وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ↓
" وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا " الْعَرَب تَقُول : وَادٍ وَأَوْدِيَة , عَلَى غَيْر قِيَاس . قَالَ النَّحَّاس : وَلَا يُعْرَف فِيمَا عَلِمْت فَاعِل وَأَفْعِلَة سِوَاهُ , وَالْقِيَاس أَنْ يُجْمَع وَوَادِي ; فَاسْتَثْقَلُوا الْجَمْع بَيْن وَاوَيْنِ وَهُمْ قَدْ يَسْتَثْقِلُونَ وَاحِدَة , حَتَّى قَالُوا : أُقِّتَتْ فِي وُقِّتَتْ . وَحَكَى الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ فِي تَصْغِير وَاصِل اِسْم رَجُل أَوْ أَوَيْصِل فَلَا يَقُولُونَ غَيْره . وَحَكَى الْفَرَّاء فِي جَمْع وَادٍ أَوْدَاء . قُلْت : وَقَدْ جُمِعَ أَوْدَاهُ ; قَالَ جَرِير : عَرَفْت بِبُرْقَة الْأَوْدَاه رَسْمًا مُحِيلًا طَالَ عَهْدك مِنْ رُسُوم
رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَقَدْ تَرَكْتُمْ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَة وَلَا قَطَعْتُمْ مِنْ وَادٍ إِلَّا وَهُمْ مَعَكُمْ فِيهِ ) قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , وَكَيْفَ يَكُونُونَ مَعَنَا وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ . ؟ قَالَ : ( حَبَسَهُمْ الْعُذْر ) . خَرَّجَهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيث جَابِر قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاة فَقَالَ : ( إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ حَبَسَهُمْ الْمَرَض ) . فَأَعْطَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمَعْذُورِ مِنْ الْأَجْر مِثْل مَا أَعْطَى لِلْقَوِيِّ الْعَامِل . وَقَدْ قَالَ بَعْض النَّاس : إِنَّمَا يَكُون الْأَجْر لِلْمَعْذُورِ غَيْر مُضَاعَف , وَيُضَاعَف لِلْعَامِلِ الْمُبَاشِر . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا تَحَكُّم عَلَى اللَّه تَعَالَى وَتَضْيِيق لِسَعَةِ رَحْمَته , وَقَدْ عَابَ بَعْض النَّاس فَقَالَ : إِنَّهُمْ يُعْطَوْنَ الثَّوَاب مُضَاعَفًا قَطْعًا , وَنَحْنُ لَا نَقْطَع بِالتَّضْعِيفِ فِي مَوْضِع فَإِنَّهُ مَبْنِيّ عَلَى مِقْدَار النِّيَّات , وَهَذَا أَمْر مُغَيَّب , وَاَلَّذِي يُقْطَع بِهِ أَنَّ هُنَاكَ تَضْعِيفًا وَرَبّك أَعْلَم بِمَنْ يَسْتَحِقّهُ .
قُلْت : الظَّاهِر مِنْ الْأَحَادِيث وَالْآي الْمُسَاوَاة فِي الْأَجْر ; مِنْهَا قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْر فَلَهُ مِثْل أَجْر فَاعِله ) وَقَوْله : ( مَنْ تَوَضَّأَ وَخَرَجَ إِلَى الصَّلَاة فَوَجَدَ النَّاس قَدْ صَلَّوْا أَعْطَاهُ اللَّه مِثْل أَجْر مَنْ صَلَّاهَا وَحَضَرَهَا ) . وَهُوَ ظَاهِر قَوْله تَعَالَى : " وَمَنْ يَخْرُج مِنْ بَيْته مُهَاجِرًا إِلَى اللَّه وَرَسُوله ثُمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت فَقَدْ وَقَعَ أَجْره عَلَى اللَّه " [ النِّسَاء : 100 ] وَبِدَلِيلِ أَنَّ النِّيَّة الصَّادِقَة هِيَ أَصْل الْأَعْمَال , فَإِذَا صَحَّتْ فِي فِعْل طَاعَة فَعَجَزَ عَنْهَا صَاحِبهَا لِمَانِعٍ مَنَعَ مِنْهَا فَلَا بُعْد فِي مُسَاوَاة أَجْر ذَلِكَ الْعَاجِز لِأَجْرِ الْقَادِر الْفَاعِل وَيَزِيد عَلَيْهِ ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام : ( نِيَّة الْمُؤْمِن خَيْر مِنْ عَمَله ) . وَاَللَّه أَعْلَم .
رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَقَدْ تَرَكْتُمْ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَة وَلَا قَطَعْتُمْ مِنْ وَادٍ إِلَّا وَهُمْ مَعَكُمْ فِيهِ ) قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , وَكَيْفَ يَكُونُونَ مَعَنَا وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ . ؟ قَالَ : ( حَبَسَهُمْ الْعُذْر ) . خَرَّجَهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيث جَابِر قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاة فَقَالَ : ( إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ حَبَسَهُمْ الْمَرَض ) . فَأَعْطَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمَعْذُورِ مِنْ الْأَجْر مِثْل مَا أَعْطَى لِلْقَوِيِّ الْعَامِل . وَقَدْ قَالَ بَعْض النَّاس : إِنَّمَا يَكُون الْأَجْر لِلْمَعْذُورِ غَيْر مُضَاعَف , وَيُضَاعَف لِلْعَامِلِ الْمُبَاشِر . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا تَحَكُّم عَلَى اللَّه تَعَالَى وَتَضْيِيق لِسَعَةِ رَحْمَته , وَقَدْ عَابَ بَعْض النَّاس فَقَالَ : إِنَّهُمْ يُعْطَوْنَ الثَّوَاب مُضَاعَفًا قَطْعًا , وَنَحْنُ لَا نَقْطَع بِالتَّضْعِيفِ فِي مَوْضِع فَإِنَّهُ مَبْنِيّ عَلَى مِقْدَار النِّيَّات , وَهَذَا أَمْر مُغَيَّب , وَاَلَّذِي يُقْطَع بِهِ أَنَّ هُنَاكَ تَضْعِيفًا وَرَبّك أَعْلَم بِمَنْ يَسْتَحِقّهُ .
قُلْت : الظَّاهِر مِنْ الْأَحَادِيث وَالْآي الْمُسَاوَاة فِي الْأَجْر ; مِنْهَا قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْر فَلَهُ مِثْل أَجْر فَاعِله ) وَقَوْله : ( مَنْ تَوَضَّأَ وَخَرَجَ إِلَى الصَّلَاة فَوَجَدَ النَّاس قَدْ صَلَّوْا أَعْطَاهُ اللَّه مِثْل أَجْر مَنْ صَلَّاهَا وَحَضَرَهَا ) . وَهُوَ ظَاهِر قَوْله تَعَالَى : " وَمَنْ يَخْرُج مِنْ بَيْته مُهَاجِرًا إِلَى اللَّه وَرَسُوله ثُمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت فَقَدْ وَقَعَ أَجْره عَلَى اللَّه " [ النِّسَاء : 100 ] وَبِدَلِيلِ أَنَّ النِّيَّة الصَّادِقَة هِيَ أَصْل الْأَعْمَال , فَإِذَا صَحَّتْ فِي فِعْل طَاعَة فَعَجَزَ عَنْهَا صَاحِبهَا لِمَانِعٍ مَنَعَ مِنْهَا فَلَا بُعْد فِي مُسَاوَاة أَجْر ذَلِكَ الْعَاجِز لِأَجْرِ الْقَادِر الْفَاعِل وَيَزِيد عَلَيْهِ ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام : ( نِيَّة الْمُؤْمِن خَيْر مِنْ عَمَله ) . وَاَللَّه أَعْلَم .
وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ↓
وَهِيَ أَنَّ الْجِهَاد لَيْسَ عَلَى الْأَعْيَان وَأَنَّهُ فَرْض كِفَايَة كَمَا تَقَدَّمَ ; إِذْ لَوْ نَفَرَ الْكُلّ لَضَاعَ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ الْعِيَال , فَلْيَخْرُجْ فَرِيق مِنْهُمْ لِلْجِهَادِ وَلْيُقِمْ فَرِيق يَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّين وَيَحْفَظُونَ الْحَرِيم , حَتَّى إِذَا عَادَ النَّافِرُونَ أَعْلَمَهُمْ الْمُقِيمُونَ مَا تَعَلَّمُوهُ مِنْ أَحْكَام الشَّرْع , وَمَا تَجَدَّدَ نُزُوله عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهَذِهِ الْآيَة نَاسِخَة لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " إِلَّا تَنْفِرُوا " [ التَّوْبَة : 39 ] وَلِلْآيَةِ الَّتِي قَبْلهَا ; عَلَى قَوْل مُجَاهِد وَابْن زَيْد .
هَذِهِ الْآيَة أَصْل فِي وُجُوب طَلَب الْعِلْم ; لِأَنَّ الْمَعْنَى : وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّة وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقِيم لَا يَنْفِر فَيَتْرُكُوهُ وَحْده . " فَلَوْلَا نَفَرَ " بَعْد مَا عَلِمُوا أَنَّ النَّفِير لَا يَسَع جَمِيعهمْ . " مِنْ كُلّ فِرْقَة مِنْهُمْ طَائِفَة " وَتَبْقَى بَقِيَّتهَا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَتَحَمَّلُوا عَنْهُ الدِّين وَيَتَفَقَّهُوا ; فَإِذَا رَجَعَ النَّافِرُونَ إِلَيْهِمْ أَخْبَرُوهُمْ بِمَا سَمِعُوا وَعَلِمُوهُ . وَفِي هَذَا إِيجَاب التَّفَقُّه فِي الْكِتَاب وَالسُّنَّة , وَأَنَّهُ عَلَى الْكِفَايَة دُون الْأَعْيَان . وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى : " فَاسْأَلُوا أَهْل الذِّكْر إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " [ النَّحْل : 43 ] . فَدَخَلَ فِي هَذَا مَنْ لَا يَعْلَم الْكِتَاب وَالسُّنَن .
