قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ↓
الْمُرَاد بِمَسَاقِ هَذَا الْكَلَام الرَّدّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَتَقْرِير الْحُجَّة عَلَيْهِمْ ; فَمَنْ اِعْتَرَفَ مِنْهُمْ فَالْحُجَّة ظَاهِرَة عَلَيْهِمْ , وَمَنْ لَمْ يَعْتَرِف فَيُقَرَّر عَلَيْهِ أَنَّ هَذِهِ السَّمَاوَات وَالْأَرْض لَا بُدّ لَهُمَا مِنْ خَالِق ; وَلَا يَتَمَارَى فِي هَذَا عَاقِل . وَهَذَا قَرِيب مِنْ مَرْتَبَة الضَّرُورَة . " مِنْ السَّمَاء " أَيْ بِالْمَطَرِ . " وَالْأَرْض " بِالنَّبَاتِ .
أَيْ مَنْ جَعَلَهُمَا وَخَلَقَهُمَا لَكُمْ .
أَيْ النَّبَات مِنْ الْأَرْض , وَالْإِنْسَان مِنْ النُّطْفَة , وَالسُّنْبُلَة مِنْ الْحَبَّة , وَالطَّيْر مِنْ الْبَيْضَة , وَالْمُؤْمِن مِنْ الْكَافِر .
أَيْ يُقَدِّرهُ وَيَقْضِيه .
لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْخَالِق هُوَ اللَّه ; أَوْ فَسَيَقُولُونَ هُوَ اللَّه إِنْ فَكَّرُوا وَأَنْصَفُوا
لَهُمْ يَا مُحَمَّد .
أَيْ أَفَلَا تَخَافُونَ عِقَابه وَنِقْمَته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة .
أَيْ مَنْ جَعَلَهُمَا وَخَلَقَهُمَا لَكُمْ .
أَيْ النَّبَات مِنْ الْأَرْض , وَالْإِنْسَان مِنْ النُّطْفَة , وَالسُّنْبُلَة مِنْ الْحَبَّة , وَالطَّيْر مِنْ الْبَيْضَة , وَالْمُؤْمِن مِنْ الْكَافِر .
أَيْ يُقَدِّرهُ وَيَقْضِيه .
لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْخَالِق هُوَ اللَّه ; أَوْ فَسَيَقُولُونَ هُوَ اللَّه إِنْ فَكَّرُوا وَأَنْصَفُوا
لَهُمْ يَا مُحَمَّد .
أَيْ أَفَلَا تَخَافُونَ عِقَابه وَنِقْمَته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة .
فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ↓
فِيهِ ثَمَانِي مَسَائِل : الْأُولَى : " فَذَلِكُمْ اللَّه رَبّكُمْ الْحَقّ " أَيْ هَذَا الَّذِي يَفْعَل هَذِهِ الْأَشْيَاء هُوَ رَبّكُمْ الْحَقّ , لَا مَا أَشْرَكْتُمْ مَعَهُ . " فَمَاذَا بَعْد الْحَقّ " " ذَا " صِلَة أَيْ مَا بَعْد عِبَادَة الْإِلَه الْحَقّ إِذَا تَرَكْت عِبَادَته إِلَّا الضَّلَال . وَقَالَ بَعْض الْمُتَقَدِّمِينَ : ظَاهِر هَذِهِ الْآيَة يَدُلّ عَلَى أَنَّ مَا بَعْد اللَّه هُوَ الضَّلَال ; لِأَنَّ أَوَّلهَا " فَذَلِكُمْ اللَّه رَبّكُمْ الْحَقّ " وَآخِرهَا " فَمَاذَا بَعْد الْحَقّ إِلَّا الضَّلَال " فَهَذَا فِي الْإِيمَان وَالْكُفْر , لَيْسَ فِي الْأَعْمَال . وَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّ الْكُفْر تَغْطِيَة الْحَقّ , وَكُلّ مَا كَانَ غَيْر الْحَقّ جَرَى هَذَا الْمَجْرَى ; فَالْحَرَام ضَلَال وَالْمُبَاح هُدًى ; فَإِنَّ اللَّه هُوَ الْمُبِيح وَالْمُحَرِّم . وَالصَّحِيح الْأَوَّل ; لِأَنَّ قَبْل " قُلْ مَنْ يَرْزُقكُمْ مِنْ السَّمَاء وَالْأَرْض " ثُمَّ قَالَ " فَذَلِكُمْ اللَّه رَبّكُمْ الْحَقّ " أَيْ هَذَا الَّذِي رَزَقَكُمْ , وَهَذَا كُلّه فِعْله هُوَ . " رَبّكُمْ الْحَقّ " أَيْ الَّذِي تَحِقّ لَهُ الْأُلُوهِيَّة وَيَسْتَوْجِب الْعِبَادَة , وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَتَشْرِيك غَيْره ضَلَال وَغَيْر حَقّ .
الثَّانِيَة : قَالَ عُلَمَاؤُنَا : حَكَمَتْ هَذِهِ الْآيَة بِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل مَنْزِلَة ثَالِثَة فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة الَّتِي هِيَ تَوْحِيد اللَّه تَعَالَى , وَكَذَلِكَ هُوَ الْأَمْر فِي نَظَائِرهَا , وَهِيَ مَسَائِل الْأُصُول الَّتِي الْحَقّ فِيهَا فِي طَرَف وَاحِد ; لِأَنَّ الْكَلَام فِيهَا إِنَّمَا هُوَ فِي تَعْدِيد وُجُود ذَات كَيْفَ هِيَ , وَذَلِكَ بِخِلَافِ مَسَائِل الْفُرُوع الَّتِي قَالَ اللَّه تَعَالَى فِيهَا : " لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا " [ الْمَائِدَة : 48 ] , وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( الْحَلَال بَيِّن وَالْحَرَام بَيِّن وَبَيْنهمَا أُمُور مُتَشَابِهَات ) . وَالْكَلَام فِي الْفُرُوع إِنَّمَا هُوَ فِي أَحْكَام طَارِئَة عَلَى وُجُود ذَات مُتَقَرِّرَة لَا يُخْتَلَف فِيهَا وَإِنَّمَا يُخْتَلَف فِي الْأَحْكَام الْمُتَعَلِّقَة بِهَا .
الثَّالِثَة : ثَبَتَ عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاة فِي جَوْف اللَّيْل قَالَ : ( اللَّهُمَّ لَك الْحَمْد ) الْحَدِيث . وَفِيهِ ( أَنْتَ الْحَقّ وَوَعْدك الْحَقّ وَقَوْلك الْحَقّ وَلِقَاؤُك الْحَقّ وَالْجَنَّة حَقّ وَالنَّار حَقّ وَالسَّاعَة حَقّ وَالنَّبِيُّونَ حَقّ وَمُحَمَّد حَقّ ) الْحَدِيث . فَقَوْله : ( أَنْتَ الْحَقّ ) أَيْ الْوَاجِب الْوُجُود ; وَأَصْله مِنْ حَقَّ الشَّيْء أَيْ ثَبَتَ وَوَجَبَ . وَهَذَا الْوَصْف لِلَّهِ تَعَالَى بِالْحَقِيقَةِ إِذْ وُجُوده لِنَفْسِهِ لَمْ يَسْبِقهُ عَدَم وَلَا يَلْحَقهُ عَدَم ; وَمَا عَدَاهُ مِمَّا يُقَال عَلَيْهِ هَذَا الِاسْم مَسْبُوق بِعَدَمٍ , وَيَجُوز عَلَيْهِ لِحَاق الْعَدَم , وَوُجُوده مِنْ مُوجِده لَا مِنْ نَفْسه . وَبِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى كَانَ أَصْدَق كَلِمَة قَالَهَا الشَّاعِر , كَلِمَة لَبِيد : أَلَا كُلّ شَيْء مَا خَلَا اللَّه بَاطِل وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " كُلّ شَيْء هَالِك إِلَّا وَجْهه لَهُ الْحُكْم وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " [ الْقَصَص : 88 ] .
الرَّابِعَة : مُقَابَلَة الْحَقّ بِالضَّلَالِ عُرِفَ لُغَة وَشَرْعًا , كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَة . وَكَذَلِكَ أَيْضًا مُقَابَلَة الْحَقّ بِالْبَاطِلِ عُرِفَ لُغَة وَشَرْعًا ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه هُوَ الْحَقّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونه هُوَ الْبَاطِل " [ لُقْمَان : 30 ] . وَالضَّلَال حَقِيقَته الذَّهَاب عَنْ الْحَقّ ; أُخِذَ مِنْ ضَلَال الطَّرِيق , وَهُوَ الْعُدُول عَنْ سَمْته . قَالَ اِبْن عَرَفَة : الضَّلَالَة عِنْد الْعَرَب سُلُوك غَيْر سَبِيل الْقَصْد ; يُقَال : ضَلَّ عَنْ الطَّرِيق وَأَضَلَّ الشَّيْء إِذَا أَضَاعَهُ . وَخُصَّ فِي الشَّرْع بِالْعِبَارَةِ فِي الْعُدُول عَنْ السَّدَاد فِي الِاعْتِقَاد دُون الْأَعْمَال ; وَمِنْ غَرِيب أَمْره أَنَّهُ يُعَبَّر بِهِ عَنْ عَدَم الْمَعْرِفَة بِالْحَقِّ سُبْحَانه إِذَا قَابَلَهُ غَفْلَة وَلَمْ يَقْتَرِن بِعَدَمِهِ جَهْل أَوْ شَكّ , وَعَلَيْهِ حَمَلَ الْعُلَمَاء قَوْله تَعَالَى : " وَوَجَدَك ضَالًّا فَهَدَى " [ الضُّحَى : 7 ] أَيْ غَافِلًا , فِي أَحَد التَّأْوِيلَات , يُحَقِّقهُ قَوْله تَعَالَى : " مَا كُنْت تَدْرِي مَا الْكِتَاب وَلَا الْإِيمَان " [ الشُّورَى : 52 ] .
الْخَامِسَة : رَوَى عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم وَأَشْهَب عَنْ مَالِك فِي قَوْله تَعَالَى : " فَمَاذَا بَعْد الْحَقّ إِلَّا الضَّلَال " قَالَ : اللَّعِب بِالشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْد مِنْ الضَّلَال . وَرَوَى يُونُس عَنْ اِبْن وَهْب أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُل يَلْعَب فِي بَيْته مَعَ اِمْرَأَته بِأَرْبَع عَشْرَة ; فَقَالَ مَالِك : مَا يُعْجِبنِي ! وَلَيْسَ مِنْ شَأْن الْمُؤْمِنِينَ , يَقُول اللَّه تَعَالَى : " فَمَاذَا بَعْد الْحَقّ إِلَّا الضَّلَال " . وَرَوَى يُونُس عَنْ أَشْهَب قَالَ : سُئِلَ - يَعْنِي مَالِكًا - عَنْ اللَّعِب بِالشِّطْرَنْجِ فَقَالَ : لَا خَيْر فِيهِ , وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَهُوَ مِنْ الْبَاطِل , وَاللَّعِب كُلّه مِنْ الْبَاطِل , وَإِنَّهُ لَيَنْبَغِي لِذِي الْعَقْل أَنْ تَنْهَاهُ اللِّحْيَة وَالشَّيْب عَنْ الْبَاطِل . وَقَالَ الزُّهْرِيّ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الشِّطْرَنْج : هِيَ مِنْ الْبَاطِل وَلَا أُحِبّهَا .
السَّادِسَة : اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي جَوَاز اللَّعِب بِالشِّطْرَنْجِ وَغَيْره إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْه الْقِمَار ; فَتَحْصِيل مَذْهَب مَالِك وَجُمْهُور الْفُقَهَاء فِي الشِّطْرَنْج أَنَّ مَنْ لَمْ يُقَامِر بِهَا وَلَعِبَ مَعَ أَهْله فِي بَيْته مُسْتَتِرًا بِهِ مَرَّة فِي الشَّهْر أَوْ الْعَام , لَا يُطَّلَع عَلَيْهِ وَلَا يُعْلَم بِهِ أَنَّهُ مَعْفُوّ عَنْهُ غَيْر مُحَرَّم عَلَيْهِ وَلَا مَكْرُوه لَهُ , وَأَنَّهُ إِنْ تَخَلَّعَ بِهِ وَاشْتَهَرَ فِيهِ سَقَطَتْ مُرُوءَته وَعَدَالَته وَرُدَّتْ شَهَادَته . وَأَمَّا الشَّافِعِيّ فَلَا تَسْقُط فِي مَذْهَب أَصْحَابه شَهَادَة اللَّاعِب بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْج , إِذَا كَانَ عَدْلًا فِي جَمِيع أَصْحَابه , وَلَمْ يَظْهَر مِنْهُ سَفَه وَلَا رِيبَة وَلَا كَبِيرَة إِلَّا أَنْ يَلْعَب بِهِ قِمَارًا , فَإِنْ لَعِبَ بِهَا قِمَارًا وَكَانَ بِذَلِكَ مَعْرُوفًا سَقَطَتْ عَدَالَته وَسَفِهَ نَفْسه لِأَكْلِهِ الْمَال بِالْبَاطِلِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : يُكْرَه اللَّعِب بِالشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْد وَالْأَرْبَعَة عَشَر وَكُلّ اللَّهْو ; فَإِنْ لَمْ تَظْهَر مِنْ اللَّاعِب بِهَا كَبِيرَة وَكَانَتْ مَحَاسِنه أَكْثَر مِنْ مَسَاوِيهِ قُبِلَتْ شَهَادَته عِنْدهمْ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : قَالَتْ الشَّافِعِيَّة إِنَّ الشِّطْرَنْج يُخَالِف النَّرْد لِأَنَّ فِيهِ إِكْدَاد الْفَهْم وَاسْتِعْمَال الْقَرِيحَة . وَالنَّرْد قِمَار غَرَر لَا يُعْلَم مَا يَخْرُج لَهُ فِيهِ كَالِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ .
السَّابِعَة : قَالَ عُلَمَاؤُنَا : النَّرْد قِطَع مَمْلُوءَة مِنْ خَشَب الْبَقْس وَمِنْ عَظْم الْفِيل , وَكَذَا هُوَ الشِّطْرَنْج إِذْ هُوَ أَخُوهُ غُذِّيَ بِلِبَانِهِ . وَالنَّرْد هُوَ الَّذِي يُعْرَف بِالْبَاطِلِ , وَيُعْرَف بِالْكِعَابِ وَيُعْرَف فِي الْجَاهِلِيَّة أَيْضًا بِالْأَرُنْ وَيُعْرَف أَيْضًا بِالنَّرْدَشِير . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ سُلَيْمَان بْن بُرَيْدَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِير فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَده فِي لَحْم خِنْزِير وَدَمه ) . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَمَعْنَى هَذَا أَيْ هُوَ كَمَنْ غَمَسَ يَده فِي لَحْم الْخِنْزِير يُهَيِّئهُ لِأَنْ يَأْكُلهُ , وَهَذَا الْفِعْل فِي الْخِنْزِير حَرَام لَا يَجُوز ; يُبَيِّنهُ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ . عَصَى اللَّه وَرَسُوله ) رَوَاهُ مَالِك وَغَيْره مِنْ حَدِيث أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَهُوَ حَدِيث صَحِيح , وَهُوَ يُحَرِّم اللَّعِب بِالنَّرْدِ جُمْلَة وَاحِدَة , وَكَذَلِكَ الشِّطْرَنْج , لَمْ يَسْتَثْنِ وَقْتًا مِنْ وَقْت وَلَا حَالًا مِنْ حَال , وَأَخْبَرَ أَنَّ فَاعِل ذَلِكَ عَاصٍ لِلَّهِ وَرَسُوله ; إِلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِاللَّعِبِ بِالنَّرْدِ الْمَنْهِيّ عَنْهُ أَنْ يَكُون عَلَى وَجْه الْقِمَار ; لِمَا رُوِيَ مِنْ إِجَازَة اللَّعِب بِالشِّطْرَنْجِ عَنْ التَّابِعِينَ عَلَى غَيْر قِمَار . وَحَمْل ذَلِكَ عَلَى الْعُمُوم قِمَارًا وَغَيْر قِمَار أَوْلَى وَأَحْوَط إِنْ شَاءَ اللَّه . قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الْحَلِيمِيّ فِي كِتَاب مِنْهَاج الدِّين : وَمِمَّا جَاءَ فِي الشِّطْرَنْج حَدِيث يُرْوَى فِيهِ كَمَا يُرْوَى فِي النَّرْد أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ لَعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ فَقَدْ عَصَى اللَّه وَرَسُوله ) . وَعَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى مَجْلِس مِنْ مَجَالِس بَنِي تَمِيم وَهُمْ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ : ( أَمَا وَاَللَّه لِغَيْرِ هَذَا خُلِقْتُمْ ! أَمَا وَاَللَّه لَوْلَا أَنْ تَكُون سُنَّة لَضَرَبْت بِهِ وُجُوهكُمْ ) . وَعَنْهُ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ فَقَالَ : مَا هَذِهِ التَّمَاثِيل الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ; لَأَنْ يَمَسّ أَحَدكُمْ جَمْرًا حَتَّى يُطْفَأ خَيْر مِنْ أَنْ يَمَسّهَا . وَسُئِلَ اِبْن عُمَر عَنْ الشِّطْرَنْج فَقَالَ هِيَ شَرّ مِنْ النَّرْد . وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ : لَا يَلْعَب بِالشِّطْرَنْجِ إِلَّا خَاطِئ . وَسُئِلَ أَبُو جَعْفَر عَنْ الشِّطْرَنْج فَقَالَ : دَعُونَا مِنْ هَذِهِ الْمَجُوسِيَّة . وَفِي حَدِيث طَوِيل عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَأَنَّ مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْج وَالْجَوْز وَالْكِعَاب مَقَتَهُ اللَّه وَمَنْ جَلَسَ إِلَى مَنْ يَلْعَب بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْج لِيَنْظُر إِلَيْهِمْ مُحِيَتْ عَنْهُ حَسَنَاته كُلّهَا وَصَارَ مِمَّنْ مَقَتَهُ اللَّه ) . وَهَذِهِ الْآثَار كُلّهَا تَدُلّ عَلَى تَحْرِيم اللَّعِب بِهَا بِلَا قِمَار , وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " الْمَائِدَة " بَيَان تَحْرِيمهَا وَأَنَّهَا كَالْخَمْرِ فِي التَّحْرِيم لِاقْتِرَانِهَا بِهِ , وَاَللَّه أَعْلَم . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ فِي قَبَسه : وَقَدْ جَوَّزَهُ الشَّافِعِيّ , وَانْتَهَى حَال بَعْضهمْ إِلَى أَنْ يَقُول : هُوَ مَنْدُوب إِلَيْهِ , حَتَّى اِتَّخَذُوهُ فِي الْمَدْرَسَة ; فَإِذَا أَعْيَا الطَّالِب مِنْ الْقِرَاءَة لَعِبَ بِهِ فِي الْمَسْجِد . وَأَسْنَدُوا إِلَى قَوْم مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُمْ لَعِبُوا بِهَا ; وَمَا كَانَ ذَلِكَ قَطُّ ! وَتَاللَّهِ مَا مَسَّتْهَا يَد تَقِيّ . وَيَقُولُونَ : إِنَّهَا تَشْحَذ الذِّهْن , وَالْعِيَان يُكَذِّبهُمْ , مَا تَبَحَّرَ فِيهَا قَطُّ رَجُل لَهُ ذِهْن . سَمِعْت الْإِمَام أَبَا الْفَضْل عَطَاء الْمَقْدِسِيّ يَقُول بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فِي الْمُنَاظَرَة : إِنَّهَا تُعَلِّم الْحَرْب . فَقَالَ لَهُ الطُّرْطُوشِيّ : بَلْ تُفْسِد تَدْبِير الْحَرْب ; لِأَنَّ الْحَرْب الْمَقْصُود مِنْهَا الْمَلِك وَاغْتِيَاله , وَفِي الشِّطْرَنْج تَقُول : شَاه إِيَّاكَ : الْمَلِك نَحِّهِ عَنْ طَرِيقِي ; فَاسْتَضْحَكَ الْحَاضِرِينَ . وَتَارَة شَدَّدَ فِيهَا مَالِك وَحَرَّمَهَا وَقَالَ فِيهَا : " فَمَاذَا بَعْد الْحَقّ إِلَّا الضَّلَال " وَتَارَة اِسْتَهَانَ بِالْقَلِيلِ مِنْهَا وَالْأَهْوَن , وَالْقَوْل الْأَوَّل أَصَحّ وَاَللَّه أَعْلَم . فَإِنْ قَالَ قَائِل : رُوِيَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الشِّطْرَنْج فَقَالَ : وَمَا الشِّطْرَنْج ؟ فَقِيلَ لَهُ : إِنَّ اِمْرَأَة كَانَ لَهَا اِبْن وَكَانَ مَلِكًا فَأُصِيبَ فِي حَرْب دُون أَصْحَابه ; فَقَالَتْ : كَيْفَ يَكُون هَذَا أَرُونِيهِ عِيَانًا ; فَعُمِلَ لَهَا الشِّطْرَنْج , فَلَمَّا رَأَتْهُ تَسَلَّتْ بِذَلِكَ . وَوَصَفُوا الشِّطْرَنْج لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَقَالَ : لَا بَأْس بِمَا كَانَ مِنْ آلَة الْحَرْب ; قِيلَ لَهُ : هَذَا لَا حُجَّة فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ لَا بَأْس بِالشِّطْرَنْجِ وَإِنَّمَا قَالَ لَا بَأْس بِمَا كَانَ مِنْ آلَة الْحَرْب . وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَنَّهُ شُبِّهَ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّعِب بِالشِّطْرَنْجِ مِمَّا يُسْتَعَان بِهِ عَلَى مَعْرِفَة أَسْبَاب الْحَرْب , فَلَمَّا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يُحِطْ بِهِ عِلْمه قَالَ : لَا بَأْس بِمَا كَانَ مِنْ آلَة الْحَرْب , إِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُونَ فَلَا بَأْس بِهِ , وَكَذَلِكَ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ الصَّحَابَة أَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ , فَإِنَّ ذَلِكَ مَحْمُول مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ يُتَلَهَّى بِهِ , وَإِنَّمَا يُرَاد بِهِ التَّسَبُّب إِلَى عِلْم الْقِتَال وَالْمُضَارَبَة فِيهِ , أَوْ عَلَى أَنَّ الْخَبَر الْمُسْنَد لَمْ يَبْلُغهُمْ . قَالَ الْحَلِيمِيّ : وَإِذَا صَحَّ الْخَبَر فَلَا حُجَّة لِأَحَدٍ مَعَهُ , وَإِنَّمَا الْحُجَّة فِيهِ عَلَى الْكَافَّة .
الثَّامِنَة : ذَكَرَ اِبْن وَهْب بِإِسْنَادِهِ أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عُمَر مَرَّ بِغِلْمَانٍ يَلْعَبُونَ بِالْكُجَّةِ , وَهِيَ حُفَر فِيهَا حَصًى يَلْعَبُونَ بِهَا , قَالَ : فَسَدَّهَا اِبْن عُمَر وَنَهَاهُمْ عَنْهَا . وَذَكَرَ الْهَرَوِيّ فِي بَاب ( الْكَاف مَعَ الْجِيم ) فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس : فِي كُلّ شَيْء قِمَار حَتَّى فِي لَعِب الصِّبْيَان بِالْكُجَّةِ ; قَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : هُوَ أَنْ يَأْخُذ الصَّبِيّ خِرْقَة فَيُدَوِّرهَا كَأَنَّهَا كُرَة , ثُمَّ يَتَقَامَرُونَ بِهَا . وَكَجَّ إِذَا لَعِبَ بِالْكُجَّةِ .
أَيْ كَيْفَ تَصْرِفُونَ عُقُولكُمْ إِلَى عِبَادَة مَا لَا يَرْزُق وَلَا يُحْيِي وَلَا يُمِيت .
الثَّانِيَة : قَالَ عُلَمَاؤُنَا : حَكَمَتْ هَذِهِ الْآيَة بِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل مَنْزِلَة ثَالِثَة فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة الَّتِي هِيَ تَوْحِيد اللَّه تَعَالَى , وَكَذَلِكَ هُوَ الْأَمْر فِي نَظَائِرهَا , وَهِيَ مَسَائِل الْأُصُول الَّتِي الْحَقّ فِيهَا فِي طَرَف وَاحِد ; لِأَنَّ الْكَلَام فِيهَا إِنَّمَا هُوَ فِي تَعْدِيد وُجُود ذَات كَيْفَ هِيَ , وَذَلِكَ بِخِلَافِ مَسَائِل الْفُرُوع الَّتِي قَالَ اللَّه تَعَالَى فِيهَا : " لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا " [ الْمَائِدَة : 48 ] , وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( الْحَلَال بَيِّن وَالْحَرَام بَيِّن وَبَيْنهمَا أُمُور مُتَشَابِهَات ) . وَالْكَلَام فِي الْفُرُوع إِنَّمَا هُوَ فِي أَحْكَام طَارِئَة عَلَى وُجُود ذَات مُتَقَرِّرَة لَا يُخْتَلَف فِيهَا وَإِنَّمَا يُخْتَلَف فِي الْأَحْكَام الْمُتَعَلِّقَة بِهَا .
الثَّالِثَة : ثَبَتَ عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاة فِي جَوْف اللَّيْل قَالَ : ( اللَّهُمَّ لَك الْحَمْد ) الْحَدِيث . وَفِيهِ ( أَنْتَ الْحَقّ وَوَعْدك الْحَقّ وَقَوْلك الْحَقّ وَلِقَاؤُك الْحَقّ وَالْجَنَّة حَقّ وَالنَّار حَقّ وَالسَّاعَة حَقّ وَالنَّبِيُّونَ حَقّ وَمُحَمَّد حَقّ ) الْحَدِيث . فَقَوْله : ( أَنْتَ الْحَقّ ) أَيْ الْوَاجِب الْوُجُود ; وَأَصْله مِنْ حَقَّ الشَّيْء أَيْ ثَبَتَ وَوَجَبَ . وَهَذَا الْوَصْف لِلَّهِ تَعَالَى بِالْحَقِيقَةِ إِذْ وُجُوده لِنَفْسِهِ لَمْ يَسْبِقهُ عَدَم وَلَا يَلْحَقهُ عَدَم ; وَمَا عَدَاهُ مِمَّا يُقَال عَلَيْهِ هَذَا الِاسْم مَسْبُوق بِعَدَمٍ , وَيَجُوز عَلَيْهِ لِحَاق الْعَدَم , وَوُجُوده مِنْ مُوجِده لَا مِنْ نَفْسه . وَبِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى كَانَ أَصْدَق كَلِمَة قَالَهَا الشَّاعِر , كَلِمَة لَبِيد : أَلَا كُلّ شَيْء مَا خَلَا اللَّه بَاطِل وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " كُلّ شَيْء هَالِك إِلَّا وَجْهه لَهُ الْحُكْم وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " [ الْقَصَص : 88 ] .
الرَّابِعَة : مُقَابَلَة الْحَقّ بِالضَّلَالِ عُرِفَ لُغَة وَشَرْعًا , كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَة . وَكَذَلِكَ أَيْضًا مُقَابَلَة الْحَقّ بِالْبَاطِلِ عُرِفَ لُغَة وَشَرْعًا ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه هُوَ الْحَقّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونه هُوَ الْبَاطِل " [ لُقْمَان : 30 ] . وَالضَّلَال حَقِيقَته الذَّهَاب عَنْ الْحَقّ ; أُخِذَ مِنْ ضَلَال الطَّرِيق , وَهُوَ الْعُدُول عَنْ سَمْته . قَالَ اِبْن عَرَفَة : الضَّلَالَة عِنْد الْعَرَب سُلُوك غَيْر سَبِيل الْقَصْد ; يُقَال : ضَلَّ عَنْ الطَّرِيق وَأَضَلَّ الشَّيْء إِذَا أَضَاعَهُ . وَخُصَّ فِي الشَّرْع بِالْعِبَارَةِ فِي الْعُدُول عَنْ السَّدَاد فِي الِاعْتِقَاد دُون الْأَعْمَال ; وَمِنْ غَرِيب أَمْره أَنَّهُ يُعَبَّر بِهِ عَنْ عَدَم الْمَعْرِفَة بِالْحَقِّ سُبْحَانه إِذَا قَابَلَهُ غَفْلَة وَلَمْ يَقْتَرِن بِعَدَمِهِ جَهْل أَوْ شَكّ , وَعَلَيْهِ حَمَلَ الْعُلَمَاء قَوْله تَعَالَى : " وَوَجَدَك ضَالًّا فَهَدَى " [ الضُّحَى : 7 ] أَيْ غَافِلًا , فِي أَحَد التَّأْوِيلَات , يُحَقِّقهُ قَوْله تَعَالَى : " مَا كُنْت تَدْرِي مَا الْكِتَاب وَلَا الْإِيمَان " [ الشُّورَى : 52 ] .
الْخَامِسَة : رَوَى عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم وَأَشْهَب عَنْ مَالِك فِي قَوْله تَعَالَى : " فَمَاذَا بَعْد الْحَقّ إِلَّا الضَّلَال " قَالَ : اللَّعِب بِالشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْد مِنْ الضَّلَال . وَرَوَى يُونُس عَنْ اِبْن وَهْب أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُل يَلْعَب فِي بَيْته مَعَ اِمْرَأَته بِأَرْبَع عَشْرَة ; فَقَالَ مَالِك : مَا يُعْجِبنِي ! وَلَيْسَ مِنْ شَأْن الْمُؤْمِنِينَ , يَقُول اللَّه تَعَالَى : " فَمَاذَا بَعْد الْحَقّ إِلَّا الضَّلَال " . وَرَوَى يُونُس عَنْ أَشْهَب قَالَ : سُئِلَ - يَعْنِي مَالِكًا - عَنْ اللَّعِب بِالشِّطْرَنْجِ فَقَالَ : لَا خَيْر فِيهِ , وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَهُوَ مِنْ الْبَاطِل , وَاللَّعِب كُلّه مِنْ الْبَاطِل , وَإِنَّهُ لَيَنْبَغِي لِذِي الْعَقْل أَنْ تَنْهَاهُ اللِّحْيَة وَالشَّيْب عَنْ الْبَاطِل . وَقَالَ الزُّهْرِيّ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الشِّطْرَنْج : هِيَ مِنْ الْبَاطِل وَلَا أُحِبّهَا .
