هُوَ أَيْضًا مِنْ قَوْل الْمَتْبُوعِينَ ; أَيْ وَجَبَ عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ قَوْل رَبّنَا , فَكُلّنَا ذَائِقُونَ الْعَذَاب , كَمَا كَتَبَ اللَّه وَأَخْبَرَ عَلَى أَلْسِنَة الرُّسُل " لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّم مِنْ الْجِنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ " [ السَّجْدَة : 13 ] . وَهَذَا مُوَافِق لِلْحَدِيثِ : ( إِنَّ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ كَتَبَ لِلنَّارِ أَهْلًا وَلِلْجَنَّةِ أَهْلًا لَا يُزَاد فِيهِمْ وَلَا يُنْقَص مِنْهُمْ ) .
أَيْ زَيَّنَّا لَكُمْ مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْر
بِالْوَسْوَسَةِ وَالِاسْتِدْعَاء .
بِالْوَسْوَسَةِ وَالِاسْتِدْعَاء .
الضَّالّ وَالْمُضِلّ .
أَيْ مِثْل هَذَا الْفِعْل
أَيْ الْمُشْرِكِينَ .
أَيْ الْمُشْرِكِينَ .
أَيْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ قُولُوا فَأَضْمَرَ الْقَوْل . وَ " يَسْتَكْبِرُونَ " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى خَبَر كَانَ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى أَنَّهُ خَبَر إِنَّ , وَكَانَ مُلْغَاة . وَلَمَّا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي طَالِب عِنْد مَوْته وَاجْتِمَاع قُرَيْش ( قُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّه تَمْلِكُوا بِهَا الْعَرَب وَتَدِين لَكُمْ بِهَا الْعَجَم ) أَبَوْا وَأَنِفُوا مِنْ ذَلِكَ . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى فِي كِتَابه فَذَكَرَ قَوْمًا اِسْتَكْبَرُوا فَقَالَ : " إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه يَسْتَكْبِرُونَ " ) وَقَالَ تَعَالَى : " إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبهمْ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّة فَأَنْزَلَ اللَّه سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُوله وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَة التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلهَا " [ الْفَتْح : 26 ] وَهِيَ ( لَا إِلَه إِلَّا اللَّه مُحَمَّد رَسُول اللَّه ) اِسْتَكْبَرَ عَنْهَا الْمُشْرِكُونَ يَوْم الْحُدَيْبِيَة يَوْم كَاتَبَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَضِيَّة الْمُدَّة ; ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ الْبَيْهَقِيّ , وَاَلَّذِي قَبْله الْقُشَيْرِيّ .
أَيْ لِقَوْلِ شَاعِر مَجْنُون ; فَرَدَّ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ عَلَيْهِمْ فَقَالَ :
يَعْنِي الْقُرْآن وَالتَّوْحِيد
فِيمَا جَاءُوا بِهِ مِنْ التَّوْحِيد .
فِيمَا جَاءُوا بِهِ مِنْ التَّوْحِيد .
الْأَصْل لَذَائِقُونَ فَحُذِفَتْ النُّون اِسْتِخْفَافًا وَخُفِضَتْ لِلْإِضَافَةِ . وَيَجُوز النَّصْب كَمَا أَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ : فَأَلْفَيْته غَيْرَ مُسْتَقْتِبٍ وَلَا ذَاكِر اللَّه إِلَّا قَلِيلًا وَأَجَازَ سِيبَوَيْهِ " وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةَ " عَلَى هَذَا .
أَيْ إِلَّا بِمَا عَمِلْتُمْ مِنْ الشِّرْك
اِسْتِثْنَاء مِمَّنْ يَذُوق الْعَذَاب . وَقِرَاءَة أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة " الْمُخْلَصِينَ " بِفَتْحِ اللَّام ; يَعْنِي الَّذِينَ أَخْلَصَهُمْ اللَّه لِطَاعَتِهِ وَدِينه وَوِلَايَته . الْبَاقُونَ بِكَسْرِ اللَّام ; أَيْ الَّذِينَ أَخْلَصُوا لِلَّهِ الْعِبَادَة . وَقِيلَ : هُوَ اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع , أَيْ إِنَّكُمْ أَيّهَا الْمُجْرِمُونَ ذَائِقُو الْعَذَاب لَكِنْ عِبَاد اللَّه الْمُخْلَصِينَ لَا يَذُوقُونَ الْعَذَاب .
يَعْنِي الْمُخْلَصِينَ ; أَيْ لَهُمْ عَطِيَّة مَعْلُومَة لَا تَنْقَطِع . قَالَ قَتَادَة : يَعْنِي الْجَنَّة . وَقَالَ غَيْره : يَعْنِي رِزْق الْجَنَّة . وَقِيلَ : هِيَ الْفَوَاكِه الَّتِي ذُكِرَ قَالَ مُقَاتِل : حِين يَشْتَهُونَهُ . وَقَالَ اِبْن السَّائِب : إِنَّهُ بِمِقْدَارِ الْغَدَاة وَالْعَشِيّ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَلَهُمْ رِزْقهمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا " [ مَرْيَم : 62 ] .
