الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6
وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَسورة الأنعام الآية رقم 91
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقَّ قَدْره إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى بَشَر مِنْ شَيْء } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : { وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره } وَمَا أَجَلُّوا اللَّه حَقّ إِجْلَاله , وَلَا عَظَّمُوهُ حَقّ تَعْظِيمه . { إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى بَشَر مِنْ شَيْء } يَقُول : حِين قَالُوا : لَمْ يُنْزِلْ اللَّه عَلَى آدَمِيّ كِتَابًا وَلَا وَحْيًا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى بَشَر مِنْ شَيْء } وَفِي تَأْوِيل ذَلِكَ ; فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ قَائِل ذَلِكَ رَجُلًا مِنْ الْيَهُود . ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي اِسْم ذَلِكَ الرَّجُل , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ اِسْمه مَالِك بْن الصَّيْف . وَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ اِسْمه فَنْحَاص . وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ قَالَ ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ : كَانَ قَائِل ذَلِكَ مَالِك بْن الصَّيْف : 10544 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَعْقُوب الْقُمِّيّ , عَنْ جَعْفَر بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : جَاءَ رَجُل مِنْ الْيَهُود يُقَال لَهُ مَالِك بْن الصَّيْف يُخَاصِم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنْشُدك بِاَلَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاة عَلَى مُوسَى , أَمَا تَجِد فِي التَّوْرَاة أَنَّ اللَّه يَبْغَض الْحَبْر السَّمِين ؟ " وَكَانَ حَبْرًا سَمِينًا , فَغَضِبَ فَقَالَ : وَاَللَّه مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى بَشَر مِنْ شَيْء ! فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه الَّذِينَ مَعَهُ : وَيْحك وَلَا مُوسَى ؟ فَقَالَ : وَاَللَّه مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى بَشَر مِنْ شَيْء ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى بَشَر مِنْ شَيْء قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى } . . . الْآيَة . 10545 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن عُبَادَة , عَنْ عِكْرِمَة , قَوْله : { وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى بَشَر مِنْ شَيْء } قَالَ : نَزَلَتْ فِي مَالِك بْن الصَّيْف كَانَ مِنْ قُرَيْظَة مِنْ أَحْبَار الْيَهُود ; { قُلْ يَا مُحَمَّد مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ } . . . الْآيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ : نَزَلَتْ فِي فَنْحَاص الْيَهُودِيّ : 10546 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى بَشَر مِنْ شَيْء } قَالَ : قَالَ فَنْحَاص الْيَهُودِيّ : مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى مُحَمَّد مِنْ شَيْء . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ الْيَهُود سَأَلُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَات مِثْل آيَات مُوسَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10547 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا يُونُس , قَالَ : ثَنَا أَبُو مَعْشَر الْمَدَنِيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , قَالَ : جَاءَ نَاس مِنْ يَهُود إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْتَبٍ , فَقَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِم , أَلَا تَأْتِينَا بِكِتَاب مِنْ السَّمَاء كَمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى أَلْوَاحًا يَحْمِلهَا مِنْ عِنْد اللَّه ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَسْأَلُك أَهْل الْكِتَاب أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنْ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَة } . . . الْآيَة , فَجَثَا رَجُل مِنْ يَهُود , فَقَالَ : مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْك وَلَا عَلَى مُوسَى وَلَا عَلَى عِيسَى وَلَا عَلَى أَحَد شَيْئًا ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره } قَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب : مَا عَلِمُوا كَيْف اللَّه { إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى بَشَر مِنْ شَيْء قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا } فَحَلَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَبْوَته , وَجَعَلَ يَقُول : " وَلَا عَلَى أَحَد " . 10548 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى بَشَر مِنْ شَيْء } . . . إِلَى قَوْله : { فِي خَوْضهمْ يَلْعَبُونَ } هُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , قَوْم آتَاهُمْ اللَّه عِلْمًا فَلَمْ يَهْتَدُوا بِهِ وَلَمْ يَأْخُذُوا بِهِ وَلَمْ يَعْمَلُوا بِهِ , فَذَمَّهُمْ اللَّه فِي عَمَلهمْ ذَلِكَ , ذُكِرَ لَنَا أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاء كَانَ يَقُول : إِنَّ مِنْ أَكْثَر مَا أَنَا مُخَاصَم بِهِ غَدًا أَنْ يُقَال : يَا أَبَا الدَّرْدَاء قَدْ عَلِمْت , فَمَاذَا عَمِلْت فِيمَا عَلِمْت ؟ . 10549 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى بَشَر مِنْ شَيْء } يَعْنِي : مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل . قَالَتْ الْيَهُود : يَا مُحَمَّد أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْك كِتَابًا ؟ قَالَ : " نَعَمْ " قَالُوا : وَاَللَّه مَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ السَّمَاء كِتَابًا . فَأَنْزَلَ اللَّه : { قُلْ } يَا مُحَمَّد { مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ } . . . إِلَى قَوْله : { وَلَا آبَاؤُكُمْ } قَالَ : اللَّه أَنْزَلَهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : هَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ مُشْرِكِي قُرَيْش أَنَّهُمْ قَالُوا : مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى بَشَر مِنْ شَيْء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10550 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن عُبَادَة : قَالَ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : إِنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُول : { وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى بَشَر مِنْ شَيْء } قَالَهَا مُشْرِكُو قُرَيْش , قَالَ : وَقَوْله : { قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيس تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا } قَالَ : هُمْ يَهُود الَّذِينَ يُبْدُونَهَا وَيُخْفُونَ كَثِيرًا . قَالَ : وَقَوْله : { وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ } قَالَ : هَذِهِ لِلْمُسْلِمِينَ . 10551 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره } قَالَ : هُمْ الْكُفَّار لَمْ يُؤْمِنُوا بِقُدْرَةِ اللَّه عَلَيْهِمْ , فَمَنْ آمَنَ أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير فَقَدْ قَدَرَ اللَّه حَقّ قَدْره , وَمَنْ لَمْ يُؤْمِن بِذَلِكَ فَلَمْ يَقْدِر اللَّه حَقّ قَدْره . 10552 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره } يَقُول : مُشْرِكُو قُرَيْش . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِقَوْلِهِ : { وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره } مُشْرِكُو قُرَيْش . وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ فِي سِيَاق الْخَبَر عَنْهُمْ أَوَّلًا , فَأَنْ يَكُون ذَلِكَ أَيْضًا خَبَرًا عَنْهُمْ أَشْبَه مِنْ أَنْ يَكُون خَبَرًا عَنْ الْيَهُود وَلَمَّا يَجْرِ لَهُمْ ذِكْر يَكُون هَذَا بِهِ مُتَّصِلًا , مَعَ مَا فِي الْخَبَر عَمَّنْ أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَة مِنْ إِنْكَاره أَنْ يَكُون اللَّه أَنْزَلَ عَلَى بَشَر شَيْئًا مِنْ الْكُتُب ; وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا تَدِين بِهِ الْيَهُود , بَلْ الْمَعْرُوف مِنْ دِين الْيَهُود الْإِقْرَار بِصُحُفِ إِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَزَبُور دَاوُد . وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِمَا رُوِيَ مِنْ الْخَبَر بِأَنَّ قَائِل ذَلِكَ كَانَ رَجُلًا مِنْ الْيَهُود خَبَر صَحِيح مُتَّصِل السَّنَد , وَلَا كَانَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ كَذَلِكَ مِنْ أَهْل التَّأْوِيل إِجْمَاع , وَكَانَ الْخَبَر مِنْ أَوَّل السُّورَة وَمُبْتَدَئِهَا إِلَى هَذَا الْمَوْضِع خَبَرًا عَنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان , وَكَانَ قَوْله : { وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره } مَوْصُولًا بِذَلِكَ غَيْر مَفْصُول مِنْهُ , لَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نَدَّعِيَ أَنَّ ذَلِكَ مَصْرُوف عَمَّا هُوَ بِهِ مَوْصُول إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيم لَهَا مِنْ خَبَر أَوْ عَقْل ; وَلَكِنِّي أَظُنّ أَنَّ الَّذِينَ تَأَوَّلُوا ذَلِكَ خَبَرًا عَنْ الْيَهُود , وَجَدُوا قَوْله : " قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ يَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيس يُبْدُونَهَا وَيُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ " فَوَجَّهُوا تَأْوِيل ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ لِأَهْلِ التَّوْرَاة , فَقَرَءُوهُ عَلَى وَجْه الْخِطَاب لَهُمْ : { تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيس تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ } فَجَعَلُوا اِبْتِدَاء الْآيَة خَبَرًا عَنْهُمْ , إِذْ كَانَتْ خَاتِمَتهَا خِطَابًا لَهُمْ عِنْدهمْ . وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ التَّأْوِيل وَالْقِرَاءَة أَشْبَه بِالتَّنْزِيلِ , لِمَا وَصَفْت قَبْل مِنْ أَنَّ قَوْله : { وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره } فِي سِيَاق الْخَبَر عَنْ مُشْرِكِي الْعَرَب وَعَبَدَة الْأَوْثَان , وَهُوَ بِهِ مُتَّصِل , فَالْأَوْلَى أَنْ يَكُون ذَلِكَ خَبَرًا عَنْهُمْ . وَالْأَصْوَب مِنْ الْقِرَاءَة فِي قَوْله : " يَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيس يُبْدُونَهَا وَيُخْفُونَ كَثِيرًا " أَنْ يَكُون بِالْيَاءِ لَا بِالتَّاءِ , عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْيَهُود يَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيس يُبْدُونَهَا وَيُخْفُونَ كَثِيرًا , وَيَكُون الْخِطَاب بِقَوْلِهِ : { قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَاب } لِمُشْرِكِي قُرَيْش . وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدَهُ مُجَاهِد إِنْ شَاءَ اللَّه فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , وَكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَأ . 10553 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثَنَا حَمَّاد , عَنْ أَيُّوب , عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ هَذَا الْحَرْف : " يَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيس يُبْدُونَهَا وَيُخْفُونَ كَثِيرًا " .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ يَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيس يُبْدُونَهَا وَيُخْفُونَ كَثِيرًا } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قُلْ } يَا مُحَمَّد لِمُشْرِكِي قَوْمك الْقَائِلِينَ لَك : مَا أَنْزَلَ عَلَى بَشَر مِنْ شَيْء , قُلْ { مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا } يَعْنِي : جَلَاء وَضِيَاء مِنْ ظُلْمَة الضَّلَالَة { وَهُدًى لِلنَّاسِ } يَقُول : بَيَانًا لِلنَّاسِ , يُبَيِّن لَهُمْ بِهِ الْحَقّ مِنْ الْبَاطِل فِيمَا أُشْكِلَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ , يَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيس يُبْدُونَهَا . فَمَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : { تَجْعَلُونَهُ } جَعَلَهُ خِطَابًا لِلْيَهُودِ عَلَى مَا بَيَّنْت مِنْ تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَمَنْ قَرَأَهُ بِالْيَاءِ : " يَجْعَلُونَهُ " فَتَأْوِيله فِي قِرَاءَته : يَجْعَلهُ أَهْله قَرَاطِيس , وَجَرَى الْكَلَام فِي " يُبْدُونَهَا " بِذِكْرِ الْقَرَاطِيس , وَالْمُرَاد مِنْهُ : الْمَكْتُوب فِي الْقَرَاطِيس , يُرَاد يُبْدُونَ كَثِيرًا مِمَّا يَكْتُبُونَ فِي الْقَرَاطِيس , فَيُظْهِرُونَهُ لِلنَّاسِ وَيُخْفُونَ كَثِيرًا مِمَّا يُثْبِتُونَهُ فِي الْقَرَاطِيس فَيُسِرُّونَهُ وَيَكْتُمُونَهُ النَّاس . وَمِمَّا كَانُوا يَكْتُمُونَهُ إِيَّاهُمْ مَا فِيهَا مِنْ أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُبُوَّته . كَاَلَّذِي : 10554 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : " قَرَاطِيس يُبْدُونَهَا وَيُخْفُونَ كَثِيرًا " : الْيَهُود . 10555 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن عُبَادَة , عَنْ عِكْرِمَة : { قُلْ } يَا مُحَمَّد " مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ يَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيس يُبْدُونَهَا " يَعْنِي يَهُود لَمَّا أَظْهَرُوا مِنْ التَّوْرَاة . { وَيُخْفُونَ كَثِيرًا } مِمَّا أَخْفَوْا مِنْ ذِكْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ قَالَ اِبْن عُبَادَة : وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : إِنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُول : " يَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيس يُبْدُونَهَا وَيُخْفُونَ كَثِيرًا " قَالَ : هُمْ يَهُود الَّذِينَ يُبْدُونَهَا وَيُخْفُونَ كَثِيرًا .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلْ اللَّه ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضهمْ يَلْعَبُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَعَلَّمَكُمْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ مِنْ أَخْبَار مَنْ قَبْلكُمْ وَمِنْ أَنْبَاء مَنْ بَعْدكُمْ وَمَا هُوَ كَائِن فِي مَعَادكُمْ يَوْم الْقِيَامَة , { وَلَا آبَاؤُكُمْ } يَقُول : وَلَمْ يَعْلَمهُ آبَاؤُكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ مِنْ الْعَرَب وَبِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . كَاَلَّذِي : 10556 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثَنَا حَمَّاد , عَنْ أَيُّوب , عَنْ مُجَاهِد : { وَعُلِّمْتُمْ } مَعْشَر الْعَرَب { مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ } . 10557 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن عُبَادَة , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : إِنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُول فِي قَوْله : { وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ } قَالَ : هَذِهِ لِلْمُسْلِمِينَ . وَأَمَّا قَوْله : { قُلْ اللَّه } فَإِنَّهُ أَمْر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجِيب اِسْتِفْهَامه هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ عَمَّا أَمَرَهُ بِاسْتِفْهَامِهِمْ عَنْهُ بِقَوْلِهِ : " قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ يَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيس يُبْدُونَهَا وَيُخْفُونَ كَثِيرًا " بِقِيلِهِ : اللَّه , كَأَمْرِهِ إِيَّاهُ فِي مَوْضِع آخَر فِي هَذِهِ السُّورَة بِقَوْلِهِ : { قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَات الْبَرّ وَالْبَحْر تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَة لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ } فَأَمَرَهُ بِاسْتِفْهَامِ الْمُشْرِكِينَ عَنْ ذَلِكَ , كَمَا أَمَرَهُ بِاسْتِفْهَامِهِمْ { إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى بَشَر مِنْ شَيْء } عَمَّنْ أَنْزَلَ الْكِتَاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ . ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْإِجَابَةِ عَنْهُ هُنَالِكَ بِقِيلِهِ : { قُلْ اللَّه يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلّ كَرْب ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ } كَمَا أَمَرَهُ بِالْإِجَابَةِ هَهُنَا عَنْ ذَلِكَ بِقِيلِهِ : اللَّه أَنْزَلَهُ عَلَى مُوسَى . كَمَا : 10558 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ } قَالَ : اللَّه أَنْزَلَهُ . وَلَوْ قِيلَ : مَعْنَاهُ : " قُلْ هُوَ اللَّه " عَلَى وَجْه الْأَمْر مِنْ اللَّه لَهُ بِالْخَبَرِ عَنْ ذَلِكَ لَا عَلَى وَجْه الْجَوَاب - إِذْ لَمْ يَكُنْ قَوْله : { قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَاب } مَسْأَلَة مِنْ الْمُشْرِكِينَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَكُون قَوْله : { قُلْ اللَّه } جَوَابًا لَهُمْ عَنْ مَسْأَلَتهمْ , فَإِنَّمَا هُوَ أَمْر مِنْ اللَّه لِمُحَمَّدٍ بِمَسْأَلَةِ الْقَوْم : مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَاب , فَيَجِب أَنْ يَكُون الْجَوَاب مِنْهُمْ غَيْر الَّذِي قَالَهُ اِبْن عَبَّاس مِنْ تَأْوِيله - كَانَ جَائِزًا مِنْ أَجْل أَنَّهُ اِسْتِفْهَام , وَلَا يَكُون لِلِاسْتِفْهَامِ جَوَابٌ ; وَهُوَ الَّذِي اِخْتَرْنَا مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا . وَأَمَّا قَوْله : { ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضهمْ يَلْعَبُونَ } فَإِنَّهُ يَقُول لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ثُمَّ ذَرْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام - بَعْد اِحْتِجَاجك عَلَيْهِمْ فِي قِيلهمْ { مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى بَشَر مِنْ شَيْء } بِقَوْلِك { مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ } وَإِجَابَتك ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّه الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك كِتَابه - { فِي خَوْضهمْ } يَعْنِي : فِيمَا يَخُوضُونَ فِيهِ مِنْ بَاطِلهمْ وَكُفْرهمْ بِاَللَّهِ وَآيَاته , يَقُول : يَسْتَهْزِئُونَ وَيَسْخَرُونَ . وَهَذَا مِنْ اللَّه وَعِيد لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَتَهْدِيد لَهُمْ ; يَقُول اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ثُمَّ دَعْهُمْ لَاعِبِينَ يَا مُحَمَّد , فَإِنِّي مِنْ وَرَاء مَا هُمْ فِيهِ مِنْ اِسْتِهْزَائِهِمْ بِآيَاتِي بِالْمِرْصَادِ وَأُذِيقهُمْ بَأْسِي , وَأَحِلّ بِهِمْ إِنْ تَمَادَوْا فِي غَيّهمْ سَخَطِي .
وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَسورة الأنعام الآية رقم 92
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهَذَا كِتَاب أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَك مُصَدِّق الَّذِي بَيْن يَدَيْهِ وَلِتُنْذِر أُمّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : { وَهَذَا } الْقُرْآن يَا مُحَمَّد { كِتَاب } ; وَهُوَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن قَدْ بَيَّنْته وَبَيَّنْت مَعْنَاهُ فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَمَعْنَاهُ : مَكْتُوب , فَوُضِعَ الْكِتَاب مَكَان الْمَكْتُوب . { أَنْزَلْنَاهُ } يَقُول : أَوْحَيْنَاهُ إِلَيْك , { مُبَارَك } وَهُوَ مُفَاعَل مِنْ الْبَرَكَة , { مُصَدِّق الَّذِي بَيْن يَدَيْهِ } يَقُول : صَدَّقَ هَذَا الْكِتَاب مَا قَبْله مِنْ كُتُب اللَّه الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى أَنْبِيَائِهِ قَبْلك , لَمْ يُخَالِفْهَا وَلَا بِنَبَأٍ , وَهُوَ مَعْنَى " نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ " , يَقُول : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْك يَا مُحَمَّد هَذَا الْكِتَاب مُبَارَكًا مُصَدِّقًا كِتَاب مُوسَى وَعِيسَى وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ كُتُب اللَّه , وَلَكِنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ اِبْتَدَأَ الْخَبَر عَنْهُ , إِذْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ الْخَبَر عَنْ ذَلِكَ مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ بِهِ مُتَّصِل , فَقَالَ : وَهَذَا كِتَاب أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْك مُبَارَك , وَمَعْنَاهُ : وَكَذَلِكَ أَنْزَلْت إِلَيْك كِتَابِي هَذَا مُبَارَكًا , كَاَلَّذِي أَنْزَلْت مِنْ التَّوْرَاة إِلَى مُوسَى هُدًى وَنُورًا . وَأَمَّا قَوْله : { وَلِتُنْذِر أُمّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلهَا } فَإِنَّهُ يَقُول : أَنْزَلْنَا إِلَيْك يَا مُحَمَّد هَذَا الْكِتَاب مُصَدِّقًا مَا قَبْله مِنْ الْكُتُب , وَلِتُنْذِر بِهِ عَذَاب اللَّه وَبَأْسه مَنْ فِي أُمّ الْقُرَى - وَهِيَ مَكَّة وَمَنْ حَوْلهَا شَرْقًا وَغَرْبًا - مِنْ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمْ غَيْره مِنْ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد , وَالْجَاحِدِينَ بِرُسُلِهِ وَغَيْرهمْ مِنْ أَصْنَاف الْكُفَّار . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10559 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلِتُنْذِر أُمّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلهَا } يُعْنَى بِأُمِّ الْقُرَى : مَكَّة وَمَنْ حَوْلهَا مِنْ الْقُرَى إِلَى الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب . - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلِتُنْذِر أُمّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلهَا } وَأُمّ الْقُرَى : مَكَّة , وَمَنْ حَوْلهَا : الْأَرْض كُلّهَا . 10560 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , قَالَ : ثَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَلِتُنْذِر أُمّ الْقُرَى } قَالَ : هِيَ مَكَّة . وَبِهِ عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ الْأَرْض دُحِيَتْ مِنْ مَكَّة . - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلِتُنْذِر أُمّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلهَا } كُنَّا نُحَدَّث أَنَّ أُمّ الْقُرَى : مَكَّة , وَكُنَّا نُحَدَّث أَنَّ مِنْهَا دُحِيَتْ الْأَرْض . 10561 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلِتُنْذِر أُمّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلهَا } أَمَّا أُمّ الْقُرَى : فَهِيَ مَكَّة . وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ أُمّ الْقُرَى , لِأَنَّهَا أَوَّل بَيْت وُضِعَ بِهَا . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى الْعِلَّة الَّتِي مِنْ أَجَلهَا سُمِّيَتْ مَكَّة أُمّ الْقُرَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتهمْ يُحَافِظُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَمَنْ كَانَ يُؤْمِن بِقِيَامِ السَّاعَة وَالْمَعَاد فِي الْآخِرَة إِلَى اللَّه وَيُصَدِّق بِالثَّوَابِ وَالْعِقَاب , فَإِنَّهُ يُؤْمِن بِهَذَا الْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْك يَا مُحَمَّد وَيُصَدِّق بِهِ وَيُقِرّ بِأَنَّ اللَّه أَنْزَلَهُ , وَيُحَافِظ عَلَى الصَّلَوَات الْمَكْتُوبَات الَّتِي أَمَرَهُ اللَّه بِإِقَامَتِهَا ; لِأَنَّهُ مُنْذِر مَنْ بَلَغَهُ وَعِيد اللَّه عَلَى الْكُفْر بِهِ وَعَلَى مَعَاصِيه , وَإِنَّمَا يَجْحَد بِهِ وَبِمَا فِيهِ وَيُكَذِّب أَهْل التَّكْذِيب بِالْمَعَادِ وَالْجُحُود لِقِيَامِ السَّاعَة , لِأَنَّهُ لَا يَرْجُو مِنْ اللَّه إِنْ عَمِلَ بِمَا فِيهِ ثَوَابًا , وَلَا يَخَاف إِنْ لَمْ يَجْتَنِب مَا يَأْمُرهُ بِاجْتِنَابِهِ عِقَابًا .