" فَلَوْلَا نَفَرَ " قَالَ الْأَخْفَش : أَيْ فَهَلَّا نَفَرَ . " مِنْ كُلّ فِرْقَة مِنْهُمْ طَائِفَة " الطَّائِفَة فِي اللُّغَة الْجَمَاعَة , وَقَدْ تَقَع عَلَى أَقَلّ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى تَبْلُغ الرَّجُلَيْنِ , وَلِلْوَاحِدِ عَلَى مَعْنَى نَفْس طَائِفَة . وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَة مِنْكُمْ نُعَذِّب طَائِفَة " [ التَّوْبَة : 66 ] رَجُل وَاحِد . وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَاد هُنَا جَمَاعَة لِوَجْهَيْنِ ; أَحَدهمَا عَقْلًا , وَالْآخَر لُغَة . أَمَّا الْعَقْل فَلِأَنَّ الْعِلْم لَا يَتَحَصَّل بِوَاحِدٍ فِي الْغَالِب , وَأَمَّا اللُّغَة فَقَوْله : " لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّين وَلِيُنْذِرُوا قَوْمهمْ " فَجَاءَ بِضَمِيرِ الْجَمَاعَة . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَالْقَاضِي أَبُو بَكْر وَالشَّيْخ أَبُو الْحَسَن قَبْله يَرَوْنَ أَنَّ الطَّائِفَة هَاهُنَا وَاحِد , وَيَعْتَضِدُونَ فِيهِ بِالدَّلِيلِ عَلَى وُجُوب الْعَمَل بِخَبَرِ الْوَاحِد , وَهُوَ صَحِيح لَا مِنْ جِهَة أَنَّ الطَّائِفَة تَنْطَلِق عَلَى الْوَاحِد وَلَكِنْ مِنْ جِهَة أَنَّ خَبَر الشَّخْص الْوَاحِد أَوْ الْأَشْخَاص خَبَر وَاحِد , وَأَنَّ مُقَابِله وَهُوَ التَّوَاتُر لَا يَنْحَصِر .
قُلْت : أَنَصّ مَا يُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْوَاحِد يُقَال لَهُ طَائِفَة قَوْله تَعَالَى : " وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اِقْتَتَلُوا " [ الْحُجُرَات : 9 ] يَعْنِي نَفْسَيْنِ . دَلِيله قَوْله تَعَالَى : " فَأَصْلِحُوا بَيْن أَخَوَيْكُمْ " [ الْحُجُرَات : 9 ] فَجَاءَ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , وَالضَّمِير فِي " اِقْتَتَلُوا " وَإِنْ كَانَ ضَمِير جَمَاعَة فَأَقَلّ الْجَمَاعَة اِثْنَانِ فِي أَحَد الْقَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ .
الضَّمِير فِي " لِيَتَفَقَّهُوا " لِلْمُقِيمِينَ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; قَالَهُ قَتَادَة وَمُجَاهِد . وَقَالَ الْحَسَن : هُمْ لِلْفِرْقَةِ النَّافِرَة ; وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ . وَمَعْنَى " لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّين " أَيْ يَتَبَصَّرُوا وَيَتَيَقَّنُوا بِمَا يُرِيهِمْ اللَّه مِنْ الظُّهُور عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَنُصْرَة الدِّين .
قُلْت : قَوْل مُجَاهِد وَقَتَادَة أَبْيَن , أَيْ لِتَتَفَقَّه الطَّائِفَة الْمُتَأَخِّرَة مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النُّفُور فِي السَّرَايَا . وَهَذَا يَقْتَضِي الْحَثّ عَلَى طَلَب الْعِلْم وَالنَّدْب إِلَيْهِ دُون الْوُجُوب وَالْإِلْزَام ; إِذْ لَيْسَ ذَلِكَ فِي قُوَّة الْكَلَام , وَإِنَّمَا لَزِمَ طَلَب الْعِلْم بِأَدِلَّتِهِ ; قَالَهُ أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ .
طَلَب الْعِلْم يَنْقَسِم قِسْمَيْنِ : فَرْضٌ عَلَى الْأَعْيَان ; كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَالصِّيَام .
قُلْت : وَفِي هَذَا الْمَعْنَى جَاءَ الْحَدِيث الْمَرْوِيّ ( إِنَّ طَلَب الْعِلْم فَرِيضَة ) . رَوَى عَبْد الْقُدُّوس بْن حَبِيب : أَبُو سَعِيد الْوُحَاظِيّ عَنْ حَمَّاد بْن أَبِي سُلَيْمَان عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ قَالَ سَمِعْت أَنَس بْن مَالِك يَقُول : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( طَلَب الْعِلْم فَرِيضَة عَلَى كُلّ مُسْلِم ) . قَالَ إِبْرَاهِيم : لَمْ أَسْمَع مِنْ أَنَس بْن مَالِك إِلَّا هَذَا الْحَدِيث .
وَفَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَة ; كَتَحْصِيلِ الْحُقُوق وَإِقَامَة الْحُدُود وَالْفَصْل بَيْن الْخُصُوم وَنَحْوه ; إِذْ لَا يَصْلُح أَنْ يَتَعَلَّمهُ جَمِيع النَّاس فَتَضِيع أَحْوَالهمْ وَأَحْوَال سَرَايَاهُمْ وَتَنْقُص أَوْ تَبْطُل مَعَايِشهمْ ; فَتَعَيَّنَ بَيْن الْحَالَيْنِ أَنْ يَقُوم بِهِ الْبَعْض مِنْ غَيْر تَعْيِين , وَذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يَسَّرَهُ اللَّه لِعِبَادِهِ وَقَسَمَهُ بَيْنهمْ مِنْ رَحْمَته وَحِكْمَته بِسَابِقِ قُدْرَته وَكَلِمَته .
طَلَب الْعِلْم فَضِيلَة عَظِيمَة وَمَرْتَبَة شَرِيفَة لَا يُوَازِيهَا عَمَل ; رَوَى التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي الدَّرْدَاء قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِس فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّه بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّة وَإِنَّ الْمَلَائِكَة لَتَضَع أَجْنِحَتهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْم وَإِنَّ الْعَالِم لَيَسْتَغْفِر لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض وَالْحِيتَان فِي جَوْف الْمَاء وَإِنَّ فَضْل الْعَالِم عَلَى الْعَابِد كَفَضْلِ الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر عَلَى سَائِر الْكَوَاكِب وَإِنَّ الْعُلَمَاء وَرَثَة الْأَنْبِيَاء وَإِنَّ الْأَنْبِيَاء لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْم فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِر ) . وَرَوَى الدَّارِمِيّ أَبُو مُحَمَّد فِي مُسْنَده قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَة حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيّ عَنْ الْحَسَن قَالَ سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلَيْنِ كَانَا فِي بَنِي إِسْرَائِيل , أَحَدهمَا كَانَ عَالِمًا يُصَلِّي الْمَكْتُوبَة ثُمَّ يَجْلِس فَيُعَلِّم النَّاس الْخَيْر . وَالْآخَر يَصُوم النَّهَار وَيَقُوم اللَّيْل , أَيّهمَا أَفْضَل ؟ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَضْل هَذَا الْعَالِم الَّذِي يُصَلِّي الْمَكْتُوبَة ثُمَّ يَجْلِس فَيُعَلِّم النَّاس الْخَيْر عَلَى الْعَابِد الَّذِي يَصُوم النَّهَار وَيَقُوم اللَّيْل كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ ) . أَسْنَدَهُ أَبُو عُمَر فِي كِتَاب ( بَيَان الْعِلْم ) عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَضْل الْعَالِم عَلَى الْعَابِد كَفَضْلِي عَلَى أُمَّتِي ) . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَفْضَل الْجِهَاد مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يُعَلِّم فِيهِ الْقُرْآن وَالْفِقْه وَالسُّنَّة . رَوَاهُ شَرِيك عَنْ لَيْث بْن أَبِي سُلَيْم عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير عَنْ عَلِيّ الْأَزْدِيّ قَالَ : أَرَدْت الْجِهَاد فَقَالَ لِي اِبْن عَبَّاس أَلَا أَدُلّك عَلَى مَا هُوَ خَيْر لَك مِنْ الْجِهَاد , تَأْتِي مَسْجِدًا فَتَقْرَأ فِيهِ الْقُرْآن وَتُعَلِّم فِيهِ الْفِقْه . وَقَالَ الرَّبِيع سَمِعْت الشَّافِعِيّ يَقُول : طَلَب الْعِلْم أَوْجَب مِنْ الصَّلَاة النَّافِلَة . وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( إِنَّ الْمَلَائِكَة لَتَضَع أَجْنِحَتهَا ... ) الْحَدِيث يَحْتَمِل وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنَّهَا تَعْطِف عَلَيْهِ وَتَرْحَمهُ ; كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى فِيمَا وَصَّى بِهِ الْأَوْلَاد مِنْ الْإِحْسَان إِلَى الْوَالِدَيْنِ بِقَوْلِهِ : " وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاح الذُّلّ مِنْ الرَّحْمَة " [ الْإِسْرَاء : 24 ] أَيْ تَوَاضَعْ لَهُمَا . وَالْوَجْه الْآخَر : أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِوَضْعِ الْأَجْنِحَة فَرْشهَا ; لِأَنَّ فِي بَعْض الرِّوَايَات ( وَإِنَّ الْمَلَائِكَة تَفْرِش أَجْنِحَتهَا ) أَيْ إِنَّ الْمَلَائِكَة إِذَا رَأَتْ طَالِب الْعِلْم يَطْلُبهُ مِنْ وَجْهه اِبْتِغَاء مَرِضَات اللَّه وَكَانَتْ سَائِر أَحْوَاله مُشَاكِلَة لِطَلَبِ الْعِلْم فَرَشَتْ لَهُ أَجْنِحَتهَا فِي رِحْلَته وَحَمَلَتْهُ عَلَيْهَا ; فَمِنْ هُنَاكَ يَسْلَم فَلَا يَحْفَى إِنْ كَانَ مَاشِيًا وَلَا يَعْيَا , وَتُقَرِّب عَلَيْهِ الطَّرِيق الْبَعِيدَة وَلَا يُصِيبهُ مَا يُصِيب الْمُسَافِر مِنْ أَنْوَاع الضَّرَر كَالْمَرَضِ وَذَهَاب الْمَال وَضَلَال الطَّرِيق . وَقَدْ مَضَى شَيْء مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فِي [ آل عِمْرَان ] عِنْد قَوْله تَعَالَى : " شَهِدَ اللَّه ... " الْآيَة . رَوَى عِمْرَان بْن حُصَيْن قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا تَزَال طَائِفَة مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقّ حَتَّى تَقُوم السَّاعَة ) . قَالَ يَزِيد بْن هَارُون : إِنْ لَمْ يَكُونُوا أَصْحَاب الْحَدِيث فَلَا أَدْرِي مَنْ هُمْ ؟ .