السَّادِسَة : اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي جَوَاز اللَّعِب بِالشِّطْرَنْجِ وَغَيْره إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْه الْقِمَار ; فَتَحْصِيل مَذْهَب مَالِك وَجُمْهُور الْفُقَهَاء فِي الشِّطْرَنْج أَنَّ مَنْ لَمْ يُقَامِر بِهَا وَلَعِبَ مَعَ أَهْله فِي بَيْته مُسْتَتِرًا بِهِ مَرَّة فِي الشَّهْر أَوْ الْعَام , لَا يُطَّلَع عَلَيْهِ وَلَا يُعْلَم بِهِ أَنَّهُ مَعْفُوّ عَنْهُ غَيْر مُحَرَّم عَلَيْهِ وَلَا مَكْرُوه لَهُ , وَأَنَّهُ إِنْ تَخَلَّعَ بِهِ وَاشْتَهَرَ فِيهِ سَقَطَتْ مُرُوءَته وَعَدَالَته وَرُدَّتْ شَهَادَته . وَأَمَّا الشَّافِعِيّ فَلَا تَسْقُط فِي مَذْهَب أَصْحَابه شَهَادَة اللَّاعِب بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْج , إِذَا كَانَ عَدْلًا فِي جَمِيع أَصْحَابه , وَلَمْ يَظْهَر مِنْهُ سَفَه وَلَا رِيبَة وَلَا كَبِيرَة إِلَّا أَنْ يَلْعَب بِهِ قِمَارًا , فَإِنْ لَعِبَ بِهَا قِمَارًا وَكَانَ بِذَلِكَ مَعْرُوفًا سَقَطَتْ عَدَالَته وَسَفِهَ نَفْسه لِأَكْلِهِ الْمَال بِالْبَاطِلِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : يُكْرَه اللَّعِب بِالشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْد وَالْأَرْبَعَة عَشَر وَكُلّ اللَّهْو ; فَإِنْ لَمْ تَظْهَر مِنْ اللَّاعِب بِهَا كَبِيرَة وَكَانَتْ مَحَاسِنه أَكْثَر مِنْ مَسَاوِيهِ قُبِلَتْ شَهَادَته عِنْدهمْ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : قَالَتْ الشَّافِعِيَّة إِنَّ الشِّطْرَنْج يُخَالِف النَّرْد لِأَنَّ فِيهِ إِكْدَاد الْفَهْم وَاسْتِعْمَال الْقَرِيحَة . وَالنَّرْد قِمَار غَرَر لَا يُعْلَم مَا يَخْرُج لَهُ فِيهِ كَالِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ .
السَّابِعَة : قَالَ عُلَمَاؤُنَا : النَّرْد قِطَع مَمْلُوءَة مِنْ خَشَب الْبَقْس وَمِنْ عَظْم الْفِيل , وَكَذَا هُوَ الشِّطْرَنْج إِذْ هُوَ أَخُوهُ غُذِّيَ بِلِبَانِهِ . وَالنَّرْد هُوَ الَّذِي يُعْرَف بِالْبَاطِلِ , وَيُعْرَف بِالْكِعَابِ وَيُعْرَف فِي الْجَاهِلِيَّة أَيْضًا بِالْأَرُنْ وَيُعْرَف أَيْضًا بِالنَّرْدَشِير . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ سُلَيْمَان بْن بُرَيْدَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِير فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَده فِي لَحْم خِنْزِير وَدَمه ) . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَمَعْنَى هَذَا أَيْ هُوَ كَمَنْ غَمَسَ يَده فِي لَحْم الْخِنْزِير يُهَيِّئهُ لِأَنْ يَأْكُلهُ , وَهَذَا الْفِعْل فِي الْخِنْزِير حَرَام لَا يَجُوز ; يُبَيِّنهُ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ . عَصَى اللَّه وَرَسُوله ) رَوَاهُ مَالِك وَغَيْره مِنْ حَدِيث أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَهُوَ حَدِيث صَحِيح , وَهُوَ يُحَرِّم اللَّعِب بِالنَّرْدِ جُمْلَة وَاحِدَة , وَكَذَلِكَ الشِّطْرَنْج , لَمْ يَسْتَثْنِ وَقْتًا مِنْ وَقْت وَلَا حَالًا مِنْ حَال , وَأَخْبَرَ أَنَّ فَاعِل ذَلِكَ عَاصٍ لِلَّهِ وَرَسُوله ; إِلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِاللَّعِبِ بِالنَّرْدِ الْمَنْهِيّ عَنْهُ أَنْ يَكُون عَلَى وَجْه الْقِمَار ; لِمَا رُوِيَ مِنْ إِجَازَة اللَّعِب بِالشِّطْرَنْجِ عَنْ التَّابِعِينَ عَلَى غَيْر قِمَار . وَحَمْل ذَلِكَ عَلَى الْعُمُوم قِمَارًا وَغَيْر قِمَار أَوْلَى وَأَحْوَط إِنْ شَاءَ اللَّه . قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الْحَلِيمِيّ فِي كِتَاب مِنْهَاج الدِّين : وَمِمَّا جَاءَ فِي الشِّطْرَنْج حَدِيث يُرْوَى فِيهِ كَمَا يُرْوَى فِي النَّرْد أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ لَعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ فَقَدْ عَصَى اللَّه وَرَسُوله ) . وَعَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى مَجْلِس مِنْ مَجَالِس بَنِي تَمِيم وَهُمْ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ : ( أَمَا وَاَللَّه لِغَيْرِ هَذَا خُلِقْتُمْ ! أَمَا وَاَللَّه لَوْلَا أَنْ تَكُون سُنَّة لَضَرَبْت بِهِ وُجُوهكُمْ ) . وَعَنْهُ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ فَقَالَ : مَا هَذِهِ التَّمَاثِيل الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ; لَأَنْ يَمَسّ أَحَدكُمْ جَمْرًا حَتَّى يُطْفَأ خَيْر مِنْ أَنْ يَمَسّهَا . وَسُئِلَ اِبْن عُمَر عَنْ الشِّطْرَنْج فَقَالَ هِيَ شَرّ مِنْ النَّرْد . وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ : لَا يَلْعَب بِالشِّطْرَنْجِ إِلَّا خَاطِئ . وَسُئِلَ أَبُو جَعْفَر عَنْ الشِّطْرَنْج فَقَالَ : دَعُونَا مِنْ هَذِهِ الْمَجُوسِيَّة . وَفِي حَدِيث طَوِيل عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَأَنَّ مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْج وَالْجَوْز وَالْكِعَاب مَقَتَهُ اللَّه وَمَنْ جَلَسَ إِلَى مَنْ يَلْعَب بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْج لِيَنْظُر إِلَيْهِمْ مُحِيَتْ عَنْهُ حَسَنَاته كُلّهَا وَصَارَ مِمَّنْ مَقَتَهُ اللَّه ) . وَهَذِهِ الْآثَار كُلّهَا تَدُلّ عَلَى تَحْرِيم اللَّعِب بِهَا بِلَا قِمَار , وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " الْمَائِدَة " بَيَان تَحْرِيمهَا وَأَنَّهَا كَالْخَمْرِ فِي التَّحْرِيم لِاقْتِرَانِهَا بِهِ , وَاَللَّه أَعْلَم . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ فِي قَبَسه : وَقَدْ جَوَّزَهُ الشَّافِعِيّ , وَانْتَهَى حَال بَعْضهمْ إِلَى أَنْ يَقُول : هُوَ مَنْدُوب إِلَيْهِ , حَتَّى اِتَّخَذُوهُ فِي الْمَدْرَسَة ; فَإِذَا أَعْيَا الطَّالِب مِنْ الْقِرَاءَة لَعِبَ بِهِ فِي الْمَسْجِد . وَأَسْنَدُوا إِلَى قَوْم مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُمْ لَعِبُوا بِهَا ; وَمَا كَانَ ذَلِكَ قَطُّ ! وَتَاللَّهِ مَا مَسَّتْهَا يَد تَقِيّ . وَيَقُولُونَ : إِنَّهَا تَشْحَذ الذِّهْن , وَالْعِيَان يُكَذِّبهُمْ , مَا تَبَحَّرَ فِيهَا قَطُّ رَجُل لَهُ ذِهْن . سَمِعْت الْإِمَام أَبَا الْفَضْل عَطَاء الْمَقْدِسِيّ يَقُول بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فِي الْمُنَاظَرَة : إِنَّهَا تُعَلِّم الْحَرْب . فَقَالَ لَهُ الطُّرْطُوشِيّ : بَلْ تُفْسِد تَدْبِير الْحَرْب ; لِأَنَّ الْحَرْب الْمَقْصُود مِنْهَا الْمَلِك وَاغْتِيَاله , وَفِي الشِّطْرَنْج تَقُول : شَاه إِيَّاكَ : الْمَلِك نَحِّهِ عَنْ طَرِيقِي ; فَاسْتَضْحَكَ الْحَاضِرِينَ . وَتَارَة شَدَّدَ فِيهَا مَالِك وَحَرَّمَهَا وَقَالَ فِيهَا : " فَمَاذَا بَعْد الْحَقّ إِلَّا الضَّلَال " وَتَارَة اِسْتَهَانَ بِالْقَلِيلِ مِنْهَا وَالْأَهْوَن , وَالْقَوْل الْأَوَّل أَصَحّ وَاَللَّه أَعْلَم . فَإِنْ قَالَ قَائِل : رُوِيَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الشِّطْرَنْج فَقَالَ : وَمَا الشِّطْرَنْج ؟ فَقِيلَ لَهُ : إِنَّ اِمْرَأَة كَانَ لَهَا اِبْن وَكَانَ مَلِكًا فَأُصِيبَ فِي حَرْب دُون أَصْحَابه ; فَقَالَتْ : كَيْفَ يَكُون هَذَا أَرُونِيهِ عِيَانًا ; فَعُمِلَ لَهَا الشِّطْرَنْج , فَلَمَّا رَأَتْهُ تَسَلَّتْ بِذَلِكَ . وَوَصَفُوا الشِّطْرَنْج لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَقَالَ : لَا بَأْس بِمَا كَانَ مِنْ آلَة الْحَرْب ; قِيلَ لَهُ : هَذَا لَا حُجَّة فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ لَا بَأْس بِالشِّطْرَنْجِ وَإِنَّمَا قَالَ لَا بَأْس بِمَا كَانَ مِنْ آلَة الْحَرْب . وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَنَّهُ شُبِّهَ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّعِب بِالشِّطْرَنْجِ مِمَّا يُسْتَعَان بِهِ عَلَى مَعْرِفَة أَسْبَاب الْحَرْب , فَلَمَّا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يُحِطْ بِهِ عِلْمه قَالَ : لَا بَأْس بِمَا كَانَ مِنْ آلَة الْحَرْب , إِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُونَ فَلَا بَأْس بِهِ , وَكَذَلِكَ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ الصَّحَابَة أَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ , فَإِنَّ ذَلِكَ مَحْمُول مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ يُتَلَهَّى بِهِ , وَإِنَّمَا يُرَاد بِهِ التَّسَبُّب إِلَى عِلْم الْقِتَال وَالْمُضَارَبَة فِيهِ , أَوْ عَلَى أَنَّ الْخَبَر الْمُسْنَد لَمْ يَبْلُغهُمْ . قَالَ الْحَلِيمِيّ : وَإِذَا صَحَّ الْخَبَر فَلَا حُجَّة لِأَحَدٍ مَعَهُ , وَإِنَّمَا الْحُجَّة فِيهِ عَلَى الْكَافَّة .
الثَّامِنَة : ذَكَرَ اِبْن وَهْب بِإِسْنَادِهِ أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عُمَر مَرَّ بِغِلْمَانٍ يَلْعَبُونَ بِالْكُجَّةِ , وَهِيَ حُفَر فِيهَا حَصًى يَلْعَبُونَ بِهَا , قَالَ : فَسَدَّهَا اِبْن عُمَر وَنَهَاهُمْ عَنْهَا . وَذَكَرَ الْهَرَوِيّ فِي بَاب ( الْكَاف مَعَ الْجِيم ) فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس : فِي كُلّ شَيْء قِمَار حَتَّى فِي لَعِب الصِّبْيَان بِالْكُجَّةِ ; قَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : هُوَ أَنْ يَأْخُذ الصَّبِيّ خِرْقَة فَيُدَوِّرهَا كَأَنَّهَا كُرَة , ثُمَّ يَتَقَامَرُونَ بِهَا . وَكَجَّ إِذَا لَعِبَ بِالْكُجَّةِ .
أَيْ كَيْفَ تَصْرِفُونَ عُقُولكُمْ إِلَى عِبَادَة مَا لَا يَرْزُق وَلَا يُحْيِي وَلَا يُمِيت .
أَيْ حُكْمه وَقَضَاؤُهُ وَعِلْمه السَّابِق .
أَيْ خَرَجُوا عَنْ الطَّاعَة وَكَفَرُوا وَكَذَّبُوا .
أَيْ لَا يُصَدِّقُونَ . وَفِي هَذَا أَوْفَى دَلِيل عَلَى الْقَدَرِيَّة . وَقَرَأَ نَافِع وَابْن عَامِر هُنَا وَفِي آخِرهَا " كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَات رَبّك " وَفِي سُورَة غَافِر بِالْجَمْعِ فِي الثَّلَاثَة . الْبَاقُونَ بِالْإِفْرَادِ وَ " أَنَّ " فِي مَوْضِع نَصْب ; أَيْ بِأَنَّهُمْ أَوْ لِأَنَّهُمْ . قَالَ الزَّجَّاج : وَيَجُوز أَنْ تَكُون فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى الْبَدَل مِنْ كَلِمَات . قَالَ الْفَرَّاء : يَجُوز " إِنَّهُمْ " بِالْكَسْرِ عَلَى الِاسْتِئْنَاف .
أَيْ خَرَجُوا عَنْ الطَّاعَة وَكَفَرُوا وَكَذَّبُوا .
أَيْ لَا يُصَدِّقُونَ . وَفِي هَذَا أَوْفَى دَلِيل عَلَى الْقَدَرِيَّة . وَقَرَأَ نَافِع وَابْن عَامِر هُنَا وَفِي آخِرهَا " كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَات رَبّك " وَفِي سُورَة غَافِر بِالْجَمْعِ فِي الثَّلَاثَة . الْبَاقُونَ بِالْإِفْرَادِ وَ " أَنَّ " فِي مَوْضِع نَصْب ; أَيْ بِأَنَّهُمْ أَوْ لِأَنَّهُمْ . قَالَ الزَّجَّاج : وَيَجُوز أَنْ تَكُون فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى الْبَدَل مِنْ كَلِمَات . قَالَ الْفَرَّاء : يَجُوز " إِنَّهُمْ " بِالْكَسْرِ عَلَى الِاسْتِئْنَاف .
قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ↓
أَيْ آلِهَتكُمْ وَمَعْبُودَاتكُمْ .
أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد ذَلِكَ عَلَى جِهَة التَّوْبِيخ وَالتَّقْرِير ; فَإِنْ أَجَابُوك وَإِلَّا فَ " قُلْ اللَّه يَبْدَأ الْخَلْق ثُمَّ يُعِيدهُ "
وَلَيْسَ غَيْره يَفْعَل ذَلِكَ .