جَمْع فَاكِهَة ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ " [ الطُّور : 22 ] وَهِيَ الثِّمَار كُلُّهَا رَطْبُهَا وَيَابِسُهَا ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس .
أَيْ وَلَهُمْ إِكْرَام مِنْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بِرَفْعِ الدَّرَجَات وَسَمَاع كَلَامه وَلِقَائِهِ .
أَيْ وَلَهُمْ إِكْرَام مِنْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بِرَفْعِ الدَّرَجَات وَسَمَاع كَلَامه وَلِقَائِهِ .
أَيْ فِي بَسَاتِين يَتَنَعَّمُونَ فِيهَا . وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْجِنَان سَبْع فِي سُورَة [ يُونُس ] مِنْهَا النَّعِيم .
قَالَ عِكْرِمَة وَمُجَاهِد : لَا يَنْظُر بَعْضهمْ فِي قَفَا بَعْض تَوَاصُلًا وَتَحَابُبًا . وَقِيلَ : الْأَسِرَّة تَدُور كَيْف شَاءُوا فَلَا يَرَى أَحَد قَفَا أَحَد . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : عَلَى سُرُر مُكَلَّلَة بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوت وَالزَّبَرْجَد ; السَّرِير مَا بَيْن صَنْعَاء إِلَى الْجَابِيَة , وَمَا بَيْن عَدَن إِلَى أَيْلَة . وَقِيلَ : تَدُور بِأَهْلِ الْمَنْزِل الْوَاحِد . وَاَللَّه أَعْلَم .
لَمَّا ذَكَرَ مَطَاعِمَهُمْ ذَكَرَ شَرَابَهُمْ . وَالْكَأْس عِنْد أَهْل اللُّغَة اِسْم شَامِل لِكُلِّ إِنَاء مَعَ شَرَابه ; فَإِنْ كَانَ فَارِغًا فَلَيْسَ بِكَأْسٍ . قَالَ الضَّحَّاك وَالسُّدِّيّ : كُلّ كَأْس فِي الْقُرْآن فَهِيَ الْخَمْر , وَالْعَرَب تَقُول لِلْإِنَاءِ إِذَا كَانَ فِيهِ خَمْر كَأْس , فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَمْر قَالُوا إِنَاء وَقَدَح . النَّحَّاس : وَحَكَى مَنْ يُوثَق بِهِ مِنْ أَهْل اللُّغَة أَنَّ الْعَرَب تَقُول لِلْقَدَحِ إِذَا كَانَ فِيهِ خَمْر : كَأْس ; فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَمْر فَهُوَ قَدَح ; كَمَا يُقَال لِلْخُوَانِ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ طَعَام : مَائِدَة ; فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ طَعَام لَمْ تَقُلْ لَهُ مَائِدَة . قَالَ أَبُو الْحَسَن بْن كَيْسَان : وَمِنْهُ ظَعِينَة لِلْهَوْدَجِ إِذَا كَانَ فِيهِ الْمَرْأَة . وَقَالَ الزَّجَّاج : " بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ " أَيْ مِنْ خَمْر تَجْرِي كَمَا تَجْرِي الْعُيُون عَلَى وَجْه الْأَرْض . وَالْمَعِين : الْمَاء الْجَارِي الظَّاهِر .
صِفَة لِلْكَأْسِ . وَقِيلَ : لِلْخَمْرِ . قَالَ الْحَسَن : خَمْر الْجَنَّة أَشَدّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَن . وَقِيلَ : " بَيْضَاء " أَيْ لَمْ يَعْتَصِرْهَا الرِّجَال بِأَقْدَامِهِمْ .
" لَذَّة " قَالَ الزَّجَّاج : أَيْ ذَات لَذَّة فَحُذِفَ الْمُضَاف . وَقِيلَ : هُوَ مَصْدَر جُعِلَ اِسْمًا أَيْ بَيْضَاء لَذِيذَة ; يُقَال شَرَاب لَذّ وَلَذِيذ , مِثْل نَبَات غَضّ وَغَضِيض . فَأَمَّا قَوْل الْقَائِل : وَلَذٍّ كَطَعْمِ الصَّرْخَدِيّ تَرَكْته بِأَرْضِ الْعِدَا مِنْ خَشْيَة الْحَدَثَانِ فَإِنَّهُ يُرِيد النَّوْم .
" لَذَّة " قَالَ الزَّجَّاج : أَيْ ذَات لَذَّة فَحُذِفَ الْمُضَاف . وَقِيلَ : هُوَ مَصْدَر جُعِلَ اِسْمًا أَيْ بَيْضَاء لَذِيذَة ; يُقَال شَرَاب لَذّ وَلَذِيذ , مِثْل نَبَات غَضّ وَغَضِيض . فَأَمَّا قَوْل الْقَائِل : وَلَذٍّ كَطَعْمِ الصَّرْخَدِيّ تَرَكْته بِأَرْضِ الْعِدَا مِنْ خَشْيَة الْحَدَثَانِ فَإِنَّهُ يُرِيد النَّوْم .
أَيْ لَا تَغْتَال عُقُولهمْ , وَلَا يُصِيبهُمْ مِنْهَا مَرَض وَلَا صُدَاع .
