الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ { الْحَمْد لِلَّهِ } : الْحَمْد الْكَامِل لِلَّهِ وَحْده لَا شَرِيك لَهُ دُون جَمِيع الْأَنْدَاد وَالْآلِهَة , وَدُون مَا سِوَاهُ مِمَّا تَعْبُدُهُ كَفَرَة خَلْقه مِنْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام . وَهَذَا كَلَام مَخْرَجه مَخْرَج الْخَبَر يُنْحَى بِهِ نَحْو الْأَمْر , يَقُول : أَخْلِصُوا الْحَمْد وَالشُّكْر لِلَّذِي خَلَقَكُمْ أَيّهَا النَّاس وَخَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض , وَلَا تُشْرِكُوا مَعَهُ فِي ذَلِكَ أَحَدًا شَيْئًا , فَإِنَّهُ الْمُسْتَوْجِب عَلَيْكُمْ الْحَمْد بِأَيَادِيهِ عِنْدكُمْ وَنِعَمه عَلَيْكُمْ , لَا مَنْ تَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونه وَتَجْعَلُونَهُ لَهُ شَرِيكًا مِنْ خَلْقه . وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَصْل بَيْن مَعْنَى الْحَمْد وَالشُّكْر بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْل .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَجَعَلَ الظُّلُمَات وَالنُّور } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض , وَأَظْلَمَ اللَّيْل وَأَنَارَ النَّهَار . كَمَا : 10156 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَجَعَلَ الظُّلُمَات وَالنُّور } قَالَ : الظُّلُمَات : ظُلْمَة اللَّيْل , وَالنُّور : نُور النَّهَار . 10157 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , أَمَّا قَوْله : { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَجَعَلَ الظُّلُمَات وَالنُّور } فَإِنَّهُ خَلَقَ السَّمَوَات قَبْل الْأَرْض , وَالظُّلْمَة قَبْل النُّور , وَالْجَنَّة قَبْل النَّار . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا مَعْنَى قَوْله إِذَنْ " جَعَلَ " ؟ قِيلَ : إِنَّ الْعَرَب تَجْعَلهَا ظَرْفًا لِلْخَبَرِ وَالْفِعْل , فَتَقُول : جَعَلْت أَفْعَل كَذَا , وَجَعَلْت أَقُوم وَأَقْعُد , تَدُلّ بِقَوْلِهَا " جَعَلْت " عَلَى اِتِّصَال الْفِعْل , كَمَا تَقُول : عَلِقْت أَفْعَل كَذَا , لَا أَنَّهَا فِي نَفْسهَا فِعْل , يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْل الْقَائِل : جَعَلْت أَقُوم , وَأَنَّهُ لَا جَعْل هُنَاكَ سِوَى الْقِيَام , وَإِنَّمَا دَلَّ بِقَوْلِهِ " جَعَلْت " عَلَى اِتِّصَال الْفِعْل وَدَوَامه , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : وَزَعَمْت أَنَّك سَوْفَ تَسْلُك فَارِدًا وَالْمَوْت مُكْتَنِعٌ طَرِيقَيْ قَادِر فَاجْعَلْ تَحَلَّلْ مِنْ يَمِينك إِنَّمَا حِنْثُ الْيَمِينِ عَلَى اللَّئِيمِ الْفَاجِرِ يَقُول : " فَاجْعَلْ تَحَلَّلْ " بِمَعْنَى : تَحَلَّلْ شَيْئًا بَعْد شَيْء , لَا أَنَّ هُنَاكَ جَعْلًا مِنْ غَيْر التَّحْلِيل . فَكَذَلِكَ كُلُّ جَعْل فِي الْكَلَام إِنَّمَا هُوَ دَلِيل عَلَى فِعْل لَهُ اِتِّصَال , لَا أَنَّ لَهُ خَطًّا فِي مَعْنَى الْفِعْل ; فَقَوْله : { وَجَعَلَ الظُّلُمَات وَالنُّور } إِنَّمَا هُوَ أَظْلَمَ لَيْلهمَا وَأَنَارَ نَهَارهمَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ مُعَجِّبًا خَلْقَهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ كَفَرَة عِبَاده وَمُحْتَجًّا عَلَى الْكَافِرِينَ : إِنَّ الْإِلَه الَّذِي يَجِب عَلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس حَمْده هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض , الَّذِي جَعَلَ مِنْهُمَا مَعَايِشكُمْ وَأَقْوَاتكُمْ وَأَقْوَات أَنْعَامكُمْ الَّتِي بِهَا حَيَاتكُمْ , فَمِنْ السَّمَوَات يَنْزِل عَلَيْكُمْ الْغَيْث وَفِيهَا تَجْرِي الشَّمْس وَالْقَمَر بِاعْتِقَابٍ وَاخْتِلَاف لِمَصَالِحِكُمْ , وَمِنْ الْأَرْض يَنْبُت الْحُبّ الَّذِي بِهِ غِذَاؤُكُمْ وَالثِّمَار الَّتِي فِيهَا مَلَاذّكُمْ , مَعَ غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأُمُور الَّتِي فِيهَا مَصَالِحكُمْ وَمَنَافِعكُمْ بِهَا . وَاَلَّذِينَ يَجْحَدُونَ نِعْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ خَلْق ذَلِكَ لَهُمْ وَلَكُمْ أَيّهَا النَّاس بِرَبِّهِمْ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ وَأَحْدَثَهُ { يَعْدِلُونَ } : يَجْعَلُونَ لَهُ شَرِيكًا فِي عِبَادَتهمْ إِيَّاهُ , فَيَعْبُدُونَ مَعَهُ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد وَالْأَصْنَام وَالْأَوْثَان , وَلَيْسَ مِنْهَا شَيْء شَرِكَهُ فِي خَلْق شَيْء مِنْ ذَلِكَ وَلَا فِي إِنْعَامه عَلَيْهِمْ بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ , بَلْ هُوَ الْمُنْفَرِد بِذَلِكَ كُلّه , وَهُمْ يُشْرِكُونَ فِي عِبَادَتهمْ إِيَّاهُ غَيْره . فَسُبْحَان اللَّه مَا أَبْلَغهَا مِنْ حُجَّة وَأَوْجَزهَا مِنْ عِظَة , لِمَنْ فَكَّرَ فِيهَا بِعَقْلٍ وَتَدَبَّرَهَا بِفَهْمٍ ! وَلَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا فَاتِحَة التَّوْرَاة . 10158 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد الصَّمَد الْعَمِّيّ , عَنْ أَبِي عِمْرَان الْجَوْنِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن رَبَاح , عَنْ كَعْب , قَالَ : فَاتِحَة التَّوْرَاة فَاتِحَة الْأَنْعَام : { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَجَعَلَ الظُّلُمَات وَالنُّور ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } . 10159 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا زَيْد بْن جُرَيْج , عَنْ جَعْفَر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِي عِمْرَان الْجَوْنِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن رَبَاح , عَنْ كَعْب , مِثْله . وَزَادَ فِيهِ : وَخَاتِمَة التَّوْرَاة خَاتِمَة هُود . يُقَال مِنْ مُسَاوَاة الشَّيْء بِالشَّيْءِ : عَدَلْت هَذَا بِهَذَا , إِذَا سَاوَيْته بِهِ عِدْلًا . وَأَمَّا فِي الْحُكْم إِذَا أَنْصَفْت فِيهِ , فَإِنَّك تَقُول : عَدَلْت فِيهِ أَعْدِل عَدْلًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { يَعْدِلُونَ } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10160 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { يَعْدِلُونَ } قَالَ : يُشْرِكُونَ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ عُنِيَ بِذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهِ أَهْل الْكِتَاب . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10161 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَعْقُوب الْقُمِّيّ , عَنْ جَعْفَر بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ اِبْن أَبْزَى , قَالَ : جَاءَهُ رَجُل مِنْ الْخَوَارِج يَقْرَأ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَة : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَجَعَلَ الظُّلُمَات وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } قَالَ لَهُ : أَلَيْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ؟ قَالَ : بَلَى . قَالَ : وَانْصَرَفَ عَنْهُ الرَّجُلُ , فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ : يَا اِبْن أَبْزَى , إِنَّ هَذَا قَدْ أَرَادَ تَفْسِيرَ هَذِهِ غَيْرَ هَذَا , إِنَّهُ رَجُلٌ مِنْ الْخَوَارِج ! فَقَالَ : رُدُّوهُ عَلَيَّ ! فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ : هَلْ تَدْرِي فِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة ؟ قَالَ : لَا . قَالَ إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَهْل الْكِتَاب , اِذْهَبْ وَلَا تَضَعْهَا عَلَى غَيْرِ حَدِّهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِهَا الْمُشْرِكُونَ مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10162 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } قَالَ : هَؤُلَاءِ أَهْل صَرَاحَة . 10163 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } قَالَ : هُمْ الْمُشْرِكُونَ . 10164 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } قَالَ : الْآلِهَة الَّتِي عَبَدُوهَا عَدَلُوهَا بِاَللَّهِ قَالَ : وَلَيْسَ بِاَللَّهِ عِدْل وَلَا نِدّ , وَلَيْسَ مَعَهُ آلِهَة , وَلَا اِتَّخَذَ صَاحِبَة وَلَا وَلَدًا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ , فَعَمَّ بِذَلِكَ جَمِيعَ الْكُفَّار , وَلَمْ يُخَصِّصْ مِنْهُمْ بَعْضًا دُون بَعْض , فَجَمِيعُهُمْ دَاخِلُونَ فِي ذَلِكَ : قَتَادَة , وَنَصَارَاهُمْ , وَمَجُوسهمْ , وَعَبَدَة الْأَوْثَان مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرهمْ مِنْ سَائِر أَصْنَاف الْكُفْر .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَجَعَلَ الظُّلُمَات وَالنُّور } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض , وَأَظْلَمَ اللَّيْل وَأَنَارَ النَّهَار . كَمَا : 10156 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَجَعَلَ الظُّلُمَات وَالنُّور } قَالَ : الظُّلُمَات : ظُلْمَة اللَّيْل , وَالنُّور : نُور النَّهَار . 10157 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , أَمَّا قَوْله : { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَجَعَلَ الظُّلُمَات وَالنُّور } فَإِنَّهُ خَلَقَ السَّمَوَات قَبْل الْأَرْض , وَالظُّلْمَة قَبْل النُّور , وَالْجَنَّة قَبْل النَّار . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا مَعْنَى قَوْله إِذَنْ " جَعَلَ " ؟ قِيلَ : إِنَّ الْعَرَب تَجْعَلهَا ظَرْفًا لِلْخَبَرِ وَالْفِعْل , فَتَقُول : جَعَلْت أَفْعَل كَذَا , وَجَعَلْت أَقُوم وَأَقْعُد , تَدُلّ بِقَوْلِهَا " جَعَلْت " عَلَى اِتِّصَال الْفِعْل , كَمَا تَقُول : عَلِقْت أَفْعَل كَذَا , لَا أَنَّهَا فِي نَفْسهَا فِعْل , يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْل الْقَائِل : جَعَلْت أَقُوم , وَأَنَّهُ لَا جَعْل هُنَاكَ سِوَى الْقِيَام , وَإِنَّمَا دَلَّ بِقَوْلِهِ " جَعَلْت " عَلَى اِتِّصَال الْفِعْل وَدَوَامه , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : وَزَعَمْت أَنَّك سَوْفَ تَسْلُك فَارِدًا وَالْمَوْت مُكْتَنِعٌ طَرِيقَيْ قَادِر فَاجْعَلْ تَحَلَّلْ مِنْ يَمِينك إِنَّمَا حِنْثُ الْيَمِينِ عَلَى اللَّئِيمِ الْفَاجِرِ يَقُول : " فَاجْعَلْ تَحَلَّلْ " بِمَعْنَى : تَحَلَّلْ شَيْئًا بَعْد شَيْء , لَا أَنَّ هُنَاكَ جَعْلًا مِنْ غَيْر التَّحْلِيل . فَكَذَلِكَ كُلُّ جَعْل فِي الْكَلَام إِنَّمَا هُوَ دَلِيل عَلَى فِعْل لَهُ اِتِّصَال , لَا أَنَّ لَهُ خَطًّا فِي مَعْنَى الْفِعْل ; فَقَوْله : { وَجَعَلَ الظُّلُمَات وَالنُّور } إِنَّمَا هُوَ أَظْلَمَ لَيْلهمَا وَأَنَارَ نَهَارهمَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ مُعَجِّبًا خَلْقَهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ كَفَرَة عِبَاده وَمُحْتَجًّا عَلَى الْكَافِرِينَ : إِنَّ الْإِلَه الَّذِي يَجِب عَلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس حَمْده هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض , الَّذِي جَعَلَ مِنْهُمَا مَعَايِشكُمْ وَأَقْوَاتكُمْ وَأَقْوَات أَنْعَامكُمْ الَّتِي بِهَا حَيَاتكُمْ , فَمِنْ السَّمَوَات يَنْزِل عَلَيْكُمْ الْغَيْث وَفِيهَا تَجْرِي الشَّمْس وَالْقَمَر بِاعْتِقَابٍ وَاخْتِلَاف لِمَصَالِحِكُمْ , وَمِنْ الْأَرْض يَنْبُت الْحُبّ الَّذِي بِهِ غِذَاؤُكُمْ وَالثِّمَار الَّتِي فِيهَا مَلَاذّكُمْ , مَعَ غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأُمُور الَّتِي فِيهَا مَصَالِحكُمْ وَمَنَافِعكُمْ بِهَا . وَاَلَّذِينَ يَجْحَدُونَ نِعْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ خَلْق ذَلِكَ لَهُمْ وَلَكُمْ أَيّهَا النَّاس بِرَبِّهِمْ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ وَأَحْدَثَهُ { يَعْدِلُونَ } : يَجْعَلُونَ لَهُ شَرِيكًا فِي عِبَادَتهمْ إِيَّاهُ , فَيَعْبُدُونَ مَعَهُ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد وَالْأَصْنَام وَالْأَوْثَان , وَلَيْسَ مِنْهَا شَيْء شَرِكَهُ فِي خَلْق شَيْء مِنْ ذَلِكَ وَلَا فِي إِنْعَامه عَلَيْهِمْ بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ , بَلْ هُوَ الْمُنْفَرِد بِذَلِكَ كُلّه , وَهُمْ يُشْرِكُونَ فِي عِبَادَتهمْ إِيَّاهُ غَيْره . فَسُبْحَان اللَّه مَا أَبْلَغهَا مِنْ حُجَّة وَأَوْجَزهَا مِنْ عِظَة , لِمَنْ فَكَّرَ فِيهَا بِعَقْلٍ وَتَدَبَّرَهَا بِفَهْمٍ ! وَلَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا فَاتِحَة التَّوْرَاة . 10158 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد الصَّمَد الْعَمِّيّ , عَنْ أَبِي عِمْرَان الْجَوْنِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن رَبَاح , عَنْ كَعْب , قَالَ : فَاتِحَة التَّوْرَاة فَاتِحَة الْأَنْعَام : { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَجَعَلَ الظُّلُمَات وَالنُّور ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } . 10159 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا زَيْد بْن جُرَيْج , عَنْ جَعْفَر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِي عِمْرَان الْجَوْنِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن رَبَاح , عَنْ كَعْب , مِثْله . وَزَادَ فِيهِ : وَخَاتِمَة التَّوْرَاة خَاتِمَة هُود . يُقَال مِنْ مُسَاوَاة الشَّيْء بِالشَّيْءِ : عَدَلْت هَذَا بِهَذَا , إِذَا سَاوَيْته بِهِ عِدْلًا . وَأَمَّا فِي الْحُكْم إِذَا أَنْصَفْت فِيهِ , فَإِنَّك تَقُول : عَدَلْت فِيهِ أَعْدِل عَدْلًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { يَعْدِلُونَ } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10160 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { يَعْدِلُونَ } قَالَ : يُشْرِكُونَ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ عُنِيَ بِذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهِ أَهْل الْكِتَاب . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10161 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَعْقُوب الْقُمِّيّ , عَنْ جَعْفَر بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ اِبْن أَبْزَى , قَالَ : جَاءَهُ رَجُل مِنْ الْخَوَارِج يَقْرَأ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَة : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَجَعَلَ الظُّلُمَات وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } قَالَ لَهُ : أَلَيْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ؟ قَالَ : بَلَى . قَالَ : وَانْصَرَفَ عَنْهُ الرَّجُلُ , فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ : يَا اِبْن أَبْزَى , إِنَّ هَذَا قَدْ أَرَادَ تَفْسِيرَ هَذِهِ غَيْرَ هَذَا , إِنَّهُ رَجُلٌ مِنْ الْخَوَارِج ! فَقَالَ : رُدُّوهُ عَلَيَّ ! فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ : هَلْ تَدْرِي فِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة ؟ قَالَ : لَا . قَالَ إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَهْل الْكِتَاب , اِذْهَبْ وَلَا تَضَعْهَا عَلَى غَيْرِ حَدِّهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِهَا الْمُشْرِكُونَ مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10162 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } قَالَ : هَؤُلَاءِ أَهْل صَرَاحَة . 10163 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } قَالَ : هُمْ الْمُشْرِكُونَ . 10164 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } قَالَ : الْآلِهَة الَّتِي عَبَدُوهَا عَدَلُوهَا بِاَللَّهِ قَالَ : وَلَيْسَ بِاَللَّهِ عِدْل وَلَا نِدّ , وَلَيْسَ مَعَهُ آلِهَة , وَلَا اِتَّخَذَ صَاحِبَة وَلَا وَلَدًا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ , فَعَمَّ بِذَلِكَ جَمِيعَ الْكُفَّار , وَلَمْ يُخَصِّصْ مِنْهُمْ بَعْضًا دُون بَعْض , فَجَمِيعُهُمْ دَاخِلُونَ فِي ذَلِكَ : قَتَادَة , وَنَصَارَاهُمْ , وَمَجُوسهمْ , وَعَبَدَة الْأَوْثَان مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرهمْ مِنْ سَائِر أَصْنَاف الْكُفْر .
