فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِعِبَادِهِ , مُنَبِّهًا لَهُمْ عَلَى ضَلَالَتهمْ وَكُفْرهمْ : { أُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقًّا } يَقُول : أَيّهَا النَّاس هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْت لَكُمْ صِفَتهمْ هُمْ أَهْل الْكُفْر بِي , الْمُسْتَحِقُّونَ عَذَابِي وَالْخُلُود فِي نَارِي حَقًّا , فَاسْتَيْقِنُوا ذَلِكَ , وَلَا يُشَكِّكَنَّكُمْ فِي أَمْرهمْ اِنْتِحَالهمْ الْكَذِب وَدَعْوَاهُمْ أَنَّهُمْ يُقِرُّونَ بِمَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ بِهِ مُقِرُّونَ مِنْ الْكُتُب وَالرُّسُل , فَإِنَّهُمْ فِي دَعْوَاهُمْ مَا اِدَّعَوْا مِنْ ذَلِكَ كَذَبَة. وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْمِن بِالْكُتُبِ وَالرُّسُل , هُوَ الْمُصَدِّق بِجَمِيعِ مَا فِي الْكِتَاب الَّذِي يَزْعُم أَنَّهُ بِهِ مُصَدِّق وَبِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول الَّذِي يَزْعُم أَنَّهُ بِهِ مُؤْمِن , فَأَمَّا مَنْ صَدَّقَ بِبَعْضِ ذَلِكَ وَكَذَّبَ بِبَعْضٍ , فَهُوَ لِنُبُوَّةِ مَنْ كَذَّبَ بِبَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ جَاحِد , وَمَنْ جَحَدَ نُبُوَّة نَبِيّ فَهُوَ بِهِ مُكَذِّب. وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ جَحَدُوا نُبُوَّة بَعْض الْأَنْبِيَاء وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ مُصَدِّقُونَ بِبَعْضٍ , مُكَذِّبُونَ مَنْ زَعَمُوا أَنَّهُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ , لِتَكْذِيبِهِمْ بِبَعْضِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّهمْ , فَهُمْ بِاَللَّهِ وَبِرُسُلِهِ - الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ بِهِمْ مُصَدِّقُونَ , وَاَلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ بِهِمْ . مُكَذِّبُونَ - كَافِرُونَ , فَهُمْ الْجَاحِدُونَ وَحْدَانِيَّة اللَّه وَنُبُوَّة أَنْبِيَائِهِ , حَقّ الْجُحُود الْمُكَذِّبُونَ بِذَلِكَ حَقّ التَّكْذِيب , فَاحْذَرُوا أَنْ تَغْتَرُّوا بِهِمْ وَبِبِدْعَتِهِمْ , فَإِنَّا قَدْ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا .
وَأَمَّا قَوْله : { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ جَحَدَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله جُحُود هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْت لَكُمْ أَيّهَا النَّاس أَمْرهمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَلِغَيْرِهِمْ مِنْ سَائِر أَجْنَاس الْكُفَّار عَذَابًا فِي الْآخِرَة مُهِينًا , يَعْنِي : يُهِين مَنْ عُذِّبَ بِهِ بِخُلُودِهِ فِيهِ .
وَأَمَّا قَوْله : { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ جَحَدَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله جُحُود هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْت لَكُمْ أَيّهَا النَّاس أَمْرهمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَلِغَيْرِهِمْ مِنْ سَائِر أَجْنَاس الْكُفَّار عَذَابًا فِي الْآخِرَة مُهِينًا , يَعْنِي : يُهِين مَنْ عُذِّبَ بِهِ بِخُلُودِهِ فِيهِ .
وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرُسُله وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْن أَحَد مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورهمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاَلَّذِينَ صَدَّقُوا بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه , وَأَقَرُّوا بِنُبُوَّةِ رُسُله أَجْمَعِينَ , وَصَدَّقُوهُمْ فِيمَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ شَرَائِع دِينه ; { وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْن أَحَد مِنْهُمْ } يَقُول : وَلَمْ يُكَذِّبُوا بَعْضهمْ , وَيُصَدِّقُوا بَعْضهمْ , وَلَكِنَّهُمْ أَقَرُّوا أَنَّ كُلّ مَا جَاءُوا بِهِ مِنْ عِنْد رَبّهمْ حَقّ . { أُولَئِكَ } يَقُول : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتهمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَرُسُله , { سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ } يَقُول : سَوْفَ يُعْطِيهِمْ { أُجُورهمْ } يَعْنِي : جَزَاءَهُمْ , وَثَوَابهمْ عَلَى تَصْدِيقهمْ الرُّسُل فِي تَوْحِيد اللَّه وَشَرَائِع دِينه وَمَا جَاءَتْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه .
{ وَكَانَ اللَّه غَفُورًا } يَقُول : يَغْفِر لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ خَلْقه مَا سَلَفَ لَهُ مِنْ آثَامه , فَيَسْتُر عَلَيْهِ بِعَفْوِهِ لَهُ عَنْهُ وَتَرْكه الْعُقُوبَة عَلَيْهِ , فَإِنَّهُ لَمْ يَزَلْ لِذُنُوبِ الْمُنِيبِينَ إِلَيْهِ مِنْ خَلْقه { غَفُورًا رَحِيمًا } , يَعْنِي : وَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ رَحِيمًا بِتَفَضُّلِهِ عَلَيْهِمْ الْهِدَايَة إِلَى سَبِيل الْحَقّ وَتَوْفِيقه إِيَّاهُمْ لِمَا فِيهِ خَلَاص رِقَابهمْ مِنْ النَّار .
{ وَكَانَ اللَّه غَفُورًا } يَقُول : يَغْفِر لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ خَلْقه مَا سَلَفَ لَهُ مِنْ آثَامه , فَيَسْتُر عَلَيْهِ بِعَفْوِهِ لَهُ عَنْهُ وَتَرْكه الْعُقُوبَة عَلَيْهِ , فَإِنَّهُ لَمْ يَزَلْ لِذُنُوبِ الْمُنِيبِينَ إِلَيْهِ مِنْ خَلْقه { غَفُورًا رَحِيمًا } , يَعْنِي : وَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ رَحِيمًا بِتَفَضُّلِهِ عَلَيْهِمْ الْهِدَايَة إِلَى سَبِيل الْحَقّ وَتَوْفِيقه إِيَّاهُمْ لِمَا فِيهِ خَلَاص رِقَابهمْ مِنْ النَّار .
يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللَّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَسْأَلك أَهْل الْكِتَاب أَنْ تُنَزِّل عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنْ السَّمَاء } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يَسْأَلك } يَا مُحَمَّد { أَهْل الْكِتَاب } يَعْنِي بِذَلِكَ : أَهْل التَّوْرَاة مِنْ الْيَهُود , { أَنْ تُنَزِّل عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنْ السَّمَاء } . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْكِتَاب الَّذِي سَأَلَ الْيَهُود مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنَزِّل عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء , فَقَالَ بَعْضهمْ : سَأَلُوهُ أَنْ يُنَزِّل عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنْ السَّمَاء مَكْتُوبًا , كَمَا جَاءَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيل بِالتَّوْرَاةِ مَكْتُوبَة مِنْ عِنْد اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8473 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَسْأَلك أَهْل الْكِتَاب أَنْ تُنَزِّل عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنْ السَّمَاء } قَالَتْ الْيَهُود : إِنْ كُنْت صَادِقًا أَنَّك رَسُول اللَّه , فَأْتِنَا كِتَابًا مَكْتُوبًا مِنْ السَّمَاء كَمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى. 8474 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , قَالَ : جَاءَ أُنَاس مِنْ الْيَهُود إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالُوا , إِنَّ مُوسَى جَاءَ بِالْأَلْوَاحِ مِنْ عِنْد اللَّه , فَأْتِنَا بِالْأَلْوَاحِ مِنْ عِنْد اللَّه حَتَّى نُصَدِّقك ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَسْأَلك أَهْل الْكِتَاب أَنْ تُنَزِّل عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنْ السَّمَاء } ... إِلَى قَوْله : { وَقَوْلهمْ عَلَى مَرْيَم بُهْتَانًا عَظِيمًا } . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ سَأَلُوهُ أَنْ يُنَزِّل عَلَيْهِمْ كِتَابًا خَاصًّا لَهُمْ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8475 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يَسْأَلك أَهْل الْكِتَاب أَنْ تُنَزِّل عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنْ السَّمَاء } أَيْ كِتَابًا خَاصًّا { فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَر مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّه جَهْرَة } . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ سَأَلُوهُ أَنْ يُنَزِّل عَلَى رِجَال مِنْهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ كُتُبًا بِالْأَمْرِ بِتَصْدِيقِهِ وَاتِّبَاعه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8476 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { يَسْأَلك أَهْل الْكِتَاب أَنْ تُنَزِّل عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنْ السَّمَاء } وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَتَوْا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالُوا : لَنْ نُتَابِعك عَلَى مَا تَدْعُونَا إِلَيْهِ , حَتَّى تَأْتِينَا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْد اللَّه إِلَى فُلَان أَنَّك رَسُول اللَّه , وَإِلَى فُلَان بِكِتَابٍ أَنَّك رَسُول اللَّه ! قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يَسْأَلك أَهْل الْكِتَاب أَنْ تُنَزِّل عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنْ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَر مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّه جَهْرَة } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ أَهْل التَّوْرَاة سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْأَل رَبّه أَنْ يُنَزِّل عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنْ السَّمَاء آيَة , مُعْجِزَة جَمِيع الْخَلْق عَنْ أَنْ يَأْتُوا مِثْلهَا , شَاهِدَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصِّدْقِ , آمِرَة لَهُمْ بِاتِّبَاعِهِ. وَجَائِز أَنْ يَكُون الَّذِي سَأَلُوهُ مِنْ ذَلِكَ كِتَابًا مَكْتُوبًا يَنْزِل عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء إِلَى جَمَاعَتهمْ , وَجَائِز أَنْ يَكُون ذَلِكَ كُتُبًا إِلَى أَشْخَاص بِأَعْيُنِهِمْ . بَلْ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِظَاهِرِ التِّلَاوَة أَنْ تَكُون مَسْأَلَتهمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ كَانَتْ مَسْأَلَة لِيَنْزِل الْكِتَاب الْوَاحِد إِلَى جَمَاعَتهمْ لِذِكْرِ اللَّه تَعَالَى فِي خَبَره عَنْهُمْ الْكِتَاب بِلَفْظِ الْوَاحِد , بِقَوْلِهِ : { يَسْأَلك أَهْل الْكِتَاب أَنْ تُنَزِّل عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنْ السَّمَاء } وَلَمْ يَقُلْ : " كُتُبًا ".
وَأَمَّا قَوْله : { فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَر مِنْ ذَلِكَ } فَإِنَّهُ تَوْبِيخ مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ سَائِلِي الْكِتَاب الَّذِي سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنَزِّلهُ عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء فِي مَسْأَلَتهمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ , وَتَقْرِيع مِنْهُ لَهُمْ . يَقُول لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا مُحَمَّد لَا يَعْظُمَنَّ عَلَيْك مَسْأَلَتهمْ ذَلِكَ , فَإِنَّهُمْ مِنْ جَهْلهمْ بِاَللَّهِ وَجَرَاءَتهمْ عَلَيْهِ وَاغْتِرَارهمْ بِحِلْمِهِ , لَوْ أَنْزَلْت عَلَيْهِمْ الْكِتَاب الَّذِي سَأَلُوك أَنْ تُنْزِلهُ عَلَيْهِمْ , لَخَالَفُوا أَمْر اللَّه كَمَا خَالَفُوهُ بَعْد إِحْيَاء اللَّه أَوَائِلهمْ مِنْ صَعْقَتهمْ , فَعَبَدُوا الْعِجْل , وَاِتَّخَذُوهُ إِلَهًا يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُون خَالِقهمْ وَبَارِئِهِمْ الَّذِي أَرَاهُمْ مِنْ قُدْرَته وَعَظِيم سُلْطَانه مَا أَرَاهُمْ ; لِأَنَّهُمْ لَنْ يَعْدُوا أَنْ يَكُونُوا كَأَوَائِلِهِمْ وَأَسْلَافهمْ . ثُمَّ قَصَّ اللَّه مِنْ قِصَّتهمْ وَقِصَّة مُوسَى مَا قَصَّ , يَقُول اللَّه : { فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَر مِنْ ذَلِكَ } يَعْنِي : فَقَدْ سَأَلَ أَسْلَاف هَؤُلَاءِ الْيَهُود وَأَوَائِلهمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَعْظَم مِمَّا سَأَلُوك مِنْ تَنْزِيل كِتَاب عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء فَقَالُوا لَهُ { أَرِنَا اللَّه جَهْرَة } : أَيْ عِيَانًا نُعَايِنهُ وَنَنْظُر إِلَيْهِ . وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى مَعْنَى الْجَهْرَة بِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الرِّوَايَة وَالشَّوَاهِد عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي مَعْنَاهُ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي ذَلِكَ بِمَا : 8477 - حَدَّثَنِي بِهِ الْحَارِث , قَالَ : ثنا أَبُو عُبَيْد , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ هَارُون بْن مُوسَى , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْحَاق , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن مُعَاوِيَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة , قَالَ : إِنَّهُمْ إِذَا رَأَوْهُ فَقَدْ رَأَوْهُ , إِنَّمَا قَالُوا : " جَهْرَة أَرِنَا اللَّه " قَالَ : هُوَ مُقَدَّم وَمُؤَخَّر. وَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَتَأَوَّل ذَلِكَ أَنَّ سُؤَالهمْ مُوسَى كَانَ جَهْرَة.
وَأَمَّا قَوْله : { فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَة } فَإِنَّهُ يَقُول : فَصَعِقُوا بِظُلْمِهِمْ أَنْفُسهمْ , وَظُلْمهمْ أَنْفُسهمْ كَانَ مَسْأَلَتهمْ مُوسَى أَنْ يُرِيَهُمْ رَبّهمْ جَهْرَة , لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَسْأَلَته . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الصَّاعِقَة فِيمَا مَضَى بِاخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي تَأْوِيلهَا وَالدَّلِيل عَلَى أَوْلَى مَا قِيلَ فِيهَا بِالصَّوَابِ .
وَأَمَّا قَوْله : { ثُمَّ اِتَّخَذُوا الْعِجْل } فَإِنَّهُ يَعْنِي : ثُمَّ اِتَّخَذَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَأَلُوا مُوسَى مَا سَأَلُوهُ مِنْ رُؤْيَة رَبّهمْ جَهْرَة , بَعْد مَا أَحْيَاهُمْ اللَّه , فَبَعَثَهُمْ مِنْ صَعْقَتهمْ الْعِجْل الَّذِي كَانَ السَّامِرِيّ نَبَذَ فِيهِ مَا نَبَذَ مِنْ الْقَبْضَة الَّتِي قَبَضَهَا مِنْ أَثَر فَرَس جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام , إِلَهًا يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُون اللَّه . وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى ذِكْر السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله اِتَّخَذُوا الْعِجْل وَكَيْفَ كَانَ أَمْرهمْ وَأَمْره فِيمَا مَضَى بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة .
وَقَوْله : { مِنْ بَعْد مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَات } يَعْنِي : مِنْ بَعْد مَا جَاءَتْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَأَلُوا مُوسَى مَا سَأَلُوا الْبَيِّنَات مِنْ اللَّه , وَالدَّلَالَات الْوَاضِحَات بِأَنَّهُمْ لَنْ يَرَوْا اللَّه عِيَانًا جِهَارًا . وَإِنَّمَا عَنَى بِالْبَيِّنَاتِ : أَنَّهَا آيَات تُبَيِّن عَنْ أَنَّهُمْ لَنْ يَرَوْا اللَّه فِي أَيَّام حَيَاتهمْ فِي الدُّنْيَا جَهْرَة , وَكَانَتْ تِلْكَ الْآيَات الْبَيِّنَات لَهُمْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ , إِصْعَاق اللَّه إِيَّاهُمْ عِنْد مَسْأَلَتهمْ مُوسَى أَنْ يُرِيَهُمْ رَبّه جَهْرَة , ثُمَّ إِحْيَاءَهُ إِيَّاهُمْ بَعْد مَمَاتهمْ مَعَ سَائِر الْآيَات الَّتِي أَرَاهُمْ اللَّه دَلَالَة عَلَى ذَلِكَ . يَقُول اللَّه مُقَبِّحًا إِلَيْهِمْ فِعْلهمْ ذَلِكَ وَمُوَضِّحًا لِعِبَادِهِ جَهْلهمْ وَنَقْص عُقُولهمْ وَأَحْلَامهمْ : ثُمَّ أَقَرُّوا لِلْعِجْلِ بِأَنَّهُ لَهُمْ إِلَه , وَهُمْ يَرَوْنَهُ عِيَانًا وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ جِهَارًا , بَعْد مَا أَرَاهُمْ رَبّهمْ مِنْ الْآيَات الْبَيِّنَات مَا أَرَاهُمْ , أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ رَبّهمْ جَهْرَة وَعِيَانًا فِي حَيَاتهمْ الدُّنْيَا , فَعَكَفُوا عَلَى عِبَادَته مُصَدِّقِينَ بِأُلُوهَتِهِ .
وَقَوْله : { فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ } يَقُول : فَعَفَوْنَا لِعَبَدَةِ الْعِجْل عَنْ عِبَادَتهمْ إِيَّاهُ , وَلِلْمُصَدِّقِينَ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ إِلَههمْ , بَعْد الَّذِي أَرَاهُمْ اللَّه أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ رَبّهمْ فِي حَيَاتهمْ مِنْ الْآيَات مَا أَرَاهُمْ عَنْ تَصْدِيقهمْ بِذَلِكَ بِالتَّوْبَةِ الَّتِي تَابُوهَا إِلَى رَبّهمْ بِقَتْلِهِمْ أَنْفُسهمْ وَصَبْرهمْ فِي ذَلِكَ عَلَى أَمْر رَبّهمْ .
{ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا } يَقُول : وَآتَيْنَا مُوسَى حُجَّة تُبَيِّن عَنْ صِدْقه وَحَقِّيَّة نُبُوَّته , وَتِلْكَ الْحُجَّة هِيَ الْآيَات الْبَيِّنَات الَّتِي آتَاهُ اللَّه إِيَّاهَا .
وَأَمَّا قَوْله : { فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَر مِنْ ذَلِكَ } فَإِنَّهُ تَوْبِيخ مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ سَائِلِي الْكِتَاب الَّذِي سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنَزِّلهُ عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء فِي مَسْأَلَتهمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ , وَتَقْرِيع مِنْهُ لَهُمْ . يَقُول لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا مُحَمَّد لَا يَعْظُمَنَّ عَلَيْك مَسْأَلَتهمْ ذَلِكَ , فَإِنَّهُمْ مِنْ جَهْلهمْ بِاَللَّهِ وَجَرَاءَتهمْ عَلَيْهِ وَاغْتِرَارهمْ بِحِلْمِهِ , لَوْ أَنْزَلْت عَلَيْهِمْ الْكِتَاب الَّذِي سَأَلُوك أَنْ تُنْزِلهُ عَلَيْهِمْ , لَخَالَفُوا أَمْر اللَّه كَمَا خَالَفُوهُ بَعْد إِحْيَاء اللَّه أَوَائِلهمْ مِنْ صَعْقَتهمْ , فَعَبَدُوا الْعِجْل , وَاِتَّخَذُوهُ إِلَهًا يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُون خَالِقهمْ وَبَارِئِهِمْ الَّذِي أَرَاهُمْ مِنْ قُدْرَته وَعَظِيم سُلْطَانه مَا أَرَاهُمْ ; لِأَنَّهُمْ لَنْ يَعْدُوا أَنْ يَكُونُوا كَأَوَائِلِهِمْ وَأَسْلَافهمْ . ثُمَّ قَصَّ اللَّه مِنْ قِصَّتهمْ وَقِصَّة مُوسَى مَا قَصَّ , يَقُول اللَّه : { فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَر مِنْ ذَلِكَ } يَعْنِي : فَقَدْ سَأَلَ أَسْلَاف هَؤُلَاءِ الْيَهُود وَأَوَائِلهمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَعْظَم مِمَّا سَأَلُوك مِنْ تَنْزِيل كِتَاب عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء فَقَالُوا لَهُ { أَرِنَا اللَّه جَهْرَة } : أَيْ عِيَانًا نُعَايِنهُ وَنَنْظُر إِلَيْهِ . وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى مَعْنَى الْجَهْرَة بِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الرِّوَايَة وَالشَّوَاهِد عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي مَعْنَاهُ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي ذَلِكَ بِمَا : 8477 - حَدَّثَنِي بِهِ الْحَارِث , قَالَ : ثنا أَبُو عُبَيْد , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ هَارُون بْن مُوسَى , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْحَاق , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن مُعَاوِيَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة , قَالَ : إِنَّهُمْ إِذَا رَأَوْهُ فَقَدْ رَأَوْهُ , إِنَّمَا قَالُوا : " جَهْرَة أَرِنَا اللَّه " قَالَ : هُوَ مُقَدَّم وَمُؤَخَّر. وَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَتَأَوَّل ذَلِكَ أَنَّ سُؤَالهمْ مُوسَى كَانَ جَهْرَة.
وَأَمَّا قَوْله : { فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَة } فَإِنَّهُ يَقُول : فَصَعِقُوا بِظُلْمِهِمْ أَنْفُسهمْ , وَظُلْمهمْ أَنْفُسهمْ كَانَ مَسْأَلَتهمْ مُوسَى أَنْ يُرِيَهُمْ رَبّهمْ جَهْرَة , لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَسْأَلَته . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الصَّاعِقَة فِيمَا مَضَى بِاخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي تَأْوِيلهَا وَالدَّلِيل عَلَى أَوْلَى مَا قِيلَ فِيهَا بِالصَّوَابِ .
وَأَمَّا قَوْله : { ثُمَّ اِتَّخَذُوا الْعِجْل } فَإِنَّهُ يَعْنِي : ثُمَّ اِتَّخَذَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَأَلُوا مُوسَى مَا سَأَلُوهُ مِنْ رُؤْيَة رَبّهمْ جَهْرَة , بَعْد مَا أَحْيَاهُمْ اللَّه , فَبَعَثَهُمْ مِنْ صَعْقَتهمْ الْعِجْل الَّذِي كَانَ السَّامِرِيّ نَبَذَ فِيهِ مَا نَبَذَ مِنْ الْقَبْضَة الَّتِي قَبَضَهَا مِنْ أَثَر فَرَس جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام , إِلَهًا يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُون اللَّه . وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى ذِكْر السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله اِتَّخَذُوا الْعِجْل وَكَيْفَ كَانَ أَمْرهمْ وَأَمْره فِيمَا مَضَى بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة .
وَقَوْله : { مِنْ بَعْد مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَات } يَعْنِي : مِنْ بَعْد مَا جَاءَتْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَأَلُوا مُوسَى مَا سَأَلُوا الْبَيِّنَات مِنْ اللَّه , وَالدَّلَالَات الْوَاضِحَات بِأَنَّهُمْ لَنْ يَرَوْا اللَّه عِيَانًا جِهَارًا . وَإِنَّمَا عَنَى بِالْبَيِّنَاتِ : أَنَّهَا آيَات تُبَيِّن عَنْ أَنَّهُمْ لَنْ يَرَوْا اللَّه فِي أَيَّام حَيَاتهمْ فِي الدُّنْيَا جَهْرَة , وَكَانَتْ تِلْكَ الْآيَات الْبَيِّنَات لَهُمْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ , إِصْعَاق اللَّه إِيَّاهُمْ عِنْد مَسْأَلَتهمْ مُوسَى أَنْ يُرِيَهُمْ رَبّه جَهْرَة , ثُمَّ إِحْيَاءَهُ إِيَّاهُمْ بَعْد مَمَاتهمْ مَعَ سَائِر الْآيَات الَّتِي أَرَاهُمْ اللَّه دَلَالَة عَلَى ذَلِكَ . يَقُول اللَّه مُقَبِّحًا إِلَيْهِمْ فِعْلهمْ ذَلِكَ وَمُوَضِّحًا لِعِبَادِهِ جَهْلهمْ وَنَقْص عُقُولهمْ وَأَحْلَامهمْ : ثُمَّ أَقَرُّوا لِلْعِجْلِ بِأَنَّهُ لَهُمْ إِلَه , وَهُمْ يَرَوْنَهُ عِيَانًا وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ جِهَارًا , بَعْد مَا أَرَاهُمْ رَبّهمْ مِنْ الْآيَات الْبَيِّنَات مَا أَرَاهُمْ , أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ رَبّهمْ جَهْرَة وَعِيَانًا فِي حَيَاتهمْ الدُّنْيَا , فَعَكَفُوا عَلَى عِبَادَته مُصَدِّقِينَ بِأُلُوهَتِهِ .
وَقَوْله : { فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ } يَقُول : فَعَفَوْنَا لِعَبَدَةِ الْعِجْل عَنْ عِبَادَتهمْ إِيَّاهُ , وَلِلْمُصَدِّقِينَ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ إِلَههمْ , بَعْد الَّذِي أَرَاهُمْ اللَّه أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ رَبّهمْ فِي حَيَاتهمْ مِنْ الْآيَات مَا أَرَاهُمْ عَنْ تَصْدِيقهمْ بِذَلِكَ بِالتَّوْبَةِ الَّتِي تَابُوهَا إِلَى رَبّهمْ بِقَتْلِهِمْ أَنْفُسهمْ وَصَبْرهمْ فِي ذَلِكَ عَلَى أَمْر رَبّهمْ .
{ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا } يَقُول : وَآتَيْنَا مُوسَى حُجَّة تُبَيِّن عَنْ صِدْقه وَحَقِّيَّة نُبُوَّته , وَتِلْكَ الْحُجَّة هِيَ الْآيَات الْبَيِّنَات الَّتِي آتَاهُ اللَّه إِيَّاهَا .
وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَرَفَعْنَا فَوْقهمْ الطُّور بِمِيثَاقِهِمْ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَرَفَعْنَا فَوْقهمْ الطُّور } يَعْنِي : الْجَبَل , وَذَلِكَ لَمَّا اِمْتَنَعُوا مِنْ الْعَمَل بِمَا فِي التَّوْرَاة , وَقَبُول مَا جَاءَهُمْ بِهِ مُوسَى فِيهَا . { بِمِيثَاقِهِمْ } يَعْنِي : بِمَا أَعْطَوْا اللَّه الْمِيثَاق وَالْعَهْد : لَنَعْمَلَنَّ بِمَا فِي التَّوْرَاة .
{ وَقُلْنَا لَهُمْ اُدْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا } يَعْنِي : بَاب حِطَّة , حِين أُمِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا مِنْهُ سُجُودًا , فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاههمْ . كَمَا : 8478 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَقُلْنَا لَهُمْ اُدْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا } قَالَ : كُنَّا نُحَدِّث أَنَّهُ بَاب مِنْ أَبْوَاب بَيْت الْمَقْدِسِ .
{ وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْت } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { لَا تَعْدُوا فِي السَّبْت } لَا تَتَجَاوَزُوا فِي يَوْم السَّبْت مَا أُبِيحَ لَكُمْ إِلَى مَا لَمْ يُبَحْ لَكُمْ . { وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْت } أَمَرَ الْقَوْم أَنْ لَا يَأْكُلُوا الْحِيتَان يَوْم السَّبْت وَلَا يَعْرِضُوا لَهَا , وَأَحَلَّ لَهُمْ مَا وَرَاء ذَلِكَ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَمْصَار الْإِسْلَام : { لَا تَعْدُوا فِي السَّبْت } بِتَخْفِيفِ الْعَيْن ; مِنْ قَوْل الْقَائِل : عَدَوْت فِي الْأَمْر : إِذَا تَجَاوَزْت الْحَقّ فِيهِ , أَعْدُو عَدْوًا وَعُدْوَانًا وَعَدَاء. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة : " وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُّوا " بِتَسْكِينِ الْعَيْن وَتَشْدِيد الدَّال وَالْجَمْع بَيْن سَاكِنَيْنِ , بِمَعْنَى : " تَعْتَدُوا " ثُمَّ تُدْغَم التَّاء فِي الدَّال فَتَصِير دَالًا مُشَدَّدَة مَضْمُومَة , كَمَا قَرَأَ مَنْ قَرَأَ : { أَمْ مَنْ لَا يَهْدِّي } 10 35 بِتَسْكِينِ الْهَاء .
وَقَوْله { وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا } يَعْنِي : عَهْدًا مُؤَكَّدًا شَدِيدًا , بِأَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ بِمَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ وَيَنْتَهُونَ عَمَّا نَهَاهُمْ اللَّه عَنْهُ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْآيَة وَمِمَّا فِي التَّوْرَاة . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله كَانُوا أُمِرُوا بِدُخُولِ الْبَاب سُجَّدًا , وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرهمْ فِي ذَلِكَ , وَخَبَرهمْ وَقِصَّتهمْ , وَقِصَّة السَّبْت , وَمَا كَانَ اِعْتِدَاؤُهُمْ فِيهِ , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
{ وَقُلْنَا لَهُمْ اُدْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا } يَعْنِي : بَاب حِطَّة , حِين أُمِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا مِنْهُ سُجُودًا , فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاههمْ . كَمَا : 8478 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَقُلْنَا لَهُمْ اُدْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا } قَالَ : كُنَّا نُحَدِّث أَنَّهُ بَاب مِنْ أَبْوَاب بَيْت الْمَقْدِسِ .
{ وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْت } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { لَا تَعْدُوا فِي السَّبْت } لَا تَتَجَاوَزُوا فِي يَوْم السَّبْت مَا أُبِيحَ لَكُمْ إِلَى مَا لَمْ يُبَحْ لَكُمْ . { وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْت } أَمَرَ الْقَوْم أَنْ لَا يَأْكُلُوا الْحِيتَان يَوْم السَّبْت وَلَا يَعْرِضُوا لَهَا , وَأَحَلَّ لَهُمْ مَا وَرَاء ذَلِكَ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَمْصَار الْإِسْلَام : { لَا تَعْدُوا فِي السَّبْت } بِتَخْفِيفِ الْعَيْن ; مِنْ قَوْل الْقَائِل : عَدَوْت فِي الْأَمْر : إِذَا تَجَاوَزْت الْحَقّ فِيهِ , أَعْدُو عَدْوًا وَعُدْوَانًا وَعَدَاء. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة : " وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُّوا " بِتَسْكِينِ الْعَيْن وَتَشْدِيد الدَّال وَالْجَمْع بَيْن سَاكِنَيْنِ , بِمَعْنَى : " تَعْتَدُوا " ثُمَّ تُدْغَم التَّاء فِي الدَّال فَتَصِير دَالًا مُشَدَّدَة مَضْمُومَة , كَمَا قَرَأَ مَنْ قَرَأَ : { أَمْ مَنْ لَا يَهْدِّي } 10 35 بِتَسْكِينِ الْهَاء .