أَيْ لَا تَذْهَب عُقُولهمْ بِشُرْبِهَا ; يُقَال : الْخَمْر غَوْل لِلْحِلْمِ , وَالْحَرْب غَوْل لِلنُّفُوسِ ; أَيْ تَذْهَب بِهَا . وَيُقَال : نُزِفَ الرَّجُل يُنْزَف فَهُوَ مَنْزُوف وَنَزِيف إِذَا سَكِرَ . قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : وَإِذْ هِيَ تَمْشِي كَمَشْيِ النَّزِيـ ـفِ يَصْرَعُهُ بِالْكَثِيبِ الْبَهَرْ وَقَالَ أَيْضًا : نَزِيفٌ إِذَا قَامَتْ لِوَجْهٍ تَمَايَلَتْ تُرَاشِي الْفُؤَادَ الرُّخْصَ أَلَّا تَخَتَّرَا وَقَالَ آخَر : فَلَثَمْت فَاهَا آخِذًا بِقُرُونِهَا شُرْبَ النَّزِيفِ بِبَرْدِ مَاءِ الْحَشْرَجِ وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ بِكَسْرِ الزَّاي ; مِنْ أَنْزَفَ الْقَوْمُ إِذَا حَانَ مِنْهُمْ النَّزْف وَهُوَ السُّكْر . يُقَال : أَحْصَدَ الزَّرْع إِذَا حَانَ حَصَاده , وَأَقْطَفَ الْكَرْم إِذَا حَانَ قِطَافُهُ , وَأَرْكَبَ الْمُهْرُ إِذَا حَانَ رُكُوبُهُ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَا يُنْفِدُونَ شَرَابَهُمْ ; لِأَنَّهُ دَأْبُهُمْ ; يُقَال : أَنْزَفَ الرَّجُل فَهُوَ مَنْزُوف إِذَا فَنِيَتْ خَمْرُهُ . قَالَ الْحُطَيْئَة : لَعَمْرِي لَئِنْ أَنْزَفْتُمُ أَوْ صَحَوْتُمُ لَبِئْسَ النَّدَامَى كُنْتُمُ آلَ أَبْجَرَا النَّحَّاس : وَالْقِرَاءَة الْأُولَى أَبْيَن وَأَصَحّ فِي الْمَعْنَى ; لِأَنَّ مَعْنَى " يُنْزَفُونَ " عِنْد جِلَّة أَهْل التَّفْسِير مِنْهُمْ مُجَاهِد لَا تَذْهَب عُقُولهمْ ; فَنَفَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ خَمْر الْجَنَّة الْآفَات الَّتِي تَلْحَق فِي الدُّنْيَا مِنْ خَمْرهَا مِنْ الصُّدَاع وَالسُّكْر . وَمَعْنَى " يُنْزَفُونَ " الصَّحِيح فِيهِ أَنَّهُ يُقَال : أَنْزَفَ الرَّجُل إِذَا نَفِدَ شَرَابه , وَهُوَ يَبْعُد أَنْ يُوصَف بِهِ شَرَاب الْجَنَّة ; وَلَكِنَّ مَجَازه أَنْ يَكُون بِمَعْنَى لَا يَنْفَد أَبَدًا . وَقِيلَ : " لَا يُنْزِفُونَ " بِكَسْرِ الزَّاي لَا يَسْكَرُونَ ; ذَكَرَهُ الزَّجَّاج وَأَبُو عَلِيّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ . الْمَهْدَوِيّ : وَلَا يَكُون مَعْنَاهُ يَسْكَرُونَ ; لِأَنَّ قَبْله " لَا فِيهَا غَوْل " . أَيْ لَا تَغْتَال عُقُولهمْ فَيَكُون تَكْرَارًا ; وَيَسُوغ ذَلِكَ فِي [ الْوَاقِعَة ] . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَى " لَا فِيهَا غَوْل " لَا يَمْرَضُونَ ; فَيَكُون مَعْنَى " وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزِفُونَ " لَا يَسْكَرُونَ أَوْ لَا يَنْفَد شَرَابهمْ . قَالَ قَتَادَة الْغَوْل وَجَع الْبَطْن . وَكَذَا رَوَى اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد " لَا فِيهَا غَوْل " قَالَ لَا فِيهَا وَجَع بَطْن . الْحَسَن : صُدَاع . وَهُوَ قَوْل اِبْن عَبَّاس : " لَا فِيهَا غَوْل " لَا فِيهَا صُدَاع . وَحَكَى الضَّحَّاك عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : فِي الْخَمْر أَرْبَع خِصَال : السُّكْر وَالصُّدَاع وَالْقَيْء وَالْبَوْل ; فَذَكَرَ اللَّه خَمْر الْجَنَّة فَنَزَّهَهَا عَنْ هَذِهِ الْخِصَال . مُجَاهِد : دَاء . اِبْن كَيْسَان : مَغَص . وَهَذِهِ الْأَقْوَال مُتَقَارِبَة . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : " لَا فِيهَا غَوْل " أَيْ إِثْم ; نَظِيره : " لَا لَغْو فِيهَا وَلَا تَأْثِيم " [ الطُّور : 23 ] . وَقَالَ الشَّعْبِيّ وَالسُّدِّيّ وَأَبُو عُبَيْدَة : لَا تَغْتَال عُقُولهمْ فَتَذْهَب بِهَا . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : وَمَا زَالَتْ الْكَأْسُ تَغْتَالُنَا وَتَذْهَب بِالْأَوَّلِ الْأَوَّلِ أَيْ تَصْرَع وَاحِدًا وَاحِدًا . وَإِنَّمَا صَرَفَ اللَّه تَعَالَى السُّكْر عَنْ أَهْل الْجَنَّة لِئَلَّا يَنْقَطِع الِالْتِذَاذ عَنْهُمْ بِنَعِيمِهِمْ . وَقَالَ أَهْل الْمَعَانِي : الْغَوْل فَسَاد يَلْحَق فِي خَفَاء . يُقَال : اِغْتَالَهُ اِغْتِيَالًا إِذَا أَفْسَدَ عَلَيْهِ أَمْره فِي خُفْيَة . وَمِنْهُ الْغَوْل وَالْغِيلَة : وَهُوَ الْقَتْل خُفْيَة .
