَ : لِدِينِ اللَّه . * - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثنا قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : دِين اللَّه . * - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عِمْرَان بْن حُدَيْر , عَنْ عِيسَى بْن هِلَال , قَالَ : كَتَبَ كَثِير مَوْلَى اِبْن سَمُرَة إِلَى الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم يَسْأَلهُ عَنْ قَوْله : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } فَكَتَبَ : إِنَّهُ دِين اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه بِالْوَشْمِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8272 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : الْوَشْم . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن نُوح , عَنْ قَيْس , عَنْ خَالِد بْن قَيْس , عَنْ الْحَسَن : { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : الْوَشْم . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا يُونُس بْن عُبَيْد أَوْ غَيْره , عَنْ الْحَسَن : { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } قَالَ : الْوَشْم . 8273 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا أَبُو هِلَال الرَّاسِبِيّ , قَالَ : سَأَلَ رَجُل الْحَسَن : مَا تَقُول فِي اِمْرَأَة قَشَّرَتْ وَجْههَا ؟ قَالَ : مَا لَهَا لَعَنَهَا اللَّه ! غَيَّرَتْ خَلْق اللَّه . 8274 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : لَعَنَ اللَّه الْمُتَفَلِّجَات وَالْمُتَنَمِّصَات وَالْمُسْتَوْشِمَات الْمُغَيِّرَات خَلْق اللَّه . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَلْقَمَة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : لَعَنَ اللَّه الْوَاشِرَات وَالْمُسْتَوْشِمَات وَالْمُتَنَمِّصَات وَالْمُتَفَلِّجَات لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَات خَلْق اللَّه . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَلْقَمَة عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : لَعَنَ اللَّه الْمُتَنَمِّصَات وَالْمُتَفَلِّجَات - قَالَ شُعْبَة : وَأَحْسَبهُ قَالَ - : الْمُغَيِّرَات خَلْق اللَّه . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه , قَالَ : دِين اللَّه , وَذَلِكَ لِدَلَالَةِ الْآيَة الْأُخْرَى عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ , وَهِيَ قَوْله : { فِطْرَة اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لِخَلْقِ اللَّه ذَلِكَ الدِّين الْقَيِّم } . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ دَخَلَ فِي ذَلِكَ فِعْل كُلّ مَا نَهَى اللَّه عَنْهُ مِنْ خِصَاء مَا لَا يَجُوز خِصَاؤُهُ , وَوَشْم مَا نَهَى عَنْ وَشْمه وَوَشْره , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْمَعَاصِي , وَدَخَلَ فِيهِ تَرْك كُلّ مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ , لِأَنَّ الشَّيْطَان لَا شَكَّ أَنَّهُ يَدْعُو إِلَى جَمِيع مَعَاصِي اللَّه , وَيَنْهَى عَنْ جَمِيع طَاعَته , فَذَلِكَ مَعْنَى أَمْره نَصِيبه الْمَفْرُوض مِنْ عِبَاد اللَّه بِتَغْيِيرِ مَا خَلَقَ اللَّه مِنْ دِينه ; وَلَا مَعْنَى لِتَوْجِيهِ مَنْ وَجَّهَ قَوْله : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } إِلَى أَنَّهُ وَعَدَ الْأَمْر بِتَغْيِيرِ بَعْض مَا نَهَى اللَّه عَنْهُ دُون بَعْض , أَوْ بَعْض مَا أَمَرَ بِهِ دُون بَعْض . فَإِذْ كَانَ الَّذِي وَجَّهَ مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى الْخِصَاء وَالْوَشْم دُون غَيْره , إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ : كَانَ عِنْده أَنَّهُ عَنَى بِهِ تَغْيِير الْأَجْسَام , فَإِنَّ فِي قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِخْبَارًا عَنْ قِيل الشَّيْطَان : { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْق اللَّه } مَا يُنْبِئ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ غَيْر مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ , لِأَنَّ تَبْتِيك آذَان الْأَنْعَام مِنْ تَغْيِير خَلْق اللَّه , الَّذِي هُوَ أَجْسَام . وَقَدْ مَضَى الْخَبَر عَنْهُ أَنَّهُ وَعَدَ الْأَمْرَ بِتَغْيِيرِ خَلْق اللَّه مِنْ الْأَجْسَام مُفَسَّرًا , فَلَا وَجْه لِإِعَادَةِ الْخَبَر عَنْهُ بِهِ مُجْمَلًا , إِذْ كَانَ الْفَصِيح فِي كَلَام الْعَرَب أَنْ يُتَرْجَم عَنْ الْمُجْمَل مِنْ الْكَلَام بِالْمُفَسَّرِ وَبِالْخَاصِّ عَنْ الْعَامِّ دُون التَّرْجَمَة عَنْ الْمُفَسَّر بِالْمُجْمَلِ , وَبِالْعَامِّ عَنْ الْخَاصّ , وَتَوْجِيه كِتَاب اللَّه إِلَى الْأَفْصَح مِنْ الْكَلَام أَوْلَى مِنْ تَوْجِيه إِلَى غَيْره مَا وُجِدَ إِلَيْهِ السَّبِيل .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَتَّخِذ الشَّيْطَان وَلِيًّا مِنْ دُون اللَّه فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا } . وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ حَال نَصِيب الشَّيْطَان الْمَفْرُوض مِنْ الَّذِينَ شَاقُّوا اللَّه وَرَسُوله مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى , يَقُول اللَّه : وَمَنْ يَتَّبِع الشَّيْطَان فَيُطِيعهُ فِي مَعْصِيَة اللَّه , وَخِلَاف أَمْره , وَيُوَالِيه فَيَتَّخِذهُ وَلِيًّا لِنَفْسِهِ وَنَصِيرًا دُون اللَّه , { فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا } يَقُول : فَقَدْ هَلَكَ هَلَاكًا , وَبَخَسَ نَفْسه حَظّهَا فَأَوْبَقَهَا بَخْسًا مُبِينًا يَبِين عَنْ عَطَبه وَهَلَاكه , لِأَنَّ الشَّيْطَان لَا يَمْلِك لَهُ نَصْرًا مِنْ اللَّه إِذَا عَاقَبَهُ عَلَى مَعْصِيَته إِيَّاهُ فِي خِلَافه أَمْره , بَلْ يَخْذُلهُ عِنْد حَاجَته إِلَيْهِ . وَإِنَّمَا حَاله مَعَهُ مَا دَامَ حَيًّا مُمْهِلًا بِالْعُقُوبَةِ , كَمَا وَصَفَهُ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { يَعِدهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدهُمْ الشَّيْطَان إِلَّا غُرُورًا }
يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يَعِد الشَّيْطَان الْمَرِيد أَوْلِيَاءَهُ , الَّذِينَ هُمْ نَصِيبه الْمَفْرُوض أَنْ يَكُون لَهُمْ نَصِيرًا مِمَّنْ أَرَادَهُمْ بِسُوءٍ , وَظَهِيرًا لَهُمْ عَلَيْهِ , يَمْنَعهُمْ مِنْهُ وَيُدَافِع عَنْهُمْ , وَيُمَنِّيهِمْ الظَّفَر عَلَى مَنْ حَاوَلَ مَكْرُوههُمْ وَالْفَلَج عَلَيْهِمْ .