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِين } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِين } أَنَّ اللَّه الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض , وَأَظْلَمَ لَيْلهمَا وَأَنَارَ نَهَارهمْ , فَكَفَرَ بِهِ مَعَ إِنْعَامه عَلَيْهِمْ الْكَافِرُونَ , وَعَدَلُوا بِهِ مَنْ لَا يَنْفَعهُمْ وَلَا يَضُرّهُمْ . هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ أَيّهَا النَّاس مِنْ طِين ; وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّ النَّاس وَلَدُ مَنْ خَلَقَهُ مِنْ طِينٍ , فَأَخْرَجَ ذَلِكَ مَخْرَج الْخِطَاب لَهُمْ , إِذْ كَانُوا وَلَدَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10165 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِين } بَدْء الْخَلْق خَلَقَ اللَّه آدَم مِنْ طِين . 10166 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِين } قَالَ : هُوَ آدَم . 10167 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا خَلَقَكُمْ مِنْ طِين : فَآدَم . 10168 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَبُو كُرَيْب , عَنْ عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , قَالَ : خُلِقَ آدَم مِنْ طِين , وَخُلِقَ النَّاسُ مِنْ سُلَالَة مِنْ مَاء مَهِين . 10169 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { خَلَقَكُمْ مِنْ طِين } قَالَ : خَلَقَ آدَم مِنْ طِين , ثُمَّ خَلَقَنَا مِنْ آدَم حِين أَخَذَنَا مِنْ ظَهْرِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْده } . اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى قَوْله : { ثُمَّ قَضَى أَجَلًا } : ثُمَّ قَضَى لَكُمْ أَيّهَا النَّاس أَجَلًا , وَذَلِكَ مَا بَيْن أَنْ يُخْلَقَ إِلَى أَنْ يَمُوت ; { وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } وَذَلِكَ مَا بَيْن أَنْ يَمُوت إِلَى أَنْ يُبْعَث . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10170 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , وَهَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَا : ثَنَا وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ أَبِي بَكْر جُوَيْبِر , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { قَضَى أَجَلًا } قَالَ : مَا بَيْن أَنْ يُخْلَق إِلَى أَنْ يَمُوت . { وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } قَالَ : مَا بَيْن أَنْ يَمُوت إِلَى أَنْ يُبْعَث . 10171 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } كَانَ يَقُول : أَجَل حَيَاتك إِلَى أَنْ تَمُوت وَأَجَل مَوْتِك إِلَى أَنْ تُبْعَث , فَأَنْتَ بَيْن أَجَلَيْنِ مِنْ اللَّه تَعَالَى . 10172 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَبُو كُرَيْب , عَنْ عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم : { قَضَى أَجَلًا وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } قَالَ : قَضَى أَجَل الْمَوْت , وَكُلُّ نَفْس أَجَلهَا الْمَوْت . قَالَ : { وَلَنْ يُؤَخِّر اللَّه نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلهَا } . { وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } يَعْنِي : أَجَل السَّاعَة ذَهَاب الدُّنْيَا وَالْإِفْضَاء إِلَى اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : ثُمَّ قَضَى الدُّنْيَا وَعِنْده الْآخِرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10173 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { أَجَلًا } قَالَ : الدُّنْيَا . { وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } الْآخِرَة . 10174 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ زَكَرِيَّا بْن إِسْحَاق , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { قَضَى أَجَلًا } قَالَ : الْآخِرَة عِنْده . { وَأَجَل مُسَمًّى } الدُّنْيَا . - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { أَجَلًا } قَالَ : الْآخِرَة عِنْده . { وَأَجَل مُسَمًّى } قَالَ : الدُّنْيَا . - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { أَجَلًا } قَالَ : الْآخِرَة عِنْده . { وَأَجَل مُسَمًّى } قَالَ : الدُّنْيَا . 10175 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة وَالْحَسَن : { ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } قَالَا : قَضَى أَجَل الدُّنْيَا مِنْ حِين خَلْقك إِلَى أَنْ تَمُوت . { وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } يَوْم الْقِيَامَة . 10176 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا وَكِيع , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة : { ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } قَالَ : قَضَى أَجَل الدُّنْيَا . { وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } قَالَ : هُوَ أَجَل الْبَعْث . 10177 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة : { ثُمَّ قَضَى أَجَلًا } قَالَ : الْمَوْت . { وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } الْآخِرَة . - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة وَالْحَسَن , فِي قَوْله : { ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } قَالَا : قَضَى أَجَل الدُّنْيَا مُنْذُ يَوْم خُلِقْت إِلَى أَنْ تَمُوت , وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده يَوْم الْقِيَامَة . - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع وَابْن حُمَيْد , قَالَا : ثَنَا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : { قَضَى أَجَلًا } قَالَ : أَجَل الدُّنْيَا . { وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } قَالَ : الْبَعْث . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } يَعْنِي : أَجَل الْمَوْت . وَالْأَجَل الْمُسَمَّى : أَجَل السَّاعَة , الْوُقُوف عِنْد اللَّه . 10178 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { قَضَى أَجَلًا } قَالَ : أَمَّا قَضَى أَجَلًا : فَأَجَل الْمَوْت . { وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا : 10179 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } قَالَ : أَمَّا قَوْله : { قَضَى أَجَلًا } فَهُوَ النَّوْم تُقْبَض فِيهِ الرُّوح ثُمَّ تَرْجِع إِلَى صَاحِبهَا حِين الْيَقَظَة . { وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } : هُوَ أَجَل مَوْتِ الْإِنْسَانِ . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 10180 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , فِي قَوْله : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِين ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ } قَالَ : خَلَقَ آدَم مِنْ طِين , ثُمَّ خَلَقَنَا مِنْ آدَم , أَخَذَنَا مِنْ ظَهْره , ثُمَّ أَخَذَ الْأَجَل وَالْمِيثَاق فِي أَجَل وَاحِد مُسَمًّى فِي هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : ثُمَّ قَضَى أَجَل هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا , { وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } وَهُوَ أَجَل الْبَعْث عِنْده . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ , لِأَنَّهُ تَعَالَى نَبَّهَ خَلْقه عَلَى مَوْضِع حُجَّتِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسهمْ , فَقَالَ لَهُمْ : أَيّهَا النَّاس , إِنَّ الَّذِي يَعْدِل بِهِ كَفَّاركُمْ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَابْتَدَأَكُمْ وَأَنْشَأَكُمْ مِنْ طِين , فَجَعَلَكُمْ صُوَرًا أَجْسَامًا أَحْيَاء بَعْد إِذْ كُنْتُمْ طِينًا جَمَادًا , ثُمَّ قَضَى آجَال حَيَاتِكُمْ لِفَنَائِكُمْ وَمَمَاتكُمْ , لِيُعِيدَكُمْ تُرَابًا وَطِينًا كَاَلَّذِي كُنْتُمْ قَبْل أَنْ يُنْشِئكُمْ وَيَخْلُقكُمْ . { وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } لِإِعَادَتِكُمْ أَحْيَاء وَأَجْسَامًا كَاَلَّذِي كُنْتُمْ قَبْل مَمَاتكُمْ . وَذَلِكَ نَظِير قَوْله : { كَيْف تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } . 2 28
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : ثُمَّ أَنْتُمْ تَشُكُّونَ فِي قُدْرَة مَنْ قَدَرَ عَلَى خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض , وَإِظْلَام اللَّيْل وَإِنَارَة النَّهَار , وَخَلَقَكُمْ مِنْ طِين حَتَّى صَيَّرَكُمْ بِالْهَيْئَةِ الَّتِي أَنْتُمْ بِهَا عَلَى إِنْشَائِهِ إِيَّاكُمْ مِنْ بَعْد مَمَاتكُمْ وَفِنَائِكُمْ , وَإِيجَاده إِيَّاكُمْ بَعْد عَدَمكُمْ . وَالْمِرْيَة فِي كَلَام الْعَرَب هِيَ الشَّكّ , وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَقَدْ : 10181 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : { ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ } قَالَ : الشَّكّ . قَالَ : وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { فِي مِرْيَة مِنْهُ } 11 17 قَالَ : فِي شَكَّ مِنْهُ . 10182 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ } بِمِثْلِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْده } . اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى قَوْله : { ثُمَّ قَضَى أَجَلًا } : ثُمَّ قَضَى لَكُمْ أَيّهَا النَّاس أَجَلًا , وَذَلِكَ مَا بَيْن أَنْ يُخْلَقَ إِلَى أَنْ يَمُوت ; { وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } وَذَلِكَ مَا بَيْن أَنْ يَمُوت إِلَى أَنْ يُبْعَث . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10170 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , وَهَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَا : ثَنَا وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ أَبِي بَكْر جُوَيْبِر , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { قَضَى أَجَلًا } قَالَ : مَا بَيْن أَنْ يُخْلَق إِلَى أَنْ يَمُوت . { وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } قَالَ : مَا بَيْن أَنْ يَمُوت إِلَى أَنْ يُبْعَث . 10171 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } كَانَ يَقُول : أَجَل حَيَاتك إِلَى أَنْ تَمُوت وَأَجَل مَوْتِك إِلَى أَنْ تُبْعَث , فَأَنْتَ بَيْن أَجَلَيْنِ مِنْ اللَّه تَعَالَى . 10172 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَبُو كُرَيْب , عَنْ عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم : { قَضَى أَجَلًا وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } قَالَ : قَضَى أَجَل الْمَوْت , وَكُلُّ نَفْس أَجَلهَا الْمَوْت . قَالَ : { وَلَنْ يُؤَخِّر اللَّه نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلهَا } . { وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } يَعْنِي : أَجَل السَّاعَة ذَهَاب الدُّنْيَا وَالْإِفْضَاء إِلَى اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : ثُمَّ قَضَى الدُّنْيَا وَعِنْده الْآخِرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10173 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { أَجَلًا } قَالَ : الدُّنْيَا . { وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } الْآخِرَة . 10174 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ زَكَرِيَّا بْن إِسْحَاق , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { قَضَى أَجَلًا } قَالَ : الْآخِرَة عِنْده . { وَأَجَل مُسَمًّى } الدُّنْيَا . - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { أَجَلًا } قَالَ : الْآخِرَة عِنْده . { وَأَجَل مُسَمًّى } قَالَ : الدُّنْيَا . - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { أَجَلًا } قَالَ : الْآخِرَة عِنْده . { وَأَجَل مُسَمًّى } قَالَ : الدُّنْيَا . 10175 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة وَالْحَسَن : { ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } قَالَا : قَضَى أَجَل الدُّنْيَا مِنْ حِين خَلْقك إِلَى أَنْ تَمُوت . { وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } يَوْم الْقِيَامَة . 10176 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا وَكِيع , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة : { ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } قَالَ : قَضَى أَجَل الدُّنْيَا . { وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } قَالَ : هُوَ أَجَل الْبَعْث . 10177 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة : { ثُمَّ قَضَى أَجَلًا } قَالَ : الْمَوْت . { وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } الْآخِرَة . - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة وَالْحَسَن , فِي قَوْله : { ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } قَالَا : قَضَى أَجَل الدُّنْيَا مُنْذُ يَوْم خُلِقْت إِلَى أَنْ تَمُوت , وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده يَوْم الْقِيَامَة . - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع وَابْن حُمَيْد , قَالَا : ثَنَا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : { قَضَى أَجَلًا } قَالَ : أَجَل الدُّنْيَا . { وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } قَالَ : الْبَعْث . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } يَعْنِي : أَجَل الْمَوْت . وَالْأَجَل الْمُسَمَّى : أَجَل السَّاعَة , الْوُقُوف عِنْد اللَّه . 10178 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { قَضَى أَجَلًا } قَالَ : أَمَّا قَضَى أَجَلًا : فَأَجَل الْمَوْت . { وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا : 10179 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } قَالَ : أَمَّا قَوْله : { قَضَى أَجَلًا } فَهُوَ النَّوْم تُقْبَض فِيهِ الرُّوح ثُمَّ تَرْجِع إِلَى صَاحِبهَا حِين الْيَقَظَة . { وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } : هُوَ أَجَل مَوْتِ الْإِنْسَانِ . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 10180 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , فِي قَوْله : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِين ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ } قَالَ : خَلَقَ آدَم مِنْ طِين , ثُمَّ خَلَقَنَا مِنْ آدَم , أَخَذَنَا مِنْ ظَهْره , ثُمَّ أَخَذَ الْأَجَل وَالْمِيثَاق فِي أَجَل وَاحِد مُسَمًّى فِي هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : ثُمَّ قَضَى أَجَل هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا , { وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } وَهُوَ أَجَل الْبَعْث عِنْده . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ , لِأَنَّهُ تَعَالَى نَبَّهَ خَلْقه عَلَى مَوْضِع حُجَّتِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسهمْ , فَقَالَ لَهُمْ : أَيّهَا النَّاس , إِنَّ الَّذِي يَعْدِل بِهِ كَفَّاركُمْ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَابْتَدَأَكُمْ وَأَنْشَأَكُمْ مِنْ طِين , فَجَعَلَكُمْ صُوَرًا أَجْسَامًا أَحْيَاء بَعْد إِذْ كُنْتُمْ طِينًا جَمَادًا , ثُمَّ قَضَى آجَال حَيَاتِكُمْ لِفَنَائِكُمْ وَمَمَاتكُمْ , لِيُعِيدَكُمْ تُرَابًا وَطِينًا كَاَلَّذِي كُنْتُمْ قَبْل أَنْ يُنْشِئكُمْ وَيَخْلُقكُمْ . { وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده } لِإِعَادَتِكُمْ أَحْيَاء وَأَجْسَامًا كَاَلَّذِي كُنْتُمْ قَبْل مَمَاتكُمْ . وَذَلِكَ نَظِير قَوْله : { كَيْف تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } . 2 28
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : ثُمَّ أَنْتُمْ تَشُكُّونَ فِي قُدْرَة مَنْ قَدَرَ عَلَى خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض , وَإِظْلَام اللَّيْل وَإِنَارَة النَّهَار , وَخَلَقَكُمْ مِنْ طِين حَتَّى صَيَّرَكُمْ بِالْهَيْئَةِ الَّتِي أَنْتُمْ بِهَا عَلَى إِنْشَائِهِ إِيَّاكُمْ مِنْ بَعْد مَمَاتكُمْ وَفِنَائِكُمْ , وَإِيجَاده إِيَّاكُمْ بَعْد عَدَمكُمْ . وَالْمِرْيَة فِي كَلَام الْعَرَب هِيَ الشَّكّ , وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَقَدْ : 10181 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : { ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ } قَالَ : الشَّكّ . قَالَ : وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { فِي مِرْيَة مِنْهُ } 11 17 قَالَ : فِي شَكَّ مِنْهُ . 10182 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ } بِمِثْلِهِ .
وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ اللَّه فِي السَّمَوَات وَفِي الْأَرْض يَعْلَم سِرّكُمْ وَجَهْركُمْ وَيَعْلَم مَا تَكْسِبُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرهُ : إِنَّ الَّذِي لَهُ الْأُلُوهَة الَّتِي لَا تَنْبَغِي لِغَيْرِهِ الْمُسْتَحِقّ عَلَيْكُمْ إِخْلَاص الْحَمْد لَهُ بِآلَائِهِ عِنْدكُمْ أَيّهَا النَّاس الَّذِي يَعْدِل بِهِ كُفَّاركُمْ مَنْ سِوَاهُ , هُوَ اللَّه الَّذِي هُوَ فِي السَّمَوَات وَفِي الْأَرْض , { يَعْلَم سِرّكُمْ وَجَهْركُمْ } فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء , يَقُول : فَرَبّكُمْ الَّذِي يَسْتَحِقّ عَلَيْكُمْ الْحَمْد وَيَجِب عَلَيْكُمْ إِخْلَاص الْعِبَادَة لَهُ , هُوَ هَذَا الَّذِي صِفَته , لَا مَنْ لَا يَقْدِر لَكُمْ عَلَى ضُرّ وَلَا نَفْع وَلَا يَعْمَل شَيْئًا وَلَا يَدْفَع عَنْ نَفْسه سُوءًا أُرِيد بِهَا . وَأَمَّا قَوْله : { وَيَعْلَم مَا تَكْسِبُونَ } يَقُول : وَيَعْلَم مَا تَعْمَلُونَ وَتَجْرَحُونَ , فَيُحْصِي ذَلِكَ عَلَيْكُمْ لِيُجَازِيَكُمْ بِهِ عِنْد مَعَادكُمْ إِلَيْهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَة مِنْ آيَات رَبّهمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرهُ : وَمَا تَأْتِي هَؤُلَاءِ الْكُفَّار الَّذِينَ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ أَوْثَانهمْ وَآلِهَتهمْ { آيَة مِنْ آيَات رَبّهمْ } يَقُول : حُجَّة وَعَلَامَة وَدَلَالَة مِنْ حُجَج رَبّهمْ وَدَلَالَاته وَأَعْلَامه عَلَى وَحْدَانِيّته وَحَقِيقَة نُبُوَّتك يَا مُحَمَّد وَصِدْق مَا أَتَيْتهمْ بِهِ مِنْ عِنْدِي , { إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ } يَقُول : إِلَّا أَعْرَضُوا عَنْهَا , يَعْنِي عَنْ الْآيَة , فَصَدُّوا عَنْ قَبُولهَا وَالْإِقْرَار بِمَا شَهِدَتْ عَلَى حَقِيقَته وَدَلَّتْ عَلَى صِحَّتِهِ , جَهْلًا مِنْهُمْ بِاَللَّهِ وَاغْتِرَارًا بِحِلْمِهِ عَنْهُمْ .
فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاء مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : فَقَدْ كَذَّبَ هَؤُلَاءِ الْعَادِلُونَ بِاَللَّهِ الْحَقّ لَمَّا جَاءَهُمْ , وَذَلِكَ الْحَقّ هُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَذَّبُوا بِهِ , وَجَحَدُوا نُبُوَّته لَمَّا جَاءَهُمْ قَالَ اللَّه لَهُمْ مُتَوَعِّدًا عَلَى تَكْذِيبهمْ إِيَّاهُ وَجُحُودهمْ نُبُوَّته : سَوْفَ يَأْتِي الْمُكَذِّبِينَ بِك يَا مُحَمَّد مِنْ قَوْمك وَغَيْرهمْ { أَنْبَاء مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } يَقُول : سَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَخْبَار اِسْتِهْزَائِهِمْ بِمَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ مِنْ آيَاتِي وَأَدِلَّتِي الَّتِي آتَيْتهمْ . ثُمَّ وَفَى لَهُمْ بِوَعِيدِهِ لَمَّا تَمَادَوْا فِي غَيّهمْ وَعَتَوْا عَلَى رَبّهمْ , فَقَتَلَهُمْ يَوْم بَدْر بِالسَّيْفِ .
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلهمْ مِنْ قَرْن مُكَنَّاهُمْ فِي الْأَرْض مَا لَمْ نُمَكِّن لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَار تَجْرِي مِنْ تَحْتهمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدهمْ قَرْنًا آخَرِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَمْ يَرَ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِآيَاتِي الْجَاحِدُونَ نُبُوَّتك , كَثْرَة مَنْ أَهْلَكْت مِنْ قَبْلهمْ مِنْ الْقُرُون , وَهُمْ الْأُمَم الَّذِينَ وَطَّأْت لَهُمْ الْبِلَاد وَالْأَرْض وَطَاءَة لَمْ أُوَطِّئْهَا لَكُمْ , وَأَعْطَيْتهمْ فِيهَا مَا لَمْ أُعْطِكُمْ . كَمَا : 10183 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْض مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ } يَقُول : أَعْطَيْنَاهُمْ مَا لَمْ نُعْطِكُمْ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَمْطَرَتْ فَأَخْرَجَتْ لَهُمْ الْأَشْجَار ثِمَارهَا , وَأَعْطَتْهُمْ الْأَرْض رِيع نَبَاتهَا , وَجَابُوا صُخُور جِبَالهَا , وَدَرَّتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاء بِأَمْطَارِهَا , وَتَفَجَّرَتْ مِنْ تَحْتهمْ عُيُون الْمِيَاه بِيَنَابِيعِهَا بِإِذْنِي , فَغَمَطُوا نِعْمَة رَبّهمْ وَعَصَوْا رَسُول خَالِقهمْ وَخَالَفُوا أَمْر بَارِئِهِمْ , وَبَغَوْا حَتَّى حَقَّ عَلَيْهِمْ قَوْلِي , فَأَخَذْتهمْ بِمَا اِجْتَرَحُوا مِنْ ذُنُوبهمْ وَعَاقَبْتُهمْ بِمَا اِكْتَسَبَتْ أَيْدِيهمْ , وَأَهْلَكْت بَعْضهمْ بِالرَّجْفَةِ وَبَعْضهمْ بِالصَّيْحَةِ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاع الْعَذَاب . وَمَعْنَى قَوْله : { وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا } الْمَطَر , وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : " مِدْرَارًا " : غَزِيرَة دَائِمَة . { وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدهمْ قَرْنًا آخَرِينَ } يَقُول وَأَحْدَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ الَّذِينَ أَهْلَكْنَاهُمْ قَرْنًا آخَرِينَ فَابْتَدَأْنَا سِوَاهُمْ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا وَجْه قَوْله : { مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْض مَا لَمْ نُمَكِّن لَكُمْ } وَمَنْ الْمُخَاطَب بِذَلِكَ ؟ فَقَدْ اِبْتَدَأَ الْخَبَر فِي أَوَّل الْآيَة عَنْ قَوْم غُيَّب بِقَوْلِهِ : { أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلهمْ مِنْ قَرْن } ؟ قِيلَ : إِنَّ الْمُخَاطَب بِقَوْلِهِ : { مَا لَمْ نُمَكِّن لَكُمْ } هُوَ الْمُخْبَر عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ : { أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلهمْ مِنْ قَرْن } وَلَكِنْ فِي الْخَبَر مَعْنَى الْقَوْل , وَمَعْنَاهُ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ : { أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلهمْ مِنْ قَرْن مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْض مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ } . وَالْعَرَب إِذَا أَخْبَرَتْ خَبَرًا عَنْ غَائِب وَأَدْخَلَتْ فِيهِ قَوْلًا فَعَلَتْ ذَلِكَ فَوَجَّهَتْ الْخَبَر أَحْيَانًا إِلَى الْخَبَر عَنْ الْغَائِب , وَأَحْيَانًا إِلَى الْخِطَاب , فَتَقُول : قُلْت لِعَبْدِ اللَّه : مَا أَكْرَمه , وَقُلْت لِعَبْدِ اللَّه : مَا أَكْرَمك , وَتُخْبِر عَنْهُ أَحْيَانًا عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنْ الْغَائِب ثُمَّ تَعُود إِلَى الْخِطَاب , وَتُخْبِر عَلَى وَجْه الْخِطَاب لَهُ ثُمَّ تَعُود إِلَى الْخَبَر عَنْ الْغَائِب . وَذَلِكَ فِي كَلَامهَا وَأَشْعَارهَا كَثِير فَاشٍ ; وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْض ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَقَدْ كَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول فِي ذَلِكَ : كَأَنَّهُ أَخْبَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ خَاطَبَهُ مَعَهُمْ وَقَالَ : { حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْك وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحِ طَيِّبَة } 10 22 فَجَاءَ بِلَفْظِ الْغَائِب وَهُوَ يُخَاطِب , لِأَنَّهُ الْمُخَاطَب .
وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْك كِتَابًا فِي قِرْطَاس فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْر مُبِين } وَهَذَا إِخْبَار مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ يَعْدِلُونَ بِرَبِّهِمْ الْأَوْثَان وَالْآلِهَة وَالْأَصْنَام . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَكَيْف يَتَفَقَّهُونَ الْآيَات , أَمْ كَيْف يَسْتَدِلُّونَ عَلَى بُطْلَان مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ الْكُفْر بِاَللَّهِ وَجُحُود نُبُوَّتك بِحُجَجِ اللَّه وَآيَاته وَأَدِلَّته , وَهُمْ لِعِنَادِهِمْ الْحَقّ وَبُعْدهمْ مِنْ الرُّشْد , لَوْ أَنْزَلْت عَلَيْك يَا مُحَمَّد الْوَحْي الَّذِي أَنْزَلْته عَلَيْك مَعَ رَسُولِي فِي قِرْطَاس يُعَايِنُونَهُ وَيَمَسُّونَهُ بِأَيْدِيهِمْ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَيَقْرَءُونَهُ مِنْهُ مُعَلَّقًا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض بِحَقِيقَةِ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ وَصِحَّة مَا تَأْتِيهِمْ بِهِ مِنْ تَوْحِيدِي وَتَنْزِيلِي , لَقَالَ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ بِي غَيْرِي فَيُشْرِكُونَ فِي تَوْحِيدِي سِوَايَ : { إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْر مُبِين } : أَيْ مَا هَذَا الَّذِي جِئْتنَا بِهِ إِلَّا سِحْر سَحَرْت بِهِ أَعْيُننَا , لَيْسَتْ لَهُ حَقِيقَة وَلَا صِحَّة ; { مُبِين } يَقُول : مُبِين لِمَنْ تَدَبَّرَهُ وَتَأَمَّلَهُ أَنَّهُ سِحْر لَا حَقِيقَة لَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10184 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { كِتَابًا فِي قِرْطَاس فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ } قَالَ : فَمَسُّوهُ وَنَظَرُوا إِلَيْهِ لَمْ يُصَدِّقُوا بِهِ . 10185 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْك كِتَابًا فِي قِرْطَاس فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ } يَقُول : فَعَايَنُوهُ مُعَايَنَة لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا : { إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْر مُبِين } . 10186 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْك كِتَابًا فِي قِرْطَاس فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ } يَقُول : لَوْ نَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاء صُحُفًا فِيهَا كِتَاب فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ , لَزَادَهُمْ ذَلِكَ تَكْذِيبًا 10187 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْك كِتَابًا فِي قِرْطَاس } : الصُّحُف . - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { فِي قِرْطَاس } يَقُول : فِي صَحِيفَة , { فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ } لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا : { إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْر مُبِين } .
وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَك وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْر ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : قَالَ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِآيَاتِي الْعَادِلُونَ بِي الْأَنْدَادَ وَالْآلِهَةَ : يَا مُحَمَّد لَك لَوْ دَعَوْتهمْ إِلَى تَوْحِيدِي وَالْإِقْرَار بِرُبُوبِيَّتِي , وَإِذَا أَتَيْتهمْ مِنْ الْآيَات وَالْعِبْر بِمَا أَتَيْتهمْ بِهِ وَاحْتَجَجْت عَلَيْهِمْ بِمَا اِحْتَجَجْت عَلَيْهِمْ مِمَّا قَطَعْت بِهِ عُذْرهمْ : هَلَّا نَزَلَ عَلَيْك مَلَك مِنْ السَّمَاء فِي صُورَته يُصَدِّقك عَلَى مَا جِئْتنَا بِهِ , وَيَشْهَد لَك بِحَقِيقَةِ مَا تَدَّعِي مِنْ أَنَّ اللَّه أَرْسَلَك إِلَيْنَا ! كَمَا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ الْمُشْرِكِينَ فِي قِيلِهِمْ لِنَبِيِّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَقَالُوا مَا لِهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاق لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُون مَعَهُ نَذِيرًا } 25 7 { وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْر ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ } يَقُول : وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا عَلَى مَا سَأَلُوا ثُمَّ كَفَرُوا وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي , لَجَاءَهُمْ الْعَذَاب عَاجِلًا غَيْر آجِل , وَلَمْ يُنْظَرُوا فَيُؤَخَّرُوا بِالْعُقُوبَةِ مُرَاجَعَة التَّوْبَة , كَمَا فَعَلْت بِمَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ الْأُمَم الَّتِي سَأَلَتْ الْآيَات ثُمَّ كَفَرَتْ بَعْد مَجِيئُهَا مِنْ تَعْجِيل النِّقْمَة وَتَرْك الْإِنْظَار . كَمَا : 10188 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْر ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ } يَقُول : لَجَاءَهُمْ الْعَذَاب . 10189 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْر ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ } يَقُول : وَلَوْ أَنَّهُمْ أَنْزَلْنَا إِلَيْهِمْ مَلَكًا ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا لَمْ يُنْظَرُوا . 10190 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَك } فِي صُورَته , { وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْر } لَقَامَتْ السَّاعَة . 10191 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : ثَنَا أَبُو أُسَامَة , عَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيّ , عَنْ عِكْرِمَة : { لَقُضِيَ الْأَمْر } قَالَ : لَقَامَتْ السَّاعَة - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْر } قَالَ : يَقُول : لَوْ أَنْزَلَ اللَّه مَلَكًا ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا , لَعَجَّلَ لَهُمْ الْعَذَاب وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا . 10192 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا بِشْر , عَنْ عَمَّار , عَنْ أَبِي رَوْق . عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْر ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ } قَالَا : لَوْ أَتَاهُمْ مَلَك فِي صُورَته لَمَاتُوا , ثُمَّ لَمْ يُؤَخَّرُوا طَرْفَة عَيْن .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْرهُ : وَلَوْ جَعَلْنَا رَسُولنَا إِلَى هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِي , الْقَائِلِينَ : لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّد مَلَك بِتَصْدِيقِهِ مَلَكًا يَنْزِل عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء , وَيَشْهَد بِتَصْدِيقِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَأْمُرهُمْ بِاتِّبَاعِهِ { لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا } يَقُول : لَجَعَلْنَاهُ فِي صُورَة رَجُل مِنْ الْبَشَر , لِأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يَرَوْا الْمَلَك فِي صُورَته . يَقُول : وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَسَوَاء أَنْزَلْت عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ مَلَكًا أَوْ بَشَرًا , إِذْ كُنْت إِذَا أَنْزَلْت عَلَيْهِمْ مَلَكًا إِنَّمَا أُنْزِلُهُ بِصُورَةِ إِنْسِيٍّ , وَحُجَجِي فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ عَلَيْهِمْ ثَابِتَة بِأَنَّك صَادِق وَأَنَّ مَا جِئْتهمْ بِهِ حَقّ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ بَعْض أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10193 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : ثَنَا بِشْر بْن عَمَّار , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا } يَقُول : مَا أَتَاهُمْ إِلَّا فِي صُورَة رَجُل , لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ النَّظَر إِلَى الْمَلَائِكَة . 10194 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا } فِي صُورَة رَجُل فِي خَلْق رَجُل . 10195 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا } يَقُول : لَوْ بَعَثْنَا إِلَيْهِمْ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ فِي صُورَة آدَمِيّ . - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا } يَقُول : فِي صُورَة آدَمِيّ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 10196 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا } قَالَ : لَجَعَلَنَا ذَلِكَ الْمَلَك فِي صُورَة رَجُل , لَمْ نُرْسِلْهُ فِي صُورَة الْمَلَائِكَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرهُ بِقَوْلِهِ : { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ } : وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا مِنْ السَّمَاء مُصَدِّقًا لَك يَا مُحَمَّد , شَاهِدًا لَك عِنْد هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِي الْجَاحِدِينَ آيَاتك عَلَى حَقِيقَة نُبُوَّتك , فَجَعَلْنَاهُ فِي صُورَة رَجُل مِنْ بَنِي آدَم إِذْ كَانُوا لَا يُطِيقُونَ رُؤْيَة الْمَلَك بِصُورَتِهِ الَّتِي خَلَقْته بِهَا , اِلْتَبَسَ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُ فَلَمْ يَدْرُوا مَلَك هُوَ أَمْ إِنْسِيّ , فَلَمْ يُوقِنُوا بِهِ أَنَّهُ مَلَك وَلَمْ يُصَدِّقُوا بِهِ , وَقَالُوا : لَيْسَ هَذَا مَلَكًا , وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَهُ عَلَى أَنْفُسهمْ مِنْ حَقِيقَة أَمْرك وَصِحَّة بُرْهَانك وَشَاهِدك عَلَى نُبُوَّتك . يُقَال مِنْهُ : لَبَسْت عَلَيْهِمْ الْأَمْر أَلْبِسهُ لَبْسًا : إِذَا خَلَطْته عَلَيْهِمْ , وَلَبِسْت الثَّوْب أَلْبَسُهُ لُبْسًا , وَاللَّبُوس : اِسْم الثِّيَاب . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10197 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ } يَقُول : لَشَبَّهْنَا عَلَيْهِمْ . 10198 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ } يَقُول : مَا لَبَسَ قَوْم عَلَى أَنْفُسهمْ إِلَّا لَبَسَ اللَّه عَلَيْهِمْ ; وَاللَّبْس : إِنَّمَا هُوَ مِنْ النَّاس . 10199 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ } يَقُول : شَبَّهْنَا عَلَيْهِمْ مَا يُشَبِّهُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ قَوْل آخَر , وَهُوَ مَا : 10200 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن سَعِيد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ } فَهُمْ أَهْل الْكِتَاب فَارَقُوا دِينهمْ وَكَذَّبُوا رُسُلهمْ , وَهُوَ تَحْرِيف الْكَلَام عَنْ مَوَاضِعه . 10201 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك , فِي قَوْله : { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ } يَعْنِي التَّحْرِيف : هُمْ أَهْل الْكِتَاب , فَرَّقُوا كُتُبَهُمْ وَدِينهمْ وَكَذَّبُوا رُسُلَهُمْ , فَلَبَسَ اللَّه عَلَيْهِمْ مَا لَبَسُوا عَلَى أَنْفُسهمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْل أَنَّ هَذِهِ الْآيَات مِنْ أَوَّل السُّورَة بِأَنْ تَكُون فِي أَمْر الْمُشْرِكِينَ مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان أَشْبَهَ مِنْهَا بِأَمْرِ أَهْل الْكِتَاب مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرهُ بِقَوْلِهِ : { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ } : وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا مِنْ السَّمَاء مُصَدِّقًا لَك يَا مُحَمَّد , شَاهِدًا لَك عِنْد هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِي الْجَاحِدِينَ آيَاتك عَلَى حَقِيقَة نُبُوَّتك , فَجَعَلْنَاهُ فِي صُورَة رَجُل مِنْ بَنِي آدَم إِذْ كَانُوا لَا يُطِيقُونَ رُؤْيَة الْمَلَك بِصُورَتِهِ الَّتِي خَلَقْته بِهَا , اِلْتَبَسَ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُ فَلَمْ يَدْرُوا مَلَك هُوَ أَمْ إِنْسِيّ , فَلَمْ يُوقِنُوا بِهِ أَنَّهُ مَلَك وَلَمْ يُصَدِّقُوا بِهِ , وَقَالُوا : لَيْسَ هَذَا مَلَكًا , وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَهُ عَلَى أَنْفُسهمْ مِنْ حَقِيقَة أَمْرك وَصِحَّة بُرْهَانك وَشَاهِدك عَلَى نُبُوَّتك . يُقَال مِنْهُ : لَبَسْت عَلَيْهِمْ الْأَمْر أَلْبِسهُ لَبْسًا : إِذَا خَلَطْته عَلَيْهِمْ , وَلَبِسْت الثَّوْب أَلْبَسُهُ لُبْسًا , وَاللَّبُوس : اِسْم الثِّيَاب . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10197 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ } يَقُول : لَشَبَّهْنَا عَلَيْهِمْ . 10198 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ } يَقُول : مَا لَبَسَ قَوْم عَلَى أَنْفُسهمْ إِلَّا لَبَسَ اللَّه عَلَيْهِمْ ; وَاللَّبْس : إِنَّمَا هُوَ مِنْ النَّاس . 10199 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ } يَقُول : شَبَّهْنَا عَلَيْهِمْ مَا يُشَبِّهُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ قَوْل آخَر , وَهُوَ مَا : 10200 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن سَعِيد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ } فَهُمْ أَهْل الْكِتَاب فَارَقُوا دِينهمْ وَكَذَّبُوا رُسُلهمْ , وَهُوَ تَحْرِيف الْكَلَام عَنْ مَوَاضِعه . 10201 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك , فِي قَوْله : { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ } يَعْنِي التَّحْرِيف : هُمْ أَهْل الْكِتَاب , فَرَّقُوا كُتُبَهُمْ وَدِينهمْ وَكَذَّبُوا رُسُلَهُمْ , فَلَبَسَ اللَّه عَلَيْهِمْ مَا لَبَسُوا عَلَى أَنْفُسهمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْل أَنَّ هَذِهِ الْآيَات مِنْ أَوَّل السُّورَة بِأَنْ تَكُون فِي أَمْر الْمُشْرِكِينَ مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان أَشْبَهَ مِنْهَا بِأَمْرِ أَهْل الْكِتَاب مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ اُسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِك فَحَاقَ بِاَلَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَلِّيًا عَنْهُ بِوَعِيدِهِ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِهِ عُقُوبَة مَا يَلْقَى مِنْهُمْ مِنْ أَذَى الِاسْتِهْزَاء بِهِ وَالِاسْتِخْفَاف فِي ذَات اللَّه : هَوِّنْ عَلَيْك يَا مُحَمَّد مَا أَنْتَ لَاقٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِك الْمُسْتَخِفِّينَ بِحَقِّك فِيَّ وَفِي طَاعَتِي , وَامْضِ لِمَا أَمَرْتُك بِهِ مِنْ الدُّعَاء إِلَى تَوْحِيدِي وَالْإِقْرَار بِي وَالْإِذْعَان لِطَاعَتِي ; فَإِنَّهُمْ إِنْ تَمَادَوْا فِي غَيِّهِمْ وَأَصَرُّوا عَلَى الْمَقَام عَلَى كُفْرهمْ , نَسْلك بِهِمْ سَبِيل أَسْلَافهمْ مِنْ سَائِر الْأُمَم غَيْرهمْ مِنْ تَعْجِيل النِّقْمَة لَهُمْ وَحُلُول الْمَثُلَات بِهِمْ , فَقَدْ اِسْتَهْزَأَتْ أُمَم مِنْ قَبْلك بِرُسُلٍ أَرْسَلْتهمْ إِلَيْهِمْ بِمِثْلِ الَّذِي أَرْسَلْتُك بِهِ إِلَى قَوْمك , وَفَعَلُوا مِثْل فِعْل قَوْمك بِك , { فَحَاقَ بِاَلَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَحَاقَ } فَنَزَلَ وَأَحَاطَ بِاَلَّذِينَ هَزِئُوا بِرُسُلِهِمْ { مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } يَقُول : الْعَذَاب الَّذِي كَانُوا يَهْزَءُونَ بِهِ وَيُنْكِرُونَ أَنْ يَكُون وَاقِعًا بِهِمْ عَلَى مَا أَنْذَرَتْهُمْ رُسُلهمْ . يُقَال مِنْهُ : حَاقَ بِهِمْ هَذَا الْأَمْر يَحِيق بِهِمْ حَيْقًا وَحُيُوقًا وَحَيَقَانًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10202 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَحَاقَ بِاَلَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ } مِنْ الرُّسُل , { مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } يَقُول : وَقَعَ بِهِمْ الْعَذَاب الَّذِي اِسْتَهْزَءُوا بِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْض ثُمَّ اُنْظُرُوا كَيْف كَانَ عَاقِبَة الْمُكَذِّبِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِي الْأَوْثَان وَالْأَنْدَاد الْمُكَذِّبِينَ بِك الْجَاحِدِينَ حَقِيقَة مَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ عِنْدِي : { سِيرُوا فِي الْأَرْض } يَقُول : جُولُوا فِي بِلَاد الْمُكَذِّبِينَ رُسُلهمْ الْجَاحِدِينَ آيَاتِي مَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ ضُرَبَائِهِمْ وَأَشْكَالِهِمْ مِنْ النَّاس . { ثُمَّ اُنْظُرُوا كَيْف كَانَ عَاقِبَة الْمُكَذِّبِينَ } يَقُول : ثُمَّ اُنْظُرُوا كَيْف أَعْقَبَهُمْ تَكْذِيبهمْ ذَلِكَ الْهَلَاك وَالْعَطَب وَخِزْي الدُّنْيَا وَعَارهَا , وَمَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ سَخَط اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ الْبَوَار وَخَرَاب الدِّيَار وَعَفْو الْآثَار . فَاعْتَبِرُوا بِهِ , إِنْ لَمْ تَنْهَكُمْ حُلُومكُمْ , وَلَمْ تَزْجُركُمْ حُجَج اللَّه عَلَيْكُمْ , عَمَّا أَنْتُمْ مُقِيمُونَ عَلَيْهِ مِنْ التَّكْذِيب , فَاحْذَرُوا مِثْل مَصَارِعهمْ وَاتَّقُوا أَنْ يَحِلّ بِكُمْ مِثْل الَّذِي حَلَّ بِهِمْ . وَكَانَ قَتَادَة يَقُول فِي ذَلِكَ بِمَا : 10203 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْض ثُمَّ اُنْظُرُوا كَيْف كَانَ عَاقِبَة الْمُكَذِّبِينَ } دَمَّرَ اللَّه عَلَيْهِمْ وَأَهْلَكَهُمْ ثُمَّ صَيَّرَهُمْ إِلَى النَّار .
قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسه الرَّحْمَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمْ : لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض ؟ يَقُول : لِمَنْ مُلْك مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض . ثُمَّ أَخْبِرْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ لِلَّهِ الَّذِي اِسْتَعْبَدَ كُلّ شَيْء وَقَهَرَ كُلّ شَيْء بِمُلْكِهِ وَسُلْطَانه , لَا لِلْأَوْثَانِ وَالْأَنْدَاد وَلَا لِمَا يَعْبُدُونَهُ وَيَتَّخِذُونَهُ إِلَهًا مِنْ الْأَصْنَام الَّتِي لَا تَمْلِك لِأَنْفُسِهَا نَفْعًا وَلَا تَدْفَع عَنْهَا ضُرًّا . وَقَوْله : { كَتَبَ عَلَى نَفْسه الرَّحْمَة } يَقُول : قَضَى أَنَّهُ بِعِبَادِهِ رَحِيم , لَا يُعَجِّل عَلَيْهِمْ بِالْعُقُوبَةِ وَيَقْبَل مِنْهُمْ الْإِنَابَة وَالتَّوْبَة . وَهَذَا مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ اِسْتِعْطَاف لِلْمُعْرِضِينَ عَنْهُ إِلَى الْإِقْبَال إِلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ , يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : إِنَّ هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِي الْجَاحِدِينَ نُبُوَّتك يَا مُحَمَّد , إِنْ تَابُوا وَأَنَابُوا قَبِلْت تَوْبَتهمْ , وَإِنِّي قَدْ قَضَيْت فِي خَلْقِي أَنَّ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء . كَاَلَّذِي : 10204 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ ذَكْوَان , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " لَمَّا فَرَغَ اللَّه مِنْ الْخَلْق كَتَبَ كِتَابًا : إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي " . 10205 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثَنَا اللَّيْل , عَنْ أَبِي عُثْمَان , عَنْ سُلَيْمَان , قَالَ : " إِنَّ اللَّه - تَعَالَى - لَمَّا خَلَقَ السَّمَاء وَالْأَرْض , خَلَقَ مِائَة رَحْمَة , كُلّ رَحْمَة مِلْء مَا بَيْن السَّمَاء إِلَى الْأَرْض , فَعِنْده تِسْع وَتِسْعُونَ رَحْمَة , وَقَسَمَ رَحْمَة بَيْن الْخَلَائِق فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ وَبِهَا تَشْرَب الْوَحْش وَالطَّيْر الْمَاء , فَإِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قَصَرَهَا اللَّه عَلَى الْمُتَّقِينَ وَزَادَهُمْ تِسْعًا وَتِسْعِينَ " . - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ اللَّيْل , عَنْ أَبِي عُثْمَان , عَنْ سَلْمَان نَحْوه , إِلَّا أَنَّ اِبْن أَبِي عَدِيّ لَمْ يَذْكُر فِي حَدِيثه وَبِهَا تَشْرَب الْوَحْش وَالطَّيْر الْمَاء . 10206 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ عَاصِم بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِي عُثْمَان , عَنْ سُلَيْمَان , قَالَ : نَجِد فِي التَّوْرَاة عَطْفَتَيْنِ : أَنَّ اللَّه خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض , ثُمَّ خَلَقَ مِائَة رَحْمَة - أَوْ : جَعَلَ مِائَة رَحْمَة - قَبْل أَنْ يَخْلُق الْخَلْق , ثُمَّ خَلَقَ الْخَلْق فَوَضَعَ بَيْنهمْ رَحْمَة وَاحِدَة , وَأَمْسَكَ عِنْده تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَة , قَالَ : فَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ , وَبِهَا يَتَبَاذَلُونَ , وَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ , وَبِهَا يَتَزَاوَرُونَ , وَبِهَا تَحِنّ النَّاقَة , وَبِهَا تَئِجُّ الْبَقَرَة , وَبِهَا تَيْعَر الشَّاة , وَبِهَا تُتَابِع الطَّيْر , وَبِهَا تُتَابِع الْحِيتَان فِي الْبَحْر ; فَإِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جَمَعَ اللَّه تِلْكَ الرَّحْمَة إِلَى مَا عِنْده , وَرَحْمَته أَفْضَل وَأَوْسَع . - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ عَاصِم بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِي عُثْمَان النَّهْدِيّ , عَنْ سَلْمَان , فِي قَوْله : { كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } . . . الْآيَة , قَالَ : إِنَّا نَجِدُ فِي التَّوْرَاة عَطْفَتَيْنِ , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ مَا قَالَ : " وَبِهَا تُتَابِع الطَّيْر , وَبِهَا تُتَابِع الْحِيتَان فِي الْبَحْر " . 10207 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : قَالَ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ الْخَلْق , لَمْ يَعْطِف شَيْء عَلَى شَيْء , حَتَّى خَلَقَ مِائَة رَحْمَة , فَوَضَعَ بَيْنهمْ رَحْمَة وَاحِدَة , فَعَطَفَ بَعْض الْخَلْق عَلَى بَعْض . - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ بِمِثْلِهِ . 10208 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : وَأَخْبَرَنِي الْحَكَم بْن أَبَان , عَنْ عِكْرِمَة - حَسِبْته أَسْنَدَهُ - قَالَ : إِذَا فَرَغَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْقَضَاء بَيْن خَلْقه , أَخْرَجَ كِتَابًا مِنْ تَحْت الْعَرْش فِيهِ : " إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي , وَأَنَا أَرْحَم الرَّاحِمِينَ " قَالَ : فَيُخْرَج مِنْ النَّار مِثْل أَهْل الْجَنَّة , أَوْ قَالَ مِثْلَا أَهْلِ الْجَنَّةِ , وَلَا أَعْلَمهُ إِلَّا قَالَ : " مِثْلَا " , وَأَمَّا مِثْل فَلَا أَشُكّ مَكْتُوبًا هَا هُنَا , وَأَشَارَ الْحَكَم إِلَى نَحْره , عُتَقَاء اللَّه . فَقَالَ رَجُل لِعِكْرِمَة : يَا أَبَا عَبْد اللَّه , فَإِنَّ اللَّه يَقُول : { يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ النَّار وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَاب مُقِيم } 5 37 قَالَ : وَيْلَك ! أُولَئِكَ أَهْلهَا الَّذِينَ هُمْ أَهْلهَا . - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَكَم بْن أَبَان , عَنْ عِكْرِمَة - حَسِبْت أَنَّهُ أَسْنَدَهُ - قَالَ : إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أَخْرَجَ اللَّه كِتَابًا مِنْ تَحْت الْعَرْش , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه , غَيْر أَنَّهُ قَالَ : فَقَالَ رَجُل : يَا أَبَا عَبْد اللَّه , أَرَأَيْت قَوْله : { يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ النَّار } 5 37 وَسَائِر الْحَدِيث مِثْل حَدِيث اِبْن عَبْد الْأَعْلَى . - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ هَمَّام بْن مُنَبِّه , قَالَ : سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَمَّا قَضَى اللَّه الْخَلْق كَتَبَ فِي كِتَاب فَهُوَ عِنْده فَوْق الْعَرْش : إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي " . 10209 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَبِي أَيُّوب , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , أَنَّهُ كَانَ يَقُول : إِنَّ لِلَّهِ مِائَة رَحْمَة , فَأَهْبَطَ رَحْمَة إِلَى أَهْل الدُّنْيَا يَتَرَاحَم بِهَا الْجِنّ وَالْإِنْس وَطَائِر السَّمَاء وَحِيتَان الْمَاء وَدَوَابّ الْأَرْض وَهَوَامّهَا وَمَا بَيْن الْهَوَاء ; وَاخْتَزَنَ عِنْده تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَة , حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة اِخْتَلَجَ الرَّحْمَة الَّتِي كَانَ أَهْبَطَهَا إِلَى أَهْل الدُّنْيَا , فَحَوَاهَا إِلَى مَا عِنْده , فَجَعَلَهَا فِي قُلُوب أَهْل الْجَنَّة وَعَلَى أَهْل الْجَنَّة . 10210 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو : أَنَّ لِلَّهِ مِائَة رَحْمَة , أَهْبَطَ مِنْهَا إِلَى الْأَرْض رَحْمَة وَاحِدَة يَتَرَاحَم بِهَا الْجِنّ وَالْإِنْس وَالطَّيْر وَالْبَهَائِم وَهَوَامّ الْأَرْض . 10211 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَوْف , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُغِيرَة عَبْد الْقُدُّوس بْن الْحَجَّاج , قَالَ : ثَنَا صَفْوَان بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنِي أَبُو الْمُخَارِق زُهَيْر بْن سَالِم , قَالَ : قَالَ عُمَر لِكَعْبٍ : مَا أَوَّل شَيْء اِبْتَدَأَهُ اللَّه مِنْ خَلْقه ؟ فَقَالَ كَعْب : كَتَبَ اللَّه كِتَابًا لَمْ يَكْتُبهُ بِقَلَمٍ وَلَا مِدَاد , وَلَكِنَّهُ كَتَبَ بِأُصْبُعِهِ يَتْلُوهَا الزَّبَرْجَد وَاللُّؤْلُؤ وَالْيَاقُوت : " أَنَا اللَّه لَا إِلَه إِلَّا أَنَا سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي " .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَيَجْمَعَنكُمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَا رَيْب فِيهِ } وَهَذِهِ اللَّام الَّتِي فِي قَوْله : { لَيَجْمَعَنكُمْ } لَام قَسَم . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي جَالِبهَا , فَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة يَقُول : إِنْ شِئْت جَعَلْت الرَّحْمَة غَايَة كَلَام , ثُمَّ اِسْتَأْنَفْت بَعْدهَا : { لَيَجْمَعَنكُمْ } , قَالَ : وَإِنْ شِئْت جَعَلْته فِي مَوْضِع نَصْب , يَعْنِي كَتَبَ { لَيَجْمَعَنكُمْ } كَمَا قَالَ : { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسه الرَّحْمَة أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ } 6 54 يُرِيد : كَتَبَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ . قَالَ : وَالْعَرَب تَقُول فِي الْحُرُوف الَّتِي يَصْلُح مَعَهَا جَوَاب كَلَام الْأَيْمَان بِأَنَّ الْمَفْتُوحَة وَبِاللَّامِ , فَيَقُولُونَ : أَرْسَلْت إِلَيْهِ أَنْ يَقُوم , وَأَرْسَلْت إِلَيْهِ لَيَقُومَن . قَالَ : وَكَذَلِكَ قَوْله : { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْد مَا رَأَوْا الْآيَات لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِين } 12 35 . قَالَ وَهُوَ فِي الْقُرْآن كَثِير ; أَلَا تَرَى أَنَّك لَوْ قُلْت : بَدَا لَهُمْ أَنْ يَسْجُنُوهُ , لَكَانَ صَوَابًا ؟ وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول : نُصِبَتْ لَام { لَيَجْمَعَنكُمْ } لِأَنَّ مَعْنَى كِتَاب كَأَنَّهُ قَالَ : وَاَللَّه لَيَجْمَعَنكُمْ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَكُون قَوْله : { كَتَبَ عَلَى نَفْسه الرَّحْمَة } غَايَة , وَأَنْ يَكُون قَوْله : { لَيَجْمَعَنكُمْ } خَبَر مُبْتَدَأ , وَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام حِينَئِذٍ : لَيَجْمَعَنكُمْ اللَّه أَيُّهَا الْعَادِلُونَ بِاَللَّهِ لِيَوْمِ الْقِيَامَة الَّذِي لَا رَيْب فِيهِ لِيَنْتَقِمَ مِنْكُمْ بِكُفْرِكُمْ بِهِ . وَإِنَّمَا قُلْت : هَذَا الْقَوْل أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ إِعْمَال كَتَبَ فِي { لَيَجْمَعَنكُمْ } لِأَنَّ قَوْله : { كَتَبَ } قَدْ عَمِلَ فِي الرَّحْمَة , فَغَيْر جَائِز وَقَدْ عَمِلَ فِي الرَّحْمَة أَنْ يَعْمَل فِي : { لَيَجْمَعَنكُمْ } لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى إِلَى اِثْنَيْنِ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا أَنْتَ قَائِل فِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسه الرَّحْمَة } 6 54 أَنَّهُ بِفَتْحِ أَنَّ ؟ قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ إِذْ قُرِئَ كَذَلِكَ , فَإِنَّ " أَنَّ " بَيَان عَنْ الرَّحْمَة وَتَرْجَمَة عَنْهَا ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : كَتَبَ عَلَى نَفْسه الرَّحْمَة أَنْ يَرْحَم [ مَنْ تَابَ ] مِنْ عِبَاده بَعْد اِقْتِرَاف السُّوء بِجَهَالَةٍ , وَيَعْفُو وَالرَّحْمَة يُتَرْجَم عَنْهَا , وَيُبَيَّن مَعْنَاهَا بِصِفَتِهَا , وَلَيْسَ مِنْ صِفَة الرَّحْمَة { لَيَجْمَعَنكُمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } فَيَكُون مُبَيَّنًا بِهِ عَنْهَا . فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يُنْصَب بِنِيَّةِ تَكْرِير كَتَبَ مَرَّة أُخْرَى مَعَهُ , وَلَا ضَرُورَة بِالْكَلَامِ إِلَى ذَلِكَ فَتُوُجِّهَ إِلَى مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي ظَاهِر . وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله { لَا رَيْب فِيهِ } فَإِنَّهُ لَا يُشَكّ فِيهِ , يَقُول : فِي أَنَّ اللَّه يَجْمَعكُمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَيَحْشُركُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا , ثُمَّ يُؤْتَى كُلّ عَامِل مِنْكُمْ أَجْر مَا عَمِلَ مِنْ حَسَن أَوْ سَيِّئ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ : { الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ } الْعَادِلِينَ بِهِ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : لَيَجْمَعَنَّ اللَّه الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ , يَقُول : الَّذِينَ أَهْلَكُوا أَنْفُسهمْ وَغَبَنُوهَا بِادِّعَائِهِمْ لِلَّهِ النِّدّ وَالْعَدِيل , فَأَبْقَوْهَا بِإِيجَابِهِمْ سَخَط اللَّه وَأَلِيم عِقَابه فِي الْمَعَاد . وَأَصْل الْخَسَار : الْغَبْن , يُقَال مِنْهُ : خَسِرَ الرَّجُل فِي الْبَيْع : إِذَا غُبِنَ , كَمَا قَالَ الْأَعْشَى : لَا يَأْخُذ الرِّشْوَة فِي حُكْمه وَلَا يُبَالِي خُسْر الْخَاسِر وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَمَوْضُوع " الَّذِينَ " فِي قَوْله : { الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ } نَصْب عَلَى الرَّدّ عَلَى الْكَاف وَالْمِيم فِي قَوْله : { لَيَجْمَعَنكُمْ } عَلَى وَجْه الْبَيَان عَنْهَا . وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ , هُمْ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِقَوْلِهِ : { لَيَجْمَعَنكُمْ } . وَقَوْله : { فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } يَقُول : فَهُمْ لِإِهْلَاكِهِمْ أَنْفُسهمْ وَغَبْنهمْ إِيَّاهُ حَظّهَا لَا يُؤْمِنُونَ , أَيْ لَا يُوَحِّدُونَ اللَّه وَلَا يُصَدِّقُونَ بِوَعْدِهِ وَوَعِيده وَلَا يُقِرُّونَ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَيَجْمَعَنكُمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَا رَيْب فِيهِ } وَهَذِهِ اللَّام الَّتِي فِي قَوْله : { لَيَجْمَعَنكُمْ } لَام قَسَم . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي جَالِبهَا , فَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة يَقُول : إِنْ شِئْت جَعَلْت الرَّحْمَة غَايَة كَلَام , ثُمَّ اِسْتَأْنَفْت بَعْدهَا : { لَيَجْمَعَنكُمْ } , قَالَ : وَإِنْ شِئْت جَعَلْته فِي مَوْضِع نَصْب , يَعْنِي كَتَبَ { لَيَجْمَعَنكُمْ } كَمَا قَالَ : { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسه الرَّحْمَة أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ } 6 54 يُرِيد : كَتَبَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ . قَالَ : وَالْعَرَب تَقُول فِي الْحُرُوف الَّتِي يَصْلُح مَعَهَا جَوَاب كَلَام الْأَيْمَان بِأَنَّ الْمَفْتُوحَة وَبِاللَّامِ , فَيَقُولُونَ : أَرْسَلْت إِلَيْهِ أَنْ يَقُوم , وَأَرْسَلْت إِلَيْهِ لَيَقُومَن . قَالَ : وَكَذَلِكَ قَوْله : { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْد مَا رَأَوْا الْآيَات لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِين } 12 35 . قَالَ وَهُوَ فِي الْقُرْآن كَثِير ; أَلَا تَرَى أَنَّك لَوْ قُلْت : بَدَا لَهُمْ أَنْ يَسْجُنُوهُ , لَكَانَ صَوَابًا ؟ وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول : نُصِبَتْ لَام { لَيَجْمَعَنكُمْ } لِأَنَّ مَعْنَى كِتَاب كَأَنَّهُ قَالَ : وَاَللَّه لَيَجْمَعَنكُمْ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَكُون قَوْله : { كَتَبَ عَلَى نَفْسه الرَّحْمَة } غَايَة , وَأَنْ يَكُون قَوْله : { لَيَجْمَعَنكُمْ } خَبَر مُبْتَدَأ , وَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام حِينَئِذٍ : لَيَجْمَعَنكُمْ اللَّه أَيُّهَا الْعَادِلُونَ بِاَللَّهِ لِيَوْمِ الْقِيَامَة الَّذِي لَا رَيْب فِيهِ لِيَنْتَقِمَ مِنْكُمْ بِكُفْرِكُمْ بِهِ . وَإِنَّمَا قُلْت : هَذَا الْقَوْل أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ إِعْمَال كَتَبَ فِي { لَيَجْمَعَنكُمْ } لِأَنَّ قَوْله : { كَتَبَ } قَدْ عَمِلَ فِي الرَّحْمَة , فَغَيْر جَائِز وَقَدْ عَمِلَ فِي الرَّحْمَة أَنْ يَعْمَل فِي : { لَيَجْمَعَنكُمْ } لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى إِلَى اِثْنَيْنِ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا أَنْتَ قَائِل فِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسه الرَّحْمَة } 6 54 أَنَّهُ بِفَتْحِ أَنَّ ؟ قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ إِذْ قُرِئَ كَذَلِكَ , فَإِنَّ " أَنَّ " بَيَان عَنْ الرَّحْمَة وَتَرْجَمَة عَنْهَا ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : كَتَبَ عَلَى نَفْسه الرَّحْمَة أَنْ يَرْحَم [ مَنْ تَابَ ] مِنْ عِبَاده بَعْد اِقْتِرَاف السُّوء بِجَهَالَةٍ , وَيَعْفُو وَالرَّحْمَة يُتَرْجَم عَنْهَا , وَيُبَيَّن مَعْنَاهَا بِصِفَتِهَا , وَلَيْسَ مِنْ صِفَة الرَّحْمَة { لَيَجْمَعَنكُمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } فَيَكُون مُبَيَّنًا بِهِ عَنْهَا . فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يُنْصَب بِنِيَّةِ تَكْرِير كَتَبَ مَرَّة أُخْرَى مَعَهُ , وَلَا ضَرُورَة بِالْكَلَامِ إِلَى ذَلِكَ فَتُوُجِّهَ إِلَى مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي ظَاهِر . وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله { لَا رَيْب فِيهِ } فَإِنَّهُ لَا يُشَكّ فِيهِ , يَقُول : فِي أَنَّ اللَّه يَجْمَعكُمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَيَحْشُركُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا , ثُمَّ يُؤْتَى كُلّ عَامِل مِنْكُمْ أَجْر مَا عَمِلَ مِنْ حَسَن أَوْ سَيِّئ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ : { الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ } الْعَادِلِينَ بِهِ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : لَيَجْمَعَنَّ اللَّه الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ , يَقُول : الَّذِينَ أَهْلَكُوا أَنْفُسهمْ وَغَبَنُوهَا بِادِّعَائِهِمْ لِلَّهِ النِّدّ وَالْعَدِيل , فَأَبْقَوْهَا بِإِيجَابِهِمْ سَخَط اللَّه وَأَلِيم عِقَابه فِي الْمَعَاد . وَأَصْل الْخَسَار : الْغَبْن , يُقَال مِنْهُ : خَسِرَ الرَّجُل فِي الْبَيْع : إِذَا غُبِنَ , كَمَا قَالَ الْأَعْشَى : لَا يَأْخُذ الرِّشْوَة فِي حُكْمه وَلَا يُبَالِي خُسْر الْخَاسِر وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَمَوْضُوع " الَّذِينَ " فِي قَوْله : { الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ } نَصْب عَلَى الرَّدّ عَلَى الْكَاف وَالْمِيم فِي قَوْله : { لَيَجْمَعَنكُمْ } عَلَى وَجْه الْبَيَان عَنْهَا . وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ , هُمْ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِقَوْلِهِ : { لَيَجْمَعَنكُمْ } . وَقَوْله : { فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } يَقُول : فَهُمْ لِإِهْلَاكِهِمْ أَنْفُسهمْ وَغَبْنهمْ إِيَّاهُ حَظّهَا لَا يُؤْمِنُونَ , أَيْ لَا يُوَحِّدُونَ اللَّه وَلَا يُصَدِّقُونَ بِوَعْدِهِ وَوَعِيده وَلَا يُقِرُّونَ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْل وَالنَّهَار وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : لَا يُؤْمِن هَؤُلَاءِ الْعَادِلُونَ بِاَللَّهِ الْأَوْثَان , فَيُخْلِصُوا لَهُ التَّوْحِيد وَيُفْرِدُوا لَهُ الطَّاعَة وَيُقِرُّوا بِالْأُلُوهِيَّةِ جَهْلًا . { وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْل وَالنَّهَار } يَقُول : وَلَهُ مُلْك كُلّ شَيْء , لِأَنَّهُ لَا شَيْء مِنْ خَلْق اللَّه إِلَّا وَهُوَ سَاكِن اللَّيْل وَالنَّهَار , فَمَعْلُوم بِذَلِكَ أَنَّ مَعْنَاهُ مَا وَصَفْنَا . { وَهُوَ السَّمِيع } مَا يَقُول هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ فِيهِ مِنْ اِدِّعَائِهِمْ لَهُ شَرِيكًا , وَمَا يَقُول غَيْرهمْ مِنْ خِلَاف ذَلِكَ . { الْعَلِيم } بِمَا يُضْمِرُونَهُ فِي أَنْفُسهمْ وَمَا يُظْهِرُونَهُ بِجَوَارِحِهِمْ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ ذَلِكَ , فَهُوَ يُحْصِيه عَلَيْهِمْ , لِيُوَفِّيَ كُلّ إِنْسَان ثَوَاب مَا اِكْتَسَبَ وَجَزَاء مَا عَمِلَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { سَكَنَ } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10212 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْل وَالنَّهَار } يَقُول : مَا اِسْتَقَرَّ فِي اللَّيْل وَالنَّهَار .
قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ أَغْيَر اللَّه أَتَّخِذ وَلِيًّا فَاطِر السَّمَوَات وَالْأَرْض وَهُوَ يُطْعِم وَلَا يُطْعَم } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , وَالْمُنْكَرِينَ عَلَيْك إِخْلَاص التَّوْحِيد لِرَبِّك , الدَّاعِينَ إِلَى عِبَادَة الْآلِهَة وَالْأَوْثَان : أَشَيْئًا غَيْر اللَّه تَعَالَى أَتَّخِذ وَلِيًّا وَأَسْتَنْصِرهُ وَأَسْتَعِينهُ عَلَى النَّوَائِب وَالْحَوَادِث ؟ كَمَا : 10213 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { قُلْ أَغْيَر اللَّه أَتَّخِذ وَلِيًّا } قَالَ : أَمَّا الْوَلِيّ : فَاَلَّذِي يَتَوَلَّوْنَهُ وَيُقِرُّونَ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ . { فَاطِر السَّمَوَات وَالْأَرْض } يَقُول أَشَيْئًا غَيْر اللَّه فَاطِر السَّمَوَات وَالْأَرْض أَتَّخِذ وَلِيًّا ؟ فَفَاطِر السَّمَوَات مِنْ نَعْت اللَّه وَصِفَته وَلِذَلِكَ خُفِضَ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَاطِر السَّمَوَات وَالْأَرْض } مُبْتَدَعهمَا وَمُبْتَدَئِهمَا وَخَالِقهمَا . كَاَلَّذِي : 10214 - حَدَّثَنَا بِهِ اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد الْقَطَّان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : سَمِعْت اِبْن عَبَّاس يَقُول : كُنْت لَا أَدْرِي مَا فَاطِر السَّمَوَات وَالْأَرْض , حَتَّى أَتَانِي أَعْرَابِيَّانِ يَخْتَصِمَانِ فِي بِئْر , فَقَالَ أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ : أَنَا فَطَرْتهَا , يَقُول : أَنَا اِبْتَدَأْتهَا . 10215 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَاطِر السَّمَوَات وَالْأَرْض } قَالَ : خَالِق السَّمَوَات وَالْأَرْض . 10216 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { فَاطِر السَّمَوَات وَالْأَرْض } قَالَ : خَالِق السَّمَوَات وَالْأَرْض . يُقَال مِنْ ذَلِكَ : فَطَرَهَا اللَّه الْحُسْبَانَة وَيَفْطُرهَا فِطْرًا وَفُطُورًا , وَمِنْهُ قَوْله : { هَلْ تَرَى مِنْ فَطُور } 67 3 يَعْنِي : شُقُوقًا وَصُدُوعًا , يُقَال : سَيْف فُطَار : إِذَا كَثُرَ فِيهِ التَّشَقُّق , وَهُوَ عَيْب فِيهِ ; وَمِنْهُ قَوْل عَنْتَرَة : وَسَيْفِي كَالْعَقِيقَةِ فَهُوَ كِمْعِي سِلَاحِي لَا أَفَلّ وَلَا فُطَارَا وَمِنْهُ يُقَال : فَطَرَ نَاب الْجَمَل : إِذَا تَشَقَّقَ اللَّحْم فَخَرَجَ ; وَمِنْهُ قَوْله : { تَكَاد السَّمَوَات يَتَفَطَّرَن مِنْ فَوْقهنَّ } 42 5 : أَيْ يَتَشَقَّقَن وَيَتَصَدَّعْنَ . وَأَمَّا قَوْله : { وَهُوَ يُطْعِم وَلَا يُطْعَم } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَهُوَ يَرْزُق خَلْقه وَلَا يُرْزَق . كَمَا : 10217 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَهُوَ يُطْعِم وَلَا يُطْعَم } قَالَ : يَرْزُق , وَلَا يُرْزَق . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ كَانَ يَقُول ذَلِكَ : { وَهُوَ يُطْعِم وَلَا يُطْعَم } أَيْ أَنَّهُ يُطْعِم خَلْقه , وَلَا يَأْكُل هُوَ . وَلَا مَعْنَى لِذَلِكَ لِقِلَّةِ الْقِرَاءَة بِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنِّي أُمِرْت أَنْ أَكُون أَوَّل مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَن مِنْ الْمُشْرِكِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلَّذِينَ يَدْعُونَك إِلَى اِتِّخَاذ الْآلِهَة أَوْلِيَاء مِنْ دُون اللَّه وَيَحُثُّونَك عَلَى عِبَادَتهَا : أَغْيَر اللَّه فَاطِر السَّمَوَات وَالْأَرْض , وَهُوَ يَرْزُقُنِي وَغَيْرِي , وَلَا يَرْزُقهُ أَحَد , اِتَّخَذَ وَلِيًّا هُوَ لَهُ عَبْد مَمْلُوك وَخَلْق مَخْلُوق ؟ وَقُلْ لَهُمْ أَيْضًا : إِنِّي أَمَرَنِي رَبِّي أَنْ أَكُون أَوَّل مَنْ أَسْلَمَ , يَقُول : أَوَّل مَنْ خَضَعَ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ وَتَذَلَّلَ لِأَمْرِهِ وَنَهْيه وَانْقَادَ لَهُ مِنْ أَهْل دَهْرِي وَزَمَانِي . { وَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ } يَقُول : وَقُلْ : وَقِيلَ لِي لَا تَكُونَن مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد شُرَكَاء وَجَعَلَ قَوْله : { أُمِرْت } بَدَلًا مِنْ " قِيلَ لِي " , لِأَنَّ قَوْله : { أُمِرْت } مَعْنَاهُ : قِيلَ لِي , فَكَأَنَّهُ قِيلَ : قُلْ إِنِّي قِيلَ لِي : كُنْ أَوَّل مَنْ أَسْلَمَ , وَلَا تَكُونَن مِنْ الْمُشْرِكِينَ ; فَاجْتُزِئَ بِذِكْرِ الْأَمْر مِنْ ذِكْر الْقَوْل ; إِذْ كَانَ الْأَمْر مَعْلُومًا أَنَّهُ قَوْل .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنِّي أُمِرْت أَنْ أَكُون أَوَّل مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَن مِنْ الْمُشْرِكِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلَّذِينَ يَدْعُونَك إِلَى اِتِّخَاذ الْآلِهَة أَوْلِيَاء مِنْ دُون اللَّه وَيَحُثُّونَك عَلَى عِبَادَتهَا : أَغْيَر اللَّه فَاطِر السَّمَوَات وَالْأَرْض , وَهُوَ يَرْزُقُنِي وَغَيْرِي , وَلَا يَرْزُقهُ أَحَد , اِتَّخَذَ وَلِيًّا هُوَ لَهُ عَبْد مَمْلُوك وَخَلْق مَخْلُوق ؟ وَقُلْ لَهُمْ أَيْضًا : إِنِّي أَمَرَنِي رَبِّي أَنْ أَكُون أَوَّل مَنْ أَسْلَمَ , يَقُول : أَوَّل مَنْ خَضَعَ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ وَتَذَلَّلَ لِأَمْرِهِ وَنَهْيه وَانْقَادَ لَهُ مِنْ أَهْل دَهْرِي وَزَمَانِي . { وَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ } يَقُول : وَقُلْ : وَقِيلَ لِي لَا تَكُونَن مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد شُرَكَاء وَجَعَلَ قَوْله : { أُمِرْت } بَدَلًا مِنْ " قِيلَ لِي " , لِأَنَّ قَوْله : { أُمِرْت } مَعْنَاهُ : قِيلَ لِي , فَكَأَنَّهُ قِيلَ : قُلْ إِنِّي قِيلَ لِي : كُنْ أَوَّل مَنْ أَسْلَمَ , وَلَا تَكُونَن مِنْ الْمُشْرِكِينَ ; فَاجْتُزِئَ بِذِكْرِ الْأَمْر مِنْ ذِكْر الْقَوْل ; إِذْ كَانَ الْأَمْر مَعْلُومًا أَنَّهُ قَوْل .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنِّي أَخَاف إِنْ عَصَيْت رَبِّي عَذَاب يَوْم عَظِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْعَادِلِينَ بِاَللَّهِ الَّذِينَ يَدْعُونَك إِلَى عِبَادَة أَوْثَانهمْ : إِنَّ رَبِّي نَهَانِي عَنْ عِبَادَة شَيْء سِوَاهُ , وَإِنِّي أَخَاف إِنْ عَصَيْت رَبِّي , فَعَبَدْتهَا عَذَاب يَوْم عَظِيم , يَعْنِي عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة . وَوَصَفَهُ تَعَالَى بِالْعِظَمِ لِعِظَمِ هَوْلِهِ وَفَظَاعَة شَأْنه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ } اِخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : { مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمئِذٍ } بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الرَّاء , بِمَعْنَى : مَنْ يُصْرَف عَنْهُ الْعَذَاب يَوْمئِذٍ . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة " مَنْ يَصْرِف عَنْهُ " بِفَتْحِ الْيَاء وَكَسْر الرَّاء , بِمَعْنَى : مَنْ يَصْرِف اللَّه عَنْهُ الْعَذَاب يَوْمئِذٍ . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ : " يَصْرِف عَنْهُ " بِفَتْحِ الْيَاء وَكَسْر الرَّاء , لِدَلَالَةِ قَوْله : { فَقَدْ رَحِمَهُ } عَلَى صِحَّة ذَلِكَ , وَأَنَّ الْقِرَاءَة فِيهِ بِتَسْمِيَةِ فَاعِلِهِ . وَلَوْ كَانَتْ الْقِرَاءَة فِي قَوْله : { مَنْ يُصْرَف } عَلَى وَجْه مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , كَانَ الْوَجْه فِي قَوْله : { فَقَدْ رَحِمَهُ } أَنْ يُقَال : " فَقَدْ رُحِمَ " غَيْر مُسَمًّى فَاعِله ; وَفِي تَسْمِيَة الْفَاعِل فِي قَوْله : { فَقَدْ رَحِمَهُ } دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : " مَنْ يَصْرِف عَنْهُ " . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْوَجْه الْأَوْلَى بِالْقِرَاءَةِ , فَتَأْوِيل الْكَلَام : { مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ } مِنْ خَلْقه { يَوْمئِذٍ } عَذَابه { فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْز الْمُبِين } . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { ذَلِكَ } : وَصَرْف اللَّه عَنْهُ الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة , وَرَحْمَته إِيَّاهُ { الْفَوْز } أَيْ النَّجَاة مِنْ الْهَلَكَة وَالظَّفَر بِالطِّلْبَةِ { الْمُبِين } يَعْنِي الَّذِي بَيَّنَ لِمَنْ رَآهُ أَنَّهُ الظَّفَر بِالْحَاجَةِ وَإِدْرَاك الطِّلْبَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْله : { مَنْ يُصْرَف عَنْهُ يَوْمئِذٍ } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10218 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله { مَنْ يُصْرَف عَنْهُ يَوْمئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ } قَالَ : مَنْ يُصْرَف عَنْهُ الْعَذَاب .
وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ يَمْسَسْك اللَّه بِضُرٍّ فَلَا كَاشِف لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْك بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا مُحَمَّد , إِنْ يُصِبْك اللَّه بِضُرٍّ , يَقُول : بِشِدَّةٍ وَشَظَف فِي عَيْشك وَضِيق فِيهِ , فَلَنْ يَكْشِف ذَلِكَ عَنْك إِلَّا اللَّه الَّذِي أَمَرَك أَنْ تَكُون أَوَّل مَنْ أَسْلَمَ لِأَمْرِهِ وَنَهْيه , وَأَذْعَنَ لَهُ مِنْ أَهْل زَمَانك , دُون مَا يَدْعُوك الْعَادِلُونَ بِهِ إِلَى عِبَادَته مِنْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام وَدُون كُلّ شَيْء سِوَاهَا مِنْ خَلْقه . { وَإِنْ يَمْسَسْك بِخَيْرٍ } يَقُول : وَإِنْ يُصِبْك بِخَيْرٍ : أَيْ بِرَخَاءٍ فِي عَيْش وَسَعَة فِي الرِّزْق وَكَثْرَة فِي الْمَال فَتُقِرّ أَنَّهُ أَصَابَك بِذَلِكَ , { فَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَاَللَّه الَّذِي أَصَابَك بِذَلِكَ فَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير , هُوَ الْقَادِر عَلَى نَفْعك وَضُرِّك , وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء يُرِيدهُ قَادِر , لَا يُعْجِزُهُ شَيْء يُرِيدهُ وَلَا يَمْتَنِع مِنْهُ شَيْء طَلَبَهُ , لَيْسَ كَالْآلِهَةِ الذَّلِيلَة الْمَهِينَة الَّتِي لَا تَقْدِر عَلَى اِجْتِلَاب نَفْع عَلَى أَنْفُسهَا وَلَا غَيْرهَا وَلَا دَفْع ضُرّ عَنْهَا وَلَا غَيْرهَا يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : فَكَيْف تَعْبُد مَنْ كَانَ هَكَذَا ؟ أَمْ كَيْف لَا تُخْلِص الْعِبَادَة , وَتُقِرّ لِمَنْ كَانَ بِيَدِهِ الضُّرّ وَالنَّفْع وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب وَلَهُ الْقُدْرَة الْكَامِلَة وَالْعِزَّة الظَّاهِرَة ؟
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ الْقَاهِر فَوْق عِبَاده وَهُوَ الْحَكِيم الْخَبِير } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ : وَ " هُوَ " نَفْسه ; يَقُول : وَاَللَّه الْقَاهِر فَوْق عِبَاده . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { الْقَاهِر } : الْمُذَلِّل الْمُسْتَعْبِد خَلْقه الْعَالِي عَلَيْهِمْ . وَإِنَّمَا قَالَ : " فَوْق عِبَاده " , لِأَنَّهُ وَصَفَ نَفْسه تَعَالَى بِقَهْرِهِ إِيَّاهُمْ , وَمِنْ صِفَة كُلّ قَاهِر شَيْئًا أَنْ يَكُون مُسْتَعْلِيًا عَلَيْهِ . فَمَعْنَى الْكَلَام إِذَنْ : وَاَللَّه الْغَالِب عِبَاده , الْمُذِلّ لَهُمْ , الْعَالِي عَلَيْهِمْ بِتَذْلِيلِهِ لَهُمْ وَخَلْقه إِيَّاهُمْ , فَهُوَ فَوْقهمْ بِقَهْرِهِ إِيَّاهُمْ , وَهُمْ دُونه . { وَهُوَ الْحَكِيم } يَقُول : وَاَللَّه الْحَكِيم فِي عُلُوّهُ عَلَى عِبَاده وَقَهْره إِيَّاهُمْ بِقُدْرَتِهِ وَفِي سَائِر تَدْبِيره , الْخَبِير بِمَصَالِح الْأَشْيَاء وَمَضَارّهَا , الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ عَوَاقِب الْأُمُور وَبِوَادِيهَا , وَلَا يَقَع فِي تَدْبِيره خَلَل , وَلَا يَدْخُل حُكْمه دَخَل .
قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهِ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ أَيّ شَيْء أَكْبَر شَهَادَة قُلْ اللَّه شَهِيد بَيْنِي وَبَيْنكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ وَيَجْحَدُونَ نُبُوَّتك مِنْ قَوْمك : أَيّ شَيْء أَعْظَم شَهَادَة وَأَكْبَر , ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِأَنَّ أَكْبَر الْأَشْيَاء شَهَادَة اللَّه الَّذِي لَا يَجُوز أَنْ يَقَع فِي شَهَادَته مَا يَجُوز أَنْ يَقَع فِي شَهَادَة غَيْره مِنْ خَلْقه مِنْ السَّهْو وَالْخَطَأ وَالْغَلَط وَالْكَذِب , ثُمَّ قُلْ لَهُمْ : إِنَّ الَّذِي هُوَ أَكْبَر الْأَشْيَاء شَهَادَة شَهِيد بَيْنِي وَبَيْنكُمْ , بِالْمُحِقِّ مِنَّا مِنْ الْمُبْطِل وَالرَّشِيد مِنَّا فِي فِعْله وَقَوْله مِنْ السَّفِيه , وَقَدْ رَضِينَا بِهِ حَكَمًا بَيْننَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10219 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { أَيّ شَيْء أَكْبَر شَهَادَة } قَالَ : أُمِرَ مُحَمَّد أَنْ يَسْأَل قُرَيْشًا , ثُمَّ أُمِرَ أَنْ يُخْبِرَهُمْ فَيَقُول : { اللَّه شَهِيد بَيْنِي وَبَيْنكُمْ } . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآن لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَك : { اللَّه شَهِيد بَيْنِي وَبَيْنكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآن لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ } عِقَابه , وَأُنْذِر بِهِ مَنْ بَلَغَهُ مِنْ سَائِر النَّاس غَيْركُمْ , إِنْ لَمْ يَنْتَهِ إِلَى الْعَمَل بِمَا فِيهِ وَتَحْلِيل حَلَاله وَتَحْرِيم حَرَامه وَالْإِيمَان بِجَمِيعِهِ , نُزُولَ نِقْمَةِ اللَّهِ بِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10220 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { أَيّ شَيْء أَكْبَر شَهَادَة قُلْ اللَّه شَهِيد بَيْنِي وَبَيْنكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآن لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : " يَا أَيّهَا النَّاس بَلِّغُوا وَلَوْ آيَة مِنْ كِتَاب اللَّه , فَإِنَّهُ مَنْ بَلَغَهُ آيَة مِنْ كِتَاب اللَّه فَقَدْ بَلَغَهُ أَمْر اللَّه , أَخَذَهُ , أَوْ تَرَكَهُ " . - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { لِأُنْذِركُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : وَبَلِّغُوا عَنْ اللَّه , فَمَنْ بَلَغَهُ آيَة مِنْ كِتَاب اللَّه , فَقَدْ بَلَغَهُ أَمْر اللَّه " . 10221 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ : { لِأُنْذِركُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } قَالَ : مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآن فَكَأَنَّمَا رَأَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثُمَّ قَرَأَ : { وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ } . 10222 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ حَسَن بْن صَالِح , قَالَ : سَأَلْت لَيْثًا : هَلْ بَقِيَ أَحَد لَمْ تَبْلُغهُ الدَّعْوَة ؟ قَالَ : كَانَ مُجَاهِد يَقُول : حَيْثُمَا يَأْتِي الْقُرْآن فَهُوَ دَاعٍ وَهُوَ نَذِير . ثُمَّ قَرَأَ : { لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ } . 10223 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَمَنْ بَلَغَ } : مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْعَجَم وَغَيْرهمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا خَالِد بْن يَزِيد , قَالَ : ثَنَا أَبُو مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب فِي قَوْله : { لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } قَالَ : مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآن , فَقَدْ أَبْلَغَهُ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 10224 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآن لِأُنْذِركُمْ لَهُ } يَعْنِي أَهْل مَكَّة , { وَمَنْ بَلَغَ } يَعْنِي : وَمَنْ بَلَغَهُ هَذَا الْقُرْآن فَهُوَ لَهُ نَذِير . - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : سَمِعْت سُفْيَان الثَّوْرِيّ يُحَدِّث , لَا أَعْلَمهُ إِلَّا عَنْ مُجَاهِد , أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله : { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآن لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ } الْعَرَب { وَمَنْ بَلَغَ } الْعَجَم . 10225 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لِأُنْذِركُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } أَمَّا " مَنْ بَلَغَ " : فَمَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآن فَهُوَ لَهُ نَذِيره . 10226 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآن لِأُنْذِركُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } قَالَ : يَقُول : مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآن فَأَنَا نَذِيره . وَقَرَأَ : { يَا أَيّهَا النَّاس إِنِّي رَسُول اللَّه إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } 7 158 قَالَ : فَمَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآن , فَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَذِيره . فَمَعْنَى هَذَا الْكَلَام : لِأُنْذِركُمْ بِالْقُرْآنِ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ وَأُنْذِر مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآن مِنْ النَّاس كُلّهمْ , " مَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب بِوُقُوعِ " أُنْذِر " عَلَيْهِ , وَ " بَلَغَ " فِي صِلَته , وَأُسْقِطَتْ الْهَاء الْعَائِدَة عَلَى " مَنْ " فِي قَوْله : " بَلَغَ " لِاسْتِعْمَالِ الْعَرَب ذَلِكَ فِي صِلَات " مَنْ , وَمَا , وَاَلَّذِي " .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّه آلِهَة أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَد قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَه وَاحِد وَإِنَّنِي بَرِيء مِمَّا تُشْرِكُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْجَاحِدِينَ نُبُوَّتك , الْعَادِلِينَ بِاَللَّهِ رَبًّا غَيْره : أَإِنَّكُمْ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّه آلِهَة أُخْرَى , يَقُول : تَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَهُ مَعْبُودَات غَيْره مِنْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام . وَقَالَ : " أُخْرَى " وَلَمْ يَقُلْ : " أُخَر " وَالْآلِهَة جَمْع , لِأَنَّ الْجُمُوع يَلْحَقهَا التَّأْنِيث , كَمَا قَالَ تَعَالَى : { فَمَا بَال الْقُرُون الْأُولَى } 20 51 وَلَمْ يَقُلْ " الْأُوَل " , وَلَا " الْأَوَّلِينَ " . ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد , لَا أَشْهَد بِمَا تَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّه آلِهَة أُخْرَى , بَلْ أَجْحَد ذَلِكَ وَأُنْكِرُهُ . { إِنَّمَا هُوَ إِلَه وَاحِد } يَقُول : إِنَّمَا هُوَ مَعْبُود وَاحِد , لَا شَرِيك لَهُ فِيمَا يَسْتَوْجِب عَلَى خَلْقه مِنْ الْعِبَادَة . { وَإِنَّنِي بَرِيء مِمَّا تُشْرِكُونَ } يَقُول : قُلْ وَإِنَّنِي بَرِيء مِنْ كُلّ شَرِيك تَدْعُونَهُ لِلَّهِ وَتُضِيفُونَهُ إِلَى شِرْكَته وَتَعْبُدُونَهُ مَعَهُ , لَا أَعْبُد سِوَى اللَّه شَيْئًا وَلَا أَدْعُو غَيْره إِلَهًا . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي قَوْم مِنْ الْيَهُود بِأَعْيَانِهِمْ مِنْ وَجْه لَمْ تَثْبُت صِحْته . وَذَلِكَ مَا : 10227 - حَدَّثَنَا بِهِ هَنَّاد بْن السَّرِيّ وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثَنَا يُونُس بْن سُوَيْد , قَالَ : ثَنِي مُحَمَّد بْن إِسْحَاق قَالَ : ثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : ثَنِي سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : جَاءَ النُّحَام بْن زَيْد وقردم بْن كَعْب وَبَحْرِيّ بْن عُمَيْر , فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد أَمَا تَعْلَم مَعَ اللَّه إِلَهًا غَيْره ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا إِلَه إِلَّا اللَّه بِذَلِكَ بُعِثْت , وَإِلَى ذَلِكَ أَدْعُو " فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ وَفِي قَوْلهمْ : { قُلْ أَيّ شَيْء أَكْبَر شَهَادَة قُلْ اللَّه شَهِيد بَيْنِي وَبَيْنكُمْ } إِلَى قَوْله : { لَا يُؤْمِنُونَ } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآن لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَك : { اللَّه شَهِيد بَيْنِي وَبَيْنكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآن لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ } عِقَابه , وَأُنْذِر بِهِ مَنْ بَلَغَهُ مِنْ سَائِر النَّاس غَيْركُمْ , إِنْ لَمْ يَنْتَهِ إِلَى الْعَمَل بِمَا فِيهِ وَتَحْلِيل حَلَاله وَتَحْرِيم حَرَامه وَالْإِيمَان بِجَمِيعِهِ , نُزُولَ نِقْمَةِ اللَّهِ بِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10220 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { أَيّ شَيْء أَكْبَر شَهَادَة قُلْ اللَّه شَهِيد بَيْنِي وَبَيْنكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآن لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : " يَا أَيّهَا النَّاس بَلِّغُوا وَلَوْ آيَة مِنْ كِتَاب اللَّه , فَإِنَّهُ مَنْ بَلَغَهُ آيَة مِنْ كِتَاب اللَّه فَقَدْ بَلَغَهُ أَمْر اللَّه , أَخَذَهُ , أَوْ تَرَكَهُ " . - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { لِأُنْذِركُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : وَبَلِّغُوا عَنْ اللَّه , فَمَنْ بَلَغَهُ آيَة مِنْ كِتَاب اللَّه , فَقَدْ بَلَغَهُ أَمْر اللَّه " . 10221 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ : { لِأُنْذِركُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } قَالَ : مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآن فَكَأَنَّمَا رَأَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثُمَّ قَرَأَ : { وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ } . 10222 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ حَسَن بْن صَالِح , قَالَ : سَأَلْت لَيْثًا : هَلْ بَقِيَ أَحَد لَمْ تَبْلُغهُ الدَّعْوَة ؟ قَالَ : كَانَ مُجَاهِد يَقُول : حَيْثُمَا يَأْتِي الْقُرْآن فَهُوَ دَاعٍ وَهُوَ نَذِير . ثُمَّ قَرَأَ : { لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ } . 10223 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَمَنْ بَلَغَ } : مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْعَجَم وَغَيْرهمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا خَالِد بْن يَزِيد , قَالَ : ثَنَا أَبُو مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب فِي قَوْله : { لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } قَالَ : مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآن , فَقَدْ أَبْلَغَهُ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 10224 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآن لِأُنْذِركُمْ لَهُ } يَعْنِي أَهْل مَكَّة , { وَمَنْ بَلَغَ } يَعْنِي : وَمَنْ بَلَغَهُ هَذَا الْقُرْآن فَهُوَ لَهُ نَذِير . - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : سَمِعْت سُفْيَان الثَّوْرِيّ يُحَدِّث , لَا أَعْلَمهُ إِلَّا عَنْ مُجَاهِد , أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله : { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآن لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ } الْعَرَب { وَمَنْ بَلَغَ } الْعَجَم . 10225 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لِأُنْذِركُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } أَمَّا " مَنْ بَلَغَ " : فَمَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآن فَهُوَ لَهُ نَذِيره . 10226 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآن لِأُنْذِركُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } قَالَ : يَقُول : مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآن فَأَنَا نَذِيره . وَقَرَأَ : { يَا أَيّهَا النَّاس إِنِّي رَسُول اللَّه إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } 7 158 قَالَ : فَمَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآن , فَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَذِيره . فَمَعْنَى هَذَا الْكَلَام : لِأُنْذِركُمْ بِالْقُرْآنِ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ وَأُنْذِر مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآن مِنْ النَّاس كُلّهمْ , " مَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب بِوُقُوعِ " أُنْذِر " عَلَيْهِ , وَ " بَلَغَ " فِي صِلَته , وَأُسْقِطَتْ الْهَاء الْعَائِدَة عَلَى " مَنْ " فِي قَوْله : " بَلَغَ " لِاسْتِعْمَالِ الْعَرَب ذَلِكَ فِي صِلَات " مَنْ , وَمَا , وَاَلَّذِي " .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّه آلِهَة أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَد قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَه وَاحِد وَإِنَّنِي بَرِيء مِمَّا تُشْرِكُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْجَاحِدِينَ نُبُوَّتك , الْعَادِلِينَ بِاَللَّهِ رَبًّا غَيْره : أَإِنَّكُمْ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّه آلِهَة أُخْرَى , يَقُول : تَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَهُ مَعْبُودَات غَيْره مِنْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام . وَقَالَ : " أُخْرَى " وَلَمْ يَقُلْ : " أُخَر " وَالْآلِهَة جَمْع , لِأَنَّ الْجُمُوع يَلْحَقهَا التَّأْنِيث , كَمَا قَالَ تَعَالَى : { فَمَا بَال الْقُرُون الْأُولَى } 20 51 وَلَمْ يَقُلْ " الْأُوَل " , وَلَا " الْأَوَّلِينَ " . ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد , لَا أَشْهَد بِمَا تَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّه آلِهَة أُخْرَى , بَلْ أَجْحَد ذَلِكَ وَأُنْكِرُهُ . { إِنَّمَا هُوَ إِلَه وَاحِد } يَقُول : إِنَّمَا هُوَ مَعْبُود وَاحِد , لَا شَرِيك لَهُ فِيمَا يَسْتَوْجِب عَلَى خَلْقه مِنْ الْعِبَادَة . { وَإِنَّنِي بَرِيء مِمَّا تُشْرِكُونَ } يَقُول : قُلْ وَإِنَّنِي بَرِيء مِنْ كُلّ شَرِيك تَدْعُونَهُ لِلَّهِ وَتُضِيفُونَهُ إِلَى شِرْكَته وَتَعْبُدُونَهُ مَعَهُ , لَا أَعْبُد سِوَى اللَّه شَيْئًا وَلَا أَدْعُو غَيْره إِلَهًا . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي قَوْم مِنْ الْيَهُود بِأَعْيَانِهِمْ مِنْ وَجْه لَمْ تَثْبُت صِحْته . وَذَلِكَ مَا : 10227 - حَدَّثَنَا بِهِ هَنَّاد بْن السَّرِيّ وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثَنَا يُونُس بْن سُوَيْد , قَالَ : ثَنِي مُحَمَّد بْن إِسْحَاق قَالَ : ثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : ثَنِي سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : جَاءَ النُّحَام بْن زَيْد وقردم بْن كَعْب وَبَحْرِيّ بْن عُمَيْر , فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد أَمَا تَعْلَم مَعَ اللَّه إِلَهًا غَيْره ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا إِلَه إِلَّا اللَّه بِذَلِكَ بُعِثْت , وَإِلَى ذَلِكَ أَدْعُو " فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ وَفِي قَوْلهمْ : { قُلْ أَيّ شَيْء أَكْبَر شَهَادَة قُلْ اللَّه شَهِيد بَيْنِي وَبَيْنكُمْ } إِلَى قَوْله : { لَا يُؤْمِنُونَ } .