أَيْ لَا تَذْهَب عُقُولهمْ بِشُرْبِهَا ; يُقَال : الْخَمْر غَوْل لِلْحِلْمِ , وَالْحَرْب غَوْل لِلنُّفُوسِ ; أَيْ تَذْهَب بِهَا . وَيُقَال : نُزِفَ الرَّجُل يُنْزَف فَهُوَ مَنْزُوف وَنَزِيف إِذَا سَكِرَ . قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : وَإِذْ هِيَ تَمْشِي كَمَشْيِ النَّزِيـ ـفِ يَصْرَعُهُ بِالْكَثِيبِ الْبَهَرْ وَقَالَ أَيْضًا : نَزِيفٌ إِذَا قَامَتْ لِوَجْهٍ تَمَايَلَتْ تُرَاشِي الْفُؤَادَ الرُّخْصَ أَلَّا تَخَتَّرَا وَقَالَ آخَر : فَلَثَمْت فَاهَا آخِذًا بِقُرُونِهَا شُرْبَ النَّزِيفِ بِبَرْدِ مَاءِ الْحَشْرَجِ وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ بِكَسْرِ الزَّاي ; مِنْ أَنْزَفَ الْقَوْمُ إِذَا حَانَ مِنْهُمْ النَّزْف وَهُوَ السُّكْر . يُقَال : أَحْصَدَ الزَّرْع إِذَا حَانَ حَصَاده , وَأَقْطَفَ الْكَرْم إِذَا حَانَ قِطَافُهُ , وَأَرْكَبَ الْمُهْرُ إِذَا حَانَ رُكُوبُهُ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَا يُنْفِدُونَ شَرَابَهُمْ ; لِأَنَّهُ دَأْبُهُمْ ; يُقَال : أَنْزَفَ الرَّجُل فَهُوَ مَنْزُوف إِذَا فَنِيَتْ خَمْرُهُ . قَالَ الْحُطَيْئَة : لَعَمْرِي لَئِنْ أَنْزَفْتُمُ أَوْ صَحَوْتُمُ لَبِئْسَ النَّدَامَى كُنْتُمُ آلَ أَبْجَرَا النَّحَّاس : وَالْقِرَاءَة الْأُولَى أَبْيَن وَأَصَحّ فِي الْمَعْنَى ; لِأَنَّ مَعْنَى " يُنْزَفُونَ " عِنْد جِلَّة أَهْل التَّفْسِير مِنْهُمْ مُجَاهِد لَا تَذْهَب عُقُولهمْ ; فَنَفَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ خَمْر الْجَنَّة الْآفَات الَّتِي تَلْحَق فِي الدُّنْيَا مِنْ خَمْرهَا مِنْ الصُّدَاع وَالسُّكْر . وَمَعْنَى " يُنْزَفُونَ " الصَّحِيح فِيهِ أَنَّهُ يُقَال : أَنْزَفَ الرَّجُل إِذَا نَفِدَ شَرَابه , وَهُوَ يَبْعُد أَنْ يُوصَف بِهِ شَرَاب الْجَنَّة ; وَلَكِنَّ مَجَازه أَنْ يَكُون بِمَعْنَى لَا يَنْفَد أَبَدًا . وَقِيلَ : " لَا يُنْزِفُونَ " بِكَسْرِ الزَّاي لَا يَسْكَرُونَ ; ذَكَرَهُ الزَّجَّاج وَأَبُو عَلِيّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ . الْمَهْدَوِيّ : وَلَا يَكُون مَعْنَاهُ يَسْكَرُونَ ; لِأَنَّ قَبْله " لَا فِيهَا غَوْل " . أَيْ لَا تَغْتَال عُقُولهمْ فَيَكُون تَكْرَارًا ; وَيَسُوغ ذَلِكَ فِي [ الْوَاقِعَة ] . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَى " لَا فِيهَا غَوْل " لَا يَمْرَضُونَ ; فَيَكُون مَعْنَى " وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزِفُونَ " لَا يَسْكَرُونَ أَوْ لَا يَنْفَد شَرَابهمْ . قَالَ قَتَادَة الْغَوْل وَجَع الْبَطْن . وَكَذَا رَوَى اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد " لَا فِيهَا غَوْل " قَالَ لَا فِيهَا وَجَع بَطْن . الْحَسَن : صُدَاع . وَهُوَ قَوْل اِبْن عَبَّاس : " لَا فِيهَا غَوْل " لَا فِيهَا صُدَاع . وَحَكَى الضَّحَّاك عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : فِي الْخَمْر أَرْبَع خِصَال : السُّكْر وَالصُّدَاع وَالْقَيْء وَالْبَوْل ; فَذَكَرَ اللَّه خَمْر الْجَنَّة فَنَزَّهَهَا عَنْ هَذِهِ الْخِصَال . مُجَاهِد : دَاء . اِبْن كَيْسَان : مَغَص . وَهَذِهِ الْأَقْوَال مُتَقَارِبَة . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : " لَا فِيهَا غَوْل " أَيْ إِثْم ; نَظِيره : " لَا لَغْو فِيهَا وَلَا تَأْثِيم " [ الطُّور : 23 ] . وَقَالَ الشَّعْبِيّ وَالسُّدِّيّ وَأَبُو عُبَيْدَة : لَا تَغْتَال عُقُولهمْ فَتَذْهَب بِهَا . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : وَمَا زَالَتْ الْكَأْسُ تَغْتَالُنَا وَتَذْهَب بِالْأَوَّلِ الْأَوَّلِ أَيْ تَصْرَع وَاحِدًا وَاحِدًا . وَإِنَّمَا صَرَفَ اللَّه تَعَالَى السُّكْر عَنْ أَهْل الْجَنَّة لِئَلَّا يَنْقَطِع الِالْتِذَاذ عَنْهُمْ بِنَعِيمِهِمْ . وَقَالَ أَهْل الْمَعَانِي : الْغَوْل فَسَاد يَلْحَق فِي خَفَاء . يُقَال : اِغْتَالَهُ اِغْتِيَالًا إِذَا أَفْسَدَ عَلَيْهِ أَمْره فِي خُفْيَة . وَمِنْهُ الْغَوْل وَالْغِيلَة : وَهُوَ الْقَتْل خُفْيَة .
أَيْ نِسَاء قَدْ قَصَرْنَ طَرَفَهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَلَا يَنْظُرْنَ إِلَى غَيْرهمْ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَمُحَمَّد بْن كَعْب وَغَيْرهمْ . عِكْرِمَة : " قَاصِرَات الطَّرْف " أَيْ مَحْبُوسَات عَلَى أَزْوَاجهنَّ . وَالتَّفْسِير الْأَوَّل أَبْيَنُ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَة مَقْصُورَات وَلَكِنْ فِي مَوْضِع آخَر " مَقْصُورَات " يَأْتِي بَيَانه . وَ " قَاصِرَات " مَأْخُوذ مِنْ قَوْلهمْ : قَدْ اِقْتَصَرَ عَلَى كَذَا إِذَا اِقْتَنَعَ بِهِ وَعَدَلَ عَنْ غَيْره ; قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : مِنْ الْقَاصِرَاتِ الطَّرْفِ لَوْ دَبَّ مُحْوِلٌ مِنْ الذَّرِّ فَوْقَ الْإِتْبِ مِنْهَا لَأَثَّرَا وَيُرْوَى : فَوْق الْخَدّ . وَالْأَوَّل أَبْلَغُ . وَالْإِتْب الْقَمِيص , وَالْمُحْوِل الصَّغِير مِنْ الذَّرّ . وَقَالَ مُجَاهِد أَيْضًا : مَعْنَاهُ لَا يَغِرْنَ .
عِظَام الْعُيُون الْوَاحِدَة عَيْنَاء ; وَقَالَهُ السُّدِّيّ . مُجَاهِد : " عِين " حِسَان الْعُيُون . الْحَسَن : الشَّدِيدَات بَيَاض الْعَيْن , الشَّدِيدَات سَوَادهَا . وَالْأَوَّل أَشْهَر فِي اللُّغَة . يُقَال : رَجُل أَعْيَنُ وَاسِع الْعَيْنِ بَيِّنُ الْعَيَنِ , وَالْجَمْع عِين . وَأَصْله فُعْل بِالضَّمِّ فَكُسِرَتْ الْعَيْن ; لِئَلَّا تَنْقَلِبَ الْوَاو يَاء . وَمِنْهُ قِيلَ لِبَقَرِ الْوَحْش عِين , وَالثَّوْر أَعْيَن , وَالْبَقَرَة عَيْنَاء .
عِظَام الْعُيُون الْوَاحِدَة عَيْنَاء ; وَقَالَهُ السُّدِّيّ . مُجَاهِد : " عِين " حِسَان الْعُيُون . الْحَسَن : الشَّدِيدَات بَيَاض الْعَيْن , الشَّدِيدَات سَوَادهَا . وَالْأَوَّل أَشْهَر فِي اللُّغَة . يُقَال : رَجُل أَعْيَنُ وَاسِع الْعَيْنِ بَيِّنُ الْعَيَنِ , وَالْجَمْع عِين . وَأَصْله فُعْل بِالضَّمِّ فَكُسِرَتْ الْعَيْن ; لِئَلَّا تَنْقَلِبَ الْوَاو يَاء . وَمِنْهُ قِيلَ لِبَقَرِ الْوَحْش عِين , وَالثَّوْر أَعْيَن , وَالْبَقَرَة عَيْنَاء .