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَسورة الأنعام الآية رقم 93
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ اِفْتَرَى عَلَى اللَّه كَذَبَا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْء وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْل مَا أَنْزَلَ اللَّه } يَعْنِي جَلَّ ذِكْرهُ بِقَوْلِهِ : { وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ اِفْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا } : وَمَنْ أَخَطَأ قَوْلًا وَأَجْهَل فِعْلًا مِمَّنْ اِفْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا , يَعْنِي : مِمَّنْ اِخْتَلَقَ عَلَى اللَّه كَذِبًا , فَادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ بَعَثَهُ نَبِيًّا وَأَرْسَلَهُ نَذِيرًا , وَهُوَ فِي دَعْوَاهُ مُبْطِل وَفِي قِيله كَاذِب . وَهَذَا تَسْفِيه مِنْ اللَّه لِمُشْرِكِي الْعَرَب وَتَجْهِيل مِنْهُ لَهُمْ فِي مُعَارَضَة عَبْد اللَّه بْن سَعْد بْن أَبِي سَرْح وَالْحَنَفِيّ مُسَيْلَمَة لِنَبِيِّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَعْوَى أَحَدهمَا النُّبُوَّة وَدَعْوَى الْآخَر أَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِمِثْلِ مَا جَاءَ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَنَفَى مِنْهُ عَنْ نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِخْتِلَاق الْكَذِب عَلَيْهِ وَدَعْوَى الْبَاطِل . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ فِيهِ نَحْو الَّذِي قُلْنَا فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10562 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ جُرَيْج , قَوْله : { وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ اِفْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْء } قَالَ : نَزَلَتْ فِي مُسَيْلَمَة أَخِي بَنِي عَدِيّ بْن حَنِيفَة فِيمَا كَانَ يُسَجِّع وَيَتَكَهَّن بِهِ . { وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْل مَا أَنْزَلَ اللَّه } نَزَلَتْ فِي عَبْد اللَّه بْن سَعْد بْن أَبِي سَرْح , أَخِي بَنِي عَامِر بْن لُؤَيّ , كَانَ يَكْتُب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ فِيمَا يُمْلِي " عَزِيز حَكِيم " , فَيَكْتُب " غَفُور رَحِيم " , فَيُغَيِّرهُ , ثُمَّ يَقْرَأ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا لِمَا حَوَّلَ , فَيَقُول : " نَعَمْ سَوَاء " فَرَجَعَ عَنْ الْإِسْلَام وَلَحِقَ بِقُرَيْشٍ وَقَالَ لَهُمْ : لَقَدْ كَانَ يَنْزِل عَلَيْهِ " عَزِيز حَكِيم " , فَأُحَوِّلهُ ثُمَّ أَقُول لِمَا أَكْتُب , فَيَقُول نَعَمْ سَوَاء ! ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَام قَبْل فَتْح مَكَّة , إِذْ نَزَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَرّ . وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ نَزَلَ ذَلِكَ فِي عَبْد اللَّه بْن سَعْد خَاصَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10563 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ اِفْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْء } . . . إِلَى قَوْله : { تُجْزَوْنَ عَذَاب الْهُون } قَالَ : نَزَلَتْ فِي عَبْد اللَّه بْن سَعْد بْن أَبِي سَرْح ; أَسْلَمَ , وَكَانَ يَكْتُب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَكَانَ إِذَا أَمْلَى عَلَيْهِ " سَمِيعًا عَلِيمًا " , كَتَبَ هُوَ : " عَلِيمًا حَكِيمًا " ; وَإِذَا قَالَ : " عَلِيمًا حَكِيمًا " كَتَبَ : " سَمِيعًا عَلِيمًا " . فَشَكَّ وَكَفَرَ , وَقَالَ : إِنْ كَانَ مُحَمَّد يُوحَى إِلَيْهِ فَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ , وَإِنْ كَانَ اللَّه يُنْزِلهُ فَقَدْ أَنْزَلْت مِثْل مَا أَنْزَلَ اللَّه , قَالَ مُحَمَّد : " سَمِيعًا عَلِيمًا " , فَقُلْت أَنَا : " عَلِيمًا حَكِيمًا " . فَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ , وَوَشَى بِعَمَّارٍ وَجُبَيْر عِنْد اِبْن الْحَضْرَمِيّ أَوْ لِبَنِي عَبْد الدَّار , فَأَخَذُوهُمْ فَعُذِّبُوا حَتَّى كَفَرُوا . وَجُدِعَ أُذُن عَمَّار يَوْمئِذٍ , فَانْطَلَقَ عَمَّار إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَخْبَرَهُ بِمَا لَقِيَ وَاَلَّذِي أَعْطَاهُمْ مِنْ الْكُفْر , فَأَبَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَوَلَّاهُ , فَأَنْزَلَ اللَّه فِي شَأْن اِبْن أَبِي سَرْح وَعَمَّار وَأَصْحَابه : { مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْد إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطَمْئِن بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا } فَاَلَّذِي أُكْرِهَ عَمَّار وَأَصْحَابه , وَاَلَّذِي شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَهُوَ اِبْن أَبِي سَرْح . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْقَائِل : { أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْء } مُسَيْلَمَة الْكَذَّاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10564 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْء وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْل مَا أَنْزَلَ اللَّه } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي مُسَيْلَمَة . ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " رَأَيْت فِيمَا يَرَى النَّائِم كَأَنَّ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَب , فَكَبُرَا عَلَيَّ وَأَهَمَّانِي , فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ اُنْفُخْهُمَا , فَنَفَخْتهمَا فَطَارَا , فَأَوَّلْتهُمَا فِي مَنَامِي الْكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنهمَا : كَذَّاب الْيَمَامَة مُسَيْلَمَة , وَكَذَّاب صَنْعَاء الْعَنْسِيّ " وَكَانَ يُقَال لَهُ الْأَسْوَد . 10565 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : { أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْء } قَالَ : نَزَلَتْ فِي مُسَيْلَمَة . - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , وَزَادَ فِيهِ : وَأَخْبَرَنِي الزُّهْرِيّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " بَيْنَا أَنَا نَائِم رَأَيْت فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَب , فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيَّ , فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ اُنْفُخْهُمَا , فَنَفَخْتهمَا فَطَارَا , فَأَوَّلْت ذَلِكَ كَذَّاب الْيَمَامَة , وَكَذَّاب صَنْعَاء الْعَنْسِيّ " . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ , أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه قَالَ : { وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ اِفْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْء } وَلَا تَمَانُع بَيْن عُلَمَاء الْأُمَّة أَنَّ اِبْن أَبِي سَرْح كَانَ مِمَّنْ قَالَ : إِنِّي قَدْ قُلْت مِثْل مَا قَالَ مُحَمَّد , وَأَنَّهُ اِرْتَدَّ عَنْ إِسْلَامه وَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ . فَكَانَ لَا شَكَّ بِذَلِكَ مِنْ قِيله مُفْتَرِيًا كَذِبًا . وَكَذَلِكَ لَا خِلَاف بَيْن الْجَمِيع أَنَّ مُسَيْلَمَة وَالْعَنْسِيّ الْكَذَّابَيْنِ اِدَّعَيَا عَلَى اللَّه كَذِبًا أَنَّهُ بَعَثَهُمَا نَبِيَّيْنِ , وَقَالَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا : إِنَّ اللَّه أَوْحَى إِلَيْهِ ; وَهُوَ كَاذِب فِي قِيله . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَقَدْ دَخَلَ فِي هَذِهِ الْآيَة كُلّ مَنْ كَانَ مُخْتَلِقًا عَلَى اللَّه كَذِبًا وَقَائِلًا فِي ذَلِكَ الزَّمَان وَفِي غَيْره أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ , وَهُوَ فِي قِيله كَاذِب لَمْ يُوحِ اللَّه إِلَيْهِ شَيْئًا . فَأَمَّا التَّنْزِيل فَإِنَّهُ جَائِز أَنْ يَكُون نَزَلَ بِسَبَبِ بَعْضهمْ , وَجَائِز أَنْ يَكُون نَزَلَ بِسَبَبِ جَمِيعهمْ , وَجَائِز أَنْ يَكُون عُنِيَ بِهِ جَمِيع الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْعَرَب , إِذْ كَانَ قَائِلُو ذَلِكَ مِنْهُمْ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ , فَعَيَّرَهُمْ اللَّه بِذَلِكَ وَتَوَعَّدَهُمْ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى تَرْكِهِمْ نَكِير ذَلِكَ . وَمَعَ تَرْكِهِمْ نَكِيره , هُمْ بِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُكَذِّبُونَ , وَلِنُبُوَّتِهِ جَاحِدُونَ , وَلِآيَاتِ كِتَاب اللَّه وَتَنْزِيله دَافِعُونَ , فَقَالَ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ اِدَّعَى عَلَى النُّبُوَّة كَاذِبًا وَقَالَ : { أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْء } وَمَعَ ذَلِكَ يَقُول : { مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى بَشَر مِنْ شَيْء } فَيَنْقُض قَوْله بِقَوْلِهِ , وَيُكَذِّب بِاَلَّذِي تَحَقَّقَهُ , وَيَنْفِي مَا يُثْبِتهُ ! وَذَلِكَ إِذَا تَدَبَّرَهُ الْعَاقِل الْأَرِيب , عَلِمَ أَنَّ فَاعِله مِنْ عَقْله عَدِيم . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس , أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي قَوْله : { وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْل مَا أَنْزَلَ اللَّه } مَا : 10566 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْل مَا أَنْزَلَ اللَّه } قَالَ : زَعَمَ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ قَالَ مِثْله - يَعْنِي الشِّعْر - . فَكَانَ اِبْن عَبَّاس فِي تَأْوِيله هَذَا عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ يُوَجِّه مَعْنَى قَوْل قَائِل : سَأُنْزِلُ مِثْل مَا أَنْزَلَ اللَّه , إِلَيَّ : سَأُنْزِلُ مِثْل مَا قَالَ اللَّه مِنْ الشِّعْر . وَكَذَلِكَ تَأَوَّلَهُ السُّدِّيّ , وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة عَنْهُ قَبْل فِيمَا مَضَى .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَات الْمَوْت وَالْمَلَائِكَة بَاسِطُوا أَيْدِيهمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسكُمْ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَوْ تَرَى يَا مُحَمَّد حِين يَغْمُر الْمَوْت بِسَكَرَاتِهِ هَؤُلَاءِ الظَّالِمِينَ , الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمْ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد , وَالْقَائِلِينَ مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى بَشَر مِنْ شَيْء , وَالْمُفْتَرِينَ عَلَى اللَّه كَذِبًا الزَّاعِمِينَ أَنَّ اللَّه أَوْحَى إِلَيْهِ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْء , وَالْقَائِلِينَ : سَأُنْزِلُ مِثْل مَا أَنْزَلَ اللَّه ; فَتُعَايِنهُمْ وَقَدْ غَشِيَتْهُمْ سَكَرَات الْمَوْت , وَنَزَلَ بِهِمْ أَمْر اللَّه , وَحَانَ فَنَاء آجَالِهِمْ , وَالْمَلَائِكَة بَاسِطُو أَيْدِيهمْ يَضْرِبُونَ وُجُوههمْ وَأَدْبَارهمْ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَكَيْف إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَة يَضْرِبُونَ وُجُوههمْ وَأَدْبَارهمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اِتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّه وَكَرِهُوا رِضْوَانه } يَقُولُونَ لَهُمْ : أَخْرِجُوا أَنْفُسكُمْ . وَالْغَمَرَات : جَمْع غَمْرَة , وَغَمْرَة كُلّ شَيْء : كَثْرَته وَمُعْظَمه , وَأَصْله : الشَّيْء الَّذِي يَغْمُر الْأَشْيَاء فَيُغَطِّيهَا , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : وَهَلْ يُنْجِي مِنْ الْغَمَرَات إِلَّا بَرَاكَاء الْقِتَال أَوْ الْفِرَار وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ , مَا : 10567 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَات الْمَوْت } قَالَ : سَكَرَات الْمَوْت . 10568 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { فِي غَمَرَات الْمَوْت } يَعْنِي : سَكَرَات الْمَوْت . وَأَمَّا بَسْط الْمَلَائِكَة أَيْدِيهمْ فَإِنَّهُ مَدّهَا . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي سَبَب بَسْطِهَا أَيْدِيهَا عِنْد ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10569 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَات الْمَوْت وَالْمَلَائِكَة بَاسِطُوا أَيْدِيهمْ } قَالَ : هَذَا عِنْد الْمَوْت . وَالْبَسْط : الضَّرْب ; يَضْرِبُونَ وُجُوههمْ وَأَدْبَارهمْ . 10570 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ ثَنِي عَمِّي : قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَات الْمَوْت وَالْمَلَائِكَة بَاسِطُوا أَيْدِيهمْ } يَقُول : الْمَلَائِكَة بَاسِطُوا أَيْدِيهمْ , يَضْرِبُونَ وُجُوههمْ وَأَدْبَارهمْ . وَالظَّالِمُونَ فِي غَمَرَات الْمَوْت , وَمَلَك الْمَوْت يَتَوَفَّاهُمْ . 10571 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَالْمَلَائِكَة بَاسِطُوا أَيْدِيهمْ } يَضْرِبُونَهُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ بَسْطهَا أَيْدِيهَا بِالْعَذَابِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 10572 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { وَالْمَلَائِكَة بَاسِطُوا أَيْدِيهمْ } قَالَ : بِالْعَذَابِ . 10573 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي صَالِح : { وَالْمَلَائِكَة بَاسِطُوا أَيْدِيهمْ } بِالْعَذَابِ . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ يَتَأَوَّل ذَلِكَ بِمَعْنَى : بَاسِطُو أَيْدِيهمْ بِإِخْرَاجِ أَنْفُسهمْ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : مَا وَجْه قَوْله : { أَخْرِجُوا أَنْفُسكُمْ } وَنُفُوس بَنِي آدَم إِنَّمَا يُخْرِجهَا مِنْ أَبَدَانِ أَهْلهَا رَبّ الْعَالَمِينَ ؟ فَكَيْف خُوطِبَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّار , وَأُمِرُوا فِي حَال الْمَوْت بِإِخْرَاجِ أَنْفُسهمْ ؟ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ أَنْ يَكُون بَنُو آدَم هُمْ يَقْبِضُونَ أَنْفُس أَجْسَامهمْ ؟ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الَّذِي إِلَيْهِ ذَهَبْت , وَإِنَّمَا ذَلِكَ أَمْر مِنْ اللَّه عَلَى أَلْسُن رُسُله الَّذِينَ يَقْبِضُونَ أَرْوَاح هَؤُلَاءِ الْقَوْم مِنْ أَجْسَامهمْ , بِأَدَاءِ مَا أَسْكَنَهَا رَبّهَا مِنْ الْأَرْوَاح إِلَيْهِ وَتَسْلِيمهَا إِلَى رُسُله الَّذِينَ يَتَوَفَّوْنَهَا .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الْيَوْم تُجْزَوْنَ عَذَاب الْهُون بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّه غَيْر الْحَقّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاته تَسْتَكْبِرُونَ } . وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّا تَقُول رُسُل اللَّه الَّتِي تَقْبِض أَرْوَاح هَؤُلَاءِ الْكُفَّار لَهَا , يُخْبِر عَنْهَا أَنَّهَا تَقُول لِأَجْسَامِهَا وَلِأَصْحَابِهَا : أَخْرِجُوا أَنْفُسكُمْ إِلَى سَخَط اللَّه وَلَعْنَتِهِ , فَإِنَّكُمْ الْيَوْم تُثَابُونَ عَلَى كُفْركُمْ بِاَللَّهِ , وَقِيلكُمْ عَلَيْهِ الْبَاطِل , وَزَعْمِكُمْ أَنَّ اللَّه أَوْحَى إِلَيْكُمْ وَلَمْ يُوحِ إِلَيْكُمْ شَيْئًا , وَإِنْذَاركُمْ أَنْ يَكُون اللَّه أَنْزَلَ عَلَى بَشَر شَيْئًا , وَاسْتِكْبَاركُمْ عَنْ الْخُضُوع لِأَمْرِ اللَّه وَأَمْر رَسُوله وَالِانْقِيَاد لِطَاعَتِهِ . { عَذَاب الْهُون } وَهُوَ عَذَاب جَهَنَّم الَّذِي يُهِينهُمْ فَيُذِلّهُمْ , حَتَّى يَعْرِفُوا صَغَار أَنْفُسهمْ وَذِلَّتهَا . كَمَا : 10574 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا { عَذَاب الْهُون } فَاَلَّذِي يُهِينهُمْ . 10575 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { الْيَوْم تُجْزَوْنَ عَذَاب الْهُون } قَالَ : عَذَاب الْهُون فِي الْآخِرَة بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ . وَالْعَرَب إِذَا أَرَادَتْ بِالْهُونِ مَعْنَى الْهَوَان ضَمَّتْ الْهَاء , وَإِذَا أَرَادَتْ بِهِ الرِّفْق وَالدَّعَة وَخِفَّة الْمَئُونَة فَتَحْت الْهَاء , فَقَالُوا : هُوَ قَلِيل هَوْن الْمَئُونَة ; وَمِنْهُ قَوْل اللَّه : { الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض هَوْنًا } يَعْنِي : بِالرِّفْقِ وَالسَّكِينَة وَالْوَقَار ; وَمِنْهُ قَوْل الْمُثَنَّى اِبْن جَنْدَل الطُّهَوِيّ . وَنَقْض أَيَّام نَقَضْنَ أَسْره هَوْنًا وَأَلْقَى كُلّ شَيْخ فَخْره وَمِنْهُ قَوْل الْآخَر : هَوْنكُمَا لَا يَرُدّ الدَّهْر مَا فَاتَا لَا تَهْلِكَا أَسَفًا فِي إِثْر مَنْ مَاتَا يُرِيد : رَوْدًا . وَقَدْ حُكِيَ فَتْح الْهَاء فِي ذَلِكَ بِمَعْنَى الْهَوَان وَاسْتَشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ بِبَيْتِ عَامِر بْن جُوَيْن : نُهِينُ النُّفُوسَ وَهَوْن النُّفُوس عِنْدَ الْكَرِيهَةِ أَعْلَى لَهَا وَالْمَعْرُوف مِنْ كَلَامهمْ ضَمّ الْهَاء مِنْهُ إِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْهَوَان وَالذُّلّ , كَمَا قَالَ ذُو الْإِصْبَع الْعُدْوَانِيّ : اِذْهَبْ إِلَيْك فَمَا أُمِّيّ بِرَاعِيَةٍ تَرْعَى الْمَخَاضَ وَلَا أُغْضِي عَلَى الْهُونِ يَعْنِي عَلَى الْهَوَان . وَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى الرِّفْق فَفَتْحهَا .
وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَسورة الأنعام الآية رقم 94
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّل مَرَّة وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُوركُمْ } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّا هُوَ قَائِل يَوْم الْقِيَامَة لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِهِ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد , يُخْبِر عِبَاده أَنَّهُ يَقُول لَهُمْ عِنْد وُرُودهمْ عَلَيْهِ : { لَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى } وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : فُرَادَى " : وُحْدَانًا لَا مَال مَعَهُمْ وَلَا أَثَاث وَلَا رَقِيق وَلَا شَيْء مِمَّا كَانَ اللَّه خَوَّلَهُمْ فِي الدُّنْيَا . { كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّل مَرَّة } عُرَاة غُلْفًا غُرْلًا حُفَاة كَمَا وَلَدَتْهُمْ أُمَّهَاتُهُمْ , وَكَمَا خَلَقَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي بُطُون أُمَّهَاتهمْ , لَا شَيْء عَلَيْهِمْ وَلَا مَعَهُمْ مِمَّا كَانُوا يَتَبَاهَوْنَ بِهِ فِي الدُّنْيَا . وَفُرَادَى : جَمْع , يُقَال لِوَاحِدِهَا : فَرَد , كَمَا قَالَ نَابِغَة بَنِي ذُبْيَان : مِنْ وَحْش وَجْرَةَ مَوْشِيٍّ أَكَارِعُهُ طَاوِي الْمَصِير كَسَيْفِ الصَّيْقَل الْفَرَد وَفَرْد وَفَرِيد , كَمَا يُقَال : وَحَد وَوَحْد وَوَحِيد فِي وَاحِد " الْأَوْحَاد " , وَقَدْ يُجْمَع الْفَرْد الْفُرَاد , كَمَا يُجْمَع الْوَحْد الْوُحَاد , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : تَرَى النُّعَرَاتِ الزُّرْقَ فَوْق لَبَانِهِ فُرَادَ وَمَثْنَى أَصَعَقَتْهَا صَوَاهِله وَكَانَ يُونُس الْجَرْمِيُّ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ يَقُول : فُرَاد : جَمْع فَرْد , كَمَا قِيلَ : تَوْءَم وَتُؤَام لِلْجَمِيعِ , وَمِنْهُ الْفُرَادَى وَالرُّدَافَى والغوانى . وَيُقَال : رَجُل فَرْد , وَامْرَأَة فَرْد , إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَخ , وَقَدْ فَرَدَ الرَّجُل فَهُوَ يَفْرُد فُرُودًا , يُرَاد بِهِ تَفَرَّدَ , فَهُوَ فَارِد . 10576 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو أَنَّ اِبْن أَبِي هِلَال حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ الْقُرْطُبِيّ يَقُول : قَرَأَتْ عَائِشَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْل اللَّه : { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّل مَرَّة } فَقَالَتْ : وَاسَوْأَتَاه , إِنَّ الرِّجَال وَالنِّسَاء يُحْشَرُونَ جَمِيعًا يَنْظُر بَعْضهمْ إِلَى سَوْأَة بَعْض ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لِكُلِّ اِمْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه , لَا يَنْظُر الرِّجَال إِلَى النِّسَاء وَلَا النِّسَاء إِلَى الرِّجَال , شُغِلَ بَعْضهمْ عَنْ بَعْض " . وَأَمَّا قَوْله : { وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُوركُمْ } فَإِنَّهُ يَقُول : خَلَّفْتُمْ أَيّهَا الْقَوْم مَا مُكَنَّاكُمْ فِي الدُّنْيَا مِمَّا كُنْتُمْ تَتَبَاهَوْنَ بِهِ فِيهَا خَلْفكُمْ فِي الدُّنْيَا , فَلَمْ تَحْمِلُوهُ مَعَكُمْ . وَهَذَا تَعْيِير اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِمُبَاهَاتِهِمْ الَّتِي كَانُوا يَتَبَاهَوْنَ بِهَا فِي الدُّنْيَا بِأَمْوَالِهِمْ , وَكُلّ مَا مَلَّكْته غَيْرك وَأَعْطَيْته فَقَدْ خَوَّلْته , يُقَال مِنْهُ : خَالَ الرَّجُل يَخَال أَشَدّ الْخِيَال بِكَسْرِ الْخَاء , وَهُوَ خَائِل , وَمِنْهُ قَوْل أَبِي النَّجْم : أَعْطَى فَلَمْ يَبْخَل وَلَمْ يُبَخَّلْ كُومَ الذُّرَا مِنْ خَوَلِ الْمُخَوِّل وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ أَبَا عَمْرو بْن الْعَلَاء كَانَ يُنْشِد بَيْت زُهَيْر : هُنَالِكَ إِنْ يُسْتَخْوَلُوا الْمَال يُخْوِلُوا وَإِنْ يُسْأَلُوا يُعْطُوا وَإِنْ يَيْسِرُوا يُغْلُوا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 10577 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ } مِنْ الْمَال وَالْخَدَم { وَرَاء ظُهُوركُمْ } فِي الدُّنْيَا .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمْ الْأَنْدَاد يَوْم الْقِيَامَة : مَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ الَّذِينَ كُنْتُمْ فِي الدُّنْيَا تَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَشْفَعُونَ لَكُمْ عِنْد رَبّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي النَّضْر بْن الْحَارِث لِقِيلِهِ : إِنَّ اللَّاتَ وَالْعُزَّى يَشْفَعَانِ لَهُ عِنْد اللَّه يَوْم الْقِيَامَة . وَقِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ كَانَ قَوْل كَافَّة عَبَدَة الْأَوْثَان . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 10578 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا قَوْله : { وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء } فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْآلِهَة ; لِأَنَّهُمْ شُفَعَاء يَشْفَعُونَ لَهُمْ عِنْد اللَّه ; وَأَنَّ هَذِهِ الْآلِهَة شُرَكَاء لِلَّهِ . 10579 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : أَخْبَرَنِي الْحَكَم بْن أَبَان عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : قَالَ النَّضْر بْن الْحَارِث : سَوْفَ تَشْفَع لِي اللَّاتَ وَالْعُزَّى ! فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّل مَرَّة } . . . إِلَى قَوْله : { شُرَكَاء } .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ } . يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ قِيله يَوْم الْقِيَامَة لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِهِ الْأَنْدَاد : { لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنكُمْ } يَعْنِي : تَوَاصُلهمْ الَّذِي كَانَ بَيْنهمْ فِي الدُّنْيَا , ذَهَبَ ذَلِكَ الْيَوْم , فَلَا تَوَاصُل بَيْنهمْ وَلَا تَوَادّ وَلَا تَنَاصُر , وَقَدْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَتَوَاصَلُونَ وَيَتَنَاصَرُونَ فَاضْمَحَلَّ ذَلِكَ كُلّه فِي الْآخِرَة , فَلَا أَحَد مِنْهُمْ يَنْصُر صَاحِبه وَلَا يُوَاصِلهُ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 10580 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنكُمْ } الْبَيْن : تَوَاصُلهمْ . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنكُمْ } قَالَ : تَوَاصُلهمْ فِي الدُّنْيَا . 10581 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنكُمْ } قَالَ : وَصْلكُمْ . - وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنكُمْ } قَالَ : مَا كَانَ بَيْنكُمْ مِنْ الْوَصْل . 10582 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ } يَعْنِي : الْأَرْحَام وَالْمَنَازِل . 10583 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنكُمْ } يَقُول : تَقَطَّعَ مَا بَيْنكُمْ . 10584 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش : { لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنكُمْ } : التَّوَاصُل فِي الدُّنْيَا . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قَوْله : { بَيْنَكُمْ } . فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة نَصْبًا بِمَعْنَى : لَقَدْ تَقَطَّعَ مَا بَيْنكُمْ . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء مَكَّة وَالْعِرَاقِيِّينَ : " لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنُكُمْ " رَفْعًا , بِمَعْنَى : لَقَدْ تَقَطَّعَ وَصْلُكُمْ . و الصَّوَاب مِنْ الْقَوْل عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ بِاتِّفَاقِ الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب الصَّوَاب , وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب قَدْ تَنْصِب " بَيْن " فِي مَوْضِع الِاسْم , ذُكِرَ سَمَاعًا مِنْهَا : إِيَابِي نَحْوك وَدُونك وَسِوَاءَك , نَصْبًا فِي مَوْضِع الرَّفْع , وَقَدْ ذُكِرَ عَنْهَا سَمَاعًا الرَّفْع فِي " بَيْن " إِذَا كَانَ الْفِعْل لَهَا وَجُعِلَتْ اِسْمًا ; وَيُنْشَد بَيْت مُهَلْهَل : كَأَنَّ رِمَاحهمْ أَشْطَانُ بِئْرٍ بَعِيدٍ بَيْنُ جَالَيْهَا جَرُورِ بِرَفْعِ " بَيْن " إِذْ كَانَتْ اِسْمًا . غَيْر أَنَّ الْأَغْلَب عَلَيْهِمْ فِي كَلَامهمْ النَّصْب فِيهَا فِي حَال كَوْنهَا صِفَة وَفِي حَال كَوْنهَا اِسْمًا . وَأَمَّا قَوْله : { وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ } فَإِنَّهُ يَقُول : وَحَادَ عَنْ طَرِيقكُمْ وَمِنْهَاجكُمْ مَا كُنْتُمْ مِنْ آلِهَتكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّهُ شَرِيك رَبّكُمْ , وَأَنَّهُ لَكُمْ شَفِيع عِنْد رَبّكُمْ , فَلَا يَشْفَع لَكُمْ الْيَوْم .
إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَسورة الأنعام الآية رقم 95
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ اللَّه فَالِق الْحَبّ وَالنَّوَى } وَهَذَا تَنْبِيه مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِهِ الْآلِهَة عَلَى مَوْضِع حُجَّته عَلَيْهِمْ , وَتَعْرِيف مِنْهُ لَهُمْ خَطَأ مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ إِشْرَاك الْأَصْنَام فِي عِبَادَتهمْ إِيَّاهُ . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الَّذِي لَهُ الْعِبَادَة أَيّهَا النَّاس دُون كُلّ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان , هُوَ اللَّه الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّ , يَعْنِي : شَقَّ الْحَبَّ مِنْ كُلّ مَا يَنْبُت مِنْ النَّبَات , فَأَخْرَجَ مِنْهُ الزَّرْع وَالنَّوَى مِنْ كُلّ مَا يُغْرَس مِمَّا لَهُ نَوَاة , فَأَخْرَجَ مِنْهُ الشَّجَر . وَالْحَبُّ جَمْع حَبَّة , وَالنَّوَى : جَمْع النَّوَاة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 10585 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إِنَّ اللَّه فَالِق الْحَبّ وَالنَّوَى } أَمَّا فَالِق الْحَبّ وَالنَّوَى : فَفَالِق الْحَبّ عَنْ السُّنْبُلَة , وَفَالِق النَّوَاة عَنْ النَّخْلَة . 10586 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { فَالِق الْحَبّ وَالنَّوَى } قَالَ : يَفْلِق الْحَبّ وَالنَّوَى عَنْ النَّبَات . 10587 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَالِق الْحَبّ وَالنَّوَى } قَالَ : اللَّه فَالِق ذَلِكَ , فَلَقَهُ فَأَنْبَتَ مِنْهُ مَا أَنْبَتَ ; فَلَقَ النَّوَاة فَأَخْرَجَ مِنْهَا نَبَات نَخْلَة , وَفَلَقَ الْحَبَّة فَأَخْرَجَ نَبَات الَّذِي خَلَقَ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى " فَالِق " خَالِق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 10588 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثَنَا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : { إِنَّ اللَّه فَالِق الْحَبّ وَالنَّوَى } قَالَ : خَالِق الْحَبّ وَالنَّوَى . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا الْمُثَنَّى , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , مِثْله . 10589 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّ اللَّه فَالِق الْحَبّ وَالنَّوَى } قَالَ : خَالِق الْحَبّ وَالنَّوَى . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ فَلَقَ الشِّقّ الَّذِي فِي الْحَبَّة وَالنَّوَاة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 10590 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { فَالِق الْحَبّ وَالنَّوَى } قَالَ : الشِّقَّانِ اللَّذَانِ فِيهِمَا . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 10591 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا مُعَلَّى بْن أَسَد , قَالَ : ثَنَا خَالِد , عَنْ حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك , فِي قَوْل اللَّه : { إِنَّ اللَّه فَالِق الْحَبّ وَالنَّوَى } قَالَ : الشِّقّ الَّذِي يَكُون فِي النَّوَاة وَفِي الْحِنْطَة . - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بِزَّة , عَنْ مُجَاهِد : { فَالِق الْحَبّ وَالنَّوَى } قَالَ : الشِّقَّانِ اللَّذَانِ فِيهِمَا . 10592 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثَنِي عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { فَالِق الْحَبّ وَالنَّوَى } يَقُول : خَالِق الْحَبّ وَالنَّوَى , يَعْنِي : كُلّ حَبَّة . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي مَا قَدَّمْنَا الْقَوْل بِهِ , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِإِخْبَارِهِ عَنْ إِخْرَاجه الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت وَالْمَيِّت مِنْ الْحَيّ , فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّهُ إِنَّمَا عَنَى بِإِخْبَارِهِ عَنْ نَفْسه أَنَّهُ فَالِق الْحَبّ عَنْ النَّبَات وَالنَّوَى عَنْ الْغُرُوس وَالْأَشْجَار , كَمَا هُوَ مُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت وَالْمَيِّت مِنْ الْحَيّ . وَأَمَّا الْقَوْل الَّذِي حُكِيَ عَنْ الضَّحَّاك فِي مَعْنَى فَالِق أَنَّهُ خَالِق , فَقَوْل إِنْ لَمْ يَكُنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ خَالِق مِنْهُ النَّبَات وَالْغُرُوس بِفَلْقِهِ إِيَّاهُ , لَا أَعْرِف لَهُ وَجْهًا , لِأَنَّهُ لَا يُعْرَف فِي كَلَام الْعَرَب فَلَقَ اللَّه الشَّيْء بِمَعْنَى : خَلَقَ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت وَمُخْرِج الْمَيِّت مِنْ الْحَيّ ذَلِكُمْ اللَّه فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : يُخْرِج السُّنْبُل الْحَيّ مِنْ الْحَبّ الْمَيِّت , وَمُخْرِج الْحَبّ الْمَيِّت مِنْ السُّنْبُل الْحَيّ , وَالشَّجَر الْحَيّ مِنْ النَّوَى الْمَيِّت , وَالنَّوَى الْمَيِّت مِنْ الشَّجَر الْحَيّ . وَالشَّجَر مَا دَامَ قَائِمًا عَلَى أُصُوله لَمْ يَجِفّ وَالنَّبَات عَلَى سَاقِهِ لَمْ يَيْبَس , فَإِنَّ الْعَرَب تُسَمِّيه حَيًّا , فَإِذَا يَبِسَ وَجَفَّ أَوْ قُطِعَ مِنْ أَصْله سَمَّوْهُ مَيِّتًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 10593 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , أَمَّا : { يُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت } فَيُخْرِج السُّنْبُلَة الْحَيَّة مِنْ الْحَبَّة الْمَيِّتَة , وَيُخْرِج الْحَبَّة الْمَيِّتَة مِنْ السُّنْبُلَة الْحَيَّة , وَيُخْرِج النَّخْلَة الْحَيَّة مِنْ النَّوَاة الْمَيِّتَة , وَيُخْرِج النَّوَاة الْمَيِّتَة مِنْ النَّخْلَة الْحَيَّة . 10594 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك : { يُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت وَمُخْرِج الْمَيِّت مِنْ الْحَيّ } قَالَ : النَّخْلَة مِنْ النَّوَاة وَالنَّوَاة مِنْ النَّخْلَة , وَالْحَبَّة مِنْ السُّنْبُلَة وَالسُّنْبُلَة مِنْ الْحَبَّة . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 10595 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : قَوْله : { إِنَّ اللَّه فَالِق الْحَبّ وَالنَّوَى يُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت وَمُخْرِج الْمَيِّت مِنْ الْحَيّ } قَالَ : يُخْرِج النُّطْفَة الْمَيِّتَة مِنْ الْحَيّ , ثُمَّ يُخْرِج مِنْ النُّطْفَة بَشَرًا حَيًّا . وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا التَّأْوِيل الَّذِي اِخْتَرْنَا فِي ذَلِكَ , لِأَنَّهُ عَقِيب قَوْله : { إِنَّ اللَّه فَالِق الْحَبّ وَالنَّوَى } عَلَى أَنَّ قَوْله : { يُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت وَمُخْرِج الْمَيِّت مِنْ الْحَيّ } وَإِنْ كَانَ خَبَرًا مِنْ اللَّه عَنْ إِخْرَاجه مِنْ الْحَبّ السُّنْبُل وَمِنْ السُّنْبُل الْحَبّ , فَإِنَّهُ دَاخِل فِي عُمُومه مَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي تَأْوِيل ذَلِكَ ; وَكُلّ مَيِّت أَخْرَجَهُ اللَّه مِنْ جِسْم حَيّ , وَكُلّ حَيّ أَخْرَجَهُ اللَّه مِنْ جِسْم مَيِّت . وَأَمَّا قَوْله : { ذَلِكُمْ اللَّه } فَإِنَّهُ يَقُول : فَاعِل ذَلِكَ كُلِّهِ اللَّه جَلَّ جَلَاله . { فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } يَقُول : فَأَيّ وُجُوه الصَّدّ عَنْ الْحَقّ أَيّهَا الْجَاهِلُونَ تَصُدُّونَ عَنْ الصَّوَاب وَتُصْرَفُونَ , أَفَلَا تَتَدَبَّرُونَ فَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَل لِمَنْ أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ بِفَلْقِ الْحَبّ وَالنَّوَى , فَأَخْرَجَ لَكُمْ مِنْ يَابِس الْحَبّ وَالنَّوَى زُرُوعًا وَحُرُوثًا وَثِمَارًا تَتَغَذَّوْنَ بِبَعْضِهِ وَتَفَكَّهُونَ بِبَعْضِهِ , شَرِيك فِي عِبَادَته مَا لَا يَضُرّ وَلَا يَنْفَع وَلَا يَسْمَع وَلَا يُبْصِر ؟
فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِسورة الأنعام الآية رقم 96
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَالِق الْإِصْبَاح وَجَعَلَ اللَّيْل سَكَنًا وَالشَّمْس وَالْقَمَر حُسْبَانًا } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَالِق الْإِصْبَاح } شَاقّ عَمُود الصُّبْح عَنْ ظُلْمَة اللَّيْل وَسَوَاده . وَالْإِصْبَاح : مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : أَصْبَحْنَا إِصْبَاحًا . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ عَامَّة أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 10596 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا الْمُثَنَّى , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { فَالِق الْإِصْبَاح } قَالَ : إِضَاءَة الصُّبْح . 10597 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَالِق الْإِصْبَاح } قَالَ : إِضَاءَة الْفَجْر . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 10598 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { فَالِق الْإِصْبَاح } قَالَ : فَالِق الصُّبْح . 10599 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { فَالِق الْإِصْبَاح } يَعْنِي بِالْإِصْبَاحِ : ضَوْء الشَّمْس بِالنَّهَارِ , وَضَوْء الْقَمَر بِاللَّيْلِ . 10600 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا حَكَّام , قَالَ : ثَنَا عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بِزَّة , عَنْ مُجَاهِد : { فَالِق الْإِصْبَاح } قَالَ : فَالِق الصُّبْح . * حَدَّثَنَا بِهِ اِبْن حُمَيْد مَرَّة بِهَذَا الْإِسْنَاد , عَنْ مُجَاهِد , فَقَالَ فِي قَوْله : { فَالِق الْإِصْبَاح } قَالَ : إِضَاءَة الصُّبْح . 10601 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا بْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَالِق الْإِصْبَاح } قَالَ : فَلَقَ الْإِصْبَاح عَنْ اللَّيْل . 10602 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : ثَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { فَالِق الْإِصْبَاح } يَقُول : خَالِق النُّور , نُور النَّهَار . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : خَالِق اللَّيْل وَالنَّهَار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10603 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : " فَالِق الْإِصْبَاح وَجَاعِل اللَّيْل سَكَنًا " يَقُول : خَلَقَ اللَّيْل وَالنَّهَار وَذُكِرَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ فِي قَوْله : { فَالِق الْإِصْبَاح } بِفَتْحِ الْأَلِف كَأَنَّهُ تَأَوَّلَ ذَلِكَ بِمَعْنَى جَمْع صُبْح , كَأَنَّهُ أَرَادَ صُبْح كُلّ يَوْم , فَجَعَلَهُ أَصْبَاحًا , وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَحَد سِوَاهُ أَنَّهُ قَرَأَ كَذَلِكَ . وَالْقِرَاءَة الَّتِي لَا نَسْتَجِيز غَيْرهَا بِكَسْرِ الْأَلِف { فَالِق الْإِصْبَاح } لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء وَأَهْل التَّأْوِيل عَلَى صِحَّة ذَلِكَ وَرَفْض خِلَافه . وَأَمَّا قَوْله : " وَجَاعِل اللَّيْل سَكَنًا " فَإِنَّ الْقُرَّاء اِخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَته , فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْمَدِينَة وَبَعْض الْبَصْرِيِّينَ : " وَجَاعِلُ اللَّيْلِ " بِالْأَلِفِ . عَلَى لَفْظ الِاسْم وَرَفْعه عَطْفًا عَلَى " فَالِق " , وَخَفْض " اللَّيْل " بِإِضَافَةِ " جَاعِل " إِلَيْهِ , وَنَصْب " الشَّمْسَ " وَ " الْقَمَرَ " عَطْفًا عَلَى مَوْضِع " اللَّيْل " ; لِأَنَّ " اللَّيْل " وَإِنْ كَانَ مَخْفُوضًا فِي اللَّفْظ فَإِنَّهُ فِي مَوْضِع النَّصْب ; لِأَنَّهُ مَفْعُول " جَاعِل " , وَحَسُنَ عَطْف ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى اللَّيْل لَا عَلَى لَفْظه لِدُخُولِ قَوْله : { سَكَنًا } بَيْنه وَبَيْن اللَّيْل ; قَالَ الشَّاعِر : قُعُودًا لَدَى الْأَبْوَابِ طُلَّابَ حَاجَةٍ عَوَانٍ مِنْ الْحَاجَاتِ أَوْ حَاجَةً بِكْرَا فَنَصَبَ الْحَاجَة الثَّانِيَة عَطْفًا بِهَا عَلَى مَعْنَى الْحَاجَة الْأُولَى , لَا عَلَى لَفْظهَا ; لِأَنَّ مَعْنَاهَا النَّصْب وَإِنْ كَانَتْ فِي اللَّفْظ خَفْضًا . وَقَدْ يَجِيء مِثْل هَذَا أَيْضًا مَعْطُوفًا بِالثَّانِي عَلَى مَعْنَى الَّذِي قَبْله لَا عَلَى لَفْظه , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنهمَا حَائِل , كَمَا قَالَ بَعْضهمْ : فَبَيْنَا نَحْنُ نَنْظُرُهُ أَتَانَا مُعَلَّقَ شَكْوَةٍ وَزِنَادَ رَاعِ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ } عَلَى " فَعَلَ " بِمَعْنَى الْفِعْل الْمَاضِي وَنَصْب " اللَّيْل " . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ يُقَال : إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار , مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى غَيْر مُخْتَلِفَتَيْهِ , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَهُوَ مُصِيب فِي الْإِعْرَاب وَالْمَعْنَى . وَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ جَعَلَ اللَّيْل سَكَنًا , لِأَنَّهُ يَسْكُن فِيهِ كُلّ مُتَحَرِّك بِالنَّهَارِ وَيَهْدَأ فِيهِ , فَيَسْتَقِرّ فِي مَسْكَنه وَمَأْوَاهُ . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالشَّمْس وَالْقَمَر حُسْبَانًا } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَجَعَلَ الشَّمْس وَالْقَمَر يَجْرِيَانِ فِي أَفْلَاكِهِمَا بِحِسَابٍ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10604 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَالشَّمْس وَالْقَمَر حُسْبَانًا } يَعْنِي : عَدَد الْأَيَّام وَالشُّهُور وَالسِّنِينَ . 10605 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَالشَّمْس وَالْقَمَر حُسْبَانًا } قَالَ : يَجْرِيَانِ إِلَى أَجَلٍ جُعِلَ لَهُمَا . 10606 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { وَالشَّمْس وَالْقَمَر حُسْبَانًا } يَقُول : بِحِسَابٍ . 10607 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , فِي قَوْله : { وَالشَّمْس وَالْقَمَر حُسْبَانًا } قَالَ : الشَّمْس وَالْقَمَر فِي حِسَاب , فَإِذَا خَلَتْ أَيَّامهمَا فَذَاكَ آخِر الدَّهْر وَأَوَّل الْفَزَع الْأَكْبَر ; { ذَلِكَ تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم } . 10608 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَالشَّمْس وَالْقَمَر حُسْبَانًا } قَالَ : يَدُورَانِ فِي حِسَاب . 10609 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَالشَّمْس وَالْقَمَر حُسْبَانًا } قَالَ : هُوَ مِثْل قَوْله : { كُلٌّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ } 36 40 وَمِثْل قَوْله : { وَالشَّمْس وَالْقَمَر بِحُسْبَانٍ } 55 5 . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَجَعَلَ الشَّمْس وَالْقَمَر ضِيَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10610 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَالشَّمْس وَالْقَمَر حُسْبَانًا } أَيْ ضِيَاء . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَهُ : وَجَعَلَ الشَّمْس وَالْقَمَر يَجْرِيَانِ بِحِسَابٍ وَعَدَد لِبُلُوغِ أَمْرِهِمَا وَنِهَايَة آجَالِهِمَا , وَيَدُورَانِ لِمَصَالِح الْخَلْق الَّتِي جُعِلَا لَهَا . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ ذَكَرَ قَبْله أَيَادِيَهُ عِنْد خَلْقه وَعِظَم سُلْطَانه , بِفَلْقِهِ الْإِصْبَاح لَهُمْ وَإِخْرَاج النَّبَات وَالْغِرَاس مِنْ الْحَبّ وَالنَّوَى , وَعَقَّبَ ذَلِكَ بِذِكْرِهِ خَلْق النُّجُوم لِهِدَايَتِهِمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْر , فَكَانَ وَصْفُهُ إِجْرَاء الشَّمْس وَالْقَمَر لِمَنَافِعِهِمْ أَشْبَهَ بِهَذَا الْمَوْضِع مِنْ ذِكْر إِضَاءَتهمَا ; لِأَنَّهُ قَدْ وَصَفَ ذَلِكَ قَبْل قَوْله : { فَالِق الْإِصْبَاح } فَلَا مَعْنَى لِتَكْرِيرِهِ مَرَّة أُخْرَى فِي آيَة وَاحِدَة لِغَيْرِ مَعْنًى . وَالْحُسْبَان فِي كَلَام الْعَرَب : جَمْع حِسَاب , كَمَا الشُّهْبَان جَمْع شِهَاب ; وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْحُسْبَان فِي هَذَا الْمَوْضِع مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : حَسِبْت الْحِسَاب أَحْسِبهُ حِسَابًا وَحُسْبَانًا . وَحُكِيَ عَنْ الْعَرَب عَلَى اللَّه حُسْبَان فُلَان وَحِسْبَته : أَيْ حِسَابه . وَأَحْسَب أَنَّ قَتَادَة فِي تَأْوِيل ذَلِكَ بِمَعْنَى الضِّيَاء , ذَهَبَ إِلَى شَيْء يُرْوَى عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { أَوْ يُرْسِل عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنْ السَّمَاء } 18 40 قَالَ : نَارًا , فَوَجَّهَ تَأْوِيل قَوْله : { وَالشَّمْس وَالْقَمَر حُسْبَانًا } إِلَى ذَلِكَ التَّأْوِيل . وَلَيْسَ هَذَا مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي شَيْء . وَأَمَّا " الْحِسْبَان " بِكَسْرِ الْحَاء : فَإِنَّهُ جَمَعَ الْحِسْبَانَة : وَهِيَ الْوِسَادَة الصَّغِيرَة , وَلَيْسَتْ مِنْ الْأُولَيَيْنِ أَيْضًا فِي شَيْء , يُقَال : حَسِبْته : أَجْلَسْته عَلَيْهَا , وَنُصِبَ قَوْله : { حُسْبَانًا } بِقَوْلِهِ : { وَجَعَلَ } . وَكَانَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ يَقُول : مَعْنَاهُ : و { وَالشَّمْس وَالْقَمَر حُسْبَانًا } أَيْ بِحِسَابٍ , فَحَذَفَ الْبَاء كَمَا حَذَفَهَا مِنْ قَوْله : { هُوَ أَعْلَم مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيله } 6 117 : أَيْ أَعْلَم بِمَنْ يَضِلّ عَنْ سَبِيله .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَهَذَا الْفِعْل الَّذِي وَصَفَهُ أَنَّهُ فِعْلُهُ , وَهُوَ فَلْقُهُ الْإِصْبَاح وَجَعْلُهُ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْس وَالْقَمَر حُسْبَانًا , تَقْدِير الَّذِي عَزَّ سُلْطَانه , فَلَا يَقْدِر أَحَد أَرَادَهُ بِسُوءٍ وَعِقَاب أَوْ اِنْتِقَام مِنْ الِامْتِنَاع مِنْهُ , الْعَلِيم بِمَصَالِح خَلْقه وَتَدْبِيرهمْ ; لَا تَقْدِير الْأَصْنَام وَالْأَوْثَان الَّتِي لَا تَسْمَع وَلَا تُبْصِر وَلَا تَفْقَه شَيْئًا وَلَا تَعْقِلهُ وَلَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَع , وَإِنْ أُرِيدَتْ بِسُوءٍ لَمْ تَقْدِر عَلَى الِامْتِنَاع مِنْهُ مِمَّنْ أَرَادَهَا بِهِ . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَأَخْلِصُوا أَيّهَا الْجَهَلَة عِبَادَتكُمْ لِفَاعِلِ هَذِهِ الْأَشْيَاء , وَلَا تُشْرِكُوا فِي عِبَادَته شَيْئًا غَيْره .
