قِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل جِبْرِيل . وَقِيلَ : مِيكَائِيل , صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمَا , أَوْ غَيْرهمَا مِنْ الْمَلَائِكَة لَهُ صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل فِرْعَوْن فِي نَفْسه , وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ قَوْل اللِّسَان بَلْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي قَلْبه فَقَالَ فِي نَفْسه مَا قَالَ : حَيْثُ لَمْ تَنْفَعهُ النَّدَامَة ; وَنَظِيره . " إِنَّمَا نُطْعِمكُمْ لِوَجْهِ اللَّه " [ الْإِنْسَان : 9 ] أَثْنَى عَلَيْهِمْ الرَّبّ بِمَا فِي ضَمِيرهمْ لَا أَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ بِلَفْظِهِمْ , وَالْكَلَام الْحَقِيقِيّ كَلَام الْقَلْب .
فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ↓
أَيْ نُلْقِيك عَلَى نَجْوَة مِنْ الْأَرْض . وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيل لَمْ يُصَدِّقُوا أَنَّ فِرْعَوْن غَرِقَ , وَقَالُوا : هُوَ أَعْظَم شَأْنًا مِنْ ذَلِكَ , فَأَلْقَاهُ اللَّه عَلَى نَجْوَة مِنْ الْأَرْض , أَيْ مَكَان مُرْتَفِع مِنْ الْبَحْر حَتَّى شَاهَدُوهُ قَالَ أَوْس بْن حَجَر يَصِف مَطَرًا : فَمَنْ بِعَقْوَتِهِ كَمَنْ بِنَجْوَتِهِ وَالْمُسْتَكِين كَمَنْ يَمْشِي بِقِرْوَاحِ وَقَرَأَ الْيَزِيدِيّ وَابْن السَّمَيْقَع " نُنَحِّيك " بِالْحَاءِ مِنْ التَّنْحِيَة , وَحَكَاهَا عَلْقَمَة عَنْ اِبْن مَسْعُود ; أَيْ تَكُون عَلَى نَاحِيَة مِنْ الْبَحْر . قَالَ اِبْن جُرَيْج : فَرُمِيَ بِهِ عَلَى سَاحِل الْبَحْر حَتَّى رَآهُ بَنُو إِسْرَائِيل , وَكَانَ قَصِيرًا أَحْمَر كَأَنَّهُ ثَوْر . وَحَكَى عَلْقَمَة عَنْ عَبْد اللَّه أَنَّهُ قَرَأَ " بِنِدَائِك " مِنْ النِّدَاء . قَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : وَلَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِهِجَاءِ مُصْحَفنَا , إِذْ سَبِيله أَنْ يُكْتَب بِيَاءٍ وَكَاف بَعْد الدَّال ; لِأَنَّ الْأَلِف تَسْقُط مِنْ نِدَائِك فِي تَرْتِيب خَطّ الْمُصْحَف كَمَا سَقَطَ مِنْ الظُّلُمَات وَالسَّمَاوَات , فَإِذَا وَقَعَ بِهَا الْحَذْف اِسْتَوَى هِجَاء بَدَنك وَنِدَائِك , عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَة مَرْغُوب عَنْهَا لِشُذُوذِهَا وَخِلَافهَا مَا عَلَيْهِ عَامَّة الْمُسْلِمِينَ ; وَالْقِرَاءَة سُنَّة يَأْخُذهَا آخِر عَنْ أَوَّل , وَفِي مَعْنَاهَا نَقْص عَنْ تَأْوِيل قِرَاءَتنَا , إِذْ لَيْسَ فِيهَا لِلدِّرْعِ ذِكْر الَّذِي تَتَابَعَتْ الْآثَار بِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيل اِخْتَلَفُوا فِي غَرَق فِرْعَوْن , وَسَأَلُوا اللَّه تَعَالَى , أَنْ يُرِيهِمْ إِيَّاهُ غَرِيقًا فَأَلْقَوْهُ عَلَى نَجْوَة مِنْ الْأَرْض بِبَدَنِهِ وَهُوَ دِرْعه الَّتِي يَلْبَسهَا فِي الْحُرُوب . قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ : وَكَانَتْ دِرْعه مِنْ لُؤْلُؤ مَنْظُوم . وَقِيلَ : مِنْ الذَّهَب وَكَانَ يُعْرَف بِهَا . وَقِيلَ : مِنْ حَدِيد ; قَالَهُ أَبُو صَخْر : وَالْبَدَن الدِّرْع الْقَصِيرَة . وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَة لِلْأَعْشَى : وَبَيْضَاء كَالنِّهْيِ مَوْضُونَة لَهَا قَوْنَس فَوْق جَيْب الْبَدَن وَأَنْشَدَ أَيْضًا لِعَمْرِو بْن مَعْد يَكْرِب : وَمَضَى نِسَاؤُهُمْ بِكُلِّ مُفَاضَة جَدْلَاء سَابِغَة وَبِالْأَبْدَانِ وَقَالَ كَعْب بْن مَالِك : تَرَى الْأَبْدَان فِيهَا مُسْبَغَات عَلَى الْأَبْطَال وَالْيَلَب الْحَصِينَا أَرَادَ بِالْأَبْدَانِ الدُّرُوع وَالْيَلَب الدُّرُوع الْيَمَانِيَّة , كَانَتْ تُتَّخَذ مِنْ الْجُلُود يُخْرَز بَعْضهَا إِلَى بَعْض ; وَهُوَ اِسْم جِنْس , الْوَاحِد يَلَبَة . قَالَ عَمْرو بْن كُلْثُوم : عَلَيْنَا الْبِيض وَالْيَلَب الْيَمَانِي وَأَسْيَاف يَقُمْنَ وَيَنْحَنِينَا وَقِيلَ " بِبَدَنِك " بِجَسَدٍ لَا رُوح فِيهِ ; قَالَهُ مُجَاهِد . قَالَ الْأَخْفَش : وَأَمَّا قَوْل مَنْ قَالَ بِدِرْعِك فَلَيْسَ بِشَيْءٍ . قَالَ أَبُو بَكْر : لِأَنَّهُمْ لَمَّا ضَرِعُوا إِلَى اللَّه يَسْأَلُونَهُ مُشَاهَدَة فِرْعَوْن غَرِيقًا أَبْرَزَهُ لَهُمْ فَرَأَوْا جَسَدًا لَا رُوح فِيهِ , فَلَمَّا رَأَتْهُ بَنُو إِسْرَائِيل قَالُوا نَعَمْ ! يَا مُوسَى هَذَا فِرْعَوْن وَقَدْ غَرِقَ ; فَخَرَجَ الشَّكّ مِنْ قُلُوبهمْ وَابْتَلَعَ الْبَحْر فِرْعَوْن كَمَا كَانَ . فَعَلَى هَذَا " نُنَجِّيك بِبَدَنِك " اِحْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ : أَحَدهمَا - نُلْقِيك عَلَى نَجْوَة مِنْ الْأَرْض . وَالثَّانِي - نُظْهِر جَسَدك الَّذِي لَا رُوح فِيهِ . وَالْقِرَاءَة الشَّاذَّة " بِنِدَائِك " يَرْجِع مَعْنَاهَا إِلَى مَعْنَى قِرَاءَة الْجَمَاعَة , لِأَنَّ النِّدَاء يُفَسَّر تَفْسِيرَيْنِ , أَحَدهمَا - نُلْقِيك بِصِيَاحِك بِكَلِمَةِ التَّوْبَة , وَقَوْلك بَعْد أَنْ أُغْلِقَ بَابهَا وَمَضَى وَقْت قَبُولهَا : " آمَنْت أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيل وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ " [ يُونُس : 90 ] عَلَى مَوْضِع رَفِيع . وَالْآخَر - فَالْيَوْم نَعْزِلك عَنْ غَامِض الْبَحْر بِنِدَائِك لِمَا قُلْت أَنَا رَبّكُمْ الْأَعْلَى ; فَكَانَتْ تَنْجِيَته بِالْبَدَنِ مُعَاقَبَة مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ لَهُ عَلَى مَا فَرَّطَ مِنْ كُفْره الَّذِي مِنْهُ نِدَاؤُهُ الَّذِي اِفْتَرَى فِيهِ وَبَهَتَ , وَادَّعَى الْقُدْرَة وَالْأَمْر الَّذِي يُعْلَم أَنَّهُ كَاذِب فِيهِ وَعَاجِز عَنْهُ وَغَيْر مُسْتَحِقّ لَهُ . قَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : فَقِرَاءَتنَا تَتَضَمَّن مَا فِي الْقِرَاءَة الشَّاذَّة مِنْ الْمَعَانِي وَتَزِيد عَلَيْهَا .
أَيْ لِبَنِي إِسْرَائِيل وَلِمَنْ بَقِيَ مِنْ قَوْم فِرْعَوْن مِمَّنْ لَمْ يُدْرِكهُ الْغَرَق وَلَمْ يَنْتَهِ إِلَيْهِ هَذَا الْخَبَر .
أَيْ مُعْرِضُونَ عَنْ تَأَمُّل آيَاتنَا وَالتَّفَكُّر فِيهَا . وَقُرِئَ " لِمَنْ خَلَفَك " ( بِفَتْحِ اللَّام ) ; أَيْ لِمَنْ بَقِيَ بَعْدك يَخْلُفك فِي أَرْضك . وَقَرَأَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب " لِمَنْ خَلَقَك " بِالْقَافِ ; أَيْ تَكُون آيَة لِخَالِقِك .
أَيْ لِبَنِي إِسْرَائِيل وَلِمَنْ بَقِيَ مِنْ قَوْم فِرْعَوْن مِمَّنْ لَمْ يُدْرِكهُ الْغَرَق وَلَمْ يَنْتَهِ إِلَيْهِ هَذَا الْخَبَر .
أَيْ مُعْرِضُونَ عَنْ تَأَمُّل آيَاتنَا وَالتَّفَكُّر فِيهَا . وَقُرِئَ " لِمَنْ خَلَفَك " ( بِفَتْحِ اللَّام ) ; أَيْ لِمَنْ بَقِيَ بَعْدك يَخْلُفك فِي أَرْضك . وَقَرَأَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب " لِمَنْ خَلَقَك " بِالْقَافِ ; أَيْ تَكُون آيَة لِخَالِقِك .
وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ↓
صِدْق " أَيْ مَنْزِل صِدْق مَحْمُود مُخْتَار , يَعْنِي مِصْر . وَقِيلَ : الْأُرْدُنّ وَفِلَسْطِين . وَقَالَ الضَّحَّاك : هِيَ مِصْر وَالشَّام .
أَيْ مِنْ الثِّمَار وَغَيْرهَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : يَعْنِي قُرَيْظَة وَالنَّضِير وَأَهْل عَصْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل ; فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْتَظِرُونَ خُرُوجه , ثُمَّ لَمَّا خَرَجَ حَسَدُوهُ ; وَلِهَذَا قَالَ
أَيْ فِي أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أَيْ الْقُرْآن , وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْعِلْم بِمَعْنَى الْمَعْلُوم ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْلَمُونَهُ قَبْل خُرُوجه ; قَالَ اِبْن جَرِير الطَّبَرِيّ .
أَيْ يَحْكُم بَيْنهمْ وَيَفْصِل .
فِي الدُّنْيَا , فَيُثِيب الطَّائِع وَيُعَاقِب الْعَاصِي .
أَيْ مِنْ الثِّمَار وَغَيْرهَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : يَعْنِي قُرَيْظَة وَالنَّضِير وَأَهْل عَصْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل ; فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْتَظِرُونَ خُرُوجه , ثُمَّ لَمَّا خَرَجَ حَسَدُوهُ ; وَلِهَذَا قَالَ
أَيْ فِي أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أَيْ الْقُرْآن , وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْعِلْم بِمَعْنَى الْمَعْلُوم ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْلَمُونَهُ قَبْل خُرُوجه ; قَالَ اِبْن جَرِير الطَّبَرِيّ .
أَيْ يَحْكُم بَيْنهمْ وَيَفْصِل .
فِي الدُّنْيَا , فَيُثِيب الطَّائِع وَيُعَاقِب الْعَاصِي .
فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ↓
الْخِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَاد غَيْره , أَيْ لَسْت فِي شَكّ وَلَكِنْ غَيْرك شَكَّ . قَالَ أَبُو عُمَر مُحَمَّد بْن عَبْد الْوَاحِد الزَّاهِد : سَمِعْت الْإِمَامَيْنِ ثَعْلَبًا وَالْمُبَرِّد يَقُولَانِ : مَعْنَى " فَإِنْ كُنْت فِي شَكّ " أَيْ قُلْ يَا مُحَمَّد لِلْكَافِرِ فَإِنْ كُنْت فِي شَكّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْك
أَيْ يَا عَابِد الْوَثَن إِنْ كُنْت فِي شَكّ مِنْ الْقُرْآن فَاسْأَلْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْيَهُود , يَعْنِي عَبْد اللَّه بْن سَلَام وَأَمْثَاله ; لِأَنَّ عَبَدَة الْأَوْثَان كَانُوا يُقِرُّونَ لِلْيَهُودِ أَنَّهُمْ أَعْلَم مِنْهُمْ مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ أَصْحَاب كِتَاب ; فَدَعَاهُمْ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْ يَسْأَلُوا مَنْ يُقِرُّونَ بِأَنَّهُمْ أَعْلَم مِنْهُمْ , هَلْ يَبْعَث اللَّه بِرَسُولٍ مِنْ بَعْد مُوسَى . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : هَذَا خِطَاب لِمَنْ كَانَ لَا يَقْطَع بِتَكْذِيبِ مُحَمَّد وَلَا بِتَصْدِيقِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بَلْ كَانَ فِي شَكّ . وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالْخِطَابِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا غَيْره , وَالْمَعْنَى : لَوْ كُنْت يَلْحَقك الشَّكّ فِيهِ فِيمَا أَخْبَرْنَاك بِهِ فَسَأَلْت أَهْل الْكِتَاب لَأَزَالُوا عَنْك الشَّكّ . وَقِيلَ : الشَّكّ ضِيق الصَّدْر ; أَيْ إِنْ ضَاقَ صَدْرك بِكُفْرِ هَؤُلَاءِ فَاصْبِرْ , وَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَاب مِنْ قَبْلك يُخْبِرُوك صَبْر الْأَنْبِيَاء مِنْ قَبْلك عَلَى أَذَى قَوْمهمْ وَكَيْفَ عَاقِبَة أَمْرهمْ . وَالشَّكّ فِي اللُّغَة أَصْله الضِّيق ; يُقَال : شَكَّ الثَّوْب أَيْ ضَمَّهُ بِخِلَالٍ حَتَّى يَصِير كَالْوِعَاءِ . وَكَذَلِكَ السُّفْرَة تُمَدّ عَلَائِقهَا حَتَّى تَنْقَبِض ; فَالشَّكّ يَقْبِض الصَّدْر وَيَضُمّهُ حَتَّى يَضِيق . وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : الْفَاء مَعَ حُرُوف الشَّرْط لَا تُوجِب . الْفِعْل وَلَا تُثْبِتهُ , وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : ( وَاَللَّه لَا أَشُكّ )
أَيْ الشَّاكِّينَ الْمُرْتَابِينَ .