قُلْت : وَهَذَا قَوْل عَبْد الرَّزَّاق فِي تَأْوِيل الْآيَة , إِنَّهُمْ أَصْحَاب الْحَدِيث ; ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . سَمِعْت شَيْخنَا الْأُسْتَاذ الْمُقْرِئ النَّحْوِيّ الْمُحَدِّث أَبَا جَعْفَر أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الْقَيْسِيّ الْقُرْطُبِيّ الْمَعْرُوف بِابْنِ أَبِي حَجَّة رَحِمَهُ اللَّه يَقُول فِي تَأْوِيل قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( لَا يَزَال أَهْل الْغَرْب ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقّ حَتَّى تَقُوم السَّاعَة ) إِنَّهُمْ الْعُلَمَاء ; قَالَ : وَذَلِكَ أَنَّ الْغَرْب لَفْظ مُشْتَرَك يُطْلَق عَلَى الدَّلْو الْكَبِيرَة وَعَلَى مَغْرِب الشَّمْس , وَيُطْلَق عَلَى فَيْضَة مِنْ الدَّمْع . فَمَعْنَى ( لَا يَزَال أَهْل الْغَرْب ) أَيْ لَا يَزَال أَهْل فَيْض الدَّمْع مِنْ خَشْيَة اللَّه عَنْ عِلْم بِهِ وَبِأَحْكَامِهِ ظَاهِرِينَ ; الْحَدِيث . قَالَ اللَّه تَعَالَى : " إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَاده الْعُلَمَاءُ " [ فَاطِر : 28 ] .
قُلْت : وَهَذَا التَّأْوِيل يَعْضُدهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي صَحِيح مُسْلِم : ( مَنْ يُرِدْ اللَّه بِهِ خَيْرًا يُفَقِّههُ فِي الدِّين وَلَا تَزَال عِصَابَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ) . وَظَاهِر هَذَا الْمَسَاق أَنَّ أَوَّله مُرْتَبِط بِآخِرِهِ . وَاَللَّه أَعْلَم .
مِنْ الْكُفَّار . وَالضَّمِير فِي " لِيُنْذِرُوا " لِلْمُقِيمِينَ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ قَتَادَة وَمُجَاهِد . وَقَالَ الْحَسَن : هُمْ لِلْفِرْقَةِ النَّافِرَة ; وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ .
مِنْ الْجِهَاد فَيُخْبِرُونَهُمْ بِنُصْرَةِ اللَّه تَعَالَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ , وَأَنَّهُمْ لَا يَدَانِ لَهُمْ بِقِتَالِهِمْ وَقِتَال النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَيَنْزِل بِهِمْ مَا نَزَلَ بِأَصْحَابِهِمْ مِنْ الْكُفَّار .
هَذِهِ الْآيَة أَصْل فِي وُجُوب طَلَب الْعِلْم ; لِأَنَّ الْمَعْنَى : وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّة وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقِيم لَا يَنْفِر فَيَتْرُكُوهُ وَحْده . " فَلَوْلَا نَفَرَ " بَعْد مَا عَلِمُوا أَنَّ النَّفِير لَا يَسَع جَمِيعهمْ . " مِنْ كُلّ فِرْقَة مِنْهُمْ طَائِفَة " وَتَبْقَى بَقِيَّتهَا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَتَحَمَّلُوا عَنْهُ الدِّين وَيَتَفَقَّهُوا ; فَإِذَا رَجَعَ النَّافِرُونَ إِلَيْهِمْ أَخْبَرُوهُمْ بِمَا سَمِعُوا وَعَلِمُوهُ . وَفِي هَذَا إِيجَاب التَّفَقُّه فِي الْكِتَاب وَالسُّنَّة , وَأَنَّهُ عَلَى الْكِفَايَة دُون الْأَعْيَان . وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى : " فَاسْأَلُوا أَهْل الذِّكْر إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " [ النَّحْل : 43 ] . فَدَخَلَ فِي هَذَا مَنْ لَا يَعْلَم الْكِتَاب وَالسُّنَن .
" فَلَوْلَا نَفَرَ " قَالَ الْأَخْفَش : أَيْ فَهَلَّا نَفَرَ . " مِنْ كُلّ فِرْقَة مِنْهُمْ طَائِفَة " الطَّائِفَة فِي اللُّغَة الْجَمَاعَة , وَقَدْ تَقَع عَلَى أَقَلّ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى تَبْلُغ الرَّجُلَيْنِ , وَلِلْوَاحِدِ عَلَى مَعْنَى نَفْس طَائِفَة . وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَة مِنْكُمْ نُعَذِّب طَائِفَة " [ التَّوْبَة : 66 ] رَجُل وَاحِد . وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَاد هُنَا جَمَاعَة لِوَجْهَيْنِ ; أَحَدهمَا عَقْلًا , وَالْآخَر لُغَة . أَمَّا الْعَقْل فَلِأَنَّ الْعِلْم لَا يَتَحَصَّل بِوَاحِدٍ فِي الْغَالِب , وَأَمَّا اللُّغَة فَقَوْله : " لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّين وَلِيُنْذِرُوا قَوْمهمْ " فَجَاءَ بِضَمِيرِ الْجَمَاعَة . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَالْقَاضِي أَبُو بَكْر وَالشَّيْخ أَبُو الْحَسَن قَبْله يَرَوْنَ أَنَّ الطَّائِفَة هَاهُنَا وَاحِد , وَيَعْتَضِدُونَ فِيهِ بِالدَّلِيلِ عَلَى وُجُوب الْعَمَل بِخَبَرِ الْوَاحِد , وَهُوَ صَحِيح لَا مِنْ جِهَة أَنَّ الطَّائِفَة تَنْطَلِق عَلَى الْوَاحِد وَلَكِنْ مِنْ جِهَة أَنَّ خَبَر الشَّخْص الْوَاحِد أَوْ الْأَشْخَاص خَبَر وَاحِد , وَأَنَّ مُقَابِله وَهُوَ التَّوَاتُر لَا يَنْحَصِر .
قُلْت : أَنَصّ مَا يُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْوَاحِد يُقَال لَهُ طَائِفَة قَوْله تَعَالَى : " وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اِقْتَتَلُوا " [ الْحُجُرَات : 9 ] يَعْنِي نَفْسَيْنِ . دَلِيله قَوْله تَعَالَى : " فَأَصْلِحُوا بَيْن أَخَوَيْكُمْ " [ الْحُجُرَات : 9 ] فَجَاءَ بِلَفْظِ التَّثْنِيَة , وَالضَّمِير فِي " اِقْتَتَلُوا " وَإِنْ كَانَ ضَمِير جَمَاعَة فَأَقَلّ الْجَمَاعَة اِثْنَانِ فِي أَحَد الْقَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ .
الضَّمِير فِي " لِيَتَفَقَّهُوا " لِلْمُقِيمِينَ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; قَالَهُ قَتَادَة وَمُجَاهِد . وَقَالَ الْحَسَن : هُمْ لِلْفِرْقَةِ النَّافِرَة ; وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ . وَمَعْنَى " لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّين " أَيْ يَتَبَصَّرُوا وَيَتَيَقَّنُوا بِمَا يُرِيهِمْ اللَّه مِنْ الظُّهُور عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَنُصْرَة الدِّين .
قُلْت : قَوْل مُجَاهِد وَقَتَادَة أَبْيَن , أَيْ لِتَتَفَقَّه الطَّائِفَة الْمُتَأَخِّرَة مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النُّفُور فِي السَّرَايَا . وَهَذَا يَقْتَضِي الْحَثّ عَلَى طَلَب الْعِلْم وَالنَّدْب إِلَيْهِ دُون الْوُجُوب وَالْإِلْزَام ; إِذْ لَيْسَ ذَلِكَ فِي قُوَّة الْكَلَام , وَإِنَّمَا لَزِمَ طَلَب الْعِلْم بِأَدِلَّتِهِ ; قَالَهُ أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ .
طَلَب الْعِلْم يَنْقَسِم قِسْمَيْنِ : فَرْضٌ عَلَى الْأَعْيَان ; كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَالصِّيَام .
قُلْت : وَفِي هَذَا الْمَعْنَى جَاءَ الْحَدِيث الْمَرْوِيّ ( إِنَّ طَلَب الْعِلْم فَرِيضَة ) . رَوَى عَبْد الْقُدُّوس بْن حَبِيب : أَبُو سَعِيد الْوُحَاظِيّ عَنْ حَمَّاد بْن أَبِي سُلَيْمَان عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ قَالَ سَمِعْت أَنَس بْن مَالِك يَقُول : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( طَلَب الْعِلْم فَرِيضَة عَلَى كُلّ مُسْلِم ) . قَالَ إِبْرَاهِيم : لَمْ أَسْمَع مِنْ أَنَس بْن مَالِك إِلَّا هَذَا الْحَدِيث .
وَفَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَة ; كَتَحْصِيلِ الْحُقُوق وَإِقَامَة الْحُدُود وَالْفَصْل بَيْن الْخُصُوم وَنَحْوه ; إِذْ لَا يَصْلُح أَنْ يَتَعَلَّمهُ جَمِيع النَّاس فَتَضِيع أَحْوَالهمْ وَأَحْوَال سَرَايَاهُمْ وَتَنْقُص أَوْ تَبْطُل مَعَايِشهمْ ; فَتَعَيَّنَ بَيْن الْحَالَيْنِ أَنْ يَقُوم بِهِ الْبَعْض مِنْ غَيْر تَعْيِين , وَذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يَسَّرَهُ اللَّه لِعِبَادِهِ وَقَسَمَهُ بَيْنهمْ مِنْ رَحْمَته وَحِكْمَته بِسَابِقِ قُدْرَته وَكَلِمَته .
طَلَب الْعِلْم فَضِيلَة عَظِيمَة وَمَرْتَبَة شَرِيفَة لَا يُوَازِيهَا عَمَل ; رَوَى التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي الدَّرْدَاء قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِس فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّه بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّة وَإِنَّ الْمَلَائِكَة لَتَضَع أَجْنِحَتهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْم وَإِنَّ الْعَالِم لَيَسْتَغْفِر لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض وَالْحِيتَان فِي جَوْف الْمَاء وَإِنَّ فَضْل الْعَالِم عَلَى الْعَابِد كَفَضْلِ الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر عَلَى سَائِر الْكَوَاكِب وَإِنَّ الْعُلَمَاء وَرَثَة الْأَنْبِيَاء وَإِنَّ الْأَنْبِيَاء لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْم فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِر ) . وَرَوَى الدَّارِمِيّ أَبُو مُحَمَّد فِي مُسْنَده قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَة حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيّ عَنْ الْحَسَن قَالَ سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلَيْنِ كَانَا فِي بَنِي إِسْرَائِيل , أَحَدهمَا كَانَ عَالِمًا يُصَلِّي الْمَكْتُوبَة ثُمَّ يَجْلِس فَيُعَلِّم النَّاس الْخَيْر . وَالْآخَر يَصُوم النَّهَار وَيَقُوم اللَّيْل , أَيّهمَا أَفْضَل ؟ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَضْل هَذَا الْعَالِم الَّذِي يُصَلِّي الْمَكْتُوبَة ثُمَّ يَجْلِس فَيُعَلِّم النَّاس الْخَيْر عَلَى الْعَابِد الَّذِي يَصُوم النَّهَار وَيَقُوم اللَّيْل كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ ) . أَسْنَدَهُ أَبُو عُمَر فِي كِتَاب ( بَيَان الْعِلْم ) عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَضْل الْعَالِم عَلَى الْعَابِد كَفَضْلِي عَلَى أُمَّتِي ) . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَفْضَل الْجِهَاد مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يُعَلِّم فِيهِ الْقُرْآن وَالْفِقْه وَالسُّنَّة . رَوَاهُ شَرِيك عَنْ لَيْث بْن أَبِي سُلَيْم عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير عَنْ عَلِيّ الْأَزْدِيّ قَالَ : أَرَدْت الْجِهَاد فَقَالَ لِي اِبْن عَبَّاس أَلَا أَدُلّك عَلَى مَا هُوَ خَيْر لَك مِنْ الْجِهَاد , تَأْتِي مَسْجِدًا فَتَقْرَأ فِيهِ الْقُرْآن وَتُعَلِّم فِيهِ الْفِقْه . وَقَالَ الرَّبِيع سَمِعْت الشَّافِعِيّ يَقُول : طَلَب الْعِلْم أَوْجَب مِنْ الصَّلَاة النَّافِلَة . وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( إِنَّ الْمَلَائِكَة لَتَضَع أَجْنِحَتهَا ... ) الْحَدِيث يَحْتَمِل وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنَّهَا تَعْطِف عَلَيْهِ وَتَرْحَمهُ ; كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى فِيمَا وَصَّى بِهِ الْأَوْلَاد مِنْ الْإِحْسَان إِلَى الْوَالِدَيْنِ بِقَوْلِهِ : " وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاح الذُّلّ مِنْ الرَّحْمَة " [ الْإِسْرَاء : 24 ] أَيْ تَوَاضَعْ لَهُمَا . وَالْوَجْه الْآخَر : أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِوَضْعِ الْأَجْنِحَة فَرْشهَا ; لِأَنَّ فِي بَعْض الرِّوَايَات ( وَإِنَّ الْمَلَائِكَة تَفْرِش أَجْنِحَتهَا ) أَيْ إِنَّ الْمَلَائِكَة إِذَا رَأَتْ طَالِب الْعِلْم يَطْلُبهُ مِنْ وَجْهه اِبْتِغَاء مَرِضَات اللَّه وَكَانَتْ سَائِر أَحْوَاله مُشَاكِلَة لِطَلَبِ الْعِلْم فَرَشَتْ لَهُ أَجْنِحَتهَا فِي رِحْلَته وَحَمَلَتْهُ عَلَيْهَا ; فَمِنْ هُنَاكَ يَسْلَم فَلَا يَحْفَى إِنْ كَانَ مَاشِيًا وَلَا يَعْيَا , وَتُقَرِّب عَلَيْهِ الطَّرِيق الْبَعِيدَة وَلَا يُصِيبهُ مَا يُصِيب الْمُسَافِر مِنْ أَنْوَاع الضَّرَر كَالْمَرَضِ وَذَهَاب الْمَال وَضَلَال الطَّرِيق . وَقَدْ مَضَى شَيْء مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فِي [ آل عِمْرَان ] عِنْد قَوْله تَعَالَى : " شَهِدَ اللَّه ... " الْآيَة . رَوَى عِمْرَان بْن حُصَيْن قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا تَزَال طَائِفَة مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقّ حَتَّى تَقُوم السَّاعَة ) . قَالَ يَزِيد بْن هَارُون : إِنْ لَمْ يَكُونُوا أَصْحَاب الْحَدِيث فَلَا أَدْرِي مَنْ هُمْ ؟ .
قُلْت : وَهَذَا قَوْل عَبْد الرَّزَّاق فِي تَأْوِيل الْآيَة , إِنَّهُمْ أَصْحَاب الْحَدِيث ; ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . سَمِعْت شَيْخنَا الْأُسْتَاذ الْمُقْرِئ النَّحْوِيّ الْمُحَدِّث أَبَا جَعْفَر أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الْقَيْسِيّ الْقُرْطُبِيّ الْمَعْرُوف بِابْنِ أَبِي حَجَّة رَحِمَهُ اللَّه يَقُول فِي تَأْوِيل قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( لَا يَزَال أَهْل الْغَرْب ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقّ حَتَّى تَقُوم السَّاعَة ) إِنَّهُمْ الْعُلَمَاء ; قَالَ : وَذَلِكَ أَنَّ الْغَرْب لَفْظ مُشْتَرَك يُطْلَق عَلَى الدَّلْو الْكَبِيرَة وَعَلَى مَغْرِب الشَّمْس , وَيُطْلَق عَلَى فَيْضَة مِنْ الدَّمْع . فَمَعْنَى ( لَا يَزَال أَهْل الْغَرْب ) أَيْ لَا يَزَال أَهْل فَيْض الدَّمْع مِنْ خَشْيَة اللَّه عَنْ عِلْم بِهِ وَبِأَحْكَامِهِ ظَاهِرِينَ ; الْحَدِيث . قَالَ اللَّه تَعَالَى : " إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَاده الْعُلَمَاءُ " [ فَاطِر : 28 ] .
قُلْت : وَهَذَا التَّأْوِيل يَعْضُدهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي صَحِيح مُسْلِم : ( مَنْ يُرِدْ اللَّه بِهِ خَيْرًا يُفَقِّههُ فِي الدِّين وَلَا تَزَال عِصَابَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ) . وَظَاهِر هَذَا الْمَسَاق أَنَّ أَوَّله مُرْتَبِط بِآخِرِهِ . وَاَللَّه أَعْلَم .
مِنْ الْكُفَّار . وَالضَّمِير فِي " لِيُنْذِرُوا " لِلْمُقِيمِينَ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ قَتَادَة وَمُجَاهِد . وَقَالَ الْحَسَن : هُمْ لِلْفِرْقَةِ النَّافِرَة ; وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ .
مِنْ الْجِهَاد فَيُخْبِرُونَهُمْ بِنُصْرَةِ اللَّه تَعَالَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ , وَأَنَّهُمْ لَا يَدَانِ لَهُمْ بِقِتَالِهِمْ وَقِتَال النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَيَنْزِل بِهِمْ مَا نَزَلَ بِأَصْحَابِهِمْ مِنْ الْكُفَّار .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ↑
فِيهِ أَنَّهُ سُبْحَانه عَرَّفَهُمْ كَيْفِيَّة الْجِهَاد وَأَنَّ الِابْتِدَاء بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَب مِنْ الْعَدُوّ وَلِهَذَا بَدَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَرَبِ , فَلَمَّا فَرَغَ قَصَدَ الرُّوم وَكَانُوا بِالشَّامِ . وَقَالَ الْحَسَن : نَزَلَتْ قَبْل أَنْ يُؤْمَر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ ; فَهِيَ مِنْ التَّدْرِيج الَّذِي كَانَ قَبْل الْإِسْلَام . وَقَالَ اِبْن زَيْد : الْمُرَاد بِهَذِهِ الْآيَة وَقْت نُزُولهَا الْعَرَب , فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُمْ نَزَلَتْ فِي الرُّوم وَغَيْرهمْ : " قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ " [ التَّوْبَة : 29 ] . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّ الْمُرَاد بِذَلِكَ الدَّيْلَم . وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ بِمَنْ يُبْدَأ بِالرُّومِ أَوْ بِالدَّيْلَمِ ؟ فَقَالَ بِالرُّومِ . وَقَالَ الْحَسَن : هُوَ قِتَال الدَّيْلَم وَالتُّرْك وَالرُّوم . وَقَالَ قَتَادَة : الْآيَة عَلَى الْعُمُوم فِي قِتَال الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب , وَالْأَدْنَى فَالْأَدْنَى .
قُلْت : قَوْل قَتَادَة هُوَ ظَاهِر الْآيَة , وَاخْتَارَ اِبْن الْعَرَبِيّ أَنْ يُبْدَأ بِالرُّومِ قَبْل الدَّيْلَم ; عَلَى مَا قَالَهُ اِبْن عُمَر لِثَلَاثَةِ أَوْجُه . [ أَحَدهَا ] أَنَّهُمْ أَهْل كِتَاب , فَالْحُجَّة عَلَيْهِمْ أَكْثَر وَآكَد . [ الثَّانِي ] أَنَّهُمْ إِلَيْنَا أَقْرَب أَعْنِي أَهْل الْمَدِينَة . [ الثَّالِث ] أَنَّ بِلَاد الْأَنْبِيَاء فِي بِلَادهمْ أَكْثَر فَاسْتِنْقَاذهَا مِنْهُمْ أَوْجَب . وَاَللَّه أَعْلَم .
أَيْ شِدَّة وَقُوَّة وَحَمِيَّة . وَرَوَى الْفَضْل عَنْ الْأَعْمَش وَعَاصِم " غَلْظَة " بِفَتْحِ الْغَيْن وَإِسْكَان اللَّام . قَالَ الْفَرَّاء : لُغَة أَهْل الْحِجَاز وَبَنِي أَسَد بِكَسْرِ الْغَيْن , وَلُغَة بَنِي تَمِيم " غُلْظَة " بِضَمِّ الْغَيْن .
قُلْت : قَوْل قَتَادَة هُوَ ظَاهِر الْآيَة , وَاخْتَارَ اِبْن الْعَرَبِيّ أَنْ يُبْدَأ بِالرُّومِ قَبْل الدَّيْلَم ; عَلَى مَا قَالَهُ اِبْن عُمَر لِثَلَاثَةِ أَوْجُه . [ أَحَدهَا ] أَنَّهُمْ أَهْل كِتَاب , فَالْحُجَّة عَلَيْهِمْ أَكْثَر وَآكَد . [ الثَّانِي ] أَنَّهُمْ إِلَيْنَا أَقْرَب أَعْنِي أَهْل الْمَدِينَة . [ الثَّالِث ] أَنَّ بِلَاد الْأَنْبِيَاء فِي بِلَادهمْ أَكْثَر فَاسْتِنْقَاذهَا مِنْهُمْ أَوْجَب . وَاَللَّه أَعْلَم .
أَيْ شِدَّة وَقُوَّة وَحَمِيَّة . وَرَوَى الْفَضْل عَنْ الْأَعْمَش وَعَاصِم " غَلْظَة " بِفَتْحِ الْغَيْن وَإِسْكَان اللَّام . قَالَ الْفَرَّاء : لُغَة أَهْل الْحِجَاز وَبَنِي أَسَد بِكَسْرِ الْغَيْن , وَلُغَة بَنِي تَمِيم " غُلْظَة " بِضَمِّ الْغَيْن .
وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ↓
" مَا " صِلَة , وَالْمُرَاد الْمُنَافِقُونَ . " أَيّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا " قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِي زِيَادَة الْإِيمَان وَنُقْصَانه فِي سُورَة [ آل عِمْرَان ] . وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى السُّورَة فِي مُقَدِّمَة الْكِتَاب , فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ . وَكَتَبَ الْحَسَن إِلَى عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز ( إِنَّ لِلْإِيمَانِ سُنَنًا وَفَرَائِض مَنْ اِسْتَكْمَلَهَا فَقَدْ اِسْتَكْمَلَ الْإِيمَان وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلهَا لَمْ يَسْتَكْمِل الْإِيمَان ) قَالَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز : ( فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا لَكُمْ وَإِنْ أَمُتْ فَمَا أَنَا عَلَى صُحْبَتكُمْ بِحَرِيصٍ ) . ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ . وَقَالَ اِبْن الْمُبَارَك لَمْ أَجِد بُدًّا مِنْ أَنْ أَقُول بِزِيَادَةِ الْإِيمَان وَإِلَّا رَدَدْت الْقُرْآن .
وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ ↓
أَيْ شَكّ وَرَيْب وَنِفَاق . وَقَدْ تَقَدَّمَ .
أَيْ شَكًّا إِلَى شَكّهمْ وَكُفْرًا إِلَى كُفْرهمْ . وَقَالَ مُقَاتِل : إِثْمًا إِلَى إِثْمهمْ ; وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب
أَيْ شَكًّا إِلَى شَكّهمْ وَكُفْرًا إِلَى كُفْرهمْ . وَقَالَ مُقَاتِل : إِثْمًا إِلَى إِثْمهمْ ; وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب
أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ ↓
قِرَاءَة الْعَامَّة بِالْيَاءِ , خَبَرًا عَنْ الْمُنَافِقِينَ . وَقَرَأَ حَمْزَة وَيَعْقُوب بِالتَّاءِ خَبَرًا عَنْهُمْ وَخِطَابًا لِلْمُؤْمِنِينَ . وَقَرَأَ الْأَعْمَش " أَوَلَمْ يَرَوْا " . وَقَرَأَ طَلْحَة بْن مُصَرِّف " أَوَلَا تَرَى " وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود , خِطَابًا لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . و " يُفْتَنُونَ " قَالَ الطَّبَرِيّ : يُخْتَبَرُونَ . قَالَ مُجَاهِد : بِالْقَحْطِ وَالشِّدَّة . وَقَالَ عَطِيَّة : بِالْأَمْرَاضِ وَالْأَوْجَاع ; وَهِيَ رَوَائِد الْمَوْت . وَقَالَ قَتَادَة وَالْحَسَن وَمُجَاهِد : بِالْغَزْوِ وَالْجِهَاد مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيَرَوْنَ مَا وَعَدَ اللَّه مِنْ النَّصْر " ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ " لِذَلِكَ " وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ " .
وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون ↓
" مَا " صِلَة , وَالْمُرَاد الْمُنَافِقُونَ ; أَيْ إِذَا حَضَرُوا الرَّسُول وَهُوَ يَتْلُو قُرْآنًا أَنْزَلَ فِيهِ فَضِيحَتهمْ أَوْ فَضِيحَة أَحَد مِنْهُمْ جَعَلَ يَنْظُر بَعْضهمْ إِلَى بَعْض نَظَر الرُّعْب عَلَى جِهَة التَّقْرِير ; يَقُول : هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَد إِذَا تَكَلَّمْتُمْ بِهَذَا فَيَنْقُلهُ إِلَى مُحَمَّد ; وَذَلِكَ جَهْل مِنْهُمْ بِنُبُوَّتِهِ عَلَيْهِ السَّلَام , وَأَنَّ اللَّه يُطْلِعهُ عَلَى مَا يَشَاء مِنْ غَيْبه . وَقِيلَ إِنَّ " نَظَرَ " فِي هَذِهِ الْآيَة بِمَعْنَى أَنْبَأَ . وَحَكَى الطَّبَرِيّ عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ قَالَ : " نَظَرَ " فِي هَذِهِ الْآيَة مَوْضِع قَالَ .
أَيْ اِنْصَرَفُوا عَنْ طَرِيق الِاهْتِدَاء . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ حِينَمَا بَيَّنَ لَهُمْ كَشْف أَسْرَارهمْ وَالْإِعْلَام بِمُغَيَّبَاتِ أُمُورهمْ يَقَع لَهُمْ لَا مَحَالَة تَعَجُّبٌ وَتَوَقُّف وَنَظَر , فَلَوْ اِهْتَدَوْا لَكَانَ ذَلِكَ الْوَقْت مَظِنَّة لِإِيمَانِهِمْ ; فَهُمْ إِذْ يُصَمِّمُونَ عَلَى الْكُفْر وَيَرْتَبِكُونَ فِيهِ كَأَنَّهُمْ اِنْصَرَفُوا عَنْ تِلْكَ الْحَال الَّتِي كَانَتْ مَظِنَّة النَّظَر الصَّحِيح وَالِاهْتِدَاء , وَلَمْ يَسْمَعُوا قِرَاءَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَاع مَنْ يَتَدَبَّرهُ وَيَنْظُر فِي آيَاته ; " إِنَّ شَرّ الدَّوَابّ عِنْد اللَّه الصُّمّ الْبُكْم الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ " [ الْأَنْفَال : 22 ] . " أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن أَمْ عَلَى قُلُوب أَقْفَالهَا " [ مُحَمَّد : 24 ] .