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَسورة الأنعام الآية رقم 97
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ النُّجُوم لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَات الْبَرّ وَالْبَحْر قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَاَللَّه الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ أَيّهَا النَّاس النُّجُوم أَدِلَّة فِي الْبَرّ وَالْبَحْر إِذَا ضَلَلْتُمْ الطَّرِيق , أَوْ تَحَيَّرْتُمْ فَلَمْ تَهْتَدُوا فِيهَا لَيْلًا تَسْتَدِلُّونَ بِهَا عَلَى الْمَحَجَّة , فَتَهْتَدُونَ بِهَا إِلَى الطَّرِيق وَالْمَحَجَّة فَتَسْلُكُونَهُ , وَتَنْجُونَ بِهَا مِنْ ظُلُمَات ذَلِكَ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } 16 16 : أَيْ مِنْ ضَلَال الطَّرِيق فِي الْبَرّ وَالْبَحْر , وَعَنَى بِالظُّلُمَاتِ : ظُلْمَة اللَّيْل , وَظُلْمَة الْخَطَأ وَالضَّلَال , وَظُلْمَة الْأَرْض أَوْ الْمَاء . وَقَوْله : { قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } يَقُول ; قَدْ مَيَّزْنَا الْأَدِلَّة وَفَرَّقْنَا الْحُجَج فِيكُمْ وَبَيَّنَّاهَا أَيّهَا النَّاس لِيَتَدَبَّرهَا أُولُو الْعِلْم بِاَللَّهِ مِنْكُمْ وَيَفْهَمهَا أُولُو الْحِجَا مِنْكُمْ , فَيُنِيبُوا مِنْ جَهْلهمْ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ , وَيَنْزَجِرُوا عَنْ خَطَأ فِعْلهمْ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ ثَابِتُونَ , وَلَا يَتَمَادَوْا عِنَادًا لِلَّهِ مَعَ عِلْمهمْ بِأَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ خَطَأ فِي غَيّهمْ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10611 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ النُّجُوم لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَات الْبَرّ وَالْبَحْر } قَالَ : يَضِلّ الرَّجُل وَهُوَ فِي الظُّلْمَة وَالْجَوْر عَنْ الطَّرِيق .
وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَسورة الأنعام الآية رقم 98
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَات لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِلَهكُمْ أَيّهَا الْعَادِلُونَ بِاَللَّهِ غَيْره { الَّذِي أَنْشَأَكُمْ } يَعْنِي : الَّذِي اِبْتَدَأَ خَلْقكُمْ مِنْ غَيْر شَيْء فَأَوْجَدَكُمْ بَعْد أَنْ لَمْ تَكُونُوا شَيْئًا { مِنْ نَفْس وَاحِدَة } يَعْنِي : مِنْ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام ; كَمَا : 10612 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { مِنْ نَفْس وَاحِدَة } قَالَ : آدَم عَلَيْهِ السَّلَام . 10613 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة } مِنْ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام . وَأَمَّا قَوْله : { فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَع } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيله مُخْتَلِفُونَ ; فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة , فَمِنْكُمْ مُسْتَقَرّ فِي الرَّحِم وَمِنْكُمْ مُسْتَوْدَع فِي الْقَبْر , حَتَّى يَبْعَثهُ اللَّه لِنَشْرِ الْقِيَامَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10614 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَبْد اللَّه : { يَعْلَم مُسْتَقَرّهَا وَمُسْتَوْدَعهَا } 11 6 قَالَ : مُسْتَقَرّهَا فِي الْأَرْحَام , وَمُسْتَوْدَعهَا حَيْثُ تَمُوت . - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثَنَا هُشَيْم , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَبْد اللَّه أَنَّهُ قَالَ : الْمُسْتَوْدَع حَيْثُ تَمُوت , وَالْمُسْتَقَرّ : مَا فِي الرَّحِم . - حُدِّثْت عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , قَالَ : الْمُسْتَقَرّ الرَّحِم , وَالْمُسْتَوْدَع : الْمَكَان الَّذِي تَمُوت فِيهِ . 10615 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُبَيْد الْمُحَارِبِيّ , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن فُضَيْل وَعَلِيّ بْن هَاشِم , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ إِبْرَاهِيم : { يَعْلَم مُسْتَقَرّهَا وَمُسْتَوْدَعهَا } قَالَ : مُسْتَقَرّهَا فِي الْأَرْحَام , وَمُسْتَوْدَعهَا فِي الْأَرْض حَيْثُ تَمُوت فِيهَا . 10616 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب , قَالَا : ثَنَا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ لَيْث , عَنْ مِقْسَم , قَالَ : مُسْتَقَرّهَا فِي الصُّلْب حَيْثُ تَئُول إِلَيْهِ , وَمُسْتَوْدَعهَا حَيْثُ تَمُوت . وَقَالَ آخَرُونَ : الْمُسْتَوْدَع : مَا كَانَ فِي أَصْلَاب الْآبَاء , وَالْمُسْتَقَرّ : مَا كَانَ فِي بُطُون النِّسَاء وَبُطُون الْأَرْض أَوْ عَلَى ظُهُورهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10617 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثَنَا كُلْثُوم بْن جَبْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع } قَالَ : مُسْتَوْدَعُونَ مَا كَانُوا فِي أَصْلَاب الرِّجَال , فَإِذَا قَرُّوا فِي أَرْحَام النِّسَاء أَوْ عَلَى ظَهْر الْأَرْض أَوْ فِي بَطْنهَا , فَقَدْ اِسْتَقَرُّوا . - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ كُلْثُوم بْن جَبْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع } قَالَ : الْمُسْتَوْدَعُونَ : مَا كَانُوا فِي أَصْلَاب الرِّجَال , فَإِذَا قَرُّوا فِي أَرْحَام النِّسَاء أَوْ عَلَى ظَهْر الْأَرْض فَقَدْ اِسْتَقَرُّوا . 10618 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ الْمُغِيرَة بْن النُّعْمَان , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : { يَعْلَم مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعهَا } قَالَ : الْمُسْتَوْدَع فِي الصُّلْب وَالْمُسْتَقَرّ : مَا كَانَ عَلَى وَجْه الْأَرْض أَوْ فِي الْأَرْض . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : فَمُسْتَقَرّ فِي الْأَرْض عَلَى ظُهُورهَا وَمُسْتَوْدَع عِنْد اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10619 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ أَبِي الْخَيْر تَمِيم بْن حَذْلَم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : " الْمُسْتَقَرّ " : الْأَرْض , وَ " الْمُسْتَوْدَع " عِنْد الرَّحْمَن . 10620 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : " الْمُسْتَقَرّ " الْأَرْض , وَ " الْمُسْتَوْدَع " : عِنْد رَبّك . 10621 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : مُسْتَقَرّهَا فِي الدُّنْيَا , وَمُسْتَوْدَعهَا فِي الْآخِرَة يَعْنِي : { فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع } . 10622 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : " الْمُسْتَوْدَع " : فِي الصُّلْب , وَ " الْمُسْتَقَرّ " : فِي الْآخِرَة وَعَلَى وَجْه الْأَرْض . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَمُسْتَقَرّ فِي الرَّحِم وَمُسْتَوْدَع فِي الصُّلْب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10623 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ أَبِي الْحَارِث , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْل اللَّه : { فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع } قَالَ : مُسْتَقَرّ فِي الرَّحِم , وَمُسْتَوْدَع فِي صُلْب لَمْ يُخْلَق وَسَيُخْلَقُ . 10624 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ يَحْيَى الْجَابِر , عَنْ عِكْرِمَة : { فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع } قَالَ : الْمُسْتَقَرّ : الَّذِي قَدْ اِسْتَقَرَّ فِي الرَّحِم , وَالْمُسْتَوْدَع : الَّذِي قَدْ اِسْتُودِعَ فِي الصُّلْب . 10625 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ أَبِي الْخَيْر تَمِيم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ اِبْن عَبَّاس : سَلْ ! فَقُلْت : { فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع } ؟ قَالَ : الْمُسْتَقَرّ : فِي الرَّحِم , وَالْمُسْتَوْدَع : مَا اِسْتُودِعَ فِي الصُّلْب . - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب , قَالَا : ثَنَا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ قَابُوس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع } قَالَ : الْمُسْتَقَرّ : الرَّحِم , وَالْمُسْتَوْدَع : مَا كَانَ عِنْد رَبّ الْعَالَمِينَ مِمَّا هُوَ خَالِقه وَلَمْ يُخْلَق . - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثَنَا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { يَعْلَم مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعهَا } 11 6 قَالَ : الْمُسْتَقَرّ : مَا كَانَ فِي الرَّحِم مِمَّا هُوَ حَيّ وَمِمَّا قَدْ مَاتَ ; وَالْمُسْتَوْدَع : مَا فِي الصُّلْب . 10626 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثَنَا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : قَالَ لِي اِبْن عَبَّاس , وَذَلِكَ قَبْل أَنْ يُخْرِج وَجْهِي : أَتَزَوَّجْت يَا بْن جُبَيْر ؟ قَالَ : قُلْت : لَا , وَمَا أُرِيد ذَاكَ يَوْمِي هَذَا . قَالَ : فَقَالَ : أَمَا إِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ سَيُخْرِجُ مَا كَانَ فِي صُلْبك مِنْ الْمُسْتَوْدَعِينَ . - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : قَالَ لِي اِبْن عَبَّاس : تَزَوَّجْت ؟ قُلْت : لَا . قَالَ : فَضَرَبَ ظَهْرِي وَقَالَ : مَا كَانَ مِنْ مُسْتَوْدَع فِي ظَهْرك سَيَخْرُجُ . - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع } قَالَ : الْمُسْتَقَرّ فِي الْأَرْحَام , وَالْمُسْتَوْدَع فِي الصُّلْب لَمْ يُخْلَق وَهُوَ خَالِقه . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع } قَالَ : الْمُسْتَقَرّ فِي الرَّحِم , وَالْمُسْتَوْدَع . مَا اُسْتُوْدِعَ فِي أَصْلَاب الرِّجَال وَالدَّوَابّ . 10627 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْمُسْتَقَرّ : مَا اِسْتَقَرَّ فِي الرَّحِم , وَالْمُسْتَوْدَع : مَا اسْتُوْدِعَ فِي الصُّلْب . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ أَبِي الْخَيْر تَمِيم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , بِنَحْوِهِ . 10628 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا عُبَيْدَة بْن حُمَيْد , عَنْ عَمَّار الدُّهْنِيّ , عَنْ رَجُل , عَنْ كُرَيْب , قَالَ : دَعَانِي اِبْن عَبَّاس , فَقَالَ : اُكْتُبْ : " بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم . مِنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس إِلَى فُلَان حَبْر تَيْمَاء ; سَلَام عَلَيْك , فَإِنِّي أَحْمَد إِلَيْك اللَّه , الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ , أَمَّا بَعْد ! " قَالَ : فَقُلْت : تَبْدَؤُهُ تَقُول : السَّلَام عَلَيْك ؟ فَقَالَ : إِنَّ اللَّه هُوَ السَّلَام . ثُمَّ قَالَ : اُكْتُبْ " سَلَام عَلَيْك , أَمَّا بَعْد ; فَحَدِّثْنِي عَنْ مُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع " . قَالَ : ثُمَّ بَعَثَنِي بِالْكِتَابِ إِلَى الْيَهُودِيّ , فَأَعْطَيْته إِيَّاهُ ; فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ قَالَ : مَرْحَبًا بِكِتَابِ خَلِيلِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ ! فَذَهَبَ بِي إِلَى بَيْته , فَفَتَحَ أَسْفَاطًا لَهُ كَبِيرَة , فَجَعَلَ يَطْرَح تِلْكَ الْأَشْيَاء لَا يَلْتَفِت إِلَيْهَا . قَالَ : قُلْت : مَا شَأْنك ؟ قَالَ : هَذِهِ أَشْيَاء كَتَبَهَا الْيَهُود ; حَتَّى أَخْرَجَ سِفْر مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام , قَالَ : فَنَظَرَ إِلَيْهِ مَرَّتَيْنِ , فَقَالَ : الْمُسْتَقَرّ : الرَّحِم . قَالَ : ثُمَّ قَرَأَ : { وَنُقِرّ فِي الْأَرْحَام مَا نَشَاء } 22 5 وَقَرَأَ : { وَلَكُمْ فِي الْأَرْض مُسْتَقَرّ وَمَتَاع } قَالَ : مُسْتَقَرُّهُ فَوْق الْأَرْض , وَمُسْتَقَرُّهُ فِي الرَّحِم , وَمُسْتَقَرّه تَحْت الْأَرْض , حَتَّى يَصِير إِلَى الْجَنَّة أَوْ إِلَى النَّار . 10629 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا قَبِيصَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء : { فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ } قَالَ : الْمُسْتَقَرُّ : مَا اِسْتَقَرَّ فِي أَرْحَام النِّسَاء , وَالْمُسْتَوْدَع : مَا اُسْتُوْدِعَ فِي أَصْلَاب الرِّجَال . - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد اللَّه , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : الْمُسْتَقَرّ : الرَّحِم , وَالْمُسْتَوْدَع : فِي أَصْلَاب الرِّجَال . - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا رَوْح بْن عُبَادَة , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , وَعَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْمُسْتَقَرّ : الرَّحِم , وَالْمُسْتَوْدَع : فِي الْأَصْلَاب . - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنِي عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَمُسْتَقَرّ } : مَا اِسْتَقَرَّ فِي أَرْحَام النِّسَاء { وَمُسْتَوْدَع } مَا كَانَ فِي أَصْلَاب الرِّجَال . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ . - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد وَابْن وَكِيع قَالَا : ثَنَا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْمُسْتَقَرّ : مَا اِسْتَقَرَّ فِي الرَّحِم , وَالْمُسْتَوْدَع : مَا اُسْتُوْدِعَ فِي الصُّلْب . - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْمُسْتَقَرّ : الرَّحِم , وَالْمُسْتَوْدَع : الصُّلْب . 10630 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا مُعَاذ بْن مُعَاذ , عَنْ اِبْن عَوْن , قَالَ : أَتَيْنَا إِبْرَاهِيم عِنْد الْمَسَاء , فَأَخْبَرُونَا أَنَّهُ قَدْ مَاتَ ; فَقُلْنَا : هَلْ سَأَلَهُ أَحَد عَنْ شَيْء ؟ قَالُوا : عَبْد الرَّحْمَن بْن الْأَسْوَد عَنْ الْمُسْتَقَرّ وَالْمُسْتَوْدَع فَقَالَ : الْمُسْتَقَرّ فِي الرَّحِم , وَالْمُسْتَوْدَع : فِي الصُّلْب . - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثَنَا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا اِبْن عَوْن , قَالَ : أَتَيْتنَا إِبْرَاهِيم , وَقَدْ مَاتَ , قَالَ : فَحَدَّثَنِي بَعْضهمْ أَنَّ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْأَسْوَد سَأَلَهُ قَبْل أَنْ يَمُوت عَنْ الْمُسْتَقَرّ وَالْمُسْتَوْدَع , فَقَالَ الْمُسْتَقَرّ : فِي الرَّحِم , وَالْمُسْتَوْدَع : فِي الصُّلْب . - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ اِبْن عَوْن , قَالَ : أَتَيْنَا مَنْزِل إِبْرَاهِيم , فَسَأَلْنَا عَنْهُ , فَقَالُوا : قَدْ تُوُفِّيَ , وَسَأَلَهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْأَسْوَد , فَذَكَرَ نَحْوه . - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ اِبْن عَوْن , أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْأَسْوَد سَأَلَ إِبْرَاهِيم , عَنْ ذَلِكَ , فَذَكَرَ نَحْوه . - حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُحَمَّد الْفِرْيَابِيّ , قَالَ : ثَنَا ضَمْرَة بْن رَبِيعَة , عَنْ الْعَلَاء بْن هَارُون , قَالَ : اِنْتَهَيْت إِلَى مَنْزِل إِبْرَاهِيم حِين قُبِضَ , فَقُلْت لَهُمْ : هَلْ سَأَلَهُ أَحَد عَنْ شَيْء , قَالُوا : سَأَلَهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْأَسْوَد عَنْ مُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع , فَقَالَ : أَمَّا الْمُسْتَقَرّ : فَمَا اِسْتَقَرَّ فِي أَرْحَام النِّسَاء , وَالْمُسْتَوْدَع : مَا فِي أَصْلَاب الرِّجَال . - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب , قَالَا : ثَنَا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد فِي { فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع } قَالَ : الْمُسْتَقَرّ : الرَّحِم , وَالْمُسْتَوْدَع : الصُّلْب . 10631 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : ثَنِي سُفْيَان , عَنْ رَجُل حَدَّثَهُ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : قَالَ لِي اِبْن عَبَّاس : أَلَا تَنْكِح ؟ ثُمَّ قَالَ : أَمَّا إِنِّي أَقُول لَك هَذَا وَإِنِّي لَأَعْلَم أَنَّ اللَّه مُخْرِج مِنْ صُلْبك مَا كَانَ فِيهِ مُسْتَوْدَعًا . 10632 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : الْمُسْتَقَرّ فِي الرَّحِم , وَالْمُسْتَوْدَع : فِي الصُّلْب . - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع } قَالَ : مُسْتَقَرّ فِي الرَّحِم , وَمُسْتَوْدَع : فِي الصُّلْب . 10633 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع } قَالَ : مُسْتَقَرّ : فِي الرَّحِم , وَمُسْتَوْدَع : فِي الصُّلْب . 10634 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : ثَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , عَنْ الضَّحَّاك : { فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع } أَمَّا " مُسْتَقَرّ " : فَمَا اِسْتَقَرَّ فِي الرَّحِم , وَأَمَّا " مُسْتَوْدَع " : فَمَا اُسْتُوْدِعَ فِي الصُّلْب . 10635 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع } قَالَ : مُسْتَقَرّ فِي الْأَرْحَام , وَمُسْتَوْدَع : فِي الْأَصْلَاب . 10636 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثَنَا حَمَّاد , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَأَبِي حَمْزَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَا : " مُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع " , الْمُسْتَقَرّ : فِي الرَّحِم , وَالْمُسْتَوْدَع : فِي الصُّلْب . وَقَالَ آخَرُونَ : الْمُسْتَقَرّ : فِي الْقَبْر , وَالْمُسْتَوْدَع : فِي الدُّنْيَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10637 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَ الْحَسَن يَقُول : مُسْتَقَرّ : فِي الْقَبْر , وَمُسْتَوْدَع : فِي الدُّنْيَا . وَأَوْشَكَ أَنْ يَلْحَق بِصَاحِبِهِ . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَات فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّ بِقَوْلِهِ : { فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع } كُلّ خَلْقه الَّذِي أَنْشَأَ مِنْ نَفْس وَاحِدَة مُسْتَقَرًّا وَمُسْتَوْدَعًا , وَلَمْ يُخَصِّص مِنْ ذَلِكَ مَعْنًى دُون مَعْنًى . وَلَا شَكَّ أَنَّ مِنْ بَنِي آدَم مُسْتَقَرًّا فِي الرَّحِم وَمُسْتَوْدَعًا فِي الصُّلْب , وَمِنْهُمْ مِنْ هُوَ مُسْتَقَرّ عَلَى ظَهْر الْأَرْض أَوْ بَطْنهَا وَمُسْتَوْدَع فِي أَصْلَاب الرِّجَال , وَمِنْهُمْ مُسْتَقَرّ فِي الْقَبْر مُسْتَوْدَع عَلَى ظَهْر الْأَرْض , فَكُلّ مُسْتَقَرّ أَوْ مُسْتَوْدَع بِمَعْنًى مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي فَدَاخِل فِي عُمُوم قَوْله : { فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع } وَمُرَاد بِهِ : إِلَّا أَنْ يَأْتِي خَبَر يَجِب التَّسْلِيم لَهُ بِأَنَّهُ مَعْنِيّ بِهِ مَعْنًى دُون مَعْنًى وَخَاصّ دُون عَامٍّ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع } قَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة : { فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَع } بِمَعْنَى : فَمِنْهُمْ مَنْ اِسْتَقَرَّهُ اللَّه فِي مَقَرِّهِ فَهُوَ مُسْتَقَرّ , وَمِنْهُمْ مَنْ اِسْتَوْدَعَهُ اللَّه فِيمَا اِسْتَوْدَعَهُ فِيهِ . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض أَهْل الْمَدِينَة وَبَعْض أَهْل الْبَصْرَة : " فَمُسْتَقِرٌّ " بِكَسْرِ الْقَاف بِمَعْنَى : فَمِنْهُمْ مَنْ اِسْتَقَرَّ فَهُوَ مُسْتَوْدَع فِيهِ فِي مَقَرِّهِ فَهُوَ مُسْتَقِرّ بِهِ . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي وَإِنْ كَانَ لِكِلَيْهِمَا عِنْدِي وَجْه صَحِيح : { فَمُسْتَقَرٌّ } بِمَعْنَى : اِسْتَقَرَّهُ اللَّه فِي مُسْتَقَرّه , لِيَأْتَلِف الْمَعْنَى فِيهِ وَفِي " الْمُسْتَوْدَع " فِي أَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , وَفِي إِضَافَة الْخَبَر بِذَلِكَ إِلَى اللَّه فِي أَنَّهُ الْمُسْتَقِرّ هَذَا وَالْمُسْتَوْدِع هَذَا وَذَلِكَ أَنَّ الْجَمِيع مُجْمِعُونَ عَلَى قِرَاءَة قَوْله : { وَمُسْتَوْدَع } بِفَتْحِ الدَّال عَلَى وَجْه مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , فَإِجْرَاء الْأَوَّل , أَعْنِي قَوْله : " فَمُسْتَقَرّ " عَلَيْهِ أَشْبَه مِنْ عُدُوله عَنْهُ . وَأَمَّا قَوْله : { قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَات لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ } يَقُول تَعَالَى : قَدْ بَيَّنَّا الْحُجَج وَمَيَّزْنَا الْأَدِلَّة وَالْأَعْلَام وَأَحْكَمْنَاهَا لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ مَوَاقِع الْحُجَج وَمَوَاضِع الْعِبَر وَيَفْهَمُونَ الْآيَات وَالذِّكْر , فَإِنَّهُمْ إِذَا اِعْتَبَرُوا بِمَا نَبَّهْتهمْ عَلَيْهِ مِنْ إِنْشَائِي مِنْ نَفْس وَاحِدَة مَا عَايَنُوا مِنْ الْبَشَر وَخَلْقِي مَا خَلَقْت مِنْهَا مِنْ عَجَائِب الْأَلْوَان وَالصُّوَر , عَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْل مَنْ لَيْسَ لَهُ مِثْل وَلَا شَرِيك فَيُشْرِكُوهُ فِي عِبَادَتهمْ إِيَّاهُ . كَمَا : 10638 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَات لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ } يَقُول : قَدْ بَيَّنَّا الْآيَات لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ .
وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَسورة الأنعام الآية رقم 99
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِمًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاَللَّه الَّذِي لَهُ الْعِبَادَة خَالِصَة لَا شَرِكَة فِيهِ لِشَيْءٍ سِوَاهُ , هُوَ الْإِلَه { الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاء مَاءً فَأَخْرَجْنَا لَهُ نَبَات كُلّ شَيْء } فَأَخْرَجْنَا بِالْمَاءِ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاء مِنْ غِذَاء الْأَنْعَام وَالْبَهَائِم وَالطَّيْر وَالْوَحْش , وَأَرْزَاق بَنِي آدَم وَأَقْوَاتهمْ مَا يَتَغَذَّوْنَ بِهِ وَيَأْكُلُونَهُ فَيَنْبُتُونَ عَلَيْهِ وَيَنْمَوْنَ . وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْله : { فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ } : فَأَخْرَجْنَا بِهِ مَا يَنْبُت بِهِ كُلّ شَيْء وَيَنْمُو عَلَيْهِ وَيَصْلُح . وَلَوْ قِيلَ مَعْنَاهُ : فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَات جَمِيع أَنْوَاع النَّبَات فَيَكُون كُلّ شَيْء هُوَ أَصْنَاف النَّبَات , كَانَ مَذْهَبًا وَإِنْ كَانَ الْوَجْه الصَّحِيح هُوَ الْقَوْل الْأَوَّل . وَقَوْلُهُ : { فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا } يَقُول : فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ - يَعْنِي مِنْ الْمَاء الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاء - خَضِرًا رُطَبًا مِنْ الزَّرْع وَالْخَضِر : هُوَ الْأَخْضَر , كَقَوْلِ الْعَرَب : أَرِنِيهَا نَمِرَة أُرِكْهَا مَطِرَةً , يُقَال : خَضِرَتْ الْأَرْض خَضَرًا وَخَضَارَة , وَالْخَضِر : رُطَب الْبُقُول , وَيُقَال : نَخْلَة خَضِيرَة : إِذَا كَانَتْ تَرْمِي بِبُسْرِهَا أَخْضَر قَبْل أَنْ يَنْضَج , وَقَدْ اِخْتُضِرَ الرَّجُل وَاغْتُضِرَ : إِذَا مَاتَ شَابًّا مُصَحَّحًا , وَيُقَال : هُوَ لَك خَضِرًا مَضِرًا : أَيْ هَنِيئًا مَرِيئًا . قَوْله : { نُخْرِج مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا } يَقُول : نُخْرِج مِنْ الْخَضِر حَبًّا , يَعْنِي : مَا فِي السُّنْبُل , سُنْبُل الْحِنْطَة وَالشَّعِير وَالْأَرُزّ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ السَّنَابِل الَّتِي حَبُّهَا يَرْكَب بَعْضه بَعْضًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10639 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِج مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا } فَهَذَا السُّنْبُل .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْ النَّخْل مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمِنْ النَّخْل مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَة ; وَلِذَلِكَ رُفِعَتْ " الْقِنْوَان " . وَالْقِنْوَان : جَمْع قِنْو , كَمَا الصِّنْوَان : جَمَعَ صِنْو , وَهُوَ الْعِذْق , يُقَال لِلْوَاحِدِ : هُوَ قِنْو وَقُنْو وَقَنًا : يُثَنَّى قِنْوَان , وَيُجْمَع قِنْوَان وَقُنْوَان , قَالُوا فِي جَمْع قَلِيلِهِ : ثَلَاثَة أَقْنَاء , وَالْقِنْوَان : مِنْ لُغَة الْحِجَاز , وَالْقُنْوَان : مِنْ لُغَة قَيْس ; وَقَالَ اِمْرُؤُ الْقِيس : فَأَثَّتْ أَعَالِيهِ وَآدَتْ أُصُولُهُ وَمَالَ بِقِنْوَانٍ مِنْ الْبُسْرِ أَحْمَرَا وَقِنْيَان جَمِيعًا وَقَالَ آخَر : لَهَا ذَنَبٌ كَالْقِنْوِ قَدْ مَذِلَتْ بِهِ وَأَسْحَمَ لِلتَّخْطَار بَعْدَ التَّشَذُّرِ وَتَمِيم تَقُول : قِنْيَان بِالْيَاءِ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : " دَانِيَة " : قَرِيبَة مُتَهَدِّلَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10640 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { قِنْوَان دَانِيَة } يَعْنِي بِالْقِنْوَانِ الدَّانِيَة : قِصَار النَّخْل لَاصِقَة عُذُوقهَا بِالْأَرْضِ . 10641 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَة } قَالَ : عُذُوق مُتَهَدِّلَة . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { قِنْوَان دَانِيَة } يَقُول : مُتَهَدِّلَة . 10642 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء , فِي قَوْله : { قِنْوَان دَانِيَة } قَالَ : قَرِيبَة . - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب : { قِنْوَان دَانِيَة } قَالَ : قَرِيبَة . - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمِنْ النَّخْل مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَان دَانِيَة } قَالَ : الدَّانِيَة لِتُهَدِّل الْعُذُوق مِنْ الطَّلْع . 10643 - حُدِّثْنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْلِهِ : { وَمِنْ النَّخْل مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَان دَانِيَة } يَعْنِي : النَّخْل الْقِصَار الْمُلْتَزِقَة بِالْأَرْضِ , وَالْقِنْوَان : طَلْعه .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَجَنَّات مِنْ أَعْنَاب وَالزَّيْتُون وَالرُّمَّان مُشْتَبِهًا وَغَيْر مُتَشَابِه } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَأَخْرَجْنَا أَيْضًا جَنَّات مِنْ أَعْنَاب , يَعْنِي : بَسَاتِين مِنْ أَعْنَاب . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ عَامَّة الْقُرَّاء : { وَجَنَّات } نَصْبًا , غَيْر أَنَّ التَّاء كُسِرَتْ لِأَنَّهَا تَاء جَمْع الْمُؤَنَّث , وَهِيَ تُخْفَض [ فِي ] مَوْضِع النَّصْب . وَقَدْ : 10644 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْقَاسِم بْن سَلَّام , عَنْ الْكِسَائِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا حَمْزَة , عَنْ الْأَعْمَش , أَنَّهُ قَرَأَ : { وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَاب } بِالرَّفْعِ , فَرَفَعَ " جَنَّات " عَلَى إِتْبَاعهَا " الْقِنْوَان " فِي الْإِعْرَاب , وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ جِنْسهَا كَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَرَأَيْت زَوْجك فِي الْوَغَى مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا وَالْقِرَاءَة الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ أَنْ يُقْرَأَ ذَلِكَ إِلَّا بِهَا النَّصْبُ { وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَاب } لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَى تَصْوِيبهَا وَالْقِرَاءَة بِهَا وَرَفْضهمْ مَا عَدَاهَا , وَبُعْد مَعْنَى ذَلِكَ مِنْ الصَّوَاب إِذْ قُرِئَ رَفْعًا . وَقَوْله : { وَالزَّيْتُون وَالرُّمَّان } عُطِفَ بِالزَّيْتُونِ عَلَى " الْجَنَّات " بِمَعْنَى : وَأَخْرَجْنَا الزَّيْتُون وَالرُّمَّان مُشْتَبِهًا وَغَيْر مُتَشَابِه . وَكَانَ قَتَادَة يَقُول فِي مَعْنَى { مُشْتَبِهًا وَغَيْر مُتَشَابِه } مَا : 10645 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَجَنَّات مِنْ أَعْنَاب وَالزَّيْتُون وَالرُّمَّان مُشْتَبِهًا وَغَيْر مُتَشَابِه } قَالَ : مُشْتَبِهًا وَرَقه , مُخْتَلِفًا تَمْره . وَجَائِز أَنْ يَكُون مُرَادًا بِهِ : مُشْتَبِهًا فِي الْخَلْق مُخْتَلِفًا فِي الطَّعْم ; وَمَعْنَى الْكَلَام : وَشَجَر الزَّيْتُون وَالرُّمَّان , فَاكْتَفَى مِنْ ذِكْر الشَّجَر بِذِكْرِ ثَمَره , كَمَا قِيلَ : { وَاسْأَلْ الْقَرْيَة } 12 82 فَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْقَرْيَة مِنْ ذِكْر أَهْلهَا , لِمَعْرِفَةِ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ بِمَعْنَاهُ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اُنْظُرُوا إِلَى ثَمَره إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِه } . اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَبَعْض أَهْل الْبَصْرَة : { اُنْظُرُوا إِلَى ثَمَره } بِفَتْحِ الثَّاء وَالْمِيم , وَقَرَأَهُ بَعْض قُرَّاء أَهْل مَكَّة وَعَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { إِلَى ثُمُرِهِ } بِضَمِّ الثَّاء وَالْمِيم . فَكَأَنَّ مَنْ فَتَحَ الثَّاء وَالْمِيم مِنْ ذَلِكَ وَجَّهَ مَعْنَى الْكَلَام : اُنْطُرُوا إِلَى ثَمَر هَذِهِ الْأَشْجَار الَّتِي سَمَّيْنَا مِنْ النَّخْل وَالْأَعْنَاب وَالزَّيْتُون وَالرُّمَّان إِذَا أَثْمَرَ وَأَنَّ الثَّمَر جَمْع ثَمَرَة , كَمَا الْقَصَب جَمْع قَصَبَة , وَالْخَشَب جَمْع خَشَبَة . وَكَأَنَّ مَنْ ضَمَّ الثَّاء وَالْمِيم , وَجَّهَ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ جَمْع ثِمَار , كَمَا الْحُمُر جَمْع حِمَار , وَالْجُرُب جَمْع جِرَاب . وَقَدْ : 10646 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَمَّاد , عَنْ اِبْن إِدْرِيس , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ يَحْيَى بْن وَثَّاب , أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : " إِلَى ثَمَرِهِ " يَقُول : هُوَ أَصْنَاف الْمَال . 10647 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا اِبْن أَبِي حَمَّاد , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه , عَنْ قَيْس بْن سَعْد , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ الثَّمَر : هُوَ الْمَال , وَالثَّمَر : ثَمَر النَّخْل . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { اُنْظُرُوا إِلَى ثُمُرِهِ } بِضَمِّ الثَّاء وَالْمِيم ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَصَفَ أَصْنَافًا مِنْ الْمَال , كَمَا قَالَ يَحْيَى بْن وَثَّاب . وَكَذَلِكَ حَبّ الزَّرْع الْمُتَرَاكِب , وَقِنْوَان النَّخْل الدَّانِيَة , وَالْجَنَّات مِنْ الْأَعْنَاب وَالزَّيْتُون وَالرُّمَّان , فَكَانَ ذَلِكَ أَنْوَاعًا مِنْ الثَّمَر , فَجُمِعَتْ الثَّمَرَة ثَمَرًا ثُمَّ جُمِعَ الثَّمَر ثِمَارًا , ثُمَّ جُمِعَ ذَلِكَ فَقِيلَ : " اُنْظُرُوا إِلَى ثُمُرِهِ " , فَكَانَ ذَلِكَ جَمْع الثِّمَار , وَالثِّمَار جَمْع الثَّمَرَة , وَإِثْمَاره : عَقَدَ الثَّمَر . وَأَمَّا قَوْله : { وَيَنْعه } فَإِنَّهُ نُضْجه وَبُلُوغه حِين يَبْلُغ . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب مِنْ أَهْل الْبَصْرَة يَقُول فِي " يَنْعه " إِذَا فُتِحَتْ يَاؤُهُ : هُوَ جَمْع يَانِع , كَمَا التَّجْر : جَمَعَ تَاجِر , وَالصَّحْب : جَمَعَ صَاحِب . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْكُوفَة يُنْكِر ذَلِكَ وَيَرَى أَنَّهُ مَصْدَر , مِنْ قَوْلهمْ : يَنِعَ الثَّمَر فَهُوَ يَيْنَع يَنْعًا , وَيَحْكِي فِي مَصْدَره عَنْ الْعَرَب لُغَات ثَلَاثًا : يَنْع , وَيُنْع , وَيَنَع , وَكَذَلِكَ فِي النَّضْج النُّضْج وَالنَّضَج . وَأَمَّا فِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : " وَيَانِعه " فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : وَنَاضِجه وَبَالِغه ; وَقَدْ يَجُوز فِي مَصْدَره يُنُوعًا , وَمَسْمُوع عِنْد الْعَرَب : أَيْنَعَتْ الثَّمَرَة تُونِع إِينَاعًا ; وَمِنْ لُغَة الَّذِينَ قَالُوا يَنَع , قَوْل الشَّاعِر : فِي قِبَابٍ عِنْد دَسْكَرَةٍ حَوْلهَا الزَّيْتُون قَدْ يَنَعَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10648 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَيَنْعه } يَعْنِي : إِذَا نَضِجَ . - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { اُنْطُرُوا إِلَى ثَمَره إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعه } قَالَ : يَنْعه : نُضْجه . 10649 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { اُنْظُرُوا إِلَى ثَمَره إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعه } أَيْ نُضْجه . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَيَنْعه } قَالَ : نُضْجه . 10650 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَيَنْعه } يَقُول : وَنُضْجه . 10651 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَيَنْعه } قَالَ : يَعْنِي : نُضْجه . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : { وَيَنْعه } قَالَ : نُضْجه .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ فِي إِنْزَال اللَّه تَعَالَى مِنْ السَّمَاء الْمَاءَ الَّذِي أَخْرَجَ بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ , وَالْخَضِر الَّذِي أَخْرَجَ مِنْهُ الْحَبّ الْمُتَرَاكِب , وَسَائِر مَا عَدَّدَ فِي هَذِهِ الْآيَة مِنْ صُنُوف خَلْقه ; { لَآيَات } يَقُول : فِي ذَلِكُمْ أَيّهَا النَّاس إِذَا أَنْتُمْ نَظَرْتُمْ إِلَى ثَمَره عِنْد عَقْد ثَمَره , وَعِنْد يَنْعه وَانْتِهَائِهِ , فَرَأَيْتُمْ اِخْتِلَاف أَحْوَاله وَتَصَرُّفه فِي زِيَادَته وَنَمُّوه , عَلِمْتُمْ أَنَّ لَهُ مُدَبِّرًا لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء , وَلَا تَصْلُح الْعِبَادَة إِلَّا لَهُ دُون الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد , وَكَانَ فِيهِ حُجَج وَبُرْهَان وَبَيَان { لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يَقُول : لِقَوْمٍ يُصَدِّقُونَ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَقُدْرَته عَلَى مَا يَشَاء . وَخَصَّ بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره الْقَوْم الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ , لِأَنَّهُمْ هُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِحُجَجِ اللَّه وَالْمُعْتَبِرُونَ بِهَا , دُون مَنْ قَدْ طُبِعَ عَلَى قَلْبه فَلَا يَعْرِف حِلًّا مِنْ بَاطِل وَلَا يَتَبَيَّن هُدًى مِنْ ضَلَالَة .
وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَسورة الأنعام الآية رقم 100
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاء الْجِنّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَجَعَلَ هَؤُلَاءِ الْعَادِلُونَ بِرَبِّهِمْ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد لِلَّهِ { شُرَكَاء الْجِنّ } كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَجَعَلُوا بَيْنه وَبَيْن الْجِنَّة نَسَبًا } 37 158 . وَفِي الْجِنّ وَجْهَانِ مِنْ النَّصْب : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون تَفْسِيرًا لِلشُّرَكَاءِ , وَالْآخِرَة : أَنْ يَكُون مَعْنَى الْكَلَام : " وَجَعَلُوا لِلَّهِ الْجِنّ شُرَكَاء وَهُوَ خَالِقهمْ " . وَاخْتَلَفُوا فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَخَلَقَهُمْ } فَقَرَأَتْهُ قُرَّاء الْأَمْصَار : { وَخَلَقَهُمْ } عَلَى مَعْنَى أَنَّ اللَّه خَلَقَهُمْ مُنْفَرِدًا بِخَلْقِهِ إِيَّاهُمْ . وَذُكِرَ عَنْ يَحْيَى بْن يَعْمُر مَا : 10652 - حَدَّثَنِي بِهِ أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثَنَا الْقَاسِم بْن سَلَّام , قَالَ : ثَنَا حَجَّاج , عَنْ هَارُون , عَنْ وَاصِل مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَة , عَنْ يَحْيَى بْن عُقَيْل , عَنْ يَحْيَى بْن يَعْمُر , أَنَّهُ قَالَ : " شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلْقَهُمْ " بِجَزْمِ اللَّام بِمَعْنَى أَنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّ الْجِنّ شُرَكَاء لِلَّهِ فِي خَلْقه إِيَّانَا . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ { وَخَلَقَهُمْ } لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهَا . وَأَمَّا قَوْله : { وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { خَرَقُوا } اِخْتَلَقُوا , يُقَال : اِخْتَلَقَ فُلَان عَلَى فُلَان كَذِبًا وَاخْتَرَقَهُ : إِذَا اِفْتَعَلَهُ وَافْتَرَاهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 10653 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاء الْجِنّ } وَاَللَّه خَلَقَهُمْ ; { وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَات } يَعْنِي أَنَّهُمْ تَخَرَّصُوا . 10654 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَات بِغَيْرِ عِلْم } قَالَ : جَعَلُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَات بِغَيْرِ عِلْم . 10655 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَات بِغَيْرِ عِلْم } قَالَ : كَذَبُوا . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 10656 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاء الْجِنّ } كَذَبُوا , سُبْحَانه وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ عَمَّا يَكْذِبُونَ ! أَمَّا الْعَرَب فَجَعَلُوا لَهُ الْبَنَات وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ مِنْ الْغِلْمَان , وَأَمَّا الْيَهُود فَجَعَلُوا بَيْنه وَبَيْن الْجِنَّة نَسَبًا , وَلَقَدْ عَلِمَتْ الْجِنَّة إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ . 10657 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْم } قَالَ : خَرَصُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَات . 10658 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَات بِغَيْرِ عِلْم } يَقُول : قَطَعُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَات , قَالَتْ الْعَرَب : الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه , وَقَالَتْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى : الْمَسِيح وَعُزَيْر اِبْنَا اللَّه . 10659 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَات بِغَيْرِ عِلْم } قَالَ : خَرَقُوا : كَذَبُوا ; لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ بَنُونَ وَلَا بَنَات , قَالَتْ النَّصَارَى : الْمَسِيح اِبْن اللَّه , وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه , فَكُلّ خَرَقُوا الْكَذِب . وَخَرَقُوا : اِخْتَرَقُوا . 10660 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاء الْجِنّ } قَالَ : قَوْل الزَّنَادِقَة . { وَخَرَقُوا لَهُ } قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ مُجَاهِد : خَرَقُوا : كَذَبُوا . 10661 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو أُسَامَة , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَات } قَالَ : وَصَفُوا لَهُ . 10662 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْوَارِث , عَنْ أَبِي عُمَر : { وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَات } قَالَ : تَفْسِيرهَا : وَكَذَبُوا . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ : وَجَعَلُوا لِلَّهِ الْجِنّ وَشُرَكَاء فِي عِبَادَتهمْ إِيَّاهُ , وَهُوَ الْمُنْفَرِد , بِخَلْقِهِمْ بِغَيْرِ شَرِيك وَلَا مُعِين وَلَا ظَهِير . { وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَات } يَقُول : وَتَخَرَّصُوا لِلَّهِ كَذِبًا , فَافْتَعَلُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَات بِغَيْرِ عِلْم مِنْهُمْ بِحَقِيقَةِ مَا يَقُولُونَ , وَلَكِنْ جَهْلًا بِاَللَّهِ وَبِعَظَمَتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ إِلَهًا أَنْ يَكُون لَهُ بَنُونَ وَبَنَات وَلَا صَاحِبَة , وَلَا أَنْ يُشْرِكهُ فِي خَلْقه شَرِيك .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { سُبْحَانه وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : تَنَزَّهَ اللَّه وَعَلَا فَارْتَفَعَ عَنْ الَّذِي يَصِفُهُ بِهِ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَة مِنْ خَلْقه فِي اِدِّعَائِهِمْ لَهُ شُرَكَاء مِنْ الْجِنّ وَاخْتِرَاقهمْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَات ! وَذَلِكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُون مِنْ صِفَته ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَة خَلْقه الَّذِينَ يَكُون مِنْهُمْ الْجِمَاع الَّذِي يَحْدُث عَنْهُ الْأَوْلَاد , وَاَلَّذِينَ تَضْطَرّهُمْ لِضَعْفِهِمْ الشَّهَوَات إِلَى اِتِّخَاذ الصَّاحِبَة لِقَضَاءِ اللَّذَّات , وَلَيْسَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِالْعَاجِزِ فَيَضْطَرّهُ شَيْء إِلَى شَيْء , و لَا بِالضَّعِيفِ الْمُحْتَاج فَتَدْعُوهُ حَاجَته إِلَى النِّسَاء إِلَى اِتِّخَاذ صَاحِبَة لِقَضَاءِ لَذَّة . وَقَوْله : { تَعَالَى } تَفَاعَلَ مِنْ الْعُلُوّ وَالِارْتِفَاع . وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَة فِي تَأْوِيل قَوْله : { عَمَّا يَصِفُونَ } أَنَّهُ يَكْذِبُونَ . 10663 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { سُبْحَانه وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ } عَمَّا يَكْذِبُونَ . وَأَحْسَب أَنَّ قَتَادَة عَنَى بِتَأْوِيلِهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ , أَنَّهُمْ يَكْذِبُونَ فِي وَصْفِهِمْ اللَّه بِمَا كَانُوا يَصِفُونَهُ مِنْ اِدِّعَائِهِمْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَات , لَا أَنَّهُ وَجَّهَ تَأْوِيل الْوَصْف إِلَى الْكَذِب .
بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌسورة الأنعام الآية رقم 101
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَدِيع السَّمَوَات وَالْأَرْض أَنَّى يَكُون لَهُ وَلَد وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : اللَّه الَّذِي جَعَلَ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة بِهِ لَهُ الْجِنّ شُرَكَاء وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَات بِغَيْرِ عِلْم , { بَدِيع السَّمَوَات وَالْأَرْض } يَعْنِي مُبْتَدِعهَا وَمُحْدِثهَا وَمُوجِدهَا بَعْد أَنْ لَمْ تَكُنْ . كَمَا : 10664 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { بَدِيع السَّمَوَات وَالْأَرْض } قَالَ : هُوَ الَّذِي اِبْتَدَعَ خَلْقهمَا جَلَّ جَلَاله فَخَلَقَهُمَا وَلَمْ تَكُونَا شَيْئًا قَبْله . { أَنَّى يَكُون لَهُ وَلَد وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَة } وَالْوَلَد إِنَّمَا يَكُون مِنْ الذَّكَر وَالْأُنْثَى , وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُون لِلَّهِ سُبْحَانه صَاحِبَة فَيَكُون لَهُ وَلَد ; وَذَلِكَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَلَقَ كُلّ شَيْء . يَقُول : فَإِذَا كَانَ لَا شَيْء إِلَّا اللَّه خَلَقَهُ , فَأَنَّى يَكُون لِلَّهِ وَلَد وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَة فَيَكُون لَهُ مِنْهَا وَلَد !

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَخَلَقَ كُلّ شَيْء وَهُوَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيم } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاَللَّه خَلَقَ كُلّ شَيْء وَلَا خَالِق سِوَاهُ , وَكُلّ مَا تَدْعُونَ أَيّهَا الْعَادِلُونَ بِاَللَّهِ الْأَوْثَان مِنْ دُونه خَلْقه وَعَبِيده , مَلَكًا كَانَ الَّذِي تَدْعُونَهُ رَبًّا وَتَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَهُ وَلَد أَوْ جِنِّيًّا أَوْ إِنْسِيًّا . { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيم } يَقُول : وَاَللَّه الَّذِي خَلَقَ كُلّ شَيْء , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا خَلَقَ وَلَا شَيْء مِنْهُ , وَلَا يَعْزُب عَنْهُ مِثْقَال ذَرَّة فِي الْأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء , عَالِم بِعَدَدِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ وَأَعْمَال مَنْ دَعَوْتُمُوهُ رَبًّا أَوْ لِلَّهِ وَلَدًا , وَهُوَ مُحْصِيهَا عَلَيْكُمْ وَعَلَيْهِمْ حَتَّى يُجَازِيَ كُلًّا بِعَمَلِهِ .
ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌسورة الأنعام الآية رقم 102
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكُمْ اللَّه رَبّكُمْ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ خَالِق كُلّ شَيْء فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء وَكِيل } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : الَّذِي خَلَقَ كُلّ شَيْء وَهُوَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيم , هُوَ اللَّه رَبّكُمْ أَيّهَا الْعَادِلُونَ بِاَللَّهِ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان , وَالْجَاعِلُونَ لَهُ الْجِنّ شُرَكَاء , وَآلِهَتكُمْ الَّتِي لَا تَمْلِك نَفْعًا وَلَا ضُرًّا وَلَا تَفْعَل خَيْرًا وَلَا شَرًّا . { لَا إِلَه إِلَّا هُوَ } وَهَذَا تَكْذِيب مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ الْجِنّ شُرَكَاء اللَّه , يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ : أَيّهَا الْجَاهِلُونَ إِنَّهُ لَا شَيْء لَهُ الْأُلُوهِيَّة وَالْعِبَادَة إِلَّا الَّذِي خَلَقَ كُلّ شَيْء , وَهُوَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيم , فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُون عِبَادَتكُمْ وَعِبَادَة جَمِيع مَنْ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض إِلَّا لَهُ خَالِصَة بِغَيْرِ شَرِيك تُشْرِكُونَهُ فِيهَا , فَإِنَّهُ خَالِق كُلّ شَيْء وَبَارِئُهُ وَصَانِعه , وَحَقٌّ عَلَى الْمَصْنُوع أَنْ يُفْرِد صَانِعه بِالْعِبَادَةِ . { فَاعْبُدُوهُ } يَقُول : فَذِلُّوا لَهُ بِالطَّاعَةِ وَالْعِبَادَة وَالْخِدْمَة , وَاخْضَعُوا لَهُ بِذَلِكَ . { وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء وَكِيل } يَقُول : وَاَللَّه عَلَى كُلّ مَا خَلَقَ مِنْ شَيْء رَقِيب وَحَفِيظ يَقُوم بِأَرْزَاقِ جَمِيعه وَأَقْوَاته وَسِيَاسَته وَتَدْبِيره وَتَصْرِيفه بِقُدْرَتِهِ .
لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُسورة الأنعام الآية رقم 103
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يُدْرِك الْأَبْصَار وَهُوَ اللَّطِيف الْخَبِير } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يُدْرِك الْأَبْصَار } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : لَا تُحِيط بِهِ الْأَبْصَار وَهُوَ يُحِيط بِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 10665 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يَدْرِك الْأَبْصَار } يَقُول : لَا يُحِيط بَصَر أَحَد بِالْمُلْكِ . 10666 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يُدْرِك الْأَبْصَار } وَهُوَ أَعْظَم مِنْ أَنْ تُدْرِكهُ الْأَبْصَار . 10667 - حَدَّثَنِي سَعْد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثَنَا خَالِد بْن عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَرْفَجَة , عَنْ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ , فِي قَوْله : { وُجُوه يَوْمئِذٍ نَاضِرَة إِلَى رَبّهَا نَاظِرَة } 75 22 : 23 قَالَ : هُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى اللَّه , لَا تُحِيط أَبْصَارهمْ بِهِ مِنْ عَظَمَته , وَبَصَره يُحِيط بِهِمْ , فَذَلِكَ قَوْله : { لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار } . . . الْآيَة . وَاعْتَلَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة لِقَوْلِهِمْ هَذَا بِأَنْ قَالُوا : إِنَّ اللَّه قَالَ : " فَلَمَّا أَدْرَكَهُ الْغَرَق قَالَ آمَنَتْ " 10 90 قَالُوا : فَوَصَفَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره الْغَرَق بِأَنَّهُ أَدْرَكَ فِرْعَوْن , وَلَا شَكَّ أَنَّ الْغَرَق غَيْر مَوْصُوف بِأَنَّهُ رَآهُ , وَلَا هُوَ مِمَّا يَجُوز وَصْفه بِأَنَّهُ يَرَى شَيْئًا . قَالُوا : فَمَعْنَى قَوْله : { لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار } بِمَعْنَى : لَا تَرَاهُ بَعِيدًا , لِأَنَّ الشَّيْء قَدْ يُدْرِك الشَّيْء وَلَا يَرَاهُ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيل أَصْحَاب مُوسَى حِين قَرُبَ مِنْهُمْ أَصْحَاب فِرْعَوْن : { فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَاب مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } 26 61 لِأَنَّ اللَّه قَدْ كَانَ وَعَدَ نَبِيّه مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ لَا يُدْرَكُونَ لِقَوْلِهِ : { وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى } 20 77 . قَالُوا : فَإِنْ كَانَ الشَّيْء قَدْ يَرَى الشَّيْء وَلَا يُدْرِكهُ وَيُدْرِكهُ وَلَا يَرَاهُ , فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ قَوْله : { لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار } مِنْ مَعْنَى لَا تَرَاهُ الْأَبْصَار بِمَعْزِلٍ , وَأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : لَا تُحِيط بِهِ الْأَبْصَار ; لِأَنَّ الْإِحَاطَة بِهِ غَيْر جَائِزَة . قَالُوا : فَالْمُؤْمِنُونَ وَأَهْل الْجَنَّة يَرَوْنَ رَبَّهُمْ بِأَبْصَارِهِمْ وَلَا تُدْرِكهُ أَبْصَارهمْ , بِمَعْنَى : أَنَّهَا لَا تُحِيط بِهِ ; إِذْ كَانَ غَيْر جَائِز أَنْ يُوصَف اللَّه بِأَنَّ شَيْئًا يُحِيط بِهِ . قَالُوا : وَنَظِير جَوَاز وَصْفه بِأَنَّهُ يُرَى وَلَا يُدْرَك جَوَاز وَصْفه بِأَنَّهُ يُعْلَم وَلَا يُحَاط بِهِ , وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ } 2 255 . قَالُوا : فَنَفَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ خَلْقِهِ أَنْ يَكُونُوا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ . قَالُوا : وَمَعْنَى الْعِلْم فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْمَعْلُوم ; قَالُوا : فَلَمْ يَكُنْ فِي نَفْيه عَنْ خَلْقه أَنْ يُحِيطُوا بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ نَفْيٌ عَنْ أَنْ يَعْلَمُوهُ . قَالُوا : فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي نَفْي الْإِحَاطَة بِالشَّيْءِ - عِلْمًا - نَفْيٌ لِلْعِلْمِ بِهِ , كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْي إِدْرَاك اللَّه عَنْ الْبَصَر نَفْي رُؤْيَته لَهُ . قَالُوا : وَكَمَا جَازَ أَنْ يَعْلَم الْخَلْق أَشْيَاء وَلَا يُحِيطُونَ بِهَا عِلْمًا , كَذَلِكَ جَائِز أَنْ يَرَوْا رَبَّهُمْ بِأَبْصَارِهِمْ وَلَا يُدْرِكُوهُ بِأَبْصَارِهِمْ , إِذْ كَانَ مَعْنَى الرُّؤْيَة غَيْر مَعْنَى الْإِدْرَاك , وَمَعْنَى الْإِدْرَاك غَيْر مَعْنَى الرُّؤْيَة , وَأَنَّ مَعْنَى الْإِدْرَاك : إِنَّمَا هُوَ الْإِحَاطَة , كَمَا قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي الْخَبَر الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْل . قَالُوا : فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَمَا أَنْكَرْتُمْ أَنْ يَكُون مَعْنَى قَوْله : { لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار } لَا تَرَاهُ الْأَبْصَار ؟ قُلْنَا لَهُ : أَنْكَرْنَا ذَلِكَ , لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ فِي كِتَابه أَنَّ وُجُوهًا فِي الْقِيَامَة إِلَيْهِ نَاظِرَة , وَأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أُمَّته أَنَّهُمْ سَيَرَوْنَ رَبّهمْ يَوْم الْقِيَامَة كَمَا يُرَى الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر وَكَمَا تَرَوْنَ الشَّمْس لَيْسَ دُونهَا سَحَاب . قَالُوا : فَإِذْ كَانَ اللَّه قَدْ أَخْبَرَ فِي كِتَابه بِمَا أَخْبَرَ وَحُقِّقَتْ أَخْبَار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا ذَكَرْنَا عَنْهُ مِنْ قِيلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ تَأْوِيل قَوْله : { وُجُوهٌ يَوْمئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } 75 22 : 23 أَنَّهُ نَظَر أَبْصَار الْعُيُون لِلَّهِ جَلَّ جَلَاله , وَكَانَ كِتَاب اللَّه يُصَدِّق بَعْضه بَعْضًا , وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون أَحَدُ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ نَاسِخًا لِلْآخَرِ , إِذْ كَانَ غَيْر جَائِز فِي الْأَخْبَار لِمَا قَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِنَا : " كِتَاب لَطِيف الْبَيَان عَنْ أُصُول الْأَحْكَام " وَغَيْره ; عُلِمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار } غَيْر مَعْنَى قَوْله : { وُجُوه يَوْمئِذٍ نَاضِرَة إِلَى رَبّهَا نَاظِرَة } فَإِنَّ أَهْل الْجَنَّة يَنْظُرُونَ بِأَبْصَارِهِمْ يَوْم الْقِيَامَة إِلَى اللَّه وَلَا يُدْرِكُونَهُ بِهَا , تَصْدِيقًا لِلَّهِ فِي كِلَا الْخَبَرَيْنِ وَتَسْلِيمًا لِمَا جَاءَ بِهِ تَنْزِيله عَلَى مَا جَاءَ بِهِ فِي السُّورَتَيْنِ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَا تَرَاهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يَرَى الْأَبْصَار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 10668 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار } لَا يَرَاهُ شَيْء , وَهُوَ يَرَى الْخَلَائِق . 10669 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا وَكِيع , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ عَامِر , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : مَنْ حَدَّثَك أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارُ } { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّه إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } 42 51 وَلَكِنْ قَدْ رَأَى جِبْرِيل فِي صُورَته مَرَّتَيْنِ . 10670 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ عَامِر , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : قُلْت لِعَائِشَة : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ : هَلْ رَأَى مُحَمَّد رَبَّهُ ؟ فَقَالَتْ : سُبْحَان اللَّه , لَقَدْ قَفَّ شَعْرِي مِمَّا قُلْت ! ثُمَّ قَرَأَتْ : { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْأَعْلَى وَابْن عُلَيَّة , عَنْ دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَائِشَة بِنَحْوِهِ . 10671 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : قَالَتْ عَائِشَة : مَنْ قَالَ : إِنَّ أَحَدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّه , قَالَ اللَّه : { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ } . فَقَالَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة : مَعْنَى الْإِدْرَاك فِي هَذَا الْمَوْضِع : الرُّؤْيَة , وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ يُرَى بِالْأَبْصَارِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ : { وُجُوهٌ يَوْمئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبّهَا نَاظِرَةٌ } 75 22 : 23 بِمَعْنَى اِنْتِظَارهَا رَحْمَة اللَّه وَثَوَابه . وَتَأَوَّلَ بَعْضهمْ فِي الْأَخْبَار الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَصْحِيحِ الْقَوْل بِرُؤْيَةِ أَهْل الْجَنَّة رَبّهمْ يَوْم الْقِيَامَة تَأْوِيلَات . وَأَنْكَرَ بَعْضهمْ مَجِيئَهَا , وَدَافَعُوا أَنْ يَكُون ذَلِكَ مِنْ قَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَرَدُّوا الْقَوْل فِيهِ إِلَى عُقُولِهِمْ , فَزَعَمُوا أَنَّ عُقُولَهُمْ تُحِيلُ جَوَازَ الرُّؤْيَةِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْأَبْصَارِ ; وَأَتَوْا فِي ذَلِكَ بِضُرُوبٍ مِنْ التَّمْوِيهَات , وَأَكْثَرُوا الْقَوْل فِيهِ مِنْ جِهَة الِاسْتِخْرَاجَات . وَكَانَ مِنْ أَجَلِّ مَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ عَلِمُوا بِهِ صِحَّة قَوْلهمْ ذَلِكَ مِنْ الدَّلِيل أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا أَبْصَارهمْ تَرَى شَيْئًا إِلَّا مَا بَايَنَهَا دُون مَا لَاصَقَهَا , فَإِنَّهَا لَا تَرَى مَا لَاصَقَهَا . قَالُوا : فَمَا كَانَ لِلْأَبْصَارِ مُبَايِنًا مِمَّا عَايَنَتْهُ , فَإِنَّ بَيْنه وَبَيْنهَا فَضَاءً وَفُرْجَة . قَالُوا : فَإِنْ كَانَتْ الْأَبْصَار تَرَى رَبّهَا يَوْم الْقِيَامَة عَلَى نَحْو مَا تَرَى الْأَشْخَاص الْيَوْم , فَقَدْ وَجَبَ أَنْ يَكُون الصَّانِع مَحْدُودًا . قَالُوا : وَمَنْ وَصَفَهُ بِذَلِكَ , فَقَدْ وَصَفَهُ بِصِفَاتِ الْأَجْسَام الَّتِي يَجُوز عَلَيْهَا الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان . قَالُوا : وَأُخْرَى , أَنَّ مِنْ شَأْن الْأَبْصَار أَنْ تُدْرِكَ الْأَلْوَان كَمَا مِنْ شَأْن الْأَسْمَاع أَنْ تُدْرِك الْأَصْوَات , وَمِنْ شَأْن الْمُتَنَشِّم أَنْ يُدْرِكَ الْأَعْرَاف . قَالُوا : فَمِنْ الْوَجْه الَّذِي فَسَدَ أَنْ يَكُون جَائِزًا أَنْ يُقْضَى لِلسَّمْعِ بِغَيْرِ إِدْرَاك الْأَصْوَات وَلِلْمُتَنَسِّمِ إِلَّا بِإِدْرَاكِ الْأَعْرَاف , فَسَدَ أَنْ يَكُون جَائِزًا الْقَضَاء لِلْبَصَرِ إِلَّا بِإِدْرَاكِ الْأَلْوَان . قَالُوا : وَلَمَّا كَانَ غَيْرُ جَائِز أَنْ يَكُون اللَّه تَعَالَى ذِكْره مَوْصُوفًا بِأَنَّهُ ذُو لَوْن , صَحَّ أَنَّهُ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون مَوْصُوفًا بِأَنَّهُ مَرْئِيٌّ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَا تُدْرِكُهُ أَبْصَار الْخَلَائِق فِي الدُّنْيَا , وَأَمَّا فِي الْآخِرَة فَإِنَّهَا تُدْرِكُهُ . وَقَالَ أَهْل هَذِهِ الْمَقَالَة : الْإِدْرَاك فِي هَذَا الْمَوْضِع : الرُّؤْيَة . وَاعْتَلَّ أَهْل هَذِهِ الْمَقَالَة لِقَوْلِهِمْ هَذَا بِأَنْ قَالُوا : الْإِدْرَاك وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُون فِي بَعْض الْأَحْوَال بِغَيْرِ مَعْنَى الرُّؤْيَة , فَإِنَّ الرُّؤْيَة مِنْ أَحَد مَعَانِيه ; وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْر جَائِز أَنْ يَلْحَق بَصَره شَيْئًا فَيَرَاهُ وَهُوَ لِمَا أَبْصَرَهُ وَعَايَنَهُ غَيْر مُدْرِك وَإِنْ لَمْ يُحِطْ بِأَجْزَائِهِ كُلِّهَا رُؤْيَة . قَالُوا : فَرُؤْيَة مَا عَايَنَهُ الرَّائِي إِدْرَاك لَهُ دُون مَا لَمْ يَرَهُ . قَالُوا : وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّه أَنَّ وُجُوهًا يَوْم الْقِيَامَة إِلَيْهِ نَاظِرَة , قَالُوا : فَمُحَال أَنْ تَكُون إِلَيْهِ نَاظِرَة وَهِيَ لَهُ غَيْر مُدْرِكَة رُؤْيَة . قَالُوا : وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَكَانَ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون فِي أَخْبَارِ اللَّهِ تَضَادٌّ وَتَعَارُضٌ , وَجَبَ وَصَحَّ أَنَّ قَوْله : { لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار } عَلَى الْخُصُوص لَا عَلَى الْعُمُوم , وَأَنَّ مَعْنَاهُ : لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَار فِي الدُّنْيَا وَهُوَ يُدْرِك الْأَبْصَار فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , إِذْ كَانَ اللَّه قَدْ اِسْتَثْنَى مَا اِسْتَثْنَى مِنْهُ بِقَوْلِهِ : { وُجُوه يَوْمئِذٍ نَاضِرَة إِلَى رَبّهَا نَاظِرَة } 75 22 : 23 . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَهْل هَذِهِ الْمَقَالَة : الْآيَة عَلَى الْخُصُوص , إِلَّا أَنَّهُ جَائِز أَنْ يَكُون مَعْنَى الْآيَة : لَا تُدْرِكهُ أَبْصَار الظَّالِمِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , وَتُدْرِكهُ أَبْصَار الْمُؤْمِنِينَ وَأَوْلِيَاء اللَّه . قَالُوا : وَجَائِز أَنْ يَكُون مَعْنَاهَا : لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار بِالنِّهَايَةِ وَالْإِحَاطَة ; وَأَمَّا بِالرُّؤْيَةِ فَبَلَى . قَالُوا : وَجَائِز أَنْ يَكُون مَعْنَاهَا : لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار فِي الدُّنْيَا وَتُدْرِكهُ فِي الْآخِرَة , وَجَائِز أَنْ يَكُون مَعْنَاهَا : لَا تُدْرِكهُ أَبْصَار مَنْ يَرَاهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي يُدْرِك بِهِ الْقَدِيم أَبْصَار خَلْقه , فَيَكُون الَّذِي نَفَى عَنْ خَلْقه مِنْ إِدْرَاك أَبْصَارهمْ إِيَّاهُ , هُوَ الَّذِي أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ , إِذْ كَانَتْ أَبْصَارهمْ ضَعِيفَة لَا تَنْفُذ إِلَّا فِيمَا قَوَّاهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلَى النُّفُوذ فِيهِ , وَكَانَتْ كُلّهَا مُتَحَلِّيَة لِبَصَرِهِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْء . قَالُوا : وَلَا شَكَّ فِي خُصُوص قَوْله : { لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار } وَأَنَّ أَوْلِيَاء اللَّه سَيَرَوْنَهُ يَوْم الْقِيَامَة بِأَبْصَارِهِمْ , غَيْر أَنَّا لَا نَدْرِي أَيّ مَعَانِي الْخُصُوص الْأَرْبَعَة أُرِيدَ بِالْآيَةِ . وَاعْتَلُّوا بِتَصْحِيحِ الْقَوْل بِأَنَّ اللَّه يُرَى فِي الْآخِرَة بِنَحْوِ عِلَل الَّذِينَ ذَكَرْنَا قَبْلُ . وَقَالَ آخَرُونَ : الْآيَة عَلَى الْعُمُوم , وَلَنْ يُدْرِكَ اللَّهَ بَصَرُ أَحَدٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ; وَلَكِنَّ اللَّه يُحْدِث لِأَوْلِيَائِهِ يَوْم الْقِيَامَة حَاسَّة سَادِسَة سِوَى حَوَاسِّهِمْ الْخَمْس فَيَرَوْنَهُ بِهَا . وَاعْتَلُّوا لِقَوْلِهِمْ هَذَا , بِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره نَفَى عَنْ الْأَبْصَار أَنْ تُدْرِكَهُ مِنْ غَيْر أَنْ يَدُلّ فِيهَا أَوْ بِآيَةٍ غَيْرِهَا عَلَى خُصُوصهَا . قَالُوا : وَكَذَلِكَ أَخْبَرَ فِي آيَة أُخْرَى أَنَّ وُجُوهًا إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة نَاظِرَة . قَالُوا : فَأَخْبَار اللَّه لَا تَتَبَايَن وَلَا تَتَعَارَض , وَكِلَا الْخَبَرَيْنِ صَحِيح مَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ التَّنْزِيل . وَاعْتَلُّوا أَيْضًا مِنْ جِهَة الْعَقْل بِأَنْ قَالُوا : إِنْ كَانَ جَائِزًا أَنْ نَرَاهُ فِي الْآخِرَة بِأَبْصَارِنَا هَذِهِ وإِنْ زِيدَ فِي قُوَاهَا وَجَبَ أَنْ نَرَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنْ ضَعُفَتْ , لِأَنَّ كُلّ حَاسَّة خُلِقَتْ لِإِدْرَاكِ مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي فَهِيَ وَإِنْ ضَعُفَتْ كُلّ الضَّعْف فَقَدْ تُدْرِكُ مَعَ ضَعْفِهَا مَا خُلِقَتْ لِإِدْرَاكِهِ وَإِنْ ضَعُفَ إِدْرَاكُهَا إِيَّاهُ مَا لَمْ تَعْدَم . قَالُوا : فَلَوْ كَانَ فِي الْبَصَر أَنْ يُدْرِك صَانِعه فِي حَال مِنْ الْأَحْوَال أَوْ وَقْت مِنْ الْأَوْقَات وَيَرَاهُ , وَجَبَ أَنْ يَكُون يُدْرِكهُ فِي الدُّنْيَا وَيَرَاهُ فِيهَا و إِنْ ضَعُفَ إِدْرَاكه إِيَّاهُ . قَالُوا : فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ غَيْر مَوْجُود مِنْ أَبْصَارنَا فِي الدُّنْيَا , كَانَ غَيْر جَائِز أَنْ تَكُون فِي الْآخِرَة إِلَّا بِهَيْئَتِهَا فِي الدُّنْيَا أَنَّهَا لَا تُدْرِك إِلَّا مَا كَانَ مِنْ شَأْنِهَا إِدْرَاكُهُ فِي الدُّنْيَا . قَالُوا : فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ وُجُوهًا فِي الْآخِرَة تَرَاهُ , عُلِمَ أَنَّهَا تَرَاهُ بِغَيْرِ حَاسَّة الْبَصَر , إِذْ كَانَ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون خَبَره إِلَّا حَقًّا . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا مَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر , وَكَمَا تَرَوْنَ الشَّمْس لَيْسَ دُونهَا سَحَاب " فَالْمُؤْمِنُونَ يَرَوْنَهُ , وَالْكَافِرُونَ عَنْهُ يَوْمئِذٍ مَحْجُوبُونَ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } 83 15 . فَأَمَّا مَا اِعْتَلَّ بِهِ مُنْكِرُو رُؤْيَة اللَّه يَوْم الْقِيَامَة بِالْأَبْصَارِ , لَمَّا كَانَتْ لَا تَرَى إِلَّا مَا بَايَنَهَا , وَكَانَ بَيْنهَا وَبَيْنه فَضَاء وَفُرْجَة , وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدهمْ غَيْر جَائِز أَنْ تَكُون رُؤْيَة اللَّه بِالْأَبْصَارِ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إِثْبَات حَدّ لَهُ وَنِهَايَة , فَبَطَلَ عِنْدهمْ لِذَلِكَ جَوَاز الرُّؤْيَة عَلَيْهِ , وَأَنَّهُ يُقَال لَهُمْ : هَلْ عَلِمْتُمْ مَوْصُوفًا بِالتَّدْبِيرِ سِوَى صَانِعِكُمْ إِلَّا مُمَاسًّا لَكُمْ أَوْ مُبَايِنًا ؟ فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ كُلِّفُوا تَبْيِينه , وَلَا سَبِيل إِلَى ذَلِكَ . وَإِنْ قَالُوا : لَا نَعْلَم ذَلِكَ , قِيلَ لَهُمْ : أَوَلَيْسَ قَدْ عَلِمْتُمُوهُ لَا مُمَاسًّا لَكُمْ وَلَا مُبَايِنًا , وَهُوَ مَوْصُوف بِالتَّدْبِيرِ وَالْفِعْل , وَلَمْ يَجِب عِنْدكُمْ إِذْ كُنْتُمْ لَمْ تَعْلَمُوا مَوْصُوفًا بِالتَّدْبِيرِ وَالْفِعْل غَيْره إِلَّا مُمَاسًّا لَكُمْ أَوْ مُبَايِنًا أَنْ يَكُون مُسْتَحِيلًا الْعِلْم بِهِ وَهُوَ مَوْصُوف بِالتَّدْبِيرِ وَالْفِعْل , لَا مُمَاسّ وَلَا مُبَايِن ؟ فَإِنْ قَالُوا : ذَلِكَ كَذَلِكَ , قِيلَ لَهُمْ : فَمَا تُنْكِرُونَ أَنْ تَكُون الْأَبْصَار كَذَلِكَ لَا تَرَى إِلَّا مَا بَايَنَهَا , وَكَانَتْ بَيْنه وَبَيْنهَا فُرْجَة قَدْ تَرَاهُ وَهُوَ غَيْر مُبَايِن لَهَا , وَلَا فُرْجَة بَيْنهَا وَبَيْنه وَلَا فَضَاء , كَمَا لَا تَعْلَم الْقُلُوب مَوْصُوفًا بِالتَّدْبِيرِ إِلَّا مُمَاسًّا لَهَا أَوْ مُبَايِنًا وَقَدْ عَلِمَتْهُ عِنْدكُمْ لَا كَذَلِكَ ؟ وَهَلْ بَيْنكُمْ وَبَيْن مَنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُون مَوْصُوفًا بِالتَّدْبِيرِ وَالْفِعْل مَعْلُومًا لَا مُمَاسًّا لِلْعَالِمِ بِهِ أَوْ مُبَايِنًا وَأَجَازَ أَنْ يَكُون مَوْصُوفًا بِرُؤْيَةِ الْأَبْصَار لَا مُمَاسًّا لَهَا وَلَا مُبَايِنًا فَرْقٌ ؟ ثُمَّ يُسْأَلُونَ . الْفَرْق بَيْن ذَلِكَ , فَلَنْ يَقُولُوا فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمُوا فِي الْآخَر مِثْله . وَكَذَلِكَ يُسْأَلُونَ فِيمَا اِعْتَلُّوا بِهِ فِي ذَلِكَ , إِنَّ مِنْ شَأْن الْأَبْصَار إِدْرَاكَ الْأَلْوَان , كَمَا أَنَّ مِنْ شَأْن الْأَسْمَاع إِدْرَاكَ الْأَصْوَات , وَمِنْ شَأْن الْمُتَنَسِّم دَرْك الْأَعْرَاف , فَمِنْ الْوَجْه الَّذِي فَسَدَ أَنْ يُقْتَضَى السَّمْع لِغَيْرِ دَرْك الْأَصْوَات فَسَدَ أَنْ تُقْتَضَى الْأَبْصَار لِغَيْرِ دَرْك الْأَلْوَان . فَيُقَال لَهُمْ : أَلَسْتُمْ لَمْ تَعْلَمُوا فِيمَا شَاهَدْتُمْ وَعَايَنْتُمْ مَوْصُوفًا بِالتَّدْبِيرِ وَالْفِعْل إِلَّا ذَا لَوْن , وَقَدْ عَلِمْتُمُوهُ مَوْصُوفًا بِالتَّدْبِيرِ لَا ذَا لَوْن ؟ فَإِنْ قَالُوا نَعَمْ , لَا يَجِدُوا مِنْ الْإِقْرَار بِذَلِكَ بُدًّا إِلَّا أَنْ يَكْذِبُوا , فَيَزْعُمُوا أَنَّهُمْ قَدْ رَأَوْا وَعَايَنُوا مَوْصُوفًا بِالتَّدْبِيرِ وَالْفِعْل غَيْر ذِي لَوْن , فَيُكَلَّفُوا بَيَان ذَلِكَ , وَلَا سَبِيل إِلَيْهِ , فَيُقَال لَهُمْ : فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَمَا أَنْكَرْتُمْ أَنْ تَكُون الْأَبْصَار فِيمَا شَاهَدْتُمْ وَعَايَنْتُمْ لَمْ تَجِدُوهَا تُدْرِك إِلَّا الْأَلْوَان , كَمَا لَمْ تَجِدُوا أَنْفُسكُمْ تَعْلَم مَوْصُوفًا بِالتَّدْبِيرِ إِلَّا ذَا لَوْن وَقَدْ وَجَدْتُمُوهَا عَلِمَتْهُ مَوْصُوفًا بِالتَّدْبِيرِ غَيْر ذِي لَوْن ؟ ثُمَّ يُسْأَلُونَ الْفَرْق بَيْن ذَلِكَ , فَلَنْ يَقُولُوا فِي أَحَدهمَا شَيْئًا إِلَّا أُلْزِمُوا فِي الْآخَر مِثْله . وَلِأَهْلِ هَذِهِ الْمَقَالَة مَسَائِل فِيهَا تَلْبِيس كَرِهْنَا ذِكْرَهَا وَإِطَالَةَ الْكِتَابِ بِهَا وَبِالْجَوَابِ عَنْهَا , إِذْ لَمْ يَكُنْ قَصْدُنَا فِي كِتَابِنَا هَذَا قَصْدَ الْكَشْف عَنْ تَمْوِيهَاتهمْ , بَلْ قَصْدنَا فِيهِ الْبَيَان عَنْ تَأْوِيل آيِ الْفُرْقَان . وَلَكِنَّا ذَكَرْنَا الْقَدْرَ الَّذِي ذَكَرْنَا , لِيَعْلَمَ النَّاظِر فِي كِتَابنَا هَذَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ مِنْ قَوْلهمْ إِلَّا إِلَى مَا لَبَسَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَان مِمَّا يَسْهُلُ عَلَى أَهْل الْحَقّ الْبَيَان عَنْ فَسَاده , وَأَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ فِي قَوْلِهِمْ إِلَى آيَةٍ مِنْ التَّنْزِيل مُحْكَمَة وَلَا رِوَايَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِيحَة وَلَا سَقِيمَة , فَهُمْ فِي الظُّلُمَات يَخْبِطُونَ , وَفِي الْعَمْيَاء يَتَرَدَّدُونَ , نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ الْحِيرَة وَالضَّلَالَة ! وَأَمَّا قَوْله : { وَهُوَ اللَّطِيف الْخَبِير } فَإِنَّهُ يَقُول : وَاَللَّه تَعَالَى ذِكْره الْمُيَسِّر لَهُ مِنْ إِدْرَاك الْأَبْصَار , وَالْمُتَأَتِّي لَهُ مِنْ الْإِحَاطَة بِهَا رُؤْيَة مَا يَعْسُر عَلَى الْأَبْصَار مِنْ إِدْرَاكهَا إِيَّاهُ وَإِحَاطَتهَا بِهِ وَيَتَعَذَّر عَلَيْهَا . { الْخَبِير } يَقُول : الْعَلِيم بِخَلْقِهِ وَأَبْصَارهمْ وَالسَّبَب الَّذِي لَهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهَا إِدْرَاكه فَلَطَفَ بِقُدْرَتِهِ , فَهَيَّأَ أَبْصَار خَلْقه هَيْئَة لَا تُدْرِكهُ , وَخَبَرَ بِعِلْمِهِ كَيْف تَدْبِيرهَا وَشِئُونُهَا وَمَا هُوَ أَصْلَح بِخَلْقِهِ . كَاَلَّذِي : 10672 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , فِي قَوْله : { اللَّطِيف الْخَبِير } قَالَ : اللَّطِيف بِاسْتِخْرَاجِهَا , الْخَبِير بِمَكَانِهَا .
قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍسورة الأنعام الآية رقم 104
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِر مِنْ رَبّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } وَهَذَا أَمْر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُول لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَبَّهَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَات مِنْ قَوْله : { إِنَّ اللَّه فَالِق الْحَبّ وَالنَّوَى } . .. إِلَى قَوْله : { وَهُوَ اللَّطِيف الْخَبِير } عَلَى حُجَجه عَلَيْهِمْ , وَعَلَى تَبْيِين خَلْقه مَعَهُمْ , الْعَادِلِينَ بِهِ الْأَوْثَان وَالْأَنْدَاد , وَالْمُكَذِّبِينَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَهُمْ مِنْ عِنْد اللَّه . قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد : قَدْ جَاءَكُمْ أَيّهَا الْعَادِلُونَ بِاَللَّهِ وَالْمُكَذِّبُونَ رَسُوله { بَصَائِر مِنْ رَبّكُمْ } أَيْ مَا تُبْصِرُونَ بِهِ الْهُدَى مِنْ الضَّلَال وَالْإِيمَان مِنْ الْكُفْر . وَهِيَ جَمْع بَصِيرَة , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : حَمَلُوا بَصَائِرهمْ عَلَى أَكْتَافهمْ وَبَصِيرَتِي يَعْدُو بِهَا عَتَد وَأَي يَعْنِي بِالْبَصِيرَةِ : الْحُجَّة الْبَيِّنَة الظَّاهِرَة . كَمَا : 10673 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِر مِنْ رَبّكُمْ } قَالَ : الْبَصَائِر : الْهُدَى بَصَائِر فِي قُلُوبهمْ لِدِينِهِمْ , وَلَيْسَتْ بِبَصَائِر الرُّءُوس . وَقَرَأَ : { فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَار وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوب الَّتِي فِي الصُّدُور } 22 46 قَالَ : إِنَّمَا الدِّين بَصَره وَسَمْعه فِي هَذَا الْقَلْب . 10674 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِر مِنْ رَبّكُمْ } أَيْ بَيِّنَة . وَقَوْله : { فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ } يَقُول : فَمَنْ تَبَيَّنَ حُجَج اللَّه وَعَرَّفَهَا وَأَقَرَّ بِهَا وَآمَنَ بِمَا دَلَّتْهُ عَلَيْهِ مِنْ تَوْحِيد اللَّه وَتَصْدِيق رَسُوله وَمَا جَاءَ بِهِ , فَإِنَّمَا أَصَابَ حَظّ نَفْسه وَلِنَفْسِهِ عَمِلَ , وَإِيَّاهَا بَغَى الْخَيْر . { وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا } يَقُول : وَمَنْ لَمْ يَسْتَدِلَّ بِهَا وَلَمْ يُصَدِّق بِمَا دَلَّتْهُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَتَنْزِيله , وَلَكِنَّهُ عَمِيَ عَنْ دَلَالَتِهَا الَّتِي تَدُلّ عَلَيْهَا , يَقُول : فَنَفْسه ضَرَّ وَإِلَيْهَا أَسَاءَ لَا إِلَى غَيْرهَا . وَأَمَّا قَوْله : { وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } يَقُول : وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِرَقِيبٍ أُحْصِي عَلَيْكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَأَفْعَالكُمْ , وَإِنَّمَا أَنَا رَسُول أُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْت بِهِ إِلَيْكُمْ , وَاَللَّه الْحَفِيظ عَلَيْكُمْ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أَعْمَالكُمْ .
وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَسورة الأنعام الآية رقم 105
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَات وَلِيَقُولُوا دَرَسْت } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : كَمَا صَرَّفْت لَكُمْ أَيُّهَا النَّاس الْآيَات وَالْحُجَج فِي هَذِهِ السُّورَة وَبَيَّنْتهَا , فَعَرَّفْتُكُمُوهَا فِي تَوْحِيدِي وَتَصْدِيق رَسُولِي وَكِتَابِي وَوَصَّيْتكُمْ عَلَيْهَا , فَكَذَلِكَ أُبَيِّن لَكُمْ آيَاتِي وَحُجَجِي فِي كُلّ مَا جَهِلْتُمُوهُ فَلَمْ تَعْرِفُوهُ مِنْ أَمْرِي وَنَهْيِي . كَمَا : 10675 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَكَذَلِكَ نُصَرِّف الْآيَات } لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمْ , كَمَا صَرَّفْتهَا فِي هَذِهِ السُّورَة , وَلِئَلَّا يَقُولُوا : دَرَسْت . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة : { وَلِيَقُولُوا دَرَسْت } يَعْنِي قَرَأْت أَنْتَ يَا مُحَمَّد ; بِغَيْرِ أَلِف . وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْهُمْ اِبْن عَبَّاس عَلَى اِخْتِلَاف عَنْهُ فِيهِ , وَغَيْره وَجَمَاعَة مِنْ التَّابِعِينَ , وَهُوَ قِرَاءَة بَعْض قُرَّاء أَهْل الْبَصْرَة : " وَلِيَقُولُوا دَارَسْت " بِأَلِفٍ , بِمَعْنَى : قَارَأْتَ وَتَعَلَّمْت مِنْ أَهْل الْكِتَاب . وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَة أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ : " دُرِسَتْ " بِمَعْنَى : قُرِئَتْ وَتُلِيَتْ . وَعَنْ الْحَسَن أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ : " دَرَسَتْ " بِمَعْنَى : انْمَحَتْ . وَأَوْلَى الْقِرَاءَات فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ : { وَلِيَقُولُوا دَرَسْت } بِتَأْوِيلِ : قَرَأْت وَتَعَلَّمْت ; لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَذَلِكَ كَانُوا يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّه عَنْ قِيلِهِمْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { وَلَقَدْ نَعْلَم أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ } 16 103 فَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه يُنْبِئ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ : إِنَّمَا يَتَعَلَّم مُحَمَّد مَا يَأْتِيكُمْ بِهِ مِنْ غَيْره . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَقِرَاءَة : { وَلِيَقُولُوا دَرَسْت } يَا مُحَمَّد , بِمَعْنَى : تَعَلَّمْت مِنْ أَهْل الْكِتَاب , أَشْبَهُ بِالْحَقِّ وَأَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ : " دَارَسْت " بِمَعْنَى : قَارَأْتَهُمْ وَخَاصَمْتهمْ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْقِرَاءَات . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ عَلَى قَدْر اِخْتِلَاف الْقِرَاءَة فِي قِرَاءَته . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ { وَلِيَقُولُوا دَرَسْت } مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ , وَتَأْوِيله بِمَعْنَى : تَعَلَّمْت وَقَرَأْت . 10676 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , قَالَ : ثَنَا عَلِيُّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَلِيَقُولُوا دَرَسْت } قَالُوا : قَرَأْت وَتَعَلَّمْت ; تَقُول ذَلِكَ قُرَيْش . 10677 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى , عَنْ مُجَاهِد : { وَلِيَقُولُوا دَرَسْت } قَالَ : قَرَأْت وَتَعَلَّمْت . - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل وَافَقَهُ , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَلِيَقُولُوا دَرَسْت } قَالَ : قَرَأْت وَتَعَلَّمْت . 10678 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلِيَقُولُوا دَرَسْت } يَقُول : قَرَأْت الْكُتُب . 10679 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مَعَاد يَقُول : ثَنِي عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { دَرَسْت } يَقُول : تَعَلَّمْت وَقَرَأْت . - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن عَطِيَّة , قَالَ : ثَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , قَالَ : قُلْت لِابْنِ عَبَّاس : أَرَأَيْت قَوْله : { دَرَسْت } قَالَ : قَرَأْت وَتَعَلَّمْت . * حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ { دَارَسْت } وَتَأَوَّلَهُ بِمَعْنَى : جَادَلْت مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ . 10680 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْوَارِث , عَنْ حُمَيْد , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : " دَارَسْت " يَقُول : قَارَأْتَ . - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَيُّوب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : " وَلِيَقُولُوا دَارَسْت " أَحْسَبُهُ قَالَ : قَارَأْتَ أَهْل الْكِتَاب . - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : " وَلِيَقُولُوا دَارَسْت " قَالَ : قَارَأْتَ وَتَعَلَّمْت . - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , قَالَ : سَمِعْت التَّمِيمِيَّ يَقُول : سَأَلْت اِبْن عَبَّاس عَنْ قَوْله : " وَلِيَقُولُوا دَارَسْت " قَالَ : قَارَأْتَ وَتَعَلَّمْت . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي الْمُعَلَّى , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقْرَؤُهَا : " دَارَسْت " . - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , قَالَ : ثَنَا أَبُو الْمُعَلَّى , قَالَ : سَمِعْت سَعِيد بْن جُبَيْر يَقُول : كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقْرَأ : " دَارَسْت " بِالْأَلِفِ , بِجَزْمِ السِّين وَنَصْب التَّاء . - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن كَيْسَان , أَنَّ اِبْن عَبَّاس كَانَ يَقْرَأ : " دَارَسْت " تَلَوْت , خَاصَمْت , جَادَلْت . - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثَنَا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عَمْرو بْن كَيْسَان , قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي : " دَارَسْت " قَالَ : تَلَوْت , خَاصَمْت , جَادَلْت . 10681 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي هَذِهِ الْآيَة : " وَلِيَقُولُوا دَارَسْت " قَالَ : قَارَأْتَ . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا آدَم , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , قَالَ : ثَنَا أَبُو بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , أَنَّهُ قَرَأَ : " دَارَسْت " بِالْأَلِفِ أَيْضًا مُنْتَصِبَة التَّاء , وَقَالَ : قَارَأْتَ . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا الْحَجَّاج , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَوَانَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَنَّهُ قَرَأَ : " دَارَسْت " أَيْ نَاسَخْتَ . - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : " دَارَسْت " قَالَ : فَاقَهْت : قَرَأْت عَلَى يَهُود وَقَرَءُوا عَلَيْك . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : " وَلِيَقُولُوا دَارَسْت " قَالَ : قَارَأْتَ , قَرَأْت عَلَى يَهُود وَقَرَءُوا عَلَيْك . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : ثَنَا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : " دَارَسْت " يَعْنِي : أَهْل الْكِتَاب . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : " دَارَسْت " قَالَ : قَرَأْت عَلَى يَهُود , وَقَرَءُوا عَلَيْك . - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَلِيَقُولُوا دَارَسْت } قَالَ : قَالُوا دَارَسْت أَهْل الْكِتَاب , وَقَرَأْت الْكُتُب وَتَعَلَّمْتهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ " دُرِسَتْ " بِمَعْنَى : نُبِّئَتْ وَقُرِئَتْ , عَلَى وَجْه مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله : 10682 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى الْقَزَّاز , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْوَارِث بْن سَعِيد , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن الْمُعَلِّم وَسَعِيد , عَنْ قَتَادَة : " وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَات وَلِيَقُولُوا دُرِسَتْ " أَيْ قُرِئَتْ وَتُعُلِّمَتْ . 10683 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : قَالَ قَتَادَة : " دُرِسَتْ " قُرِئَتْ . وَفِي حَرْف اِبْن مَسْعُود : " دُرِسَ " . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : " دُرِسَتْ " بِمَعْنَى : انْمَحَتْ وَتَقَادَمَتْ ; أَيْ هَذَا الَّذِي تَتْلُوهُ عَلَيْنَا قَدْ مَرَّ بِنَا قَدِيمًا وَتَطَاوَلَتْ مُدَّتُهُ : 10684 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَ الْحَسَن يَقْرَأ : " وَلِيَقُولُوا دَرَسَتْ " : أَيْ انْمَحَتْ . 10685 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا آدَم , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , قَالَ : ثَنَا أَبُو إِسْحَاق الْهَمْدَانِيّ , قَالَ فِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود : " دُرِسَتْ " بِغَيْرِ أَلِفٍ , بِنَصْبِ السِّين وَوَقْف التَّاء . 10686 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , قَالَ : سَمِعْت اِبْن الزُّبَيْر يَقُول : إِنَّ صِبْيَانًا هَهُنَا يَقْرَءُونَ : " دَارَسْت " وَإِنَّمَا هِيَ " دُرِسَتْ " . 10687 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , قَالَ الْحَسَن : " وَلِيَقُولُوا دُرِسَتْ " يَقُول : تَقَادَمَتْ وَانْمَحَتْ . وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ : " دَرَسَ " , مِنْ دَرَسَ الشَّيْء : تَلَاهُ . 10688 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن يُوسُف الثَّعْلَبِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو عُبَيْدَة , قَالَ : ثَنَا حَجَّاج , عَنْ هَارُون , قَالَ : هِيَ فِي حَرْف أُبَيّ بْن كَعْب وَابْن مَسْعُود : " وَلِيَقُولُوا دَرَسَ " قَالَ : يَعْنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ . وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يُقَال مَرَّة دَرَسْت , وَمَرَّة دَرَسَ , فَيُخَاطِب مَرَّة وَيُخْبِر مَرَّة , مِنْ أَجْل الْقَوْل . وَقَدْ بَيَّنَّا أَوْلَى هَذِهِ الْقِرَاءَات فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدَنَا , وَالدَّلَالَة عَلَى صِحَّة مَا اِخْتَرْنَا مِنْهَا .

وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : كَمَا صَرَّفْنَا الْآيَات وَالْعِبَر وَالْحُجَج فِي هَذِهِ السُّورَة لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمْ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد , كَذَلِكَ نُصَرِّف لَهُمْ الْآيَات فِي غَيْرهَا , كَيْلَا يَقُولُوا لِرَسُولِنَا الَّذِي أَرْسَلْنَاهُ إِلَيْهِمْ إِنَّمَا تَعَلَّمْت مَا تَأْتِينَا بِهِ تَتْلُوهُ عَلَيْنَا مِنْ أَهْل الْكِتَاب , فَيَنْزَجِرُوا عَنْ تَكْذِيبهمْ إِيَّاهُ وَتَقَوُّلهمْ عَلَيْهِ الْإِفْك وَالزُّور , وَلِنُبَيِّنَ تَصْرِيفَنَا الْآيَات الْحَقّ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ الْحَقّ إِذَا تَبَيَّنَ لَهُمْ , فَيَتَّبِعُوهُ وَيَقْبَلُوهُ , وَلَيْسُوا كَمَنْ إِذَا بُيِّنَ لَهُمْ عَمَوْا عَنْهُ فَلَمْ يَعْقِلُوهُ وَازْدَادُوا مِنْ الْفَهْم بِهِ بُعْدًا .
اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَسورة الأنعام الآية رقم 106
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اِتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْك مِنْ رَبِّك لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اِتَّبِعْ يَا مُحَمَّد مَا أَمَرَك بِهِ رَبّك فِي وَحْيِهِ الَّذِي أَوْحَاهُ إِلَيْك , فَاعْمَلْ بِهِ , وَانْزَجِرْ عَمَّا زَجَرَك عَنْهُ فِيهِ , وَدَعْ مَا يَدْعُوك إِلَيْهِ مُشْرِكُو قَوْمك مِنْ عِبَادَة الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , فَإِنَّهُ { لَا إِلَه إِلَّا هُوَ } يَقُول : لَا مَعْبُود يَسْتَحِقّ عَلَيْك إِخْلَاص الْعِبَادَة لَهُ إِلَّا اللَّه الَّذِي هُوَ فَالِق الْحَبّ وَالنَّوَى وَفَالِق الْإِصْبَاح وَجَاعِل اللَّيْل سَكَنًا وَالشَّمْس وَالْقَمَر حُسْبَانًا . { وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ } , يَقُول : وَدَعْ عَنْك جِدَالَهُمْ وَخُصُومَتَهُمْ . ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ فِي بَرَاءَة : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } . .. الْآيَة 9 5 . كَمَا : 10689 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيِّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , أَمَّا قَوْله : { وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ } وَنَحْوه مِمَّا أَمَرَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ بِالْعَفْوِ عَنْ الْمُشْرِكِينَ , فَإِنَّهُ نَسَخَ ذَلِكَ قَوْله : { اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } .
وَلَوْ شَاء اللَّهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍسورة الأنعام الآية رقم 107
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ شَاءَ اللَّه مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاك عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ } . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَعْرِضْ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ , وَدَعْ عَنْك جِدَالَهُمْ وَخُصُومَتَهُمْ وَمُسَابَّتَهُمْ . { وَلَوْ شَاءَ اللَّه مَا أَشْرَكُوا } يَقُول : لَوْ أَرَادُوا بِك هِدَايَتَهُمْ وَاسْتِنْقَاذَهُمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ لَلَطَفَ لَهُمْ بِتَوْفِيقِهِ إِيَّاهُمْ فَلَمْ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا , وَلَا آمَنُوا بِك فَاتَّبَعُوك وَصَدَّقُوا مَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ الْحَقّ مِنْ عِنْد رَبِّك . { وَمَا جَعَلْنَاك عَلَيْهِمْ حَفِيظًا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَإِنَّمَا بَعَثْتُك إِلَيْهِمْ رَسُولًا مُبَلِّغًا , وَلَمْ نَبْعَثْك حَافِظًا عَلَيْهِمْ مَا هُمْ عَامِلُوهُ وَتُحْصِي ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , فَإِنَّ ذَلِكَ إِلَيْنَا دُونَك . { وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ } يَقُول : وَلَسْت عَلَيْهِمْ بِقَيِّمٍ تَقُوم بِأَرْزَاقِهِمْ وَأَقْوَاتِهِمْ , وَلَا بِحِفْظِهِمْ فِيمَا لَمْ يُجْعَل إِلَيْك حِفْظه مِنْ أَمْرِهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10690 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَوْ شَاءَ اللَّه مَا أَشْرَكُوا } يَقُول سُبْحَانه : لَوْ شِئْت لَجَمَعْتهمْ عَلَى الْهُدَى أَجْمَعِينَ .
وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَسورة الأنعام الآية رقم 108
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه فَيَسُبُّوا اللَّه عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْم } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ : وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُو الْمُشْرِكُونَ مِنْ دُون اللَّه مِنْ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد , فَيَسُبّ الْمُشْرِكُونَ اللَّهَ جَهْلًا مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ وَاعْتِدَاء بِغَيْرِ عِلْم . كَمَا : 10691 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه فَيَسُبُّوا اللَّه عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْم } قَالَ : قَالُوا : يَا مُحَمَّد لَتَنْتَهِيَن عَنْ سَبِّ آلِهَتِنَا أَوْ لَأَهْجُوَنَّ رَبَّك ! فَنَهَاهُمْ اللَّه أَنْ يَسُبُّوا أَوْثَانَهُمْ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ . 10692 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه فَيَسُبُّوا اللَّه عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْم } كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسُبُّونَ أَوْثَان الْكُفَّار , فَيَرُدُّونَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , فَنَهَاهُمْ اللَّه أَنْ يَسْتَسِبُّوا لِرَبِّهِمْ , فَإِنَّهُمْ قَوْم جَهَلَة لَا عِلْم لَهُمْ بِاَللَّهِ . 10693 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه فَيَسُبُّوا اللَّه عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْم } قَالَ : لَمَّا حَضَرَ أَبَا طَالِب الْمَوْتُ , قَالَتْ قُرَيْش : اِنْطَلِقُوا بِنَا , فَلْنَدْخُلْ عَلَى هَذَا الرَّجُل فَلْنَأْمُرْهُ أَنْ يَنْهَى عَنَّا اِبْن أَخِيهِ , فَإِنَّا نَسْتَحِي أَنْ نَقْتُلَهُ بَعْد مَوْتِهِ , فَتَقُول الْعَرَب : كَانَ يَمْنَعهُ فَلَمَّا مَاتَ قَتَلُوهُ ! فَانْطَلَقَ أَبُو سُفْيَان , وَأَبُو جَهْل , وَالنُّضْر بْن الْحَارِث , وَأُمِّيَّة وَأُبَيّ اِبْنَا خَلَف , وَعُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط , وَعَمْرو بْن الْعَاص , وَالْأَسْوَد بْن الْبَخْتَرِيّ , وَبَعَثُوا رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَال لَهُ الْمُطَّلِب , قَالُوا : اِسْتَأْذِنْ عَلَى أَبِي طَالِب ! فَأَتَى أَبَا طَالِب فَقَالَ : هَؤُلَاءِ مَشْيَخَة قَوْمِك , يُرِيدُونَ الدُّخُول عَلَيْك . فَأَذِنَ لَهُمْ , فَدَخَلُوا عَلَيْهِ , فَقَالُوا : يَا أَبَا طَالِب , أَنْتَ كَبِيرُنَا وَسَيِّدُنَا , وَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ آذَانَا وَآذَى آلِهَتَنَا , فَنُحِبّ أَنْ تَدْعُوهُ فَتَنْهَاهُ عَنْ ذِكْر آلِهَتنَا , وَلْنَدَعْهُ وَإِلَهَهُ . فَدَعَاهُ , فَجَاءَ النَّبِيّ , فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالِب : هَؤُلَاءِ قَوْمُك وَبَنُو عَمِّك . قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا تُرِيدُونَ ؟ " قَالُوا : نُرِيد أَنْ تَدَعَنَا وَآلِهَتَنَا وَنَدَعَك وَإِلَهَك . قَالَ لَهُ أَبُو طَالِب : قَدْ أَنْصَفَك قَوْمُك , فَاقْبَلْ مِنْهُمْ ! فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَعْطَيْتُكُمْ هَذَا هَلْ أَنْتُمْ مُعْطِيَّ كَلِمَةً إِنْ تَكَلَّمْتُمْ بِهَا مَلَكْتُمْ الْعَرَب , وَدَانَتْ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ بِالْخَرَاجِ ؟ " قَالَ أَبُو جَهْل : نَعَمْ وَأَبِيك لَأُعْطِيَنَّكَهَا وَعَشْرَ أَمْثَالِهَا , فَمَا هِيَ ؟ قَالَ : " قُولُوا : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ! " فَأَبَوْا وَاشْمَأَزُّوا . قَالَ أَبُو طَالِب : يَا اِبْن أَخِي قُلْ غَيْرهَا , فَإِنَّ قَوْمَك قَدْ فَزِعُوا مِنْهَا ! قَالَ : " يَا عَمّ مَا أَنَا بِاَلَّذِي أَقُول غَيْرهَا حَتَّى يَأْتُوا بِالشَّمْسِ فَيَضَعُوهَا فِي يَدِي , وَلَوْ أَتَوْنِي بِالشَّمْسِ فَوَضَعُوهَا فِي يَدِي مَا قُلْت غَيْرهَا " . إِرَادَة أَنْ يُؤَيِّسَهُمْ . فَغَضِبُوا وَقَالُوا : لَتَكُفَّن عَنْ شَتْمِك آلِهَتَنَا , أَوْ لَنَشْتُمَنَّكَ وَلَنَشْتُمَنَّ مَنْ يَأْمُرك ! فَذَلِكَ قَوْله { فَيَسُبُّوا اللَّه عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْم } . - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسُبُّونَ أَصْنَام الْكُفَّار فَيَسُبّ الْكُفَّار اللَّه عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْم , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه فَيَسُبُّوا اللَّه عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْم } . 10694 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَيَسُبُّوا اللَّه عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْم } قَالَ : إِذَا سَبَبْت إِلَهَهُ سَبَّ إِلَهك , فَلَا تَسُبُّوا آلِهَتَهُمْ . وَأَجْمَعَتْ الْحُجَّة مِنْ قُرَّاء الْأَمْصَار عَلَى قِرَاءَة ذَلِكَ : { فَيَسُبُّوا اللَّه عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْم } بِفَتْحِ الْعَيْن وَتَسْكِين الدَّال , وَتَخْفِيف الْوَاو مِنْ قَوْله : { عَدْوًا } عَلَى أَنَّهُ مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : عَدَا فُلَان عَلَى فُلَان : إِذَا ظَلَمَهُ وَاعْتَدَى عَلَيْهِ , يَعْدُو عَدْوًا وَعُدْوَانًا , وَالِاعْتِدَاء : إِنَّمَا هُوَ اِفْتِعَال مِنْ ذَلِكَ . رُوِيَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ : " عَدْوًا " مُشَدَّدَة الْوَاو . 10695 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثَنَا الْقَاسِم بْن سَلَّام , قَالَ : ثَنَا حَجَّاج , عَنْ هَارُون , عَنْ عُثْمَان بْن سَعْد : { فَيَسُبُّوا اللَّه عَدُوًّا } مَضْمُومَة الْعَيْن مُثَقَّلَة . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ : " فَيَسُبُّوا اللَّه عَدُوًّا " يُوَجِّه تَأْوِيله إِلَى أَنَّهُمْ جَمَاعَة , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبّ الْعَالَمِينَ } 26 77 , وَكَمَا قَالَ : { لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوّكُمْ أَوْلِيَاء } 60 1 وَيُجْعَل نَصْب " الْعَدُوّ " حِينَئِذٍ عَلَى الْحَال مِنْ ذِكْر الْمُشْرِكِينَ فِي قَوْله : { فَيَسُبُّوا } . فَيَكُون تَأْوِيل الْكَلَام : وَلَا تَسُبُّوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَدْعُو الْمُشْرِكُونَ مِنْ دُون اللَّه , فَيَسُبّ الْمُشْرِكُونَ اللَّه أَعْدَاء اللَّه بِغَيْرِ عِلْم . وَإِذَا كَانَ التَّأْوِيل هَكَذَا كَانَ الْعَدُوّ مِنْ صِفَة الْمُشْرِكِينَ وَنَعْتِهِمْ , كَأَنَّهُ قِيلَ : فَيَسُبّ الْمُشْرِكُونَ أَعْدَاء اللَّه بِغَيْرِ عِلْم , وَلَكِنَّ الْعَدُوّ لَمَّا خَرَجَ مَخْرَج النَّكِرَة وَهُوَ نَعْت لِلْمَعْرِفَةِ نُصِبَ عَلَى الْحَال . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة عِنْدِي فِي ذَلِكَ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِفَتْحِ الْعَيْن وَتَخْفِيف الْوَاو لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَى قِرَاءَة ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَغَيْر جَائِز خِلَافهَا فِيمَا جَاءَتْ مُجْمَعَة عَلَيْهِ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : كَمَا زَيَّنَّا لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام عِبَادَة الْأَوْثَان وَطَاعَة الشَّيْطَان بِخِذْلَانِنَا إِيَّاهُمْ عَنْ طَاعَة الرَّحْمَن , كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ جَمَاعَة اِجْتَمَعَتْ عَلَى عَمَل مِنْ الْأَعْمَال مِنْ طَاعَة اللَّه وَمَعْصِيَته عَمَلهمْ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ مُجْتَمِعُونَ , ثُمَّ مَرْجِعهمْ بَعْد ذَلِكَ وَمَصِيرهمْ إِلَى رَبّهمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ , يَقُول : فَيُوقِفهُمْ وَيُخْبِرهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهَا فِي الدُّنْيَا , ثُمَّ يُجَازِيهِمْ بِهَا إِنْ كَانَ خَيْرًا فَخَيْر وَإِنْ كَانَ شَرًّا فَشَرّ , أَوْ يَعْفُو بِفَضْلِهِ مَا لَمْ يَكُنْ شِرْكًا أَوْ كُفْرًا .
وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَسورة الأنعام الآية رقم 109
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَة لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَات عِنْد اللَّه } . قَوْل تَعَالَى ذِكْره : حَلَفَ بِاَللَّهِ هَؤُلَاءِ الْعَادِلُونَ بِاَللَّهِ جَهْد حَلِفهمْ , وَذَلِكَ أَوْكَدُ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ الْأَيْمَان وَأَصْعَبهَا وَأَشَدّهَا : { لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَة } يَقُول : قَالُوا : نُقْسِم بِاَللَّهِ لَئِنْ جَاءَتْنَا آيَة تُصَدِّقُ مَا تَقُول يَا مُحَمَّد مِثْل الَّذِي جَاءَ مَنْ قَبْلَنَا مِنْ الْأُمَم . { لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا } يَقُول : قَالُوا : لَنُصَدِّقَنَّ بِمَجِيئِهَا بِك , وَأَنَّك لِلَّهِ رَسُول مُرْسَل , وَأَنَّ مَا جِئْتنَا بِهِ حَقّ مِنْ عِنْد اللَّه . وَقِيلَ : " لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا " , فَأَخْرَجَ الْخَبَر عَنْ الْآيَة وَالْمَعْنَى لِمَجِيءِ الْآيَة . يَقُول لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ إِنَّمَا الْآيَات عِنْد اللَّه } وَهُوَ الْقَادِر عَلَى إِتْيَانِكُمْ بِهَا دُون كُلّ أَحَد مِنْ خَلْقه . { وَمَا يُشْعِرُكُمْ } يَقُول وَمَا يُدْرِيكُمْ { أَنَّهَا إِذَا جَاءَ لَا يُؤْمِنُونَ } . وَذُكِرَ أَنَّ الَّذِينَ سَأَلُوهُ الْآيَة مِنْ قَوْمه هُمْ الَّذِينَ آيَسَ اللَّه نَبِيّه مِنْ إِيمَانهمْ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10696 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَة لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا } إِلَى قَوْله : { يَجْهَلُونَ } سَأَلَتْ قُرَيْش مُحَمَّدًا أَنْ يَأْتِيهِمْ بِآيَةٍ , وَاسْتَحْلَفَهُمْ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا . 10697 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح : { لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَة لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا } ثُمَّ ذَكَرَ مِثْله . 10698 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثَنَا أَبُو مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , قَالَ : كَلَّمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا , فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد تُخْبِرنَا أَنَّ مُوسَى كَانَ مَعَهُ عَصًا يَضْرِب بِهَا الْحَجَر فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اِثْنَتَا عَشْرَة عَيْنًا , وَتُخْبِرنَا أَنَّ عِيسَى كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى , وَتُخْبِرنَا أَنَّ ثَمُود كَانَتْ لَهُمْ نَاقَة ؟ فَأْتِنَا بِشَيْءٍ مِنْ الْآيَات حَتَّى نُصَدِّقَك ! فَقَالَ النَّبِيّ : " أَيّ شَيْء تُحِبُّونَ أَنْ آتِيَكُمْ بِهِ ؟ " قَالُوا : تَجْعَلُ لَنَا الصَّفَّا ذَهَبًا , فَقَالَ لَهُمْ : " فَإِنْ فَعَلْت تُصَدِّقُونِي ؟ " قَالُوا : نَعَمْ وَاَللَّه لَئِنْ فَعَلْت لَنَتَّبِعك أَجْمَعُونَ ! فَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو , فَجَاءَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام , فَقَالَ : لَك مَا شِئْت إِنْ شِئْت أَصْبَحَ ذَهَبًا , وَلَئِنْ أُرْسِلَ آيَة فَلَمْ يُصَدِّقُوا عِنْد ذَلِكَ لَنُعَذِّبَنَّهُمْ , وَإِنْ شِئْت فَاتْرُكْهُمْ حَتَّى يَتُوب تَائِبهمْ . فَقَالَ : " بَلْ يَتُوب تَائِبهمْ " . فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { وَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ } . .. إِلَى قَوْله : { يَجْهَلُونَ } .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ } . اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمُخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ : { وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ } فَقَالَ بَعْضهمْ : خُوطِبَ بِقَوْلِهِ : { وَمَا يُشْعِرُكُمْ } الْمُشْرِكُونَ الْمُقْسِمُونَ بِاَللَّهِ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَة لَيُؤْمِنُنَّ , وَانْتَهَى الْخَبَر عِنْد قَوْله : { وَمَا يُشْعِرُكُمْ } ثُمَّ اُسْتُؤْنِفَ الْحُكْم عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ عِنْد مَجِيئِهَا اِسْتِئْنَافًا مُبْتَدَأ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10699 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { وَمَا يُشْعِرُكُمْ } قَالَ : مَا يُدْرِيكُمْ . قَالَ : ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَمَا يُشْعِرُكُمْ وَمَا يُدْرِيكُمْ } أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ ؟ قَالَ : أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ { لَا يُؤْمِنُونَ } . 10700 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن زَيْد يَقُول : إِنَّمَا الْآيَات عِنْد اللَّه , ثُمَّ تُسْتَأْنَف فَيَقُول : { إِنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ } . - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { إِنَّمَا الْآيَات عِنْد اللَّه وَمَا يُشْعِركُمْ } : وَمَا يُدْرِيكُمْ أَنَّكُمْ تُؤْمِنُونَ إِذَا جَاءَتْ ; ثُمَّ اِسْتَقْبَلَ يُخْبِر عَنْهُمْ فَقَالَ : { إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ } . وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِكَسْرِ أَلِفِ : " إِنَّهَا " عَلَى أَنَّ قَوْله : وَإِنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ " خَبَر مُبْتَدَأ مُنْقَطِع عَنْ الْأَوَّل , وَمِمَّنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْمَكِّيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ ذَلِكَ خِطَاب مِنْ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , قَالُوا : وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِي بِآيَةٍ , الْمُؤْمِنُونَ بِهِ . قَالُوا : وَإِنَّمَا كَانَ سَبَب مَسْأَلَتهمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ حَلَفُوا أَنَّ الْآيَة أَذَا جَاءَتْ آمَنُوا , وَاتَّبَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : سَلْ يَا رَسُول اللَّه رَبَّك ذَلِكَ ! فَسَأَلَ , فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ وَفِي مَسْأَلَتهمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ , قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ بِك يَا مُحَمَّد : إِنَّمَا الْآيَات عِنْد اللَّه , وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِأَنَّ الْآيَات إِذَا جَاءَتْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ ; فَفَتَحُوا الْأَلِفَ مِنْ " أَنَّ " . وَمَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة , وَقَالُوا : أُدْخِلَتْ " لَا " فِي قَوْله : { لَا يُؤْمِنُونَ } صِلَة , كَمَا أُدْخِلَتْ فِي قَوْله : { مَا مَنَعَك أَلَّا تَسْجُد } 7 12 وَفِي قَوْله : { وَحَرَام عَلَى قَرْيَة أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ } 21 95 وَإِنَّمَا الْمَعْنَى : وَحَرَام عَلَيْهِمْ أَنْ يَرْجِعُوا , وَمَا مَنَعَك أَنْ تَسْجُد . وَقَدْ تَأَوَّلَ قَوْم قَرَءُوا ذَلِكَ بِفَتْحِ الْأَلِف مِنْ : { أَنَّهَا } بِمَعْنَى : لَعَلَّهَا , وَذَكَرُوا أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي قِرَاءَة أُبَيّ بْن كَعْب . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ الْعَرَب سَمَاعًا مِنْهَا : اِذْهَبْ إِلَى السُّوق أَنَّك تَشْتَرِي لِي شَيْئًا , بِمَعْنَى : لَعَلَّك تَشْتَرِي ; وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ قَوْل عَدِيّ بْن زَيْد الْعَبَّادِيّ : أَعَاذِلَ مَا يُدْرِيك أَنَّ مَنِيَّتِي إِلَى سَاعَةٍ فِي الْيَوْمِ أَوْ فِي ضُحَى الْغَدِ بِمَعْنَى : لَعَلَّ مَنِيَّتِي ; وَقَدْ أَنْشَدُونِي بَيْت دُرَيْد بْن الصِّمَّة : ذَرِينِي أُطَوِّفْ فِي الْبِلَادِ لِأَنَّنِي أَرَى مَا تَرَيْنَ أَوْ بَخِيلًا مُخَلَّدَا بِمَعْنَى : لَعَلَّنِي . وَاَلَّذِي أَنْشَدَنِي أَصْحَابنَا عَنْ الْفَرَّاء : " لَعَلَّنِي أَرَى مَا تَرَيْنَ " . وَقَدْ أَنْشَدَ أَيْضًا بَيْت تَوْبَة بْن الْحُمَيِّر : لَعَلَّك يَا تَيْسًا نَزَا فِي مَرِيرَة مُعَذِّب لَيْلَى أَنْ تَرَانِي أَزُورُهَا " لهنك يَا تَيْسًا " , بِمَعْنَى : لِأَنَّك الَّتِي فِي مَعْنَى لَعَلَّك ; وَأَنْشَدَ بَيْت أَبِي النَّجْم الِعِجْلِيّ : قُلْت لِشَيْبَان اُدْنُ مِنْ لِقَائِهِ إِنَّا نُغَدِّي الْقَوْم مِنْ شِوَائِهِ يَعْنِي : لَعَلَّنَا نُغَدِّي الْقَوْم . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَات فِي ذَلِكَ بِتَأْوِيلِ الْآيَة , قَوْل مَنْ قَالَ : ذَلِكَ خِطَاب مِنْ اللَّه لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ أَصْحَاب رَسُوله , أَعْنِي قَوْلَهُ : { وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ } , وَأَنَّ قَوْلَهُ " أَنَّهَا " بِمَعْنَى : " لَعَلَّهَا " . وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى تَأْوِيلَاته بِالصَّوَابِ لِاسْتِفَاضَةِ الْقِرَاءَة فِي قُرَّاء الْأَمْصَار بِالْيَاءِ مِنْ قَوْله : { لَا يُؤْمِنُونَ } ; وَلَوْ كَانَ قَوْله : { وَمَا يُشْعِرُكُمْ } خِطَابًا لِلْمُشْرِكِينَ , لَكَانَتْ الْقِرَاءَة فِي قَوْله : { لَا يُؤْمِنُونَ } بِالتَّاءِ , وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَدْ قَرَأَهُ بَعْض قُرَّاء الْمَكِّيِّينَ كَذَلِكَ , فَقِرَاءَة خَارِجَة عَمَّا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار , وَكَفَى بِخِلَافِ جَمِيعهمْ لَهَا دَلِيلًا عَلَى ذَهَابِهَا وَشُذُوذِهَا . وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : وَمَا يُدْرِيكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّ الْآيَات إِذَا جَاءَتْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فَيُعَاجَلُوا بِالنِّقْمَةِ وَالْعَذَاب عِنْد ذَلِكَ وَلَا يُؤَخَّرُوا بِهِ .
وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَسورة الأنعام الآية رقم 110
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَنُقَلِّب أَفْئِدَتهمْ وَأَبْصَارهمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّل مَرَّة } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَوْ أَنَا جِئْنَاهُمْ بِآيَةٍ كَمَا سَأَلُوا مَا آمَنُوا كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِمَا قَبْلهَا أَوَّل مَرَّة ; لِأَنَّ اللَّه حَالَ بَيْنهمْ وَبَيْن ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10701 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَنُقَلِّب أَفْئِدَتهمْ وَأَبْصَارهمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّل مَرَّة } . .. الْآيَة , قَالَ : لَمَّا جَحَدَ الْمُشْرِكُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَمْ تَثْبُت قُلُوبهمْ عَلَى شَيْء وَرَدَّتْ عَنْ كُلّ أَمْر . 10702 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَنُقَلِّب أَفْئِدَتهمْ وَأَبْصَارهمْ } قَالَ : نَمْنَعهُمْ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فَعَلْنَا بِهِمْ أَوَّل مَرَّة . وَقَرَأَ : { كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّل مَرَّة } . 10703 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ } قَالَ : نَحُول بَيْنهمْ وَبَيْن الْإِيمَان , وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلّ آيَة فَلَا يُؤْمِنُونَ , كَمَا حِلْنَا بَيْنهمْ وَبَيْنَ الْإِيمَان أَوَّل مَرَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتهمْ وَأَبْصَارهمْ لَوْ رُدُّوا مِنْ الْآخِرَة إِلَى الدُّنْيَا , فَلَا يُؤْمِنُونَ كَمَا فَعَلْنَا بِهِمْ ذَلِكَ , فَلَمْ يُؤْمِنُوا فِي الدُّنْيَا . قَالُوا : وَذَلِكَ نَظِير قَوْله : { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ } 6 28 . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10704 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : أَخْبَرَ اللَّه سُبْحَانه مَا الْعِبَاد قَائِلُونَ قَبْل أَنْ يَقُولُوهُ وَعَمَلهمْ قَبْل أَنْ يَعْمَلُوهُ , قَالَ : وَلَا يُنَبِّئك مِثْل خَبِير : { أَنْ تَقُولَ نَفْس يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه وَإِنْ كُنْت لَمِنْ الشَّاكِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْت مِنْ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِين تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُون مِنْ الْمُحْسِنِينَ } 40 56 : 58 يَقُول : مِنْ الْمُهْتَدِينَ . فَأَخْبَرَ اللَّه سُبْحَانه , أَنَّهُمْ لَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ , وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ , وَقَالَ : { وَنُقَلِّب أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } قَالَ : لَوْ رُدُّوا إِلَى الدُّنْيَا لَحِيلَ بَيْنهمْ وَبَيْن الْهُدَى , كَمَا حِلْنَا بَيْنهمْ وَبَيْنه أَوَّل مَرَّة وَهُمْ فِي الدُّنْيَا . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَات فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاَللَّهِ جَهْد أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَة لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا , أَنَّهُ يُقَلِّب أَفْئِدَتهمْ وَأَبْصَارهمْ وَيُصَرِّفهَا كَيْف شَاءَ , وَأَنَّ ذَلِكَ بِيَدِهِ يُقِيمهُ إِذَا شَاءَ وَيُزِيغهُ إِذَا أَرَادَ , وَأَنَّ قَوْله : { كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّل مَرَّة } دَلِيل عَلَى مَحْذُوف مِنْ الْكَلَام , وَأَنَّ قَوْله " كَمَا " تَشْبِيه مَا بَعْده بِشَيْءٍ قَبْله . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَالْوَاجِب أَنْ يَكُون مَعْنَى الْكَلَام : وَنُقَلِّب أَفْئِدَتهمْ فَنُزِيغهَا عَنْ الْإِيمَان , وَأَبْصَارهمْ عَنْ رُؤْيَة الْحَقّ وَمَعْرِفَة مَوْضِع الْحُجَّة , وَإِنْ جَاءَتْهُمْ الْآيَة الَّتِي سَأَلُوهَا فَلَا يُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِتَقْلِيبِنَا إِيَّاهَا قَبْل مَجِيئِهَا مَرَّة قَبْل ذَلِكَ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ تَأْوِيله كَانَتْ الْهَاء مِنْ قَوْله : { كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ } كِنَايَة ذِكْر التَّقْلِيب .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَنَذَرهُمْ فِي طُغْيَانهمْ يَعْمَهُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَنَذَر هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاَللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَة لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا عِنْد مَجِيئِهَا فِي تَمَرُّدِهِمْ عَلَى اللَّه وَاعْتِدَائِهِمْ فِي حُدُوده , يَتَرَدَّدُونَ لَا يَهْتَدُونَ لِحَقٍّ وَلَا يُبْصِرُونَ صَوَابًا , قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِمْ الْخِذْلَان وَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَان .
وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَسورة الأنعام الآية رقم 111
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمْ الْمَلَائِكَة وَكَلَّمَهُمْ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْء قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا مُحَمَّد , اِيئَسْ مِنْ فَلَاح هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام . الْقَائِلِينَ لَك : لَئِنْ جِئْتنَا بِآيَةٍ لَنُؤْمِنَنَّ لَك , فَإِنَّنَا لَوْ { نَزَّلْنَا إِلَيْهِمْ الْمَلَائِكَة } حَتَّى يَرَوْهَا عِيَانًا { وَكَلَّمَهُمْ الْمَوْتَى } بِإِحْيَائِنَا إِيَّاهُمْ , حُجَّة لَك وَدَلَالَة عَلَى نُبُوَّتك , وَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّك مُحِقّ فِيمَا تَقُول , وَأَنَّ مَا جِئْتهمْ بِهِ حَقٌّ مِنْ عِنْد اللَّه , { وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلّ شَيْء } فَجَعَلْنَاهُمْ لَك { قُبُلًا } ; مَا آمَنُوا وَلَا صَدَّقُوك , وَلَا اِتَّبَعُوك ; { إِلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه } ذَلِكَ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ . { وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } يَقُول : وَلَكِنَّ أَكْثَر هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَجْهَلُونَ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ , يَحْسَبُونَ أَنَّ الْإِيمَان إِلَيْهِمْ وَالْكُفْر بِأَيْدِيهِمْ , مَتَى شَاءُوا آمَنُوا وَمَتَى شَاءُوا كَفَرُوا . وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , ذَلِكَ بِيَدِي , لَا يُؤْمِن مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ هَدَيْته لَهُ فَوَفَّقْته , وَلَا يَكْفُر إِلَّا مَنْ خَذَلْته عَنْ الرُّشْد فَأَضْلَلْته . وَقِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ نَزَلَ فِي الْمُسْتَهْزِئِينَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْش . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10705 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : نَزَلَتْ فِي الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ سَأَلُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْآيَة , فَقَالَ : قُلْ يَا مُحَمَّد إِنَّمَا الْآيَات عِنْد اللَّه , وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ . وَنَزَلَ فِيهِمْ : { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمْ الْمَلَائِكَة وَكَلَّمَهُمْ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلّ شَيْء قُبُلًا } . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا قِيلَ : { مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا } يُرَاد بِهِ أَهْل الشَّقَاء , وَقِيلَ : { إِلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه } فَاسْتَثْنَى ذَلِكَ مِنْ قَوْله : { لِيُؤْمِنُوا } يُرَاد بِهِ أَهْل الْإِيمَان وَالسَّعَادَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10706 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمْ الْمَلَائِكَة وَكَلَّمَهُمْ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلّ شَيْء قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا } وَهُمْ أَهْل الشَّقَاء . ثُمَّ قَالَ : { إِلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه } وَهُمْ أَهْل السَّعَادَة الَّذِينَ سَبَقَ لَهُمْ فِي عِلْمه أَنْ يَدْخُلُوا فِي الْإِيمَان . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل اِبْن عَبَّاس ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّ بِقَوْلِهِ : { مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا } الْقَوْم الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ فِي قَوْله : { وَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَة لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا } 6 109 . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون الَّذِينَ سَأَلُوا الْآيَة كَانُوا هُمْ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ قَالَ اِبْن جُرَيْج : إِنَّهُمْ عُنُوا بِهَذِهِ الْآيَة ; وَلَكِنْ لَا دَلَالَة فِي ظَاهِر التَّنْزِيل عَلَى ذَلِكَ وَلَا خَبَر تَقُوم بِهِ حُجَّة بِأَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ . وَالْخَبَر مِنْ اللَّه خَارِج مَخْرَج الْعُمُوم , فَالْقَوْل بِأَنَّ ذَلِكَ عُنِيَ بِهِ أَهْل الشَّقَاء مِنْهُمْ أَوْلَى لِمَا وَصَفْنَا . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلّ شَيْء قُبُلًا } فَقَرَأَتْهُ قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة : " قِبَلًا " بِكَسْرِ الْقَاف وَفَتْح الْبَاء , بِمَعْنَى مُعَايَنَة , مِنْ قَوْل الْقَائِل : لَقِيته قِبَلًا : أَيْ مُعَايَنَة وَمُجَاهَرَة . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ : { وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلّ شَيْء قُبُلًا } بِضَمِّ الْقَاف وَالْبَاء . وَإِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ كَانَ لَهُ مِنْ التَّأْوِيل ثَلَاثَة أَوْجُه : أَحَدهَا أَنْ يَكُون الْقُبُل : جَمَعَ قَبِيل كَالرُّغُفِ الَّتِي هِيَ جَمْع رَغِيف , وَالْقُضُب الَّتِي هِيَ جَمْع قَضِيب , وَيَكُون الْقُبُل : الضُّمَنَاء وَالْكُفَلَاء ; وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ , كَانَ تَأْوِيل الْكَلَام : وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلّ شَيْء كُفَلَاء يَكْفُلُونَ لَهُمْ بِأَنَّ الَّذِي نَعِدُهُمْ عَلَى إِيمَانهمْ بِاَللَّهِ إِنْ آمَنُوا أَوْ نُوعِدهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِاَللَّهِ إِنْ هَلَكُوا عَلَى كُفْرِهِمْ , مَا آمَنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه . وَالْوَجْه الْآخَر : أَنْ يَكُون " الْقُبُل " بِمَعْنَى الْمُقَابَلَة وَالْمُوَاجَهَة , مِنْ قَوْل الْقَائِل : أَتَيْتُك قُبُلًا لَا دُبُرًا , إِذَا أَتَاهُ مِنْ قِبَل وَجْهه . وَالْوَجْه الثَّالِث : أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلّ شَيْء قَبِيلَة قَبِيلَة , صِنْفًا صِنْفًا , وَجَمَاعَة جَمَاعَة . فَيَكُون الْقُبُل حِينَئِذٍ جَمْع قَبِيل الَّذِي هُوَ جَمْع قَبِيلَة , فَيَكُون الْقُبُل جَمْع الْجَمْع . وَبِكُلِّ ذَلِكَ قَدْ قَالَتْ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : مُعَايَنَة . 10707 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلّ شَيْء قُبُلًا } يَقُول : مُعَايَنَة . 10708 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلّ شَيْء قُبُلًا } حَتَّى يُعَايِنُوا ذَلِكَ مُعَايَنَة ; { مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه } . ذِكْر مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : قَبِيلَة قَبِيلَة صِنْفًا صِنْفًا . 10709 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن يَزِيد , مَنْ قَرَأَ : { قُبُلًا } مَعْنَاهُ : قَبِيلًا قَبِيلًا . 10710 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : { قُبُلًا } أَفْوَاجًا , قَبِيلًا قَبِيلًا . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن يُونُس , عَنْ أَبِي خَيْثَمَة , قَالَ : ثَنَا أَبَان بْن تَغْلِب , قَالَ : ثَنِي طَلْحَة أَنَّ مُجَاهِدًا قَرَأَ فِي الْأَنْعَام : { كُلّ شَيْء قُبُلًا } قَالَ : قَبَائِل , قَبِيلًا وَقَبِيلًا وَقَبِيلًا . ذِكْر مَنْ قَالَ قَالَ : مَعْنَاهُ : مُقَابَلَة . 10711 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَلْنَا إِلَيْهِمْ الْمَلَائِكَة وَكَلَّمَهُمْ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا } يَقُول : لَوْ اِسْتَقْبَلَهُمْ ذَلِكَ كُلّه , لَمْ يُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه . 10712 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلّ شَيْء قُبُلًا } قَالَ : حُشِرُوا إِلَيْهِمْ جَمِيعًا , فَقَابَلُوهُمْ وَوَاجَهُوهُمْ . 10713 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن يَزِيد , قَرَأَ عِيسَى : { قُبُلًا } وَمَعْنَاهُ : عِيَانًا . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدنَا , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلّ شَيْء قُبُلًا } بِضَمِّ الْقَاف وَالْبَاء ; لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ اِحْتِمَال ذَلِكَ الْأَوْجُه الَّتِي بَيَّنَّا مِنْ الْمَعَانِي , وَأَنَّ مَعْنَى الْقِبَل دَاخِل فِيهِ , وَغَيْر دَاخِل فِي الْقِبَل مَعَانِي الْقُبُل . وَأَمَّا قَوْله : { وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ } فَإِنَّ مَعَتَاهُ : وَجَمَعْنَا عَلَيْهِمْ , وَسُقْنَا إِلَيْهِمْ .
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَسورة الأنعام الآية رقم 112
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضهمْ إِلَى بَعْض زُخْرُف الْقَوْل غُرُورًا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَلِّيه بِذَلِكَ عَمَّا لَقِيَ مِنْ كَفَرَة قَوْمه فِي ذَات اللَّه , وَحَاثًّا لَهُ عَلَى الصَّبْر عَلَى مَا نَالَ فِيهِ : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيّ عَدُوًّا } يَقُول : وَكَمَا اِبْتَلَيْنَاك يَا مُحَمَّد بِأَنْ جَعَلْنَا لَك مِنْ مُشْرِكِي قَوْمك أَعْدَاء شَيَاطِين { يُوحِي بَعْضهمْ إِلَى بَعْض زُخْرُف الْقَوْل } لِيَصُدُّوهُمْ بِمُجَادَلَتِهِمْ إِيَّاكَ بِذَلِكَ عَنْ اِتِّبَاعِك وَالْإِيمَان بِك وَبِمَا جِئْتهمْ لَهُ مِنْ عِنْد رَبّك ; كَذَلِكَ اِبْتَلَيْنَا مَنْ قَبْلك مِنْ الْأَنْبِيَاء وَالرُّسُل , بِأَنْ جَعَلْنَا لَهُمْ أَعْدَاء مِنْ قَوْمهمْ يُؤْذُونَهُمْ بِالْجِدَالِ وَالْخُصُومَات , يَقُول : فَهَذَا الَّذِي اِمْتَحَنْتُك بِهِ لَمْ تُخْصَصْ بِهِ مِنْ بَيْنهمْ وَحْدك , بَلْ قَدْ عَمَّمْتهمْ بِذَلِكَ مَعَك لِأَبْتَلِيَهُمْ وَأَخْتَبِرهُمْ مَعَ قُدْرَتِي عَلَى مَنْع مَنْ آذَاهُمْ مِنْ إِيذَائِهِمْ , فَلَمْ أَفْعَل ذَلِكَ إِلَّا لِأَعْرِفَ أُولِي الْعَزْم مِنْهُمْ مِنْ غَيْرهمْ ; يَقُول : فَاصْبِرْ أَنْتَ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْم مِنْ الرُّسُل . وَأَمَّا شَيَاطِين الْإِنْس وَالْجِنّ فَإِنَّهُمْ مَرَدَتهمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا الْفِعْل الَّذِي مِنْهُ بُنِيَ هَذَا الِاسْم بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَنَصّ الْعَدُوّ وَالشَّيَاطِين بِقَوْلِهِ : { جَعَلْنَا } . وَأَمَّا قَوْله : { يُوحِي بَعْضهمْ إِلَى بَعْض زُخْرُف الْقَوْل غُرُورًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : أَنَّهُ يُلْقِي الْمُلْقِي مِنْهُمْ الْقَوْل الَّذِي زَيَّنَّهُ وَحَسَّنَهُ بِالْبَاطِلِ إِلَى صَاحِبه , لِيَغْتَرَّ بِهِ مَنْ سَمِعَهُ فَيَضِلّ عَنْ سَبِيل اللَّه . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { شَيَاطِين الْإِنْس وَالْجِنّ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : شَيَاطِين الْإِنْس الَّتِي مَعَ الْإِنْس , وَشَيَاطِين الْجِنّ الَّتِي مَعَ الْجِنّ ; وَلَيْسَ لِلْإِنْسِ شَيَاطِين . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10714 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَصَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيّ عَدُوًّا شَيَاطِين الْإِنْس وَالْجِنّ يُوحِي بَعْضهمْ إِلَى بَعْض زُخْرُف الْقَوْل غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبّك مَا فَعَلُوهُ } أَمَّا شَيَاطِين الْإِنْس : فَالشَّيَاطِين الَّتِي تُضِلّ الْإِنْس , وَشَيَاطِين الْجِنّ الَّذِينَ يُضِلُّونَ الْجِنّ ; يَلْتَقِيَانِ فَيَقُول كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا : إِنِّي أَضْلَلْت صَاحِبِي بِكَذَا وَكَذَا , وَأَضْلَلْت أَنْتَ صَاحِبك بِكَذَا وَكَذَا , فَيُعْلِم بَعْضهمْ بَعْضًا . 10715 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو نُعَيْم , عَنْ شَرِيك , عَنْ سَعِيد بْن مَسْرُوق , عَنْ عِكْرِمَة : { شَيَاطِين الْإِنْس وَالْجِنّ } قَالَ : لَيْسَ فِي الْإِنْس شَيَاطِين ; وَلَكِنَّ شَيَاطِين الْجِنّ يُوحُونَ إِلَى شَيَاطِين الْإِنْس , وَشَيَاطِين الْإِنْس يُوحُونَ إِلَى شَيَاطِين الْجِنّ . 10716 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { يُوحِي بَعْضهمْ إِلَى بَعْض زُخْرُف الْقَوْل غُرُورًا } قَالَ : لِلْإِنْسَانِ شَيْطَان , وَلِلْجِنِّيِّ شَيْطَان , فَيَلْقَى شَيْطَان الْإِنْس شَيْطَان الْجِنّ , فَيُوحِي بَعْضهمْ إِلَى بَعْض زُخْرُف الْقَوْل غُرُورًا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : جَعَلَ عِكْرِمَة وَالسُّدِّيّ فِي تَأْوِيلهمَا هَذَا الَّذِي ذَكَرْت عَنْهُمَا عَدُوّ الْأَنْبِيَاء الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّه فِي قَوْله : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيّ عَدُوًّا } أَوْلَاد إِبْلِيس دُون أَوْلَاد آدَم وَدُون الْجِنّ , وَجَعَلَ الْمَوْصُوفِينَ بِأَنَّ بَعْضهمْ يُوحِي إِلَى بَعْض زُخْرُف الْقَوْل غُرُورًا , وَلَد إِبْلِيس , وَأَنَّ مَنْ مَعَ اِبْن آدَم مِنْ وَلَد إِبْلِيس يُوحِي إِلَى مَنْ مَعَ الْجِنّ مِنْ وَلَده زُخْرُف الْقَوْل غُرُورًا . وَلَيْسَ لِهَذَا التَّأْوِيل وَجْه مَفْهُوم , لِأَنَّ اللَّه جَعَلَ إِبْلِيس وَوَلَده أَعْدَاء اِبْن آدَم , فَكُلّ وَلَده لِكُلِّ وَلَده عَدُوّ . وَقَدْ خَصَّ اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة الْخَبَر عَنْ الْأَنْبِيَاء أَنَّهُ جَعَلَ لَهُمْ مِنْ الشَّيَاطِين أَعْدَاء , فَلَوْ كَانَ مَعْنِيًّا بِذَلِكَ الشَّيَاطِين الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ السُّدِّيّ , الَّذِينَ هُمْ وَلَد إِبْلِيس , لَمْ يَكُنْ لِخُصُوصِ الْأَنْبِيَاء بِالْخَبَرِ عَنْهُمْ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُمْ الشَّيَاطِين أَعْدَاء وَجْه . وَقَدْ جَعَلَ مِنْ ذَلِكَ لِأَعْدَى أَعْدَائِهِ مِثْل الَّذِي جَعَلَ لَهُمْ , وَلَكِنَّ ذَلِكَ كَاَلَّذِي قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِهِ أَنَّهُ جَعَلَ مَرَدَة الْإِنْس وَالْجِنّ لِكُلِّ نَبِيّ عَدُوًّا يُوحِي بَعْضهمْ إِلَى بَعْضٍ مِنْ الْقَوْل مَا يُؤْذِيهِمْ بِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , جَاءَ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 10717 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثَنَا حَمَّاد , عَنْ حُمَيْد بْن هِلَال , قَالَ : ثَنِي رَجُل مِنْ أَهْل دِمَشْق , عَنْ عَوْف بْن مَالِك , عَنْ أَبِي ذَرّ : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يَا أَبَا ذَرٍّ , هَلْ تَعَوَّذْت بِاَللَّهِ مِنْ شَرّ شَيَاطِين الْإِنْس وَالْجِنّ ؟ " قَالَ : قُلْت : يَا رَسُول اللَّه , هَلْ لِلْأُنْسِ مِنْ شَيَاطِين ؟ قَالَ : " نَعَمْ " . 10718 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَيُّوب وَغَيْره مِنْ الْمَشْيَخَة , عَنْ اِبْن عَائِذ , عَنْ أَبِي ذَرّ , أَنَّهُ قَالَ : أَتَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِس قَدْ أَطَالَ فِيهِ الْجُلُوس , قَالَ : فَقَالَ : " يَا أَبَا ذَرّ , هَلْ صَلَّيْت ؟ " قَالَ : قُلْت : لَا يَا رَسُول اللَّه ! قَالَ : " قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ! " قَالَ : ثُمَّ جِئْت فَجَلَسْت إِلَيْهِ , فَقَالَ : " يَا أَبَا ذَرّ هَلْ تَعَوَّذْت بِاَللَّهِ مِنْ شَرّ شَيَاطِين الْإِنْس وَالْجِنّ ؟ " قَالَ : قُلْت : يَا رَسُول اللَّه وَهَلْ لِلْإِنْسِ مِنْ شَيَاطِين ؟ قَالَ : " نَعَمْ , شَرّ مِنْ شَيَاطِين الْجِنّ " . 10719 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا ذَرّ قَامَ يَوْمًا يُصَلِّي , فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَعَوَّذْ يَا أَبَا ذَرّ مِنْ شَيَاطِين الْإِنْس وَالْجِنّ ! " فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه : أَوَإِنَّ مِنْ الْإِنْس شَيَاطِين ؟ قَالَ : " نَعَمْ " . وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا مِنْ ذَلِكَ إِنَّهُ إِخْبَار مِنْ اللَّه أَنَّ شَيَاطِين الْإِنْس وَالْجِنّ يُوحِي بَعْضهمْ إِلَى بَعْض . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10720 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { شَيَاطِين الْإِنْس وَالْجِنّ } قَالَ : مِنْ الْجِنّ شَيَاطِين , وَمِنْ الْإِنْس شَيَاطِين يُوحِي بَعْضهمْ إِلَى بَعْض . قَالَ قَتَادَة : بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا ذَرّ كَانَ يَوْمًا يُصَلِّي , فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ : " تَعَوَّذْ يَا أَبَا ذَرّ مِنْ شَيَاطِين الْإِنْس وَالْجِنّ ! " فَقَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه , أَوَإِنَّ مِنْ الْإِنْس شَيَاطِين ؟ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نَعَمْ " . - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيّ عَدُوًّا شَيَاطِين الْإِنْس وَالْجِنّ } . . . الْآيَة , ذَكَرَ لَنَا أَبَا ذَرّ قَامَ ذَات يَوْم يُصَلِّي , فَقَالَ لَهُ نَبِيّ اللَّه : " تَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ شَيَاطِين الْجِنّ وَالْإِنْس ! " فَقَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه أَوَلِلْإِنْسِ شَيَاطِين كَشَيَاطِين الْجِنّ ؟ قَالَ : " نَعَمْ , أَوَكَذَبْت عَلَيْهِ ؟ " . 10721 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيّ عَدُوًّا شَيَاطِين الْإِنْس وَالْجِنّ } فَقَالَ : كُفَّار الْجِنّ شَيَاطِين يُوحُونَ إِلَى شَيَاطِين الْإِنْس كُفَّار الْإِنْس زُخْرُف الْقَوْل غُرُورًا . وَأَمَّا قَوْله : { زُخْرُف الْقَوْل غُرُورًا } فَإِنَّهُ الْمُزَيِّن بِالْبَاطِلِ كَمَا وَصَفْت قَبْل , يُقَال مِنْهُ : زَخْرَفَ كَلَامه وَشَهَادَته إِذَا حَسَّنَ ذَلِكَ بِالْبَاطِلِ وَوَشَّاهُ . كَمَا : 10722 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو نُعَيْم , عَنْ شَرِيك , عَنْ سَعِيد بْن مَسْرُوق , عَنْ عِكْرِمَة , قَوْله : { زُخْرُف الْقَوْل غُرُورًا } قَالَ : تَزْيِين الْبَاطِل بِالْأَلْسِنَةِ . 0723 1 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا الزُّخْرُف , فَزَخْرَفُوهُ : زَيَّنُوهُ . 10724 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { زُخْرُف الْقَوْل غُرُورًا } قَالَ : تَزْيِين الْبَاطِل بِالْأَلْسِنَةِ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 10725 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { زُخْرُف الْقَوْل غُرُورًا } يَقُول : حَسَّنَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ الْقَوْل لِيَتَّبِعُوهُمْ فِي فِتْنَتِهِمْ . 10726 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { زُخْرُف الْقَوْل غُرُورًا } قَالَ : الزُّخْرُف : الْمُزَيِّن , حَيْثُ زَيَّنَّ لَهُمْ هَذَا الْغُرُور , كَمَا زَيَّنَ إِبْلِيس لِآدَم مَا جَاءَهُ بِهِ وَقَاسَمَهُ إِنَّهُ لَمِنْ النَّاصِحِينَ . وَقَرَأَ : { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُمْ } 41 25 قَالَ : ذَلِكَ الزُّخْرُف . وَأَمَّا الْغُرُور : فَإِنَّهُ مَا غَرَّ الْإِنْسَان فَخَدَعَهُ فَصَدَّهُ عَنْ الصَّوَاب إِلَى الْخَطَأ وَمِنْ الْحَقّ إِلَى الْبَاطِل . وَهُوَ مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : غَرَرْت فُلَانًا بِكَذَا وَكَذَا , فَأَنَا أَغِرُّهُ غُرُورًا وَغَرًّا . كَاَلَّذِي : 10727 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { غُرُورًا } قَالَ : يَغِرُّونَ بِهِ النَّاس وَالْجِنّ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ شَاءَ رَبّك مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرهُ : وَلَوْ شِئْت يَا مُحَمَّد أَنْ يُؤْمِن الَّذِينَ كَانُوا لِأَنْبِيَائِي أَعْدَاء مِنْ شَيَاطِين الْإِنْس وَالْجِنّ فَلَا يَنَالهُمْ مَكْرهمْ وَيَأْمَنُوا غَوَائِلهمْ وَأَذَاهُمْ , فَعَلْت ذَلِكَ ; وَلَكِنِّي لَمْ أَشَأْ ذَلِكَ لِأَبْتَلِيَ بَعْضهمْ بِبَعْضٍ فَيَسْتَحِقّ كُلّ فَرِيق مِنْهُمْ مَا سَبَقَ لَهُ فِي الْكِتَاب السَّابِق . { فَذَرْهُمْ } يَقُول : فَدَعْهُمْ , يَعْنِي الشَّيَاطِين الَّذِينَ يُجَادِلُونَك بِالْبَاطِلِ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمك وَيُخَاصِمُونَك بِمَا يُوحِي إِلَيْهِمْ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنْ شَيَاطِين الْإِنْس وَالْجِنّ , { وَمَا يَفْتَرُونَ } يَعْنِي : وَمَا يَخْتَلِقُونَ مِنْ إِفْك وَزُور , يَقُول لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اِصْبِرْ عَلَيْهِمْ فَإِنِّي مِنْ وَرَاء عِقَابهمْ عَلَى اِفْتِرَائِهِمْ عَلَى اللَّه وَاخْتِلَافهمْ عَلَيْهِ الْكَذِب وَالزُّور .
وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَسورة الأنعام الآية رقم 113
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَة الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيّ عَدُوًّا شَيَاطِين الْإِنْس وَالْجِنّ يُوحِي بَعْضهمْ إِلَى بَعْض زُخْرُف الْقَوْل غُرُورًا } { وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يُوحِي بَعْض هَؤُلَاءِ الشَّيَاطِين إِلَى بَعْض الْمُزَيَّن مِنْ الْقَوْل بِالْبَاطِلِ , لِيَغِرُّوا بِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَتْبَاع الْأَنْبِيَاء , فَيَفْتِنُوهُمْ عَنْ دِينهمْ ; { وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَة الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ } يَقُول : وَلِتَمِيلَ إِلَيْهِ قُلُوب الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ . وَهُوَ مِنْ صَغَوْت تَصْغَى وَتَصْغُو , وَالتَّنْزِيل جَاءَ بِـ تَصْغَى صَغْوًا وَصُغُوًّا , وَبَعْض الْعَرَب يَقُول صَغَيْت بِالْيَاءِ ; حُكِيَ عَنْ بَعْض بَنِي أَسَد : صَغَيْت إِلَى حَدِيثه , فَأَنَا أَصْغَى صُغِيًّا بِالْيَاءِ , وَذَلِكَ إِذَا مِلْت , يُقَال : صَغْوِي مَعَك : إِذَا كَانَ هَوَاك مَعَهُ وَمَيْلك , مِثْل قَوْلهمْ : ضِلَعِي مَعَك , وَيُقَال : أَصْغَيْت الْإِنَاء : إِذَا أَمَلْته لِيَجْتَمِع مَا فِيهِ ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : تَرَى السَّفِيهَ بِهِ عَنْ كُلّ مُحْكَمَة زَيْغٌ وَفِيهِ إِلَى التَّشْبِيه إِصْغَاءُ وَيُقَال لِلْقَمَرِ إِذَا مَالَ لِلْغُيُوبِ : صَغَا وَأَصْغَى . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10728 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلَى بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَة } يَقُول : تَزِيغ إِلَيْهِ أَفْئِدَة . - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَة الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ } قَالَ : لِتَمِيلَ . 10729 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَة الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ } يَقُول : تَمِيل إِلَيْهِ قُلُوب الْكُفَّار وَيُحِبُّونَهُ وَيَرْضَوْنَ بِهِ . 10730 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَة الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ } قَالَ : وَلِتَصْغَى : وَلِيَهْوُوا ذَلِكَ وَلِيَرْضَوْهُ , قَالَ : يَقُول الرَّجُل لِلْمَرْأَةِ : صَغَيْت إِلَيْهَا : هَوَيْتهَا .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَلِيَكْتَسِبُوا مِنْ الْأَعْمَال مَا هُمْ مُكْتَسِبُونَ . حُكِيَ عَنْ الْعَرَب سَمَاعًا مِنْهَا : خَرَجَ يَقْتَرِف لِأَهْلِهِ , بِمَعْنَى يَكْسِب لَهُمْ , وَمِنْهُ قِيلَ : قَارَفَ فُلَان هَذَا الْأَمْر : إِذَا وَاقَعَهُ وَعَمِلَهُ . وَكَانَ بَعْضهمْ يَقُول : هُوَ التُّهْمَة وَالِادِّعَاء , يُقَال لِلرَّجُلِ : أَنْتَ قَرَفْتنِي : أَيْ اِتَّهَمْتنِي , وَيُقَال : بِئْسَمَا اِقْتَرَفْت لِنَفْسِك . وَقَالَ رُؤْبَة : أَعْيَا اِقْتِرَاف الْكَذِب الْمَقْرُوف تَقْوَى التَّقِيّ وَعِفَّة الْعَفِيف وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَلِيَقْتَرِفُوا } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10731 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ } وَلِيَكْتَسِبُوا مَا هُمْ مُكْتَسِبُونَ . 10732 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ } قَالَ : لِيَعْمَلُوا مَا هُمْ عَامِلُونَ . 10733 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ } قَالَ : لِيَعْمَلُوا مَا هُمْ عَامِلُونَ .
أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَسورة الأنعام الآية رقم 114
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَغَيْر اللَّه أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْك الْكِتَاب مُفَصَّلًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِاَللَّهِ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , الْقَائِلِينَ لَك كُفَّ عَنْ آلِهَتنَا وَنَكُفّ عَنْ إِلَهك : إِنَّ اللَّه قَدْ حَكَمَ عَلَيَّ بِذِكْرِ آلِهَتكُمْ بِمَا يَكُون صَدًّا عَنْ عِبَادَتهَا , { أَفَغَيْر اللَّه أَبْتَغِي حَكَمًا } أَيْ قُلْ : فَلَيْسَ لِي أَنْ أَتَعَدَّى حُكْمه وَأَتَجَاوَزهُ , لِأَنَّهُ لَا حَكَم أَعْدَل مِنْهُ وَلَا قَائِل أَصْدَق مِنْهُ . { وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَاب مُفَصَّلًا } يَعْنِي : الْقُرْآن ; مُفَصَّلًا , يَعْنِي مُبَيَّنًا فِيهِ الْحُكْم فِيمَا تَخْتَصِمُونَ فِيهِ مِنْ أَمْرِي وَأَمْركُمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى التَّفْصِيل فِيمَا مَضَى قَبْل .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّل مِنْ رَبّك بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَن مِنْ الْمُمْتَرِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : إِنْ أَنْكَرَ هَؤُلَاءِ الْعَادِلُونَ بِاَللَّهِ الْأَوْثَان مِنْ قَوْمك تَوْحِيد اللَّه , وَأَشْرَكُوا مَعَهُ الْأَنْدَاد , وَجَحَدُوا مَا أَنْزَلْته إِلَيْك , وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُون حَقًّا , وَكَذَّبُوا بِهِ . فَاَلَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب - وَهُوَ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل - مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , { يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّل مِنْ رَبّك } يَعْنِي : الْقُرْآن وَمَا فِيهِ { بِالْحَقِّ } يَقُول : فَصْلًا بَيْن أَهْل الْحَقّ وَالْبَاطِل , يَدُلّ عَلَى صِدْق الصَّادِق فِي عِلْم اللَّه , وَكَذِب الْكَاذِب الْمُفْتَرِي عَلَيْهِ . { فَلَا تَكُونَن مِنْ الْمُمْتَرِينَ } يَقُول : فَلَا تَكُونَن يَا مُحَمَّد مِنْ الشَّاكِّينَ فِي حَقِّيَّة الْأَنْبَاء الَّتِي جَاءَتْك مِنْ اللَّه فِي هَذَا الْكِتَاب وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا تَضَمَّنَهُ ; لِأَنَّ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّل مِنْ رَبّك بِالْحَقِّ . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مَا وَجْه قَوْله : { فَلَا تَكُونَن مِنْ الْمُمْتَرِينَ } بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته مَعَ الرِّوَايَة الْمَرْوِيَّة فِيهِ . وَقَدْ : 10734 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : { فَلَا تَكُونَن مِنْ الْمُمْتَرِينَ } يَقُول : لَا تَكُونَن فِي شَكّ مِمَّا قَصَصْنَا عَلَيْك .
وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُسورة الأنعام الآية رقم 115
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّك صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّل لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَكَمُلَتْ كَلِمَة رَبّك , يَعْنِي الْقُرْآن . سَمَّاهُ كَلِمَة كَمَا تَقُول الْعَرَب لِلْقَصِيدَةِ مِنْ الشَّعْر يَقُولهَا الشَّاعِر : هَذِهِ كَلِمَة فُلَان . { صِدْقًا وَعَدْلًا } يَقُول : كَمُلَتْ كَلِمَة رَبّك مِنْ الصِّدْق وَالْعَدْل ; وَالصِّدْق وَالْعَدْل نُصِبَا عَلَى التَّفْسِير لِلْكَلِمَةِ , كَمَا يُقَال : عِنْدِي عِشْرُونَ دِرْهَمًا . { لَا مُبَدِّل لِكَلِمَاتِهِ } يَقُول : لَا مُغَيِّر لِمَا أَخْبَرَ فِي كُتُبِهِ أَنَّهُ كَائِن مِنْ وُقُوعه فِي حِينِهِ وَأَجَله الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه أَنَّهُ وَاقِع فِيهِ . وَذَلِكَ نَظِير قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَام اللَّه قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّه مِنْ قَبْل } فَكَانَتْ إِرَادَتُهُمْ تَبْدِيل كَلَام اللَّه مَسْأَلَتَهُمْ نَبِيّ اللَّه أَنْ يَتْرُكَهُمْ يَحْضُرُونَ الْحَرْب مَعَهُ , وَقَوْلهمْ لَهُ وَلِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ : { ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ } 48 15 بَعْد الْخَبَر الَّذِي كَانَ اللَّه أَخْبَرَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي كِتَابه بِقَوْلِهِ : { فَإِنْ رَجَعَك اللَّهُ إِلَى طَائِفَة مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوك لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا } . . . الْآيَة 9 82 , فَحَاوَلُوا تَبْدِيل كَلَام اللَّه وَخَبَره بِأَنَّهُمْ لَنْ يَخْرُجُوا مَعَ نَبِيّ اللَّه فِي غَزَاة , وَلَنْ يُقَاتِلُوا مَعَهُ عَدُوًّا بِقَوْلِهِمْ لَهُمْ : { ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ } فَقَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا بِمَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُمْ ذَلِكَ كَلَام اللَّه وَخَبَره { قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّه مِنْ قَبْل } . فَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْله : { لَا مُبَدِّل لِكَلِمَاتِهِ } إِنَّمَا هُوَ : لَا مُغَيِّر لِمَا أَخْبَرَ عَنْهُ مِنْ خَبَر أَنَّهُ كَائِن فَيَبْطُل مَجِيئُهُ وَكَوْنه وَوُقُوعه , عَلَى مَا أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَزِيد الْمُفْتَرَوْنَ فِي كُتُب اللَّه وَلَا يَنْقُصُونَ مِنْهَا ; وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُود وَالنَّصَارَى لَا شَكَّ أَنَّهُمْ أَهْل كُتُب اللَّه الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى أَنْبِيَائِهِ , وَقَدْ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُمْ يُحَرِّفُونَ غَيْر الَّذِي أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا مُبَدِّل لَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10735 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَتَمَّتْ كَلِمَة رَبّك صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّل لِكَلِمَاتِهِ } يَقُول : صِدْقًا وَعَدْلًا فِيمَا حَكَمَ . وَأَمَّا قَوْله : { وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَاَللَّه السَّمِيع لِمَا يَقُول هَؤُلَاءِ الْعَادِلُونَ بِاَللَّهِ , الْمُقْسِمُونَ بِاَللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ : لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَة لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ كَلَام خَلْقه , الْعَلِيم بِمَا تَئُول إِلَيْهِ أَيْمَانهمْ مِنْ بِرّ وَصِدْق وَكَذِب وَحِنْث وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أُمُور عِبَاده .
وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَسورة الأنعام الآية رقم 116
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْض يُضِلُّوك عَنْ سَبِيل اللَّه إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تُطِعْ هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِاَللَّهِ الْأَنْدَاد يَا مُحَمَّد فِيمَا دَعَوْك إِلَيْهِ مِنْ أَكْل مَا ذَبَحُوا لِآلِهَتِهِمْ , وَأَهَلُّوا بِهِ لِغَيْرِ رَبّهمْ وَأَشْكَالهمْ مِنْ أَهْل الزَّيْغ وَالضَّلَال , فَإِنَّك إِنْ تُطِعْ أَكْثَر مَنْ فِي الْأَرْض يُضِلُّوك عَنْ دِين اللَّه وَمَحَجَّة الْحَقّ وَالصَّوَاب فَيَصُدُّوك عَنْ ذَلِكَ . وَإِنَّمَا قَالَ اللَّه لِنَبِيِّهِ : { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَر مَنْ فِي الْأَرْض } مِنْ بَنِي آدَم , لِأَنَّهُمْ كَانُوا حِينَئِذٍ كُفَّارًا ضُلَّالًا , فَقَالَ لَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لَا تُطِعْهُمْ فِيمَا دَعَوْك إِلَيْهِ , فَإِنَّك إِنْ تُطِعْهُمْ ضَلَلْت ضَلَالهمْ وَكُنْت مِثْلهمْ ; لِأَنَّهُمْ لَا يَدْعُونَك إِلَى الْهُدَى وَقَدْ أَخْطَئُوهُ . ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ حَال الَّذِينَ نَهَى نَبِيّه عَنْ طَاعَتهمْ فِيمَا دَعَوْهُ إِلَيْهِ فِي أَنْفُسهمْ , فَقَالَ : { إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنّ } فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُمْ مِنْ أَمْرِهِمْ عَلَى ظَنّ عِنْد أَنْفُسهمْ , وَحُسْبَان عَلَى صِحَّة عَزْم عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ خَطَأ فِي الْحَقِيقَة . { وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ } يَقُول : مَا هُمْ إِلَّا مُتَخَرِّصُونَ يَظُنُّونَ وَيُوقِعُونَ حَزْرًا لَا يَقِين عِلْم , يُقَال مِنْهُ : خَرَصَ يَخْرُص خَرْصًا وَخِرْصًا : أَيْ كَذَبَ وَتَخَرَّصَ بِظَنٍّ وَتَخَرَّصَ بِكَذِبٍ , وَخَرَصْت النَّخْل أَخْرُصُهُ , وَخَرَصَتْ إِبِلُك : أَصَابَهَا الْبَرْد وَالْجُوع .
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَسورة الأنعام الآية رقم 117
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ رَبّك هُوَ أَعْلَم مَنْ يَضِلّ عَنْ سَبِيله وَهُوَ أَعْلَم بِالْمُهْتَدِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا مُحَمَّد إِنَّ رَبّك الَّذِي نَهَاك أَنْ تُطِيعَ هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِاَللَّهِ الْأَوْثَان , لِئَلَّا يُضِلُّوك عَنْ سَبِيله , هُوَ أَعْلَم مِنْك وَمِنْ جَمِيع خَلْقِهِ , أَيّ خَلْقه يُضِلّ عَنْ سَبِيله يُزَخْرِف الْقَوْل الَّذِي يُوحِي الشَّيَاطِين بَعْضهمْ إِلَى بَعْض , فَيَصُدُّوا عَنْ طَاعَته وَاتِّبَاع مَا أَمَرَ بِهِ . { وَهُوَ أَعْلَم بِالْمُهْتَدِينَ } يَقُول : وَهُوَ أَعْلَم أَيْضًا مِنْك وَمِنْهُمْ بِمَنْ كَانَ عَلَى اِسْتِقَامَة وَسَدَاد , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ أَحَد . يَقُول : وَاتَّبِعْ يَا مُحَمَّد مَا أَمَرْتُك بِهِ , وَانْتَهِ عَمَّا نَهَيْتُك عَنْهُ مِنْ طَاعَة مَنْ نَهَيْتُك عَنْ طَاعَته , فَإِنِّي أَعْلَم بِالْهَادِي وَالْمُضِلّ مِنْ خَلْقِي مِنْك . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي مَوْضِع " مَنْ " فِي قَوْله : { إِنَّ رَبّك هُوَ أَعْلَم مَنْ يَضِلّ } . فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : مَوْضِعه خَفْض بِنِيَّةِ الْبَاء , قَالَ : وَمَعْنَى الْكَلَام : إِنَّ رَبّك هُوَ أَعْلَم بِمَنْ يَضِلّ . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : مَوْضِعه رَفْع , لِأَنَّهُ بِمَعْنَى أَيّ , وَالرَّافِع لَهُ " يَضِلّ " . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ : أَنَّهُ رَفْع بِـ " يَضِلّ " وَهُوَ فِي مَعْنَى أَيّ . وَغَيْر مَعْلُوم فِي كَلَام الْعَرَب اِسْم مَخْفُوض بِغَيْرِ خَافِض فَيَكُون هَذَا لَهُ نَظِيرًا . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ قَوْله : { أَعْلَم } فِي هَذَا الْمَوْضِع بِمَعْنَى " يَعْلَم " , وَاسْتَشْهَدَ لِقِيلِهِ بِبَيْتِ حَاتِم الطَّائِيّ : فَحَالَفَتْ طَيِّئٌ مِنْ دُونِنَا حِلِفًا وَاَللَّه أَعْلَم مَا كُنَّا لَهُمْ خُذُلًا وَبِقَوْلِ الْخَنْسَاء : الْقَوْم أَعْلَم أَنَّ جَفْنَته تَغْدُو غَدَاة الرِّيح أَوْ تَسْرِي وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ قَائِل هَذَا التَّأْوِيل وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي كَلَام الْعَرَب , فَلَيْسَ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { إِنَّ رَبّك هُوَ أَعْلَم مَنْ يَضِلّ عَنْ سَبِيله } مِنْهُ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ : { وَهُوَ أَعْلَم بِالْمُهْتَدِينَ } فَأَبَانَ بِدُخُولِ الْبَاء فِي " الْمُهْتَدِينَ " أَنَّ أَعْلَم لَيْسَ بِمَعْنَى يَعْلَم , لِأَنَّ ذَلِكَ إِذْ كَانَ بِمَعْنَى يَفْعَل لَمْ يُوصَل بِالْبَاءِ , كَمَا لَا يُقَال هُوَ يَعْلَم بِزَيْدٍ , بِمَعْنَى يَعْلَم زَيْدًا .
فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَسورة الأنعام الآية رقم 118
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِبَاده الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِآيَاتِهِ , فَكُلُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِمَّا ذَكَّيْتُمْ مِنْ ذَبَائِحكُمْ وَذَبَحْتُمُوهُ الذَّبْح الَّذِي بَيَّنْت لَكُمْ أَنَّهُ تَحِلّ بِهِ الذَّبِيحَة لَكُمْ , وَذَلِكَ مَا ذَبَحَهُ الْمُؤْمِنُونَ بِي مِنْ أَهْل دِينكُمْ دِين الْحَقّ , أَوْ ذَبَحَهُ مَنْ دَانَ بِتَوْحِيدِي مِنْ أَهْل الْكِتَاب , دُون مَا ذَبَحَهُ أَهْل الْأَوْثَان وَمَنْ لَا كِتَاب لَهُ مِنْ الْمَجُوس . { إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ } يَقُول : إِنْ كُنْتُمْ بِحُجَجِ اللَّه الَّتِي أَتَتْكُمْ وَإِعْلَامه بِإِحْلَالِ مَا أَحْلَلْت لَكُمْ ; وَتَحْرِيم مَا حَرَّمْت عَلَيْكُمْ مِنْ الْمَطَاعِم وَالْمَآكِل مُصَدِّقِينَ , وَدَعُوا عَنْكُمْ زُخْرُف مَا تُوحِيه الشَّيَاطِين بَعْضهَا إِلَى بَعْض مِنْ زُخْرُف الْقَوْل لَكُمْ وَتَلْبِيس دِينكُمْ عَلَيْكُمْ غُرُورًا . وَكَانَ عَطَاء يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 10736 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن بَشَّار وَمُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : قَوْله : { فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ } قَالَ : يَأْمُر بِذِكْرِ اِسْمه عَلَى الشَّرَاب وَالطَّعَام وَالذَّبْح , وَكُلّ شَيْء يَدُلّ عَلَى ذِكْره يَأْمُر بِهِ .
وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَسورة الأنعام الآية رقم 119
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } اخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَمَا لَكُمْ أَنْ لَا تَأْكُلُوا } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرِيِّينَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَأَيّ شَيْء لَكُمْ فِي أَنْ لَا تَأْكُلُوا , قَالَ : وَذَلِكَ نَظِير قَوْله : { وَمَا لَنَا أَنْ لَا نُقَاتِل } 2 246 يَقُول : أَيْ شَيْء لَنَا فِي تَرْك الْقِتَال ؟ قَالَ : وَلَوْ كَانَتْ لَا زَائِدَة لَا يَقَع الْفِعْل , وَلَوْ كَانَتْ فِي مَعْنَى : وَمَا لَنَا وَكَذَا , لَكَانَتْ : وَمَا لَنَا وَأَنْ لَا نُقَاتِل . وَقَالَ غَيْره : إِنَّمَا دَخَلَتْ لَا لِلْمَنْعِ , لِأَنَّ تَأْوِيل " مَا لَك " , وَ " مَا مَنَعَك " وَاحِد , مَا مَنَعَك لَا تَفْعَل ذَلِكَ , وَمَا لَك لَا تَفْعَل وَاحِد , فَلِذَلِكَ دَخَلَتْ " لَا " . قَالَ : وَهَذَا الْمَوْضِع تَكُون فِيهِ " لَا " وَتَكُون فِيهِ " أَنْ " مِثْل قَوْله : { يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا } 4 176 وَ " أَنْ لَا تَضِلُّوا " : يَمْنَعكُمْ مِنْ الضَّلَال بِالْبَيَانِ . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى قَوْله : { وَمَا لَكُمْ } فِي هَذَا الْمَوْضِع : وَأَيّ شَيْء يَمْنَعكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ تَقَدَّمَ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ بِتَحْلِيلِ مَا ذُكِرَ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ وَإِبَاحَة أَكْل مَا ذُبِحَ بِدِينِهِ أَوْ دِين مَنْ كَانَ يَدِين بِبَعْضِ شَرَائِع كُتُبه الْمَعْرُوفَة , وَتَحْرِيم مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَان , وَزَجَرَهُمْ عَنْ الْإِصْغَاء لِمَا يُوحِي الشَّيَاطِين بَعْضهمْ إِلَى بَعْض مِنْ زُخْرُف الْقَوْل فِي الْمَيْتَة , وَالْمُنْخَنِقَة , وَالْمُتَرَدِّيَة , وَسَائِر مَا حَرَّمَ اللَّه مِنْ الْمَطَاعِم . ثُمَّ قَالَ : وَمَا يَمْنَعكُمْ مِنْ أَكْل مَا ذُبِحَ بِدِينِي الَّذِي اِرْتَضَيْته , وَقَدْ فَصَّلْت لَكُمْ الْحَلَال مِنْ الْحَرَام فِيمَا تَطْعَمُونَ , وَبَيَّنْته لَكُمْ بِقَوْلِهِ : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ } . . . إِلَى قَوْله : { فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَة غَيْر مُتَجَانِف لِإِثْمٍ } 5 3 فَلَا لَبْسَ عَلَيْكُمْ فِي حَرَام ذَلِكَ مِنْ حَلَاله , فَتَمْتَنِعُوا مِنْ أَكْل حَلَالِهِ حَذَرًا مِنْ مُوَاقَعَة حَرَامه . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ فَلَا وَجْه لِقَوْلِ مُتَأَوِّلِي ذَلِكَ : وَأَيّ شَيْء لَكُمْ فِي أَنْ لَا تَأْكُلُوا لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يُقَال كَذَلِكَ لِمَنْ كَانَ كَفَّ عَنْ أَكْله رَجَاء ثَوَاب بِالْكَفِّ عَنْ أَكْله , وَذَلِكَ يَكُون مِمَّنْ آمَنَ بِالْكَفِّ فَكَفَّ اِتِّبَاعًا لِأَمْرِ اللَّه وَتَسْلِيمًا لِحُكْمِهِ , وَلَا نَعْلَم أَحَدًا مِنْ سَلَف هَذِهِ الْأُمَّة كَفَّ عَنْ أَكْل مَا أَحَلَّ اللَّه مِنْ الذَّبَائِح رَجَاء ثَوَاب اللَّه عَلَى تَرْكه ذَلِكَ , وَاعْتِقَادًا مِنْهُ أَنَّ اللَّه حَرَّمَهُ عَلَيْهِ . فَبَيَّنَ بِذَلِكَ إِذْ كَانَ الْأَمْر كَمَا وَصَفْنَا أَنَّ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ مَا قُلْنَا . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْل أَنَّ مَعْنَى قَوْله : " فَصَّلَ " , وَ " فَصَّلْنَا " وَ " فُصِّلَ " : بَيَّنَ , أَوْ بُيِّنَ , بِمَا يُغْنِي عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . كَمَا : 10737 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } يَقُول : قَدْ بَيَّنَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ . 10738 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , عَنْ اِبْن زَيْد , مِثْله . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ بِفَتْحِ أَوَّل الْحَرْفَيْنِ مِنْ " فَصَّلَ " وَ " حَرَّمَ " : أَيْ فَصَّلَ مَا حَرَّمَهُ مِنْ مَطَاعِمكُمْ , فَبَيَّنَهُ لَكُمْ . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { وَقَدْ فَصَّلَ } بِفَتْحِ فَاءِ فَصَّلَ وَتَشْدِيد صَادِهِ , " مَا حُرِّمَ " بِضَمِّ حَائِهِ وَتَشْدِيد رَائِهِ , بِمَعْنَى : وَقَدْ فَصَّلَ اللَّه لَكُمْ الْمُحَرَّم عَلَيْكُمْ مِنْ مَطَاعِمكُمْ . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض الْمَكِّيِّينَ وَبَعْض الْبَصْرِيِّينَ : " وَقَدْ فُصِّلَ لَكُمْ " بِضَمِّ فَائِهِ وَتَشْدِيد صَادِهِ " مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ " بِضَمِّ حَائِهِ وَتَشْدِيد رَائِهِ , عَلَى وَجْه مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله فِي الْحَرْفَيْنِ كِلَيْهِمَا . وَرُوِيَ عَنْ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ : " وَقَدْ فَصَلَ " بِتَخْفِيفِ الصَّاد وَفَتْح الْفَاء , بِمَعْنَى : وَقَدْ أَتَاكُمْ حُكْم اللَّه فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنْ يُقَال : إِنَّ كُلّ هَذِهِ الْقِرَاءَات الثَّلَاث الَّتِي ذَكَرْنَاهَا سِوَى الْقِرَاءَة الَّتِي ذَكَرْنَا عَنْ عَطِيَّة قِرَاءَات مَعْرُوفَة مُسْتَفِيضَة الْقِرَاءَة بِهَا فِي قُرَّاء الْأَمْصَار , وَهُنَّ مُتَّفِقَات الْمَعَانِي غَيْر مُخْتَلِفَات , فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب فِيهِ الصَّوَاب . وَأَمَّا قَوْله : { إِلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } فَإِنَّهُ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ : أَنَّ مَا اُضْطُرِرْنَا إِلَيْهِ مِنْ الْمَطَاعِم الْمُحَرَّمَة الَّتِي بَيَّنَ تَحْرِيمهَا لَنَا فِي غَيْر حَال الضَّرُورَة لَنَا حَلَال مَا كُنَّا إِلَيْهِ مُضْطَرِّينَ , حَتَّى تَزُول الضَّرُورَة . كَمَا : 10739 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { إِلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } مِنْ الْمَيْتَة .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْم إِنَّ رَبّك هُوَ أَعْلَم بِالْمُعْتَدِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : { وَإِنَّ كَثِيرًا } مِنْ النَّاس الَّذِينَ يُجَادِلُونَكُمْ فِي أَكْل مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ مِنْ الْمَيْتَة { لَيُضِلُّونَ } أَتْبَاعهمْ { بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْم } مِنْهُمْ بِصِحَّةِ مَا يَقُولُونَ , وَلَا بُرْهَان عِنْدهمْ بِمَا فِيهِ يُجَادِلُونَ , إِلَّا رُكُوبًا مِنْهُمْ لِأَهْوَائِهِمْ , وَاتِّبَاعًا مِنْهُمْ لِدَوَاعِي نُفُوسِهِمْ , اِعْتِدَاء وَخِلَافًا لِأَمْرِ اللَّه وَنَهْيه , وَطَاعَة لِلشَّيَاطِينِ . { إِنَّ رَبَّك هُوَ أَعْلَم بِالْمُعْتَدِينَ } يَقُول : إِنَّ رَبّك يَا مُحَمَّد الَّذِي أَحَلَّ لَك مَا أَحَلَّ وَحَرَّمَ عَلَيْك مَا حَرَّمَ , هُوَ أَعْلَم بِمَنْ اِعْتَدَى حُدُوده فَتَجَاوَزَهَا إِلَى خِلَافِهَا , وَهُوَ لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { لَيُضِلُّونَ } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة أَهْل الْكُوفَة : { لَيُضِلُّونَ } بِمَعْنَى : أَنَّهُمْ يُضِلُّونَ غَيْرهمْ . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ وَالْحِجَازِيِّينَ : " لَيُضِلُّونَ " بِمَعْنَى : أَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ يُضِلُّونَ عَنْ الْحَقّ فَيَجُورُونَ عَنْهُ . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ } بِمَعْنَى : أَنَّهُمْ يُضِلُّونَ غَيْرهمْ ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِضْلَالهمْ مَنْ تَبِعَهُمْ وَنَهَاهُ عَنْ طَاعَتهمْ وَاتِّبَاعهمْ إِلَى مَا يَدْعُونَهُ إِلَيْهِ , فَقَالَ : { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَر مَنْ فِي الْأَرْض يُضِلُّوك عَنْ سَبِيل اللَّه } 6 116 ثُمَّ أَخْبَرَ أَصْحَابه عَنْهُمْ بِمِثْلِ الَّذِي أَخْبَرَهُ عَنْهُمْ , وَنَهَاهُمْ مِنْ قَبُول قَوْلِهِمْ عَنْ مِثْل الَّذِي نَهَاهُ عَنْهُ , فَقَالَ لَهُمْ : { وَإِنَّ كَثِيرًا } مِنْهُمْ { لَيُضِلُّونَـ } ــكُمْ { بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْم } نَظِير الَّذِي قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَر مَنْ فِي الْأَرْض يُضِلُّوك عَنْ سَبِيل اللَّه } . 6 116
وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَسورة الأنعام الآية رقم 120
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَذَرُوا ظَاهِر الْإِثْم وَبَاطِنه } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَدَعُوا أَيّهَا النَّاس عَلَانِيَة الْإِثْم وَذَلِكَ ظَاهِره , وَسِرّه وَذَلِكَ بَاطِنه . كَذَلِكَ : 10740 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَذَرُوا ظَاهِر الْإِثْم وَبَاطِنه } أَيْ قَلِيله وَكَثِيره وَسِرّه وَعَلَانِيَته . - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَذَرُوا ظَاهِر الْإِثْم وَبَاطِنه } قَالَ : سِرّه وَعَلَانِيَته . 10741 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا حَكَّام , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , فِي قَوْله : { وَذَرُوا ظَاهِر الْإِثْم وَبَاطِنه } يَقُول : سِرّه وَعَلَانِيَته , وَقَوْله : { مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } 7 33 قَالَ : سِرّه وَعَلَانِيَته . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس فِي قَوْله : { وَذَرُوا ظَاهِر الْإِثْم وَبَاطِنه } قَالَ : نَهَى اللَّه عَنْ ظَاهِر الْإِثْم وَبَاطِنه أَنْ يُعْمَل بِهِ سِرًّا , أَوْ عَلَانِيَة , وَذَلِكَ ظَاهِره وَبَاطِنه . 10742 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَذَرُوا ظَاهِر الْإِثْم وَبَاطِنه } مَعْصِيَة اللَّه فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة . - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَذَرُوا ظَاهِر الْإِثْم وَبَاطِنه } قَالَ : هُوَ مَا يَنْوِي مِمَّا هُوَ عَامِل . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِالظَّاهِرِ مِنْ الْإِثْم وَالْبَاطِن مِنْهُ فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : الظَّاهِر مِنْهُ : مَا حَرَّمَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاء } 4 22 قَوْله : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتكُمْ } . . . الْآيَة , وَالْبَاطِن مِنْهُ الزِّنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10743 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا الْحَجَّاج , قَالَ : ثَنَا حَمَّاد , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { وَذَرُوا ظَاهِر الْإِثْم وَبَاطِنه } قَالَ : الظَّاهِر مِنْهُ : { لَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاء إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ } 4 23 وَالْأُمَّهَات , وَالْبَنَات وَالْأَخَوَات . وَالْبَاطِن : الزِّنَا . وَقَالَ آخَرُونَ : الظَّاهِر : أُولَات الرَّايَات مِنْ الزَّوَانِي . وَالْبَاطِن : ذَوَات الْأَخْدَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10744 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَذَرُوا ظَاهِر الْإِثْم وَبَاطِنه } أَمَّا ظَاهِره : فَالزَّوَانِي فِي الْحَوَانِيت . وَأَمَّا بَاطِنه : فَالصَّدِيقَة يَتَّخِذهَا الرَّجُل فَيَأْتِيهَا سِرًّا . 10745 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثَنِي عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } 6 151 كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَسْتَسِرُّونَ بِالزِّنَا , وَيَرَوْنَ ذَلِكَ حَلَالًا مَا كَانَ سِرًّا , فَحَرَّمَ اللَّه السِّرّ مِنْهُ وَالْعَلَانِيَة . مَا ظَهَرَ مِنْهَا : يَعْنِي الْعَلَانِيَة , وَمَا بَطَنَ : يَعْنِي السِّرّ . 10746 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ أَبِي مَكِين وَأَبِيهِ , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد : { لَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } قَالَ : مَا ظَهَرَ مِنْهَا : الْجَمْع بَيْن الْأُخْتَيْنِ , وَتَزْوِيج الرَّجُل اِمْرَأَة أَبِيهِ مِنْ بَعْده . وَمَا بَطَنَ : الزِّنَا . وَقَالَ آخَرُونَ : الظَّاهِر : التَّعَرِّي وَالتَّجَرُّد مِنْ الثِّيَاب وَمَا يَسْتُر الْعَوْرَة فِي الطَّوَاف . وَالْبَاطِن : الزِّنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10747 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } 6 151 قَالَ : ظَاهِره الْعُرْيَة الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهَا حِين يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ . وَبَاطِنَه : الزِّنَا . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ تَقَدَّمَ إِلَى خَلْقه بِتَرْكِ ظَاهِر الْإِثْم وَبَاطِنه وَذَلِكَ سِرّه وَعَلَانِيَته , وَالْإِثْم : كُلّ مَا عُصِيَ اللَّه بِهِ مِنْ مَحَارِمه , وَقَدْ يَدْخُل فِي ذَلِكَ سِرّ الزِّنَا وَعَلَانِيَته , وَمُعَاهَرَة أَهْل الرَّايَات وَأُولَات الْأَخْدَان مِنْهُنَّ , وَنِكَاح حَلَائِل الْآبَاء وَالْأُمَّهَات وَالْبَنَات , وَالطَّوَاف بِالْبَيْتِ عُرْيَانًا , وَكُلّ مَعْصِيَة لِلَّهِ ظَهَرَتْ أَوْ بَطَنَتْ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ جَمِيع ذَلِكَ إِثْمًا , وَكَانَ اللَّه عَمَّ بِقَوْلِهِ : { وَذَرُوا ظَاهِر الْإِثْم وَبَاطِنه } جَمِيع مَا ظَهَرَ مِنْ الْإِثْم وَجَمِيع مَا بَطَنَ , لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَخُصّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا دُون شَيْء إِلَّا بِحُجَّةٍ لِلْعُذْرِ قَاطِعَة . غَيْر أَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يُوَجَّه ذَلِكَ إِلَى الْخُصُوص بِغَيْرِ بُرْهَان , كَانَ تَوْجِيهه إِلَى أَنَّهُ عَنَى بِظَاهِرِ الْإِثْم وَبَاطِنه فِي هَذَا الْمَوْضِع : مَا حَرَّمَ اللَّه مِنْ الْمَطَاعِم وَالْمَآكِل مِنْ الْمَيْتَة وَالدَّم , وَمَا بَيَّنَ اللَّه تَحْرِيمه فِي قَوْله : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة } . . . إِلَى آخِر الْآيَة , أَوْلَى , إِذْ كَانَ اِبْتِدَاء الْآيَات قَبْلهَا بِذِكْرِ تَحْرِيم ذَلِكَ جَرَى وَهَذِهِ فِي سِيَاقهَا , وَلَكِنَّهُ غَيْر مُسْتَنْكَر أَنْ يَكُون عَنَى بِهَا ذَلِكَ , وَأَدْخَلَ فِيهَا الْأَمْر بِاجْتِنَابِ كُلّ مَا جَانَسَهُ مِنْ مَعَاصِي اللَّه , فَخَرَجَ الْأَمْر عَامًّا بِالنَّهْيِ عَنْ كُلّ مَا ظَهَرَ أَوْ بَطَنَ مِنْ الْإِثْم .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْم سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : إِنَّ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِمَا نَهَاهُمْ اللَّه عَنْهُ وَيَرْكَبُونَ مَعَاصِي اللَّه وَيَأْتُونَ مَا حَرَّمَ اللَّه , { سَيُجْزَوْنَ } يَقُول : سَيُثِيبُهُمْ اللَّه يَوْم الْقِيَامَة بِمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَعْمَلُونَ مِنْ مَعَاصِيهِ .
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6