أَيْ يَا عَابِد الْوَثَن إِنْ كُنْت فِي شَكّ مِنْ الْقُرْآن فَاسْأَلْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْيَهُود , يَعْنِي عَبْد اللَّه بْن سَلَام وَأَمْثَاله ; لِأَنَّ عَبَدَة الْأَوْثَان كَانُوا يُقِرُّونَ لِلْيَهُودِ أَنَّهُمْ أَعْلَم مِنْهُمْ مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ أَصْحَاب كِتَاب ; فَدَعَاهُمْ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْ يَسْأَلُوا مَنْ يُقِرُّونَ بِأَنَّهُمْ أَعْلَم مِنْهُمْ , هَلْ يَبْعَث اللَّه بِرَسُولٍ مِنْ بَعْد مُوسَى . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : هَذَا خِطَاب لِمَنْ كَانَ لَا يَقْطَع بِتَكْذِيبِ مُحَمَّد وَلَا بِتَصْدِيقِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بَلْ كَانَ فِي شَكّ . وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالْخِطَابِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا غَيْره , وَالْمَعْنَى : لَوْ كُنْت يَلْحَقك الشَّكّ فِيهِ فِيمَا أَخْبَرْنَاك بِهِ فَسَأَلْت أَهْل الْكِتَاب لَأَزَالُوا عَنْك الشَّكّ . وَقِيلَ : الشَّكّ ضِيق الصَّدْر ; أَيْ إِنْ ضَاقَ صَدْرك بِكُفْرِ هَؤُلَاءِ فَاصْبِرْ , وَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَاب مِنْ قَبْلك يُخْبِرُوك صَبْر الْأَنْبِيَاء مِنْ قَبْلك عَلَى أَذَى قَوْمهمْ وَكَيْفَ عَاقِبَة أَمْرهمْ . وَالشَّكّ فِي اللُّغَة أَصْله الضِّيق ; يُقَال : شَكَّ الثَّوْب أَيْ ضَمَّهُ بِخِلَالٍ حَتَّى يَصِير كَالْوِعَاءِ . وَكَذَلِكَ السُّفْرَة تُمَدّ عَلَائِقهَا حَتَّى تَنْقَبِض ; فَالشَّكّ يَقْبِض الصَّدْر وَيَضُمّهُ حَتَّى يَضِيق . وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : الْفَاء مَعَ حُرُوف الشَّرْط لَا تُوجِب . الْفِعْل وَلَا تُثْبِتهُ , وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : ( وَاَللَّه لَا أَشُكّ )
أَيْ الشَّاكِّينَ الْمُرْتَابِينَ .
وَالْخِطَاب فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَاد غَيْره .
وَالْخِطَاب فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَاد غَيْره .
أَنَّثَ " كُلًّا " عَلَى الْمَعْنَى ; أَيْ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ الْآيَات .
فَحِينَئِذٍ يُؤْمِنُونَ وَلَا يَنْفَعهُمْ .
فَحِينَئِذٍ يُؤْمِنُونَ وَلَا يَنْفَعهُمْ .
فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ↓
قَالَ الْأَخْفَش وَالْكِسَائِيّ : أَيْ فَهَلَّا . وَفِي مُصْحَف أُبَيّ وَابْن مَسْعُود " فَهَلَّا " وَأَصْل لَوْلَا فِي الْكَلَام التَّحْضِيض أَوْ الدَّلَالَة عَلَى مَنْع أَمْر لِوُجُودِ غَيْره . وَمَفْهُوم مِنْ مَعْنَى الْآيَة نَفْي إِيمَان أَهْل الْقُرَى ثُمَّ اِسْتَثْنَى قَوْم يُونُس ; فَهُوَ بِحَسَبِ اللَّفْظ اِسْتِئْنَاء مُنْقَطِع , وَهُوَ بِحَسَبِ الْمَعْنَى مُتَّصِل ; لِأَنَّ تَقْدِيره مَا آمَنَ أَهْل قَرْيَة إِلَّا قَوْم يُونُس . وَالنَّصْب فِي " قَوْم " هُوَ الْوَجْه , وَكَذَلِكَ أَدْخَلَهُ سِيبَوَيْهِ فِي ( بَاب مَا لَا يَكُون إِلَّا مَنْصُوبًا ) . قَالَ النَّحَّاس : " إِلَّا قَوْم يُونُس " نُصِبَ لِأَنَّهُ اِسْتِئْنَاء لَيْسَ مِنْ الْأَوَّل , أَيْ لَكِنَّ قَوْم يُونُس ; هَذَا قَوْل الْكِسَائِيّ وَالْأَخْفَش وَالْفَرَّاء . وَيَجُوز . " إِلَّا قَوْم يُونُس " بِالرَّفْعِ , وَمِنْ أَحْسَن مَا قِيلَ فِي الرَّفْع مَا قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج قَالَ : يَكُون الْمَعْنَى غَيْر قَوْم يُونُس , فَلَمَّا جَاءَ بِإِلَّا أُعْرِبَ الِاسْم الَّذِي بَعْدهَا بِإِعْرَابِ غَيْر ; كَمَا قَالَ : وَكُلّ أَخ مُفَارِقه أَخُوهُ لَعَمْر أَبِيك إِلَّا الْفَرْقَدَانِ وَرُوِيَ فِي قِصَّة قَوْم يُونُس عَنْ جَمَاعَة مِنْ الْمُفَسِّرِينَ : أَنَّ قَوْم يُونُس كَانُوا بِنِينَوَى مِنْ أَرْض الْمَوْصِل وَكَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَام , فَأَرْسَلَ اللَّه إِلَيْهِمْ يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَام وَتَرْك مَا هُمْ عَلَيْهِ فَأَبَوْا ; فَقِيلَ : إِنَّهُ أَقَامَ يَدْعُوهُمْ تِسْع سِنِينَ فَيَئِسَ مِنْ إِيمَانهمْ ; فَقِيلَ لَهُ : أَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْعَذَاب مُصَبِّحهمْ إِلَى ثَلَاث فَفَعَلَ , وَقَالُوا : هُوَ رَجُل لَا يَكْذِب فَارْقُبُوهُ فَإِنْ أَقَامَ مَعَكُمْ وَبَيْن أَظْهُركُمْ فَلَا عَلَيْكُمْ , وَإِنْ اِرْتَحَلَ عَنْكُمْ فَهُوَ نُزُول الْعَذَاب لَا شَكّ ; فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل تَزَوَّدَ يُونُس وَخَرَجَ عَنْهُمْ فَأَصْبَحُوا فَلَمْ يَجِدُوهُ فَتَابُوا وَدَعَوْا اللَّه وَلَبِسُوا الْمُسُوح وَفَرَّقُوا بَيْن الْأُمَّهَات وَالْأَوْلَاد مِنْ النَّاس وَالْبَهَائِم , وَرَدُّوا الْمَظَالِم فِي تِلْكَ الْحَالَة . وَقَالَ اِبْن مَسْعُود : وَكَانَ الرَّجُل يَأْتِي الْحَجَر قَدْ وَضَعَ عَلَيْهِ أَسَاس بُنْيَانه فَيَقْتَلِعهُ فَيَرُدّهُ ; وَالْعَذَاب مِنْهُمْ فِيمَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس عَلَى ثُلُثَيْ مِيل . وَرُوِيَ عَلَى مِيل . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُمْ غَشِيَتْهُمْ ظُلَّة وَفِيهَا حُمْرَة فَلَمْ تَزَلْ تَدْنُو حَتَّى وَجَدُوا حَرّهَا بَيْن أَكْتَافهمْ . وَقَالَ اِبْن جُبَيْر : غَشِيَهُمْ الْعَذَاب كَمَا يَغْشَى الثَّوْب الْقَبْر , فَلَمَّا صَحَّتْ تَوْبَتهمْ رَفَعَ اللَّه عَنْهُمْ الْعَذَاب . وَقَالَ الطَّبَرِيّ : خُصَّ قَوْم يُونُس مِنْ بَيْن سَائِر الْأُمَم بِأَنْ تِيبَ عَلَيْهِمْ بَعْد مُعَايَنَة الْعَذَاب ; وَذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَة مِنْ الْمُفَسِّرِينَ . وَقَالَ الزَّجَّاج : إِنَّهُمْ لَمْ يَقَع بِهِمْ الْعَذَاب , وَإِنَّمَا رَأَوْا الْعَلَامَة الَّتِي تَدُلّ عَلَى الْعَذَاب , وَلَوْ رَأَوْا عَيْن الْعَذَاب لَمَا نَفَعَهُمْ الْإِيمَان . قُلْت : قَوْل الزَّجَّاج حَسَن ; فَإِنَّ الْمُعَايَنَة الَّتِي لَا تَنْفَع التَّوْبَة مَعَهَا هِيَ التَّلَبُّس بِالْعَذَابِ كَقِصَّةِ فِرْعَوْن , وَلِهَذَا جَاءَ بِقِصَّةِ قَوْم يُونُس عَلَى أَثَر قِصَّة فِرْعَوْن لِأَنَّهُ آمَنَ حِين رَأَى الْعَذَاب فَلَمْ يَنْفَعهُ ذَلِكَ , وَقَوْم يُونُس تَابُوا قَبْل ذَلِكَ . وَيُعَضِّد هَذَا قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( إِنَّ اللَّه يَقْبَل تَوْبَة الْعَبْد مَا لَمْ يُغَرْغِر ) . وَالْغَرْغَرَة الْحَشْرَجَة , وَذَلِكَ هُوَ حَال التَّلَبُّس بِالْمَوْتِ , وَأَمَّا قَبْل ذَلِكَ فَلَا . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ رُوِيَ مَعْنَى مَا قُلْنَاهُ عَنْ اِبْن مَسْعُود , أَنَّ يُونُس لَمَّا وَعَدَهُمْ الْعَذَاب إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام خَرَجَ عَنْهُمْ فَأَصْبَحُوا فَلَمْ يَجِدُوهُ فَتَابُوا وَفَرَّقُوا بَيْن الْأُمَّهَات وَالْأَوْلَاد ; وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ تَوْبَتهمْ قَبْل رُؤْيَة عَلَامَة الْعَذَاب . وَسِيَاتِي مُسْنَدًا مُبَيَّنًا فِي سُورَة " وَالصَّافَّات " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَيَكُون مَعْنَى
أَيْ الْعَذَاب الَّذِي وَعَدَهُمْ بِهِ يُونُس أَنَّهُ يَنْزِل بِهِمْ , لَا أَنَّهُمْ رَأَوْهُ عِيَانًا وَلَا مُخَايَلَة ; وَعَلَى هَذَا لَا إِشْكَال وَلَا تَعَارُض وَلَا خُصُوص , وَاَللَّه أَعْلَم . وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانَ أَهْل نِينَوَى فِي سَابِق الْعِلْم مِنْ السُّعَدَاء . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ الْحَذَر لَا يَرُدّ الْقَدَر , وَإِنَّ الدُّعَاء لَيَرُدّ الْقَدَر . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول : " إِلَّا قَوْم يُونُس لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَاب الْخِزْي فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا " . قَالَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : وَذَلِكَ يَوْم عَاشُورَاء .