أَيْ مَصُون . قَالَ الْحَسَن وَابْن زَيْد : شُبِّهْنَ بِبَيْضِ النَّعَام , تُكِنُّهَا النَّعَامَة بِالرِّيشِ مِنْ الرِّيح وَالْغُبَار , فَلَوْنهَا أَبْيَض فِي صُفْرَة وَهُوَ أَحْسَن أَلْوَان النِّسَاء . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَابْن جُبَيْر وَالسُّدِّيّ : شُبِّهْنَ بِبَطْنِ الْبَيْض قَبْل أَنْ يُقَشَّر وَتَمَسَّهُ الْأَيْدِي . وَقَالَ عَطَاء : شُبِّهْنَ بِالسِّحَاءِ الَّذِي يَكُون بَيْن الْقِشْرَة الْعُلْيَا وَلِبَابِ الْبَيْض . وَسَحَاة كُلّ شَيْء : قِشْره وَالْجَمْع سَحًا ; قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ . وَنَحْوه قَوْل الطَّبَرِيّ , قَالَ : هُوَ الْقِشْر الرَّقِيق , الَّذِي عَلَى الْبَيْضَة بَيْن ذَلِكَ . وَرُوِيَ نَحْوه عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْعَرَب تُشَبِّهُ الْمَرْأَة بِالْبَيْضَةِ لِصَفَائِهَا وَبَيَاضهَا ; قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : وَبَيْضَةِ خِدْرٍ لَا يُرَامُ خِبَاؤُهَا تَمَتَّعْت مِنْ لَهْوٍ بِهَا غَيْرَ مُعْجَلِ وَتَقُول الْعَرَب إِذَا وَصَفَتْ الشَّيْء بِالْحُسْنِ وَالنَّظَافَة : كَأَنَّهُ بَيْض النَّعَام الْمُغَطَّى بِالرِّيشِ . وَقِيلَ : الْمَكْنُون الْمَصُون عَنْ الْكَسْر ; أَيْ إِنَّهُنَّ عَذَارَى . وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالْبَيْضِ اللُّؤْلُؤ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَحُور عِين كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤ الْمَكْنُون " [ الْوَاقِعَة : 22 - 23 ] أَيْ فِي أَصْدَافه ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : وَهِيَ بَيْضَاءُ مِثْلُ لُؤْلُؤَةِ اِلْغَ وَّاصِ مِيزَتْ مِنْ جَوْهَرٍ مَكْنُونِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمَكْنُون وَالْبَيْض جُمَع ; لِأَنَّهُ رَدَّ النَّعْت إِلَى اللَّفْظ .
أَيْ يَتَفَاوَضُونَ فِيمَا بَيْنهمْ أَحَادِيثهمْ فِي الدُّنْيَا . وَهُوَ مِنْ تَمَام الْأُنْس فِي الْجَنَّة . وَهُوَ مَعْطُوف عَلَى مَعْنَى " يُطَاف عَلَيْهِمْ " الْمَعْنَى يَشْرَبُونَ فَيَتَحَادَثُونَ عَلَى الشَّرَاب كَعَادَةِ الشُّرَّاب . قَالَ بَعْضهمْ : وَمَا بَقِيَتْ مِنْ اللَّذَّاتِ إِلَّا أَحَادِيثُ الْكِرَامِ عَلَى الْمُدَامِ فَيُقْبِل بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ عَمَّا جَرَى لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا ; إِلَّا أَنَّهُ جِيءَ بِهِ مَاضِيًا عَلَى عَادَة اللَّه تَعَالَى فِي إِخْبَاره .
أَيْ مِنْ أَهْل الْجَنَّة
أَيْ صَدِيق مُلَازِم , وَقِيلَ : أَرَادَ بِالْقَرِينِ قَرِينَهُ مِنْ الشَّيْطَان كَانَ يُوَسْوِس إِلَيْهِ بِإِنْكَارِ الْبَعْث .
أَيْ صَدِيق مُلَازِم , وَقِيلَ : أَرَادَ بِالْقَرِينِ قَرِينَهُ مِنْ الشَّيْطَان كَانَ يُوَسْوِس إِلَيْهِ بِإِنْكَارِ الْبَعْث .
أَيْ بِالْمَبْعَثِ وَالْجَزَاء . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : قَرِينه شَرِيكه . وَقَدْ مَضَى فِي [ الْكَهْف ] ذِكْرُهُمَا وَقِصَّتُهُمَا وَالِاخْتِلَاف فِي اِسْمَيْهِمَا مُسْتَوْفًى عِنْد قَوْله تَعَالَى : " وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ " [ الْكَهْف : 32 ] وَفِيهِمَا أَنْزَلَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : " قَالَ قَائِل مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِين " إِلَى " مِنْ الْمُحْضَرِينَ " . وَقُرِئَ : " أَإِنَّك لَمِنْ الْمُصَّدِّقِينَ " بِتَشْدِيدِ الصَّاد . رَوَاهُ عَلِيّ بْن كَيْسَة عَنْ سُلَيْم عَنْ حَمْزَة . قَالَ النَّحَّاس : وَلَا يَجُوز " أَإِنَّك لَمِنْ الْمُصَّدِّقِينَ " لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلصَّدَقَةِ هَاهُنَا . وَقَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَفِي قِرَاءَة عَنْ حَمْزَة " أَإِنَّك لَمِنْ الْمُصَّدِّقِينَ " بِتَشْدِيدِ الصَّاد . وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذَا مِنْ التَّصْدِيق لَا مِنْ التَّصَدُّق . وَالِاعْتِرَاض بَاطِل ; لِأَنَّ الْقِرَاءَة إِذَا ثَبَتَتْ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا مَجَالَ لِلطَّعْنِ فِيهَا . فَالْمَعْنَى " أَإِنَّك لَمِنْ الْمُصَّدِّقِينَ " بِالْمَالِ طَلَبًا فِي ثَوَاب الْآخِرَة .