ثُمَّ قَالَ : { وَمَا يَعِدهُمْ الشَّيْطَان إِلَّا غُرُورًا } يَقُول : وَمَا يَعِد الشَّيْطَان أَوْلِيَاءَهُ الَّذِينَ اِتَّخَذُوهُ وَلِيًّا مِنْ دُون اللَّه إِلَّا غُرُورًا , يَعْنِي : إِلَّا بَاطِلًا . وَإِنَّمَا جَعَلَ عِدَته إِيَّاهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَا وَعَدَهُمْ غُرُورًا , لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ فِي اِتِّخَاذهمْ إِيَّاهُ وَلِيًّا عَلَى حَقِيقَته مِنْ عِدَاته الْكَاذِبَة وَأَمَانِيّه الْبَاطِلَة , حَتَّى إِذَا حَصْحَصَ الْحَقّ وَصَارُوا إِلَى الْحَاجَة إِلَيْهِ , قَالَ لَهُمْ عَدُوّ اللَّه : { إِنَّ اللَّه وَعَدَكُمْ وَعْد الْحَقّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَان إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْت بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْل } 14 22 , وَكَمَا قَالَ لِلْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ وَقَدْ زَيَّنَ لَهُمْ أَعْمَالهمْ : { لَا غَالِب لَكُمْ الْيَوْم مِنْ النَّاس وَإِنِّي جَار لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتْ الْفِئَتَانِ } 8 48 وَحَصْحَصَ الْحَقّ , وَعَايَنَ حَدّ الْأَمْر , وَنُزُول عَذَاب اللَّه بِحِزْبِهِ { نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيء مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَاف اللَّه وَاَللَّه شَدِيد الْعِقَاب } 8 48 , فَصَارَتْ عِدَاته عَدُوّ اللَّه إِيَّاهُمْ عِنْد حَاجَتهمْ إِلَيْهِ غُرُورًا { كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبهُ الظَّمْآن مَاء حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّه عِنْده فَوَفَّاهُ حِسَابه } 24 39 .
ثُمَّ قَالَ : { وَمَا يَعِدهُمْ الشَّيْطَان إِلَّا غُرُورًا } يَقُول : وَمَا يَعِد الشَّيْطَان أَوْلِيَاءَهُ الَّذِينَ اِتَّخَذُوهُ وَلِيًّا مِنْ دُون اللَّه إِلَّا غُرُورًا , يَعْنِي : إِلَّا بَاطِلًا . وَإِنَّمَا جَعَلَ عِدَته إِيَّاهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَا وَعَدَهُمْ غُرُورًا , لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ فِي اِتِّخَاذهمْ إِيَّاهُ وَلِيًّا عَلَى حَقِيقَته مِنْ عِدَاته الْكَاذِبَة وَأَمَانِيّه الْبَاطِلَة , حَتَّى إِذَا حَصْحَصَ الْحَقّ وَصَارُوا إِلَى الْحَاجَة إِلَيْهِ , قَالَ لَهُمْ عَدُوّ اللَّه : { إِنَّ اللَّه وَعَدَكُمْ وَعْد الْحَقّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَان إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْت بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْل } 14 22 , وَكَمَا قَالَ لِلْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ وَقَدْ زَيَّنَ لَهُمْ أَعْمَالهمْ : { لَا غَالِب لَكُمْ الْيَوْم مِنْ النَّاس وَإِنِّي جَار لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتْ الْفِئَتَانِ } 8 48 وَحَصْحَصَ الْحَقّ , وَعَايَنَ حَدّ الْأَمْر , وَنُزُول عَذَاب اللَّه بِحِزْبِهِ { نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيء مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَاف اللَّه وَاَللَّه شَدِيد الْعِقَاب } 8 48 , فَصَارَتْ عِدَاته عَدُوّ اللَّه إِيَّاهُمْ عِنْد حَاجَتهمْ إِلَيْهِ غُرُورًا { كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبهُ الظَّمْآن مَاء حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّه عِنْده فَوَفَّاهُ حِسَابه } 24 39 .