قِيلَ إِلَى أَجَلهمْ , قَالَ السُّدِّيّ وَقِيلَ : إِلَى أَنْ يَصِيرُوا إِلَى الْجَنَّة أَوْ إِلَى النَّار ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس .
أَيْ الْعَذَاب الَّذِي وَعَدَهُمْ بِهِ يُونُس أَنَّهُ يَنْزِل بِهِمْ , لَا أَنَّهُمْ رَأَوْهُ عِيَانًا وَلَا مُخَايَلَة ; وَعَلَى هَذَا لَا إِشْكَال وَلَا تَعَارُض وَلَا خُصُوص , وَاَللَّه أَعْلَم . وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانَ أَهْل نِينَوَى فِي سَابِق الْعِلْم مِنْ السُّعَدَاء . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ الْحَذَر لَا يَرُدّ الْقَدَر , وَإِنَّ الدُّعَاء لَيَرُدّ الْقَدَر . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول : " إِلَّا قَوْم يُونُس لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَاب الْخِزْي فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا " . قَالَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : وَذَلِكَ يَوْم عَاشُورَاء .
قِيلَ إِلَى أَجَلهمْ , قَالَ السُّدِّيّ وَقِيلَ : إِلَى أَنْ يَصِيرُوا إِلَى الْجَنَّة أَوْ إِلَى النَّار ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس .
وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ↓
أَيْ لَاضْطَرَّهُمْ إِلَيْهِ . " كُلّهمْ " تَأْكِيد لِ " مَنْ " . " جَمِيعًا " عِنْد سِيبَوَيْهِ نُصِبَ عَلَى الْحَال . وَقَالَ الْأَخْفَش : جَاءَ بِقَوْلِهِ جَمِيعًا بَعْد كُلّ تَأْكِيدًا ; كَقَوْلِهِ : " لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اِثْنَيْنِ " [ النَّحْل : 51 ]
قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرِيصًا عَلَى إِيمَان جَمِيع النَّاس ; فَأَخْبَرَهُ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُؤْمِن إِلَّا مَنْ سَبَقَتْ لَهُ السَّعَادَة فِي الذِّكْر الْأَوَّل , وَلَا يَضِلّ إِلَّا مَنْ سَبَقَتْ لَهُ الشَّقَاوَة فِي الذِّكْر الْأَوَّل . وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالنَّاسِ هُنَا أَبُو طَالِب ; وَهُوَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرِيصًا عَلَى إِيمَان جَمِيع النَّاس ; فَأَخْبَرَهُ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُؤْمِن إِلَّا مَنْ سَبَقَتْ لَهُ السَّعَادَة فِي الذِّكْر الْأَوَّل , وَلَا يَضِلّ إِلَّا مَنْ سَبَقَتْ لَهُ الشَّقَاوَة فِي الذِّكْر الْأَوَّل . وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالنَّاسِ هُنَا أَبُو طَالِب ; وَهُوَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا .
وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ↓
" مَا " نَفْي ; أَيْ مَا يَنْبَغِي أَنْ تُؤْمِن نَفْس إِلَّا بِقَضَائِهِ وَقَدَره وَمَشِيئَته وَإِرَادَته .
وَقَرَأَ الْحَسَن وَأَبُو بَكْر وَالْمُفَضَّل " وَنَجْعَل " بِالنُّونِ عَلَى التَّعْظِيم . وَالرِّجْس : الْعَذَاب ; بِضَمِّ الرَّاء وَكَسْرهَا لُغَتَانِ .
أَمْر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَنَهْيه .
وَقَرَأَ الْحَسَن وَأَبُو بَكْر وَالْمُفَضَّل " وَنَجْعَل " بِالنُّونِ عَلَى التَّعْظِيم . وَالرِّجْس : الْعَذَاب ; بِضَمِّ الرَّاء وَكَسْرهَا لُغَتَانِ .
أَمْر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَنَهْيه .
قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ ↓
أَمْر لِلْكُفَّارِ بِالِاعْتِبَارِ وَالنَّظَر فِي الْمَصْنُوعَات الدَّالَّة عَلَى الصَّانِع وَالْقَادِر عَلَى الْكَمَال . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِي هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْر مَوْضِع مُسْتَوْفًى .