وَقَوْله { وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا } يَعْنِي : عَهْدًا مُؤَكَّدًا شَدِيدًا , بِأَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ بِمَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ وَيَنْتَهُونَ عَمَّا نَهَاهُمْ اللَّه عَنْهُ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْآيَة وَمِمَّا فِي التَّوْرَاة . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله كَانُوا أُمِرُوا بِدُخُولِ الْبَاب سُجَّدًا , وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرهمْ فِي ذَلِكَ , وَخَبَرهمْ وَقِصَّتهمْ , وَقِصَّة السَّبْت , وَمَا كَانَ اِعْتِدَاؤُهُمْ فِيهِ , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ وَكُفْرهمْ بِآيَاتِ اللَّه وَقَتْلهمْ الْأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ وَقَوْلهمْ قُلُوبنَا غُلْف بَلْ طَبَعَ اللَّه عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَبِنَقْضِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْت صِفَتهمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب مِيثَاقهمْ , يَعْنِي عُهُودهمْ الَّتِي عَاهَدُوا اللَّه أَنْ يَعْمَلُوا بِمَا فِي التَّوْرَاة . { وَكُفْرهمْ بِآيَاتِ اللَّه } يَقُول : وَجُحُودهمْ بِآيَاتِ اللَّه , يَعْنِي : بِأَعْلَامِ اللَّه وَأَدِلَّته الَّتِي اِحْتَجَّ بِهَا عَلَيْهِمْ فِي صِدْق أَنْبِيَائِهِ وَرُسُله , وَحَقِّيَّة مَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنْ عِنْده . { وَقَتْلهمْ الْأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ } يَقُول : وَبِقَتْلِهِمْ الْأَنْبِيَاء بَعْد قِيَام الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِنُبُوَّتِهِمْ بِغَيْرِ حَقّ , يَعْنِي : بِغَيْرِ اِسْتِحْقَاق مِنْهُمْ ذَلِكَ لِكَبِيرَةٍ أَتَوْهَا وَلَا خَطِيئَة اِسْتَوْجَبُوا الْقَتْل عَلَيْهَا . وَقَوْلهمْ : { قُلُوبنَا غُلْف } يَعْنِي : وَبِقَوْلِهِمْ : قُلُوبنَا غُلْف , يَعْنِي يَقُولُونَ : عَلَيْهَا غِشَاوَة وَأَغْطِيَة عَمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ , فَلَا نَفْقَه مَا تَقُول . وَلَا نَعْقِلهُ . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْغُلْف , وَذَكَرْنَا مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الرِّوَايَة فِيمَا مَضَى قَبْل . { بَلْ طَبَعَ اللَّه عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : كَذَبُوا فِي قَوْلهمْ قُلُوبنَا غُلْف , مَا هِيَ بِغُلْفٍ وَلَا عَلَيْهَا أَغْطِيَة ; وَلَكِنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ جَعَلَ عَلَيْهَا طَابَعًا بِكُفْرِهِمْ بِاَللَّهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا صِفَة الطَّبْع عَلَى الْقَلْب فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8479 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ } يَقُول : فَبِنَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ لَعَنَّاهُمْ ; { وَقَوْلهمْ قُلُوبنَا غُلْف } : أَيْ لَا نَفْقَه , { بَلْ طَبَعَ اللَّه عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } وَلَعَنَهُمْ حِين فَعَلُوا ذَلِكَ . وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْله : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ } . .. الْآيَة , هَلْ هُوَ مُوَاصِل لِمَا قَبْله مِنْ الْكَلَام , أَوْ هُوَ مُنْفَصِل مِنْهُ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ مُنْفَصِل مِمَّا قَبْله , وَمَعْنَاهُ : فَبِنَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ وَكُفْرهمْ بِآيَاتِ اللَّه وَقَتْلهمْ الْأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ { وَقَوْلهمْ قُلُوبنَا غُلْف بَلْ طَبَعَ اللَّه عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } وَلَعَنَهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8480 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا } لَمَّا تَرَكَ الْقَوْم أَمْر اللَّه , وَقَتَلُوا رُسُله , وَكَفَرُوا بِآيَاتِهِ , وَنَقَضُوا الْمِيثَاق الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمْ . { طَبَعَ اللَّه عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } وَلَعَنَهُمْ. وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ مُوَاصِل لِمَا قَبْله ; قَالُوا : وَمَعْنَى الْكَلَام : فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَة بِظُلْمِهِمْ , فَبِنَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ , وَكُفْرهمْ بِآيَاتِ اللَّه , وَبِقَتْلِهِمْ الْأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ وَبِكَذَا وَكَذَا أَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَة . قَالُوا : فَتَبِعَ الْكَلَام بَعْضه بَعْضًا , وَمَعْنَاهُ مَرْدُود إِلَى أَوَّله . وَتَفْسِير ظُلْمهمْ الَّذِي أَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَة مِنْ أَجْله بِمَا فَسَّرَ بِهِ تَعَالَى ذِكْره مِنْ نَقْضِهِمْ الْمِيثَاق , وَقَتْلهمْ الْأَنْبِيَاء , وَسَائِر مَا بَيَّنَ مِنْ أَمْرهمْ الَّذِي ظَلَمُوا فِيهِ أَنْفُسهمْ. وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّ قَوْله : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ } وَمَا بَعْده مُنْفَصِل مَعْنَاهُ مِنْ مَعْنَى مَا قَبْله ; وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ وَكُفْرهمْ بِآيَاتِ اللَّه , وَبِكَذَا وَبِكَذَا , لَعَنَّاهُمْ وَغَضِبْنَا عَلَيْهِمْ , فَتُرِكَ ذِكْر " لَعَنَّاهُمْ " لِدَلَالَةِ قَوْله : { بَلْ طَبَعَ اللَّه عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } عَلَى مَعْنَى ذَلِكَ , إِذْ كَانَ مَنْ طُبِعَ عَلَى قَلْبه فَقَدْ لُعِنَ وَسُخِطَ عَلَيْهِ . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ الَّذِينَ أَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَة إِنَّمَا كَانُوا عَلَى عَهْد مُوسَى وَاَلَّذِينَ قَتَلُوا الْأَنْبِيَاء وَاَلَّذِينَ رَمَوْا مَرْيَم بِالْبُهْتَانِ الْعَظِيم , وَقَالُوا : قَتَلْنَا الْمَسِيح , كَانُوا بَعْد مُوسَى بِدَهْرٍ طَوِيل , وَلَمْ يُدْرِك الَّذِينَ رَمَوْا مَرْيَم بِالْبُهْتَانِ الْعَظِيم زَمَان مُوسَى وَلَا مَنْ صَعِقَ مِنْ قَوْمه . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَعْلُوم أَنَّ الَّذِينَ أَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَة لَمْ تَأْخُذهُمْ عُقُوبَة لِرَمْيِهِمْ مَرْيَم بِالْبُهْتَانِ الْعَظِيم , وَلَا لِقَوْلِهِمْ : إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيح عِيسَى اِبْن مَرْيَم . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَبَيَّنَ أَنَّ الْقَوْم الَّذِينَ قَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَة , غَيْر الَّذِينَ عُوقِبُوا بِالصَّاعِقَةِ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ بَيِّنًا اِنْفِصَال مَعْنَى قَوْله : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ } مِنْ مَعْنَى قَوْله : { فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَة بِظُلْمِهِمْ } .
{ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا } يَقُول : فَلَا يُؤْمِن هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّه صِفَتهمْ لِطَبْعِهِ عَلَى قُلُوبهمْ , فَيُصَدِّقُوا بِاَللَّهِ وَرُسُله وَمَا جَاءَتْهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه إِلَّا إِيمَانًا قَلِيلًا , يَعْنِي : تَصْدِيقًا قَلِيلًا. وَإِنَّمَا صَارَ قَلِيلًا لِأَنَّهُمْ لَمْ يُصَدِّقُوا عَلَى مَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ , وَلَكِنْ صَدَّقُوا بِبَعْضِ الْأَنْبِيَاء وَبِبَعْضِ الْكُتُب وَكَذَّبُوا بِبَعْضٍ , فَكَانَ تَصْدِيقهمْ بِمَا صَدَّقُوا بِهِ قَلِيلًا , لِأَنَّهُمْ وَإِنْ صَدَّقُوا بِهِ مِنْ وَجْه , فَهُمْ بِهِ مُكَذِّبُونَ مِنْ وَجْه آخَر . وَذَلِكَ مِنْ وَجْه تَكْذِيبهمْ مَنْ كَذَّبُوا بِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاء وَمَا جَاءُوا بِهِ مِنْ كُتُب اللَّه وَرُسُل اللَّه يُصَدِّق بَعْضهمْ بَعْضًا , وَبِذَلِكَ أَمَرَ كُلّ نَبِيّ أُمَّته , وَكَذَلِكَ كُتُب اللَّه يُصَدِّق بَعْضهَا بَعْضًا وَيُحَقِّق بَعْض بَعْضًا , فَالْمُكَذِّب بِبَعْضِهَا مُكَذِّب بِجَمِيعِهَا مِنْ جِهَة جُحُوده مَا صَدَّقَهُ الْكِتَاب الَّذِي يُقِرّ بِصِحَّتِهِ , فَلِذَلِكَ صَارَ إِيمَانهمْ بِمَا آمَنُوا مِنْ ذَلِكَ قَلِيلًا .
{ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا } يَقُول : فَلَا يُؤْمِن هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّه صِفَتهمْ لِطَبْعِهِ عَلَى قُلُوبهمْ , فَيُصَدِّقُوا بِاَللَّهِ وَرُسُله وَمَا جَاءَتْهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه إِلَّا إِيمَانًا قَلِيلًا , يَعْنِي : تَصْدِيقًا قَلِيلًا. وَإِنَّمَا صَارَ قَلِيلًا لِأَنَّهُمْ لَمْ يُصَدِّقُوا عَلَى مَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ , وَلَكِنْ صَدَّقُوا بِبَعْضِ الْأَنْبِيَاء وَبِبَعْضِ الْكُتُب وَكَذَّبُوا بِبَعْضٍ , فَكَانَ تَصْدِيقهمْ بِمَا صَدَّقُوا بِهِ قَلِيلًا , لِأَنَّهُمْ وَإِنْ صَدَّقُوا بِهِ مِنْ وَجْه , فَهُمْ بِهِ مُكَذِّبُونَ مِنْ وَجْه آخَر . وَذَلِكَ مِنْ وَجْه تَكْذِيبهمْ مَنْ كَذَّبُوا بِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاء وَمَا جَاءُوا بِهِ مِنْ كُتُب اللَّه وَرُسُل اللَّه يُصَدِّق بَعْضهمْ بَعْضًا , وَبِذَلِكَ أَمَرَ كُلّ نَبِيّ أُمَّته , وَكَذَلِكَ كُتُب اللَّه يُصَدِّق بَعْضهَا بَعْضًا وَيُحَقِّق بَعْض بَعْضًا , فَالْمُكَذِّب بِبَعْضِهَا مُكَذِّب بِجَمِيعِهَا مِنْ جِهَة جُحُوده مَا صَدَّقَهُ الْكِتَاب الَّذِي يُقِرّ بِصِحَّتِهِ , فَلِذَلِكَ صَارَ إِيمَانهمْ بِمَا آمَنُوا مِنْ ذَلِكَ قَلِيلًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلهمْ عَلَى مَرْيَم بُهْتَانًا عَظِيمًا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَبِكُفْرِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ { وَقَوْلهمْ عَلَى مَرْيَم بُهْتَانًا عَظِيمًا } يَعْنِي : بِفِرْيَتِهِمْ عَلَيْهَا , وَرَمْيهمْ إِيَّاهَا بِالزِّنَا , وَهُوَ الْبُهْتَان الْعَظِيم ; لِأَنَّهُمْ رَمَوْهَا بِذَلِكَ وَهِيَ مِمَّا رَمَوْهَا بِهِ بِغَيْرِ ثَبَت وَلَا بُرْهَان بَرِيئَة , فَبَهَتُوهَا بِالْبَاطِلِ مِنْ الْقَوْل. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8481 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَقَوْلهمْ عَلَى مَرْيَم بُهْتَانًا عَظِيمًا } يَعْنِي أَنَّهُمْ رَمَوْهَا بِالزِّنَا . 8482 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ : قَوْله : { وَقَوْلهمْ عَلَى مَرْيَم بُهْتَانًا عَظِيمًا } حِين قَذَفُوهَا بِالزِّنَا. 8483 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا يَعْلَى بْن عُبَيْد , عَنْ جُوَيْبِر فِي قَوْله : { وَقَوْلهمْ عَلَى مَرْيَم بُهْتَانًا عَظِيمًا } قَالَ : قَالُوا زَنَتْ .
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَوْلهمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيح عِيسَى اِبْن مَرْيَم رَسُول اللَّه وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَبِقَوْلِهِمْ { إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيح عِيسَى اِبْن مَرْيَم رَسُول اللَّه } . ثُمَّ كَذَّبَهُمْ اللَّه فِي قِيلهمْ , فَقَالَ : { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ } يَعْنِي : وَمَا قَتَلُوا عِيسَى وَمَا صَلَبُوهُ , وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ. وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة التَّشْبِيه الَّذِي شُبِّهَ لِلْيَهُودِ فِي أَمْر عِيسَى , فَقَالَ بَعْضهمْ : لَمَّا أَحَاطَتْ الْيَهُود بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ , أَحَاطُوا بِهِمْ , وَهُمْ لَا يُثْبِتُونَ مَعْرِفَة عِيسَى بِعَيْنِهِ , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ جَمِيعًا حُوِّلُوا فِي صُورَة عِيسَى , فَأَشْكَلَ عَلَى الَّذِينَ كَانُوا يُرِيدُونَ قَتْل عِيسَى , عِيسَى مِنْ غَيْره مِنْهُمْ , وَخَرَجَ إِلَيْهِمْ بَعْض مَنْ كَانَ فِي الْبَيْت مَعَ عِيسَى , فَقَتَلُوهُ وَهُمْ يَحْسَبُونَهُ عِيسَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8484 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب الْقُمِّيّ , عَنْ هَارُون بْن عَنْتَرَة , عَنْ وَهْب اِبْن مُنَبِّه , قَالَ : أَتَى عِيسَى وَمَعَهُ سَبْعَة عَشَر مِنْ الْحَوَارِيِّينَ فِي بَيْت , وَأَحَاطُوا بِهِمْ , فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِمْ صَوَّرَهُمْ اللَّه كُلّهمْ عَلَى صُورَة عِيسَى , فَقَالُوا لَهُمْ : سَحَرْتُمُونَا ! لَتُبْرِزُنَّ لَنَا عِيسَى أَوْ لَنَقْتُلَنَّكُمْ جَمِيعًا ! فَقَالَ عِيسَى لِأَصْحَابِهِ : مَنْ يَشْتَرِي نَفْسه مِنْكُمْ الْيَوْم بِالْجَنَّةِ ؟ فَقَالَ رَجُل مِنْهُمْ : أَنَا فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ : أَنَا عِيسَى ! وَقَدْ صَوَّرَهُ اللَّه عَلَى صُورَة عِيسَى , فَأَخَذُوهُ فَقَتَلُوهُ وَصَلَبُوهُ. فَمِنْ ثَمَّ شُبِّهَ لَهُمْ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ قَتَلُوا عِيسَى , وَظَنَّتْ النَّصَارَى مِثْل ذَلِكَ أَنَّهُ عِيسَى , وَرَفَعَ اللَّه عِيسَى مِنْ يَوْمه ذَلِكَ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه غَيْر هَذَا الْقَوْل , وَهُوَ مَا : 8485 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : ثني عَبْد الصَّمَد بْن مُنَقِّل , أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبًا يَقُول : إِنَّ عِيسَى اِبْن مَرْيَم لَمَّا أَعْلَمَهُ اللَّه أَنَّهُ خَارِج مِنْ الدُّنْيَا جَزِعَ مِنْ الْمَوْت وَشَقَّ عَلَيْهِ , فَدَعَا الْحَوَارِيِّينَ وَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا , فَقَالَ : اُحْضُرُونِي اللَّيْلَة , فَإِنَّ لِي إِلَيْكُمْ حَاجَة ! فَلَمَّا اِجْتَمَعُوا إِلَيْهِ مِنْ اللَّيْل عَشَّاهُمْ , وَقَامَ يَخْدُمهُمْ , فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ الطَّعَام أَخَذَ يَغْسِل أَيْدِيهمْ وَيُوَضِّئهُمْ بِيَدِهِ وَيَمْسَح أَيْدِيهمْ بِثِيَابِهِ , فَتَعَاظَمُوا ذَلِكَ وَتَكَارَهُوهُ , فَقَالَ : أَلَا مَنْ رَدَّ عَلَيَّ شَيْئًا اللَّيْلَة مِمَّا أَصْنَع فَلَيْسَ مِنِّي وَلَا أَنَا مِنْهُ ! فَأَقَرُّوهُ , حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ , قَالَ : أَمَّا مَا صَنَعْت بِكُمْ اللَّيْلَة مِمَّا خَدَمْتُكُمْ عَلَى الطَّعَام وَغَسَلْت أَيْدِيَكُمْ بِيَدِي , فَلْيَكُنْ لَكُمْ بِي أُسْوَة , فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَ أَنِّي خَيْركُمْ , فَلَا يَتَعَظَّم بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض , وَلْيَبْذُلْ بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ نَفْسه كَمَا بَذَلْت نَفْسِي لَكُمْ . وَأَمَّا حَاجَتِي الَّتِي اِسْتَعَنْتُكُمْ عَلَيْهَا , فَتَدْعُونَ لِي اللَّه وَتَجْتَهِدُونَ فِي الدُّعَاء أَنْ يُؤَخِّر أَجَلِي ! فَلَمَّا نَصَبُوا أَنْفُسهمْ لِلدُّعَاءِ , وَأَرَادُوا أَنْ يَجْتَهِدُوا , أَخَذَهُمْ النَّوْم حَتَّى لَمْ يَسْتَطِيعُوا دُعَاء , فَجَعَلَ يُوقِظهُمْ وَيَقُول : سُبْحَان اللَّه أَمَا تَصْبِرُونَ لِي لَيْلَة وَاحِدَة تُعِينُونِي فِيهَا ؟ قَالُوا : وَاَللَّه مَا نَدْرِي مَا لَنَا , لَقَدْ كُنَّا نَسْمُر فَنُكْثِر السَّمَر , وَمَا نُطِيق اللَّيْلَة سَمَرًا وَمَا نُرِيد دُعَاء إِلَّا حِيلَ بَيْننَا وَبَيْنه ! فَقَالَ : يُذْهَب بِالرَّاعِي وَتَتَفَرَّق الْغَنَم . وَجَعَلَ يَأْتِي بِكَلَامٍ نَحْو هَذَا يَنْعَى بِهِ نَفْسه , ثُمَّ قَالَ : الْحَقّ لَيَكْفُرَنَّ بِي أَحَدكُمْ قَبْل أَنْ يَصِيح الدِّيك ثَلَاث مَرَّات , وَلَيَبِيعنِي أَحَدكُمْ بِدَرَاهِم يَسِيرَة , وَلَيَأْكُلَنَّ ثَمَنِي ! فَخَرَجُوا وَتَفَرَّقُوا. وَكَانَتْ الْيَهُود تَطْلُبهُ , فَأَخَذُوا شَمْعُون أَحَد الْحَوَارِيِّينَ , فَقَالُوا : هَذَا مِنْ أَصْحَابه , فَجَحَدَ , وَقَالَ : مَا أَنَا بِصَاحِبِهِ , فَتَرَكُوهُ . ثُمَّ أَخَذَهُ آخَرُونَ , فَجَحَدَ كَذَلِكَ , ثُمَّ سَمِعَ صَوْت دِيك , فَبَكَى وَأَحْزَنَهُ. فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى أَحَد الْحَوَارِيِّينَ إِلَى الْيَهُود , فَقَالَ : مَا تَجْعَلُونَ لِي إِنْ دَلَلْتُكُمْ عَلَى الْمَسِيح ؟ فَجَعَلُوا لَهُ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا , فَأَخَذَهَا وَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ , وَكَانَ شُبِّهَ عَلَيْهِمْ قَبْل ذَلِكَ , فَأَخَذُوهُ فَاسْتَوْثَقُوا مِنْهُ وَرَبَطُوهُ بِالْحَبْلِ , فَجَعَلُوا يَقُودُونَهُ وَيَقُولُونَ لَهُ : أَنْتَ كُنْت تُحْيِي الْمَوْتَى وَتَنْتَهِر الشَّيْطَان وَتُبَرِّئ الْمَجْنُون ؟ أَفَلَا تُنَجِّي نَفْسك مِنْ هَذَا الْحَبْل ؟ وَيَبْصُقُونَ عَلَيْهِ , وَيُلْقُونَ عَلَيْهِ الشَّوْك , حَتَّى أَتَوْا بِهِ الْخَشَبَة الَّتِي أَرَادُوا أَنْ يَصْلُبُوهُ عَلَيْهَا , فَرَفَعَهُ اللَّه إِلَيْهِ , وَصَلَبُوا مَا شُبِّهَ لَهُمْ , فَمَكَثَ سَبْعًا. ثُمَّ إِنَّ أُمّه وَالْمَرْأَة الَّتِي كَانَ يُدَاوِيهَا عِيسَى فَأَبْرَأَهَا اللَّه مِنْ الْجُنُون جَاءَتَا تَبْكِيَانِ حَيْثُ كَانَ الْمَصْلُوب , فَجَاءَهُمَا عِيسَى , فَقَالَ : عَلَامَ تَبْكِيَانِ ؟ قَالَتَا عَلَيْك , فَقَالَ : إِنِّي قَدْ رَفَعَنِي اللَّه إِلَيْهِ , وَلَمْ يُصِبْنِي إِلَّا خَيْر , وَإِنَّ هَذَا شَيْء شُبِّهَ لَهُمْ , فَأْمُرَا الْحَوَارِيِّينَ أَنْ يَلْقَوْنِي إِلَى مَكَان كَذَا وَكَذَا ! فَلَقُوهُ إِلَى ذَلِكَ الْمَكَان أَحَد عَشَر , وَفَقَدَ الَّذِي كَانَ بَاعَهُ وَدَلَّ عَلَيْهِ الْيَهُود , فَسَأَلَ عَنْهُ أَصْحَابه , فَقَالُوا : إِنَّهُ نَدِمَ عَلَى مَا صَنَعَ , فَاخْتَنَقَ وَقَتَلَ نَفْسه . فَقَالَ : لَوْ تَابَ لَتَابَ اللَّه عَلَيْهِ ! ثُمَّ سَأَلَهُمْ عَنْ غُلَام يَتْبَعهُمْ يُقَال لَهُ : يُحَنَّا , فَقَالَ : هُوَ مَعَكُمْ فَانْطَلِقُوا فَإِنَّهُ سَيُصْبِحُ كُلّ إِنْسَان مِنْكُمْ يُحَدِّث بِلُغَةِ قَوْم , فَلْيُنْذِرْهُمْ وَلْيَدْعُهُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ سَأَلَ عِيسَى مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْبَيْت أَنْ يُلْقَى عَلَى بَعْضهمْ شَبَهه , فَانْتَدَبَ لِذَلِكَ رَجُل , فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهه , فَقُتِلَ ذَلِكَ الرَّجُل وَرُفِعَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8486 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيح عِيسَى اِبْن مَرْيَم رَسُول اللَّه وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ } ... إِلَى قَوْله : { وَكَانَ اللَّه عَزِيزًا حَكِيمًا } أُولَئِكَ أَعْدَاء اللَّه الْيَهُود اِئْتَمَرُوا بِقَتْلِ عِيسَى اِبْن مَرْيَم رَسُول اللَّه , وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ وَصَلَبُوهُ . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه عِيسَى اِبْن مَرْيَم قَالَ لِأَصْحَابِهِ : أَيّكُمْ يُقْذَف عَلَيْهِ شَبَهِي فَإِنَّهُ مَقْتُول ؟ فَقَالَ رَجُل مِنْ أَصْحَابه : أَنَا يَا نَبِيّ اللَّه. فَقُتِلَ ذَلِكَ الرَّجُل , وَمَنَعَ اللَّه نَبِيّه وَرَفَعَهُ إِلَيْهِ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ } قَالَ : أُلْقِيَ شَبَهه عَلَى رَجُل مِنْ الْحَوَارِيِّينَ فَقُتِلَ , وَكَانَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم عَرَضَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , فَقَالَ : أَيّكُمْ أُلْقِيَ شَبَهِي عَلَيْهِ لَهُ الْجَنَّة ؟ فَقَالَ رَجُل : عَلَيَّ. 8487 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيل حَصَرُوا عِيسَى وَتِسْعَة عَشَر رَجُلًا مِنْ الْحَوَارِيِّينَ فِي بَيْت , فَقَالَ عِيسَى لِأَصْحَابِهِ : مَنْ يَأْخُذ صُورَتِي فَيُقْتَل وَلَهُ الْجَنَّة ؟ فَأَخَذَهَا رَجُل مِنْهُمْ . وَصُعِدَ بِعِيسَى إِلَى السَّمَاء , فَلَمَّا خَرَجَ الْحَوَارِيُّونَ أَبْصَرُوهُمْ تِسْعَة عَشَر , فَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَدْ صُعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاء , فَجَعَلُوا يَعُدُّونَ الْقَوْم فَيَجِدُونَهُمْ يَنْقُصُونَ رَجُلًا مِنْ الْعِدَّة , وَيَرَوْنَ صُورَة عِيسَى فِيهِمْ , فَشَكُّوا فِيهِ . وَعَلَى ذَلِكَ قَتَلُوا الرَّجُل وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهُ عِيسَى وَصَلَبُوهُ , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ } . .. إِلَى قَوْله : { وَكَانَ اللَّه عَزِيزًا حَكِيمًا } . 8488 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة : أَنَّ عِيسَى اِبْن مَرْيَم قَالَ : أَيّكُمْ يُلْقَى عَلَيْهِ شَبَهِي فَيُقْتَل مَكَانِي ؟ فَقَالَ رَجُل مِنْ أَصْحَابه : أَنَا يَا رَسُول اللَّه . فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهه , فَقَتَلُوهُ , فَذَلِكَ قَوْله : { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ } . 8489 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : كَانَ اِسْم مَلِك بَنِي إِسْرَائِيل الَّذِي بُعِثَ إِلَى عِيسَى لِيَقْتُلهُ , رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَال لَهُ : دَاوُد , فَلَمَّا أَجْمَعُوا لِذَلِكَ مِنْهُ لَمْ يَفْظَع عَبْد مِنْ عِبَاد اللَّه بِالْمَوْتِ فِيمَا ذُكِرَ لِي فَظَعه , وَلَمْ يَجْزَع مِنْهُ جَزَعه , وَلَمْ يَدْعُ اللَّه فِي صَرْفه عَنْهُ دُعَاءَهُ ; حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُول فِيمَا يَزْعُمُونَ : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْت صَارِفًا هَذِهِ الْكَأْس عَنْ أَحَد مِنْ خَلْقك , فَاصْرِفْهَا عَنِّي ! وَحَتَّى إِنَّ جِلْده مِنْ كَرْب ذَلِكَ لَيَتَفَصَّد دَمًا . فَدَخَلَ الْمَدْخَل الَّذِي أَجْمَعُوا أَنْ يَدْخُل عَلَيْهِ فِيهِ لِيَقْتُلُوهُ هُوَ وَأَصْحَابه , وَهُمْ ثَلَاثَة عَشَر بِعِيسَى , فَلَمَّا أَيْقَنَ أَنَّهُمْ دَاخِلُونَ عَلَيْهِ , قَالَ لِأَصْحَابِهِ مِنْ الْحَوَارِيِّينَ وَكَانُوا اِثْنَيْ عَشَر رَجُلًا : بُطْرُس , وَيَعْقُوب بْن زَبْدِي , وَيُحَنَّس أَخُو يَعْقُوب , وَأَنْدَرَاوُس , وَفِيلِبُّس , وَأَبْرَثَلْمَا , وَمَتَّى , وَتُومَاس , وَيَعْقُوب بْن حَلْقيا , وَتُدَّاوُس , وفتاتيا , وَيُودُس زَكَرِيَّا يُوطَا . قَالَ اِبْن حُمَيْد : قَالَ سَلَمَة : قَالَ اِبْن إِسْحَاق : وَكَانَ فِيهِمْ فِيمَا ذُكِرَ لِي رَجُل اِسْمه سَرْجِس , فَكَانُوا ثَلَاثَة عَشَر رَجُلًا سِوَى عِيسَى جَحَدَتْهُ النَّصَارَى , وَذَلِكَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي شُبِّهَ لِلْيَهُودِ مَكَان عِيسَى . قَالَ : فَلَا أَدْرِي مَا هُوَ مِنْ هَؤُلَاءِ الِاثْنَيْ عَشَر , أَمْ كَانُوا ثَلَاثَة عَشَر , فَجَحَدُوهُ حِين أَقَرُّوا لِلْيَهُودِ بِصَلْبِ عِيسَى وَكَفَرُوا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْخَبَر عَنْهُ . فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَة عَشَر فَإِنَّهُمْ دَخَلُوا الْمَدْخَل حِين دَخَلُوا وَهُمْ بِعِيسَى أَرْبَعَة عَشَر , وَإِنْ كَانَ اِثْنَيْ عَشَر فَإِنَّهُمْ دَخَلُوا الْمَدْخَل حِين دَخَلُوا وَهُمْ بِعِيسَى ثَلَاثَة عَشَر . حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني رَجُل كَانَ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ أَنَّ عِيسَى حِين جَاءَهُ مِنْ اللَّه { إِنِّي رَافِعك إِلَيَّ } قَالَ : يَا مَعْشَر الْحَوَارِيِّينَ : أَيّكُمْ يُحِبّ أَنْ يَكُون رَفِيقِي فِي الْجَنَّة حَتَّى يُشَبَّه لِلْقَوْمِ فِي صُورَتِي فَيَقْتُلُوهُ مَكَانِي ؟ فَقَالَ سَرْجِس : أَنَا يَا رُوح اللَّه ! قَالَ : فَاجْلِسْ فِي مَجْلِسِي. فَجَلَسَ فِيهِ , وَرَفَعَ عِيسَى صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ , فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَأَخَذُوهُ , فَصَلَبُوهُ , فَكَانَ هُوَ الَّذِي صَلَبُوهُ وَشُبِّهَ لَهُمْ بِهِ . وَكَانَتْ عِدَّتهمْ حِين دَخَلُوا مَعَ عِيسَى مَعْلُومَة , قَدْ رَأَوْهُمْ فَأَحْصَوْا عِدَّتهمْ , فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ لِيَأْخُذُوهُ وَجَدُوا عِيسَى فِيمَا يَرَوْنَ وَأَصْحَابه وَفَقَدُوا رَجُلًا مِنْ الْعِدَّة , فَهُوَ الَّذِي اِخْتَلَفُوا فِيهِ . وَكَانُوا لَا يَعْرِفُونَ عِيسَى , حَتَّى جَعَلُوا لِيُودُس زَكَرِيَّا يُوطَا ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا عَلَى أَنْ يَدُلّهُمْ عَلَيْهِ وَيُعَرِّفهُمْ إِيَّاهُ , فَقَالَ لَهُمْ : إِذَا دَخَلْتُمْ عَلَيْهِ فَإِنِّي سَأُقَبِّلُهُ , وَهُوَ الَّذِي أُقَبِّل فَخُذُوهُ ! فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ , وَقَدْ رُفِعَ عِيسَى , رَأَى سَرْجِس فِي صُورَة عِيسَى , فَلَمْ يَشُكّ أَنَّهُ هُوَ عِيسَى , فَأَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ , فَأَخَذُوهُ فَصَلَبُوهُ. ثُمَّ إِنَّ يُودُس زَكَرِيَّا يُوطَا نَدِمَ عَلَى مَا صَنَعَ , فَاخْتَنَقَ بِحَبْلٍ حَتَّى قَتَلَ نَفْسه , وَهُوَ مَلْعُون فِي النَّصَارَى , وَقَدْ كَانَ أَحَد الْمَعْدُودِينَ مِنْ أَصْحَابه. وَبَعْض النَّصَارَى يَزْعُم أَنَّ يُودُس زَكَرِيَّا يُوطَا هُوَ الَّذِي شُبِّهَ لَهُمْ فَصَلَبُوهُ , وَهُوَ يَقُول : إِنِّي لَسْت بِصَاحِبِكُمْ ! أَنَا الَّذِي دَلَلْتُكُمْ عَلَيْهِ ! وَاَللَّه أَعْلَم أَيّ ذَلِكَ كَانَ . 8490 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : بَلَغَنَا أَنَّ عِيسَى اِبْن مَرْيَم قَالَ لِأَصْحَابِهِ : أَيّكُمْ يَنْتَدِب فَيُلْقَى عَلَيْهِ شَبَهِي فَيُقْتَل ؟ فَقَالَ رَجُل مِنْ أَصْحَابه : أَنَا يَا نَبِيّ اللَّه . فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهُهُ فَقُتِلَ , وَرَفَعَ اللَّه نَبِيّه إِلَيْهِ. 8491 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { شُبِّهَ لَهُمْ } قَالَ : صَلَبُوا رَجُلًا غَيْر عِيسَى يَحْسَبُونَهُ إِيَّاهُ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ } فَذَكَرَ مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : صَلَبُوا رَجُلًا شَبَّهُوهُ بِعِيسَى يَحْسَبُونَهُ إِيَّاهُ , وَرَفَعَ اللَّه إِلَيْهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام حَيًّا. قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ أَحَد الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , مِنْ أَنَّ شَبَه عِيسَى أُلْقِيَ عَلَى جَمِيع مَنْ كَانَ فِي الْبَيْت مَعَ عِيسَى حِين أُحِيطَ بِهِ وَبِهِمْ , مِنْ غَيْر مَسْأَلَة عِيسَى إِيَّاهُمْ ذَلِكَ , وَلَكِنْ لِيَخْزِيَ اللَّه بِذَلِكَ الْيَهُود وَيُنْقِذ بِهِ نَبِيّه عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ مَكْرُوه مَا أَرَادُوا بِهِ مِنْ الْقَتْل , وَيَبْتَلِي بِهِ مَنْ أَرَادَ اِبْتِلَاءَهُ مِنْ عِبَاده فِي قِيله فِي عِيسَى وَصِدْق الْخَبَر عَنْ أَمْره . أَوْ الْقَوْل الَّذِي رَوَاهُ عَبْد الْعَزِيز عَنْهُ . وَإِنَّمَا قُلْنَا : ذَلِكَ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ الَّذِينَ شَهِدُوا عِيسَى مِنْ الْحَوَارِيِّينَ لَوْ كَانُوا فِي حَال مَا رُفِعَ عِيسَى , وَأُلْقِيَ شَبَهه عَلَيْهِ مَنْ أُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهه , كَانُوا قَدْ عَايَنُوا عِيسَى وَهُوَ يُرْفَع مِنْ بَيْنهمْ , وَأَثْبَتُوا الَّذِي أُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهه , وَعَايَنُوهُ مُتَحَوِّلًا فِي صُورَته بَعْد الَّذِي كَانَ بِهِ مِنْ صُورَة نَفْسه بِمَحْضَرٍ مِنْهُمْ , لَمْ يَخْفَ ذَلِكَ مِنْ أَمْر عِيسَى , وَأَمْر مَنْ أُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهه عَلَيْهِمْ مَعَ مُعَايَنَتهمْ ذَلِكَ كُلّه , وَلَمْ يَلْتَبِس وَلَمْ يُشْكِل عَلَيْهِمْ وَإِنْ أَشْكَلَ عَلَى غَيْرهمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ مِنْ الْيَهُود أَنَّ الْمَقْتُول وَالْمَصْلُوب كَانَ غَيْر عِيسَى , وَأَنَّ عِيسَى رُفِعَ مِنْ بَيْنهمْ حَيًّا . وَكَيْفَ يَجُوز أَنْ يَكُون قَدْ أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , وَقَدْ سَمِعُوا مِنْ عِيسَى مَقَالَته : مَنْ يُلْقَى عَلَيْهِ شَبَهِي وَيَكُون رَفِيقِي فِي الْجَنَّة ؟ إِنْ كَانَ قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ , وَسَمِعُوا جَوَاب مُجِيبه مِنْهُمْ : أَنَا , وَعَايَنُوا تَحَوُّل الْمُجِيب فِي صُورَة عِيسَى بِعَقِبِ جَوَابه . وَلَكِنَّ ذَلِكَ كَانَ إِنْ شَاءَ اللَّه عَلَى نَحْو مَا وَصَفَ وَهْب بْن مُنَبِّه , إِمَّا أَنْ يَكُون الْقَوْم الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عِيسَى فِي الْبَيْت الَّذِي رُفِعَ مِنْهُ مِنْ حَوَارِيّه حَوَّلَهُمْ اللَّه جَمِيعًا فِي صُورَة عِيسَى حِين أَرَادَ اللَّه رَفْعه , فَلَمْ يُثْبِتُوا عِيسَى مَعْرِفَة بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْره لِتَشَابُهِ صُوَر جَمِيعهمْ , فَقَتَلَتْ الْيَهُود مِنْهُمْ مَنْ قَتَلَتْ وَهُمْ يَرَوْنَهُ بِصُورَةِ عِيسَى وَيَحْسَبُونَهُ إِيَّاهُ , لِأَنَّهُمْ كَانُوا بِهِ عَارِفِينَ قَبْل ذَلِكَ , وَظَنَّ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْبَيْت مَعَ عِيسَى مِثْل الَّذِي ظَنَّتْ الْيَهُود , لِأَنَّهُمْ لَمْ يُمَيِّزُوا شَخْص عِيسَى مِنْ شَخْص غَيْره لِتَشَابُهِ شَخْصه وَشَخْص غَيْره مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْبَيْت , فَاتَّفَقُوا جَمِيعهمْ - أَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى - مِنْ أَجْل ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَقْتُول كَانَ عِيسَى , وَلَمْ يَكُنْ بِهِ , وَلَكِنَّهُ شُبِّهَ لَهُمْ , كَمَا قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ } . أَوْ يَكُون الْأَمْر فِي ذَلِكَ كَانَ عَلَى نَحْو مَا رَوَى عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , أَنَّ الْقَوْم الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عِيسَى فِي الْبَيْت تَفَرَّقُوا عَنْهُ قَبْل أَنْ يَدْخُل عَلَيْهِ الْيَهُود , وَبَقِيَ عِيسَى , وَأُلْقِيَ شَبَهه عَلَى بَعْض أَصْحَابه الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فِي الْبَيْت بَعْد مَا تَفَرَّقَ الْقَوْم غَيْر عِيسَى وَغَيْر الَّذِي أُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهه , وَرُفِعَ عِيسَى , فَقُتِلَ الَّذِي تَحَوَّلَ فِي صُورَة عِيسَى مِنْ أَصْحَابه , وَظَنَّ أَصْحَابه وَالْيَهُود أَنَّ الَّذِي قُتِلَ وَصُلِبَ هُوَ عِيسَى لِمَا رَأَوْا مِنْ شَبَهه بِهِ وَخَفَاء أَمْر عِيسَى عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّ رَفْعه وَتَحَوُّل الْمَقْتُول فِي صُورَته كَانَ بَعْد تَفَرُّق أَصْحَابه عَنْهُ , وَقَدْ كَانُوا سَمِعُوا عِيسَى مِنْ اللَّيْل يَنْعَى نَفْسه وَيَحْزَن لِمَا قَدْ ظَنَّ أَنَّهُ نَازِل بِهِ مِنْ الْمَوْت , فَحَكَوْا مَا كَانَ عِنْدهمْ حَقًّا , وَالْأَمْر عِنْد اللَّه فِي الْحَقِيقَة بِخِلَافِ مَا حَكَوْا , فَلَمْ يَسْتَحِقّ الَّذِينَ حَكَوْا ذَلِكَ مِنْ حَوَارِيِّيهِ أَنْ يَكُونُوا كَذَبَة , أَوْ حَكَوْا مَا كَانَ حَقًّا عِنْدهمْ فِي الظَّاهِر وَإِنْ كَانَ الْأَمْر عِنْد اللَّه فِي الْحَقِيقَة بِخِلَافِ الَّذِي حَكَوْا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنَّ الَّذِينَ اِخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكّ مِنْهُ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَإِنَّ الَّذِينَ اِخْتَلَفُوا فِيهِ } الْيَهُود الَّذِينَ أَحَاطُوا بِعِيسَى وَأَصْحَابه حِين أَرَادُوا قَتْله . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ عَرَفُوا عِدَّة مَنْ فِي الْبَيْت قَبْل دُخُولهمْ فِيمَا ذُكِرَ ; فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِمْ , فَقَدُوا وَاحِدًا مِنْهُمْ , فَالْتَبَسَ أَمْر عِيسَى عَلَيْهِمْ بِفَقْدِهِمْ وَاحِدًا مِنْ الْعِدَّة الَّتِي كَانُوا قَدْ أَحْصَوْهَا , وَقَتَلُوا مَنْ قَتَلُوا عَلَى شَكّ مِنْهُمْ فِي أَمْر عِيسَى . وَهَذَا التَّأْوِيل عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ : لَمْ يُفَارِق الْحَوَارِيُّونَ عِيسَى حَتَّى رُفِعَ وَدَخَلَ عَلَيْهِمْ الْيَهُود . وَأَمَّا تَأْوِيله عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ : تَفَرَّقُوا عَنْهُ مِنْ اللَّيْل , فَإِنَّهُ : وَإِنَّ الَّذِينَ اِخْتَلَفُوا فِي عِيسَى , هَلْ هُوَ الَّذِي بَقِيَ فِي الْبَيْت مِنْهُمْ بَعْد خُرُوج مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ مِنْ الْعِدَّة الَّتِي كَانَتْ فِيهِ أَمْ لَا ؟ لَفِي شَكّ مِنْهُ , يَعْنِي : مِنْ قَتْله , لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَحْصَوْا مِنْ الْعِدَّة حِين دَخَلُوا الْبَيْت أَكْثَر مِمَّنْ خَرَجَ مِنْهُ وَمَنْ وُجِدَ فِيهِ , فَشَكُّوا فِي الَّذِي قَتَلُوهُ هَلْ هُوَ عِيسَى أَمْ لَا مِنْ أَجْل فَقْدِهِمْ مَنْ فَقَدُوا مِنْ الْعَدَد الَّذِي كَانُوا أَحْصَوْهُ , وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا : قَتَلْنَا عِيسَى , لِمُشَابَهَةِ الْمَقْتُول عِيسَى فِي الصُّورَة .
يَقُول اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْم } يَعْنِي : أَنَّهُمْ قَتَلُوا مَنْ قَتَلُوهُ عَلَى شَكّ مِنْهُمْ فِيهِ وَاخْتِلَاف , هَلْ هُوَ عِيسَى أَمْ غَيْره ؟ مِنْ غَيْر أَنْ يَكُون لَهُمْ بِمَنْ قَتَلُوهُ عِلْم مَنْ هُوَ , هُوَ عِيسَى أَمْ هُوَ غَيْره ؟ { إِلَّا اِتِّبَاع الظَّنّ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ : مَا كَانَ لَهُمْ بِمَنْ قَتَلُوهُ مِنْ عِلْم , وَلَكِنَّهُمْ اِتَّبَعُوا ظَنَّهُمْ , فَقَتَلُوهُ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُ عِيسَى وَأَنَّهُ الَّذِي يُرِيدُونَ قَتْله , وَلَمْ يَكُنْ بِهِ .
يَقُول : وَمَا قَتَلُوا هَذَا الَّذِي اِتَّبَعُوهُ فِي الْمَقْتُول الَّذِي قَتَلُوهُ وَهُمْ يَحْسَبُونَهُ عِيسَى يَقِينًا أَنَّهُ عِيسَى , وَلَا أَنَّهُ غَيْره , وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا مِنْهُ عَلَى ظَنّ وَشُبْهَة ; وَهَذَا كَقَوْلِ الرَّجُل لِلرَّجُلِ : مَا قَتَلْت هَذَا الْأَمْر عِلْمًا وَمَا قَتَلْته يَقِينًا , إِذَا تَكَلَّمَ فِيهِ بِالظَّنِّ عَلَى غَيْر يَقِين عِلْم ; فَالْهَاء فِي قَوْله : { وَمَا قَتَلُوهُ } عَائِدَة عَلَى الظَّنّ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8492 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا } قَالَ : يَعْنِي : لَمْ يَقْتُلُوا ظَنّهمْ يَقِينًا . 8493 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا يَعْلَى بْن عُبَيْد , عَنْ جُوَيْبِر فِي قَوْله : { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا } قَالَ : مَا قَتَلُوا ظَنّهمْ يَقِينًا . وَقَالَ السُّدِّيّ فِي ذَلِكَ , مَا : 8494 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا } : وَمَا قَتَلُوا أَمْره يَقِينًا أَنَّ الرَّجُل هُوَ عِيسَى , بَلْ رَفَعَهُ اللَّه إِلَيْهِ.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنَّ الَّذِينَ اِخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكّ مِنْهُ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَإِنَّ الَّذِينَ اِخْتَلَفُوا فِيهِ } الْيَهُود الَّذِينَ أَحَاطُوا بِعِيسَى وَأَصْحَابه حِين أَرَادُوا قَتْله . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ عَرَفُوا عِدَّة مَنْ فِي الْبَيْت قَبْل دُخُولهمْ فِيمَا ذُكِرَ ; فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِمْ , فَقَدُوا وَاحِدًا مِنْهُمْ , فَالْتَبَسَ أَمْر عِيسَى عَلَيْهِمْ بِفَقْدِهِمْ وَاحِدًا مِنْ الْعِدَّة الَّتِي كَانُوا قَدْ أَحْصَوْهَا , وَقَتَلُوا مَنْ قَتَلُوا عَلَى شَكّ مِنْهُمْ فِي أَمْر عِيسَى . وَهَذَا التَّأْوِيل عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ : لَمْ يُفَارِق الْحَوَارِيُّونَ عِيسَى حَتَّى رُفِعَ وَدَخَلَ عَلَيْهِمْ الْيَهُود . وَأَمَّا تَأْوِيله عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ : تَفَرَّقُوا عَنْهُ مِنْ اللَّيْل , فَإِنَّهُ : وَإِنَّ الَّذِينَ اِخْتَلَفُوا فِي عِيسَى , هَلْ هُوَ الَّذِي بَقِيَ فِي الْبَيْت مِنْهُمْ بَعْد خُرُوج مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ مِنْ الْعِدَّة الَّتِي كَانَتْ فِيهِ أَمْ لَا ؟ لَفِي شَكّ مِنْهُ , يَعْنِي : مِنْ قَتْله , لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَحْصَوْا مِنْ الْعِدَّة حِين دَخَلُوا الْبَيْت أَكْثَر مِمَّنْ خَرَجَ مِنْهُ وَمَنْ وُجِدَ فِيهِ , فَشَكُّوا فِي الَّذِي قَتَلُوهُ هَلْ هُوَ عِيسَى أَمْ لَا مِنْ أَجْل فَقْدِهِمْ مَنْ فَقَدُوا مِنْ الْعَدَد الَّذِي كَانُوا أَحْصَوْهُ , وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا : قَتَلْنَا عِيسَى , لِمُشَابَهَةِ الْمَقْتُول عِيسَى فِي الصُّورَة .
يَقُول اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْم } يَعْنِي : أَنَّهُمْ قَتَلُوا مَنْ قَتَلُوهُ عَلَى شَكّ مِنْهُمْ فِيهِ وَاخْتِلَاف , هَلْ هُوَ عِيسَى أَمْ غَيْره ؟ مِنْ غَيْر أَنْ يَكُون لَهُمْ بِمَنْ قَتَلُوهُ عِلْم مَنْ هُوَ , هُوَ عِيسَى أَمْ هُوَ غَيْره ؟ { إِلَّا اِتِّبَاع الظَّنّ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ : مَا كَانَ لَهُمْ بِمَنْ قَتَلُوهُ مِنْ عِلْم , وَلَكِنَّهُمْ اِتَّبَعُوا ظَنَّهُمْ , فَقَتَلُوهُ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُ عِيسَى وَأَنَّهُ الَّذِي يُرِيدُونَ قَتْله , وَلَمْ يَكُنْ بِهِ .
يَقُول : وَمَا قَتَلُوا هَذَا الَّذِي اِتَّبَعُوهُ فِي الْمَقْتُول الَّذِي قَتَلُوهُ وَهُمْ يَحْسَبُونَهُ عِيسَى يَقِينًا أَنَّهُ عِيسَى , وَلَا أَنَّهُ غَيْره , وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا مِنْهُ عَلَى ظَنّ وَشُبْهَة ; وَهَذَا كَقَوْلِ الرَّجُل لِلرَّجُلِ : مَا قَتَلْت هَذَا الْأَمْر عِلْمًا وَمَا قَتَلْته يَقِينًا , إِذَا تَكَلَّمَ فِيهِ بِالظَّنِّ عَلَى غَيْر يَقِين عِلْم ; فَالْهَاء فِي قَوْله : { وَمَا قَتَلُوهُ } عَائِدَة عَلَى الظَّنّ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8492 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا } قَالَ : يَعْنِي : لَمْ يَقْتُلُوا ظَنّهمْ يَقِينًا . 8493 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا يَعْلَى بْن عُبَيْد , عَنْ جُوَيْبِر فِي قَوْله : { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا } قَالَ : مَا قَتَلُوا ظَنّهمْ يَقِينًا . وَقَالَ السُّدِّيّ فِي ذَلِكَ , مَا : 8494 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا } : وَمَا قَتَلُوا أَمْره يَقِينًا أَنَّ الرَّجُل هُوَ عِيسَى , بَلْ رَفَعَهُ اللَّه إِلَيْهِ.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَلْ رَفَعَهُ اللَّه إِلَيْهِ } أَمَّا قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { بَلْ رَفَعَهُ اللَّه إِلَيْهِ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : بَلْ رَفَعَ اللَّه الْمَسِيح إِلَيْهِ , يَقُول : لَمْ يَقْتُلُوهُ وَلَمْ يَصْلُبُوهُ , وَلَكِنَّ اللَّه رَفَعَهُ إِلَيْهِ , فَطَهَّرَهُ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا . وَقَدْ بَيَّنَّا كَيْفَ كَانَ رَفْع اللَّه إيَّاهُ فِيمَا مَضَى وَذَكَرْنَا اِخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي ذَلِكَ وَالصَّحِيح مِنْ الْقَوْل فِيهِ بِالْأَدِلَّةِ الشَّاهِدَة عَلَى صِحَّته بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .
وَأَمَّا قَوْله : { وَكَانَ اللَّه عَزِيزًا حَكِيمًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَلَمْ يَزَلْ اللَّه مُنْتَقِمًا مِنْ أَعْدَائِهِ , كَانْتِقَامِهِ مِنْ الَّذِينَ أَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَة بِظُلْمِهِمْ , وَكَلَعْنِهِ الَّذِينَ قَصَّ قِصَّتهمْ بِقَوْلِهِ : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ وَكُفْرهمْ بِآيَاتِ اللَّه } حَكِيمًا , يَقُول : ذَا حِكْمَة فِي تَدْبِيره وَتَصْرِيفه خَلْقه فِي قَضَائِهِ , يَقُول : فَاحْذَرُوا أَيّهَا السَّائِلُونَ مُحَمَّدًا أَنْ يُنَزِّل عَلَيْكُمْ كِتَابًا مِنْ السَّمَاء مِنْ حُلُول عُقُوبَتِي بِكُمْ , كَمَا حَلَّ بِأَوَائِلِكُمْ الَّذِينَ فَعَلُوا فِعْلكُمْ فِي تَكْذِيبهمْ رُسُلِي , وَافْتِرَائِهِمْ عَلَى أَوْلِيَائِي. وَقَدْ : 8495 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن أَبِي سَارَّة الرُّؤَاسِيّ , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ الْمِنْهَال , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَكَانَ اللَّه عَزِيزًا حَكِيمًا } قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّهُ كَذَلِكَ .
وَأَمَّا قَوْله : { وَكَانَ اللَّه عَزِيزًا حَكِيمًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَلَمْ يَزَلْ اللَّه مُنْتَقِمًا مِنْ أَعْدَائِهِ , كَانْتِقَامِهِ مِنْ الَّذِينَ أَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَة بِظُلْمِهِمْ , وَكَلَعْنِهِ الَّذِينَ قَصَّ قِصَّتهمْ بِقَوْلِهِ : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ وَكُفْرهمْ بِآيَاتِ اللَّه } حَكِيمًا , يَقُول : ذَا حِكْمَة فِي تَدْبِيره وَتَصْرِيفه خَلْقه فِي قَضَائِهِ , يَقُول : فَاحْذَرُوا أَيّهَا السَّائِلُونَ مُحَمَّدًا أَنْ يُنَزِّل عَلَيْكُمْ كِتَابًا مِنْ السَّمَاء مِنْ حُلُول عُقُوبَتِي بِكُمْ , كَمَا حَلَّ بِأَوَائِلِكُمْ الَّذِينَ فَعَلُوا فِعْلكُمْ فِي تَكْذِيبهمْ رُسُلِي , وَافْتِرَائِهِمْ عَلَى أَوْلِيَائِي. وَقَدْ : 8495 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن أَبِي سَارَّة الرُّؤَاسِيّ , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ الْمِنْهَال , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَكَانَ اللَّه عَزِيزًا حَكِيمًا } قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّهُ كَذَلِكَ .
وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ } يَعْنِي بِعِيسَى { قَبْل مَوْته } يَعْنِي : قَبْل مَوْت عِيسَى , يُوَجَّهُ ذَلِكَ إِلَى أَنَّ جَمِيعهمْ يُصَدِّقُونَ بِهِ إِذَا نَزَلَ لِقَتْلِ الدَّجَّال , فَتَصِير الْمِلَل كُلّهَا وَاحِدَة , وَهِيَ مِلَّة الْإِسْلَام الْحَنِيفِيَّة , دِين إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8496 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } قَالَ : قَبْل مَوْت عِيسَى اِبْن مَرْيَم . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } قَالَ : قَبْل مَوْت عِيسَى . 8497 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك فِي قَوْله : { إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } قَالَ : ذَلِكَ عِنْد نُزُول عِيسَى اِبْن مَرْيَم لَا يَبْقَى أَحَد مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ . 8498 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ حُمَيْد , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : { قَبْل مَوْته } قَالَ : قَبْل أَنْ يَمُوت عِيسَى اِبْن مَرْيَم. 8499 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } قَالَ : قَبْل مَوْت عِيسَى , وَاَللَّه إِنَّهُ الْآن لَحَيّ عِنْد اللَّه , وَلَكِنْ إِذَا نَزَلَ آمَنُوا بِهِ أَجْمَعُونَ . 8500 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } يَقُول : قَبْل مَوْت عِيسَى . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } قَالَ : قَبْل مَوْت عِيسَى . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } قَالَ : قَبْل مَوْت عِيسَى إِذَا نَزَلَ آمَنَتْ بِهِ الْأَدْيَان كُلّهَا . * - حَدَّثَنَا أَبُو وَكِيع قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : قَبْل مَوْت عِيسَى . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن : { إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } قَالَ : عِيسَى وَلَمْ يَمُتْ بَعْد . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عِمْرَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك , قَالَ : لَا يَبْقَى أَحَد مِنْهُمْ عِنْد نُزُول عِيسَى إِلَّا آمَنَ بِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك , قَالَ : قَبْل مَوْت عِيسَى. 8501 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } قَالَ : إِذَا نَزَلَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم فَقَتَلَ الدَّجَّال لَمْ يَبْقَ يَهُودِيّ فِي الْأَرْض إِلَّا آمَنَ بِهِ , قَالَ : وَذَلِكَ حِين لَا يَنْفَعهُمْ الْإِيمَان . 8502 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } يَعْنِي : أَنَّهُ سَيُدْرِكُ أُنَاسًا مِنْ أَهْل الْكِتَاب حِين يُبْعَث عِيسَى , فَيُؤْمِنُونَ بِهِ , وَيَوْم الْقِيَامَة يَكُون عَلَيْهِمْ شَهِيدًا . 8503 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور بْن زَاذَان , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَظُنّهُ إِنَّمَا قَالَ : إِذَا خَرَجَ عِيسَى آمَنَتْ بِهِ الْيَهُود . وَقَالَ آخَرُونَ : يَعْنِي بِذَلِكَ : وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِعِيسَى قَبْل مَوْت الْكِتَابِيّ . ذِكْر مَنْ كَانَ يُوَجِّه ذَلِكَ , إِلَى أَنَّهُ إِذَا عَايَنَ عَلِمَ الْحَقّ مِنْ الْبَاطِل , لِأَنَّ كُلّ مَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْت لَمْ تَخْرُج نَفْسه حَتَّى يَتَبَيَّن لَهُ الْحَقّ مِنْ الْبَاطِل فِي دِينه : 8504 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } قَالَ : لَا يَمُوت يَهُودِيّ حَتَّى يُؤْمِن بِعِيسَى . 8505 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع وَابْن حُمَيْد , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } قَالَ : لَا تَخْرُج نَفْسه , حَتَّى يُؤْمِن بِعِيسَى , وَإِنْ غَرِقَ , أَوْ تَرَدَّى مِنْ حَائِط , أَوْ أَيّ مِيتَة كَانَتْ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } كُلّ صَاحِب كِتَاب لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ بِعِيسَى قَبْل مَوْته , مَوْت صَاحِب الْكِتَاب . 8506 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ } كُلّ صَاحِب كِتَاب يُؤْمِن بِعِيسَى قَبْل مَوْته , قَبْل مَوْت صَاحِب الْكِتَاب ; قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَوْ ضُرِبَتْ عُنُقه , لَمْ تَخْرُج نَفْسه حَتَّى يُؤْمِن بِعِيسَى . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَة يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ يَزِيد النَّحْوِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لَا يَمُوت الْيَهُودِيّ , حَتَّى يَشْهَد أَنَّ عِيسَى عَبْد اللَّه وَرَسُوله , وَلَوْ عُجِّلَ عَلَيْهِ بِالسِّلَاحِ . 8507 - حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم بْن حَبِيب بْن الشَّهِيد , قَالَ : ثنا عَتَّاب بْن بَشِير , عَنْ خُصَيْف , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } قَالَ : هِيَ فِي قِرَاءَة أُبَيّ : " قَبْل مَوْتهمْ " . لَيْسَ يَهُودِيّ يَمُوت أَبَدًا حَتَّى يُؤْمِن بِعِيسَى ; قِيلَ لِابْنِ عَبَّاس : أَرَأَيْت إِنْ خَرَّ مِنْ فَوْق بَيْت ؟ قَالَ : يَتَكَلَّم بِهِ فِي الْهَوِيّ . فَقِيلَ : أَرَأَيْت إِنْ ضُرِبَتْ عُنُق أَحَد مِنْهُمْ ؟ قَالَ : يَتَلَجْلَج بِهَا لِسَانه . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني أَبُو نُعَيْم الْفَضْل بْن دُكَيْن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ خُصَيْف , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } قَالَ : لَا يَمُوت يَهُودِيّ حَتَّى يُؤْمِن بِعِيسَى اِبْن مَرْيَم , قِيلَ : وَإِنْ ضُرِبَ بِالسَّيْفِ ؟ قَالَ : يَتَكَلَّم بِهِ , قِيلَ : وَإِنْ هَوَى ؟ قَالَ : يَتَكَلَّم بِهِ وَهُوَ يَهْوِي . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي هَارُون الْغَنَوِيّ , عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس , أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } قَالَ : لَوْ أَنَّ يَهُودِيًّا وَقَعَ مِنْ فَوْق هَذَا الْبَيْت لَمْ يَمُتْ حَتَّى يُؤْمِن بِهِ ; يَعْنِي : بِعِيسَى . 8508 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَوْلًى لِقُرَيْشٍ , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة يَقُول : لَوْ وَقَعَ يَهُودِيّ مِنْ فَوْق الْقَصْر , لَمْ يَبْلُغ إِلَى الْأَرْض , حَتَّى يُؤْمِن بِعِيسَى. * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي هَاشِم الرُّمَّانِيّ , عَنْ مُجَاهِد : { لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } قَالَ : وَإِنْ وَقَعَ مِنْ فَوْق الْبَيْت لَا يَمُوت حَتَّى يُؤْمِن بِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو بْن أَبِي قَيْس , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } قَالَ : لَا يَمُوت رَجُل مِنْ أَهْل الْكِتَاب حَتَّى يُؤْمِن بِهِ , وَإِنْ غَرِقَ , أَوْ تَرَدَّى , أَوْ مَاتَ بِشَيْءٍ . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } قَالَ : لَا تَخْرُج نَفْسه حَتَّى يُؤْمِن بِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ خُصَيْف , عَنْ عِكْرِمَة : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } قَالَ : لَا يَمُوت أَحَدهمْ حَتَّى يُؤْمِن بِهِ , يَعْنِي : بِعِيسَى , وَإِنْ خَرَّ مِنْ فَوْق بَيْت يُؤْمِن بِهِ وَهُوَ يَهْوِي . 8509 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : لَيْسَ أَحَد مِنْ الْيَهُود يَخْرُج مِنْ الدُّنْيَا حَتَّى يُؤْمِن بِعِيسَى . 8510 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ فُرَات الْقَزَّاز , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } قَالَ : لَا يَمُوت أَحَد مِنْهُمْ , حَتَّى يُؤْمِن بِعِيسَى , يَعْنِي : الْيَهُود وَالنَّصَارَى . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ فُرَات , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } قَالَ : لَا يَمُوت أَحَد مِنْهُمْ , حَتَّى يُؤْمِن بِعِيسَى قَبْل أَنْ يَمُوت. 8511 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن عَطِيَّة , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } قَالَ : مَوْت الرَّجُل مِنْ أَهْل الْكِتَاب . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَيْسَ مِنْ يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ يَمُوت حَتَّى يُؤْمِن بِعِيسَى اِبْن مَرْيَم . فَقَالَ لَهُ رَجُل مِنْ أَصْحَابه : كَيْفَ وَالرَّجُل يَغْرَق , أَوْ يَحْتَرِق , أَوْ يَسْقُط عَلَيْهِ الْجِدَار , أَوْ يَأْكُلهُ السَّبْع ؟ فَقَالَ : لَا تَخْرُج رُوحه مِنْ جَسَده حَتَّى يَقْذِف فِيهِ الْإِيمَان بِعِيسَى . * - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } قَالَ : لَا يَمُوت أَحَد مِنْ الْيَهُود حَتَّى يَشْهَد أَنَّ عِيسَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 8512 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا يَعْلَى , عَنْ جُوَيْبِر فِي قَوْله : { لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } قَالَ : فِي قِرَاءَة أُبَيّ : " قَبْل مَوْتهمْ ". وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل مَوْت الْكِتَابِيّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8513 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ حُمَيْد , قَالَ : قَالَ عِكْرِمَة : لَا يَمُوت النَّصْرَانِيّ وَالْيَهُودِيّ حَتَّى يُؤْمِن بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَعْنِي فِي قَوْله : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصِّحَّةِ وَالصَّوَاب قَوْل مَنْ قَالَ : تَأْوِيل ذَلِكَ : وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِعِيسَى قَبْل مَوْت عِيسَى . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ غَيْره مِنْ الْأَقْوَال , لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ حَكَمَ لِكُلِّ مُؤْمِن بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُكْمِ أَهْل الْإِيمَان فِي الْمُوَارَثَة وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَإِلْحَاق صِغَار أَوْلَاده بِحُكْمِهِ فِي الْمِلَّة , فَلَوْ كَانَ كُلّ كِتَابِيّ يُؤْمِن بِعِيسَى قَبْل مَوْته , لَوَجَبَ أَنْ لَا يَرِث الْكِتَابِيّ إِذَا مَاتَ عَلَى مِلَّته إِلَّا أَوْلَاده الصِّغَار أَوْ الْبَالِغُونَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْل الْإِسْلَام , إِنْ كَانَ لَهُ وَلَد صَغِير أَوْ بَالِغ مُسْلِم , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَد صَغِير وَلَا بَالِغ مُسْلِم , كَانَ مِيرَاثه مَصْرُوفًا حَيْثُ يَصْرِف مَال الْمُسْلِم , يَمُوت وَلَا وَارِث لَهُ , وَأَنْ يَكُون حُكْمه حُكْم الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ وَغُسْله وَتَقْبِيره , لِأَنَّ مَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا بِعِيسَى فَقَدْ مَاتَ مُؤْمِنًا بِمُحَمَّدٍ وَبِجَمِيعِ الرُّسُل ; وَذَلِكَ أَنَّ عِيسَى صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ جَاءَ بِتَصْدِيقِ مُحَمَّد وَجَمِيع الْمُرْسَلِينَ , فَالْمُصَدِّق بِعِيسَى وَالْمُؤْمِن بِهِ مُصَدِّق بِمُحَمَّدٍ وَبِجَمِيعِ أَنْبِيَاء اللَّه وَرُسُله , كَمَا أَنَّ الْمُؤْمِن بِمُحَمَّدٍ مُؤْمِن بِعِيسَى وَبِجَمِيعِ أَنْبِيَاء اللَّه وَرُسُله , فَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون مُؤْمِنًا بِعِيسَى مَنْ كَانَ بِمُحَمَّدٍ مُكَذِّبًا . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ مَعْنَى إِيمَان الْيَهُودِيّ بِعِيسَى , الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه فِي قَوْله : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } إِنَّمَا هُوَ إِقْرَاره بِأَنَّهُ لِلَّهِ نَبِيّ مَبْعُوث دُون تَصْدِيقه بِجَمِيعِ مَا أَتَى بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , فَقَدْ ظَنَّ خَطَأ . وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون مَنْسُوبًا إِلَى الْإِقْرَار بِنُبُوَّةِ نَبِيّ مَنْ كَانَ لَهُ مُكَذِّبًا فِي بَعْض مَا جَاءَ بِهِ مِنْ وَحْي اللَّه وَتَنْزِيله , بَلْ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون مَنْسُوبًا إِلَى الْإِقْرَار بِنُبُوَّةِ أَحَد مِنْ أَنْبِيَاء اللَّه لِأَنَّ الْأَنْبِيَاء جَاءَتْ الْأُمَمَ بِتَصْدِيقِ جَمِيع أَنْبِيَاء اللَّه وَرُسُله ; فَالْمُكَذِّب بَعْض أَنْبِيَاء اللَّه فِيمَا أَتَى بِهِ أُمَّته مِنْ عِنْد اللَّه مُكَذِّب جَمِيع أَنْبِيَاء اللَّه فِيمَا دَعَوْا إِلَيْهِ مِنْ دِين عِبَاد اللَّه . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ فِي إِجْمَاع الْجَمِيع مِنْ أَهْل الْإِسْلَام عَلَى أَنَّ كُلّ كِتَابِيّ مَاتَ قَبْل إِقْرَاره بِمُحَمَّدٍ صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , مَحْكُوم لَهُ بِحُكْمِ الْمَسْأَلَة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا أَيَّام حَيَاته , غَيْر مَنْقُول شَيْء مِنْ أَحْكَامه فِي نَفْسه وَمَاله وَوَلَده صِغَارهمْ وَكِبَارهمْ بِمَوْتِهِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِي حَيَاته , أَدَلُّ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْل اللَّه : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } إِنَّمَا مَعْنَاهُ : إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِعِيسَى قَبْل مَوْت عِيسَى , وَأَنَّ ذَلِكَ فِي خَاصّ مِنْ أَهْل الْكِتَاب , وَمَعْنِيّ بِهِ أَهْل زَمَان مِنْهُمْ دُون أَهْل كُلّ الْأَزْمِنَة الَّتِي كَانَتْ بَعْد عِيسَى , وَأَنَّ ذَلِكَ كَائِن عِنْد نُزُوله . كَاَلَّذِي : 8514 - حَدَّثَنِي بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثني يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن آدَم , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْأَنْبِيَاء إِخْوَة لِعَلَّاتٍ أُمَّهَاتهمْ شَتَّى وَدِينهمْ وَاحِد , وَإِنِّي أَوْلَى النَّاس بِعِيسَى اِبْن مَرْيَم لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنه نَبِيّ . وَإِنَّهُ نَازِل , فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ , فَإِنَّهُ رَجُل مَرْبُوع الْخَلْق إِلَى الْحُمْرَة وَالْبَيَاض , سَبْط الشَّعَر كَأَنَّ رَأْسه يَقْطُر وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَل , بَيْن مُمَصَّرَتَيْنِ , فَيَدُقّ الصَّلِيب , وَيَقْتُل الْخِنْزِير , وَيَضَع الْجِزْيَة , وَيَفِيض الْمَال , وَيُقَاتِل النَّاس عَلَى الْإِسْلَام حَتَّى يُهْلِك اللَّه فِي زَمَانه الْمِلَل كُلّهَا غَيْر الْإِسْلَام , وَيُهْلِك اللَّه فِي زَمَانه مَسِيح الضَّلَالَة الْكَذَّاب الدَّجَّال , وَتَقَع الْأَمَنَة فِي الْأَرْض فِي زَمَانه حَتَّى تَرْتَع الْأُسُود مَعَ الْإِبِل وَالنُّمُور مَعَ الْبَقَر وَالذِّئَاب مَعَ الْغَنَم , وَتَلْعَب الْغِلْمَان وَالصِّبْيَان بِالْحَيَّاتِ لَا يَضُرّ بَعْضهمْ بَعْضًا , ثُمَّ يَلْبَث فِي الْأَرْض مَا شَاءَ اللَّه " وَرُبَّمَا قَالَ : " أَرْبَعِينَ سَنَة , ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَيَدْفِنُونَهُ " . وَأَمَّا الَّذِي قَالَ : عُنِيَ بِقَوْلِهِ : { لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته } لَيُؤْمِنَنَّ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل مَوْت الْكِتَابِيّ , فَمِمَّا لَا وَجْه لَهُ مَفْهُوم ; لِأَنَّهُ مَعَ فَسَاده مِنْ الْوَجْه الَّذِي دَلَّلْنَا عَلَى فَسَاد قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِهِ : لَيُؤْمِنَنَّ بِعِيسَى قَبْل مَوْت الْكِتَابِيّ , يَزِيدهُ فَسَادًا أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الْآيَات الَّتِي قَبْل ذَلِكَ ذِكْر , فَيَجُوزَ صَرْف الْهَاء الَّتِي فِي قَوْله : { لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ } إِلَى أَنَّهَا مِنْ ذِكْره , وَإِنَّمَا قَوْله : { لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ } فِي سِيَاق ذِكْر عِيسَى وَأُمّه وَالْيَهُود , فَغَيْر جَائِز صَرْف الْكَلَام عَمَّا هُوَ فِي سِيَاقه إِلَى غَيْره إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِب التَّسْلِيم لَهَا مِنْ دَلَالَة ظَاهِر التَّنْزِيل أَوْ خَبَر عَنْ الرَّسُول تَقُوم بِهِ حُجَّة ; فَأَمَّا الدَّعَاوَى فَلَا تَتَعَذَّر عَلَى أَحَد . فَتَأْوِيل الْآيَة إِذْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْت : وَمَا مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا مَنْ لَيُؤْمِنَنَّ بِعِيسَى قَبْل مَوْت عِيسَى , وَحَذَفَ " مَنْ " بَعْد " إِلَّا " لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ , فَاسْتُغْنِيَ بِدَلَالَتِهِ عَنْ إِظْهَاره كَسَائِرِ مَا قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ أَمْثَاله الَّتِي قَدْ أَتَيْنَا عَلَى الْبَيَان عَنْهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَوْم الْقِيَامَة يَكُون عَلَيْهِمْ شَهِيدًا } . يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَيَوْم الْقِيَامَة يَكُون } عِيسَى عَلَى أَهْل الْكِتَاب { شَهِيدًا } يَعْنِي : شَاهِدًا عَلَيْهِمْ بِتَكْذِيبِ مَنْ كَذَّبَهُ مِنْهُمْ , وَتَصْدِيق مَنْ صَدَّقَهُ مِنْهُمْ فِيمَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه وَبِإِبْلَاغِهِ رِسَالَة رَبّه. كَاَلَّذِي : 8515 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : { وَيَوْم الْقِيَامَة يَكُون عَلَيْهِمْ شَهِيدًا } أَنَّهُ قَدْ أَبْلَغَهُمْ مَا أَرْسَلَهُ بِهِ إِلَيْهِمْ . 8516 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَيَوْم الْقِيَامَة يَكُون عَلَيْهِمْ شَهِيدًا } يَقُول : يَكُون عَلَيْهِمْ شَهِيدًا يَوْم الْقِيَامَة , عَلَى أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ رِسَالَة رَبّه وَأَقَرَّ بِالْعُبُودِيَّةِ عَلَى نَفْسه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَوْم الْقِيَامَة يَكُون عَلَيْهِمْ شَهِيدًا } . يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَيَوْم الْقِيَامَة يَكُون } عِيسَى عَلَى أَهْل الْكِتَاب { شَهِيدًا } يَعْنِي : شَاهِدًا عَلَيْهِمْ بِتَكْذِيبِ مَنْ كَذَّبَهُ مِنْهُمْ , وَتَصْدِيق مَنْ صَدَّقَهُ مِنْهُمْ فِيمَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه وَبِإِبْلَاغِهِ رِسَالَة رَبّه. كَاَلَّذِي : 8515 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : { وَيَوْم الْقِيَامَة يَكُون عَلَيْهِمْ شَهِيدًا } أَنَّهُ قَدْ أَبْلَغَهُمْ مَا أَرْسَلَهُ بِهِ إِلَيْهِمْ . 8516 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَيَوْم الْقِيَامَة يَكُون عَلَيْهِمْ شَهِيدًا } يَقُول : يَكُون عَلَيْهِمْ شَهِيدًا يَوْم الْقِيَامَة , عَلَى أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ رِسَالَة رَبّه وَأَقَرَّ بِالْعُبُودِيَّةِ عَلَى نَفْسه .
فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَات أُحِلَّتْ لَهُمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَحَرَّمْنَا عَلَى الْيَهُود الَّذِينَ نَقَضُوا مِيثَاقهمْ الَّذِي وَاثَقُوا رَبّهمْ , وَكَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّه , وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَهُمْ , وَقَالُوا الْبُهْتَان عَلَى مَرْيَم , وَفَعَلُوا مَا وَصَفَهُمْ اللَّه فِي كِتَابه طَيِّبَات مِنْ الْمَآكِل وَغَيْرهَا كَانَتْ لَهُمْ حَلَالًا , عُقُوبَة لَهُمْ بِظُلْمِهِمْ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ فِي كِتَابه. كَمَا : 8517 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَات أُحِلَّتْ لَهُمْ } . .. الْآيَة , عُوقِبَ الْقَوْم بِظُلْمٍ ظَلَمُوهُ وَبَغْي بَغَوْهُ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ أَشْيَاء بِبَغْيِهِمْ وَبِظُلْمِهِمْ .
وَقَوْله : { وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيل اللَّه كَثِيرًا } يَعْنِي : وَبِصَدِّهِمْ عِبَاد اللَّه عَنْ دِينه وَسُبُله الَّتِي شَرَعَهَا لِعِبَادِهِ صَدًّا كَثِيرًا , وَكَانَ صَدّهمْ عَنْ سَبِيل اللَّه بِقَوْلِهِمْ عَلَى اللَّه الْبَاطِل , وَادِّعَائِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ عَنْ اللَّه , وَتَبْدِيلهمْ كِتَاب اللَّه وَتَحْرِيف مَعَانِيه عَنْ وُجُوهه , وَكَانَ مِنْ عَظِيم ذَلِكَ جُحُودهمْ نُبُوَّة نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرْكهمْ بَيَان مَا قَدْ عَلِمُوا مِنْ أَمْره لِمَنْ جَهِلَ أَمْره مِنْ النَّاس. وَبِنَحْوِ ذَلِكَ كَانَ مُجَاهِد يَقُول . 8518 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثني أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثني عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيل اللَّه كَثِيرًا } قَالَ : أَنْفُسهمْ وَغَيْرهمْ عَنْ الْحَقّ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله .
وَقَوْله : { وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيل اللَّه كَثِيرًا } يَعْنِي : وَبِصَدِّهِمْ عِبَاد اللَّه عَنْ دِينه وَسُبُله الَّتِي شَرَعَهَا لِعِبَادِهِ صَدًّا كَثِيرًا , وَكَانَ صَدّهمْ عَنْ سَبِيل اللَّه بِقَوْلِهِمْ عَلَى اللَّه الْبَاطِل , وَادِّعَائِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ عَنْ اللَّه , وَتَبْدِيلهمْ كِتَاب اللَّه وَتَحْرِيف مَعَانِيه عَنْ وُجُوهه , وَكَانَ مِنْ عَظِيم ذَلِكَ جُحُودهمْ نُبُوَّة نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرْكهمْ بَيَان مَا قَدْ عَلِمُوا مِنْ أَمْره لِمَنْ جَهِلَ أَمْره مِنْ النَّاس. وَبِنَحْوِ ذَلِكَ كَانَ مُجَاهِد يَقُول . 8518 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثني أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثني عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيل اللَّه كَثِيرًا } قَالَ : أَنْفُسهمْ وَغَيْرهمْ عَنْ الْحَقّ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله .
وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ↓
وَقَوْله : { وَأَخْذهمْ الرِّبَا } وَهُوَ أَخْذهمْ مَا أَفْضَلُوا عَلَى رُءُوس أَمْوَالهمْ لِفَضْلِ تَأْخِير فِي الْأَجَل بَعْد مَحِلّهَا. وَقَدْ بَيَّنْت مَعْنَى الرِّبَا فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .
{ وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ } : يَعْنِي عَنْ أَخْذ الرِّبَا .
وَقَوْله : { وَأَكْلهمْ أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ } يَعْنِي : مَا كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ الرِّشَا عَلَى الْحُكْم , كَمَا وَصَفَهُمْ اللَّه بِهِ فِي قَوْله : { وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْم وَالْعُدْوَان وَأَكْلهمْ السُّحْت لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } 5 62 وَكَانَ مِنْ أَكْلهمْ أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ مَا كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ أَثْمَان الْكُتُب الَّتِي كَانُوا يَكْتُبُونَهَا بِأَيْدِيهِمْ , ثُمَّ يَقُولُونَ : هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْمَآكِل الْخَسِيسَة الْخَبِيثَة. فَعَاقَبَهُمْ اللَّه عَلَى جَمِيع ذَلِكَ بِتَحْرِيمِهِ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِنْ الطَّيِّبَات الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ حَلَالًا قَبْل ذَلِكَ . وَإِنَّمَا وَصَفَهُمْ اللَّه بِأَنَّهُمْ كَانُوا مَا أَكَلُوا مِنْ أَمْوَال النَّاس كَذَلِكَ بِالْبَاطِلِ بِأَنَّهُمْ أَكَلُوهُ بِغَيْرِ اِسْتِحْقَاق وَأَخَذُوا أَمْوَالهمْ مِنْهُمْ بِغَيْرِ اِسْتِيجَاب ,
فَقَوْله : { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } يَعْنِي : وَجَعَلْنَا لِلْكَافِرِينَ بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّد مِنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُود الْعَذَاب الْأَلِيم , وَهُوَ الْمُوجِع مِنْ عَذَاب جَهَنَّم , عُدَّة يَصْلَوْنَهَا فِي الْآخِرَة , إِذَا وَرَدُوا عَلَى رَبّهمْ فَيُعَاقِبهُمْ بِهَا .
{ وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ } : يَعْنِي عَنْ أَخْذ الرِّبَا .
وَقَوْله : { وَأَكْلهمْ أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ } يَعْنِي : مَا كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ الرِّشَا عَلَى الْحُكْم , كَمَا وَصَفَهُمْ اللَّه بِهِ فِي قَوْله : { وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْم وَالْعُدْوَان وَأَكْلهمْ السُّحْت لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } 5 62 وَكَانَ مِنْ أَكْلهمْ أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ مَا كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ أَثْمَان الْكُتُب الَّتِي كَانُوا يَكْتُبُونَهَا بِأَيْدِيهِمْ , ثُمَّ يَقُولُونَ : هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْمَآكِل الْخَسِيسَة الْخَبِيثَة. فَعَاقَبَهُمْ اللَّه عَلَى جَمِيع ذَلِكَ بِتَحْرِيمِهِ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِنْ الطَّيِّبَات الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ حَلَالًا قَبْل ذَلِكَ . وَإِنَّمَا وَصَفَهُمْ اللَّه بِأَنَّهُمْ كَانُوا مَا أَكَلُوا مِنْ أَمْوَال النَّاس كَذَلِكَ بِالْبَاطِلِ بِأَنَّهُمْ أَكَلُوهُ بِغَيْرِ اِسْتِحْقَاق وَأَخَذُوا أَمْوَالهمْ مِنْهُمْ بِغَيْرِ اِسْتِيجَاب ,
فَقَوْله : { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } يَعْنِي : وَجَعَلْنَا لِلْكَافِرِينَ بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّد مِنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُود الْعَذَاب الْأَلِيم , وَهُوَ الْمُوجِع مِنْ عَذَاب جَهَنَّم , عُدَّة يَصْلَوْنَهَا فِي الْآخِرَة , إِذَا وَرَدُوا عَلَى رَبّهمْ فَيُعَاقِبهُمْ بِهَا .
لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلك وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاة وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاة وَالْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } هَذَا مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ اِسْتِثْنَاء , اِسْتَثْنَى مِنْ أَهْل الْكِتَاب مِنْ الْيَهُود الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ فِي هَذِهِ الْآيَات الَّتِي مَضَتْ مِنْ قَوْله : { يَسْأَلك أَهْل الْكِتَاب أَنْ تُنَزِّل عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنْ السَّمَاء } ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِعِبَادِهِ , مُبَيِّنًا لَهُمْ حُكْم مَنْ قَدْ هَدَاهُ لِدِينِهِ مِنْهُمْ وَوَفَّقَهُ لِرُشْدِهِ : مَا كُلّ أَهْل الْكِتَاب صِفَتهمْ الصِّفَة الَّتِي وَصَفْت لَكُمْ , { لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم مِنْهُمْ } وَهُمْ الَّذِينَ قَدْ رَسَخُوا فِي الْعِلْم بِأَحْكَامِ اللَّه الَّتِي جَاءَتْ بِهَا أَنْبِيَاؤُهُ , وَأَتْقَنُوا ذَلِكَ , وَعَرَفُوا حَقِيقَته . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرُّسُوخ فِي الْعِلْم بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع. { وَالْمُؤْمِنُونَ } يَعْنِي : وَالْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَرُسُله , وَهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالْقُرْآنِ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّه إِلَيْك يَا مُحَمَّد , وَبِالْكُتُبِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى مَنْ قَبْلك مِنْ الْأَنْبِيَاء وَالرُّسُل , وَلَا يَسْأَلُونَك كَمَا سَأَلَ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَة مِنْهُمْ أَنْ تُنَزِّل عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنْ السَّمَاء , لِأَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا بِمَا قَرَءُوا مِنْ كُتُب اللَّه وَأَتَتْهُمْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ , أَنَّك لِلَّهِ رَسُول وَاجِب عَلَيْهِمْ اِتِّبَاعك , لَا يَسَعهُمْ غَيْر ذَلِكَ , فَلَا حَاجَة بِهِمْ إِلَى أَنْ يَسْأَلُوك آيَة مُعْجِزَة , وَلَا دَلَالَة غَيْر الَّذِي قَدْ عَلِمُوا مِنْ أَمْرك بِالْعِلْمِ الرَّاسِخ فِي قُلُوبهمْ مِنْ إِخْبَار أَنْبِيَائِهِمْ إِيَّاهُمْ بِذَلِكَ وَبِمَا أَعْطَيْتُك مِنْ الْأَدِلَّة عَلَى نُبُوَّتك , فَهُمْ لِذَلِكَ مِنْ عِلْمهمْ وَرُسُوخهمْ فِيهِ { يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك } مِنْ الْكِتَاب { و } بِ { مَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلك } مِنْ سَائِر الْكُتُب . كَمَا : 8519 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلك } اِسْتَثْنَى اللَّه ثَنِيَّة مِنْ أَهْل الْكِتَاب , وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ , وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ , وَمَا أُنْزِلَ عَلَى نَبِيّ اللَّه , يُؤْمِنُونَ بِهِ وَيُصَدِّقُونَ بِهِ , وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ. ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي الْمُقِيمِينَ الصَّلَاة , أَهُمْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم , أَمْ هُمْ غَيْرهمْ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمْ هُمْ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ قَائِلُو ذَلِكَ فِي سَبَب مُخَالَفَة إِعْرَابهمْ إِعْرَاب الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم , وَهُمَا مِنْ صِفَة نَوْع مِنْ النَّاس , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ غَلَط مِنْ الْكَاتِب , وَإِنَّمَا هُوَ : لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم مِنْهُمْ , وَالْمُقِيمُونَ الصَّلَاة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8520 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ الزُّبَيْر , قَالَ : قُلْت لِأَبَان بْن عُثْمَان بْن عَفَّان : مَا شَأْنهَا كُتِبَتْ { لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلك وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاة } ؟ قَالَ : إِنَّ الْكَاتِب لَمَّا كَتَبَ { لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم مِنْهُمْ } حَتَّى إِذَا بَلَغَ قَالَ : مَا أَكْتُب ؟ قِيلَ لَهُ اُكْتُبْ { وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاة } فَكَتَبَ مَا قِيلَ لَهُ . 8521 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَة عَنْ قَوْله : { وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاة } , وَعَنْ قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ } 5 69 , وَعَنْ قَوْله : { إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ } 20 63 فَقَالَتْ : يَا اِبْن أُخْتِي هَذَا عَمَل الْكِتَاب أَخْطَئُوا فِي الْكِتَاب . وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود : " وَالْمُقِيمُونَ الصَّلَاة ". وَقَالَ آخَرُونَ , وَهُوَ قَوْل بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة وَالْبَصْرَة : وَالْمُقِيمُونَ الصَّلَاة مِنْ صِفَة الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم , وَلَكِنَّ الْكَلَام لَمَّا تَطَاوَلَ وَاعْتُرِضَ بَيْن الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْم وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاة مَا اعْتُرِضَ مِنْ الْكَلَام فَطَالَ نُصِبَ الْمُقِيمِينَ عَلَى وَجْه الْمَدْح , قَالُوا : وَالْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ فِي صِفَة الشَّيْء الْوَاحِد وَنَعْته إِذَا تَطَاوَلَتْ بِمَدْحٍ أَوْ ذَمّ خَالَفُوا بَيْن إِعْرَاب أَوَّله وَأَوْسَطه أَحْيَانًا ثُمَّ رَجَعُوا بِآخِرِهِ إِلَى إِعْرَاب أَوَّله , وَرُبَّمَا أَجْرَوْا إِعْرَاب آخِره عَلَى إِعْرَاب أَوْسَطه , وَرُبَّمَا أَجْرَوْا ذَلِكَ عَلَى نَوْع وَاحِد مِنْ الْإِعْرَاب . وَاسْتَشْهَدُوا لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ بِالْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي قَوْله : { وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء } 2 177 وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْمُقِيمُونَ الصَّلَاة مِنْ صِفَة غَيْر الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْم فِي هَذَا الْمَوْضِع وَإِنْ كَانَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم مِنْ الْمُقِيمِينَ الصَّلَاة . وَقَالَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة جَمِيعًا : مَوْضِع الْمُقِيمِينَ فِي الْإِعْرَاب خَفْض , فَقَالَ : بَعْضهمْ : مَوْضِعه خَفْض عَلَى الْعَطْف عَلَى " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلك } وَيُؤْمِنُونَ بِالْمُقِيمِينَ الصَّلَاة . ثُمَّ اِخْتَلَفَ مُتَأَوِّلُو ذَلِكَ فِي هَذَا التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْكَلَام , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلك , وَبِإِقَامِ الصَّلَاة . قَالُوا : ثُمَّ اِرْتَفَعَ قَوْله : " وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاة " , عَطْفًا عَلَى مَا فِي " يُؤْمِنُونَ " مِنْ ذِكْر الْمُؤْمِنِينَ , كَأَنَّهُ قِيلَ : وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك هُمْ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْمُقِيمُونَ الصَّلَاة : الْمَلَائِكَة . قَالُوا : وَإِقَامَتهمْ الصَّلَاة : تَسْبِيحهمْ رَبّهمْ وَاسْتِغْفَارهمْ لِمَنْ فِي الْأَرْض . قَالُوا : وَمَعْنَى الْكَلَام : وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلك وَبِالْمَلَائِكَةِ . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلك , وَيُؤْمِنُونَ بِالْمُقِيمِينَ الصَّلَاة , هُمْ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاة , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَيُؤْمِن لِلْمُؤْمِنِينَ } 9 61 . وَأَنْكَرَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة أَنْ يَكُون الْمُقِيمِينَ مَنْصُوبًا عَلَى الْمَدْح ; وَقَالُوا : إِنَّمَا تَنْصِب الْعَرَب عَلَى الْمَدْح مِنْ نَعْت مَنْ ذَكَرَتْهُ بَعْد تَمَام خَبَره ; قَالُوا : وَخَبَر الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْم قَوْله : { أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا } . قَالَ : فَغَيْر جَائِز نَصْب الْمُقِيمِينَ عَلَى الْمَدْح وَهُوَ فِي وَسَط الْكَلَام وَلَمَّا يَتِمّ خَبَر الِابْتِدَاء. وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم مِنْهُمْ , وَمِنْ الْمُقِيمِينَ الصَّلَاة . وَقَالُوا : مَوْضِع الْمُقِيمِينَ خَفْض. وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك وَإِلَى الْمُقِيمِينَ الصَّلَاة . وَقَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا الْوَجْه وَاَلَّذِي قَبْله مُنْكَر عِنْد الْعَرَب , وَلَا تَكَاد الْعَرَب تَعْطِف الظَّاهِر عَلَى مَكْنِيّ فِي حَال الْخَفْض وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَدْ جَاءَ فِي بَعْض أَشْعَارهَا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال عِنْدِي بِالصَّوَابِ , أَنْ يَكُون الْمُقِيمِينَ فِي مَوْضِع خَفْض نَسَقًا عَلَى " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلك } وَأَنْ يُوَجَّهَ مَعْنَى الْمُقِيمِينَ الصَّلَاة إِلَى الْمَلَائِكَة , فَيَكُون تَأْوِيل الْكَلَام : وَالْمُؤْمِنُونَ مِنْهُمْ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك يَا مُحَمَّد مِنْ الْكِتَاب وَبِمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلك مِنْ كُتُبِي وَبِالْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاة ; ثُمَّ يَرْجِع إِلَى صِفَة الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْم فَيَقُول : لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم مِنْهُمْ , وَالْمُؤْمِنُونَ بِالْكُتُبِ , وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاة , وَالْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر. وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا هَذَا عَلَى غَيْره , لِأَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة أُبَيّ بْن كَعْب : " وَالْمُقِيمِينَ " , وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَفه فِيمَا ذَكَرُوا , فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ خَطَأ مِنْ الْكَاتِب لَكَانَ الْوَاجِب أَنْ يَكُون فِي كُلّ الْمَصَاحِف غَيْر مُصْحَفنَا الَّذِي كَتَبَهُ لَنَا الْكَاتِب الَّذِي أَخْطَأَ فِي كِتَابه بِخِلَافِ مَا هُوَ فِي مُصْحَفنَا وَفِي اِتِّفَاق مُصْحَفنَا وَمُصْحَف أُبَيّ فِي ذَلِكَ , مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي مُصْحَفنَا مِنْ ذَلِكَ صَوَاب غَيْر خَطَأ , مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ خَطَأ مِنْ جِهَة الْخَطّ , لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ أُخِذَ عَنْهُمْ الْقُرْآن مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُونَ مَنْ عَلَّمُوا ذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْه اللَّحْن , وَلَأَصْلَحُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ , وَلَقَّنُوهُ لِلْأُمَّةِ تَعْلِيمًا عَلَى وَجْه الصَّوَاب . وَفِي نَقْل الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا ذَلِكَ قِرَاءَة عَلَى مَا هُوَ بِهِ فِي الْخَطّ مَرْسُومًا أَدَلّ الدَّلِيل عَلَى صِحَّة ذَلِكَ وَصَوَابه , وَأَنْ لَا صُنْع فِي ذَلِكَ لِلْكَاتِبِ . وَأَمَّا مَنْ وَجَّهَ ذَلِكَ إِلَى النَّصْب عَلَى وَجْه الْمَدْح لِلرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْم وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَدْ يُحْتَمَل عَلَى بُعْد مِنْ كَلَام الْعَرَب لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْل مِنْ الْعِلَّة , وَهُوَ أَنَّ الْعَرَب لَا تَعْدِل عَنْ إِعْرَاب الِاسْم الْمَنْعُوت بِنَعْتٍ فِي نَعْته إِلَّا بَعْد تَمَام خَبَره , وَكَلَام اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَفْصَح الْكَلَام , فَغَيْر جَائِز تَوْجِيهه إِلَّا إِلَى الَّذِي هُوَ بِهِ مِنْ الْفَصَاحَة . وَأَمَّا تَوْجِيه مَنْ وَجَّهَ ذَلِكَ إِلَى الْعَطْف بِهِ عَلَى الْهَاء وَالْمِيم فِي قَوْله : { لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم مِنْهُمْ } أَوْ إِلَى الْعَطْف بِهِ عَلَى الْكَاف مِنْ قَوْله : { بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك } أَوْ إِلَى الْكَاف مِنْ قَوْله : { وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلك } فَإِنَّهُ أَبْعَد مِنْ الْفَصَاحَة مِنْ نَصْبه عَلَى الْمَدْح لِمَا قَدْ ذَكَرْت قَبْل مِنْ قُبْح رَدّ الظَّاهِر عَلَى الْمَكْنِيّ فِي الْخَفْض . وَأَمَّا تَوْجِيه مَنْ وَجَّهَ الْمُقِيمِينَ إِلَى الْإِقَامَة , فَإِنَّهُ دَعْوَى لَا بُرْهَان عَلَيْهَا مِنْ دَلَالَة ظَاهِر التَّنْزِيل وَلَا خَبَر تَثْبُت حُجَّته , وَغَيْر جَائِز نَقُلْ ظَاهِر التَّنْزِيل إِلَى بَاطِن بِغَيْرِ بُرْهَان . وَأَمَّا قَوْله : { وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاة } فَإِنَّهُ مَعْطُوف بِهِ عَلَى قَوْله : { وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ } وَهُوَ مِنْ صِفَتهمْ. وَتَأْوِيله : وَاَلَّذِينَ يُعْطُونَ زَكَاة أَمْوَالهمْ مَنْ جَعَلَهَا اللَّه لَهُ وَصَرَفَهَا إِلَيْهِ ; { وَالْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } يَعْنِي : وَالْمُصَدِّقُونَ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَأُلُوهِيَّته , وَالْبَعْث بَعْد الْمَمَات , وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب
{ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا } يَقُول : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتهمْ سَنُؤْتِيهِمْ , يَقُول : سَنُعْطِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا , يَعْنِي : جَزَاء عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ طَاعَة اللَّه , وَاتِّبَاع أَمْره , وَثَوَابًا عَظِيمًا , وَذَلِكَ الْجَنَّة.
{ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا } يَقُول : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتهمْ سَنُؤْتِيهِمْ , يَقُول : سَنُعْطِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا , يَعْنِي : جَزَاء عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ طَاعَة اللَّه , وَاتِّبَاع أَمْره , وَثَوَابًا عَظِيمًا , وَذَلِكَ الْجَنَّة.
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْك كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوح وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْده وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَالْأَسْبَاط وَعِيسَى وَأَيُّوب وَيُونُس وَهَارُون وَسُلَيْمَان } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْك كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوح } : إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْك يَا مُحَمَّد بِالنُّبُوَّةِ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى نُوح وَإِلَى سَائِر الْأَنْبِيَاء الَّذِينَ سَمَّيْتهمْ لَك مِنْ بَعْده وَاَلَّذِينَ لَمْ أُسَمِّهِمْ لَك . كَمَا : 8522 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُنْذِر الثَّوْرِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن خُثَيْم فِي قَوْله : { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْك كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوح وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْده } قَالَ : أَوْحَى إِلَيْك كَمَا أَوْحَى إِلَى جَمِيع النَّبِيِّينَ مِنْ قَبْله . وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِأَنَّ بَعْض الْيَهُود لَمَّا فَضَحَهُمْ اللَّه بِالْآيَاتِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَذَلِكَ مِنْ قَوْله : { يَسْأَلك أَهْل الْكِتَاب أَنْ تُنَزِّل عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنْ السَّمَاء } فَتَلَا ذَلِكَ عَلَيْهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالُوا : مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى بَشَر مِنْ شَيْء بَعْد مُوسَى . فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَات تَكْذِيبًا لَهُمْ , وَأَخْبَرَ نَبِيّه وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ أَنَّهُ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ بَعْد مُوسَى وَعَلَى مَنْ سَمَّاهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَة وَعَلَى آخَرِينَ لَمْ يُسَمِّهِمْ. كَمَا : 8523 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , وَحَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ سُكَيْن وَعَدِيّ بْن زَيْد : يَا مُحَمَّد مَا نَعْلَم اللَّه أَنْزَلَ عَلَى بَشَر مِنْ شَيْء بَعْد مُوسَى , فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلهمَا : { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْك كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوح وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْده } . .. إِلَى آخِر الْآيَات . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ قَالُوا : لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه الْآيَات الَّتِي قَبْل هَذِهِ فِي ذِكْرهمْ مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى بَشَر مِنْ شَيْء , وَلَا عَلَى مُوسَى , وَلَا عَلَى عِيسَى , فَأَنْزَلَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى بَشَر مِنْ شَيْء } وَلَا عَلَى مُوسَى , وَلَا عَلَى عِيسَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8524 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , قَالَ : أَنْزَلَ اللَّه : { يَسْأَلك أَهْل الْكِتَاب أَنْ تُنَزِّل عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنْ السَّمَاء } . .. إِلَى قَوْله : { وَقَوْلهمْ عَلَى مَرْيَم بُهْتَانًا عَظِيمًا } , فَلَمَّا تَلَاهَا عَلَيْهِمْ - يَعْنِي عَلَى الْيَهُود - وَأَخْبَرَهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ الْخَبِيثَة , جَحَدُوا كُلّ مَا أَنْزَلَ اللَّه , وَقَالُوا : مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى بَشَر مِنْ شَيْء , وَلَا عَلَى مُوسَى , وَلَا عَلَى عِيسَى , وَمَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى نَبِيّ مِنْ شَيْء . قَالَ : فَحَلَّ حُبْوَته , وَقَالَ : وَلَا عَلَى أَحَد ! فَأَنْزَلَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى بَشَر مِنْ شَيْء } 6 91 .
وَأَمَّا قَوْله : { وَآتَيْنَا دَاوُد زَبُورًا } فَإِنَّ الْقُرَّاء اِخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَته , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَمْصَار الْإِسْلَام غَيْر نَفَر مِنْ قُرَّاء الْكُوفَة : { وَآتَيْنَا دَاوُد زَبُورًا } بِفَتْحِ الزَّاي عَلَى التَّوْحِيد , بِمَعْنَى : وَآتَيْنَا دَاوُد الْكِتَاب الْمُسَمَّى زَبُورًا. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : " وَآتَيْنَا دَاوُد زُبُورًا " بِضَمِّ الزَّاي جَمْع زُبُر , كَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا تَأْوِيله : وَآتَيْنَا دَاوُد كُتُبًا وَصُحُفًا مَزْبُورَة , مِنْ قَوْلهمْ : زَبَرْت الْكِتَاب أَزْبُرهُ زَبْرًا , وَذَبَرْته أَذْبُرهُ ذَبْرًا : إِذَا كَتَبْته . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدنَا , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { وَآتَيْنَا دَاوُد زَبُورًا } بِفَتْحِ الزَّاي عَلَى أَنَّهُ اِسْم الْكِتَاب الَّذِي أُوتِيَهُ دَاوُد , كَمَا سَمَّى الْكِتَاب الَّذِي أُوتِيَهُ مُوسَى التَّوْرَاة , وَاَلَّذِي أُوتِيَهُ عِيسَى الْإِنْجِيل , وَاَلَّذِي أُوتِيَهُ مُحَمَّد الْفُرْقَان , لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الِاسْم الْمَعْرُوف بِهِ مَا أُوتِيَ دَاوُد , وَإِنَّمَا تَقُول الْعَرَب زَبُور دَاوُد , وَبِذَلِكَ يَعْرِف كِتَابه سَائِر الْأُمَم .
وَأَمَّا قَوْله : { وَآتَيْنَا دَاوُد زَبُورًا } فَإِنَّ الْقُرَّاء اِخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَته , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَمْصَار الْإِسْلَام غَيْر نَفَر مِنْ قُرَّاء الْكُوفَة : { وَآتَيْنَا دَاوُد زَبُورًا } بِفَتْحِ الزَّاي عَلَى التَّوْحِيد , بِمَعْنَى : وَآتَيْنَا دَاوُد الْكِتَاب الْمُسَمَّى زَبُورًا. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : " وَآتَيْنَا دَاوُد زُبُورًا " بِضَمِّ الزَّاي جَمْع زُبُر , كَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا تَأْوِيله : وَآتَيْنَا دَاوُد كُتُبًا وَصُحُفًا مَزْبُورَة , مِنْ قَوْلهمْ : زَبَرْت الْكِتَاب أَزْبُرهُ زَبْرًا , وَذَبَرْته أَذْبُرهُ ذَبْرًا : إِذَا كَتَبْته . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدنَا , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { وَآتَيْنَا دَاوُد زَبُورًا } بِفَتْحِ الزَّاي عَلَى أَنَّهُ اِسْم الْكِتَاب الَّذِي أُوتِيَهُ دَاوُد , كَمَا سَمَّى الْكِتَاب الَّذِي أُوتِيَهُ مُوسَى التَّوْرَاة , وَاَلَّذِي أُوتِيَهُ عِيسَى الْإِنْجِيل , وَاَلَّذِي أُوتِيَهُ مُحَمَّد الْفُرْقَان , لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الِاسْم الْمَعْرُوف بِهِ مَا أُوتِيَ دَاوُد , وَإِنَّمَا تَقُول الْعَرَب زَبُور دَاوُد , وَبِذَلِكَ يَعْرِف كِتَابه سَائِر الْأُمَم .
وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْك مِنْ قَبْل وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْك } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْك كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوح وَإِلَى رُسُل قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْك وَرُسُل لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْك . فَلَعَلَّ قَائِلًا أَنْ يَقُول : فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ , فَمَا بَال قَوْله : { وَرُسُلًا } مَنْصُوبًا غَيْر مَخْفُوض ؟ قِيلَ : نُصِبَ ذَلِكَ إِذَا لَمْ تَعُدْ عَلَيْهِ " إِلَى " الَّتِي خَفَضَتْ الْأَسْمَاء قَبْله , وَكَانَتْ الْأَسْمَاء قَبْلهَا وَإِنْ كَانَتْ مَخْفُوضَة , فَإِنَّهَا فِي مَعْنَى النَّصْب , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : إِنَّا أَرْسَلْنَاك رَسُولًا كَمَا أَرْسَلْنَا نُوحًا وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْده , فَعُطِفَتْ الرُّسُل عَلَى مَعْنَى الْأَسْمَاء قَبْلهَا فِي الْإِعْرَاب , لِانْقِطَاعِهَا عَنْهَا دُون أَلْفَاظهَا , إِذْ لَمْ يَعُدْ عَلَيْهَا مَا خَفَضَهَا , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : لَوْ جِئْت بِالْخُبْزِ لَهُ مُنَشَّرَا وَالْبَيْض مَطْبُوخًا مَعًا وَالسُّكَّرَا لَمْ يُرْضِهِ ذَلِكَ حَتَّى يَسْكَرَا وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون نَصْب الرُّسُل , لِتَعَلُّقِ الْوَاو بِالْفِعْلِ , بِمَعْنَى : وَقَصَصْنَا رُسُلًا عَلَيْك مِنْ قَبْل , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يُدْخِل مَنْ يَشَاء فِي رَحْمَته وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } 76 31 , وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة أُبَيّ : " وَرُسُل قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْك مِنْ قَبْل وَرُسُل لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْك " فَرُفِعَ ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ بِعَائِدِ الذِّكْر فِي قَوْله : { قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْك } .
وَأَمَّا قَوْله : { وَكَلَّمَ اللَّه مُوسَى تَكْلِيمًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَخَاطَبَ اللَّه بِكَلَامِهِ مُوسَى خِطَابًا . وَقَدْ : 8525 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا نُوح بْن أَبِي مَرْيَم , وَسُئِلَ : كَيْفَ كَلَّمَ اللَّه مُوسَى تَكْلِيمًا ؟ فَقَالَ : مُشَافَهَة. 8526 - وَقَدْ حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ اِبْن مُبَارَك , عَنْ مَعْمَر وَيُونُس , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث بْن هِشَام , قَالَ : أَخْبَرَنِي جَزْء بْن جَابِر الْخَثْعَمِيّ , قَالَ : سَمِعْت كَعْبًا يَقُول : إِنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمَّا كَلَّمَ مُوسَى , كَلَّمَهُ بِالْأَلْسِنَةِ كُلّهَا قَبْل كَلَامه - يَعْنِي كَلَام مُوسَى - فَجَعَلَ يَقُول : يَا رَبّ لَا أَفْهَم ! حَتَّى كَلَّمَهُ بِلِسَانِهِ آخِر الْأَلْسِنَة , فَقَالَ : يَا رَبّ هَكَذَا كَلَامك ؟ قَالَ : لَا , وَلَوْ سَمِعْت كَلَامِي - أَيْ عَلَى وَجْهه - لَمْ تَكُ شَيْئًا . قَالَ اِبْن وَكِيع , قَالَ أَبُو أُسَامَة : وَزَادَنِي أَبُو بَكْر الصَّغَانِيّ فِي هَذَا الْحَدِيث : إِنَّ مُوسَى قَالَ : يَا رَبّ هَلْ فِي خَلْقك شَيْء يُشْبِه كَلَامك ؟ قَالَ : لَا , وَأَقْرَب خَلْقِي شَبَهًا بِكَلَامِي , أَشَدّ مَا تَسْمَع النَّاس مِنْ الصَّوَاعِق . 8527 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ عُمَر بْن حَمْزَة بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر , قَالَ : سَمِعْت مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , يَقُول : سُئِلَ مُوسَى : مَا شَبَّهْت كَلَام رَبّك مِمَّا خَلَقَ ؟ فَقَالَ مُوسَى : الرَّعْد السَّاكِن . * - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس , عَنْ اِبْن شِهَاب , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن , أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ جَزْء بْن جَابِر الْخَثْعَمِيّ , قَالَ : لَمَّا كَلَّمَ اللَّه مُوسَى بِالْأَلْسِنَةِ كُلّهَا قَبْل لِسَانه , فَطَفِقَ يَقُول : وَاَللَّه يَا رَبّ مَا أَفْقَه هَذَا ! حَتَّى كَلَّمَهُ بِلِسَانِهِ آخِر الْأَلْسِنَة بِمِثْلِ صَوْته , فَقَالَ مُوسَى : يَا رَبّ هَذَا كَلَامك ؟ قَالَ : لَا , قَالَ : هَلْ فِي خَلْقك شَيْء يُشْبِه كَلَامك ؟ قَالَ : لَا , وَأَقْرَب خَلْقِي شَبَهًا بِكَلَامِي , أَشَدّ مَا يَسْمَع النَّاس مِنْ الصَّوَاعِق. * - حَدَّثَنِي أَبُو يُونُس الْمَكِّيّ , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي أُوَيْس , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَخِي , عَنْ سُلَيْمَان , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي عَتِيق , عَنْ اِبْن شِهَاب , عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث بْن هِشَام , أَنَّهُ أَخْبَرَهُ جَزْء بْن جَابِر الْخَثْعَمِيّ , أَنَّهُ سَمِعَ الْأَحْبَار تَقُول : لَمَّا كَلَّمَ اللَّه مُوسَى بِالْأَلْسِنَةِ كُلّهَا قَبْل لِسَانه , فَطَفِقَ مُوسَى يَقُول : أَيْ رَبّ , وَاَللَّه مَا أَفْقَه هَذَا ! حَتَّى كَلَّمَهُ آخِر الْأَلْسِنَة بِلِسَانِهِ بِمِثْلِ صَوْته , فَقَالَ مُوسَى : أَيْ رَبّ , أَهَكَذَا كَلَامك ؟ فَقَالَ : لَوْ كَلَّمْتُك بِكَلَامِي لَمْ تَكُنْ شَيْئًا . قَالَ : أَيْ رَبّ هَلْ فِي خَلْقك شَيْء يُشْبِه كَلَامك ؟ فَقَالَ : لَا , وَأَقْرَب خَلْقِي شَبَهًا بِكَلَامِي , أَشَدّ مَا يُسْمَع مِنْ الصَّوَاعِق . * - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الرَّحِيم , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا زُهَيْر , عَنْ يَحْيَى , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث بْن هِشَام , عَنْ جَزْء بْن جَابِر , أَنَّهُ سَمِعَ كَعْبًا يَقُول : لَمَّا كَلَّمَ اللَّه مُوسَى بِالْأَلْسِنَةِ قَبْل لِسَانه , طَفِقَ مُوسَى يَقُول : أَيْ رَبّ , إِنِّي لَا أَفْقَه هَذَا ! حَتَّى كَلَّمَهُ اللَّه آخِر الْأَلْسِنَة بِمِثْلِ لِسَانه , فَقَالَ مُوسَى : أَيْ رَبّ هَذَا كَلَامك ؟ قَالَ اللَّه : لَوْ كَلَّمْتُك بِكَلَامِي لَمْ تَكُنْ شَيْئًا . قَالَ : يَا رَبّ , فَهَلْ مِنْ خَلْقك شَيْء يُشْبِه كَلَامك ؟ قَالَ : لَا , وَأَقْرَب خَلْقِي شَبَهًا بِكَلَامِي , أَشَدّ مَا يُسْمَع مِنْ الصَّوَاعِق.
وَأَمَّا قَوْله : { وَكَلَّمَ اللَّه مُوسَى تَكْلِيمًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَخَاطَبَ اللَّه بِكَلَامِهِ مُوسَى خِطَابًا . وَقَدْ : 8525 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا نُوح بْن أَبِي مَرْيَم , وَسُئِلَ : كَيْفَ كَلَّمَ اللَّه مُوسَى تَكْلِيمًا ؟ فَقَالَ : مُشَافَهَة. 8526 - وَقَدْ حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ اِبْن مُبَارَك , عَنْ مَعْمَر وَيُونُس , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث بْن هِشَام , قَالَ : أَخْبَرَنِي جَزْء بْن جَابِر الْخَثْعَمِيّ , قَالَ : سَمِعْت كَعْبًا يَقُول : إِنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمَّا كَلَّمَ مُوسَى , كَلَّمَهُ بِالْأَلْسِنَةِ كُلّهَا قَبْل كَلَامه - يَعْنِي كَلَام مُوسَى - فَجَعَلَ يَقُول : يَا رَبّ لَا أَفْهَم ! حَتَّى كَلَّمَهُ بِلِسَانِهِ آخِر الْأَلْسِنَة , فَقَالَ : يَا رَبّ هَكَذَا كَلَامك ؟ قَالَ : لَا , وَلَوْ سَمِعْت كَلَامِي - أَيْ عَلَى وَجْهه - لَمْ تَكُ شَيْئًا . قَالَ اِبْن وَكِيع , قَالَ أَبُو أُسَامَة : وَزَادَنِي أَبُو بَكْر الصَّغَانِيّ فِي هَذَا الْحَدِيث : إِنَّ مُوسَى قَالَ : يَا رَبّ هَلْ فِي خَلْقك شَيْء يُشْبِه كَلَامك ؟ قَالَ : لَا , وَأَقْرَب خَلْقِي شَبَهًا بِكَلَامِي , أَشَدّ مَا تَسْمَع النَّاس مِنْ الصَّوَاعِق . 8527 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ عُمَر بْن حَمْزَة بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر , قَالَ : سَمِعْت مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , يَقُول : سُئِلَ مُوسَى : مَا شَبَّهْت كَلَام رَبّك مِمَّا خَلَقَ ؟ فَقَالَ مُوسَى : الرَّعْد السَّاكِن . * - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس , عَنْ اِبْن شِهَاب , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن , أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ جَزْء بْن جَابِر الْخَثْعَمِيّ , قَالَ : لَمَّا كَلَّمَ اللَّه مُوسَى بِالْأَلْسِنَةِ كُلّهَا قَبْل لِسَانه , فَطَفِقَ يَقُول : وَاَللَّه يَا رَبّ مَا أَفْقَه هَذَا ! حَتَّى كَلَّمَهُ بِلِسَانِهِ آخِر الْأَلْسِنَة بِمِثْلِ صَوْته , فَقَالَ مُوسَى : يَا رَبّ هَذَا كَلَامك ؟ قَالَ : لَا , قَالَ : هَلْ فِي خَلْقك شَيْء يُشْبِه كَلَامك ؟ قَالَ : لَا , وَأَقْرَب خَلْقِي شَبَهًا بِكَلَامِي , أَشَدّ مَا يَسْمَع النَّاس مِنْ الصَّوَاعِق. * - حَدَّثَنِي أَبُو يُونُس الْمَكِّيّ , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي أُوَيْس , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَخِي , عَنْ سُلَيْمَان , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي عَتِيق , عَنْ اِبْن شِهَاب , عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث بْن هِشَام , أَنَّهُ أَخْبَرَهُ جَزْء بْن جَابِر الْخَثْعَمِيّ , أَنَّهُ سَمِعَ الْأَحْبَار تَقُول : لَمَّا كَلَّمَ اللَّه مُوسَى بِالْأَلْسِنَةِ كُلّهَا قَبْل لِسَانه , فَطَفِقَ مُوسَى يَقُول : أَيْ رَبّ , وَاَللَّه مَا أَفْقَه هَذَا ! حَتَّى كَلَّمَهُ آخِر الْأَلْسِنَة بِلِسَانِهِ بِمِثْلِ صَوْته , فَقَالَ مُوسَى : أَيْ رَبّ , أَهَكَذَا كَلَامك ؟ فَقَالَ : لَوْ كَلَّمْتُك بِكَلَامِي لَمْ تَكُنْ شَيْئًا . قَالَ : أَيْ رَبّ هَلْ فِي خَلْقك شَيْء يُشْبِه كَلَامك ؟ فَقَالَ : لَا , وَأَقْرَب خَلْقِي شَبَهًا بِكَلَامِي , أَشَدّ مَا يُسْمَع مِنْ الصَّوَاعِق . * - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الرَّحِيم , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا زُهَيْر , عَنْ يَحْيَى , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث بْن هِشَام , عَنْ جَزْء بْن جَابِر , أَنَّهُ سَمِعَ كَعْبًا يَقُول : لَمَّا كَلَّمَ اللَّه مُوسَى بِالْأَلْسِنَةِ قَبْل لِسَانه , طَفِقَ مُوسَى يَقُول : أَيْ رَبّ , إِنِّي لَا أَفْقَه هَذَا ! حَتَّى كَلَّمَهُ اللَّه آخِر الْأَلْسِنَة بِمِثْلِ لِسَانه , فَقَالَ مُوسَى : أَيْ رَبّ هَذَا كَلَامك ؟ قَالَ اللَّه : لَوْ كَلَّمْتُك بِكَلَامِي لَمْ تَكُنْ شَيْئًا . قَالَ : يَا رَبّ , فَهَلْ مِنْ خَلْقك شَيْء يُشْبِه كَلَامك ؟ قَالَ : لَا , وَأَقْرَب خَلْقِي شَبَهًا بِكَلَامِي , أَشَدّ مَا يُسْمَع مِنْ الصَّوَاعِق.
رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُون لِلنَّاسِ عَلَى اللَّه حُجَّة بَعْد الرُّسُل } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ : { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْك كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوح وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْده } وَمَنْ ذُكِرَ مِنْ الرُّسُل { رُسُلًا } فَنَصَبَ بِهِ الرُّسُل عَلَى الْقَطْع مِنْ أَسْمَاء الْأَنْبِيَاء الَّذِينَ ذَكَرَ أَسْمَاءَهُمْ . { مُبَشِّرِينَ } يَقُول : أَرْسَلْتهمْ رُسُلًا إِلَى خَلْقِي وَعِبَادِي مُبَشِّرِينَ بِثَوَابِي مَنْ أَطَاعَنِي وَاتَّبَعَ أَمْرِي وَصَدَّقَ رُسُلِي , { وَمُنْذِرِينَ } عِقَابِي مَنْ عَصَانِي وَخَالَفَ أَمْرِي وَكَذَّبَ رُسُلِي . { لِئَلَّا يَكُون لِلنَّاسِ عَلَى اللَّه حُجَّة بَعْد الرُّسُل } يَقُول : أَرْسَلْت رُسُلِي إِلَى عِبَادِي مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ , لِئَلَّا يَحْتَجّ مَنْ كَفَرَ بِي وَعَبَدَ الْأَنْدَاد مِنْ دُونِي , أَوْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِي بِأَنْ يَقُول إِنْ أَرَدْت عِقَابه : { لَوْلَا أَرْسَلْت إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِع آيَاتك مِنْ قَبْل أَنْ نَذِلّ وَنَخْزَى } 20 134 فَقَطَعَ حُجَّة كُلّ مُبْطِل أَلْحَدَ فِي تَوْحِيده وَخَالَفَ أَمْره بِجَمِيعِ مَعَانِي الْحُجَج الْقَاطِعَة عُذْره , إِعْذَارًا مِنْهُ بِذَلِكَ إِلَيْهِمْ , لِتَكُونَ لِلَّهِ الْحُجَّة الْبَالِغَة عَلَيْهِمْ وَعَلَى جَمِيع خَلْقه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8528 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لِئَلَّا يَكُون لِلنَّاسِ عَلَى اللَّه حُجَّة بَعْد الرُّسُل } فَيَقُولُوا : مَا أَرْسَلْت إِلَيْنَا رُسُلًا.
{ وَكَانَ اللَّه عَزِيزًا حَكِيمًا } يَقُول : وَلَمْ يَزَلْ اللَّه ذَا عِزَّة فِي اِنْتِقَامه مِمَّنْ اِنْتَقَمَ مِنْ خَلْقه عَلَى كُفْره بِهِ وَمَعْصِيَته إِيَّاهُ بَعْد تَثْبِيته حُجَّته عَلَيْهِ بِرُسُلِهِ وَأَدِلَّته , حَكِيمًا فِي تَدْبِيره فِيهِمْ مَا دَبَّرَهُ .
{ وَكَانَ اللَّه عَزِيزًا حَكِيمًا } يَقُول : وَلَمْ يَزَلْ اللَّه ذَا عِزَّة فِي اِنْتِقَامه مِمَّنْ اِنْتَقَمَ مِنْ خَلْقه عَلَى كُفْره بِهِ وَمَعْصِيَته إِيَّاهُ بَعْد تَثْبِيته حُجَّته عَلَيْهِ بِرُسُلِهِ وَأَدِلَّته , حَكِيمًا فِي تَدْبِيره فِيهِمْ مَا دَبَّرَهُ .
لَّكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَكِنْ اللَّه يَشْهَد بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْك أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَة يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنْ يَكْفُر بِاَلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْك يَا مُحَمَّد الْيَهُود الَّذِينَ سَأَلُوك أَنْ تُنَزِّل عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنْ السَّمَاء , وَقَالُوا لَك : مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى بَشَر مِنْ شَيْء فَكَذَّبُوك , فَقَدْ كَذَبُوا مَا الْأَمْر , كَمَا قَالُوا : لَكِنْ اللَّه يَشْهَد بِتَنْزِيلِهِ إِلَيْك مَا أَنْزَلَهُ مِنْ كِتَابه وَوَحْيه , أَنْزَلَ ذَلِكَ إِلَيْك بِعِلْمٍ مِنْهُ بِأَنَّك خِيرَته مِنْ خَلْقه وَصَفِيّه مِنْ عِبَاده , وَيَشْهَد لَك بِذَلِكَ مَلَائِكَته , فَلَا يَحْزُنك تَكْذِيب مَنْ كَذَّبَك , وَخِلَاف مَنْ خَالَفَك . { وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا } يَقُول : وَحَسْبك بِاَللَّهِ شَاهِدًا عَلَى صِدْقك دُون مَا سِوَاهُ مِنْ خَلْقه , فَإِنَّهُ إِذَا شَهِدَ لَك بِالصِّدْقِ رَبّك لَمْ يَضُرّك تَكْذِيب مَنْ كَذَّبَك . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي قَوْم مِنْ الْيَهُود دَعَاهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى اِتِّبَاعه , وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ حَقِيقَة نُبُوَّته , فَجَحَدُوا نُبُوَّته وَأَنْكَرُوا مَعْرِفَته . ذِكْر الْخَبَر بِذَلِكَ : 8529 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر , أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : دَخَلَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَة مِنْ يَهُود , فَقَالَ لَهُمْ : " إِنِّي وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُول اللَّه ! " فَقَالُوا : مَا نَعْلَم ذَلِكَ . فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَكِنْ اللَّه يَشْهَد بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْك أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَة يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا } . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ عِكْرِمَة وَسَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : دَخَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِصَابَة مِنْ الْيَهُود , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . 8530 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { لَكِنْ اللَّه يَشْهَد بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْك أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَة يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا } شُهُود وَاَللَّه غَيْر مُتَّهَمَة.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّ الَّذِينَ جَحَدُوا يَا مُحَمَّد نُبُوَّتك بَعْد عِلْمهمْ بِهَا مِنْ أَهْل الْكِتَاب الَّذِينَ اِقْتَصَصْت عَلَيْك قِصَّتهمْ , وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُون اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَوْحَى إِلَيْك كِتَابه , { وَصَدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه } يَعْنِي عَنْ الدِّين الَّذِي بَعَثَك اللَّه بِهِ إِلَى خَلْقه وَهُوَ الْإِسْلَام . وَكَانَ صَدّهمْ عَنْهُ : قِيلهمْ لِلنَّاسِ الَّذِينَ يَسْأَلُونَهُمْ عَنْ مُحَمَّد مِنْ أَهْل الشِّرْك : مَا نَجِد صِفَة مُحَمَّد فِي كِتَابنَا , وَادِّعَاءَهُمْ أَنَّهُمْ عُهِدَ إِلَيْهِمْ أَنَّ النُّبُوَّة لَا تَكُون إِلَّا فِي وَلَد هَارُون وَمِنْ ذُرِّيَّة دَاوُد , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُور الَّتِي كَانُوا يُثَبِّطُونَ النَّاس بِهَا عَنْ اِتِّبَاع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّصْدِيق بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه .
وَقَوْله : { قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا } يَعْنِي : قَدْ جَارُوا عَنْ قَصْد الطَّرِيق جَوْرًا شَدِيدًا , وَزَالُوا عَنْ الْمَحَجَّة . وَإِنَّمَا يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِجَوْرِهِمْ عَنْ الْمَحَجَّة , وَضَلَالهمْ عَنْهَا : إِخْطَاءَهُمْ دِين اللَّه الَّذِي اِرْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ وَابْتَعَثَ بِهِ رُسُله , يَقُول : مَنْ جَحَدَ رِسَالَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَدَّ عَمَّا بُعِثَ بِهِ مِنْ الْمِلَّة مِنْ قَبْل مِنْهُ , فَقَدْ ضَلَّ فَذَهَبَ عَنْ الدِّين الَّذِي هُوَ دِين اللَّه الَّذِي اِبْتَعَثَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ ضَلَالًا بَعِيدًا .