أَيْ فَكَيْفَ تَنْقَلِبُونَ وَتَنْصَرِفُونَ عَنْ الْحَقّ إِلَى الْبَاطِل .
أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد ذَلِكَ عَلَى جِهَة التَّوْبِيخ وَالتَّقْرِير ; فَإِنْ أَجَابُوك وَإِلَّا فَ " قُلْ اللَّه يَبْدَأ الْخَلْق ثُمَّ يُعِيدهُ "
وَلَيْسَ غَيْره يَفْعَل ذَلِكَ .
أَيْ فَكَيْفَ تَنْقَلِبُونَ وَتَنْصَرِفُونَ عَنْ الْحَقّ إِلَى الْبَاطِل .
قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ↓
يُقَال : هَدَاهُ لِلطَّرِيقِ وَإِلَى الطَّرِيق بِمَعْنًى وَاحِد ; وَقَدْ تَقَدَّمَ . أَيْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يُرْشِد إِلَى دِين الْإِسْلَام ; فَإِذَا قَالُوا لَا وَلَا بُدّ مِنْهُ
لَهُمْ
ثُمَّ قُلْ لَهُمْ مُوَبِّخًا وَمُقَرِّرًا .
أَيْ يُرْشِد .
وَهُوَ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى .
يُرِيد الْأَصْنَام الَّتِي لَا تَهْدِي أَحَدًا , وَلَا تَمْشِي إِلَّا أَنْ تُحْمَل , وَلَا تَنْتَقِل عَنْ مَكَانهَا إِلَّا أَنْ تُنْقَل . قَالَ الشَّاعِر : لِلْفَتَى عَقْل يَعِيش بِهِ حَيْثُ تَهْدِي سَاقه قَدَمهْ وَقِيلَ : الْمُرَاد الرُّؤَسَاء وَالْمُضِلُّونَ الَّذِينَ لَا يُرْشِدُونَ أَنْفُسهمْ إِلَى هُدًى إِلَّا أَنْ يُرْشَدُوا . وَفِي " يَهِدِّي " قِرَاءَات سِتّ : الْأُولَى : قَرَأَ أَهْل الْمَدِينَة إِلَّا وَرْشًا " يَهْدِّي " بِفَتْحِ الْيَاء وَإِسْكَان الْهَاء وَتَشْدِيد الدَّال ; فَجَمَعُوا فِي قِرَاءَتهمْ بَيْن سَاكِنَيْنِ كَمَا فَعَلُوا فِي قَوْله : " لَا تَعْدُّوا " وَفِي قَوْله : " يَخْصِّمُونَ " . قَالَ النَّحَّاس : وَالْجَمْع بَيْن السَّاكِنَيْنِ لَا يَقْدِر أَحَد أَنْ يَنْطِق بِهِ . قَالَ مُحَمَّد بْن يَزِيد : لَا بُدّ لِمَنْ رَامَ مِثْل هَذَا أَنْ يُحَرِّك حَرَكَة خَفِيفَة إِلَى الْكَسْر , وَسِيبَوَيْهِ يُسَمِّي هَذَا اِخْتِلَاس الْحَرَكَة . الثَّانِيَة : قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَقَالُون فِي رِوَايَة بَيْن الْفَتْح وَالْإِسْكَان , عَلَى مَذْهَبه فِي الْإِخْفَاء وَالِاخْتِلَاس . الثَّالِثَة : قَرَأَ اِبْن عَامِر وَابْن كَثِير وَوَرْش وَابْن مُحَيْصِن " يَهَدِّي " بِفَتْحِ الْيَاء وَالْهَاء وَتَشْدِيد الدَّال , قَالَ النَّحَّاس : هَذِهِ الْقِرَاءَة بَيِّنَة فِي الْعَرَبِيَّة , وَالْأَصْل فِيهَا يَهْتَدِي أُدْغِمَتْ التَّاء فِي الدَّال وَقُلِبَتْ حَرَكَتهَا عَلَى الْهَاء . الرَّابِعَة : قَرَأَ حَفْص وَيَعْقُوب وَالْأَعْمَش عَنْ أَبِي بَكْر مِثْل قِرَاءَة اِبْن كَثِير , إِلَّا أَنَّهُمْ كَسَرُوا الْهَاء , قَالُوا : لِأَنَّ الْجَزْم إِذَا اُضْطُرَّ إِلَى حَرَكَته حُرِّكَ إِلَى الْكَسْر . قَالَ أَبُو حَاتِم : هِيَ لُغَة سُفْلَى مُضَر . الْخَامِسَة : قَرَأَ أَبُو بَكْر عَنْ عَاصِم يِهِدِّي بِكَسْرِ الْيَاء وَالْهَاء وَتَشْدِيد الدَّال , كُلّ ذَلِكَ لِإتْبَاعِ الْكَسْرِ الْكَسْرَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَة فِي " يَخْطَف " [ الْبَقَرَة : 20 ] وَقِيلَ : هِيَ لُغَة مَنْ قَرَأَ " نِسْتَعِينُ " , وَ " لَنْ تَمِسَّنَا النَّار " وَنَحْوه . وَسِيبَوَيْهِ لَا يُجِيز " يِهِدِّي " وَيُجِيز " تِهِدِّي " وَ " نِهِدِّي " وَ " إِهِدِّي " قَالَ : لِأَنَّ الْكَسْرَة فِي الْيَاء تُثَقَّل . السَّادِسَة : قَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَخَلَف وَيَحْيَى بْن وَثَّاب وَالْأَعْمَش " يَهْدِي " بِفَتْحِ الْيَاء وَإِسْكَان الْهَاء وَتَخْفِيف الدَّال ; مِنْ هَدَى يَهْدِي . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذِهِ الْقِرَاءَة لَهَا وَجْهَانِ فِي الْعَرَبِيَّة وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَة , وَأَحَد الْوَجْهَيْنِ أَنَّ الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء قَالَا : " يَهْدِي " بِمَعْنَى يَهْتَدِي . قَالَ أَبُو الْعَبَّاس : لَا يُعْرَف هَذَا , وَلَكِنْ التَّقْدِير أَمَّنْ لَا يَهْدِي غَيْره , تَمَّ الْكَلَام , ثُمَّ قَالَ : " إِلَّا أَنْ يُهْدَى " اِسْتَأْنَفَ مِنْ الْأَوَّل , أَيْ لَكِنَّهُ يَحْتَاج أَنْ يُهْدَى ; فَهُوَ اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع , كَمَا تَقُول : فُلَان لَا يُسْمِع غَيْره إِلَّا أَنْ يُسْمَع , أَيْ لَكِنَّهُ يَحْتَاج أَنْ يُسْمَع . وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق : " فَمَا لَكُمْ " كَلَام تَامّ , وَالْمَعْنَى : فَأَيّ شَيْء لَكُمْ فِي عِبَادَة الْأَوْثَان . ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ : " كَيْفَ تَحْكُمُونَ " أَيْ لِأَنْفُسِكُمْ وَتَقْضُونَ بِهَذَا الْبَاطِل الصُّرَاح , تَعْبُدُونَ آلِهَة لَا تُغْنِي عَنْ أَنْفُسهَا شَيْئًا إِلَّا أَنْ يُفْعَل بِهَا , وَاَللَّه يَفْعَل مَا يَشَاء فَتَتْرُكُونَ عِبَادَته ; فَمَوْضِع " كَيْفَ " نَصْب بِ " تَحْكُمُونَ " .
لَهُمْ
ثُمَّ قُلْ لَهُمْ مُوَبِّخًا وَمُقَرِّرًا .
أَيْ يُرْشِد .
وَهُوَ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى .
يُرِيد الْأَصْنَام الَّتِي لَا تَهْدِي أَحَدًا , وَلَا تَمْشِي إِلَّا أَنْ تُحْمَل , وَلَا تَنْتَقِل عَنْ مَكَانهَا إِلَّا أَنْ تُنْقَل . قَالَ الشَّاعِر : لِلْفَتَى عَقْل يَعِيش بِهِ حَيْثُ تَهْدِي سَاقه قَدَمهْ وَقِيلَ : الْمُرَاد الرُّؤَسَاء وَالْمُضِلُّونَ الَّذِينَ لَا يُرْشِدُونَ أَنْفُسهمْ إِلَى هُدًى إِلَّا أَنْ يُرْشَدُوا . وَفِي " يَهِدِّي " قِرَاءَات سِتّ : الْأُولَى : قَرَأَ أَهْل الْمَدِينَة إِلَّا وَرْشًا " يَهْدِّي " بِفَتْحِ الْيَاء وَإِسْكَان الْهَاء وَتَشْدِيد الدَّال ; فَجَمَعُوا فِي قِرَاءَتهمْ بَيْن سَاكِنَيْنِ كَمَا فَعَلُوا فِي قَوْله : " لَا تَعْدُّوا " وَفِي قَوْله : " يَخْصِّمُونَ " . قَالَ النَّحَّاس : وَالْجَمْع بَيْن السَّاكِنَيْنِ لَا يَقْدِر أَحَد أَنْ يَنْطِق بِهِ . قَالَ مُحَمَّد بْن يَزِيد : لَا بُدّ لِمَنْ رَامَ مِثْل هَذَا أَنْ يُحَرِّك حَرَكَة خَفِيفَة إِلَى الْكَسْر , وَسِيبَوَيْهِ يُسَمِّي هَذَا اِخْتِلَاس الْحَرَكَة . الثَّانِيَة : قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَقَالُون فِي رِوَايَة بَيْن الْفَتْح وَالْإِسْكَان , عَلَى مَذْهَبه فِي الْإِخْفَاء وَالِاخْتِلَاس . الثَّالِثَة : قَرَأَ اِبْن عَامِر وَابْن كَثِير وَوَرْش وَابْن مُحَيْصِن " يَهَدِّي " بِفَتْحِ الْيَاء وَالْهَاء وَتَشْدِيد الدَّال , قَالَ النَّحَّاس : هَذِهِ الْقِرَاءَة بَيِّنَة فِي الْعَرَبِيَّة , وَالْأَصْل فِيهَا يَهْتَدِي أُدْغِمَتْ التَّاء فِي الدَّال وَقُلِبَتْ حَرَكَتهَا عَلَى الْهَاء . الرَّابِعَة : قَرَأَ حَفْص وَيَعْقُوب وَالْأَعْمَش عَنْ أَبِي بَكْر مِثْل قِرَاءَة اِبْن كَثِير , إِلَّا أَنَّهُمْ كَسَرُوا الْهَاء , قَالُوا : لِأَنَّ الْجَزْم إِذَا اُضْطُرَّ إِلَى حَرَكَته حُرِّكَ إِلَى الْكَسْر . قَالَ أَبُو حَاتِم : هِيَ لُغَة سُفْلَى مُضَر . الْخَامِسَة : قَرَأَ أَبُو بَكْر عَنْ عَاصِم يِهِدِّي بِكَسْرِ الْيَاء وَالْهَاء وَتَشْدِيد الدَّال , كُلّ ذَلِكَ لِإتْبَاعِ الْكَسْرِ الْكَسْرَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَة فِي " يَخْطَف " [ الْبَقَرَة : 20 ] وَقِيلَ : هِيَ لُغَة مَنْ قَرَأَ " نِسْتَعِينُ " , وَ " لَنْ تَمِسَّنَا النَّار " وَنَحْوه . وَسِيبَوَيْهِ لَا يُجِيز " يِهِدِّي " وَيُجِيز " تِهِدِّي " وَ " نِهِدِّي " وَ " إِهِدِّي " قَالَ : لِأَنَّ الْكَسْرَة فِي الْيَاء تُثَقَّل . السَّادِسَة : قَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَخَلَف وَيَحْيَى بْن وَثَّاب وَالْأَعْمَش " يَهْدِي " بِفَتْحِ الْيَاء وَإِسْكَان الْهَاء وَتَخْفِيف الدَّال ; مِنْ هَدَى يَهْدِي . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذِهِ الْقِرَاءَة لَهَا وَجْهَانِ فِي الْعَرَبِيَّة وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَة , وَأَحَد الْوَجْهَيْنِ أَنَّ الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء قَالَا : " يَهْدِي " بِمَعْنَى يَهْتَدِي . قَالَ أَبُو الْعَبَّاس : لَا يُعْرَف هَذَا , وَلَكِنْ التَّقْدِير أَمَّنْ لَا يَهْدِي غَيْره , تَمَّ الْكَلَام , ثُمَّ قَالَ : " إِلَّا أَنْ يُهْدَى " اِسْتَأْنَفَ مِنْ الْأَوَّل , أَيْ لَكِنَّهُ يَحْتَاج أَنْ يُهْدَى ; فَهُوَ اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع , كَمَا تَقُول : فُلَان لَا يُسْمِع غَيْره إِلَّا أَنْ يُسْمَع , أَيْ لَكِنَّهُ يَحْتَاج أَنْ يُسْمَع . وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق : " فَمَا لَكُمْ " كَلَام تَامّ , وَالْمَعْنَى : فَأَيّ شَيْء لَكُمْ فِي عِبَادَة الْأَوْثَان . ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ : " كَيْفَ تَحْكُمُونَ " أَيْ لِأَنْفُسِكُمْ وَتَقْضُونَ بِهَذَا الْبَاطِل الصُّرَاح , تَعْبُدُونَ آلِهَة لَا تُغْنِي عَنْ أَنْفُسهَا شَيْئًا إِلَّا أَنْ يُفْعَل بِهَا , وَاَللَّه يَفْعَل مَا يَشَاء فَتَتْرُكُونَ عِبَادَته ; فَمَوْضِع " كَيْفَ " نَصْب بِ " تَحْكُمُونَ " .
وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ↓
يُرِيد الرُّؤَسَاء مِنْهُمْ ; أَيْ مَا يَتَّبِعُونَ إِلَّا حَدْسًا وَتَخْرِيصًا فِي أَنَّهَا آلِهَة تَشْفَع , وَلَا حُجَّة مَعَهُمْ . وَأَمَّا أَتْبَاعهمْ فَيَتَّبِعُونَهُمْ تَقْلِيدًا .
أَيْ مِنْ عَذَاب اللَّه ; فَالْحَقّ هُوَ اللَّه . وَقِيلَ " الْحَقّ " هُنَا الْيَقِين ; أَيْ لَيْسَ الظَّنّ كَالْيَقِينِ . وَفِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِالظَّنِّ فِي الْعَقَائِد .
مِنْ الْكُفْر وَالتَّكْذِيب , خَرَجَتْ مَخْرَج التَّهْدِيد .
أَيْ مِنْ عَذَاب اللَّه ; فَالْحَقّ هُوَ اللَّه . وَقِيلَ " الْحَقّ " هُنَا الْيَقِين ; أَيْ لَيْسَ الظَّنّ كَالْيَقِينِ . وَفِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِالظَّنِّ فِي الْعَقَائِد .
مِنْ الْكُفْر وَالتَّكْذِيب , خَرَجَتْ مَخْرَج التَّهْدِيد .
وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ↓
" أَنْ " مَعَ " يُفْتَرَى " مَصْدَر , وَالْمَعْنَى : وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآن اِفْتِرَاء ; كَمَا تَقُول : فُلَان يُحِبّ أَنْ يَرْكَب , أَيْ يُحِبّ الرُّكُوب , قَالَهُ الْكِسَائِيّ . وَقَالَ الْفَرَّاء : الْمَعْنَى وَمَا يَنْبَغِي لِهَذَا الْقُرْآن أَنْ يُفْتَرَى ; كَقَوْلِهِ : " وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ " [ آل عِمْرَان : 161 ] " وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّة " [ التَّوْبَة : 122 ] . وَقِيلَ : " أَنْ " بِمَعْنَى اللَّام , تَقْدِيره : وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآن لِيُفْتَرَى . وَقِيلَ : بِمَعْنَى لَا , أَيْ لَا يُفْتَرَى . وَقِيلَ : الْمَعْنَى مَا كَانَ يُتَهَيَّأ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْتِي بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآن مِنْ عِنْد غَيْر اللَّه ثُمَّ يَنْسُبهُ إِلَى اللَّه تَعَالَى لِإِعْجَازِهِ ; لِوَصْفِهِ وَمَعَانِيه وَتَأْلِيفه .
قَالَ الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء وَمُحَمَّد بْن سَعْدَان : التَّقْدِير وَلَكِنْ كَانَ تَصْدِيق ; وَيَجُوز عِنْدهمْ الرَّفْع بِمَعْنَى : وَلَكِنْ هُوَ تَصْدِيق . " الَّذِي بَيْن يَدَيْهِ " أَيْ مِنْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَغَيْرهمَا مِنْ الْكُتُب , فَإِنَّهَا قَدْ بَشَّرَتْ بِهِ فَجَاءَ مُصَدِّقًا لَهَا فِي تِلْكَ الْبِشَارَة , وَفِي الدُّعَاء إِلَى التَّوْحِيد وَالْإِيمَان بِالْقِيَامَةِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَلَكِنْ تَصْدِيق النَّبِيّ بَيْن يَدَيْ الْقُرْآن وَهُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُمْ شَاهَدُوهُ قَبْل أَنْ سَمِعُوا مِنْهُ الْقُرْآن .
بِالنَّصْبِ وَالرَّفْع عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي تَصْدِيق . وَالتَّفْصِيل التَّبْيِين , أَيْ يُبَيِّن مَا فِي كُتُب اللَّه الْمُتَقَدِّمَة . وَالْكِتَاب اِسْم الْجِنْس . وَقِيلَ : أَرَادَ بِتَفْصِيلِ الْكِتَاب مَا بَيَّنَ فِي الْقُرْآن مِنْ الْأَحْكَام .
الْهَاء عَائِدَة لِلْقُرْآنِ , أَيْ لَا شَكَّ فِيهِ أَيْ فِي نُزُوله مِنْ قِبَل اللَّه تَعَالَى .
قَالَ الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء وَمُحَمَّد بْن سَعْدَان : التَّقْدِير وَلَكِنْ كَانَ تَصْدِيق ; وَيَجُوز عِنْدهمْ الرَّفْع بِمَعْنَى : وَلَكِنْ هُوَ تَصْدِيق . " الَّذِي بَيْن يَدَيْهِ " أَيْ مِنْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَغَيْرهمَا مِنْ الْكُتُب , فَإِنَّهَا قَدْ بَشَّرَتْ بِهِ فَجَاءَ مُصَدِّقًا لَهَا فِي تِلْكَ الْبِشَارَة , وَفِي الدُّعَاء إِلَى التَّوْحِيد وَالْإِيمَان بِالْقِيَامَةِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَلَكِنْ تَصْدِيق النَّبِيّ بَيْن يَدَيْ الْقُرْآن وَهُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُمْ شَاهَدُوهُ قَبْل أَنْ سَمِعُوا مِنْهُ الْقُرْآن .
بِالنَّصْبِ وَالرَّفْع عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي تَصْدِيق . وَالتَّفْصِيل التَّبْيِين , أَيْ يُبَيِّن مَا فِي كُتُب اللَّه الْمُتَقَدِّمَة . وَالْكِتَاب اِسْم الْجِنْس . وَقِيلَ : أَرَادَ بِتَفْصِيلِ الْكِتَاب مَا بَيَّنَ فِي الْقُرْآن مِنْ الْأَحْكَام .
الْهَاء عَائِدَة لِلْقُرْآنِ , أَيْ لَا شَكَّ فِيهِ أَيْ فِي نُزُوله مِنْ قِبَل اللَّه تَعَالَى .
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ↓
أَمْ هَاهُنَا فِي مَوْضِع أَلِف الِاسْتِفْهَام لِأَنَّهَا اِتَّصَلَتْ بِمَا قَبْلهَا . وَقِيلَ : هِيَ أَمْ الْمُنْقَطِعَة الَّتِي تُقَدَّر بِمَعْنَى بَلْ وَالْهَمْزَة ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " الم تَنْزِيل الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ اِفْتَرَاهُ " [ السَّجْدَة : 1 - 2 - 3 ] أَيْ بَلْ أَيَقُولُونَ اِفْتَرَاهُ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : أَمْ بِمَعْنَى الْوَاو , مَجَازه : وَيَقُولُونَ اِفْتَرَاهُ . وَقِيلَ : الْمِيم صِلَة , وَالتَّقْدِير : أَيَقُولُونَ اِفْتَرَاهُ , أَيْ اِخْتَلَقَ مُحَمَّد الْقُرْآن مِنْ قِبَل نَفْسه , فَهُوَ اِسْتِفْهَام مَعْنَاهُ التَّقْرِيع .
وَمَعْنَى الْكَلَام الِاحْتِجَاج , فَإِنَّ الْآيَة الْأُولَى دَلَّتْ عَلَى كَوْن الْقُرْآن مِنْ عِنْد اللَّه ; لِأَنَّهُ مُصَدِّق الَّذِي بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْكُتُب وَمُوَافِق لَهَا مِنْ غَيْر أَنْ يَتَعَلَّم مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام عَنْ أَحَد . وَهَذِهِ الْآيَة إِلْزَام بِأَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْله إِنْ كَانَ مُفْتَرًى . وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي إِعْجَاز الْقُرْآن , وَأَنَّهُ مُعْجِز فِي مُقَدِّمَة الْكِتَاب , وَالْحَمْد لِلَّهِ .
وَمَعْنَى الْكَلَام الِاحْتِجَاج , فَإِنَّ الْآيَة الْأُولَى دَلَّتْ عَلَى كَوْن الْقُرْآن مِنْ عِنْد اللَّه ; لِأَنَّهُ مُصَدِّق الَّذِي بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْكُتُب وَمُوَافِق لَهَا مِنْ غَيْر أَنْ يَتَعَلَّم مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام عَنْ أَحَد . وَهَذِهِ الْآيَة إِلْزَام بِأَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْله إِنْ كَانَ مُفْتَرًى . وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي إِعْجَاز الْقُرْآن , وَأَنَّهُ مُعْجِز فِي مُقَدِّمَة الْكِتَاب , وَالْحَمْد لِلَّهِ .
بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ↓
أَيْ كَذَّبُوا بِالْقُرْآنِ وَهُمْ جَاهِلُونَ بِمَعَانِيهِ وَتَفْسِيره , وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَعْلَمُوا ذَلِكَ بِالسُّؤَالِ ; فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ يَجِب أَنْ يُنْظَر فِي التَّأْوِيل .
أَيْ وَلَمْ يَأْتِهِمْ حَقِيقَة عَاقِبَة التَّكْذِيب مِنْ نُزُول الْعَذَاب بِهِمْ . أَوْ كَذَّبُوا بِمَا فِي الْقُرْآن مِنْ ذِكْر الْبَعْث وَالْجَنَّة وَالنَّار , وَلَمْ يَأْتِهِمْ تَأْوِيله أَيْ حَقِيقَة مَا وُعِدُوا فِي الْكِتَاب ; قَالَهُ الضَّحَّاك . وَقِيلَ لِلْحُسَيْنِ بْن الْفَضْل : هَلْ تَجِد فِي الْقُرْآن ( مَنْ جَهِلَ شَيْئًا عَادَاهُ ) قَالَ نَعَمْ , فِي مَوْضِعَيْنِ : " بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ " وَقَوْله : " وَإِذَا لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْك قَدِيم " [ الْأَحْقَاف : 11 ] .
يُرِيد الْأُمَم الْخَالِيَة , أَيْ كَذَا كَانَتْ سَبِيلهمْ . وَالْكَاف فِي مَوْضِع نَصْب .
أَيْ أَخَذَهُمْ بِالْهَلَاكِ وَالْعَذَاب .
أَيْ وَلَمْ يَأْتِهِمْ حَقِيقَة عَاقِبَة التَّكْذِيب مِنْ نُزُول الْعَذَاب بِهِمْ . أَوْ كَذَّبُوا بِمَا فِي الْقُرْآن مِنْ ذِكْر الْبَعْث وَالْجَنَّة وَالنَّار , وَلَمْ يَأْتِهِمْ تَأْوِيله أَيْ حَقِيقَة مَا وُعِدُوا فِي الْكِتَاب ; قَالَهُ الضَّحَّاك . وَقِيلَ لِلْحُسَيْنِ بْن الْفَضْل : هَلْ تَجِد فِي الْقُرْآن ( مَنْ جَهِلَ شَيْئًا عَادَاهُ ) قَالَ نَعَمْ , فِي مَوْضِعَيْنِ : " بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ " وَقَوْله : " وَإِذَا لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْك قَدِيم " [ الْأَحْقَاف : 11 ] .
يُرِيد الْأُمَم الْخَالِيَة , أَيْ كَذَا كَانَتْ سَبِيلهمْ . وَالْكَاف فِي مَوْضِع نَصْب .
أَيْ أَخَذَهُمْ بِالْهَلَاكِ وَالْعَذَاب .
وَمِنْهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ ↓
قِيلَ : الْمُرَاد أَهْل مَكَّة , أَيْ وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِن بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَل وَإِنْ طَالَ تَكْذِيبه ; لِعِلْمِهِ تَعَالَى السَّابِق فِيهِمْ أَنَّهُمْ مِنْ السُّعَدَاء . وَ " مَنْ " رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر فِي الْمَجْرُور . وَكَذَا .
وَالْمَعْنَى وَمِنْهُمْ مَنْ يُصِرّ عَلَى كُفْره حَتَّى يَمُوت ; كَأَبِي طَالِب وَأَبِي لَهَب وَنَحْوهمَا . وَقِيلَ : الْمُرَاد أَهْل الْكِتَاب . وَقِيلَ : هُوَ عَامّ فِي جَمِيع الْكُفَّار ; وَهُوَ الصَّحِيح . وَقِيلَ . إِنَّ الضَّمِير فِي " بِهِ " يَرْجِع إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَأَعْلَمَ اللَّه سُبْحَانه أَنَّهُ إِنَّمَا أَخَّرَ الْعُقُوبَة لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ سَيُؤْمِنُ .
أَيْ مَنْ يُصِرّ عَلَى كُفْره ; وَهَذَا تَهْدِيد لَهُمْ .
وَالْمَعْنَى وَمِنْهُمْ مَنْ يُصِرّ عَلَى كُفْره حَتَّى يَمُوت ; كَأَبِي طَالِب وَأَبِي لَهَب وَنَحْوهمَا . وَقِيلَ : الْمُرَاد أَهْل الْكِتَاب . وَقِيلَ : هُوَ عَامّ فِي جَمِيع الْكُفَّار ; وَهُوَ الصَّحِيح . وَقِيلَ . إِنَّ الضَّمِير فِي " بِهِ " يَرْجِع إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَأَعْلَمَ اللَّه سُبْحَانه أَنَّهُ إِنَّمَا أَخَّرَ الْعُقُوبَة لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ سَيُؤْمِنُ .
أَيْ مَنْ يُصِرّ عَلَى كُفْره ; وَهَذَا تَهْدِيد لَهُمْ .
وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ ↓
رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ , وَالْمَعْنَى : لِي ثَوَاب عَمَلِي فِي التَّبْلِيغ وَالْإِنْذَار وَالطَّاعَة لِلَّهِ تَعَالَى .
أَيْ جَزَاؤُهُ مِنْ الشِّرْك .
مِثْله ; أَيْ لَا يُؤَاخَذ أَحَد بِذَنْبِ الْآخَر . وَهَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة بِآيَةِ السَّيْف ; فِي قَوْل مُجَاهِد وَالْكَلْبِيّ وَمُقَاتِل وَابْن زَيْد .
أَيْ جَزَاؤُهُ مِنْ الشِّرْك .
مِثْله ; أَيْ لَا يُؤَاخَذ أَحَد بِذَنْبِ الْآخَر . وَهَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة بِآيَةِ السَّيْف ; فِي قَوْل مُجَاهِد وَالْكَلْبِيّ وَمُقَاتِل وَابْن زَيْد .
يُرِيد بِظَوَاهِرِهِمْ , وَقُلُوبهمْ لَا تَعِي شَيْئًا مِمَّا يَقُولهُ مِنْ الْحَقّ وَيَتْلُوهُ مِنْ الْقُرْآن ;
أَيْ لَا تُسْمِع ; فَظَاهِره الِاسْتِفْهَام وَمَعْنَاهُ النَّفْي , وَجَعَلَهُمْ كَالصُّمِّ لِلْخَتْمِ عَلَى قُلُوبهمْ وَالطَّبْع عَلَيْهَا , أَيْ لَا تَقْدِر عَلَى هِدَايَة مَنْ أَصَمَّهُ اللَّه عَنْ سَمَاع الْهُدَى .
وَكَذَا الْمَعْنَى فِي : " وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُر إِلَيْك أَفَأَنْت تَهْدِي الْعُمْي وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ "
أَيْ لَا تُسْمِع ; فَظَاهِره الِاسْتِفْهَام وَمَعْنَاهُ النَّفْي , وَجَعَلَهُمْ كَالصُّمِّ لِلْخَتْمِ عَلَى قُلُوبهمْ وَالطَّبْع عَلَيْهَا , أَيْ لَا تَقْدِر عَلَى هِدَايَة مَنْ أَصَمَّهُ اللَّه عَنْ سَمَاع الْهُدَى .
وَكَذَا الْمَعْنَى فِي : " وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُر إِلَيْك أَفَأَنْت تَهْدِي الْعُمْي وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ "
أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ أَحَدًا لَا يُؤْمِن إِلَّا بِتَوْفِيقِهِ وَهِدَايَته . وَهَذَا وَمَا كَانَ مِثْله يَرُدّ عَلَى الْقَدَرِيَّة قَوْلهمْ ; كَمَا تَقَدَّمَ فِي غَيْر مَوْضِع . وَقَالَ : " يَسْتَمِعُونَ " عَلَى مَعْنَى " مَنْ " وَ " يَنْظُر " عَلَى اللَّفْظ ; وَالْمُرَاد تَسْلِيَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَيْ كَمَا لَا تَقْدِر أَنْ تُسْمِع مَنْ سُلِبَ السَّمْع وَلَا تَقْدِر أَنْ تَخْلُق لِلْأَعْمَى بَصَرًا يَهْتَدِي بِهِ , فَكَذَلِكَ لَا تَقْدِر أَنْ تُوَفِّق هَؤُلَاءِ لِلْإِيمَانِ وَقَدْ حَكَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ أَلَّا يُؤْمِنُوا . وَمَعْنَى : " يَنْظُر إِلَيْك " أَيْ يُدِيم النَّظَر إِلَيْك ; كَمَا قَالَ : " يَنْظُرُونَ إِلَيْك تَدُور أَعْيُنهمْ كَاَلَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْت " [ الْأَحْزَاب : 19 ] قِيلَ : إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمُسْتَهْزِئِينَ , وَاَللَّه أَعْلَم .