" مَا " نَفْي ; أَيْ وَلَنْ تُغْنِي . وَقِيلَ : اِسْتِفْهَامِيَّة ; التَّقْدِير أَيّ شَيْء تُغْنِي .
أَيْ الدَّلَالَات .
أَيْ الرُّسُل , جَمْع نَذِير , وَهُوَ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أَيْ عَمَّنْ سَبَقَ لَهُ فِي عِلْم اللَّه أَنَّهُ لَا يُؤْمِن .
" مَا " نَفْي ; أَيْ وَلَنْ تُغْنِي . وَقِيلَ : اِسْتِفْهَامِيَّة ; التَّقْدِير أَيّ شَيْء تُغْنِي .
أَيْ الدَّلَالَات .
أَيْ الرُّسُل , جَمْع نَذِير , وَهُوَ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أَيْ عَمَّنْ سَبَقَ لَهُ فِي عِلْم اللَّه أَنَّهُ لَا يُؤْمِن .
فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ ↓
الْأَيَّام هُنَا بِمَعْنَى الْوَقَائِع ; يُقَال : فُلَان عَالِم بِأَيَّامِ الْعَرَب أَيْ بِوَقَائِعِهِمْ . قَالَ قَتَادَة : يَعْنِي وَقَائِع اللَّه فِي قَوْم نُوح وَعَاد وَثَمُود وَغَيْرهمْ . وَالْعَرَب تُسَمِّي الْعَذَاب أَيَّامًا وَالنِّعَم أَيَّامًا ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّه " . وَكُلّ مَا مَضَى لَك مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ فَهُوَ أَيَّام .
أَيْ تَرَبَّصُوا ; وَهَذَا تَهْدِيد وَوَعِيد .
أَيْ تَرَبَّصُوا ; وَهَذَا تَهْدِيد وَوَعِيد .
أَيْ مِنْ سُنَّتنَا إِذَا أَنْزَلْنَا بِقَوْمٍ عَذَابًا أَخْرَجْنَا مِنْ بَيْنهمْ الرُّسُل وَالْمُؤْمِنِينَ , وَ " ثُمَّ " مَعْنَاهُ ثُمَّ اِعْلَمُوا أَنَّا نُنَجِّي رُسُلنَا .
أَيْ وَاجِبًا عَلَيْنَا ; لِأَنَّهُ أَخْبَرَ وَلَا خُلْف فِي خَبَره . وَقَرَأَ يَعْقُوب . " ثُمَّ نُنْجِي " مُخَفَّفًا . وَقَرَأَ الْكِسَائِيّ وَحَفْص وَيَعْقُوب . " نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ " مُخَفَّفًا ; وَشَدَّدَ الْبَاقُونَ ; وَهُمَا لُغَتَانِ فَصَيْحَتَانِ : أَنْجَى يُنْجِي إِنْجَاء , وَنَجَّى يُنَجِّي تَنْجِيَة بِمَعْنًى وَاحِد .
أَيْ وَاجِبًا عَلَيْنَا ; لِأَنَّهُ أَخْبَرَ وَلَا خُلْف فِي خَبَره . وَقَرَأَ يَعْقُوب . " ثُمَّ نُنْجِي " مُخَفَّفًا . وَقَرَأَ الْكِسَائِيّ وَحَفْص وَيَعْقُوب . " نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ " مُخَفَّفًا ; وَشَدَّدَ الْبَاقُونَ ; وَهُمَا لُغَتَانِ فَصَيْحَتَانِ : أَنْجَى يُنْجِي إِنْجَاء , وَنَجَّى يُنَجِّي تَنْجِيَة بِمَعْنًى وَاحِد .
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ↑
يُرِيد كُفَّار مَكَّة .
أَيْ فِي رَيْب مِنْ دِين الْإِسْلَام الَّذِي أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ .
مِنْ الْأَوْثَان الَّتِي لَا تَعْقِل .
أَيْ يُمِيتكُمْ وَيَقْبِض أَرْوَاحكُمْ .
أَيْ الْمُصَدِّقِينَ بِآيَاتِ رَبّهمْ .
أَيْ فِي رَيْب مِنْ دِين الْإِسْلَام الَّذِي أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ .
مِنْ الْأَوْثَان الَّتِي لَا تَعْقِل .
أَيْ يُمِيتكُمْ وَيَقْبِض أَرْوَاحكُمْ .
أَيْ الْمُصَدِّقِينَ بِآيَاتِ رَبّهمْ .
" أَنْ " عَطْف عَلَى " أَنْ أَكُون " أَيْ قِيلَ لِي كُنْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَأَقِمْ وَجْهك . قَالَ اِبْن عَبَّاس : عَمَلك , وَقِيلَ : نَفْسك ; أَيْ اِسْتَقِمْ بِإِقْبَالِك عَلَى مَا أُمِرْت بِهِ مِنْ الدِّين .
