وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ الْقَاهِر فَوْق عِبَاده وَيُرْسِل عَلَيْكُمْ حَفَظَة حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدكُمْ الْمَوْت تَوَفَّتْهُ رُسُلنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : { وَهُوَ الْقَاهِر } : وَاَللَّه الْغَالِب خَلْقه الْعَالِي عَلَيْهِمْ بِقُدْرَتِهِ , لَا الْمَقْهُور مِنْ أَوْثَانهمْ وَأَصْنَامهمْ الْمُذَلِّل الْمَغْلُوب عَلَيْهِ لِذِلَّتِهِ . { وَيُرْسِل عَلَيْكُمْ حَفَظَة } وَهِيَ مَلَائِكَته الَّذِينَ يَتَعَاقَبُونَكُمْ لَيْلًا وَنَهَارًا , يَحْفَظُونَ أَعْمَالكُمْ وَيُحْصُونَهَا , وَلَا يُفَرِّطُونَ فِي حِفْظ ذَلِكَ وَإِحْصَائِهِ وَلَا يُضَيِّعُونَ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10382 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { وَيُرْسِل عَلَيْكُمْ حَفَظَة } قَالَ : هِيَ الْمُعَقِّبَات مِنْ الْمَلَائِكَة , يَحْفَظُونَهُ وَيَحْفَظُونَ عَمَلَهُ . 10383 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَهُوَ الْقَاهِر فَوْق عِبَاده وَيُرْسِل عَلَيْكُمْ حَفَظَة حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدكُمْ الْمَوْت تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ } يَقُول : حَفَظَة يَا اِبْن آدَم يَحْفَظُونَ عَلَيْك عَمَلك وَرِزْقك وَأَجَلك إِذَا تُوُفِّيت ذَلِكَ قُبِضْت إِلَى رَبّك . { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدكُمْ الْمَوْت تَوَفَّتْهُ رُسُلنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : إِنَّ رَبّكُمْ يَحْفَظكُمْ بِرُسُلٍ يُعَقِّب بَيْنهَا يُرْسِلهُمْ إِلَيْكُمْ بِحِفْظِكُمْ , وَبِحِفْظِ أَعْمَالكُمْ إِلَى أَنْ يَحْضُرَكُمْ الْمَوْت وَيَنْزِل بِكُمْ أَمْر اللَّه , فَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ أَحَدكُمْ تَوَفَّاهُ أَمْلَاكنَا الْمُوَكَّلُونَ بِقَبْضِ الْأَرْوَاح وَرُسُلنَا الْمُرْسَلُونَ بِهِ وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ فِي ذَلِكَ فَيُضَيِّعُونَهُ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَوَلَيْسَ الَّذِي يَقْبِض الْأَرْوَاح مَلَكُ الْمَوْت , فَكَيْف قِيلَ : { تَوَفَّتْهُ رُسُلنَا } وَالرُّسُل جُمْلَة وَهُوَ وَاحِد ؟ أَوَلَيْسَ قَدْ قَالَ : { قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَك الْمَوْت الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ } 32 11 ؟ قِيلَ : جَائِز أَنْ يَكُون اللَّه تَعَالَى أَعَانَ مَلَك الْمَوْت بِأَعْوَانٍ مِنْ عِنْده , فَيَتَوَلَّوْنَ ذَلِكَ بِأَمْرِ مَلَك الْمَوْت , فَيَكُون " التَّوَفِّي " مُضَافًا , وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْل أَعْوَان مَلَك الْمَوْت إِلَى مَلَك الْمَوْت , إِذْ كَانَ فِعْلهمْ مَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ بِأَمْرِهِ كَمَا يُضَاف قَتْل مَنْ قَتَلَ أَعْوَان السُّلْطَان وَجَلْد مَنْ جَلَدُوهُ بِأَمْرِ السُّلْطَان إِلَى السُّلْطَان , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ السُّلْطَان بَاشَرَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَلَا وَلِيّه بِيَدِهِ . وَقَدْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10384 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن بْن عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدكُمْ الْمَوْت تَوَفَّتْهُ رُسُلنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ } قَالَ : كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : لِمَلَكِ الْمَوْت أَعْوَان مِنْ الْمَلَائِكَة . - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثَنَا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ الْحَسَن بْن عُبَيْد اللَّه فِي قَوْله : { تَوَفَّتْهُ رُسُلنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ } قَالَ : سُئِلَ اِبْن عَبَّاس عَنْهَا , فَقَالَ : إِنَّ لِمَلَكِ الْمَوْت أَعْوَانًا مِنْ الْمَلَائِكَة . 10385 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ الْحَسَن بْن عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِبْرَاهِيم فِي قَوْلِهِ : { تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ } قَالَ : أَعْوَان مَلَك الْمَوْت . - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم : { تَوَفَّتْهُ رُسُلنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ } قَالَ : الرُّسُل تُوَفِّي الْأَنْفُس , وَيَذْهَب بِهَا مَلَك الْمَوْت . 