دُعَاء عَلَيْهِمْ ; أَيْ قُولُوا لَهُمْ هَذَا . وَيَجُوز أَنْ يَكُون خَبَرًا عَنْ صَرْفهَا عَنْ الْخَيْر مُجَازَاة عَلَى فِعْلهمْ . وَهِيَ كَلِمَة يُدْعَى بِهَا ; كَقَوْلِهِ : " قَاتَلَهُمْ اللَّه " [ التَّوْبَة : 30 ] وَالْبَاء فِي قَوْله : " بِأَنَّهُمْ " صِلَة ل " صَرَفَ " .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُكْرَه أَنْ يُقَال اِنْصَرَفْنَا مِنْ الصَّلَاة ; لِأَنَّ قَوْمًا اِنْصَرَفُوا فَصَرَفَ اللَّه قُلُوبهمْ , وَلَكِنْ قُولُوا قَضَيْنَا الصَّلَاة ; أَسْنَدَهُ الطَّبَرِيّ عَنْهُ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا فِيهِ نَظَر وَمَا أَظُنّهُ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ نِظَام الْكَلَام أَنْ يُقَال : لَا يَقُلْ أَحَد اِنْصَرَفْنَا مِنْ الصَّلَاة ; فَإِنَّ قَوْمًا قِيلَ فِيهِمْ : " ثُمَّ اِنْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّه قُلُوبهمْ " . أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْمَلِك الْقَيْسِيّ الْوَاعِظ حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْل الْجَوْهَرِيّ سَمَاعًا مِنْهُ يَقُول : كُنَّا فِي جِنَازَة فَقَالَ الْمُنْذِر بِهَا : اِنْصَرِفُوا رَحِمَكُمْ اللَّه فَقَالَ : لَا يَقُلْ أَحَد اِنْصَرِفُوا فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ فِي قَوْم ذَمَّهُمْ : " ثُمَّ اِنْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّه قُلُوبهمْ " وَلَكِنْ قُولُوا : اِنْقَلِبُوا رَحِمَكُمْ اللَّه فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ فِي قَوْم مَدَحَهُمْ : " فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّه وَفَضْل لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء " [ آل عِمْرَان : 174 ] .
أَخْبَرَ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّهُ صَارِف الْقُلُوب وَمُصَرِّفهَا وَقَالِبهَا وَمُقَلِّبهَا ; رَدًّا عَلَى الْقَدَرِيَّة فِي اِعْتِقَادهمْ أَنَّ قُلُوب الْخَلْق بِأَيْدِيهِمْ وَجَوَارِحهمْ بِحُكْمِهِمْ , يَتَصَرَّفُونَ بِمَشِيئَتِهِمْ وَيَحْكُمُونَ بِإِرَادَاتِهِمْ وَاخْتِيَارهمْ ; وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِك فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ أَشْهَب : مَا أَبْيَنَ هَذَا فِي الرَّدّ عَلَى الْقَدَرِيَّة " لَا يَزَال بُنْيَانهمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَة فِي قُلُوبهمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبهمْ " [ التَّوْبَة : 110 ] . وَقَوْله عَزَّ وَجَلَّ لِنُوحٍ : " إِنَّهُ لَنْ يُؤْمِن مِنْ قَوْمك إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ " [ هُود : 36 ] فَهَذَا لَا يَكُون أَبَدًا وَلَا يَرْجِع وَلَا يَزُول .
أَيْ اِنْصَرَفُوا عَنْ طَرِيق الِاهْتِدَاء . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ حِينَمَا بَيَّنَ لَهُمْ كَشْف أَسْرَارهمْ وَالْإِعْلَام بِمُغَيَّبَاتِ أُمُورهمْ يَقَع لَهُمْ لَا مَحَالَة تَعَجُّبٌ وَتَوَقُّف وَنَظَر , فَلَوْ اِهْتَدَوْا لَكَانَ ذَلِكَ الْوَقْت مَظِنَّة لِإِيمَانِهِمْ ; فَهُمْ إِذْ يُصَمِّمُونَ عَلَى الْكُفْر وَيَرْتَبِكُونَ فِيهِ كَأَنَّهُمْ اِنْصَرَفُوا عَنْ تِلْكَ الْحَال الَّتِي كَانَتْ مَظِنَّة النَّظَر الصَّحِيح وَالِاهْتِدَاء , وَلَمْ يَسْمَعُوا قِرَاءَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَاع مَنْ يَتَدَبَّرهُ وَيَنْظُر فِي آيَاته ; " إِنَّ شَرّ الدَّوَابّ عِنْد اللَّه الصُّمّ الْبُكْم الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ " [ الْأَنْفَال : 22 ] . " أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن أَمْ عَلَى قُلُوب أَقْفَالهَا " [ مُحَمَّد : 24 ] .
دُعَاء عَلَيْهِمْ ; أَيْ قُولُوا لَهُمْ هَذَا . وَيَجُوز أَنْ يَكُون خَبَرًا عَنْ صَرْفهَا عَنْ الْخَيْر مُجَازَاة عَلَى فِعْلهمْ . وَهِيَ كَلِمَة يُدْعَى بِهَا ; كَقَوْلِهِ : " قَاتَلَهُمْ اللَّه " [ التَّوْبَة : 30 ] وَالْبَاء فِي قَوْله : " بِأَنَّهُمْ " صِلَة ل " صَرَفَ " .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُكْرَه أَنْ يُقَال اِنْصَرَفْنَا مِنْ الصَّلَاة ; لِأَنَّ قَوْمًا اِنْصَرَفُوا فَصَرَفَ اللَّه قُلُوبهمْ , وَلَكِنْ قُولُوا قَضَيْنَا الصَّلَاة ; أَسْنَدَهُ الطَّبَرِيّ عَنْهُ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا فِيهِ نَظَر وَمَا أَظُنّهُ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ نِظَام الْكَلَام أَنْ يُقَال : لَا يَقُلْ أَحَد اِنْصَرَفْنَا مِنْ الصَّلَاة ; فَإِنَّ قَوْمًا قِيلَ فِيهِمْ : " ثُمَّ اِنْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّه قُلُوبهمْ " . أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْمَلِك الْقَيْسِيّ الْوَاعِظ حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْل الْجَوْهَرِيّ سَمَاعًا مِنْهُ يَقُول : كُنَّا فِي جِنَازَة فَقَالَ الْمُنْذِر بِهَا : اِنْصَرِفُوا رَحِمَكُمْ اللَّه فَقَالَ : لَا يَقُلْ أَحَد اِنْصَرِفُوا فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ فِي قَوْم ذَمَّهُمْ : " ثُمَّ اِنْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّه قُلُوبهمْ " وَلَكِنْ قُولُوا : اِنْقَلِبُوا رَحِمَكُمْ اللَّه فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ فِي قَوْم مَدَحَهُمْ : " فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّه وَفَضْل لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء " [ آل عِمْرَان : 174 ] .
أَخْبَرَ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّهُ صَارِف الْقُلُوب وَمُصَرِّفهَا وَقَالِبهَا وَمُقَلِّبهَا ; رَدًّا عَلَى الْقَدَرِيَّة فِي اِعْتِقَادهمْ أَنَّ قُلُوب الْخَلْق بِأَيْدِيهِمْ وَجَوَارِحهمْ بِحُكْمِهِمْ , يَتَصَرَّفُونَ بِمَشِيئَتِهِمْ وَيَحْكُمُونَ بِإِرَادَاتِهِمْ وَاخْتِيَارهمْ ; وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِك فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ أَشْهَب : مَا أَبْيَنَ هَذَا فِي الرَّدّ عَلَى الْقَدَرِيَّة " لَا يَزَال بُنْيَانهمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَة فِي قُلُوبهمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبهمْ " [ التَّوْبَة : 110 ] . وَقَوْله عَزَّ وَجَلَّ لِنُوحٍ : " إِنَّهُ لَنْ يُؤْمِن مِنْ قَوْمك إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ " [ هُود : 36 ] فَهَذَا لَا يَكُون أَبَدًا وَلَا يَرْجِع وَلَا يَزُول .
لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ↓
هَاتَانِ الْآيَتَانِ ( 128 , 129 ) فِي قَوْل أُبَيّ أَقْرَب الْقُرْآن بِالسَّمَاءِ عَهْدًا . وَفِي قَوْل سَعِيد بْن جُبَيْر : آخِر مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآن " وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّه " [ الْبَقَرَة : 281 ] عَلَى مَا تَقَدَّمَ . فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون قَوْل أُبَيّ : أَقْرَب الْقُرْآن بِالسَّمَاءِ عَهْدًا بَعْد قَوْله : " وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّه " . وَاَللَّه أَعْلَم وَالْخِطَاب لِلْعَرَبِ فِي قَوْل الْجُمْهُور , وَهَذَا عَلَى جِهَة تَعْدِيد النِّعْمَة عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ ; إِذْ جَاءَ بِلِسَانِهِمْ وَبِمَا يَفْهَمُونَهُ , وَشَرُفُوا بِهِ غَابِر الْأَيَّام . وَقَالَ الزَّجَّاج : هِيَ مُخَاطَبَة لِجَمِيعِ الْعَالَم وَالْمَعْنَى : لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُول مِنْ الْبَشَر ; وَالْأَوَّل أَصْوَب . قَالَ اِبْن عَبَّاس : مَا مِنْ قَبِيلَة مِنْ الْعَرَب إِلَّا وَلَدَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّهُ قَالَ : يَا مَعْشَر الْعَرَب لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُول مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيل . وَالْقَوْل الثَّانِي أَوْكَد لِلْحُجَّةِ أَيْ هُوَ بَشَر مِثْلكُمْ لِتَفْهَمُوا عَنْهُ وَتَأْتَمُّوا بِهِ .