أَيْ قَوِيمًا بِهِ مَائِلًا عَنْ كُلّ دِين . قَالَ حَمْزَة بْن عَبْد الْمُطَّلِب ( رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ) : حَمِدْت اللَّه حِين هَدَى فُؤَادِي مِنْ الْإِشْرَاك لِلدِّينِ الْحَنِيف وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَنْعَام " اِشْتِقَاقه وَالْحَمْد لِلَّهِ
أَيْ وَقِيلَ لِي وَلَا تُشْرِك ; وَالْخِطَاب لَهُ وَالْمُرَاد غَيْره ;
أَيْ قَوِيمًا بِهِ مَائِلًا عَنْ كُلّ دِين . قَالَ حَمْزَة بْن عَبْد الْمُطَّلِب ( رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ) : حَمِدْت اللَّه حِين هَدَى فُؤَادِي مِنْ الْإِشْرَاك لِلدِّينِ الْحَنِيف وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَنْعَام " اِشْتِقَاقه وَالْحَمْد لِلَّهِ
أَيْ وَقِيلَ لِي وَلَا تُشْرِك ; وَالْخِطَاب لَهُ وَالْمُرَاد غَيْره ;
وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ ↓
أَيْ لَا تَعْبُد .
إِنْ عَبَدْته .
إِنْ عَصَيْته .
أَيْ عَبَدْت غَيْر اللَّه .
أَيْ الْوَاضِعِينَ الْعِبَادَة فِي غَيْر مَوْضِعهَا .
إِنْ عَبَدْته .
إِنْ عَصَيْته .
أَيْ عَبَدْت غَيْر اللَّه .
أَيْ الْوَاضِعِينَ الْعِبَادَة فِي غَيْر مَوْضِعهَا .
وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ↓
أَيْ يُصِيبك بِهِ .
أَيْ لَا دَافِع
أَيْ يُصِبْك بِرَخَاءٍ وَنِعْمَة
أَيْ بِكُلِّ مَا أَرَادَ مِنْ الْخَيْر وَالشَّرّ .
لِذُنُوبِ عِبَاده وَخَطَايَاهُمْ
بِأَوْلِيَائِهِ فِي الْآخِرَة .
أَيْ لَا دَافِع
أَيْ يُصِبْك بِرَخَاءٍ وَنِعْمَة
أَيْ بِكُلِّ مَا أَرَادَ مِنْ الْخَيْر وَالشَّرّ .
لِذُنُوبِ عِبَاده وَخَطَايَاهُمْ
بِأَوْلِيَائِهِ فِي الْآخِرَة .
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ ↓
أَيْ الْقُرْآن . وَقِيلَ : الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أَيْ صَدَّقَ مُحَمَّدًا وَآمَنَ بِمَا جَاءَ بِهِ .
أَيْ لِخَلَاصِ نَفْسه .
أَيْ تَرَكَ الرَّسُول وَالْقُرْآن وَاتَّبَعَ الْأَصْنَام وَالْأَوْثَان .
أَيْ وَبَال ذَلِكَ عَلَى نَفْسه .
أَيْ بِحَفِيظٍ أَحْفَظ أَعْمَالكُمْ إِنَّمَا أَنَا رَسُول . قَالَ اِبْن عَبَّاس : نَسَخَتْهَا آيَة السَّيْف .
أَيْ صَدَّقَ مُحَمَّدًا وَآمَنَ بِمَا جَاءَ بِهِ .
أَيْ لِخَلَاصِ نَفْسه .
أَيْ تَرَكَ الرَّسُول وَالْقُرْآن وَاتَّبَعَ الْأَصْنَام وَالْأَوْثَان .
أَيْ وَبَال ذَلِكَ عَلَى نَفْسه .
أَيْ بِحَفِيظٍ أَحْفَظ أَعْمَالكُمْ إِنَّمَا أَنَا رَسُول . قَالَ اِبْن عَبَّاس : نَسَخَتْهَا آيَة السَّيْف .
قِيلَ : نُسِخَ بِآيَةِ الْقِتَال : وَقِيلَ : لَيْسَ مَنْسُوخًا ; وَمَعْنَاهُ اِصْبِرْ عَلَى الطَّاعَة وَعَنْ الْمَعْصِيَة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : لَمَّا نَزَلَتْ جَمَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَنْصَار وَلَمْ يَجْمَع مَعَهُمْ غَيْرهمْ فَقَالَ : ( إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ بَعْدِي أَثَرَة فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْض ) وَعَنْ أَنَس بِمِثْلِ ذَلِكَ ; ثُمَّ قَالَ أَنَس : فَلَمْ يَصْبِرُوا فَأَمَرَهُمْ بِالصَّبْرِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى ; وَفِي ذَلِكَ يَقُول عَبْد الرَّحْمَن بْن حَسَّان : أَلَا أَبْلِغْ مُعَاوِيَة بْن حَرْب أَمِير الْمُؤْمِنِينَ نَثَا كَلَامِي بِأَنَّا صَابِرُونَ وَمُنْظِرُوكُمْ إِلَى يَوْم التَّغَابُن وَالْخِصَام
اِبْتِدَاء وَخَبَر ; لِأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَحْكُم إِلَّا بِالْحَقِّ .
اِبْتِدَاء وَخَبَر ; لِأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَحْكُم إِلَّا بِالْحَقِّ .