أَيْ مَجْزِيُّونَ مُحَاسَبُونَ بَعْد الْمَوْت .
فَـ " قَالَ " اللَّه تَعَالَى لِأَهْلِ الْجَنَّة : " هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ " . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل الْمُؤْمِن لِإِخْوَانِهِ فِي الْجَنَّة هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ إِلَى النَّار لِنَنْظُرَ كَيْف حَال ذَلِكَ الْقَرِين . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل الْمَلَائِكَة . وَلَيْسَ " هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ " بِاسْتِفْهَامٍ , إِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى الْأَمْر , أَيْ اِطَّلِعُوا ; قَالَهُ اِبْن الْأَعْرَابِيّ وَغَيْره . وَمِنْهُ لَمَّا نَزَلَتْ آيَة الْخَمْر , قَامَ عُمَر قَائِمًا بَيْن يَدَيْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ رَفَعَ رَأْسه إِلَى السَّمَاء , ثُمَّ قَالَ : يَا رَبّ بَيَانًا أَشْفَى مِنْ هَذَا فِي الْخَمْر . فَنَزَلَتْ : " فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ " [ الْمَائِدَة : 91 ] قَالَ : فَنَادَى عُمَر اِنْتَهَيْنَا يَا رَبَّنَا . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس : " هَلْ أَنْتُمْ مُطْلِعُونَ " بِإِسْكَانِ الطَّاء خَفِيفَة " فَأُطْلِعَ " بِقَطْعِ الْأَلِف مُخَفَّفَة عَلَى مَعْنَى هَلْ أَنْتُمْ مُقْبِلُونَ , فَأَقْبَلَ . قَالَ النَّحَّاس " فَأُطْلِعَ فَرَآهُ " فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون فِعْلًا مُسْتَقْبَلًا مَعْنَاهُ فَأُطْلَعَ أَنَا , وَيَكُون مَنْصُوبًا عَلَى أَنَّهُ جَوَاب الِاسْتِفْهَام . وَالْقَوْل الثَّانِي أَنْ يَكُون فِعْلًا مَاضِيًا وَيَكُون اِطَّلَعَ وَأُطْلِعَ وَاحِدًا . قَالَ الزَّجَّاج : يُقَال طَلَعَ وَأَطْلَعَ وَاطَّلَعَ بِمَعْنًى وَاحِد . وَقَدْ حُكِيَ " هَلْ أَنْتُمْ مُطْلِعُونِ " بِكَسْرِ النُّون وَأَنْكَرَهُ أَبُو حَاتِم وَغَيْره . النَّحَّاس : وَهُوَ لَحْن لَا يَجُوز ; لِأَنَّهُ جَمْع بَيْن النُّون وَالْإِضَافَة , وَلَوْ كَانَ مُضَافًا لَكَانَ هَلْ أَنْتُمْ مُطْلِعِيَّ , وَإِنْ كَانَ سِيبَوَيْهِ وَالْفَرَّاء قَدْ حَكَيَا مِثْله , وَأَنْشَدَا : هُمْ الْقَائِلُونَ الْخَيْرَ وَالْآمِرُونَهُ إِذَا مَا خَشَوْا مِنْ مُحْدَثِ الْأَمْرِ مُعْظَمَا وَأَنْشَدَ الْفَرَّاء : وَالْفَاعِلُونَهُ . وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ وَحْدَهُ : وَلَمْ يَرْتَفِقْ وَالنَّاسُ مُحْتَضِرُونَهُ وَهَذَا شَاذّ خَارِج عَنْ كَلَام الْعَرَب , وَمَا كَانَ مِثْل هَذَا لَمْ يُحْتَجَّ بِهِ فِي كِتَاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَلَا يَدْخُل فِي الْفَصِيح . وَقَدْ قِيلَ فِي تَوْجِيهه : إِنَّهُ أَجْرَى اِسْم الْفَاعِل مُجْرَى الْمُضَارِع لِقُرْبِهِ مِنْهُ , فَجَرَى " مُطَّلِعُونَ " مَجْرَى يَطْلُعُونَ . ذَكَرَهُ أَبُو الْفَتْح عُثْمَان بْن جِنِّي وَأَنْشَدَ : أَرَأَيْت إِنْ جِئْت بِهِ أُمْلُودَا مُرَجَّلًا وَيَلْبَسُ الْبُرُودَا أَقَائِلُنَّ أَحْضِرُوا الشُّهُودَا فَأَجْرَى أَقَائِلُنَّ مُجْرَى أَتَقُولُنَّ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى : " هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ . فَاطَّلَعَ فَرَآهُ " إِنَّ فِي الْجَنَّة كُوًى يَنْظُر أَهْلُهَا مِنْهَا إِلَى النَّار وَأَهْلِهَا . وَكَذَلِكَ قَالَ كَعْب فِيمَا ذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك , قَالَ : إِنَّ بَيْن الْجَنَّة وَالنَّار كُوًى , فَإِذَا أَرَادَ الْمُؤْمِن أَنْ يَنْظُر إِلَى عَدُوّ كَانَ لَهُ فِي الدُّنْيَا اِطَّلَعَ مِنْ بَعْض الْكُوَى .