لَمَّا ذَكَرَ أَهْل الشَّقَاء ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَظْلِمهُمْ , وَأَنَّ تَقْدِير الشِّفَاء عَلَيْهِمْ وَسَلْب سَمْع الْقَلْب وَبَصَره لَيْسَ ظُلْمًا مِنْهُ ; لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مُلْكه بِمَا شَاءَ , وَهُوَ فِي جَمِيع أَفْعَاله عَادِل . " وَلَكِنَّ النَّاس أَنْفُسهمْ يَظْلِمُونَ " بِالْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَة وَمُخَالَفَة أَمْر خَالِقهمْ . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " وَلَكِنْ " مُخَفَّفًا " النَّاس " رَفْعًا . قَالَ النَّحَّاس : زَعَمَ جَمَاعَة مِنْ النَّحْوِيِّينَ مِنْهُمْ الْفَرَّاء أَنَّ الْعَرَب إِذَا قَالَتْ " وَلَكِنَّ " بِالْوَاوِ آثَرَتْ التَّشْدِيد , وَإِذَا حَذَفُوا الْوَاو آثَرَتْ التَّخْفِيف , وَاعْتَلَّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ : لِأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ بِغَيْرِ وَاو أَشْبَهَتْ بَلْ فَخَفَّفُوهَا لِيَكُونَ مَا بَعْدهَا كَمَا بَعْد بَلْ , وَإِذَا جَاءُوا بِالْوَاوِ خَالَفَتْ بَلْ فَشَدَّدُوهَا وَنَصَبُوا بِهَا , لِأَنَّهَا " إِنَّ " زِيدَتْ عَلَيْهَا لَام وَكَاف وَصُيِّرَتْ حَرْفًا وَاحِد ; وَأَنْشَدَ : وَلَكِنَّنِي مِنْ حُبّهَا لَعَمِيد فَجَاءَ بِاللَّامِ لِأَنَّهَا " إِنَّ " .
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ ↓
بِمَعْنَى كَأَنَّهُمْ خُفِّفَتْ , أَيْ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَلْبَثُوا فِي قُبُورهمْ .
أَيْ قَدْر سَاعَة : يَعْنِي أَنَّهُمْ اسْتَقْصَرُوا طُول مُقَامهمْ فِي الْقُبُور لِهَوْلِ مَا يَرَوْنَ مِنْ الْبَعْث ; دَلِيله قَوْلهمْ : " لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم " [ الْكَهْف : 19 ] . وَقِيلَ : إِنَّمَا قَصُرَتْ مُدَّة لُبْثهمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ هَوْل مَا اِسْتَقْبَلُوا لَا مُدَّة كَوْنهمْ فِي الْقَبْر . اِبْن عَبَّاس : رَأَوْا أَنَّ طُول أَعْمَارهمْ فِي مُقَابَلَة الْخُلُود كَسَاعَةٍ .
فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْحَال مِنْ الْهَاء وَالْمِيم فِي " يَحْشُرهُمْ " . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مُنْقَطِعًا , فَكَأَنَّهُ قَالَ فَهُمْ يَتَعَارَفُونَ . قَالَ الْكَلْبِيّ : يَعْرِف بَعْضهمْ بَعْضًا كَمَعْرِفَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا إِذَا خَرَجُوا مِنْ قُبُورهمْ ; وَهَذَا التَّعَارُف تَعَارُف تَوْبِيخ وَافْتِضَاح ; يَقُول بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : أَنْتَ أَضْلَلْتنِي وَأَغْوَيْتنِي وَحَمَلْتنِي عَلَى الْكُفْر ; وَلَيْسَ تَعَارُف شَفَقَة وَرَأْفَة وَعَطْف . ثُمَّ تَنْقَطِع الْمَعْرِفَة إِذَا عَايَنُوا أَهْوَال يَوْم الْقِيَامَة كَمَا قَالَ : " وَلَا يَسْأَل حَمِيم حَمِيمًا " [ الْمَعَارِج : 10 ] . وَقِيلَ : يَبْقَى تَعَارُف التَّوْبِيخ ; وَهُوَ الصَّحِيح لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ " إِلَى قَوْله " وَجَعَلْنَا الْأَغْلَال فِي أَعْنَاق الَّذِينَ كَفَرُوا " [ سَبَأ : 31 - 33 ] وَقَوْله : " كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّة لَعَنَتْ أُخْتهَا " [ الْأَعْرَاف : 38 ] الْآيَة , وَقَوْله : " رَبّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتنَا وَكُبَرَاءَنَا " [ الْأَحْزَاب : 67 ] الْآيَة . فَأَمَّا قَوْله : " وَلَا يَسْأَل حَمِيم حَمِيمًا " وَقَوْله : " فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّور فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ " [ الْمُؤْمِنُونَ : 101 ] فَمَعْنَاهُ لَا يَسْأَلهُ سُؤَال رَحْمَة وَشَفَقَة , وَاَللَّه أَعْلَم . وَقِيلَ : الْقِيَامَة مَوَاطِن . وَقِيلَ : مَعْنَى " يَتَعَارَفُونَ " يَتَسَاءَلُونَ , أَيْ يَتَسَاءَلُونَ كَمْ لَبِثْتُمْ ; كَمَا قَالَ : " وَأَقْبَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ " [ الصَّافَّات : 27 ] وَهَذَا حَسَن . وَقَالَ الضَّحَّاك : ذَلِكَ تَعَارُف تَعَاطُف الْمُؤْمِنِينَ ; وَالْكَافِرُونَ لَا تَعَاطُف عَلَيْهِمْ ; كَمَا قَالَ : " فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ " . وَالْأَوَّل أَظْهَر , وَاَللَّه أَعْلَم .
أَيْ بِالْعَرْضِ عَلَى اللَّه . ثُمَّ قِيلَ : يَجُوز أَنْ يَكُون هَذَا إِخْبَارًا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بَعْد أَنْ دَلَّ عَلَى الْبَعْث وَالنُّشُور , أَيْ خَسِرُوا ثَوَاب الْجَنَّة . وَقِيلَ : خَسِرُوا فِي حَال لِقَاء اللَّه ; لِأَنَّ الْخُسْرَان إِنَّمَا هُوَ فِي تِلْكَ الْحَالَة الَّتِي لَا يُرْجَى فِيهَا إِقَالَة وَلَا تَنْفَع تَوْبَة . قَالَ النَّحَّاس : وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى يَتَعَارَفُونَ بَيْنهمْ , يَقُولُونَ هَذَا . " وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ " يُرِيد فِي عِلْم اللَّه .
أَيْ قَدْر سَاعَة : يَعْنِي أَنَّهُمْ اسْتَقْصَرُوا طُول مُقَامهمْ فِي الْقُبُور لِهَوْلِ مَا يَرَوْنَ مِنْ الْبَعْث ; دَلِيله قَوْلهمْ : " لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم " [ الْكَهْف : 19 ] . وَقِيلَ : إِنَّمَا قَصُرَتْ مُدَّة لُبْثهمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ هَوْل مَا اِسْتَقْبَلُوا لَا مُدَّة كَوْنهمْ فِي الْقَبْر . اِبْن عَبَّاس : رَأَوْا أَنَّ طُول أَعْمَارهمْ فِي مُقَابَلَة الْخُلُود كَسَاعَةٍ .
فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْحَال مِنْ الْهَاء وَالْمِيم فِي " يَحْشُرهُمْ " . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مُنْقَطِعًا , فَكَأَنَّهُ قَالَ فَهُمْ يَتَعَارَفُونَ . قَالَ الْكَلْبِيّ : يَعْرِف بَعْضهمْ بَعْضًا كَمَعْرِفَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا إِذَا خَرَجُوا مِنْ قُبُورهمْ ; وَهَذَا التَّعَارُف تَعَارُف تَوْبِيخ وَافْتِضَاح ; يَقُول بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : أَنْتَ أَضْلَلْتنِي وَأَغْوَيْتنِي وَحَمَلْتنِي عَلَى الْكُفْر ; وَلَيْسَ تَعَارُف شَفَقَة وَرَأْفَة وَعَطْف . ثُمَّ تَنْقَطِع الْمَعْرِفَة إِذَا عَايَنُوا أَهْوَال يَوْم الْقِيَامَة كَمَا قَالَ : " وَلَا يَسْأَل حَمِيم حَمِيمًا " [ الْمَعَارِج : 10 ] . وَقِيلَ : يَبْقَى تَعَارُف التَّوْبِيخ ; وَهُوَ الصَّحِيح لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ " إِلَى قَوْله " وَجَعَلْنَا الْأَغْلَال فِي أَعْنَاق الَّذِينَ كَفَرُوا " [ سَبَأ : 31 - 33 ] وَقَوْله : " كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّة لَعَنَتْ أُخْتهَا " [ الْأَعْرَاف : 38 ] الْآيَة , وَقَوْله : " رَبّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتنَا وَكُبَرَاءَنَا " [ الْأَحْزَاب : 67 ] الْآيَة . فَأَمَّا قَوْله : " وَلَا يَسْأَل حَمِيم حَمِيمًا " وَقَوْله : " فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّور فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ " [ الْمُؤْمِنُونَ : 101 ] فَمَعْنَاهُ لَا يَسْأَلهُ سُؤَال رَحْمَة وَشَفَقَة , وَاَللَّه أَعْلَم . وَقِيلَ : الْقِيَامَة مَوَاطِن . وَقِيلَ : مَعْنَى " يَتَعَارَفُونَ " يَتَسَاءَلُونَ , أَيْ يَتَسَاءَلُونَ كَمْ لَبِثْتُمْ ; كَمَا قَالَ : " وَأَقْبَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ " [ الصَّافَّات : 27 ] وَهَذَا حَسَن . وَقَالَ الضَّحَّاك : ذَلِكَ تَعَارُف تَعَاطُف الْمُؤْمِنِينَ ; وَالْكَافِرُونَ لَا تَعَاطُف عَلَيْهِمْ ; كَمَا قَالَ : " فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ " . وَالْأَوَّل أَظْهَر , وَاَللَّه أَعْلَم .
أَيْ بِالْعَرْضِ عَلَى اللَّه . ثُمَّ قِيلَ : يَجُوز أَنْ يَكُون هَذَا إِخْبَارًا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بَعْد أَنْ دَلَّ عَلَى الْبَعْث وَالنُّشُور , أَيْ خَسِرُوا ثَوَاب الْجَنَّة . وَقِيلَ : خَسِرُوا فِي حَال لِقَاء اللَّه ; لِأَنَّ الْخُسْرَان إِنَّمَا هُوَ فِي تِلْكَ الْحَالَة الَّتِي لَا يُرْجَى فِيهَا إِقَالَة وَلَا تَنْفَع تَوْبَة . قَالَ النَّحَّاس : وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى يَتَعَارَفُونَ بَيْنهمْ , يَقُولُونَ هَذَا . " وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ " يُرِيد فِي عِلْم اللَّه .
وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ ↓
شَرْط .
أَيْ مِنْ إِظْهَار دِينك فِي حَيَاتك . وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ : كَانَ الْبَعْض الَّذِي وَعَدَهُمْ قَتْل مَنْ قُتِلَ وَأَسْر مَنْ أُسِرَ بِبَدْرٍ .
عَطْف عَلَى " نُرِيَنَّك " أَيْ نَتَوَفَّيَنَّك قَبْل ذَلِكَ .
جَوَاب " إِمَّا " . وَالْمَقْصُود إِنْ لَمْ نَنْتَقِم مِنْهُمْ عَاجِلًا اِنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ آجِلًا .
أَيْ شَاهِد لَا يَحْتَاج إِلَى شَاهِد .
مِنْ مُحَارَبَتك وَتَكْذِيبك . وَلَوْ قِيلَ : " ثُمَّ اللَّه شَهِيد " بِمَعْنَى هُنَاكَ , جَازَ .
أَيْ مِنْ إِظْهَار دِينك فِي حَيَاتك . وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ : كَانَ الْبَعْض الَّذِي وَعَدَهُمْ قَتْل مَنْ قُتِلَ وَأَسْر مَنْ أُسِرَ بِبَدْرٍ .
عَطْف عَلَى " نُرِيَنَّك " أَيْ نَتَوَفَّيَنَّك قَبْل ذَلِكَ .
جَوَاب " إِمَّا " . وَالْمَقْصُود إِنْ لَمْ نَنْتَقِم مِنْهُمْ عَاجِلًا اِنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ آجِلًا .
أَيْ شَاهِد لَا يَحْتَاج إِلَى شَاهِد .
مِنْ مُحَارَبَتك وَتَكْذِيبك . وَلَوْ قِيلَ : " ثُمَّ اللَّه شَهِيد " بِمَعْنَى هُنَاكَ , جَازَ .
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ↓
يَكُون الْمَعْنَى : وَلِكُلِّ أُمَّة رَسُول شَاهِد عَلَيْهِمْ , فَإِذَا جَاءَ رَسُولهمْ يَوْم الْقِيَامَة قُضِيَ بَيْنهمْ ; مِثْل . " فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلّ أُمَّة بِشَهِيدٍ " [ النِّسَاء : 41 ] . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : تُنْكِر الْكُفَّار غَدًا مَجِيء الرُّسُل إِلَيْهِمْ , فَيُؤْتَى بِالرَّسُولِ فَيَقُول : قَدْ أَبْلَغْتُكُمْ الرِّسَالَة ; فَحِينَئِذٍ يُقْضَى عَلَيْهِمْ بِالْعَذَابِ . دَلِيله قَوْله : " وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا " . وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَا يُعَذَّبُونَ فِي الدُّنْيَا حَتَّى يُرْسَل إِلَيْهِمْ ; فَمَنْ آمَنَ فَازَ وَنَجَا , وَمَنْ لَمْ يُؤْمِن هَلَكَ وَعُذِّبَ . دَلِيله قَوْله تَعَالَى : " وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَث رَسُولًا " [ الْإِسْرَاء : 15 ] . وَالْقِسْط : الْعَدْل .
أَيْ لَا يُعَذَّبُونَ بِغَيْرِ ذَنْب وَلَا يُؤَاخَذُونَ بِغَيْرِ حُجَّة .
أَيْ لَا يُعَذَّبُونَ بِغَيْرِ ذَنْب وَلَا يُؤَاخَذُونَ بِغَيْرِ حُجَّة .
يُرِيد كُفَّار مَكَّة لِفَرْطِ إِنْكَارهمْ وَاسْتِعْجَالهمْ الْعَذَاب ; أَيْ مَتَى الْعِقَاب أَوْ مَتَى الْقِيَامَة الَّتِي يَعِدنَا مُحَمَّد . وَقِيلَ : هُوَ عَامّ فِي كُلّ أُمَّة كَذَّبَتْ رَسُولهَا .
قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ↓
لَمَّا اِسْتَعْجَلُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَذَابِ قَالَ اللَّه لَهُ : قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد لَا أَمْلِك لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ; أَيْ لَيْسَ ذَلِكَ لِي وَلَا لِغَيْرِي .