وَقَوْله : { قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا } يَعْنِي : قَدْ جَارُوا عَنْ قَصْد الطَّرِيق جَوْرًا شَدِيدًا , وَزَالُوا عَنْ الْمَحَجَّة . وَإِنَّمَا يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِجَوْرِهِمْ عَنْ الْمَحَجَّة , وَضَلَالهمْ عَنْهَا : إِخْطَاءَهُمْ دِين اللَّه الَّذِي اِرْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ وَابْتَعَثَ بِهِ رُسُله , يَقُول : مَنْ جَحَدَ رِسَالَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَدَّ عَمَّا بُعِثَ بِهِ مِنْ الْمِلَّة مِنْ قَبْل مِنْهُ , فَقَدْ ضَلَّ فَذَهَبَ عَنْ الدِّين الَّذِي هُوَ دِين اللَّه الَّذِي اِبْتَعَثَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ ضَلَالًا بَعِيدًا .
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنْ اللَّه لِيَغْفِر لَهُمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّ الَّذِينَ جَحَدُوا رِسَالَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَفَرُوا بِاَللَّهِ بِجُحُودِ ذَلِكَ وَظَلَمُوا بِمُقَامِهِمْ عَلَى الْكُفْر , عَلَى عِلْم مِنْهُمْ بِظُلْمِهِمْ عِبَاد اللَّه , وَحَسَدًا لِلْعَرَبِ , وَبَغْيًا عَلَى رَسُوله مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , { لَمْ يَكُنْ اللَّه لِيَغْفِر لَهُمْ } يَعْنِي : لَمْ يَكُنْ اللَّه لِيَعْفُوَ عَنْ ذُنُوبهمْ بِتَرْكِهِ عُقُوبَتهمْ عَلَيْهَا , وَلَكِنَّهُ يَفْضَحهُمْ بِهَا بِعُقُوبَتِهِ إِيَّاهُمْ عَلَيْهَا .
{ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا } يَقُول : وَلَمْ يَكُنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِيَهْدِيَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا , الَّذِينَ وَصَفْنَا صِفَتهمْ , فَيُوَفِّقهُمْ لِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُق الَّتِي يَنَالُونَ بِهَا ثَوَاب اللَّه , وَيَصِلُونَ بِلُزُومِهِمْ إِيَّاهُ إِلَى الْجَنَّة , وَلَكِنَّهُ يَخْذُلهُمْ عَنْ ذَلِكَ , حَتَّى يَسْلُكُوا طَرِيق جَهَنَّم .
{ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا } يَقُول : وَلَمْ يَكُنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِيَهْدِيَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا , الَّذِينَ وَصَفْنَا صِفَتهمْ , فَيُوَفِّقهُمْ لِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُق الَّتِي يَنَالُونَ بِهَا ثَوَاب اللَّه , وَيَصِلُونَ بِلُزُومِهِمْ إِيَّاهُ إِلَى الْجَنَّة , وَلَكِنَّهُ يَخْذُلهُمْ عَنْ ذَلِكَ , حَتَّى يَسْلُكُوا طَرِيق جَهَنَّم .
وَإِنَّمَا كَنَّى بِذِكْرِ الطَّرِيق عَنْ الدِّين ; وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : لَمْ يَكُنْ اللَّه لِيُوَفِّقهُمْ لِلْإِسْلَامِ , وَلَكِنَّهُ يَخْذُلهُمْ عَنْهُ إِلَى طَرِيق جَهَنَّم , وَهُوَ الْكُفْر , يَعْنِي : حَتَّى يَكْفُرُوا بِاَللَّهِ وَرُسُله , فَيَدْخُلُوا جَهَنَّم خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا , يَقُول : مُقِيمِينَ فِيهَا أَبَدًا .
{ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّه يَسِيرًا } يَقُول : وَكَانَ تَخْلِيد هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْت لَكُمْ صِفَتهمْ فِي جَهَنَّم عَلَى اللَّه يَسِيرًا , لِأَنَّهُ لَا يَقْدِر مَنْ أَرَادَ ذَلِكَ بِهِ عَلَى الِامْتِنَاع مِنْهُ , وَلَا لَهُ أَحَد يَمْنَعهُ مِنْهُ , وَلَا يُسْتَصْعَب عَلَيْهِ مَا أَرَادَ فِعْله بِهِ مِنْ ذَلِكَ , وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّه يَسِيرًا , لِأَنَّ الْخَلْق خَلْقه , وَالْأَمْر أَمْره.
{ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّه يَسِيرًا } يَقُول : وَكَانَ تَخْلِيد هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْت لَكُمْ صِفَتهمْ فِي جَهَنَّم عَلَى اللَّه يَسِيرًا , لِأَنَّهُ لَا يَقْدِر مَنْ أَرَادَ ذَلِكَ بِهِ عَلَى الِامْتِنَاع مِنْهُ , وَلَا لَهُ أَحَد يَمْنَعهُ مِنْهُ , وَلَا يُسْتَصْعَب عَلَيْهِ مَا أَرَادَ فِعْله بِهِ مِنْ ذَلِكَ , وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّه يَسِيرًا , لِأَنَّ الْخَلْق خَلْقه , وَالْأَمْر أَمْره.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْرًا لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النَّاس قَدْ جَاءَكُمْ الرَّسُول بِالْحَقِّ مِنْ رَبّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يَا أَيّهَا النَّاس } مُشْرِكِي الْعَرَب , وَسَائِر أَصْنَاف الْكُفْر . { قَدْ جَاءَكُمْ الرَّسُول } يَعْنِي : مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَدْ جَاءَكُمْ { بِالْحَقِّ مِنْ رَبّكُمْ } يَقُول : بِالْإِسْلَامِ الَّذِي اِرْتَضَاهُ اللَّه لِعِبَادِهِ دِينًا , يَقُول : مِنْ رَبّكُمْ : يَعْنِي مِنْ عِنْد رَبّكُمْ . { فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ } يَقُول : فَصَدِّقُوهُ وَصَدِّقُوا بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّكُمْ مِنْ الدِّين , فَإِنَّ الْإِيمَان بِذَلِكَ خَيْر لَكُمْ مِنْ الْكُفْر بِهِ . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْله نُصِبَ قَوْله : { خَيْرًا لَكُمْ } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : نَصَبَ خَيْرًا عَلَى الْخُرُوج مِمَّا قَبْله مِنْ الْكَلَام , لِأَنَّ مَا قَبْله مِنْ الْكَلَام قَدْ تَمَّ , وَذَلِكَ قَوْله : { فَآمِنُوا } , وَقَالَ : قَدْ سَمِعْت الْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ فِي كُلّ خَبَر كَانَ تَامًّا ثُمَّ اِتَّصَلَ بِهِ كَلَام بَعْد تَمَامه عَلَى نَحْو اِتِّصَال " خَيْر " بِمَا قَبْله , فَتَقُول : لَتَقُومَنَّ خَيْرًا لَك , وَلَوْ فَعَلْت ذَلِكَ خَيْرًا لَك , وَاتَّقِ اللَّه خَيْرًا لَك . قَالَ : وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْكَلَام نَاقِصًا , فَلَا يَكُون إِلَّا بِالرَّفْعِ كَقَوْلِك : إِنَّ تَتَّقِ اللَّه خَيْر لَك , و { وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْر لَكُمْ } 4 25 . وَقَالَ آخَر مِنْهُمْ : جَاءَ النَّصْب فِي " خَيْر " , لِأَنَّ أَصْل الْكَلَام : فَآمِنُوا هُوَ خَيْر لَكُمْ , فَلَمَّا سَقَطَ " هُوَ " الَّذِي هُوَ مَصْدَر اِتَّصَلَ الْكَلَام بِمَا قَبْله , وَاَلَّذِي قَبْله مَعْرِفَة و " خَيْر " نَكِرَة , فَانْتُصِبَ لِاتِّصَالِهِ بِالْمَعْرِفَةِ , لِأَنَّ الْإِضْمَار مِنْ الْفِعْل : قُمْ فَالْقِيَام خَيْر لَك , وَلَا تَقُمْ فَتَرْك الْقِيَام خَيْر لَك ; فَلَمَّا سَقَطَ اِتَّصَلَ بِالْأَوَّلِ . وَقَالَ : أَلَا تَرَى أَنَّك تَرَى الْكِنَايَة عَنْ الْأَمْر تَصْلُح قَبْل الْخَبَر , فَتَقُول لِلرَّجُلِ : اِتَّقِ اللَّه هُوَ خَيْر لَك , أَيْ الِاتِّقَاء خَيْر لَك . وَقَالَ : لَيْسَ نَصْبه عَلَى إِضْمَار " يَكُنْ " , لِأَنَّ ذَلِكَ يَأْتِي بِقِيَاسٍ يُبْطِل هَذَا , أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُول : اِتَّقِ اللَّه تَكُنْ مُحْسِنًا , وَلَا يَجُوز أَنْ تَقُول : اِتَّقِ اللَّه مُحْسِنًا , وَأَنْتَ تُضْمِر " كَانَ " , وَلَا يَصْلُح أَنْ تَقُول : اُنْصُرْنَا أَخَانَا , وَأَنْتَ تُرِيد : تَكُنْ أَخَانَا . وَزَعَمَ قَائِل هَذَا الْقَوْل أَنَّهُ لَا يُجِيز ذَلِكَ إِلَّا فِي " أَفْعَل " خَاصَّة , فَتَقُول : اِفْعَلْ هَذَا خَيْرًا لَك , وَلَا تَفْعَل هَذَا خَيْرًا لَك وَأَفْضَل لَك ; وَلَا تَقُول : صَلَاحًا لَك . وَزَعَمَ أَنَّهُ إِنَّمَا قِيلَ مَعَ " أَفْعَل " , لِأَنَّ " أَفْعَل " يَدُلّ عَلَى أَنَّ هَذَا أَصْلَح مِنْ ذَلِكَ . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : نُصِبَ " خَيْرًا " لِأَنَّهُ حِين قَالَ لَهُمْ : آمِنُوا , أَمَرَهُمْ بِمَا هُوَ خَيْر لَهُمْ , فَكَأَنَّهُ قَالَ : اِعْمَلُوا خَيْرًا لَكُمْ , وَكَذَلِكَ : اِنْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ , قَالَ : وَهَذَا إِنَّمَا يَكُون فِي الْأَمْر وَالنَّهْي خَاصَّة , وَلَا يَكُون فِي الْخَبَر , لَا تَقُول : أَنْ أَنْتَهِي خَيْرًا لِي , وَلَكِنْ يُرْفَع عَلَى كَلَامَيْنِ لِأَنَّ الْأَمْر وَالنَّهْي يُضْمَر فِيهِمَا , فَكَأَنَّك أَخْرَجْته مِنْ شَيْء إِلَى شَيْء , لِأَنَّك حِين قُلْت لَهُ اِنْتَهِ , كَأَنَّك قُلْت لَهُ : اُخْرُجْ مِنْ ذَا , وَادْخُلْ فِي آخَر ; وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الشَّاعِر عُمَر بْن أَبِي رَبِيعَة : فَوَاعِدِيهِ سَرْحَتَيْ مَالِكٍ أَوْ الرُّبَا بَيْنهمَا أَسْهَلَا كَمَا تَقُول : وَاعِدِيهِ خَيْرًا لَك . قَالَ : وَقَدْ سَمِعْت نَصْب هَذَا فِي الْخَبَر , تَقُول الْعَرَب : آتِي الْبَيْت خَيْرًا لِي وَأَتْرُكهُ خَيْرًا لِي , وَهُوَ عَلَى مَا فَسَّرْت لَك فِي الْأَمْر وَالنَّهْي . وَقَالَ آخَر مِنْهُمْ : نَصَبَ " خَيْرًا " بِفِعْلٍ مُضْمَر , وَاكْتَفَى مِنْ ذَلِكَ الْمُضْمَر بِقَوْلِهِ : لَا تَفْعَل هَذَا وَافْعَلْ الْخَيْر , وَأَجَازَهُ فِي غَيْر " أَفْعَل " , فَقَالَ : لَا تَفْعَل ذَاكَ صَلَاحًا لَك . وَقَالَ آخَر مِنْهُمْ : نَصَبَ " خَيْرًا " عَلَى ضَمِير جَوَاب : يَكُنْ خَيْرًا لَكُمْ , وَقَالَ : كَذَلِكَ كُلّ أَمْر وَنَهْي .
{ وَإِنْ تَكْفُرُوا } يَقُول : وَإِنْ تَجْحَدُوا رِسَالَته , وَتُكَذِّبُوا بِهِ وَبِمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّكُمْ , فَإِنَّ جُحُودكُمْ ذَلِكَ وَتَكْذِيبكُمْ بِهِ لَنْ يَضُرّ غَيْركُمْ , وَإِنَّمَا مَكْرُوه ذَلِكَ عَائِد عَلَيْكُمْ دُون اللَّه الَّذِي أَمَرَكُمْ بِاَلَّذِي بَعَثَ بِهِ إِلَيْكُمْ رَسُوله مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَذَلِكَ أَنَّ { لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض } مُلْكًا وَخَلْقًا , لَا يَنْقُص كُفْركُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ بِهِ مِنْ أَمْره , وَعِصْيَانكُمْ إِيَّاهُ فِيمَا عَصَيْتُمُوهُ فِيهِ مِنْ مُلْكه وَسُلْطَانه شَيْئًا .
{ وَكَانَ اللَّه عَلِيمًا حَكِيمًا } يَقُول : وَكَانَ اللَّه عَلِيمًا بِمَا أَنْتُمْ صَائِرُونَ إِلَيْهِ مِنْ طَاعَته فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ وَمَعْصِيَته فِي ذَلِكَ , وَعَلَى عِلْم مِنْهُ بِذَلِكَ مِنْكُمْ أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ . { حَكِيمًا } يَعْنِي : حَكِيمًا فِي أَمْره إِيَّاكُمْ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَفِي نَهْيه إِيَّاكُمْ عَمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ , وَفِي غَيْر ذَلِكَ مِنْ تَدْبِيره فِيكُمْ وَفِي غَيْركُمْ مِنْ خَلْقه .
{ وَإِنْ تَكْفُرُوا } يَقُول : وَإِنْ تَجْحَدُوا رِسَالَته , وَتُكَذِّبُوا بِهِ وَبِمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّكُمْ , فَإِنَّ جُحُودكُمْ ذَلِكَ وَتَكْذِيبكُمْ بِهِ لَنْ يَضُرّ غَيْركُمْ , وَإِنَّمَا مَكْرُوه ذَلِكَ عَائِد عَلَيْكُمْ دُون اللَّه الَّذِي أَمَرَكُمْ بِاَلَّذِي بَعَثَ بِهِ إِلَيْكُمْ رَسُوله مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَذَلِكَ أَنَّ { لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض } مُلْكًا وَخَلْقًا , لَا يَنْقُص كُفْركُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ بِهِ مِنْ أَمْره , وَعِصْيَانكُمْ إِيَّاهُ فِيمَا عَصَيْتُمُوهُ فِيهِ مِنْ مُلْكه وَسُلْطَانه شَيْئًا .
{ وَكَانَ اللَّه عَلِيمًا حَكِيمًا } يَقُول : وَكَانَ اللَّه عَلِيمًا بِمَا أَنْتُمْ صَائِرُونَ إِلَيْهِ مِنْ طَاعَته فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ وَمَعْصِيَته فِي ذَلِكَ , وَعَلَى عِلْم مِنْهُ بِذَلِكَ مِنْكُمْ أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ . { حَكِيمًا } يَعْنِي : حَكِيمًا فِي أَمْره إِيَّاكُمْ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَفِي نَهْيه إِيَّاكُمْ عَمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ , وَفِي غَيْر ذَلِكَ مِنْ تَدْبِيره فِيكُمْ وَفِي غَيْركُمْ مِنْ خَلْقه .
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَهْل الْكِتَاب لَا تَغْلُوا فِي دِينكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّه إِلَّا الْحَقّ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { يَا أَهْل الْكِتَاب } : يَا أَهْل الْإِنْجِيل مِنْ النَّصَارَى , { لَا تَغْلُوا فِي دِينكُمْ } يَقُول : لَا تُجَاوِزُوا الْحَقّ فِي دِينكُمْ فَتُفَرِّطُوا فِيهِ , وَلَا تَقُولُوا فِي عِيسَى غَيْر الْحَقّ , فَإِنَّ قِيلكُمْ فِي عِيسَى إِنَّهُ اِبْن اللَّه قَوْل مِنْكُمْ عَلَى اللَّه غَيْر الْحَقّ , لِأَنَّ اللَّه لَمْ يَتَّخِذ وَلَدًا , فَيَكُون عِيسَى أَوْ غَيْره مِنْ خَلْقه لَهُ اِبْنًا . { وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّه إِلَّا الْحَقّ } وَأَصْل الْغُلُوّ فِي كُلّ شَيْء : مُجَاوَزَة حَدّه الَّذِي هُوَ حَدّه , يُقَال مِنْهُ فِي الدِّين قَدْ غَلَا فَهُوَ يَغْلُو غُلُوًّا , وَغَلَا بِالْجَارِيَةِ عَظْمهَا وَلَحْمهَا : إِذَا أَسْرَعَتْ الشَّبَاب , فَجَاوَزَتْ لِدَاتِهَا , يَغْلُو بِهَا غُلُوًّا وَغَلَاء ; وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل الْحَارِث بْن خَالِد الْمَخْزُومِيّ : خَمْصَانَة قَلِق مُوَشَّحهَا رُؤْد الشَّبَاب غَلَا بِهَا عَظْم 8531 - وَقَدْ حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : صَارُوا فَرِيقَيْنِ : فَرِيق غَلَوْا فِي الدِّين , فَكَانَ غُلُوّهُمْ فِيهِ : الشَّكّ فِيهِ وَالرَّغْبَة عَنْهُ . وَفَرِيق مِنْهُمْ قَصَرُوا عَنْهُ فَفَسَقُوا عَنْ أَمْر رَبّهمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّمَا الْمَسِيح عِيسَى اِبْن مَرْيَم رَسُول اللَّه } يَعْنِي ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { إِنَّمَا الْمَسِيح عِيسَى اِبْن مَرْيَم } : مَا الْمَسِيح أَيّهَا الْغَالُونَ فِي دِينهمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب بِابْنِ اللَّه كَمَا تَزْعُمُونَ , وَلَكِنَّهُ عِيسَى اِبْن مَرْيَم دُون غَيْرهَا مِنْ الْخَلْق , لَا نَسَب لَهُ غَيْر ذَلِكَ . ثُمَّ نَعَتَهُ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِنَعْتِهِ وَوَصَفَهُ بِصِفَتِهِ , فَقَالَ : هُوَ رَسُول اللَّه , أَرْسَلَهُ اللَّه بِالْحَقِّ إِلَى مَنْ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِ مِنْ خَلْقه . وَأَصْل الْمَسِيح : الْمَمْسُوح , صُرِفَ مِنْ مَفْعُول إِلَى فَعِيل , وَسَمَّاهُ اللَّه بِذَلِكَ لِتَطْهِيرِهِ إِيَّاهُ مِنْ الذُّنُوب ; وَقِيلَ : مُسِحَ مِنْ الذُّنُوب وَالْأَدْنَاس الَّتِي تَكُون فِي الْآدَمِيِّينَ , كَمَا يُمْسَح الشَّيْء مِنْ الْأَذَى الَّذِي يَكُون فِيهِ فَيَطْهُر مِنْهُ , وَلِذَلِكَ قَالَ مُجَاهِد وَمَنْ قَالَ مِثْل قَوْله : الْمَسِيح : الصِّدِّيق. وَقَدْ زَعَمَ بَعْض النَّاس أَنَّ أَصْل هَذِهِ الْكَلِمَة عِبْرَانِيَّة أَوْ سُرْيَانِيَّة " مَشِيحَا " فَعُرِّبَتْ , فَقِيلَ الْمَسِيح , كَمَا عُرِّبَ سَائِر أَسْمَاء الْأَنْبِيَاء الَّتِي فِي الْقُرْآن مِثْل إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَمُوسَى وَعِيسَى . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَلَيْسَ مَا مُثِّلَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ لِلْمَسِيحِ بِنَظِيرٍ ; وَذَلِكَ أَنَّ إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , أَسْمَاء لَا صِفَات , وَالْمَسِيح صِفَة , وَغَيْر جَائِز أَنْ تُخَاطَب الْعَرَب وَغَيْرهَا مِنْ أَجْنَاس الْخَلْق فِي صِفَة شَيْء إِلَّا بِمِثْلِ مَا يُفْهَم عَمَّنْ خَاطَبَهَا , وَلَوْ كَانَ الْمَسِيح مِنْ غَيْر كَلَام الْعَرَب وَلَمْ تَكُنْ الْعَرَب تَعْقِل مَعْنَاهُ مَا خُوطِبَتْ بِهِ . وَقَدْ أَتَيْنَا مِنْ الْبَيَان عَنْ نَظَائِر ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة عَنْ إِعَادَته. وَأَمَّا الْمَسِيح الدَّجَّال , فَإِنَّهُ أَيْضًا بِمَعْنَى الْمَمْسُوح الْعَيْن , صُرِفَ مِنْ مَفْعُول إِلَى فَعِيل , فَمَعْنَى الْمَسِيح فِي عِيسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْمَمْسُوح الْبَدَن مِنْ الْأَدْنَاس وَالْآثَام , وَمَعْنَى الْمَسِيح فِي الدَّجَّال : الْمَمْسُوح الْعَيْن الْيُمْنَى أَوْ الْيُسْرَى كَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ .
وَأَمَّا قَوْله : { وَكَلِمَته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِالْكَلِمَةِ : الرِّسَالَة الَّتِي أَمَرَ اللَّه مَلَائِكَته أَنْ تَأْتِيَ مَرْيَم بِهَا , بِشَارَة مِنْ اللَّه لَهَا الَّتِي ذَكَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي قَوْله : { إِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَة يَا مَرْيَم إِنَّ اللَّه يُبَشِّرك بِكَلِمَةٍ مِنْهُ } يَعْنِي : بِرِسَالَةٍ مِنْهُ , وَبِشَارَة مِنْ عِنْده وَقَدْ قَالَ قَتَادَة فِي ذَلِكَ , مَا : 8532 - حَدَّثَنَا بِهِ الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة : { وَكَلِمَته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم } قَالَ : هُوَ قَوْله : كُنْ فَكَانَ. وَقَدْ بَيَّنَّا اِخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ مِنْ أَهْل الْإِسْلَام فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع. وَقَوْله : { أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم } يَعْنِي : أَعْلَمَهَا بِهَا وَأَخْبَرَهَا , كَمَا يُقَال : أَلْقَيْت إِلَيْك كَلِمَة حَسَنَة , بِمَعْنَى أَخْبَرْتُك بِهَا , وَكَلَّمْتُك بِهَا .
وَأَمَّا قَوْله : { وَرُوح مِنْهُ } فَإِنَّ أَهْل الْعِلْم اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى قَوْله : { وَرُوح مِنْهُ } : وَنَفْخَة مِنْهُ , لِأَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ نَفْخَة جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي دِرْع مَرْيَم بِأَمْرِ اللَّه إِيَّاهُ بِذَلِكَ , فَنُسِبَ إِلَى أَنَّهُ رُوح مِنْ اللَّه , لِأَنَّهُ بِأَمْرِهِ كَانَ , قَالَ : وَإِنَّمَا سُمِّيَ النَّفْخ رُوحًا لِأَنَّهَا رِيح تَخْرُج مِنْ الرُّوح , وَاسْتَشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلهمْ بِقَوْلِ ذِي الرُّمَّة فِي صِفَة نَار نَعَتَهَا : فَلَمَّا بَدَتْ كَفَّنْتهَا وَهْيَ طِفْلَة بِطَلْسَاء لَمْ تَكْمُل ذِرَاعًا وَلَا شِبْرًا وَقُلْت لَهُ اِرْفَعْهَا إِلَيْك وَأَحْيِهَا بِرُوحِك وَاقْتَتْهُ لَهَا قِيتَة قَدْرَا وَظَاهِرْ لَهَا مِنْ بَائِس الشَّخْت وَاسْتَعِنْ عَلَيْهَا الصَّبَا وَاجْعَلْ يَدَيْك لَهَا سِتْرَا فَلَمَّا جَرَتْ لِلْجَزْلِ جَرْيًا كَأَنَّهُ سَنَا الْبَرْق أَحْدَثْنَا لِخَالِقِهَا شُكْرَا وَقَالُوا : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : أَحْيِهَا بِرُوحِك : أَيْ أَحْيِهَا بِنَفْخِك . وَقَالَ بَعْضهمْ : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَرُوح مِنْهُ } : أَنَّهُ كَانَ إِنْسَانًا بِإِحْيَاءِ اللَّه لَهُ بِقَوْلِهِ : " كُنْ " , قَالُوا : وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْله : { وَرُوح مِنْهُ } : وَحَيَاة مِنْهُ , بِمَعْنَى : إِحْيَاء اللَّه إِيَّاهُ بِتَكْوِينِهِ . وَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى قَوْله : { وَرُوح مِنْهُ } وَرَحْمَة مِنْهُ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي مَوْضِع آخَر : { وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ } 58 22 . قَالَ : وَمَعْنَاهُ فِي هَذَا الْمَوْضِع : وَرَحْمَة مِنْهُ . قَالَ : فَجَعَلَ اللَّه عِيسَى رَحْمَة مِنْهُ عَلَى مَنْ اِتَّبَعَهُ وَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ , لِأَنَّهُ هَدَاهُمْ إِلَى سَبِيل الرَّشَاد . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَرُوح مِنْ اللَّه خَلَقَهَا فَصَوَّرَهَا , ثُمَّ أَرْسَلَهَا إِلَى مَرْيَم , فَدَخَلَتْ فِي فِيهَا , فَصَيَّرَهَا اللَّه تَعَالَى رُوح عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8533 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن سَعْد , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب فِي قَوْله : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّتهمْ } 7 172 قَالَ : أَخَذَهُمْ فَجَعَلَهُمْ أَرْوَاحًا , ثُمَّ صَوَّرَهُمْ , ثُمَّ اِسْتَنْطَقَهُمْ , فَكَانَ رُوح عِيسَى مِنْ تِلْكَ الْأَرْوَاح الَّتِي أَخَذَ عَلَيْهَا الْعَهْد وَالْمِيثَاق , فَأَرْسَلَ ذَلِكَ الرُّوح إِلَى مَرْيَم , فَدَخَلَ فِي فِيهَا فَحَمَلَتْ الَّذِي خَاطَبَهَا , وَهُوَ رُوح عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى الرُّوح هَهُنَا : جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام . قَالُوا : وَمَعْنَى الْكَلَام : وَكَلِمَته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم , وَأَلْقَاهَا أَيْضًا إِلَيْهَا رُوح مِنْ اللَّه , ثُمَّ مِنْ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام . وَلِكُلِّ هَذِهِ الْأَقْوَال وَجْه وَمَذْهَب غَيْر بَعِيد مِنْ الصَّوَاب .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَآمِنُوا بِاَللَّهِ وَرُسُله } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَآمِنُوا بِاَللَّهِ وَرُسُله } فَصَدِّقُوا يَا أَهْل الْكِتَاب بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَرُبُوبِيَّته , وَأَنَّهُ لَا وَلَد لَهُ , وَصَدِّقُوا رُسُله فِيمَا جَاءُوكُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , وَفِيمَا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ أَنَّ اللَّه وَاحِد لَا شَرِيك لَهُ , وَلَا صَاحِبَة لَهُ , وَلَا وَلَد لَهُ.
{ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَة } يَعْنِي : وَلَا تَقُولُوا الْأَرْبَاب ثَلَاثَة . وَرُفِعَتْ الثَّلَاثَة بِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الظَّاهِر , وَهُوَ " هُمْ " . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَلَا تَقُولُوا هُمْ ثَلَاثَة. وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَوْل حِكَايَة , وَالْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ فِي الْحِكَايَة , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه : { سَيَقُولُونَ ثَلَاثَة رَابِعهمْ كَلْبهمْ } وَكَذَلِكَ كُلّ مَا وَرَدَ مِنْ مَرْفُوع بَعْد الْقَوْل لَا رَافِع مَعَهُ , فَفِيهِ إِضْمَار اِسْم رَافِع لِذَلِكَ الِاسْم .
ثُمَّ قَالَ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُتَوَعِّدًا لَهُمْ فِي قَوْلهمْ الْعَظِيم الَّذِي قَالُوهُ فِي اللَّه : اِنْتَهُوا أَيّهَا الْقَائِلُونَ اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة عَمَّا تَقُولُونَ مِنْ الزُّور وَالشَّكّ بِاَللَّهِ , فَإِنَّ الِانْتِهَاء عَنْ ذَلِكَ خَيْر لَكُمْ مِنْ قِيله , لِمَا لَكُمْ عِنْد اللَّه مِنْ الْعِقَاب الْعَاجِل لَكُمْ عَلَى قِيلكُمْ ذَلِكَ , إِنْ أَقَمْتُمْ عَلَيْهِ وَلَمْ تُنِيبُوا إِلَى الْحَقّ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ بِالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ وَالْآجِل فِي مَعَادكُمْ.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّمَا اللَّه إِلَه وَاحِد } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { إِنَّمَا اللَّه إِلَه وَاحِد } : مَا اللَّه أَيّهَا الْقَائِلُونَ : اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة كَمَا تَقُولُونَ , لِأَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ وَلَد فَلَيْسَ بِإِلَهٍ , وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ لَهُ صَاحِبَة فَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون إِلَهًا مَعْبُودًا , وَلَكِنَّ اللَّه الَّذِي لَهُ الْأُلُوهَة وَالْعِبَادَة , إِلَه وَاحِد مَعْبُود , لَا وَلَد لَهُ , وَلَا وَالِد , وَلَا صَاحِبَة , وَلَا شَرِيك .
ثُمَّ نَزَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَفْسه وَعَظَّمَهَا وَرَفَعَهَا عَمَّا قَالَ فِيهِ أَعْدَاؤُهُ الْكَفَرَة بِهِ , فَقَالَ : { سُبْحَانه أَنْ يَكُون لَهُ وَلَد } يَقُول : عَلَا اللَّه وَجَلَّ وَعَزَّ وَتَعَظَّمَ وَتَنَزَّهَ عَنْ أَنْ يَكُون لَهُ وَلَد أَوْ صَاحِبَة .
ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَاده أَنَّ عِيسَى وَأُمّه , وَمَنْ فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض , عَبِيده , وَمُلْكه , وَخَلْقه , وَأَنَّهُ رَازِقهمْ وَخَالِقهمْ , وَأَنَّهُمْ أَهْل حَاجَة وَفَاقَة إِلَيْهِ , اِحْتِجَاجًا مِنْهُ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ اِدَّعَى أَنَّ الْمَسِيح اِبْنه , وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ اِبْنه كَمَا قَالُوا لَمْ يَكُنْ ذَا حَاجَة إِلَيْهِ , وَلَا كَانَ لَهُ عَبْدًا مَمْلُوكًا , فَقَالَ : { لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض } يَعْنِي : لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض مِنْ الْأَشْيَاء كُلّهَا , مُلْكًا وَخَلْقًا , وَهُوَ يَرْزُقهُمْ وَيَقُوتهُمْ وَيُدَبِّرهُمْ , فَكَيْفَ يَكُون الْمَسِيح اِبْنًا لِلَّهِ وَهُوَ فِي الْأَرْض أَوْ فِي السَّمَوَات غَيْر خَارِج مِنْ أَنْ يَكُون فِي بَعْض هَذِهِ الْأَمَاكِن !
وَقَوْله : { وَكَفَى بِاَللَّهِ وَكِيلًا } يَقُول : وَحَسْب مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض بِاَللَّهِ قَيِّمًا وَمُدَبِّرًا وَرَازِقًا , مِنْ الْحَاجَة مَعَهُ إِلَى غَيْره .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّمَا الْمَسِيح عِيسَى اِبْن مَرْيَم رَسُول اللَّه } يَعْنِي ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { إِنَّمَا الْمَسِيح عِيسَى اِبْن مَرْيَم } : مَا الْمَسِيح أَيّهَا الْغَالُونَ فِي دِينهمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب بِابْنِ اللَّه كَمَا تَزْعُمُونَ , وَلَكِنَّهُ عِيسَى اِبْن مَرْيَم دُون غَيْرهَا مِنْ الْخَلْق , لَا نَسَب لَهُ غَيْر ذَلِكَ . ثُمَّ نَعَتَهُ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِنَعْتِهِ وَوَصَفَهُ بِصِفَتِهِ , فَقَالَ : هُوَ رَسُول اللَّه , أَرْسَلَهُ اللَّه بِالْحَقِّ إِلَى مَنْ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِ مِنْ خَلْقه . وَأَصْل الْمَسِيح : الْمَمْسُوح , صُرِفَ مِنْ مَفْعُول إِلَى فَعِيل , وَسَمَّاهُ اللَّه بِذَلِكَ لِتَطْهِيرِهِ إِيَّاهُ مِنْ الذُّنُوب ; وَقِيلَ : مُسِحَ مِنْ الذُّنُوب وَالْأَدْنَاس الَّتِي تَكُون فِي الْآدَمِيِّينَ , كَمَا يُمْسَح الشَّيْء مِنْ الْأَذَى الَّذِي يَكُون فِيهِ فَيَطْهُر مِنْهُ , وَلِذَلِكَ قَالَ مُجَاهِد وَمَنْ قَالَ مِثْل قَوْله : الْمَسِيح : الصِّدِّيق. وَقَدْ زَعَمَ بَعْض النَّاس أَنَّ أَصْل هَذِهِ الْكَلِمَة عِبْرَانِيَّة أَوْ سُرْيَانِيَّة " مَشِيحَا " فَعُرِّبَتْ , فَقِيلَ الْمَسِيح , كَمَا عُرِّبَ سَائِر أَسْمَاء الْأَنْبِيَاء الَّتِي فِي الْقُرْآن مِثْل إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَمُوسَى وَعِيسَى . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَلَيْسَ مَا مُثِّلَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ لِلْمَسِيحِ بِنَظِيرٍ ; وَذَلِكَ أَنَّ إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , أَسْمَاء لَا صِفَات , وَالْمَسِيح صِفَة , وَغَيْر جَائِز أَنْ تُخَاطَب الْعَرَب وَغَيْرهَا مِنْ أَجْنَاس الْخَلْق فِي صِفَة شَيْء إِلَّا بِمِثْلِ مَا يُفْهَم عَمَّنْ خَاطَبَهَا , وَلَوْ كَانَ الْمَسِيح مِنْ غَيْر كَلَام الْعَرَب وَلَمْ تَكُنْ الْعَرَب تَعْقِل مَعْنَاهُ مَا خُوطِبَتْ بِهِ . وَقَدْ أَتَيْنَا مِنْ الْبَيَان عَنْ نَظَائِر ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة عَنْ إِعَادَته. وَأَمَّا الْمَسِيح الدَّجَّال , فَإِنَّهُ أَيْضًا بِمَعْنَى الْمَمْسُوح الْعَيْن , صُرِفَ مِنْ مَفْعُول إِلَى فَعِيل , فَمَعْنَى الْمَسِيح فِي عِيسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْمَمْسُوح الْبَدَن مِنْ الْأَدْنَاس وَالْآثَام , وَمَعْنَى الْمَسِيح فِي الدَّجَّال : الْمَمْسُوح الْعَيْن الْيُمْنَى أَوْ الْيُسْرَى كَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ .
وَأَمَّا قَوْله : { وَكَلِمَته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِالْكَلِمَةِ : الرِّسَالَة الَّتِي أَمَرَ اللَّه مَلَائِكَته أَنْ تَأْتِيَ مَرْيَم بِهَا , بِشَارَة مِنْ اللَّه لَهَا الَّتِي ذَكَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي قَوْله : { إِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَة يَا مَرْيَم إِنَّ اللَّه يُبَشِّرك بِكَلِمَةٍ مِنْهُ } يَعْنِي : بِرِسَالَةٍ مِنْهُ , وَبِشَارَة مِنْ عِنْده وَقَدْ قَالَ قَتَادَة فِي ذَلِكَ , مَا : 8532 - حَدَّثَنَا بِهِ الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة : { وَكَلِمَته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم } قَالَ : هُوَ قَوْله : كُنْ فَكَانَ. وَقَدْ بَيَّنَّا اِخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ مِنْ أَهْل الْإِسْلَام فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع. وَقَوْله : { أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم } يَعْنِي : أَعْلَمَهَا بِهَا وَأَخْبَرَهَا , كَمَا يُقَال : أَلْقَيْت إِلَيْك كَلِمَة حَسَنَة , بِمَعْنَى أَخْبَرْتُك بِهَا , وَكَلَّمْتُك بِهَا .
وَأَمَّا قَوْله : { وَرُوح مِنْهُ } فَإِنَّ أَهْل الْعِلْم اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى قَوْله : { وَرُوح مِنْهُ } : وَنَفْخَة مِنْهُ , لِأَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ نَفْخَة جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي دِرْع مَرْيَم بِأَمْرِ اللَّه إِيَّاهُ بِذَلِكَ , فَنُسِبَ إِلَى أَنَّهُ رُوح مِنْ اللَّه , لِأَنَّهُ بِأَمْرِهِ كَانَ , قَالَ : وَإِنَّمَا سُمِّيَ النَّفْخ رُوحًا لِأَنَّهَا رِيح تَخْرُج مِنْ الرُّوح , وَاسْتَشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلهمْ بِقَوْلِ ذِي الرُّمَّة فِي صِفَة نَار نَعَتَهَا : فَلَمَّا بَدَتْ كَفَّنْتهَا وَهْيَ طِفْلَة بِطَلْسَاء لَمْ تَكْمُل ذِرَاعًا وَلَا شِبْرًا وَقُلْت لَهُ اِرْفَعْهَا إِلَيْك وَأَحْيِهَا بِرُوحِك وَاقْتَتْهُ لَهَا قِيتَة قَدْرَا وَظَاهِرْ لَهَا مِنْ بَائِس الشَّخْت وَاسْتَعِنْ عَلَيْهَا الصَّبَا وَاجْعَلْ يَدَيْك لَهَا سِتْرَا فَلَمَّا جَرَتْ لِلْجَزْلِ جَرْيًا كَأَنَّهُ سَنَا الْبَرْق أَحْدَثْنَا لِخَالِقِهَا شُكْرَا وَقَالُوا : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : أَحْيِهَا بِرُوحِك : أَيْ أَحْيِهَا بِنَفْخِك . وَقَالَ بَعْضهمْ : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَرُوح مِنْهُ } : أَنَّهُ كَانَ إِنْسَانًا بِإِحْيَاءِ اللَّه لَهُ بِقَوْلِهِ : " كُنْ " , قَالُوا : وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْله : { وَرُوح مِنْهُ } : وَحَيَاة مِنْهُ , بِمَعْنَى : إِحْيَاء اللَّه إِيَّاهُ بِتَكْوِينِهِ . وَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى قَوْله : { وَرُوح مِنْهُ } وَرَحْمَة مِنْهُ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي مَوْضِع آخَر : { وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ } 58 22 . قَالَ : وَمَعْنَاهُ فِي هَذَا الْمَوْضِع : وَرَحْمَة مِنْهُ . قَالَ : فَجَعَلَ اللَّه عِيسَى رَحْمَة مِنْهُ عَلَى مَنْ اِتَّبَعَهُ وَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ , لِأَنَّهُ هَدَاهُمْ إِلَى سَبِيل الرَّشَاد . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَرُوح مِنْ اللَّه خَلَقَهَا فَصَوَّرَهَا , ثُمَّ أَرْسَلَهَا إِلَى مَرْيَم , فَدَخَلَتْ فِي فِيهَا , فَصَيَّرَهَا اللَّه تَعَالَى رُوح عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8533 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن سَعْد , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب فِي قَوْله : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّتهمْ } 7 172 قَالَ : أَخَذَهُمْ فَجَعَلَهُمْ أَرْوَاحًا , ثُمَّ صَوَّرَهُمْ , ثُمَّ اِسْتَنْطَقَهُمْ , فَكَانَ رُوح عِيسَى مِنْ تِلْكَ الْأَرْوَاح الَّتِي أَخَذَ عَلَيْهَا الْعَهْد وَالْمِيثَاق , فَأَرْسَلَ ذَلِكَ الرُّوح إِلَى مَرْيَم , فَدَخَلَ فِي فِيهَا فَحَمَلَتْ الَّذِي خَاطَبَهَا , وَهُوَ رُوح عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى الرُّوح هَهُنَا : جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام . قَالُوا : وَمَعْنَى الْكَلَام : وَكَلِمَته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم , وَأَلْقَاهَا أَيْضًا إِلَيْهَا رُوح مِنْ اللَّه , ثُمَّ مِنْ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام . وَلِكُلِّ هَذِهِ الْأَقْوَال وَجْه وَمَذْهَب غَيْر بَعِيد مِنْ الصَّوَاب .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَآمِنُوا بِاَللَّهِ وَرُسُله } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَآمِنُوا بِاَللَّهِ وَرُسُله } فَصَدِّقُوا يَا أَهْل الْكِتَاب بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَرُبُوبِيَّته , وَأَنَّهُ لَا وَلَد لَهُ , وَصَدِّقُوا رُسُله فِيمَا جَاءُوكُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , وَفِيمَا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ أَنَّ اللَّه وَاحِد لَا شَرِيك لَهُ , وَلَا صَاحِبَة لَهُ , وَلَا وَلَد لَهُ.
{ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَة } يَعْنِي : وَلَا تَقُولُوا الْأَرْبَاب ثَلَاثَة . وَرُفِعَتْ الثَّلَاثَة بِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الظَّاهِر , وَهُوَ " هُمْ " . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَلَا تَقُولُوا هُمْ ثَلَاثَة. وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَوْل حِكَايَة , وَالْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ فِي الْحِكَايَة , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه : { سَيَقُولُونَ ثَلَاثَة رَابِعهمْ كَلْبهمْ } وَكَذَلِكَ كُلّ مَا وَرَدَ مِنْ مَرْفُوع بَعْد الْقَوْل لَا رَافِع مَعَهُ , فَفِيهِ إِضْمَار اِسْم رَافِع لِذَلِكَ الِاسْم .
ثُمَّ قَالَ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُتَوَعِّدًا لَهُمْ فِي قَوْلهمْ الْعَظِيم الَّذِي قَالُوهُ فِي اللَّه : اِنْتَهُوا أَيّهَا الْقَائِلُونَ اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة عَمَّا تَقُولُونَ مِنْ الزُّور وَالشَّكّ بِاَللَّهِ , فَإِنَّ الِانْتِهَاء عَنْ ذَلِكَ خَيْر لَكُمْ مِنْ قِيله , لِمَا لَكُمْ عِنْد اللَّه مِنْ الْعِقَاب الْعَاجِل لَكُمْ عَلَى قِيلكُمْ ذَلِكَ , إِنْ أَقَمْتُمْ عَلَيْهِ وَلَمْ تُنِيبُوا إِلَى الْحَقّ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ بِالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ وَالْآجِل فِي مَعَادكُمْ.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّمَا اللَّه إِلَه وَاحِد } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { إِنَّمَا اللَّه إِلَه وَاحِد } : مَا اللَّه أَيّهَا الْقَائِلُونَ : اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة كَمَا تَقُولُونَ , لِأَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ وَلَد فَلَيْسَ بِإِلَهٍ , وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ لَهُ صَاحِبَة فَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون إِلَهًا مَعْبُودًا , وَلَكِنَّ اللَّه الَّذِي لَهُ الْأُلُوهَة وَالْعِبَادَة , إِلَه وَاحِد مَعْبُود , لَا وَلَد لَهُ , وَلَا وَالِد , وَلَا صَاحِبَة , وَلَا شَرِيك .
ثُمَّ نَزَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَفْسه وَعَظَّمَهَا وَرَفَعَهَا عَمَّا قَالَ فِيهِ أَعْدَاؤُهُ الْكَفَرَة بِهِ , فَقَالَ : { سُبْحَانه أَنْ يَكُون لَهُ وَلَد } يَقُول : عَلَا اللَّه وَجَلَّ وَعَزَّ وَتَعَظَّمَ وَتَنَزَّهَ عَنْ أَنْ يَكُون لَهُ وَلَد أَوْ صَاحِبَة .
ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَاده أَنَّ عِيسَى وَأُمّه , وَمَنْ فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض , عَبِيده , وَمُلْكه , وَخَلْقه , وَأَنَّهُ رَازِقهمْ وَخَالِقهمْ , وَأَنَّهُمْ أَهْل حَاجَة وَفَاقَة إِلَيْهِ , اِحْتِجَاجًا مِنْهُ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ اِدَّعَى أَنَّ الْمَسِيح اِبْنه , وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ اِبْنه كَمَا قَالُوا لَمْ يَكُنْ ذَا حَاجَة إِلَيْهِ , وَلَا كَانَ لَهُ عَبْدًا مَمْلُوكًا , فَقَالَ : { لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض } يَعْنِي : لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض مِنْ الْأَشْيَاء كُلّهَا , مُلْكًا وَخَلْقًا , وَهُوَ يَرْزُقهُمْ وَيَقُوتهُمْ وَيُدَبِّرهُمْ , فَكَيْفَ يَكُون الْمَسِيح اِبْنًا لِلَّهِ وَهُوَ فِي الْأَرْض أَوْ فِي السَّمَوَات غَيْر خَارِج مِنْ أَنْ يَكُون فِي بَعْض هَذِهِ الْأَمَاكِن !
وَقَوْله : { وَكَفَى بِاَللَّهِ وَكِيلًا } يَقُول : وَحَسْب مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض بِاَللَّهِ قَيِّمًا وَمُدَبِّرًا وَرَازِقًا , مِنْ الْحَاجَة مَعَهُ إِلَى غَيْره .
لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ وَلاَ الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَنْ يَسْتَنْكِف الْمَسِيح أَنْ يَكُون عَبْدًا لِلَّهِ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { لَنْ يَسْتَنْكِف الْمَسِيح } : لَنْ يَأْنَف وَلَنْ يَسْتَكْبِر الْمَسِيح { أَنْ يَكُون عَبْدًا لِلَّهِ } يَعْنِي : مِنْ أَنْ يَكُون عَبْدًا لِلَّهِ . كَمَا : 8534 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { لَنْ يَسْتَنْكِف الْمَسِيح أَنْ يَكُون عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَة الْمُقَرَّبُونَ } : لَنْ يَحْتَشِم الْمَسِيح أَنْ يَكُون عَبْد اللَّه وَلَا الْمَلَائِكَة .
وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا الْمَلَائِكَة الْمُقَرَّبُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَلَنْ يَسْتَنْكِف أَيْضًا مِنْ الْإِقْرَار لِلَّهِ بِالْعُبُودِيَّةِ , وَالْإِذْعَان لَهُ بِذَلِكَ رُسُله الْمُقَرَّبُونَ الَّذِينَ قَرَّبَهُمْ اللَّه وَرَفَعَ مَنَازِلهمْ عَلَى غَيْرهمْ مِنْ خَلْقه . وَرُوِيَ عَنْ الضَّحَّاك أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 8535 - حَدَّثَنِي بِهِ جَعْفَر بْن مُحَمَّد الْبُزُورِيّ , قَالَ : ثنا يَعْلَى بْن عُبَيْد , عَنْ الْأَجْلَح , قَالَ : قُلْت لِلضَّحَّاكِ : مَا الْمُقَرَّبُونَ ؟ قَالَ : أَقْرَبهمْ إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَسْتَنْكِف عَنْ عِبَادَته وَيَسْتَكْبِر فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ : وَمَنْ يَتَعَظَّم عَنْ عِبَادَة رَبّه , وَيَأْنَف مِنْ التَّذَلُّل وَالْخُضُوع لَهُ بِالطَّاعَةِ مِنْ الْخَلْق كُلّهمْ , وَيَسْتَكْبِر عَنْ ذَلِكَ .
وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا الْمَلَائِكَة الْمُقَرَّبُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَلَنْ يَسْتَنْكِف أَيْضًا مِنْ الْإِقْرَار لِلَّهِ بِالْعُبُودِيَّةِ , وَالْإِذْعَان لَهُ بِذَلِكَ رُسُله الْمُقَرَّبُونَ الَّذِينَ قَرَّبَهُمْ اللَّه وَرَفَعَ مَنَازِلهمْ عَلَى غَيْرهمْ مِنْ خَلْقه . وَرُوِيَ عَنْ الضَّحَّاك أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 8535 - حَدَّثَنِي بِهِ جَعْفَر بْن مُحَمَّد الْبُزُورِيّ , قَالَ : ثنا يَعْلَى بْن عُبَيْد , عَنْ الْأَجْلَح , قَالَ : قُلْت لِلضَّحَّاكِ : مَا الْمُقَرَّبُونَ ؟ قَالَ : أَقْرَبهمْ إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَسْتَنْكِف عَنْ عِبَادَته وَيَسْتَكْبِر فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ : وَمَنْ يَتَعَظَّم عَنْ عِبَادَة رَبّه , وَيَأْنَف مِنْ التَّذَلُّل وَالْخُضُوع لَهُ بِالطَّاعَةِ مِنْ الْخَلْق كُلّهمْ , وَيَسْتَكْبِر عَنْ ذَلِكَ .
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا ↓
يَقُول : فَسَيَبْعَثُهُمْ يَوْم الْقِيَامَة جَمِيعًا , فَيَجْمَعهُمْ لِمَوْعِدِهِمْ عِنْده .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورهمْ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ : فَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ الْمُقِرُّونَ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه , الْخَاضِعُونَ لَهُ بِالطَّاعَةِ , الْمُتَذَلِّلُونَ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ , وَالْعَامِلُونَ الصَّالِحَات مِنْ الْأَعْمَال , وَذَلِكَ أَنْ يُرَدُّوا عَلَى رَبّهمْ , قَدْ آمَنُوا بِهِ وَبِرُسُلِهِ , وَعَمِلُوا بِمَا أَتَاهُمْ بِهِ رُسُله مِنْ عِنْد رَبّهمْ , مِنْ فِعْل مَا أَمَرَهُمْ بِهِ , وَاجْتِنَاب مَا أَمَرَهُمْ بِاجْتِنَابِهِ ; { فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورهمْ } يَقُول : فَيُؤْتِيهِمْ جَزَاء أَعْمَالهمْ الصَّالِحَة وَافِيًا تَامًّا .
{ وَيَزِيدهُمْ مِنْ فَضْله } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَيَزِيدهُمْ عَلَى مَا وَعَدَهُمْ مِنْ الْجَزَاء عَلَى أَعْمَالهمْ الصَّالِحَة وَالثَّوَاب عَلَيْهَا مِنْ الْفَضْل وَالزِّيَادَة مَا لَمْ يُعَرِّفهُمْ مَبْلَغه وَلَمْ يَحُدّ لَهُمْ مُنْتَهَاهُ . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه وَعَدَ مَنْ جَاءَ مِنْ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ بِالْحَسَنَةِ الْوَاحِدَة عَشْر أَمْثَالهَا مِنْ الثَّوَاب وَالْجَزَاء , فَذَلِكَ هُوَ أَجْر كُلّ عَامِل عَلَى عَمَله الصَّالِح مِنْ أَهْل الْإِيمَان الْمَحْدُود مَبْلَغه , وَالزِّيَادَة عَلَى ذَلِكَ تَفَضُّل مِنْ اللَّه عَلَيْهِمْ , وَإِنْ كَانَ كُلّ ذَلِكَ مِنْ فَضْله عَلَى عِبَاده ; غَيْر أَنَّ الَّذِي وَعَدَ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُوَفِّيَهُمْ فَلَا يَنْقُصهُمْ مِنْ الثَّوَاب عَلَى أَعْمَالهمْ الصَّالِحَة , هُوَ مَا حَدَّ مَبْلَغه مِنْ الْعَشْر , وَالزِّيَادَة عَلَى ذَلِكَ غَيْر مَحْدُود مَبْلَغهَا , فَيَزِيد مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقه عَلَى ذَلِكَ قَدْر مَا يَشَاء , لَا حَدّ لِقَدْرِهِ يُوقَف عَلَيْهِ . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : الزِّيَادَة إِلَى سَبْعمِائَةِ ضِعْف . وَقَالَ آخَرُونَ : إِلَى أَلْفَيْنِ. وَقَدْ ذَكَرْت اِخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع.
وَقَوْله : { وَأَمَّا الَّذِينَ اِسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَأَمَّا الَّذِينَ تَعَظَّمُوا عَنْ الْإِقْرَار لِلَّهِ بِالْعُبُودَةِ وَالْإِذْعَان لَهُ بِالطَّاعَةِ , وَاسْتَكْبَرُوا عَنْ التَّذَلُّل لِأُلُوهَتِهِ وَعِبَادَته وَتَسْلِيم الرُّبُوبِيَّة وَالْوَحْدَانِيَّة لَهُ .
{ فَيُعَذِّبهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } يَعْنِي : عَذَابًا مُوجِعًا .
{ وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُون اللَّه وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا } يَقُول : وَلَا يَجِد الْمُسْتَنْكِفُونَ مِنْ عِبَادَته وَالْمُسْتَكْبِرُونَ عَنْهَا إِذَا عَذَّبَهُمْ اللَّه الْأَلِيم مِنْ عَذَابه سِوَى اللَّه لِأَنْفُسِهِمْ وَلِيًّا يُنَجِّيهِمْ مِنْ عَذَابه وَيُنْقِذهُمْ مِنْهُ . وَلَا نَصِيرًا : وَلَا نَاصِرًا يَنْصُرهُمْ , فَيَسْتَنْقِذهُمْ مِنْ رَبّهمْ , وَيَدْفَع عَنْهُمْ بِقُوَّتِهِ مَا أَحَلَّ بِهِمْ مِنْ نِقْمَته , كَاَلَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَ بِهِمْ إِذَا أَرَادَهُمْ غَيْرهمْ مِنْ أَهْل الدُّنْيَا فِي الدُّنْيَا بِسُوءٍ مِنْ نُصْرَتهمْ وَالْمُدَافَعَة عَنْهُمْ.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورهمْ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ : فَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ الْمُقِرُّونَ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه , الْخَاضِعُونَ لَهُ بِالطَّاعَةِ , الْمُتَذَلِّلُونَ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ , وَالْعَامِلُونَ الصَّالِحَات مِنْ الْأَعْمَال , وَذَلِكَ أَنْ يُرَدُّوا عَلَى رَبّهمْ , قَدْ آمَنُوا بِهِ وَبِرُسُلِهِ , وَعَمِلُوا بِمَا أَتَاهُمْ بِهِ رُسُله مِنْ عِنْد رَبّهمْ , مِنْ فِعْل مَا أَمَرَهُمْ بِهِ , وَاجْتِنَاب مَا أَمَرَهُمْ بِاجْتِنَابِهِ ; { فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورهمْ } يَقُول : فَيُؤْتِيهِمْ جَزَاء أَعْمَالهمْ الصَّالِحَة وَافِيًا تَامًّا .
{ وَيَزِيدهُمْ مِنْ فَضْله } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَيَزِيدهُمْ عَلَى مَا وَعَدَهُمْ مِنْ الْجَزَاء عَلَى أَعْمَالهمْ الصَّالِحَة وَالثَّوَاب عَلَيْهَا مِنْ الْفَضْل وَالزِّيَادَة مَا لَمْ يُعَرِّفهُمْ مَبْلَغه وَلَمْ يَحُدّ لَهُمْ مُنْتَهَاهُ . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه وَعَدَ مَنْ جَاءَ مِنْ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ بِالْحَسَنَةِ الْوَاحِدَة عَشْر أَمْثَالهَا مِنْ الثَّوَاب وَالْجَزَاء , فَذَلِكَ هُوَ أَجْر كُلّ عَامِل عَلَى عَمَله الصَّالِح مِنْ أَهْل الْإِيمَان الْمَحْدُود مَبْلَغه , وَالزِّيَادَة عَلَى ذَلِكَ تَفَضُّل مِنْ اللَّه عَلَيْهِمْ , وَإِنْ كَانَ كُلّ ذَلِكَ مِنْ فَضْله عَلَى عِبَاده ; غَيْر أَنَّ الَّذِي وَعَدَ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُوَفِّيَهُمْ فَلَا يَنْقُصهُمْ مِنْ الثَّوَاب عَلَى أَعْمَالهمْ الصَّالِحَة , هُوَ مَا حَدَّ مَبْلَغه مِنْ الْعَشْر , وَالزِّيَادَة عَلَى ذَلِكَ غَيْر مَحْدُود مَبْلَغهَا , فَيَزِيد مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقه عَلَى ذَلِكَ قَدْر مَا يَشَاء , لَا حَدّ لِقَدْرِهِ يُوقَف عَلَيْهِ . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : الزِّيَادَة إِلَى سَبْعمِائَةِ ضِعْف . وَقَالَ آخَرُونَ : إِلَى أَلْفَيْنِ. وَقَدْ ذَكَرْت اِخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع.
وَقَوْله : { وَأَمَّا الَّذِينَ اِسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَأَمَّا الَّذِينَ تَعَظَّمُوا عَنْ الْإِقْرَار لِلَّهِ بِالْعُبُودَةِ وَالْإِذْعَان لَهُ بِالطَّاعَةِ , وَاسْتَكْبَرُوا عَنْ التَّذَلُّل لِأُلُوهَتِهِ وَعِبَادَته وَتَسْلِيم الرُّبُوبِيَّة وَالْوَحْدَانِيَّة لَهُ .
{ فَيُعَذِّبهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } يَعْنِي : عَذَابًا مُوجِعًا .
{ وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُون اللَّه وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا } يَقُول : وَلَا يَجِد الْمُسْتَنْكِفُونَ مِنْ عِبَادَته وَالْمُسْتَكْبِرُونَ عَنْهَا إِذَا عَذَّبَهُمْ اللَّه الْأَلِيم مِنْ عَذَابه سِوَى اللَّه لِأَنْفُسِهِمْ وَلِيًّا يُنَجِّيهِمْ مِنْ عَذَابه وَيُنْقِذهُمْ مِنْهُ . وَلَا نَصِيرًا : وَلَا نَاصِرًا يَنْصُرهُمْ , فَيَسْتَنْقِذهُمْ مِنْ رَبّهمْ , وَيَدْفَع عَنْهُمْ بِقُوَّتِهِ مَا أَحَلَّ بِهِمْ مِنْ نِقْمَته , كَاَلَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَ بِهِمْ إِذَا أَرَادَهُمْ غَيْرهمْ مِنْ أَهْل الدُّنْيَا فِي الدُّنْيَا بِسُوءٍ مِنْ نُصْرَتهمْ وَالْمُدَافَعَة عَنْهُمْ.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النَّاس قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَان مِنْ رَبّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { يَا أَيّهَا النَّاس قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَان مِنْ رَبّكُمْ } : يَا أَيّهَا النَّاس مِنْ جَمِيع أَصْنَاف الْمِلَل , يَهُودهَا وَنَصَاراهَا وَمُشْرِكِيهَا , الَّذِينَ قَصَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَصَصهمْ فِي هَذِهِ السُّورَة ; { قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَان مِنْ رَبّكُمْ } يَقُول : قَدْ جَاءَتْكُمْ حُجَّة مِنْ اللَّه تُبَرْهِن لَكُمْ بِطُولِ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ أَدْيَانكُمْ وَمِلَلكُمْ , وَهُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه عَلَيْكُمْ حُجَّة قَطَعَ بِهَا عُذْركُمْ , وَأَبْلَغَ إِلَيْكُمْ فِي الْمَعْذِرَة بِإِرْسَالِهِ إِلَيْكُمْ , مَعَ تَعْرِيفه إِيَّاكُمْ صِحَّة نُبُوَّته وَتَحْقِيق رِسَالَته . { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا } يَقُول : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ مَعَهُ نُورًا مُبِينًا , يَعْنِي : يُبَيِّن لَكُمْ الْمَحَجَّة الْوَاضِحَة وَالسُّبُل الْهَادِيَة إِلَى مَا فِيهِ لَكُمْ النَّجَاة مِنْ عَذَاب اللَّه وَأَلِيم عِقَابه إِنْ سَلَكْتُمُوهَا وَاسْتَنَرْتُمْ بِضَوْئِهِ . وَذَلِكَ النُّور الْمُبِين هُوَ الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّه عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8536 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { بُرْهَان مِنْ رَبّكُمْ } قَالَ : حُجَّة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 8537 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يَا أَيّهَا النَّاس قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَان مِنْ رَبّكُمْ } : أَيْ بَيِّنَة مِنْ رَبّكُمْ , { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا } , وَهُوَ هَذَا الْقُرْآن . 8538 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَان مِنْ رَبّكُمْ } يَقُول : حُجَّة. 8539 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : بُرْهَان , قَالَ : بَيِّنَة ; { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا } قَالَ : الْقُرْآن .
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَأَمَّا الَّذِينَ صَدَّقُوا بِاَللَّهِ , وَأَقَرُّوا بِوَحْدَانِيَّتِهِ , وَمَا بَعَثَ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْل الْمِلَل ; { وَاعْتَصَمُوا بِهِ } يَقُول : وَتَمَسَّكُوا بِالنُّورِ الْمُبِين الَّذِي أُنْزِلَ إِلَى نَبِيّه ; كَمَا : 8540 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { وَاعْتَصَمُوا بِهِ } قَالَ : بِالْقُرْآنِ .
{ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَة مِنْهُ وَفَضْل } يَقُول : فَسَوْفَ تَنَالهُمْ رَحْمَته الَّتِي تُنَجِّيهِمْ مِنْ عِقَابه وَتُوجِب لَهُمْ ثَوَابه وَرَحْمَته وَجَنَّته , وَيُلْحِقهُمْ مِنْ فَضْله مَا أَلْحَقَ أَهْل الْإِيمَان بِهِ وَالتَّصْدِيق بِرُسُلِهِ .
{ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } يَقُول : وَيُوَفِّقهُمْ لِإِصَابَةِ فَضْله الَّذِي تَفَضَّلَ بِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ , وَيُسَدِّدهُمْ لِسُلُوكِ مَنْهَج مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ مِنْ أَهْل طَاعَته , وَلِاقْتِفَاءِ آثَارهمْ , وَاتِّبَاع دِينهمْ . وَذَلِكَ هُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم , وَهُوَ دِين اللَّه الَّذِي اِرْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ , وَهُوَ الْإِسْلَام . وَنَصَبَ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم عَلَى الْقَطْع مِنْ الْهَاء الَّتِي فِي قَوْله "إِلَيْهِ " .
{ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَة مِنْهُ وَفَضْل } يَقُول : فَسَوْفَ تَنَالهُمْ رَحْمَته الَّتِي تُنَجِّيهِمْ مِنْ عِقَابه وَتُوجِب لَهُمْ ثَوَابه وَرَحْمَته وَجَنَّته , وَيُلْحِقهُمْ مِنْ فَضْله مَا أَلْحَقَ أَهْل الْإِيمَان بِهِ وَالتَّصْدِيق بِرُسُلِهِ .
{ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } يَقُول : وَيُوَفِّقهُمْ لِإِصَابَةِ فَضْله الَّذِي تَفَضَّلَ بِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ , وَيُسَدِّدهُمْ لِسُلُوكِ مَنْهَج مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ مِنْ أَهْل طَاعَته , وَلِاقْتِفَاءِ آثَارهمْ , وَاتِّبَاع دِينهمْ . وَذَلِكَ هُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم , وَهُوَ دِين اللَّه الَّذِي اِرْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ , وَهُوَ الْإِسْلَام . وَنَصَبَ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم عَلَى الْقَطْع مِنْ الْهَاء الَّتِي فِي قَوْله "إِلَيْهِ " .
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَسْتَفْتُونَك قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَة إِنْ اِمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَد وَلَهُ أُخْت فَلَهَا نِصْف مَا تَرَكَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { يَسْتَفْتُونَك } يَسْأَلُونَك يَا مُحَمَّد أَنْ تُفْتِيَهُمْ فِي الْكَلَالَة. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْكَلَالَة فِيمَا مَضَى بِالشَّوَاهِدِ الدَّالَّة عَلَى صِحَّته , وَقَدْ ذَكَرْنَا اِخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته , وَبَيَّنَّا أَنَّ الْكَلَالَة عِنْدنَا مَا عَدَا الْوَلَد وَالْوَالِد. { إِنْ اِمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَد وَلَهُ أُخْت فَلَهَا نِصْف مَا تَرَكَ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { إِنْ اِمْرُؤٌ هَلَكَ } : إِنْ إِنْسَان مِنْ النَّاس مَاتَ. كَمَا : 8541 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إِنْ اِمْرُؤٌ هَلَكَ } يَقُول : مَاتَ . { لَيْسَ لَهُ وَلَد } ذَكَر وَلَا أُنْثَى { وَلَهُ أُخْت } يَعْنِي : وَلِلْمَيِّتِ أُخْت لِأَبِيهِ وَأُمّه , أَوْ لِأَبِيهِ . { فَلَهَا نِصْف مَا تَرَكَ } يَقُول : فَلِأُخْتِهِ الَّتِي تَرَكَهَا بَعْده بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفْنَا نِصْف تَرِكَته مِيرَاثًا عَنْهُ دُون سَائِر عَصَبَته , وَمَا بَقِيَ فَلِعَصَبَتِهِ . وَذُكِرَ أَنَّ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّهُمْ شَأْن الْكَلَالَة , فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهَا هَذِهِ الْآيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8542 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { يَسْتَفْتُونَك قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَة } فَسَأَلُوا عَنْهَا نَبِيّ اللَّه , فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ الْقُرْآن : { إِنْ اِمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَد } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { وَاَللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيم } . قَالَ : وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ أَبَا بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ فِي خُطْبَته : أَلَا إِنَّ الْآيَة الَّتِي أَنْزَلَ اللَّه فِي أَوَّل سُورَة النِّسَاء فِي شَأْن الْفَرَائِض أَنْزَلَهَا اللَّه فِي الْوَلَد وَالْوَالِد , وَالْآيَة الثَّانِيَة أَنْزَلَهَا فِي الزَّوْج وَالزَّوْجَة وَالْإِخْوَة مِنْ الْأُمّ , وَالْآيَة الَّتِي خَتَمَ بِهَا سُورَة النِّسَاء أَنْزَلَهَا فِي الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات مِنْ الْأَب وَالْأُمّ , وَالْآيَة الَّتِي خَتَمَ بِهَا سُورَة الْأَنْفَال أَنْزَلَهَا فِي أُولِي الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه مِمَّا جَرَّتْ الرَّحِم مِنْ الْعَصَبَة . 8543 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ الشَّيْبَانِيّ , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : سَأَلَ عُمَر بْن الْخَطَّاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكَلَالَة , فَقَالَ : " أَلَيْسَ قَدْ بَيَّنَ اللَّه ذَلِكَ ؟ " قَالَ فَنَزَلَتْ : { يَسْتَفْتُونَك قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَة } . 8544 - حَدَّثَنَا مُؤَمِّل بْن هِشَام أَبُو هِشَام , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم , عَنْ هِشَام الدَّسْتُوَائِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الزُّبَيْر , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : اِشْتَكَيْت وَعِنْدِي تِسْع أَخَوَات لِي أَوْ سَبْع - أَبُو جَعْفَر الَّذِي يَشُكّ - فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنَفَخَ وَجْهِي , فَأَفَقْت وَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه , أَلَا أُوصِي لِأَخَوَاتِي بِالثُّلُثِ ؟ قَالَ : " أَحْسِنْ " , قُلْت : الشَّطْر ؟ قَالَ : " أَحْسِنْ " . ثُمَّ خَرَجَ وَتَرَكَنِي , ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ فَقَالَ : " يَا جَابِر إِنِّي لَا أَرَاك مَيِّتًا مِنْ وَجَعك هَذَا , وَإِنَّ اللَّه قَدْ أَنْزَلَ فِي الَّذِي لِأَخَوَاتِك فَجَعَلَ لَهُنَّ الثُّلُثَيْنِ " . قَالَ : فَكَانَ جَابِر يَقُول : أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِيَّ : { يَسْتَفْتُونَك قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَة } . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ هِشَام , يَعْنِي الدَّسْتُوَائِيّ , عَنْ أَبِي الزُّبَيْر , عَنْ جَابِر , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِثْله . 8545 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ اِبْن الْمُنْكَدِر , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : مَرِضْت فَأَتَانِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودنِي هُوَ وَأَبُو بَكْر , وَهُمَا مَاشِيَانِ , فَوَجَدُونِي قَدْ أُغْمِيَ عَلَيَّ , فَتَوَضَّأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَبَّ عَلَيَّ مِنْ وَضُوئِهِ , فَأَفَقْت , فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه كَيْفَ أَقْضِي فِي مَالِي , أَوْ كَيْفَ أَصْنَع فِي مَالِي ؟ وَكَانَ لَهُ تِسْع أَخَوَات وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَالِد وَلَا وَلَد . قَالَ : فَلَمْ يُجِبْنِي شَيْئًا حَتَّى نَزَلَتْ آيَة الْمِيرَاث : { يَسْتَفْتُونَك قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَة } ... إِلَى آخِر السُّورَة. قَالَ اِبْن الْمُنْكَدِر : قَالَ جَابِر : إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِيَّ. وَكَانَ بَعْض أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة هِيَ آخِر آيَة أُنْزِلَتْ مِنْ الْقُرْآن. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8546 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب , قَالَ : سَمِعْته يَقُول : إِنَّ آخِر آيَة نَزَلَتْ مِنْ الْقُرْآن : { يَسْتَفْتُونَك قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَة } . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ اِبْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء , قَالَ : آخِر آيَة نَزَلَتْ مِنْ الْقُرْآن : { يَسْتَفْتُونَك قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَة } . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن خَلَف , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد بْن النُّعْمَان , قَالَ : ثنا مَالِك بْن مِغْوَل , عَنْ أَبِي السَّفَر , عَنْ الْبَرَاء , قَالَ : آخِر آيَة نَزَلَتْ مِنْ الْقُرْآن : { يَسْتَفْتُونَك قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَة } . 8547 - حَدَّثَنَا هَارُون بْن إِسْحَاق الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : ثنا مُصْعَب بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء , قَالَ : آخِر سُورَة نَزَلَتْ كَامِلَة بَرَاءَة , وَآخِر آيَة نَزَلَتْ خَاتِمَة سُورَة النِّسَاء : { يَسْتَفْتُونَك قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَة } . وَاخْتُلِفَ فِي الْمَكَان الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ الْآيَة , فَقَالَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه : نَزَلَتْ فِي الْمَدِينَة . وَقَدْ ذُكِرَتْ الرِّوَايَة بِذَلِكَ عَنْهُ فِيمَا مَضَى بَعْضهَا فِي أَوَّل السُّورَة عِنْد فَاتِحَة آيَة الْمَوَارِيث , وَبَعْضهَا فِي مُبْتَدَأ الْإِخْبَار عَنْ السَّبَب الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ أُنْزِلَتْ فِي مَسِير كَانَ فِيهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8548 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن حُمَيْد , عَنْ مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , قَالَ : نَزَلَتْ : { يَسْتَفْتُونَك قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَة } وَالنَّبِيّ فِي مَسِير لَهُ , وَإِلَى جَنْبه حُذَيْفَة بْن الْيَمَان , فَبَلَّغَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُذَيْفَة , وَبَلَّغَهَا حُذَيْفَة عُمَر بْن الْخَطَّاب وَهُوَ يَسِير خَلْفه . فَلَمَّا اِسْتُخْلِفَ عُمَر سَأَلَ عَنْهَا حُذَيْفَة , وَرَجَا أَنْ يَكُون عِنْده تَفْسِيرهَا , فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَة : وَاَللَّه إِنَّك لَعَاجِز إِنْ ظَنَنْت أَنَّ إِمَارَتك تَحْمِلنِي أَنْ أُحَدِّثك فِيهَا بِمَا لَمْ أُحَدِّثك يَوْمئِذٍ ! فَقَالَ عُمَر : لَمْ أُرِدْ هَذَا رَحِمَك اللَّه . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب , عَنْ اِبْن سِيرِينَ بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثه : فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَة : وَاَللَّه إِنَّك لَأَحْمَق إِنْ ظَنَنْت . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا اِبْن عَوْن , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , قَالَ : كَانُوا فِي مَسِير وَرَأْس رَاحِلَة حُذَيْفَة عِنْد رِدْف رَاحِلَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَرَأْس رَاحِلَة عُمَر عِنْد رِدْف رَاحِلَة حُذَيْفَة قَالَ : وَنَزَلَتْ : { يَسْتَفْتُونَك قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَة } فَلَقَّاهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُذَيْفَة , فَلَقَّاهَا حُذَيْفَة عُمَر. فَلَمَّا كَانَ بَعْد ذَلِكَ سَأَلَ عُمَر عَنْهَا حُذَيْفَة . فَقَالَ : وَاَللَّه إِنَّك لَأَحْمَق إِنْ كُنْت ظَنَنْت أَنَّهُ لَقَّانِيهَا رَسُول اللَّه فَلَقَّيْتُكهَا كَمَا لَقَّانِيهَا , وَاَللَّه لَا أَزِيدك عَلَيْهَا شَيْئًا أَبَدًا ! قَالَ : وَكَانَ عُمَر يَقُول : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْت بَيَّنْتهَا لَهُ , فَإِنَّهَا لَمْ تَبِنْ لِي . وَاخْتُلِفَ عَنْ عُمَر فِي الْكَلَالَة , فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِيهَا عِنْد وَفَاته : هُوَ مَنْ لَا وَلَد لَهُ وَلَا وَالِد , وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة عَنْهُ بِذَلِكَ فِيمَا مَضَى فِي أَوَّل هَذِهِ السُّورَة فِي آيَة الْمِيرَاث . وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ قَبْل وَفَاته : هُوَ مَا خَلَا الْأَب. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8549 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا شَبَابَة , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , عَنْ مَعْدَان بْن أَبِي طَلْحَة الْيَعْمُرِيّ , قَالَ : قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب : مَا أَغْلَظَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ مَا نَازَعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْء مَا نَازَعْته فِي آيَة الْكَلَالَة , حَتَّى ضَرَبَ صَدْرِي , وَقَالَ : " يَكْفِيك مِنْهَا آيَة الصَّيْف الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي آخِر سُورَة النِّسَاء { يَسْتَفْتُونَك قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَة } " وَسَأَقْضِي فِيهَا بِقَضَاءٍ يَعْلَمهُ مَنْ يَقْرَأ وَمَنْ لَا يَقْرَأ : هُوَ مَا خَلَا الْأَب - كَذَا أَحْسَب قَالَ اِبْن عَرَفَة ; قَالَ شَبَابَة : الشَّكّ مِنْ شُعْبَة . وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : إِنِّي لَأَسْتَحْيِي أَنْ أُحَالِف فِيهِ أَبَا بَكْر . وَكَانَ أَبُو بَكْر يَقُول : هُوَ مَا خَلَا الْوَلَد وَالْوَالِد , وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة بِذَلِكَ عَنْهُ فِيمَا مَضَى فِي أَوَّل السُّورَة . وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ عِنْد وَفَاته : قَدْ كُنْت كَتَبْت فِي الْكَلَالَة كِتَابًا وَكُنْت أَسْتَخِير اللَّه فِيهِ , وَقَدْ رَأَيْت أَنْ أَتْرُككُمْ عَلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ . وَأَنَّهُ كَانَ يَتَمَنَّى فِي حَيَاته أَنْ يَكُون لَهُ بِهَا عِلْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8550 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن حُمَيْد الْمَعْمَرِيّ , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب كَتَبَ فِي الْجَدّ وَالْكَلَالَة كِتَابًا , فَمَكَثَ يَسْتَخِير اللَّه فِيهِ , يَقُول : اللَّهُمَّ إِنْ عَلِمْت فِيهِ خَيْرًا فَأَمْضِهِ ! حَتَّى إِذَا طُعِنَ دَعَا بِالْكِتَابِ فَمُحِيَ , فَلَمْ يَدْرِ أَحَد مَا كَتَبَ فِيهِ , فَقَالَ : إِنِّي كُنْت كَتَبْت فِي الْجَدّ وَالْكَلَالَة كِتَابًا وَكُنْت أَسْتَخِير اللَّه فِيهِ , فَرَأَيْت أَنْ أَتْرُككُمْ عَلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ. * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ عُمَر , بِنَحْوِهِ. 8551 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : قَالَ عُمَر : ثَلَاث لَأَنْ يَكُون النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَهُنَّ لَنَا أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا : الْكَلَالَة , وَالْخِلَافَة , وَأَبْوَاب الرِّبَا. 8552 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَثَّام , قَالَ : ثنا الْأَعْمَش , قَالَ : سَمِعْتهمْ يَذْكُرُونَ , وَلَا أَرَى إِبْرَاهِيم إِلَّا فِيهِمْ , عَنْ عُمَر قَالَ : لَأَنْ أَكُون أَعْلَم الْكَلَالَة أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُون لِي مِثْل جِزْيَة قُصُور الرُّوم . 8553 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَثَّام , قَالَ : ثنا الْأَعْمَش , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ طَارِق بْن شِهَاب , قَالَ : أَخَذَ عُمَر كَتِفًا , وَجَمَعَ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ قَالَ : لَأَقْضِيَنَّ فِي الْكَلَالَة قَضَاء تَحَدَّثُ بِهِ النِّسَاء فِي خُدُورهنَّ ! فَخَرَجَتْ حِينَئِذٍ حَيَّة مِنْ الْبَيْت , فَتَفَرَّقُوا , فَقَالَ : لَوْ أَرَادَ اللَّه أَنْ يُتِمّ هَذَا الْأَمْر لَأَتَمَّهُ . 8554 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا أَبُو حَيَّان , قَالَ : ثني الشَّعْبِيّ , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : سَمِعْت عُمَر بْن الْخَطَّاب يَخْطُب عَلَى مِنْبَر الْمَدِينَة , فَقَالَ : أَيّهَا النَّاس : ثَلَاث وَدِدْت أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُفَارِقنَا حَتَّى يَعْهَد إِلَيْنَا فِيهِنَّ عَهْدًا يُنْتَهَى إِلَيْهِ : الْجَدّ , وَالْكَلَالَة , وَأَبْوَاب الرِّبَا . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , عَنْ مَعْدَان بْن أَبِي طَلْحَة , أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب , قَالَ : مَا سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْء أَكْثَر مِمَّا سَأَلْت عَنْ الْكَلَالَة , حَتَّى طَعَنَ بِأُصْبُعِهِ فِي صَدْرِي , وَقَالَ : " تَكْفِيك آيَة الصَّيْف الَّتِي فِي آخِر سُورَة النِّسَاء ". * - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن سَعِيد الْجَوْهَرِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن بَكْر السَّهْمِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , عَنْ مَعْدَان , عَنْ عُمَر , قَالَ : لَمْ أَدَع شَيْئًا أَهَمّ عِنْدِي مِنْ أَمْر الْكَلَالَة , فَمَا أَغْلَظَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْء مَا أَغْلَظَ لِي فِيهَا , حَتَّى طَعَنَ بِأُصْبُعِهِ فِي صَدْرِي , أَوْ قَالَ فِي جَنْبِي , فَقَالَ : " تَكْفِيك الْآيَة الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي آخِر النِّسَاء " . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , عَنْ مَعْدَان بْن أَبِي طَلْحَة , أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب خَطَبَ النَّاس يَوْم الْجُمُعَة , فَقَالَ : إِنِّي وَاَللَّه مَا أَدَع بَعْدِي شَيْئًا هُوَ أَهَمّ إِلَيَّ مِنْ أَمْر الْكَلَالَة , وَقَدْ سَأَلْت عَنْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَمَا أَغْلَظَ لِي فِي شَيْء مَا أَغْلَظَ لِي فِيهَا , حَتَّى طَعَنَ فِي نَحْرِي وَقَالَ : " تَكْفِيك آيَة الصَّيْف الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي آخِر سُورَة النِّسَاء " , وَإِنْ أَعِشْ أَقْضِ فِيهَا بِقَضِيَّةٍ لَا يَخْتَلِف فِيهَا أَحَد قَرَأَ الْقُرْآن . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا هِشَام , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , عَنْ مَعْدَان بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب , بِنَحْوِهِ . 8555 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن شَقِيق , قَالَ : سَمِعْت أَبِي يَقُول : أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَة , عَنْ جَابِر , عَنْ الْحَسَن بْن مَسْرُوق , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : سَأَلْت عُمَر وَهُوَ يَخْطُب النَّاس عَنْ ذِي قَرَابَة لِي وَرِثَ كَلَالَة , فَقَالَ : الْكَلَالَة , الْكَلَالَة , الْكَلَالَة ! وَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ , ثُمَّ قَالَ : وَاَللَّه لَأَنْ أَعْلَمَهَا أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُون لِي مَا عَلَى الْأَرْض مِنْ شَيْء , سَأَلْت عَنْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : " أَلَمْ تَسْمَع الْآيَة الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي الصَّيْف ؟ " فَأَعَادَهَا ثَلَاث مَرَّات . 8556 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي سَلَمَة , قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَسَأَلَهُ عَنْ الْكَلَالَة , فَقَالَ : " أَلَمْ تَسْمَع الْآيَة الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي الصَّيْف , { وَإِنْ كَانَ رَجُل يُورَث كَلَالَة } " . .. إِلَى آخِر الْآيَة . 8557 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن خَلَف , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن عِيسَى , قَالَ : ثنا اِبْن لَهِيعَة , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب , عَنْ أَبِي الْخَيْر : أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عُقْبَة عَنْ الْكَلَالَة , فَقَالَ : أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا ؟ يَسْأَلنِي عَنْ الْكَلَالَة , وَمَا عَضَلَ بِأَصْحَابِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْء مَا أَعْضَلَتْ بِهِمْ الْكَلَالَة ! قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا وَجْه قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِنْ اِمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَد وَلَهُ أُخْت فَلَهَا نِصْف مَا تَرَكَ } وَلَقَدْ عَلِمْت اِتِّفَاق جَمِيع أَهْل الْقِبْلَة مَا خَلَا اِبْن عَبَّاس وَابْن الزُّبَيْر , عَلَى أَنَّ الْمَيِّت لَوْ تَرَكَ اِبْنَة وَأُخْتًا , أَنَّ لِابْنَتِهِ النِّصْف , وَمَا بَقِيَ فَلِأُخْتِهِ إِذَا كَانَتْ أُخْته لِأَبِيهِ وَأُمّه أَوْ لِأَبِيهِ ؟ وَأَيْنَ ذَلِكَ مِنْ قَوْله : { إِنْ اِمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَد وَلَهُ أُخْت فَلَهَا نِصْف مَا تَرَكَ } وَقَدْ وَرَّثُوهَا النِّصْف مَعَ الْوَلَد ؟ قِيلَ : إِنَّ الْأَمْر فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا ذَهَبْت إِلَيْهِ , إِنَّمَا جَعَلَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { إِنْ اِمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَد وَلَهُ أُخْت فَلَهَا نِصْف مَا تَرَكَ } إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَد ذَكَر وَلَا أُنْثَى وَكَانَ مَوْرُوثًا كَلَالَة , النِّصْف مِنْ تَرِكَته فَرِيضَة لَهَا مُسَمَّاة ; فَأَمَّا إِذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَد أُنْثَى فَهِيَ مَعَ عَصَبَة يَصِير لَهَا مَا كَانَ يَصِير لِلْعَصَبَةِ غَيْرهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ , وَذَلِكَ غَيْر مَحْدُود بِحَدٍّ , وَلَا مَفْرُوض لَهَا فَرْض سِهَام أَهْل الْمِيرَاث بِمِيرَاثِهِمْ عَنْ مَيِّتهمْ . وَلَمْ يَقُلْ اللَّه فِي كِتَابه : فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَد فَلَا شَيْء لِأُخْتِهِ مَعَهُ , فَيَكُون لِمَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَابْن الزُّبَيْر فِي ذَلِكَ وَجْه يُوَجَّه إِلَيْهِ , وَإِنَّمَا بَيَّنَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَبْلَغ حَقّهَا إِذَا وُرِثَ الْمَيِّت كَلَالَة وَتَرَكَ بَيَان مَا لَهَا مِنْ حَقّ إِذَا لَمْ يُورَث كَلَالَة فِي كِتَابه وَبَيَّنَهُ بِوَحْيِهِ عَلَى لِسَان رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَجَعَلَهَا عَصَبَة مَعَ إِنَاث وَلَد الْمَيِّت , وَذَلِكَ مَعْنًى غَيْر مَعْنَى وِرَاثَتهَا الْمَيِّت إِذَا كَانَ مَوْرُوثًا كَلَالَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ يَرِثهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَد } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ : وَأَخُو الْمَرْأَة يَرِثهَا إِنْ مَاتَتْ قَبْله إِذَا وُرِثَتْ كَلَالَة وَلَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَد وَلَا وَالِد .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَإِنْ كَانَتَا اِثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَة رِجَالًا وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { فَإِنْ كَانَتَا اِثْنَتَيْنِ } : فَإِنْ كَانَتْ الْمَتْرُوكَة مِنْ الْأَخَوَات لِأَبِيهِ وَأُمّه أَوْ لِأَبِيهِ اِثْنَتَيْنِ , فَلَهُمَا ثُلُثَا مَا تَرَكَ أَخُوهُمَا الْمَيِّت إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَد وَوُرِثَ كَلَالَة . { وَإِنْ كَانُوا إِخْوَة } يَعْنِي : وَإِنْ كَانَ الْمَتْرُوكُونَ مِنْ إِخْوَته رِجَالًا وَنِسَاء . { فَلِلذَّكَرِ } مِنْهُمْ بِمِيرَاثِهِمْ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ { مِثْل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ } يَعْنِي : مِثْل نَصِيب اِثْنَتَيْنِ مِنْ أَخَوَاته , وَذَلِكَ إِذَا وُرِثَ كَلَالَة , وَالْإِخْوَة وَالْأَخَوَات إِخْوَته وَأَخَوَاته لِأَبِيهِ وَأُمّه , أَوْ لِأَبِيهِ.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ قِسْمَة مَوَارِيثكُمْ , وَحُكْم الْكَلَالَة , وَكَيْفَ فَرَائِضهمْ { أَنْ تَضِلُّوا } بِمَعْنَى : لِئَلَّا تَضِلُّوا فِي أَمْر الْمَوَارِيث وَقِسْمَتهَا : أَيْ لِئَلَّا تَجُورُوا عَنْ الْحَقّ فِي ذَلِكَ , وَتُخْطِئُوا الْحُكْم فِيهِ , فَتَضِلُّوا عَنْ قَصْد السَّبِيل . كَمَا : 8558 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا } قَالَ : فِي شَأْن الْمَوَارِيث . 8559 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن حُمَيْد الْمَعْمَرِيّ , وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق قَالَا جَمِيعًا : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب , عَنْ ابْن سِيرِينَ , قَالَ : كَانَ عُمَر إِذَا قَرَأَ : { يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا } قَالَ : اللَّهُمَّ مَنْ بَيَّنْت لَهُ الْكَلَالَة فَلَمْ تُبَيَّنْ لِي . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَمَوْضِع " أَنْ " فِي قَوْله : { يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا } نَصْب فِي قَوْل بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة لِاتِّصَالِهَا بِالْفِعْلِ , وَفِي قَوْل بَعْضهمْ خَفْض , بِمَعْنَى : يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ بِأَنْ لَا تَضِلُّوا , وَلِئَلَّا تَضِلُّوا ; وَأُسْقِطَتْ " لَا " مِنْ اللَّفْظ وَهِيَ مَطْلُوبَة فِي الْمَعْنَى , لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهَا , وَالْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ , تَقُول : جِئْتُك أَنْ تَلُومنِي , بِمَعْنَى : جِئْتُك أَنْ لَا تَلُومنِي , كَمَا قَالَ الْقُطَامِيّ فِي صِفَة نَاقَة : رَأَيْنَا مَا يَرَى الْبُصَرَاء فِيهَا فَآلَيْنَا عَلَيْهَا أَنْ تُبَاعَا بِمَعْنَى : أَلَّا تُبَاع.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيم } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاَللَّه بِكُلِّ شَيْء } مِنْ مَصَالِح عِبَاده فِي قِسْمَة مَوَارِيثهمْ وَغَيْرهَا وَجَمِيع الْأَشْيَاء { عَلِيم } يَقُول : هُوَ بِذَلِكَ كُلّه ذُو عِلْم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ يَرِثهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَد } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ : وَأَخُو الْمَرْأَة يَرِثهَا إِنْ مَاتَتْ قَبْله إِذَا وُرِثَتْ كَلَالَة وَلَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَد وَلَا وَالِد .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَإِنْ كَانَتَا اِثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَة رِجَالًا وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { فَإِنْ كَانَتَا اِثْنَتَيْنِ } : فَإِنْ كَانَتْ الْمَتْرُوكَة مِنْ الْأَخَوَات لِأَبِيهِ وَأُمّه أَوْ لِأَبِيهِ اِثْنَتَيْنِ , فَلَهُمَا ثُلُثَا مَا تَرَكَ أَخُوهُمَا الْمَيِّت إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَد وَوُرِثَ كَلَالَة . { وَإِنْ كَانُوا إِخْوَة } يَعْنِي : وَإِنْ كَانَ الْمَتْرُوكُونَ مِنْ إِخْوَته رِجَالًا وَنِسَاء . { فَلِلذَّكَرِ } مِنْهُمْ بِمِيرَاثِهِمْ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ { مِثْل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ } يَعْنِي : مِثْل نَصِيب اِثْنَتَيْنِ مِنْ أَخَوَاته , وَذَلِكَ إِذَا وُرِثَ كَلَالَة , وَالْإِخْوَة وَالْأَخَوَات إِخْوَته وَأَخَوَاته لِأَبِيهِ وَأُمّه , أَوْ لِأَبِيهِ.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ قِسْمَة مَوَارِيثكُمْ , وَحُكْم الْكَلَالَة , وَكَيْفَ فَرَائِضهمْ { أَنْ تَضِلُّوا } بِمَعْنَى : لِئَلَّا تَضِلُّوا فِي أَمْر الْمَوَارِيث وَقِسْمَتهَا : أَيْ لِئَلَّا تَجُورُوا عَنْ الْحَقّ فِي ذَلِكَ , وَتُخْطِئُوا الْحُكْم فِيهِ , فَتَضِلُّوا عَنْ قَصْد السَّبِيل . كَمَا : 8558 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا } قَالَ : فِي شَأْن الْمَوَارِيث . 8559 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن حُمَيْد الْمَعْمَرِيّ , وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق قَالَا جَمِيعًا : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب , عَنْ ابْن سِيرِينَ , قَالَ : كَانَ عُمَر إِذَا قَرَأَ : { يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا } قَالَ : اللَّهُمَّ مَنْ بَيَّنْت لَهُ الْكَلَالَة فَلَمْ تُبَيَّنْ لِي . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَمَوْضِع " أَنْ " فِي قَوْله : { يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا } نَصْب فِي قَوْل بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة لِاتِّصَالِهَا بِالْفِعْلِ , وَفِي قَوْل بَعْضهمْ خَفْض , بِمَعْنَى : يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ بِأَنْ لَا تَضِلُّوا , وَلِئَلَّا تَضِلُّوا ; وَأُسْقِطَتْ " لَا " مِنْ اللَّفْظ وَهِيَ مَطْلُوبَة فِي الْمَعْنَى , لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهَا , وَالْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ , تَقُول : جِئْتُك أَنْ تَلُومنِي , بِمَعْنَى : جِئْتُك أَنْ لَا تَلُومنِي , كَمَا قَالَ الْقُطَامِيّ فِي صِفَة نَاقَة : رَأَيْنَا مَا يَرَى الْبُصَرَاء فِيهَا فَآلَيْنَا عَلَيْهَا أَنْ تُبَاعَا بِمَعْنَى : أَلَّا تُبَاع.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيم } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاَللَّه بِكُلِّ شَيْء } مِنْ مَصَالِح عِبَاده فِي قِسْمَة مَوَارِيثهمْ وَغَيْرهَا وَجَمِيع الْأَشْيَاء { عَلِيم } يَقُول : هُوَ بِذَلِكَ كُلّه ذُو عِلْم .