أَيْ فِي وَسَط النَّار وَالْحَسَك حَوَالَيْهِ ; قَالَهُ اِبْن مَسْعُود . وَيُقَال : تَعِبْت حَتَّى اِنْقَطَعَ سَوَائِي : أَيْ وَسَطِي . وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَة : قَالَ لِي عِيسَى بْن عُمَر : كُنْت أَكْتُب يَا أَبَا عُبَيْدَة حَتَّى يَنْقَطِع سَوَائِي . وَعَنْ قَتَادَة قَالَ : قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : لَوْلَا أَنَّ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ عَرَّفَهُ إِيَّاهُ لَمَا عَرَفَهُ , لَقَدْ تَغَيَّرَ حَبْرُهُ وَسَبْرُهُ . فَعِنْد ذَلِكَ يَقُول : " تَاللَّهِ إِنْ كِدْت لَتُرْدِينِ "
" إِنْ " مُخَفَّفَة مِنْ الثَّقِيلَة دَخَلَتْ عَلَى كَادَ كَمَا تَدْخُل عَلَى كَانَ . وَنَحْوه " إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا " [ الْفُرْقَان : 42 ] وَاللَّام هِيَ الْفَارِقَة بَيْنهَا وَبَيْن النَّافِيَة . وَقَالَ الْكِسَائِيّ : " لَتُرْدِينِ " أَيْ لَتُهْلِكُنِي , وَالرَّدَى الْهَلَاك . وَقَالَ الْمُبَرِّد : لَوْ قِيلَ : " لَتُرْدِينِ " لَتُوقِعُنِي فِي النَّار لَكَانَ جَائِزًا
أَيْ عِصْمَتُهُ وَتَوْفِيقه بِالِاسْتِمْسَاكِ بِعُرْوَةِ الْإِسْلَام وَالْبَرَاءَة مِنْ الْقَرِين السُّوء . وَمَا بَعْد لَوْلَا مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ عِنْد سِيبَوَيْهِ وَالْخَبَر مَحْذُوف .
قَالَ الْفَرَّاء : أَيْ لَكُنْت مَعَك فِي النَّار مُحْضَرًا . وَأَحْضَرَ لَا يُسْتَعْمَل مُطْلَقًا إِلَّا فِي الشَّرّ ; قَالَهُ الْمَاوَرْدِيّ .
قَالَ الْفَرَّاء : أَيْ لَكُنْت مَعَك فِي النَّار مُحْضَرًا . وَأَحْضَرَ لَا يُسْتَعْمَل مُطْلَقًا إِلَّا فِي الشَّرّ ; قَالَهُ الْمَاوَرْدِيّ .
وَقُرِئَ " بِمَائِتِينَ " وَالْهَمْزَة فِي " أَفَمَا " لِلِاسْتِفْهَامِ دَخَلَتْ عَلَى فَاء الْعَطْف , وَالْمَعْطُوف مَحْذُوف مَعْنَاهُ أَنَحْنُ مُخَلَّدُونَ مُنَعَّمُونَ فَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ وَلَا مُعَذَّبِينَ .
يَكُون اِسْتِثْنَاء لَيْسَ مِنْ الْأَوَّل وَيَكُون مَصْدَرًا ; لِأَنَّهُ مَنْعُوت . وَهُوَ مِنْ قَوْل أَهْل الْجَنَّة لِلْمَلَائِكَةِ حِين يُذْبَح الْمَوْت , وَيُقَال : يَا أَهْل الْجَنَّة خُلُود وَلَا مَوْت , وَيَا أَهْل النَّار خُلُود وَلَا مَوْت . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل الْمُؤْمِن عَلَى جِهَة الْحَدِيث بِنِعْمَةِ اللَّه فِي أَنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ وَلَا يُعَذَّبُونَ ; أَيْ هَذِهِ حَالنَا وَصِفَتنَا . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل الْمُؤْمِن تَوْبِيخًا لِلْكَافِرِ لِمَا كَانَ يُنْكِرهُ مِنْ الْبَعْث , وَأَنَّهُ لَيْسَ إِلَّا الْمَوْت فِي الدُّنْيَا .
قَالَ الْمُؤْمِن مُشِيرًا إِلَى مَا هُوَ فِيهِ ; " إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْز الْعَظِيم " يَكُون " هُوَ " مُبْتَدَأ وَمَا بَعْده خَبَر عَنْهُ وَالْجُمْلَة خَبَر إِنَّ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون " هُوَ " فَاصِلًا .