أَنْ أَمْلِكهُ وَأَقْدِر عَلَيْهِ , فَكَيْفَ أَقْدِر أَنْ أَمْلِك مَا اِسْتَعْجَلْتُمْ فَلَا تَسْتَعْجِلُوا .
أَيْ لِهَلَاكِهِمْ وَعَذَابهمْ وَقْت مَعْلُوم فِي عِلْمه سُبْحَانه .
أَيْ وَقْت اِنْقِضَاء أَجَلهمْ .
أَيْ لَا يُمْكِنهُمْ أَنْ يَسْتَأْخِرُوا سَاعَة بَاقِينَ فِي الدُّنْيَا وَلَا يَتَقَدَّمُونَ فَيُؤَخِّرُونَ .
أَنْ أَمْلِكهُ وَأَقْدِر عَلَيْهِ , فَكَيْفَ أَقْدِر أَنْ أَمْلِك مَا اِسْتَعْجَلْتُمْ فَلَا تَسْتَعْجِلُوا .
أَيْ لِهَلَاكِهِمْ وَعَذَابهمْ وَقْت مَعْلُوم فِي عِلْمه سُبْحَانه .
أَيْ وَقْت اِنْقِضَاء أَجَلهمْ .
أَيْ لَا يُمْكِنهُمْ أَنْ يَسْتَأْخِرُوا سَاعَة بَاقِينَ فِي الدُّنْيَا وَلَا يَتَقَدَّمُونَ فَيُؤَخِّرُونَ .
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ ↓
ظَرْفَانِ , وَهُوَ جَوَاب لِقَوْلِهِمْ : " مَتَى هَذَا الْوَعْد " وَتَسْفِيه لِآرَائِهِمْ فِي اِسْتِعْجَالهمْ الْعَذَاب ; أَيْ إِنْ أَتَاكُمْ الْعَذَاب فَمَا نَفْعكُمْ فِيهِ , وَلَا يَنْفَعكُمْ الْإِيمَان حِينَئِذٍ .
اِسْتِفْهَام مَعْنَاهُ التَّهْوِيل وَالتَّعْظِيم ; أَيْ مَا أَعْظَم مَا يَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ; كَمَا يُقَال لِمَنْ يَطْلُب أَمْرًا يَسْتَوْخِم عَاقِبَته : مَاذَا تَجْنِي عَلَى نَفْسك ! وَالضَّمِير فِي " مِنْهُ " قِيلَ : يَعُود عَلَى الْعَذَاب , وَقِيلَ : يَعُود عَلَى اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى . قَالَ النَّحَّاس : إِنْ جَعَلْت الْهَاء فِي " مِنْهُ " تَعُود عَلَى الْعَذَاب كَانَ لَك فِي " مَاذَا " تَقْدِيرَانِ : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون " مَا " فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ , وَ " ذَا " : بِمَعْنَى الَّذِي , وَهُوَ خَبَر " مَا " وَالْعَائِد مَحْذُوف . وَالتَّقْدِير الْآخَر أَنْ يَكُون " مَاذَا " اِسْمًا وَاحِدًا فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ , وَالْخَبَر فِي الْجُمْلَة , قَالَهُ الزَّجَّاج . وَإِنْ جَعَلْت الْهَاء فِي " مِنْهُ " تَعُود عَلَى اِسْم اللَّه تَعَالَى جَعَلْت " مَا " , وَ " ذَا " شَيْئًا وَاحِدًا , وَكَانَتْ فِي مَوْضِع نَصْب بِ " يَسْتَعْجِل " ; وَالْمَعْنَى : أَيّ شَيْء يَسْتَعْجِل مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ عَنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ .
اِسْتِفْهَام مَعْنَاهُ التَّهْوِيل وَالتَّعْظِيم ; أَيْ مَا أَعْظَم مَا يَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ; كَمَا يُقَال لِمَنْ يَطْلُب أَمْرًا يَسْتَوْخِم عَاقِبَته : مَاذَا تَجْنِي عَلَى نَفْسك ! وَالضَّمِير فِي " مِنْهُ " قِيلَ : يَعُود عَلَى الْعَذَاب , وَقِيلَ : يَعُود عَلَى اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى . قَالَ النَّحَّاس : إِنْ جَعَلْت الْهَاء فِي " مِنْهُ " تَعُود عَلَى الْعَذَاب كَانَ لَك فِي " مَاذَا " تَقْدِيرَانِ : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون " مَا " فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ , وَ " ذَا " : بِمَعْنَى الَّذِي , وَهُوَ خَبَر " مَا " وَالْعَائِد مَحْذُوف . وَالتَّقْدِير الْآخَر أَنْ يَكُون " مَاذَا " اِسْمًا وَاحِدًا فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ , وَالْخَبَر فِي الْجُمْلَة , قَالَهُ الزَّجَّاج . وَإِنْ جَعَلْت الْهَاء فِي " مِنْهُ " تَعُود عَلَى اِسْم اللَّه تَعَالَى جَعَلْت " مَا " , وَ " ذَا " شَيْئًا وَاحِدًا , وَكَانَتْ فِي مَوْضِع نَصْب بِ " يَسْتَعْجِل " ; وَالْمَعْنَى : أَيّ شَيْء يَسْتَعْجِل مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ عَنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ .
فِي الْكَلَام حَذْف , وَالتَّقْدِير : أَتَأْمَنُونَ أَنْ يَنْزِل بِكُمْ الْعَذَاب ثُمَّ يُقَال لَكُمْ إِذَا حَلَّ : الْآن آمَنْتُمْ بِهِ ؟ قِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل الْمَلَائِكَة اِسْتِهْزَاء بِهِمْ . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى , وَدَخَلَتْ أَلِف الِاسْتِفْهَام عَلَى " ثُمَّ " وَالْمَعْنَى : التَّقْرِير وَالتَّوْبِيخ , وَلِيَدُلّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْجُمْلَة الثَّانِيَة بَعْد الْأُولَى . وَقِيلَ : إِنَّ " ثُمَّ " هَاهُنَا بِمَعْنَى : " ثَمَّ " بِفَتْحِ الثَّاء , فَتَكُون ظَرْفًا , وَالْمَعْنَى : أَهُنَالِكَ ; وَهُوَ مَذْهَب الطَّبَرِيّ , وَحِينَئِذٍ لَا يَكُون فِيهِ مَعْنَى الِاسْتِفْهَام . وَ " الْآن " قِيلَ : أَصْله فِعْل مَبْنِيّ مِثْل حَانَ , وَالْأَلِف وَاللَّام لِتَحْوِيلِهِ إِلَى الِاسْم . الْخَلِيل : بُنِيَتْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ , وَالْأَلِف وَاللَّام لِلْعَهْدِ وَالْإِشَارَة إِلَى الْوَقْت , وَهُوَ حَدّ الزَّمَانَيْنِ .
أَيْ بِالْعَذَابِ .
أَيْ بِالْعَذَابِ .
ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ ↓
أَيْ تَقُول لَهُمْ خَزَنَة جَهَنَّم .
أَيْ الَّذِي لَا يَنْقَطِع .
أَيْ جَزَاء كُفْركُمْ .
أَيْ الَّذِي لَا يَنْقَطِع .
أَيْ جَزَاء كُفْركُمْ .
أَيْ يَسْتَخْبِرُونَك يَا مُحَمَّد عَنْ كَوْن الْعَذَاب وَقِيَام السَّاعَة .
اِبْتِدَاء .
سَدّ مَسَدّ الْخَبَر ; وَهَذَا قَوْل سِيبَوَيْهِ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون " هُوَ " مُبْتَدَأ , وَ " أَحَقٌّ " خَبَره .
" إِي " كَلِمَة تَحْقِيق وَإِيجَاب وَتَأْكِيد بِمَعْنَى نَعَمْ .
قَسَم .
جَوَابه , أَيْ كَائِن لَا شَكّ فِيهِ .
أَيْ فَائِتِينَ عَنْ عَذَابه وَمُجَازَاته .
اِبْتِدَاء .
سَدّ مَسَدّ الْخَبَر ; وَهَذَا قَوْل سِيبَوَيْهِ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون " هُوَ " مُبْتَدَأ , وَ " أَحَقٌّ " خَبَره .
" إِي " كَلِمَة تَحْقِيق وَإِيجَاب وَتَأْكِيد بِمَعْنَى نَعَمْ .
قَسَم .
جَوَابه , أَيْ كَائِن لَا شَكّ فِيهِ .
أَيْ فَائِتِينَ عَنْ عَذَابه وَمُجَازَاته .
وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ↓
أَيْ أَشْرَكَتْ وَكَفَرَتْ .
أَيْ مِلْكًا .
أَيْ مِنْ عَذَاب اللَّه , يَعْنِي وَلَا يُقْبَل مِنْهَا ; كَمَا قَالَ : " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّار فَلَنْ يُقْبَل مِنْ أَحَدهمْ مِلْء الْأَرْض ذَهَبًا وَلَوْ اِفْتَدَى بِهِ " [ آل عِمْرَان : 91 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ
أَيْ أَخْفَوْهَا ; يَعْنِي رُؤَسَاءَهُمْ , أَيْ أَخْفَوْا نَدَامَتهمْ عَنْ أَتْبَاعهمْ . وَقِيلَ : " أَسَرُّوا " أَظْهَرُوا , وَالْكَلِمَة مِنْ الْأَضْدَاد , وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَنَّ الْآخِرَة لَيْسَتْ دَار تَجَلُّد وَتَصَبُّر . وَقِيلَ : وَجَدُوا أَلَم الْحَسْرَة فِي قُلُوبهمْ ; لِأَنَّ النَّدَامَة لَا يُمْكِن إِظْهَارهَا . قَالَ كَثِير : فَأَسْرَرْت النَّدَامَة يَوْم نَادَى بِرَدِّ جِمَال غَاضِرَة الْمُنَادِي وَذَكَرَ الْمُبَرِّد فِيهِ وَجْهًا ثَالِثًا : أَنَّهُ بَدَتْ بِالنَّدَامَةِ أَسِرَّة وُجُوههمْ , وَهِيَ تَكَاسِير الْجَبْهَة , وَاحِدهَا سِرَار . وَالنَّدَامَة : الْحَسْرَة لِوُقُوعِ شَيْء أَوْ فَوْت شَيْء , وَأَصْلهَا اللُّزُوم ; وَمِنْهُ النَّدِيم لِأَنَّهُ يُلَازِم الْمَجَالِس . وَفُلَان نَادِم سَادِم . وَالسَّدَم اللَّهَج بِالشَّيْءِ . وَنَدِمَ وَتَنَدَّمَ بِالشَّيْءِ أَيْ اِهْتَمَّ بِهِ . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : السَّدَم ( بِالتَّحْرِيكِ ) النَّدَم وَالْحُزْن ; وَقَدْ سَدِمَ بِالْكَسْرِ أَيْ اِهْتَمَّ وَحَزِنَ وَرَجُل نَادِم سَادِم , وَنَدْمَان سَدْمَان ; وَقِيلَ : هُوَ إِتْبَاع . وَمَاله هَمّ وَلَا سَدَم إِلَّا ذَلِكَ . وَقِيلَ : النَّدَم مَقْلُوب الدَّمَن , وَالدَّمْن اللُّزُوم ; وَمِنْهُ فُلَان مُدْمِن الْخَمْر . وَالدِّمْن : مَا اِجْتَمَعَ فِي الدَّار وَتَلَبَّدَ مِنْ الْأَبْوَال وَالْأَبْعَار ; سُمِّيَ بِهِ لِلُزُومِهِ . وَالدِّمْنَة : الْحِقْد الْمُلَازِم لِلصَّدْرِ , وَالْجَمْع دِمَن . وَقَدْ دَمِنَتْ قُلُوبهمْ بِالْكَسْرِ ; يُقَال : دَمِنْت عَلَى فُلَان أَيْ ضَغِنْت .
وَهَذَا قَبْل الْإِحْرَاق بِالنَّارِ , فَإِذَا وَقَعُوا فِي النَّار أَلْهَتْهُمْ النَّار عَنْ التَّصَنُّع ; بِدَلِيلِ قَوْلهمْ : " رَبّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتنَا " [ الْمُؤْمِنُونَ : 106 ] . فَبَيَّنَ أَنَّهُمْ لَا يَكْتُمُونَ مَا بِهِمْ .
أَيْ بَيْن الرُّؤَسَاء وَالسُّفْل بِالْعَدْلِ .
أَيْ مِلْكًا .
أَيْ مِنْ عَذَاب اللَّه , يَعْنِي وَلَا يُقْبَل مِنْهَا ; كَمَا قَالَ : " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّار فَلَنْ يُقْبَل مِنْ أَحَدهمْ مِلْء الْأَرْض ذَهَبًا وَلَوْ اِفْتَدَى بِهِ " [ آل عِمْرَان : 91 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ
أَيْ أَخْفَوْهَا ; يَعْنِي رُؤَسَاءَهُمْ , أَيْ أَخْفَوْا نَدَامَتهمْ عَنْ أَتْبَاعهمْ . وَقِيلَ : " أَسَرُّوا " أَظْهَرُوا , وَالْكَلِمَة مِنْ الْأَضْدَاد , وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَنَّ الْآخِرَة لَيْسَتْ دَار تَجَلُّد وَتَصَبُّر . وَقِيلَ : وَجَدُوا أَلَم الْحَسْرَة فِي قُلُوبهمْ ; لِأَنَّ النَّدَامَة لَا يُمْكِن إِظْهَارهَا . قَالَ كَثِير : فَأَسْرَرْت النَّدَامَة يَوْم نَادَى بِرَدِّ جِمَال غَاضِرَة الْمُنَادِي وَذَكَرَ الْمُبَرِّد فِيهِ وَجْهًا ثَالِثًا : أَنَّهُ بَدَتْ بِالنَّدَامَةِ أَسِرَّة وُجُوههمْ , وَهِيَ تَكَاسِير الْجَبْهَة , وَاحِدهَا سِرَار . وَالنَّدَامَة : الْحَسْرَة لِوُقُوعِ شَيْء أَوْ فَوْت شَيْء , وَأَصْلهَا اللُّزُوم ; وَمِنْهُ النَّدِيم لِأَنَّهُ يُلَازِم الْمَجَالِس . وَفُلَان نَادِم سَادِم . وَالسَّدَم اللَّهَج بِالشَّيْءِ . وَنَدِمَ وَتَنَدَّمَ بِالشَّيْءِ أَيْ اِهْتَمَّ بِهِ . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : السَّدَم ( بِالتَّحْرِيكِ ) النَّدَم وَالْحُزْن ; وَقَدْ سَدِمَ بِالْكَسْرِ أَيْ اِهْتَمَّ وَحَزِنَ وَرَجُل نَادِم سَادِم , وَنَدْمَان سَدْمَان ; وَقِيلَ : هُوَ إِتْبَاع . وَمَاله هَمّ وَلَا سَدَم إِلَّا ذَلِكَ . وَقِيلَ : النَّدَم مَقْلُوب الدَّمَن , وَالدَّمْن اللُّزُوم ; وَمِنْهُ فُلَان مُدْمِن الْخَمْر . وَالدِّمْن : مَا اِجْتَمَعَ فِي الدَّار وَتَلَبَّدَ مِنْ الْأَبْوَال وَالْأَبْعَار ; سُمِّيَ بِهِ لِلُزُومِهِ . وَالدِّمْنَة : الْحِقْد الْمُلَازِم لِلصَّدْرِ , وَالْجَمْع دِمَن . وَقَدْ دَمِنَتْ قُلُوبهمْ بِالْكَسْرِ ; يُقَال : دَمِنْت عَلَى فُلَان أَيْ ضَغِنْت .