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , يَعْرِفُونَ أَنَّمَا هُوَ إِلَه وَاحِد لَا جَمَاعَة الْآلِهَة , وَأَنَّ مُحَمَّدًا نَبِيّ مَبْعُوث , كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ . وَقَوْله : { الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ } مِنْ نَعْت " الَّذِينَ " الْأُولَى , وَيُعْنَى بِقَوْلِهِ : { خَسِرُوا أَنْفُسهمْ } أَهْلَكُوهَا وَأَلْقَوْهَا فِي نَار جَهَنَّم بِإِنْكَارِهِمْ مُحَمَّدًا أَنَّهُ لِلَّهِ رَسُول مُرْسَل , وَهُمْ بِحَقِيقَةِ ذَلِكَ عَارِفُونَ { فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } يَقُول : فَهُمْ بِخَسَارَتِهِمْ بِذَلِكَ أَنْفُسهمْ لَا يُؤْمِنُونَ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى خَسَارَتهمْ أَنْفُسهمْ : أَنَّ كُلّ عَبْد لَهُ مَنْزِل فِي الْجَنَّة وَمَنْزِل فِي النَّار ; فَإِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جَعَلَ اللَّه لِأَهْلِ الْجَنَّة مَنَازِل أَهْل النَّار فِي الْجَنَّة , وَجَعَلَ لِأَهْلِ النَّار مَنَازِل أَهْل الْجَنَّة فِي النَّار , فَذَلِكَ خُسْرَان الْخَاسِرِينَ مِنْهُمْ لِبَيْعِهِمْ مَنَازِلَهُمْ مِنْ الْجَنَّة بِمَنَازِل أَهْل الْجَنَّة مِنْ النَّار , بِمَا فَرَطَ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ مَعْصِيَتهمْ اللَّه وَظُلْمهمْ أَنْفُسهمْ , وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْل اللَّه تَعَالَى : { الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْس هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } 23 11 ! وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْله : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10228 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ } يَعْرِفُونَ أَنَّ الْإِسْلَام دِين اللَّه , وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه , يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ } النَّصَارَى وَالْيَهُود , يَعْرِفُونَ رَسُول اللَّه فِي كِتَابهمْ , كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ . 10229 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ } 10230 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن عُبَادَة , قَوْله : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ } : يَعْنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; قَالَ : زَعَمَ أَهْل الْمَدِينَة عَنْ أَهْل الْكِتَاب مِمَّنْ أَسْلَمَ , أَنَّهُمْ قَالُوا : وَاَللَّه لَنَحْنُ أَعْرَف بِهِ مِنْ أَبْنَائِنَا مِنْ أَجْل الصِّفَة وَالنَّعْت الَّذِي نَجِدهُ فِي الْكِتَاب وَأَمَّا أَبْنَاؤُنَا فَلَا نَدْرِي مَا أَحْدَثَ النِّسَاء .
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ اِفْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِح الظَّالِمُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَمَنْ أَشَدُّ اِعْتِدَاء وَأَخْطَأُ فِعْلًا وَأَخْطَل قَوْلًا { مِمَّنْ اِفْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا } , يَعْنِي : مِمَّنْ اِخْتَلَقَ عَلَى اللَّه قِيلَ بَاطِلٍ , وَاخْتَرَقَ مِنْ نَفْسه عَلَيْهِ كَذِبًا , فَزَعَمَ أَنَّ لَهُ شَرِيكًا مِنْ خَلْقه وَإِلَهًا يُعْبَد مِنْ دُونه كَمَا قَالَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان , أَوْ اِدَّعَى لَهُ وَلَدًا أَوْ صَاحِبَة كَمَا قَالَتْهُ النَّصَارَى . { أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ } يَقُول : أَوْ كَذَّبَ بِحُجَجِهِ وَأَعْلَامه وَأَدِلَّته الَّتِي أَعْطَاهَا رُسُله عَلَى حَقِيقَة نُبُوَّتهمْ كَذَّبَتْ بِهَا الْيَهُود . { إِنَّهُ لَا يُفْلِح الظَّالِمُونَ } يَقُول : إِنَّهُ لَا يُفْلِح الْقَائِلُونَ عَلَى اللَّه الْبَاطِل , وَلَا يُدْرِكُونَ الْبَقَاء فِي الْجِنَان , وَالْمُفْتَرُونَ عَلَيْهِ الْكَذِب وَالْجَاحِدُونَ بِنُبُوَّةِ أَنْبِيَائِهِ .
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَوْم نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُول لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمْ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللَّه كَذِبًا وَالْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِهِ , لَا يُفْلِحُونَ الْيَوْم فِي الدُّنْيَا وَلَا يَوْم نَحْشُرهُمْ جَمِيعًا , يَعْنِي : وَلَا فِي الْآخِرَة . فَفِي الْكَلَام مَحْذُوف قَدْ اُسْتُغْنِيَ بِذِكْرِ مَا ظَهَرَ عَمَّا حُذِفَ . وَتَأْوِيل الْكَلَام : إِنَّهُ لَا يُفْلِح الظَّالِمُونَ الْيَوْم فِي الدُّنْيَا { وَيَوْم نَحْشُرهُمْ جَمِيعًا } فَقَوْله : " وَيَوْم نَحْشُرهُمْ " , مَرْدُود عَلَى الْمُرَاد فِي الْكَلَام ; لِأَنَّهُ , وَإِنْ كَانَ مَحْذُوفًا مِنْهُ فَكَأَنَّهُ فِيهِ لِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ بِمَعْنَاهُ . { ثُمَّ نَقُول لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمْ } يَقُول : ثُمَّ نَقُول إِذَا حَشْرنَا هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللَّه الْكَذِب بِادِّعَائِهِمْ لَهُ فِي سُلْطَانه شَرِيكًا وَالْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِهِ وَرُسُله , فَجَمَعْنَا جَمِيعهمْ يَوْم الْقِيَامَة : { أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمْ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ } أَنَّهُمْ لَكُمْ آلِهَة مِنْ دُون اللَّه , اِفْتِرَاء وَكَذِبًا , وَتَدْعُونَهُمْ مِنْ دُونه أَرْبَابًا , فَأْتُوا بِهِمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتهمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : ثُمَّ لَمْ يَكُنْ قَوْلهمْ إِذْ قُلْنَا لَهُمْ : أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمْ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ إِجَابَة مِنْهُمْ لَنَا عَنْ سُؤَالنَا إِيَّاهُمْ ذَلِكَ إِذْ فَتَنَّاهُمْ فَاخْتَبَرْنَاهُمْ , { إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } كَذِبًا مِنْهُمْ فِي أَيْمَانهمْ عَلَى قِيلهمْ ذَلِكَ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ جَمَاعَة مِنْ قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ : " ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتهمْ " بِالنَّصْبِ , بِمَعْنَى : لَمْ يَكُنْ اِخْتِبَارنَا لَهُمْ إِلَّا قِيلهمْ { وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } غَيْر أَنَّهُمْ يَقْرَءُونَ { تَكُنْ } بِالتَّاءِ عَلَى التَّأْنِيث وَإِنْ كَانَتْ لِلْقَوْلِ لَا لِلْفِتْنَةِ لِمُجَاوَرَتِهِ الْفِتْنَة وَهِيَ خَبَر , وَذَلِكَ عِنْد أَهْل الْعَرَبِيَّة شَاذّ غَيْر فَصِيح فِي الْكَلَام ; وَقَدْ رُوِيَ بَيْت مَسْعَدَة بِنَحْوِ ذَلِكَ , وَهُوَ قَوْله : فَمَضَى وَقَدَّمَهَا وَكَانَتْ عَادَةً مِنْهُ إِذَا هِيَ عَرَّدَتْ إِقْدَامُهَا فَقَالَ : " وَكَانَتْ " بِتَأْنِيثِ الْإِقْدَام لِمُجَاوَرَتِهِ قَوْله : عَادَة . وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : " ثُمَّ لَمْ يَكُنْ " بِالْيَاءِ " فِتْنَتهمْ " بِالنَّصْبِ { إِلَّا أَنْ قَالُوا } بِنَحْوِ الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدَهُ الْآخَرُونَ الَّذِينَ ذَكَرْنَا قِرَاءَتهمْ , غَيْر أَنَّهُمْ ذَكَّرُوا يَكُون لِتَذْكِيرِ أَنْ وَهَذِهِ الْقِرَاءَة عِنْدنَا أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ " أَنْ " أَثْبَت فِي الْمَعْرِفَة مِنْ الْفِتْنَة . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتهمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : ثُمَّ لَمْ يَكُنْ قَوْلهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10231 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , قَالَ : قَالَ قَتَادَة فِي قَوْله : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتهمْ } قَالَ : مَقَالَتهمْ . قَالَ مَعْمَر : وَسَمِعْت غَيْر قَتَادَة يَقُول : مَعْذِرَتهمْ . 10232 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن عُبَادَة , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتهمْ } قَالَ : قَوْلهمْ . - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتهمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا } . . . الْآيَة , فَهُوَ كَلَامهمْ , قَالُوا : { وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } . 10233 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد يَقُول : ثَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ سَمِعْت الضَّحَّاك : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتهمْ } يَعْنِي كَلَامهمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ مَعْذِرَتهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10234 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ قَتَادَة : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتهمْ } قَالَ : مَعْذِرَتهمْ . - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتهمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } يَقُول : اِعْتِذَارهمْ بِالْبَاطِلِ وَالْكَذِب . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال مَعْنَاهُ : ثُمَّ لَمْ يَكُنْ قِيلهمْ عِنْد فِتْنَتنَا إِيَّاهُمْ اِعْتِذَارًا مِمَّا سَلَفَ مِنْهُمْ مِنْ الشِّرْك بِاَللَّهِ , { إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } ; فَوُضِعَتْ الْفِتْنَة مَوْضِع الْقَوْل لِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ مَعْنَى الْكَلَام . وَإِنَّمَا الْفِتْنَة : الِاخْتِبَار وَالِابْتِلَاء , وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْجَوَاب مِنْ الْقَوْم غَيْر وَاقِع هُنَالِكَ إِلَّا عِنْد الِاخْتِبَار , وُضِعَتْ الْفِتْنَة الَّتِي هِيَ الِاخْتِبَار مَوْضِع الْخَبَر عَنْ جَوَابهمْ وَمَعْذِرَتهمْ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء أَيْضًا فِي قِرَاءَة قَوْله : { إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ : { وَاَللَّه رَبّنَا } خَفْضًا عَلَى أَنَّ " الرَّبّ " نَعْت لِلَّهِ . وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ التَّابِعِينَ : " وَاَللَّه رَبّنَا " بِالنَّصْبِ بِمَعْنَى : وَاَللَّه يَا رَبّنَا , وَهِيَ قِرَاءَة عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : " وَاَللَّه رَبّنَا " بِنُضَّبِ الرَّبّ , بِمَعْنَى : يَا رَبّنَا . وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا جَوَاب مِنْ الْمَسْئُولِينَ الْمَقُول لَهُمْ : { أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمْ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ } وَكَانَ مِنْ جَوَاب الْقَوْم لِرَبِّهِمْ : وَاَللَّه يَا رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ , فَنَفَوْا أَنْ يَكُونُوا قَالُوا ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا . يَقُول اللَّه تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اُنْظُرْ كَيْف كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسهمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ , وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } مَا كُنَّا نَدْعُو لَك شَرِيكًا وَلَا نَدْعُو سِوَاك .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اُنْظُرْ كَيْف كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسهمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اُنْظُرْ يَا مُحَمَّد فَاعْلَمْ كَيْف كَذَبَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الْعَادِلُونَ بِرَبِّهِمْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام فِي الْآخِرَة , عِنْد لِقَاء اللَّه عَلَى أَنْفُسهمْ بِقِيلِهِمْ : وَاَللَّه يَا رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ , وَاسْتَعْمَلُوا هُنَالِكَ الْأَخْلَاق الَّتِي كَانُوا بِهَا مُتَخَلِّقِينَ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْكَذِب وَالْفِرْيَة . وَمَعْنَى النَّظَر فِي هَذَا الْمَوْضِع : النَّظَر بِالْقَلْبِ لَا النَّظَر بِالْبَصَرِ , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : تَبَيَّنْ , فَاعْلَمْ كَيْف كَذَبُوا فِي الْآخِرَة . وَقَالَ : " كَذَبُوا " , وَمَعْنَاهُ : يَكْذِبُونَ , لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْخَبَر قَدْ مَضَى فِي الْآيَة قَبْلهَا صَارَ كَالشَّيْءِ الَّذِي قَدْ كَانَ وَوُجِدَ . { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } يَقُول : وَفَارَقَهُمْ الْأَنْدَاد وَالْأَصْنَام وَتَبَرَّءُوا مِنْهَا , فَسَلَكُوا غَيْر سَبِيلهَا لِأَنَّهَا هَلَكَتْ , وَأُعِيدَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهَا اِجْتِزَاء , ثُمَّ أُخِذُوا بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَهُ مِنْ قِيلهمْ فِيهَا عَلَى اللَّه وَعِبَادَتهمْ إِيَّاهُ وَإِشْرَاكهمْ إِيَّاهَا فِي سُلْطَان اللَّه , فَضَلَّتْ عَنْهُمْ , وَعُوقِبَ عَابِدُوهَا بِفِرْيَتِهِمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ مَعْنَى الضَّلَال : الْأَخْذ عَلَى غَيْر الْهُدَى . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَقُولُونَ هَذَا الْقَوْل عِنْد مُعَايَنَتهمْ سَعَة رَحْمَة اللَّه يَوْمئِذٍ . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ . 10235 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا حَكَّام , قَالَ : ثَنَا عَمْرو , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : أَتَى رَجُل اِبْن عَبَّاس , فَقَالَ : قَالَ اللَّه : { وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } , وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى : { وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّه حَدِيثًا } 4 42 قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَمَّا قَوْله : { وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } فَإِنَّهُ لَمَّا رَأَوْا أَنَّهُ لَا يَدْخُل الْجَنَّةَ إِلَّا أَهْلُ الْإِسْلَامِ فَقَالُوا : تَعَالَوْا لِنَجْحَد { قَالُوا وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } فَخَتَمَ اللَّه عَلَى أَفْوَاههمْ وَتَكَلَّمَتْ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ { وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّه حَدِيثًا } . 10236 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } قَالَ : قَوْل أَهْل الشِّرْك حِين رَأَوْا الذُّنُوب تُغْفَر , وَلَا يَغْفِر اللَّه لِمُشْرِكٍ , اُنْظُرْ كَيْف كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسهمْ بِتَكْذِيبِ اللَّه إِيَّاهُمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ . 10237 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } ثُمَّ قَالَ : { وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّه حَدِيثًا } بِجَوَارِحِهِمْ . 10238 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ ثَنَا أَبِي , عَنْ حَمْزَة الزَّيَّات , عَنْ رَجُل يُقَال لَهُ هِشَام , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتهمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } قَالَ : حَلَفُوا وَاعْتَذَرُوا , قَالُوا : وَاَللَّه رَبّنَا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا قَبِيصَة بْن عُقْبَة , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : أَقْسَمُوا وَاعْتَذَرُوا : وَاَللَّه رَبّنَا . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا وَكِيع , عَنْ حَمْزَة الزَّيَّات , عَنْ رَجُل يُقَال لَهُ هِشَام , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر بِنَحْوِهِ . 10239 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ سُفْيَان بْن زِيَاد الْفِرْيَابِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } قَالَ : لَمَّا أُمِرَ بِإِخْرَاجِ رِجَال مِنْ النَّار مِنْ أَهْل التَّوْحِيد , قَالَ مَنْ فِيهَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ : تَعَالَوْا نَقُول : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , لَعَلَّنَا نَخْرُج مَعَ هَؤُلَاءِ ! قَالَ : فَلَمْ يُصَدَّقُوا , قَالَ : فَحَلَفُوا : { وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } قَالَ : فَقَالَ اللَّه : { اُنْظُرْ كَيْف كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسهمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } . 10240 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } : أَيْ يُشْرِكُونَ بِهِ . - حَدَّثَنَا الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا الْمِنْهَال بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد عَنْ جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } قَالَ : لَمَّا رَأَى الْمُشْرِكُونَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مُسْلِمٌ , قَالُوا : تَعَالَوْا إِذَا سُئِلْنَا قُلْنَا { وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } . فَسُئِلُوا , فَقَالُوا ذَلِكَ , فَخَتَمَ اللَّه عَلَى أَفْوَاههمْ وَشَهِدَتْ عَلَيْهِمْ جَوَارِحُهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ , فَوَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ رَأَوْا ذَلِكَ { لَوْ تُسَوَّى بِهِمْ الْأَرْض وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّه حَدِيثًا } . - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنِي عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا مُسْلِم بْن خَلَف , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد قَالَ : يَأْتِي عَلَى النَّاس يَوْم الْقِيَامَة سَاعَة لَمَّا رَأَى أَهْل الشِّرْك أَهْل التَّوْحِيد يُغْفَر لَهُمْ , فَيَقُولُونَ : { وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } قَالَ : { اُنْظُرْ كَيْف كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسهمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } . - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ ثَنَا سُفْيَان عَنْ رَجُل , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , أَنَّهُ كَانَ يَقُول : { وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } يَخْفِضهَا . قَالَ : أَقْسَمُوا وَاعْتَذَرُوا . قَالَ الْحَارِث : قَالَ عَبْد الْعَزِيز , قَالَ سُفْيَان مَرَّة أُخْرَى , ثَنِي هِشَام , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر .
وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَاؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْك وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام مِنْ قَوْمك يَا مُحَمَّد مَنْ يَسْتَمِع إِلَيْك , يَقُول : مَنْ يَسْتَمِع الْقُرْآن مِنْك , وَيَسْتَمِع مَا تَدْعُوهُ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيد رَبّك وَأَمْره وَنَهْيه , وَلَا يَفْقَه مَا تَقُول وَلَا يُوعِيه قَلْبه , وَلَا يَتَدَبَّرهُ وَلَا يُصْغِي لَهُ سَمْعه لِيَتَفَقَّهَهُ فَيَفْهَم حُجَج اللَّه عَلَيْهِ فِي تَنْزِيلِهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْك , إِنَّمَا يَسْمَعُ صَوْتَك وَقِرَاءَتَك وَكَلَامَك , وَلَا يَعْقِل عَنْك مَا تَقُول ; لِأَنَّ اللَّه قَدْ جَعَلَ عَلَى قَلْبه أَكِنَّة . وَهِيَ جَمْع كِنَان , وَهُوَ الْغِطَاء مِثْل سِنَان وَأَسِنَّة , يُقَال مِنْهُ : أَكْنَنْت الشَّيْء فِي نَفْسِي بِالْأَلِفِ , وَكَنَنْت الشَّيْء إِذَا غَطَّيْته , وَمِنْ ذَلِكَ { بَيْضٌ مَكْنُون } 37 49 وَهُوَ الْغِطَاء , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : تَحْت عَيْنٍ كِنَانُنَا ظِلُّ بُرْدٍ مُرَحَّلُ يَعْنِي غِطَاءَهُمْ الَّذِي يُكَنِّهِمْ . { وَفِي آذَانهمْ وَقْرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَجَعَلَ فِي آذَانهمْ ثِقَلًا وَصَمَمًا عَنْ فَهْم مَا تَتْلُو عَلَيْهِمْ وَالْإِصْغَاء لِمَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ . وَالْعَرَب تَفْتَح الْوَاو مِنْ " الْوَقْر " فِي الْأُذُن : وَهُوَ الثِّقَل فِيهَا , وَتَكْسِرهَا فِي الْحَمْل , فَتَقُول : هُوَ وِقْر الدَّابَّة , وَيُقَال مِنْ الْحَمْل : أَوَقَرْت الدَّابَّة فَهِيَ مُوقَرَة , وَمِنْ السَّمْع : وَقَرْت سَمْعَهُ فَهُوَ مَوْقُور , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : وَلِي هَامَة قَدْ وَقَرَ الضَّرْبُ سَمْعَهَا وَقَدْ ذُكِرَ سَمَاعًا مِنْهُمْ : وَقَرَتْ أُذُنه : إِذَا ثَقُلَتْ , فَهِيَ مَوْقُورَة , وَأَوْقَرَتْ النَّخْلَة فَهِيَ مُوقَر , كَمَا قِيلَ : اِمْرَأَة طَامِث وَحَائِض , لِأَنَّهُ لَا حَظَّ فِيهِ لِلْمُذَكَّرِ , فَإِذَا أُرِيد أَنَّ اللَّه أَوْقَرَهَا قِيلَ مُوقَرَة . وَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ : { وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبهمْ أَكِنَّة أَنْ يَفْقَهُوهُ } بِمَعْنَى : أَنْ لَا يَفْقَهُوهُ , كَمَا قَالَ : { يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا } 4 176 بِمَعْنَى ; أَنْ لَا تَضِلُّوا , لِأَنَّ الْكِنّ إِنَّمَا جُعِلَ عَلَى الْقَلْب لِئَلَّا يَفْقَهَهُ لَا لِيَفْقَهَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10241 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّة أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا } قَالَ : يَسْمَعُونَهُ بِآذَانِهِمْ وَلَا يَعُونَ مِنْهُ شَيْئًا , كَمَثَلِ الْبَهِيمَة الَّتِي تَسْمَع النِّدَاء وَلَا تَدْرِي مَا يُقَال لَهَا . 10242 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ : { وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّة أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانهمْ وَقْرًا } أَمَّا أَكِنَّة : فَالْغِطَاء , أَكَنَّ قُلُوبَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ الْحَقّ , { وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا } قَالَ صَمَم . 10243 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِع إِلَيْك } قَالَ : قُرَيْش . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ يَرَوْا كُلّ آيَة لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوك يُجَادِلُونَك يَقُول الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَإِنْ هَؤُلَاءِ الْعَادِلُونَ بِرَبِّهِمْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , الَّذِينَ جُعِلَتْ عَلَى قُلُوبهمْ أَكِنَّة أَنْ يَفْقَهُوا عَنْك مَا يَسْمَعُونَ مِنْك , { كُلّ آيَة } : يَقُول : كُلّ حُجَّة وَعَلَامَة تَدُلّ أَهْل الْحِجَا وَالْفَهْم عَلَى تَوْحِيد اللَّه وَصِدْق قَوْلِك وَحَقِيقَة نُبُوَّتك ; { لَا يُؤْمِنُوا بِهَا } يَقُول : لَا يُصَدِّقُونَ بِهَا وَلَا يُقِرُّونَ بِأَنَّهَا دَالَّة عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ دَالَّة . { حَتَّى إِذَا جَاءُوك يُجَادِلُونَك } يَقُول : حَتَّى إِذَا صَارُوا إِلَيْك بَعْد مُعَايَنَتهمْ الْآيَات الدَّالَّة عَلَى حَقِيقَة مَا جِئْتهمْ بِهِ يُجَادِلُونَك , يَقُول : يُخَاصِمُونَك . { يَقُول الَّذِينَ كَفَرُوا } يُعْنَى بِذَلِكَ الَّذِينَ جَحَدُوا آيَات اللَّه وَأَنْكَرُوا حَقِيقَتهَا , يَقُولُونَ لِنَبِيِّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَمِعُوا حُجَج اللَّه الَّتِي اِحْتَجَّ بِهَا عَلَيْهِمْ وَبَيَانه الَّذِي بَيَّنَهُ لَهُمْ : { إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ } أَيْ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ . وَالْأَسَاطِير : جَمْع إِسْطَارَة وَأُسْطُورَة مِثْل أُفْكُوهَة وَأُضْحُوكَة , وَجَائِز أَنْ يَكُون الْوَاحِد أَسْطَارًا مِثْل أَبْيَات وَأَبَابِيب وَأَقْوَال وَأَقَاوِيل , مِنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { وَكِتَاب مَسْطُور } 52 2 مِنْ سَطَرَ يَسْطُر سَطْرًا . فَإِنْ كَانَ مِنْ هَذَا , فَإِنَّ تَأْوِيله : مَا هَذَا إِلَّا مَا كَتَبَهُ الْأَوَّلُونَ . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَأَوَّلُونَهُ بِهَذَا التَّأْوِيل , وَيَقُولُونَ مَعْنَاهُ : إِنْ هَذَا إِلَّا أَحَادِيث الْأَوَّلِينَ . 10244 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْمُثَنَّى بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس . 10245 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , أَمَّا : { أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ } فَأَسَاجِيع الْأَوَّلِينَ . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم - وَهُوَ أَبُو عُبَيْدَة مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى - بِكَلَامِ الْعَرَب يَقُول : الْإِسْطَارَة : لُغَة الْخُرَافَات وَالتُّرَّهَات . وَكَانَ الْأَخْفَش يَقُول : قَالَ بَعْضهمْ : وَاحِده أُسْطُورَة , وَقَالَ بَعْضهمْ : إِسْطَارَة ; قَالَ : وَلَا أُرَاهُ إِلَّا مِنْ الْجَمْع الَّذِي لَيْسَ لَهُ وَاحِد , نَحْو الْعَبَابِيد وَالْمَذَاكِير وَالْأَبَابِيل . قَالَ : وَقَالَ بَعْضهمْ : وَاحِد الْأَبَابِيل : إبِّيل ; وَقَالَ بَعْضهمْ : إبَّوْل , مِثْل عِجَّوْل , وَلَمْ أَجِد الْعَرَب تَعْرِف لَهُ وَاحِدًا , وَإِنَّمَا هُوَ مِثْل عَبَادِيد لَا وَاحِد لَهَا . وَأَمَّا الشَّمَاطِيط , فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ وَاحِده شِمْطَاط , قَالَ : وَكُلّ هَذِهِ لَهَا وَاحِد , إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَل وَلَمْ يُتَكَلَّم بِهِ , لِأَنَّ هَذَا الْمِثَال لَا يَكُون إِلَّا جَمْعًا ; قَالَ : وَسَمِعْت الْعَرَب الْفُصَحَاء تَقُول : أَرْسَلَ خَيْلَهُ أَبَابِيل , تُرِيد جَمَاعَات , فَلَا تَتَكَلَّم بِهَا مُوَحَّدَة . وَكَانَتْ مُجَادَلَتهمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة فِيمَا ذَكَرَ , مَا : 10246 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { حَتَّى إِذَا جَاءُوك يُجَادِلُونَك } . . . الْآيَة : قَالَ : هُمْ الْمُشْرِكُونَ يُجَادِلُونَ الْمُسْلِمِينَ فِي الذَّبِيحَة , يَقُولُونَ : أَمَّا مَا ذَبَحْتُمْ وَقَتَلْتُمْ فَتَأْكُلُونَ , وَأَمَّا مَا قَتَلَ اللَّه فَلَا تَأْكُلُونَ , وَأَنْتُمْ تَتَّبِعُونَ أَمْر اللَّه تَعَالَى .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ يَرَوْا كُلّ آيَة لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوك يُجَادِلُونَك يَقُول الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَإِنْ هَؤُلَاءِ الْعَادِلُونَ بِرَبِّهِمْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , الَّذِينَ جُعِلَتْ عَلَى قُلُوبهمْ أَكِنَّة أَنْ يَفْقَهُوا عَنْك مَا يَسْمَعُونَ مِنْك , { كُلّ آيَة } : يَقُول : كُلّ حُجَّة وَعَلَامَة تَدُلّ أَهْل الْحِجَا وَالْفَهْم عَلَى تَوْحِيد اللَّه وَصِدْق قَوْلِك وَحَقِيقَة نُبُوَّتك ; { لَا يُؤْمِنُوا بِهَا } يَقُول : لَا يُصَدِّقُونَ بِهَا وَلَا يُقِرُّونَ بِأَنَّهَا دَالَّة عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ دَالَّة . { حَتَّى إِذَا جَاءُوك يُجَادِلُونَك } يَقُول : حَتَّى إِذَا صَارُوا إِلَيْك بَعْد مُعَايَنَتهمْ الْآيَات الدَّالَّة عَلَى حَقِيقَة مَا جِئْتهمْ بِهِ يُجَادِلُونَك , يَقُول : يُخَاصِمُونَك . { يَقُول الَّذِينَ كَفَرُوا } يُعْنَى بِذَلِكَ الَّذِينَ جَحَدُوا آيَات اللَّه وَأَنْكَرُوا حَقِيقَتهَا , يَقُولُونَ لِنَبِيِّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَمِعُوا حُجَج اللَّه الَّتِي اِحْتَجَّ بِهَا عَلَيْهِمْ وَبَيَانه الَّذِي بَيَّنَهُ لَهُمْ : { إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ } أَيْ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ . وَالْأَسَاطِير : جَمْع إِسْطَارَة وَأُسْطُورَة مِثْل أُفْكُوهَة وَأُضْحُوكَة , وَجَائِز أَنْ يَكُون الْوَاحِد أَسْطَارًا مِثْل أَبْيَات وَأَبَابِيب وَأَقْوَال وَأَقَاوِيل , مِنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { وَكِتَاب مَسْطُور } 52 2 مِنْ سَطَرَ يَسْطُر سَطْرًا . فَإِنْ كَانَ مِنْ هَذَا , فَإِنَّ تَأْوِيله : مَا هَذَا إِلَّا مَا كَتَبَهُ الْأَوَّلُونَ . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَأَوَّلُونَهُ بِهَذَا التَّأْوِيل , وَيَقُولُونَ مَعْنَاهُ : إِنْ هَذَا إِلَّا أَحَادِيث الْأَوَّلِينَ . 10244 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْمُثَنَّى بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس . 10245 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , أَمَّا : { أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ } فَأَسَاجِيع الْأَوَّلِينَ . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم - وَهُوَ أَبُو عُبَيْدَة مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى - بِكَلَامِ الْعَرَب يَقُول : الْإِسْطَارَة : لُغَة الْخُرَافَات وَالتُّرَّهَات . وَكَانَ الْأَخْفَش يَقُول : قَالَ بَعْضهمْ : وَاحِده أُسْطُورَة , وَقَالَ بَعْضهمْ : إِسْطَارَة ; قَالَ : وَلَا أُرَاهُ إِلَّا مِنْ الْجَمْع الَّذِي لَيْسَ لَهُ وَاحِد , نَحْو الْعَبَابِيد وَالْمَذَاكِير وَالْأَبَابِيل . قَالَ : وَقَالَ بَعْضهمْ : وَاحِد الْأَبَابِيل : إبِّيل ; وَقَالَ بَعْضهمْ : إبَّوْل , مِثْل عِجَّوْل , وَلَمْ أَجِد الْعَرَب تَعْرِف لَهُ وَاحِدًا , وَإِنَّمَا هُوَ مِثْل عَبَادِيد لَا وَاحِد لَهَا . وَأَمَّا الشَّمَاطِيط , فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ وَاحِده شِمْطَاط , قَالَ : وَكُلّ هَذِهِ لَهَا وَاحِد , إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَل وَلَمْ يُتَكَلَّم بِهِ , لِأَنَّ هَذَا الْمِثَال لَا يَكُون إِلَّا جَمْعًا ; قَالَ : وَسَمِعْت الْعَرَب الْفُصَحَاء تَقُول : أَرْسَلَ خَيْلَهُ أَبَابِيل , تُرِيد جَمَاعَات , فَلَا تَتَكَلَّم بِهَا مُوَحَّدَة . وَكَانَتْ مُجَادَلَتهمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة فِيمَا ذَكَرَ , مَا : 10246 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { حَتَّى إِذَا جَاءُوك يُجَادِلُونَك } . . . الْآيَة : قَالَ : هُمْ الْمُشْرِكُونَ يُجَادِلُونَ الْمُسْلِمِينَ فِي الذَّبِيحَة , يَقُولُونَ : أَمَّا مَا ذَبَحْتُمْ وَقَتَلْتُمْ فَتَأْكُلُونَ , وَأَمَّا مَا قَتَلَ اللَّه فَلَا تَأْكُلُونَ , وَأَنْتُمْ تَتَّبِعُونَ أَمْر اللَّه تَعَالَى .
وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْئَوْن عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسهمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } . اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الْمُكَذِّبُونَ بِآيَاتِ اللَّه , يَنْهَوْنَ النَّاس عَنْ اِتِّبَاع مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَبُول مِنْهُ , وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ : يَتَبَاعَدُونَ عَنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10247 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا حَفْص بْن غِيَاث وَهَانِئ بْن سَعِيد عَنْ حَجَّاج , عَنْ سَالِم , عَنْ اِبْن الْحَنَفِيَّة : { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } قَالَ : يَتَخَلَّفُونَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُجِيبُونَهُ , وَيَنْهَوْنَ النَّاس عَنْهُ . 10248 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } يَعْنِي : يَنْهَوْنَ النَّاس عَنْ مُحَمَّد أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ . { وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } يَعْنِي : يَتَبَاعَدُونَ عَنْهُ . 10249 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } أَنْ يُتَّبَع مُحَمَّد وَيَتَبَاعَدُونَ هُمْ مِنْهُ . 10250 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } يَقُول : لَا يَلْقَوْنَهُ , وَلَا يَدَعُونَ أَحَدًا يَأْتِيه . 10251 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول فِي قَوْله : { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ } يَقُول : عَنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 10252 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } جَمَعُوا النَّهْي وَالنَّأْي وَالنَّأْي : التَّبَاعُد . وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ مَعْنَاهُ : { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ } عَنْ الْقُرْآن أَنْ يُسْمَع لَهُ وَيُعْمَل بِمَا فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10253 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ } قَالَ : يَنْهَوْنَ عَنْ الْقُرْآن , وَعَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . { وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } وَيَتَبَاعَدُونَ عَنْهُ . 10254 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ } قَالَ : قُرَيْش عَنْ الذِّكْر . { وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } يَقُول : يَتَبَاعَدُونَ . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } قُرَيْش عَنْ الذِّكْر , يَنْأَوْنَ عَنْهُ : يَتَبَاعَدُونَ . - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } قَالَ : يَنْهَوْنَ عَنْ الْقُرْآن وَعَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيَتَبَاعَدُونَ عَنْهُ . 10255 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { يَنْأَوْنَ عَنْهُ } قَالَ : يَنْأَوْنَ عَنْهُ : يَبْعُدُونَ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْ أَذَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ : يَتَبَاعَدُونَ عَنْ دِينه وَاتِّبَاعه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10256 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا وَكِيع وَقَبِيصَة , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَمَّنْ سَمِعَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِب , كَانَ يَنْهَى عَنْ مُحَمَّد أَنْ يُؤْذَى وَيَنْأَى عَمَّا جَاءَ بِهِ أَنْ يُؤْمِن بِهِ . - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , قَالَ : ثَنِي مَنْ سَمِعَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِب يَنْهَى عَنْهُ أَنْ يُؤْذَى , وَيَنْأَى عَمَّا جَاءَ بِهِ . - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَمَّنْ سَمِعَ اِبْن عَبَّاس : { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِب كَانَ يَنْهَى الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُؤْذُوا مُحَمَّدًا , وَيَنْأَى عَمَّا جَاءَ بِهِ . 10257 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا عَبْدَة , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ الْقَاسِم بْن وَتَخَرَّصُوا , قَالَ : كَانَ أَبُو طَالِب يَنْهَى عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُصَدِّقهُ . 10258 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع قَالَ : ثَنَا أَبِي وَمُحَمَّد بْن بِشْر , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ الْقَاسِم بْن وَتَخَرَّصُوا , فِي قَوْلِهِ : { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِب . قَالَ اِبْن وَكِيع : قَالَ بِشْر : كَانَ أَبُو طَالِب يَنْهَى عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَرْفَجَة , وَلَا يُصَدِّق بِهِ . - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا يُونُس بْن سُوَيْد , عَنْ أَبِي مُحَمَّد الْعَوْفِيّ , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , قَالَ : ثَنِي مَنْ سَمِعَ اِبْن عَبَّاس يَقُول فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِب كَانَ يَنْهَى عَنْ أَذَى مُحَمَّد , وَيَنْأَى عَمَّا جَاءَ بِهِ أَنْ يَتَّبِعهُ . 10259 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا وَكِيع , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ الْقَاسِم بْن وَتَخَرَّصُوا , فِي قَوْله : { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِب . 10260 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن سِيَاه , عَنْ حَبِيب , قَالَ : ذَاكَ أَبُو طَالِب , فِي قَوْله : { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } . 10261 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثَنِي سَعِيد بْن أَبِي أَيُّوب , قَالَ : قَالَ عَطَاء بْن دِينَار فِي قَوْل اللَّه : { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِب , أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى النَّاس عَنْ إِيذَاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْأَى عَمَّا جَاءَ بِهِ مِنْ الْهُدَى . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ الْآيَة , قَوْل مَنْ قَالَ : تَأْوِيله : { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ } عَنْ اِتِّبَاع مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ النَّاس , { وَيَنْأَوْنَ } عَنْ اِتِّبَاعه . وَذَلِكَ أَنَّ الْآيَات قَبْلهَا جَرَتْ بِذِكْرِ جَمَاعَة الْمُشْرِكِينَ الْعَادِلِينَ بِهِ , وَالْخَبَر عَنْ تَكْذِيبِهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِعْرَاض عَمَّا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ تَنْزِيل اللَّه وَوَحْيه , فَالْوَاجِب أَنْ يَكُون قَوْلُهُ : { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ } خَبَرًا عَنْهُمْ , إِذْ لَمْ يَأْتِنَا مَا يَدُلّ عَلَى اِنْصِرَاف الْخَبَر عَنْهُمْ إِلَى غَيْرهمْ , بَلْ مَا قَبْل هَذِهِ الْآيَة وَمَا بَعْدهَا يَدُلّ عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ ذَلِكَ خَبَر عَنْ جَمَاعَة مُشْرِكِي قَوْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُون أَنْ يَكُون خَبَرًا عَنْ خَاصّ مِنْهُمْ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْآيَة : وَإِنْ يَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَا مُحَمَّد كُلّ آيَة لَا يُؤْمِنُوا بِهَا , حَتَّى إِذَا جَاءُوك يُجَادِلُونَك , يَقُولُونَ : إِنْ هَذَا الَّذِي جِئْتنَا بِهِ إِلَّا أَحَادِيث الْأَوَّلِينَ وَأَخْبَارهمْ , وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْ اِسْتِمَاع التَّنْزِيل وَيَنْأَوْنَ عَنْك , فَيَبْعُدُونَ مِنْك وَمِنْ اِتِّبَاعك . { وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسهمْ } يَقُول : وَمَا يُهْلِكُونَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيل اللَّه وَإِعْرَاضهمْ عَنْ تَنْزِيله وَكُفْرهمْ بِرَبِّهِمْ إِلَّا أَنْفُسهمْ لَا غَيْرهَا , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يُكْسِبُونَهَا بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ سَخَط اللَّه وَأَلِيم عِقَابه وَمَا لَا قِبَل لَهَا بِهِ . { وَمَا يَشْعُرُونَ } يَقُول : وَمَا يَدْرُونَ مَا هُمْ مُكْسِبُوهَا مِنْ الْهَلَاك وَالْعَطَب بِفِعْلِهِمْ . وَالْعَرَب تَقُول لِكُلِّ مَنْ بَعُدَ عَنْ شَيْء : قَدْ نَأَى عَنْهُ , فَهُوَ يَنْأَى نَأْيًا , وَمَسْمُوع مِنْهُمْ : نَأَيْتُك بِمَعْنَى نَأَيْت عَنْك ; وَأَمَّا إِذَا أَرَادُوا : أَبْعَدْتُك عَنِّي , قَالُوا : أَنَأَيْتُك . وَمِنْ نَأَيْتُك بِمَعْنَى نَأَيْت عَنْك قَوْل الْحَطِيئَة : نَأَتْك أُمَامَةُ إِلَّا سُؤَالًا وَأَبْصَرْت مِنْهَا بِطَيْفٍ خَيَالًا
وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّار فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدّ وَلَا نُكَذِّب بِآيَاتِ رَبّنَا وَنَكُون مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَلَوْ تَرَى } يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمْ الْأَصْنَام وَالْأَوْثَان الْجَاحِدِينَ نُبُوَّتك الَّذِينَ وَصَفْت لَك صِفَتَهُمْ , { إِذْ وُقِفُوا } يَقُول : إِذْ حُبِسُوا , { عَلَى النَّار } يَعْنِي فِي النَّار , فَوُضِعَتْ " عَلَى " مَوْضِع " فِي " كَمَا قَالَ : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوَا الشَّيَاطِين عَلَى مُلْك سُلَيْمَان } 2 102 بِمَعْنَى فِي مُلْك سُلَيْمَان . وَقِيلَ : { وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا } وَمَعْنَاهُ : إِذَا وُقِفُوا لِمَا وَصَفْنَا قَبْل فِيمَا مَضَى أَنَّ الْعَرَب قَدْ تَضَع " إِذْ " مَكَان " إِذَا " , و " إِذَا " مَكَان " إِذْ " , وَإِنْ كَانَ حَظّ " إِذْ " أَنْ تُصَاحِبَ مِنْ الْأَخْبَار مَا قَدْ وُجِدَ فَقُضِيَ , وَحَظّ " إِذَا " أَنْ تُصَاحِب مِنْ الْأَخْبَار مَا لَمْ يُوجَد , وَلَكِنَّ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الرَّاجِز وَهُوَ أَبُو النَّجْم : مَدَّ لَنَا فِي عُمْرِهِ رَبُّ طَهَا ثُمَّ جَزَاهُ اللَّهُ عَنَّا إِذْ جَزَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فِي الْعَلَالِيِّ الْعُلَا فَقَالَ : " ثُمَّ جَزَاهُ اللَّه عَنَّا إِذْ جَزَى " , فَوَضَعَ " إِذْ " مَكَان " إِذَا " . وَقِيلَ : " وُقِفُوا " وَلَمْ يَقُلْ " أُوقِفُوا " , لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْفَصِيح مِنْ كَلَام الْعَرَب , يُقَال : وَقَفْت الدَّابَّةَ وَغَيْرَهَا بِغَيْرِ أَلِفٍ إِذَا حَبَسْتهَا , وَكَذَلِكَ وَقَفْت الْأَرْض إِذَا جَعَلْتهَا صَدَقَة حَبِيسًا , بِغَيْرِ أَلِف . وَقَدْ : 10262 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , عَنْ أَبِي عُبَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنِي الْيَزِيدِيّ وَالْأَصْمَعِيّ كِلَاهُمَا , عَنْ أَبِي عَمْرو , قَالَ : مَا سَمِعْت أَحَدًا مِنْ الْعَرَب يَقُول : " أَوْقَفْت الشَّيْء " بِالْأَلِفِ . قَالَ : إِلَّا أَنِّي لَوْ رَأَيْت رَجُلًا بِمَكَانٍ , فَقُلْت : مَا أَوْقَفَك هَا هُنَا ؟ بِالْأَلِفِ لَرَأَيْته حَسَنًا . { فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ } يَقُول : فَقَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِرَبِّهِمْ إِذْ حُبِسُوا فِي النَّار : يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ إِلَى الدُّنْيَا حَتَّى نَتُوب وَنُرَاجِع طَاعَة اللَّه , { وَلَا نُكَذِّب بِآيَاتِ رَبّنَا } يَقُول : وَلَا نُكَذِّب بِحُجَجِ رَبِّنَا وَلَا نَجْحَدهَا , { وَنَكُون مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } يَقُول : وَنَكُون مِنْ الْمُصَدِّقِينَ بِاَللَّهِ وَحُجَجه وَرُسُله , مُتَّبِعِي أَمْره وَنَهْيه . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْمَدِينَة وَالْعِرَاقِيِّينَ : " يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّب بِآيَاتِ رَبّنَا وَنَكُونُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ " بِمَعْنَى : يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ , وَلَسْنَا نُكَذِّب بِآيَاتِ رَبّنَا وَلَكِنْ نَكُون مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْكُوفَة : { يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبّنَا وَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } بِمَعْنَى يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ , وَأَنْ لَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبّنَا وَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . وَتَأَوَّلُوا فِي ذَلِكَ شَيْئًا : 10263 - حَدَّثَنِيهِ أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثَنَا الْقَاسِم بْن سَلَام , قَالَ : ثَنَا حَجَّاج , عَنْ هَارُون , قَالَ : فِي حَرْف اِبْن مَسْعُود : " يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ فَلَا نُكَذِّب " بِالْفَاءِ . وَذُكِرَ عَنْ بَعْض قُرَّاء أَهْل الشَّام أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ : " يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبُ " بِالرَّفْعِ { وَنَكُونَ } بِالنَّصْبِ . كَأَنَّهُ وَجَّهَ تَأْوِيلَهُ إِلَى أَنَّهُمْ تَمَنَّوْا الرَّدّ وَأَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ , وَأَخْبَرُوا أَنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَ بِآيَاتِ رَبّهمْ إِنْ رُدُّوا إِلَى الدُّنْيَا . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي مَعْنَى ذَلِكَ مَنْصُوبًا وَمَرْفُوعًا , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : { وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبّنَا وَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } نَصْب لِأَنَّهُ جَوَاب لِلتَّمَنِّي , وَمَا بَعْد الْوَاو كَمَا بَعْد الْفَاء . قَالَ : وَإِنْ شِئْت رَفَعْت وَجَعَلْته عَلَى غَيْر التَّمَنِّي , كَأَنَّهُمْ قَالُوا : وَلَا نُكَذِّب وَاَللَّه بِآيَاتِ رَبّنَا , وَنَكُون وَاَللَّه مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ; هَذَا إِذَا كَانَ عَلَى ذَا الْوَجْه كَانَ مُنْقَطِعًا مِنْ الْأَوَّل . قَالَ : وَالرَّفْع وَجْه الْكَلَام ; لِأَنَّهُ إِذَا نُصِبَ جَعَلَهَا وَاو عَطْف , فَإِذَا جَعَلَهَا وَاو عَطْف , فَكَأَنَّهُمْ قَدْ تَمَنَّوْا أَنْ لَا يُكَذِّبُوا وَأَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . قَالَ : وَهَذَا وَاَللَّه أَعْلَم لَا يَكُون ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَمَنَّوْا هَذَا , إِنَّمَا تَمَنَّوْا الرَّدّ , وَأَخْبَرُوا أَنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَ وَيَكُونُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة يَقُول : لَوْ نُصِبَ " نُكَذِّبَ " وَ " نَكُونَ " عَلَى الْجَوَاب بِالْوَاوِ لَكَانَ صَوَابًا ; قَالَ : وَالْعَرَب تُجِيب بِالْوَاوِ " وَثُمَّ " , كَمَا تُجِيب بِالْفَاءِ , يَقُولُونَ : لَيْتَ لِي مَالًا فَأُعْطِيَك , وَلَيْتَ لِي مَالًا وَأُعْطِيَك وَثُمَّ أُعْطِيَك . قَالَ : وَقَدْ تَكُون نَصْبًا عَلَى الصَّرْف , كَقَوْلِك : لَا يَسْعُنِي شَيْء وَيَعْجِز عَنْك . وَقَالَ آخَر مِنْهُمْ : لَا أُحِبّ النَّصْب فِي هَذَا , لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَمَنٍّ مِنْهُمْ , إِنَّمَا هُوَ خَبَر أَخْبَرُوا بِهِ عَنْ أَنْفُسهمْ ; أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ كَذَّبَهُمْ فَقَالَ : { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ } وَإِنَّمَا يَكُون التَّكْذِيب لِلْخَبَرِ لَا لِلتَّمَنِّي . وَكَانَ بَعْضُهُمْ يُنْكِر أَنْ يَكُون الْجَوَاب بِالْوَاوِ , وَبِحَرْفٍ غَيْر الْفَاء , وَكَانَ يَقُول : إِنَّمَا الْوَاو مَوْضِع حَال , لَا يَسْعُنِي شَيْء وَيَضِيق عَنْك : أَيْ وَهُوَ يَضِيق عَنْك . قَالَ : وَكَذَلِكَ الصَّرْف فِي جَمِيع الْعَرَبِيَّة . قَالَ : وَأَمَّا الْفَاء فَجَوَاب جَزَاء , مَا قُمْت فَآتِيَك : أَيْ لَوْ قُمْت لَأَتَيْنَاك . قَالَ : فَهَذَا حُكْم الصَّرْف وَالْفَاء . قَالَ : وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا نُكَذِّبَ } { وَنَكُونَ } فَإِنَّمَا جَازَ , لِأَنَّهُمْ قَالُوا : يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ فِي غَيْر الْحَال الَّتِي وُقِفْنَا فِيهَا عَلَى النَّار , فَكَانَ وَقْفُهُمْ فِي تِلْكَ , فَتَمَنَّوْا أَنْ لَا يَكُونُوا وُقِفُوا فِي تِلْكَ الْحَال . وَكَأَنَّ مَعْنَى صَاحِب هَذِهِ الْمَقَالَة فِي قَوْلِهِ هَذَا : وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّار , فَقَالُوا : قَدْ وُقِفْنَا عَلَيْهَا مُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ رَبّنَا كُفَّارًا , فَيَا لَيْتَنَا نُرَدُّ إِلَيْهَا فَنُوقَف عَلَيْهَا غَيْر مُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ رَبّنَا وَلَا كُفَّارًا . وَهَذَا تَأْوِيل يَدْفَعهُ ظَاهِر التَّنْزِيل , وَذَلِكَ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { وَلَوْ رَدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } فَأَخْبَرَ اللَّه - تَعَالَى - أَنَّهُمْ فِي قِيلِهِمْ ذَلِكَ كَذَبَة , وَالتَّكْذِيب لَا يَقَع فِي التَّمَنِّي , وَلَكِنَّ صَاحِب هَذِهِ الْمَقَالَة أَظُنّ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَتَدَبَّر التَّأْوِيل وَلَزِمَ سُنَن الْعَرَبِيَّة . وَالْقِرَاءَة الَّتِي لَا أَخْتَار غَيْرهَا فِي ذَلِكَ : " يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبُ بِآيَاتِ رَبّنَا وَنَكُونُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ " بِالرَّفْعِ فِي كِلَيْهِمَا , بِمَعْنَى : يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ , وَلَسْنَا نُكَذِّب بِآيَاتِ رَبّنَا إِنْ رُدِدْنَا , وَلَكِنَّا نَكُونُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ; عَلَى وَجْه الْخَبَر مِنْهُمْ عَمَّا يَفْعَلُونَ إِنْ هُمْ رُدُّوا إِلَى الدُّنْيَا , لَا عَلَى التَّمَنِّي مِنْهُمْ أَنْ لَا يُكَذِّبُوا بِآيَاتِ رَبّهمْ وَيَكُونُوا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ , وَأَنَّهُمْ كَذَبَة فِي قِيلِهِمْ ذَلِكَ . وَلَوْ كَانَ قِيلُهُمْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّمَنِّي لَاسْتَحَالَ تَكْذِيبهمْ فِيهِ ; لِأَنَّ التَّمَنِّي لَا يُكَذَّب , وَإِنَّمَا يَكُون التَّصْدِيق وَالتَّكْذِيب فِي الْأَخْبَار . وَأَمَّا النَّصْب فِي ذَلِكَ , فَإِنِّي أَظُنّ بِقَارِئِهِ أَنَّهُ بِرَجَاءِ تَأْوِيل قِرَاءَة عَبْد اللَّه الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْهُ , وَذَلِكَ قِرَاءَته ذَلِكَ : " يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ فَلَا نُكَذِّب بِآيَاتِ رَبّنَا وَنَكُون مِنْ الْمُؤْمِنِينَ " عَلَى وَجْه جَوَاب التَّمَنِّي بِالْفَاءِ . وَهُوَ إِذَا قُرِئَ بِالْفَاءِ كَذَلِكَ لَا شَكَّ فِي صِحَّة إِعْرَابه , وَمَعْنَاهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ تَأْوِيله إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ : لَوْ أَنَّا رُدِدْنَا إِلَى الدُّنْيَا مَا كَذَّبْنَا بِآيَاتِ رَبّنَا , وَلَكُنَّا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . فَإِنْ يَكُنْ الَّذِي حَكَى مَنْ حَكَى عَنْ الْعَرَب مِنْ السَّمَاع مِنْهُمْ الْجَوَاب بِالْوَاوِ وَ " ثُمَّ " كَهَيْئَةِ الْجَوَاب بِالْفَاءِ صَحِيحًا , فَلَا شَكَّ فِي صِحَّة قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : { يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ } نَصْبًا عَلَى جَوَاب التَّمَنِّي بِالْوَاوِ , عَلَى تَأْوِيل قِرَاءَة عَبْد اللَّه ذَلِكَ بِالْفَاءِ , وَإِلَّا فَإِنَّ الْقِرَاءَة بِذَلِكَ بَعِيدَة الْمَعْنَى مِنْ تَأْوِيل التَّنْزِيل . وَلَسْت أَعْلَم سَمَاع ذَلِكَ مِنْ الْعَرَب صَحِيحًا , بَلْ الْمَعْرُوف مِنْ كَلَامهَا الْجَوَاب بِالْفَاءِ وَالصَّرْف بِالْوَاوِ .
بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْل وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : مَا قَصْد هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمْ الْجَاحِدِينَ نُبُوَّتك يَا مُحَمَّد فِي قِيلهمْ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّار : يَا لَيْتَنَا نُرَدّ وَلَا نُكَذِّب بِآيَاتِ رَبّنَا وَنَكُون مِنْ الْمُؤْمِنِينَ , الْأَسَى وَالنَّدَم عَلَى تَرْك الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَالتَّصْدِيق بِك ; لَكِنْ بِهِمْ الْإِشْفَاق مِمَّا هُوَ نَازِل بِهِمْ مِنْ عِقَاب اللَّه وَأَلِيم عَذَابه عَلَى مَعَاصِيهمْ الَّتِي كَانُوا يُخْفُونَهَا عَنْ أَعْيُن النَّاس وَيَسْتُرُونَهَا مِنْهُمْ , فَأَبْدَاهَا اللَّه مِنْهُمْ يَوْم الْقِيَامَة وَأَظْهَرَهَا عَلَى رُءُوس الْأَشْهَاد , فَفَضَحَهُمْ بِهَا ثُمَّ جَازَاهُمْ بِهَا جَزَاءَهُمْ . يَقُول : { بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ } مِنْ أَعْمَالهمْ السَّيِّئَة الَّتِي كَانُوا يُخْفُونَهَا , { مِنْ قَبْل } ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا , فَظَهَرَتْ . { وَلَوْ رُدُّوا } يَقُول : وَلَوْ رُدُّوا إِلَى الدُّنْيَا فَأُمْهِلُوا { لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ } يَقُول : لَرَجَعُوا إِلَى مِثْل الْعَمَل الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَهُ فِي الدُّنْيَا قَبْل ذَلِكَ مِنْ جُحُود آيَات اللَّه وَالْكُفْر بِهِ وَالْعَمَل بِمَا يُسْخِط عَلَيْهِمْ رَبّهمْ . { وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } فِي قِيلِهِمْ : لَوْ رُدِدْنَا لَمْ نُكَذِّبْ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَكُنَّا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ , لِأَنَّهُمْ قَالُوهُ حِين قَالُوهُ خَشْيَة الْعَذَاب لَا إِيمَانًا بِاَللَّهِ . وَبِاَلَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10264 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْل } يَقُول : بَدَتْ لَهُمْ أَعْمَالُهُمْ فِي الْآخِرَة الَّتِي أَخْفَوْهَا فِي الدُّنْيَا . 10265 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْل } قَالَ : مِنْ أَعْمَالِهِمْ . 10266 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ } يَقُول : وَلَوْ وَصَلَ اللَّه لَهُمْ دُنْيَا كَدُنْيَاهُمْ , لَعَادُوا إِلَى أَعْمَالهمْ أَعْمَال السُّوء .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } . وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْعَادِلِينَ بِهِ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام الَّذِينَ اِبْتَدَأَ هَذِهِ السُّورَة بِالْخَبَرِ عَنْهُمْ , يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : { وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتنَا الدُّنْيَا } يُخْبِر عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ أَنَّ اللَّه يُحْيِي خَلْقه بَعْد أَنْ يُمِيتَهُمْ , وَيَقُولُونَ : لَا حَيَاة بَعْد الْمَمَات وَلَا بَعْث وَلَا نُشُور بَعْد الْفَنَاء . فَهُمْ بِجُحُودِهِمْ ذَلِكَ وَإِنْكَارهمْ ثَوَاب اللَّه وَعِقَابه فِي الدَّار الْآخِرَة , لَا يُبَالُونَ مَا أَتَوْا وَمَا رَكِبُوا مِنْ إِثْم وَمَعْصِيَة ; لِأَنَّهُمْ لَا يَرْجُونَ ثَوَابًا عَلَى إِيمَان بِاَللَّهِ وَتَصْدِيق بِرَسُولِهِ وَعَمَل صَالِح بَعْد مَوْت , وَلَا يَخَافُونَ عِقَابًا عَلَى كُفْرهمْ بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَسَيِّئ مِنْ عَمَل يَعْمَلُونَهُ . وَكَانَ اِبْن زَيْد يَقُول : هَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى عَنْ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة الَّذِينَ وُقِفُوا عَلَى النَّار , أَنَّهُمْ لَوْ رُدُّوا إِلَى الدُّنْيَا لَقَالُوا : { إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } . 10267 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ } وَقَالُوا حِين يُرَدُّونَ : { إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } .
وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : { لَوْ تَرَى } يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ : مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ , { إِذْ وُقِفُوا } يَوْم الْقِيَامَة : أَيْ حُبِسُوا , { عَلَى رَبِّهِمْ } يَعْنِي : عَلَى حُكْم اللَّه وَقَضَائِهِ فِيهِمْ . { قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ } يَقُول : فَقِيلَ لَهُمْ : أَلَيْسَ هَذَا الْبَعْثُ وَالنَّشْر بَعْد الْمَمَات الَّذِي كُنْتُمْ تُنْكِرُونَهُ فِي الدُّنْيَا حَقًّا ؟ فَأَجَابُوا فَـ { قَالُوا بَلَى } وَاَللَّه إِنَّهُ لَحَقّ . { قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَاب } يَقُول : فَقَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ لَهُمْ : فَذُوقُوا الْعَذَاب الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ فِي الدُّنْيَا تُكَذِّبُونَ , { بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } يَقُول : بِتَكْذِيبِكُمْ بِهِ وَجُحُودِكُمُوهُ الَّذِي كَانَ مِنْكُمْ فِي الدُّنْيَا .