" مِنْ أَنْفُسكُمْ " يَقْتَضِي مَدْحًا لِنَسَبِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ مِنْ صَمِيم الْعَرَب وَخَالِصهَا . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ وَاثِلَة بْن الْأَسْقَع قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( إِنَّ اللَّه اِصْطَفَى كِنَانَة مِنْ وَلَد إِسْمَاعِيل وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَة وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْش بَنِي هَاشِم وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِم ) . وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( إِنِّي مِنْ نِكَاح وَلَسْت مِنْ سِفَاح ) . مَعْنَاهُ أَنَّ نَسَبه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى آدَم عَلَيْهِ السَّلَام لَمْ يَكُنْ النَّسْل فِيهِ إِلَّا مِنْ نِكَاح وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ زِنًا . وَقَرَأَ عَبْد اللَّه بْن قُسَيْط الْمَكِّيّ مِنْ " أَنْفَسكُمْ " بِفَتْحِ الْفَاء مِنْ النَّفَاسَة ; وَرُوِيَتْ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ فَاطِمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَيْ جَاءَكُمْ رَسُول مِنْ أَشْرَفكُمْ وَأَفْضَلكُمْ مِنْ قَوْلك : شَيْء نَفِيس إِذَا كَانَ مَرْغُوبًا فِيهِ . وَقِيلَ : مِنْ أَنْفُسكُمْ أَيْ أَكْثَركُمْ طَاعَة .
أَيْ يَعِزّ عَلَيْهِ مَشَقَّتكُمْ . وَالْعَنَت : الْمَشَقَّة ; مِنْ قَوْلهمْ : أَكَمَة عَنُوت إِذَا كَانَتْ شَاقَّة مُهْلِكَة . وَقَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : أَصْل التَّعَنُّت التَّشْدِيد ; فَإِذَا قَالَتْ الْعَرَب : فُلَان يَتَعَنَّت فُلَانًا وَيُعْنِتهُ فَمُرَادهمْ يُشَدِّد عَلَيْهِ وَيُلْزِمهُ بِمَا يَصْعُب عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي [ الْبَقَرَة ] . " وَمَا " فِي " مَا عَنِتُّمْ " مَصْدَرِيَّة , وَهِيَ اِبْتِدَاء و " عَزِيز " خَبَر مُقَدَّم . وَيَجُوز أَنْ يَكُون " مَا عَنِتُّمْ " فَاعِلًا بِعَزِيزٍ , و " عَزِيز " صِفَة لِلرَّسُولِ , وَهُوَ أَصْوَب . وَكَذَا " حَرِيص عَلَيْكُمْ " وَكَذَا " رَءُوف رَحِيم " رُفِعَ عَلَى الصِّفَة . قَالَ الْفَرَّاء : وَلَوْ قُرِئَ عَزِيزًا عَلَيْهِ , مَا عَنِتُّمْ حَرِيصًا رَءُوفًا رَحِيمًا , نَصْبًا عَلَى الْحَال جَازَ . قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : وَأَحْسَن مَا قِيلَ فِي مَعْنَاهُ مِمَّا يُوَافِق كَلَام الْعَرَب مَا حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْأَزْدِيّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الْخُزَاعِيّ قَالَ سَمِعْت عَمْرو بْن عَلِيّ يَقُول : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن دَاوُد الْخُرَيْبِيّ يَقُول فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُول مِنْ أَنْفُسكُمْ عَزِيز عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ " قَالَ : أَنْ تَدْخُلُوا النَّار ,
أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّة . وَقِيلَ : حَرِيص عَلَيْكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا . وَقَالَ : الْفَرَّاء : شَحِيح بِأَنْ تَدْخُلُوا النَّار . وَالْحِرْص عَلَى الشَّيْء : الشُّحّ عَلَيْهِ أَنْ يَضِيع وَيَتْلَف .
الرَّءُوف : الْمُبَالِغ فِي الرَّأْفَة وَالشَّفَقَة . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي [ الْبَقَرَة ] مَعْنَى " رَءُوف رَحِيم " مُسْتَوْفًى . وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : لَمْ يَجْمَع اللَّه لِأَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاء اِسْمَيْنِ مِنْ أَسْمَائِهِ إِلَّا لِلنَّبِيِّ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَإِنَّهُ قَالَ : " بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوف رَحِيم " وَقَالَ : " إِنَّ اللَّه بِالنَّاسِ لَرَءُوف رَحِيم " [ الْحَجّ : 65 ] . وَقَالَ عَبْد الْعَزِيز بْن يَحْيَى : نَظْم الْآيَة لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُول مِنْ أَنْفُسكُمْ عَزِيز حَرِيص بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوف رَحِيم , عَزِيز عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ لَا يَهُمّهُ إِلَّا شَأْنكُمْ , وَهُوَ الْقَائِم بِالشَّفَاعَةِ لَكُمْ فَلَا تَهْتَمُّوا بِمَا عَنِتُّمْ مَا أَقَمْتُمْ عَلَى سُنَّته ; فَإِنَّهُ لَا يُرْضِيه إِلَّا دُخُولكُمْ الْجَنَّة .
" مِنْ أَنْفُسكُمْ " يَقْتَضِي مَدْحًا لِنَسَبِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ مِنْ صَمِيم الْعَرَب وَخَالِصهَا . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ وَاثِلَة بْن الْأَسْقَع قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( إِنَّ اللَّه اِصْطَفَى كِنَانَة مِنْ وَلَد إِسْمَاعِيل وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَة وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْش بَنِي هَاشِم وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِم ) . وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( إِنِّي مِنْ نِكَاح وَلَسْت مِنْ سِفَاح ) . مَعْنَاهُ أَنَّ نَسَبه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى آدَم عَلَيْهِ السَّلَام لَمْ يَكُنْ النَّسْل فِيهِ إِلَّا مِنْ نِكَاح وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ زِنًا . وَقَرَأَ عَبْد اللَّه بْن قُسَيْط الْمَكِّيّ مِنْ " أَنْفَسكُمْ " بِفَتْحِ الْفَاء مِنْ النَّفَاسَة ; وَرُوِيَتْ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ فَاطِمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَيْ جَاءَكُمْ رَسُول مِنْ أَشْرَفكُمْ وَأَفْضَلكُمْ مِنْ قَوْلك : شَيْء نَفِيس إِذَا كَانَ مَرْغُوبًا فِيهِ . وَقِيلَ : مِنْ أَنْفُسكُمْ أَيْ أَكْثَركُمْ طَاعَة .
أَيْ يَعِزّ عَلَيْهِ مَشَقَّتكُمْ . وَالْعَنَت : الْمَشَقَّة ; مِنْ قَوْلهمْ : أَكَمَة عَنُوت إِذَا كَانَتْ شَاقَّة مُهْلِكَة . وَقَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : أَصْل التَّعَنُّت التَّشْدِيد ; فَإِذَا قَالَتْ الْعَرَب : فُلَان يَتَعَنَّت فُلَانًا وَيُعْنِتهُ فَمُرَادهمْ يُشَدِّد عَلَيْهِ وَيُلْزِمهُ بِمَا يَصْعُب عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي [ الْبَقَرَة ] . " وَمَا " فِي " مَا عَنِتُّمْ " مَصْدَرِيَّة , وَهِيَ اِبْتِدَاء و " عَزِيز " خَبَر مُقَدَّم . وَيَجُوز أَنْ يَكُون " مَا عَنِتُّمْ " فَاعِلًا بِعَزِيزٍ , و " عَزِيز " صِفَة لِلرَّسُولِ , وَهُوَ أَصْوَب . وَكَذَا " حَرِيص عَلَيْكُمْ " وَكَذَا " رَءُوف رَحِيم " رُفِعَ عَلَى الصِّفَة . قَالَ الْفَرَّاء : وَلَوْ قُرِئَ عَزِيزًا عَلَيْهِ , مَا عَنِتُّمْ حَرِيصًا رَءُوفًا رَحِيمًا , نَصْبًا عَلَى الْحَال جَازَ . قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : وَأَحْسَن مَا قِيلَ فِي مَعْنَاهُ مِمَّا يُوَافِق كَلَام الْعَرَب مَا حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْأَزْدِيّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الْخُزَاعِيّ قَالَ سَمِعْت عَمْرو بْن عَلِيّ يَقُول : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن دَاوُد الْخُرَيْبِيّ يَقُول فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُول مِنْ أَنْفُسكُمْ عَزِيز عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ " قَالَ : أَنْ تَدْخُلُوا النَّار ,
أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّة . وَقِيلَ : حَرِيص عَلَيْكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا . وَقَالَ : الْفَرَّاء : شَحِيح بِأَنْ تَدْخُلُوا النَّار . وَالْحِرْص عَلَى الشَّيْء : الشُّحّ عَلَيْهِ أَنْ يَضِيع وَيَتْلَف .
الرَّءُوف : الْمُبَالِغ فِي الرَّأْفَة وَالشَّفَقَة . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي [ الْبَقَرَة ] مَعْنَى " رَءُوف رَحِيم " مُسْتَوْفًى . وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : لَمْ يَجْمَع اللَّه لِأَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاء اِسْمَيْنِ مِنْ أَسْمَائِهِ إِلَّا لِلنَّبِيِّ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَإِنَّهُ قَالَ : " بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوف رَحِيم " وَقَالَ : " إِنَّ اللَّه بِالنَّاسِ لَرَءُوف رَحِيم " [ الْحَجّ : 65 ] . وَقَالَ عَبْد الْعَزِيز بْن يَحْيَى : نَظْم الْآيَة لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُول مِنْ أَنْفُسكُمْ عَزِيز حَرِيص بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوف رَحِيم , عَزِيز عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ لَا يَهُمّهُ إِلَّا شَأْنكُمْ , وَهُوَ الْقَائِم بِالشَّفَاعَةِ لَكُمْ فَلَا تَهْتَمُّوا بِمَا عَنِتُّمْ مَا أَقَمْتُمْ عَلَى سُنَّته ; فَإِنَّهُ لَا يُرْضِيه إِلَّا دُخُولكُمْ الْجَنَّة .
فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ↓
أَيْ إِنْ أَعْرَضَ الْكُفَّار يَا مُحَمَّد بَعْد هَذِهِ النِّعَم الَّتِي مِنْ اللَّه عَلَيْهِمْ بِهَا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّه أَيْ كَافِيَّ اللَّه تَعَالَى .
أَيْ اِعْتَمَدْت وَإِلَيْهِ فَوَّضْت جَمِيع أُمُورِي .
خَصَّ الْعَرْش لِأَنَّهُ أَعْظَم الْمَخْلُوقَات فَيَدْخُل فِيهِ مَا دُونه إِذَا مَا ذَكَرَهُ . وَقِرَاءَة الْعَامَّة بِخَفْضِ " الْعَظِيم " نَعْتًا لِلْعَرْشِ . وَقُرِئَ بِالرَّفْعِ صِفَة لِلرَّبِّ , رُوِيَتْ عَنْ اِبْن كَثِير , وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن مُحَيْصِن وَفِي كِتَاب أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء قَالَ : ( مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى حَسْبِيَ اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَهُوَ رَبّ الْعَرْش الْعَظِيم سَبْع مَرَّات كَفَاهُ اللَّه مَا أَهَمَّهُ صَادِقًا كَانَ بِهَا أَوْ كَاذِبًا ) . وَفِي نَوَادِر الْأُصُول عَنْ بُرَيْدَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَالَ عَشْر كَلِمَات عِنْد دُبُر كُلّ صَلَاة وَجَدَ اللَّه عِنْدهنَّ مَكْفِيًّا مَجْزِيًّا خَمْس لِلدُّنْيَا وَخَمْس لِلْآخِرَةِ حَسْبِيَ اللَّه لِدِينِي حَسْبِيَ اللَّه لِدُنْيَايَ حَسْبِيَ اللَّه لِمَا أَهَمَّنِي حَسْبِيَ اللَّه لِمَنْ بَغَى عَلَيَّ حَسْبِيَ اللَّه لِمَنْ حَسَدَنِي حَسْبِيَ اللَّه لِمَنْ كَادَنِي بِسُوءٍ حَسْبِيَ اللَّه عِنْد الْمَوْت حَسْبِيَ اللَّه عِنْد الْمَسْأَلَة فِي الْقَبْر حَسْبِيَ اللَّه عِنْد الْمِيزَان حَسْبِيَ اللَّه عِنْد الصِّرَاط حَسْبِيَ اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَإِلَيْهِ أُنِيب ) . وَحَكَى النَّقَّاش عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب أَنَّهُ قَالَ : أَقْرَب الْقُرْآن عَهْدًا بِاَللَّهِ تَعَالَى هَاتَانِ الْآيَتَانِ " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُول مِنْ أَنْفُسكُمْ " إِلَى آخِر السُّورَة ; وَقَدْ بَيَّنَّاهُ . وَرَوَى يُوسُف بْن مِهْرَان عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ آخِر مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآن " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُول مِنْ أَنْفُسكُمْ " وَهَذِهِ الْآيَة ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ اِبْن عَبَّاس خِلَافه ; عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي [ الْبَقَرَة ] وَهُوَ أَصَحّ . وَقَالَ مُقَاتِل : تَقَدَّمَ نُزُولهَا بِمَكَّة . وَهَذَا فِيهِ بُعْد لِأَنَّ السُّورَة مَدَنِيَّة وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ يَحْيَى بْن جَعْدَة : كَانَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَا يُثْبِت آيَة فِي الْمُصْحَف حَتَّى يَشْهَد عَلَيْهَا رَجُلَانِ فَجَاءَهُ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار بِالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِر سُورَة بَرَاءَة " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُول مِنْ أَنْفُسكُمْ " فَقَالَ عُمَر : وَاَللَّه لَا أَسْأَلك عَلَيْهِمَا بَيِّنَة كَذَلِكَ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَثْبَتَهُمَا . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : الرَّجُل هُوَ خُزَيْمَة بْن ثَابِت وَإِنَّمَا أَثْبَتَهُمَا عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِشَهَادَتِهِ وَحْده لِقِيَامِ الدَّلِيل عَلَى صِحَّتهَا فِي صِفَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ قَرِينَة تُغْنِي عَنْ طَلَب شَاهِد آخَر بِخِلَافِ آيَة الْأَحْزَاب " رِجَال صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّه عَلَيْهِ " [ الْأَحْزَاب : 23 ] فَإِنَّ تِلْكَ ثَبَتَتْ بِشَهَادَةِ زَيْد وَخُزَيْمَة لِسَمَاعِهِمَا إِيَّاهَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي مُقَدِّمَة الْكِتَاب وَالْحَمْد لِلَّهِ .
أَيْ اِعْتَمَدْت وَإِلَيْهِ فَوَّضْت جَمِيع أُمُورِي .
خَصَّ الْعَرْش لِأَنَّهُ أَعْظَم الْمَخْلُوقَات فَيَدْخُل فِيهِ مَا دُونه إِذَا مَا ذَكَرَهُ . وَقِرَاءَة الْعَامَّة بِخَفْضِ " الْعَظِيم " نَعْتًا لِلْعَرْشِ . وَقُرِئَ بِالرَّفْعِ صِفَة لِلرَّبِّ , رُوِيَتْ عَنْ اِبْن كَثِير , وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن مُحَيْصِن وَفِي كِتَاب أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء قَالَ : ( مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى حَسْبِيَ اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَهُوَ رَبّ الْعَرْش الْعَظِيم سَبْع مَرَّات كَفَاهُ اللَّه مَا أَهَمَّهُ صَادِقًا كَانَ بِهَا أَوْ كَاذِبًا ) . وَفِي نَوَادِر الْأُصُول عَنْ بُرَيْدَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَالَ عَشْر كَلِمَات عِنْد دُبُر كُلّ صَلَاة وَجَدَ اللَّه عِنْدهنَّ مَكْفِيًّا مَجْزِيًّا خَمْس لِلدُّنْيَا وَخَمْس لِلْآخِرَةِ حَسْبِيَ اللَّه لِدِينِي حَسْبِيَ اللَّه لِدُنْيَايَ حَسْبِيَ اللَّه لِمَا أَهَمَّنِي حَسْبِيَ اللَّه لِمَنْ بَغَى عَلَيَّ حَسْبِيَ اللَّه لِمَنْ حَسَدَنِي حَسْبِيَ اللَّه لِمَنْ كَادَنِي بِسُوءٍ حَسْبِيَ اللَّه عِنْد الْمَوْت حَسْبِيَ اللَّه عِنْد الْمَسْأَلَة فِي الْقَبْر حَسْبِيَ اللَّه عِنْد الْمِيزَان حَسْبِيَ اللَّه عِنْد الصِّرَاط حَسْبِيَ اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَإِلَيْهِ أُنِيب ) . وَحَكَى النَّقَّاش عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب أَنَّهُ قَالَ : أَقْرَب الْقُرْآن عَهْدًا بِاَللَّهِ تَعَالَى هَاتَانِ الْآيَتَانِ " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُول مِنْ أَنْفُسكُمْ " إِلَى آخِر السُّورَة ; وَقَدْ بَيَّنَّاهُ . وَرَوَى يُوسُف بْن مِهْرَان عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ آخِر مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآن " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُول مِنْ أَنْفُسكُمْ " وَهَذِهِ الْآيَة ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ اِبْن عَبَّاس خِلَافه ; عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي [ الْبَقَرَة ] وَهُوَ أَصَحّ . وَقَالَ مُقَاتِل : تَقَدَّمَ نُزُولهَا بِمَكَّة . وَهَذَا فِيهِ بُعْد لِأَنَّ السُّورَة مَدَنِيَّة وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ يَحْيَى بْن جَعْدَة : كَانَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَا يُثْبِت آيَة فِي الْمُصْحَف حَتَّى يَشْهَد عَلَيْهَا رَجُلَانِ فَجَاءَهُ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار بِالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِر سُورَة بَرَاءَة " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُول مِنْ أَنْفُسكُمْ " فَقَالَ عُمَر : وَاَللَّه لَا أَسْأَلك عَلَيْهِمَا بَيِّنَة كَذَلِكَ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَثْبَتَهُمَا . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : الرَّجُل هُوَ خُزَيْمَة بْن ثَابِت وَإِنَّمَا أَثْبَتَهُمَا عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِشَهَادَتِهِ وَحْده لِقِيَامِ الدَّلِيل عَلَى صِحَّتهَا فِي صِفَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ قَرِينَة تُغْنِي عَنْ طَلَب شَاهِد آخَر بِخِلَافِ آيَة الْأَحْزَاب " رِجَال صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّه عَلَيْهِ " [ الْأَحْزَاب : 23 ] فَإِنَّ تِلْكَ ثَبَتَتْ بِشَهَادَةِ زَيْد وَخُزَيْمَة لِسَمَاعِهِمَا إِيَّاهَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي مُقَدِّمَة الْكِتَاب وَالْحَمْد لِلَّهِ .