وَهَذَا قَبْل الْإِحْرَاق بِالنَّارِ , فَإِذَا وَقَعُوا فِي النَّار أَلْهَتْهُمْ النَّار عَنْ التَّصَنُّع ; بِدَلِيلِ قَوْلهمْ : " رَبّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتنَا " [ الْمُؤْمِنُونَ : 106 ] . فَبَيَّنَ أَنَّهُمْ لَا يَكْتُمُونَ مَا بِهِمْ .
أَيْ بَيْن الرُّؤَسَاء وَالسُّفْل بِالْعَدْلِ .
أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ↑
كَلِمَة تَنْبِيه لِلسَّامِعِ تُزَاد فِي أَوَّل الْكَلَام ; أَيْ اِنْتَبِهُوا لِمَا أَقُول لَكُمْ
" لَهُ مُلْك السَّمَاوَات وَالْأَرْض " [ الْحَدِيد : 2 ] فَلَا مَانِع يَمْنَعهُ مِنْ إِنْفَاذ مَا وَعَدَهُ .
ذَلِكَ .
" لَهُ مُلْك السَّمَاوَات وَالْأَرْض " [ الْحَدِيد : 2 ] فَلَا مَانِع يَمْنَعهُ مِنْ إِنْفَاذ مَا وَعَدَهُ .
ذَلِكَ .
بَيَّنَ الْمَعْنَى . وَقَدْ تَقَدَّمَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ↓
يَعْنِي قُرَيْشًا
أَيْ وَعْظ .
يَعْنِي الْقُرْآن , فِيهِ مَوَاعِظ وَحِكَم .
أَيْ مِنْ الشَّكّ وَالنِّفَاق وَالْخِلَاف , وَالشِّقَاق .
أَيْ وَرُشْدًا لِمَنْ اِتَّبَعَهُ .
أَيْ نِعْمَة .
خَصَّهُمْ لِأَنَّهُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِالْإِيمَانِ ; وَالْكُلّ صِفَات الْقُرْآن , وَالْعَطْف لِتَأْكِيدِ الْمَدْح . قَالَ الشَّاعِر : إِلَى الْمَلِك الْقَرْم وَابْن الْهُمَام وَلَيْث الْكَتِيبَة فِي الْمُزْدَحَم
أَيْ وَعْظ .
يَعْنِي الْقُرْآن , فِيهِ مَوَاعِظ وَحِكَم .
أَيْ مِنْ الشَّكّ وَالنِّفَاق وَالْخِلَاف , وَالشِّقَاق .
أَيْ وَرُشْدًا لِمَنْ اِتَّبَعَهُ .
أَيْ نِعْمَة .
خَصَّهُمْ لِأَنَّهُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِالْإِيمَانِ ; وَالْكُلّ صِفَات الْقُرْآن , وَالْعَطْف لِتَأْكِيدِ الْمَدْح . قَالَ الشَّاعِر : إِلَى الْمَلِك الْقَرْم وَابْن الْهُمَام وَلَيْث الْكَتِيبَة فِي الْمُزْدَحَم
قَالَ أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ وَابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : فَضْل اللَّه الْقُرْآن , وَرَحْمَته الْإِسْلَام . وَعَنْهُمَا أَيْضًا : فَضْل اللَّه الْقُرْآن , وَرَحْمَته أَنْ جَعَلَكُمْ مِنْ أَهْله . وَعَنْ الْحَسَن وَالضَّحَّاك وَمُجَاهِد وَقَتَادَة : فَضْل اللَّه الْإِيمَان , وَرَحْمَته الْقُرْآن ; عَلَى الْعَكْس مِنْ الْقَوْل الْأَوَّل . وَقِيلَ : غَيْر هَذَا .
إِشَارَة إِلَى الْفَضْل وَالرَّحْمَة . وَالْعَرَب تَأْتِي " بِذَلِكَ " لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْع . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ " فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا " بِالتَّاءِ ; وَهِيَ قِرَاءَة يَزِيد بْن الْقَعْقَاع وَيَعْقُوب وَغَيْرهمَا ; وَفِي الْحَدِيث ( لِتَأْخُذُوا مَصَافّكُمْ ) . وَالْفَرَح لَذَّة فِي الْقَلْب بِإِدْرَاكِ الْمَحْبُوب . وَقَدْ ذَمَّ الْفَرَح فِي مَوَاضِع ; كَقَوْلِهِ : " لَا تَفْرَح إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْفَرِحِينَ " [ الْقَصَص : 76 ] وَقَوْله : " إِنَّهُ لَفَرِح فَخُور " [ هُود : 10 ] وَلَكِنَّهُ مُطْلَق . فَإِذَا قُيِّدَ الْفَرَح لَمْ يَكُنْ ذَمًّا ; لِقَوْلِهِ : " فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله " [ آل عِمْرَان : 170 ] وَهَاهُنَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : " فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا " أَيْ بِالْقُرْآنِ وَالْإِسْلَام فَلْيَفْرَحُوا ; فَقُيِّدَ . قَالَ هَارُون : وَفِي حَرْف أُبَيّ " فَبِذَلِكَ فَافْرَحُوا " . قَالَ النَّحَّاس : سَبِيل الْأَمْر أَنْ يَكُون بِاللَّامِ لِيَكُونَ مَعَهُ حَرْف جَازِم كَمَا أَنَّ مَعَ النَّهْي حَرْفًا ; إِلَّا أَنَّهُمْ يَحْذِفُونَ مِنْ الْأَمْر لِلْمُخَاطَبِ اِسْتِغْنَاء بِمُخَاطَبَتِهِ , وَرُبَّمَا جَاءُوا بِهِ عَلَى الْأَصْل ; مِنْهُ " فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا " .
يَعْنِي فِي الدُّنْيَا . وَقِرَاءَة الْعَامَّة بِالْيَاءِ فِي الْفِعْلَيْنِ ; وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَامِر أَنَّهُ قَرَأَ " فَلْيَفْرَحُوا " بِالْيَاءِ " تَجْمَعُونَ " بِالتَّاءِ خِطَابًا لِلْكَافِرِينَ . وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ قَرَأَ بِالتَّاءِ فِي الْأَوَّل ; وَ " يَجْمَعُونَ " بِالْيَاءِ عَلَى الْعَكْس . وَرَوَى أَبَان عَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ هَدَاهُ اللَّه لِلْإِسْلَامِ وَعَلَّمَهُ الْقُرْآن ثُمَّ شَكَا الْفَاقَة كَتَبَ اللَّه الْفَقْر بَيْن عَيْنَيْهِ إِلَى يَوْم يَلْقَاهُ ثُمَّ تَلَا " قُلْ بِفَضْلِ اللَّه وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ " .
إِشَارَة إِلَى الْفَضْل وَالرَّحْمَة . وَالْعَرَب تَأْتِي " بِذَلِكَ " لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْع . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ " فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا " بِالتَّاءِ ; وَهِيَ قِرَاءَة يَزِيد بْن الْقَعْقَاع وَيَعْقُوب وَغَيْرهمَا ; وَفِي الْحَدِيث ( لِتَأْخُذُوا مَصَافّكُمْ ) . وَالْفَرَح لَذَّة فِي الْقَلْب بِإِدْرَاكِ الْمَحْبُوب . وَقَدْ ذَمَّ الْفَرَح فِي مَوَاضِع ; كَقَوْلِهِ : " لَا تَفْرَح إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْفَرِحِينَ " [ الْقَصَص : 76 ] وَقَوْله : " إِنَّهُ لَفَرِح فَخُور " [ هُود : 10 ] وَلَكِنَّهُ مُطْلَق . فَإِذَا قُيِّدَ الْفَرَح لَمْ يَكُنْ ذَمًّا ; لِقَوْلِهِ : " فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله " [ آل عِمْرَان : 170 ] وَهَاهُنَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : " فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا " أَيْ بِالْقُرْآنِ وَالْإِسْلَام فَلْيَفْرَحُوا ; فَقُيِّدَ . قَالَ هَارُون : وَفِي حَرْف أُبَيّ " فَبِذَلِكَ فَافْرَحُوا " . قَالَ النَّحَّاس : سَبِيل الْأَمْر أَنْ يَكُون بِاللَّامِ لِيَكُونَ مَعَهُ حَرْف جَازِم كَمَا أَنَّ مَعَ النَّهْي حَرْفًا ; إِلَّا أَنَّهُمْ يَحْذِفُونَ مِنْ الْأَمْر لِلْمُخَاطَبِ اِسْتِغْنَاء بِمُخَاطَبَتِهِ , وَرُبَّمَا جَاءُوا بِهِ عَلَى الْأَصْل ; مِنْهُ " فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا " .
يَعْنِي فِي الدُّنْيَا . وَقِرَاءَة الْعَامَّة بِالْيَاءِ فِي الْفِعْلَيْنِ ; وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَامِر أَنَّهُ قَرَأَ " فَلْيَفْرَحُوا " بِالْيَاءِ " تَجْمَعُونَ " بِالتَّاءِ خِطَابًا لِلْكَافِرِينَ . وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ قَرَأَ بِالتَّاءِ فِي الْأَوَّل ; وَ " يَجْمَعُونَ " بِالْيَاءِ عَلَى الْعَكْس . وَرَوَى أَبَان عَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ هَدَاهُ اللَّه لِلْإِسْلَامِ وَعَلَّمَهُ الْقُرْآن ثُمَّ شَكَا الْفَاقَة كَتَبَ اللَّه الْفَقْر بَيْن عَيْنَيْهِ إِلَى يَوْم يَلْقَاهُ ثُمَّ تَلَا " قُلْ بِفَضْلِ اللَّه وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ " .
قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ↓
يُخَاطِب كُفَّار مَكَّة .
" مَا " فِي مَوْضِع نَصْب بِ " أَرَأَيْتُمْ " . وَقَالَ الزَّجَّاج : فِي مَوْضِع نَصْب بِ " أَنْزَلَ " . " وَأَنْزَلَ " بِمَعْنَى خَلَقَ ; كَمَا قَالَ : " وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنْ الْأَنْعَام ثَمَانِيَة أَزْوَاج " [ الزُّمَر : 6 ] . " وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيد فِيهِ بَأْس شَدِيد " [ الْحَدِيد : 25 ] . فَيَجُوز أَنْ يُعَبَّر عَنْ الْخَلْق بِالْإِنْزَالِ ; لِأَنَّ الَّذِي فِي الْأَرْض مِنْ الرِّزْق إِنَّمَا هُوَ بِمَا يَنْزِل مِنْ السَّمَاء مِنْ الْمَطَر .
قَالَ مُجَاهِد : هُوَ مَا حَكَمُوا بِهِ مِنْ تَحْرِيم الْبَحِيرَة وَالسَّائِبَة وَالْوَصِيلَة وَالْحَامِي . وَقَالَ الضَّحَّاك : هُوَ قَوْل اللَّه تَعَالَى : " وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْث وَالْأَنْعَام نَصِيبًا " [ الْأَنْعَام : 136 ] .
أَيْ فِي التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم .
" أَمْ " بِمَعْنَى بَلْ .
هُوَ قَوْلهمْ إِنَّ اللَّه أَمَرَنَا بِهَا . الثَّانِيَة : اِسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَة مَنْ نَفَى الْقِيَاس , وَهَذَا بَعِيد ; فَإِنَّ الْقِيَاس دَلِيل اللَّه تَعَالَى , فَيَكُون التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم مِنْ اللَّه تَعَالَى عِنْد وُجُود دَلَالَة نَصَبَهَا اللَّه تَعَالَى عَلَى الْحُكْم , فَإِنْ خَالَفَ فِي كَوْن الْقِيَاس دَلِيلًا لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ خُرُوج عَنْ هَذَا الْغَرَض وَرُجُوع إِلَى غَيْره .
" مَا " فِي مَوْضِع نَصْب بِ " أَرَأَيْتُمْ " . وَقَالَ الزَّجَّاج : فِي مَوْضِع نَصْب بِ " أَنْزَلَ " . " وَأَنْزَلَ " بِمَعْنَى خَلَقَ ; كَمَا قَالَ : " وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنْ الْأَنْعَام ثَمَانِيَة أَزْوَاج " [ الزُّمَر : 6 ] . " وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيد فِيهِ بَأْس شَدِيد " [ الْحَدِيد : 25 ] . فَيَجُوز أَنْ يُعَبَّر عَنْ الْخَلْق بِالْإِنْزَالِ ; لِأَنَّ الَّذِي فِي الْأَرْض مِنْ الرِّزْق إِنَّمَا هُوَ بِمَا يَنْزِل مِنْ السَّمَاء مِنْ الْمَطَر .
قَالَ مُجَاهِد : هُوَ مَا حَكَمُوا بِهِ مِنْ تَحْرِيم الْبَحِيرَة وَالسَّائِبَة وَالْوَصِيلَة وَالْحَامِي . وَقَالَ الضَّحَّاك : هُوَ قَوْل اللَّه تَعَالَى : " وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْث وَالْأَنْعَام نَصِيبًا " [ الْأَنْعَام : 136 ] .
أَيْ فِي التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم .
" أَمْ " بِمَعْنَى بَلْ .
هُوَ قَوْلهمْ إِنَّ اللَّه أَمَرَنَا بِهَا . الثَّانِيَة : اِسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَة مَنْ نَفَى الْقِيَاس , وَهَذَا بَعِيد ; فَإِنَّ الْقِيَاس دَلِيل اللَّه تَعَالَى , فَيَكُون التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم مِنْ اللَّه تَعَالَى عِنْد وُجُود دَلَالَة نَصَبَهَا اللَّه تَعَالَى عَلَى الْحُكْم , فَإِنْ خَالَفَ فِي كَوْن الْقِيَاس دَلِيلًا لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ خُرُوج عَنْ هَذَا الْغَرَض وَرُجُوع إِلَى غَيْره .
وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ ↓
" يَوْم " مَنْصُوب عَلَى الظَّرْف , أَوْ بِالظَّنِّ ; نَحْو مَا ظَنّك زَيْدًا ; وَالْمَعْنَى : أَيَحْسَبُونَ أَنَّ اللَّه لَا يُؤَاخِذهُمْ بِهِ .
أَيْ فِي التَّأْخِير وَالْإِمْهَال . وَقِيلَ : أَرَادَ أَهْل مَكَّة حِين جَعَلَهُمْ فِي حَرَم آمِن .
يَعْنِي الْكُفَّار .
اللَّه عَلَى نِعَمه وَلَا فِي تَأْخِير الْعَذَاب عَنْهُمْ . وَقِيلَ : " لَا يَشْكُرُونَ " لَا يُوَحِّدُونَ .
أَيْ فِي التَّأْخِير وَالْإِمْهَال . وَقِيلَ : أَرَادَ أَهْل مَكَّة حِين جَعَلَهُمْ فِي حَرَم آمِن .
يَعْنِي الْكُفَّار .
اللَّه عَلَى نِعَمه وَلَا فِي تَأْخِير الْعَذَاب عَنْهُمْ . وَقِيلَ : " لَا يَشْكُرُونَ " لَا يُوَحِّدُونَ .