10386 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا حَفْص , عَنْ الْحَسَن بْن عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { تَوَفَّتْهُ رُسُلنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ } قَالَ : الرُّسُل تُوَفِّي الْأَنْفُس , وَيَذْهَب بِهَا مَلَك الْمَوْت . - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا حَفْص , عَنْ الْحَسَن بْن عُبَيْد اللَّه , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { تَوَفَّتْهُ رُسُلنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ } قَالَ : أَعْوَان مَلَك الْمَوْت مِنْ الْمَلَائِكَة . - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا قَبِيصَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْحَسَن بْن عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِبْرَاهِيم : { تَوَفَّتْهُ رُسُلنَا } قَالَ : هُمْ الْمَلَائِكَة أَعْوَان مَلَك الْمَوْت . 10387 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , قَالَ : ثَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { تَوَفَّتْهُ رُسُلنَا } قَالَ : إِنَّ مَلَك الْمَوْت لَهُ رُسُل فَيُرْسِل وَيَرْفَع ذَلِكَ إِلَيْهِ . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : إِنَّ مَلَك الْمَوْت هُوَ يَلِي ذَلِكَ , فَيَدْفَعهُ إِنْ كَانَ مُؤْمِنًا إِلَى مَلَائِكَة الرَّحْمَة , وَإِنْ كَانَ كَافِرًا إِلَى مَلَائِكَة الْعَذَاب . 10388 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { تَوَفَّتْهُ رُسُلنَا } قَالَ : يَلِي قَبْضَهَا الرُّسُل , ثُمَّ يَدْفَعُونَهَا إِلَى مَلَك الْمَوْت . 10389 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ مَنْصُور عَنْ إِبْرَاهِيم فِي قَوْله : { تَوَفَّتْهُ رُسُلنَا } قَالَ : يَتَوَفَّاهُ الرُّسُل , ثُمَّ يَقْبِض مِنْهُمْ مَلَك الْمَوْت الْأَنْفُسَ . قَالَ الثَّوْرِيّ : وَأَخْبَرَنِي الْحَسَن بْن عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : هُمْ أَعْوَان لِمَلَكِ الْمَوْت . قَالَ الثَّوْرِيّ : وَأَخْبَرَنِي رَجُل عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : جُعِلَتْ الْأَرْض لِمَلَكِ الْمَوْت مِثْل الطَّسْت يَتَنَاوَل مِنْ حَيْثُ شَاءَ , وَجُعِلَتْ لَهُ أَعْوَان يَتَوَفَّوْنَ الْأَنْفُس ثُمَّ يَقْبِضهَا مِنْهُمْ . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ الْحَسَن بْن عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { تَوَفَّتْهُ رُسُلنَا } قَالَ : أَعْوَان مَلَك الْمَوْت مِنْ الْمَلَائِكَة . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْحَسَن بْن عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : الْمَلَائِكَة أَعْوَان مَلَك الْمَوْت . - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا قَبِيصَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم : { تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا } قَالَ : يَتَوَفَّوْنَهُ , ثُمَّ يَدْفَعُونَهُ إِلَى مَلَك الْمَوْت . 10390 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : سَأَلْت الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ مَلَك الْمَوْت , أَهُوَ وَحْدَهُ الَّذِي يَقْبِض الْأَرْوَاح ؟ قَالَ : هُوَ الَّذِي يَلِي أَمْر الْأَرْوَاح , وَلَهُ أَعْوَان عَلَى ذَلِكَ , أَلَّا تَسْمَع إِلَى قَوْل اللَّه تَعَالَى : { حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ } 7 37 وَقَالَ : { تَوَفَّتْهُ رُسُلنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ } غَيْر أَنَّ مَلَك الْمَوْت هُوَ الَّذِي يَسِير كُلّ خَطْو مِنْهُ مِنْ الْمَشْرِق إِلَى الْمَغْرِب . قُلْت : أَيْنَ تَكُون أَرْوَاح الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : عِنْد السِّدْرَة فِي الْجَنَّة . 10391 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن مُسْلِم , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن مَيْسَرَة , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : مَا مِنْ أَهْل بَيْت شَعْر وَلَا مَدَر إِلَّا وَمَلَك الْمَوْت يُطِيف بِهِمْ كُلّ يَوْم مَرَّتَيْنِ . وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَعْنَى التَّفْرِيط : التَّضْيِيع , فِيمَا مَضَى قَبْل . وَكَذَلِكَ تَأَوَّلَهُ الْمُتَأَوِّلُونَ فِي هَذَا الْمَوْضِع . 10392 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ } يَقُول : لَا يُضَيِّعُونَ . 10393 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَهُمْ لَا يَفْرُطُونَ } قَالَ : لَا يُضَيِّعُونَ .
ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّه مَوْلَاهُمْ الْحَقّ أَلَا لَهُ الْحُكْم وَهُوَ أَسْرَع الْحَاسِبِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : ثُمَّ رُدَّتْ الْمَلَائِكَة الَّذِينَ تَوَفَّوْهُمْ فَقَبَضُوا نُفُوسهمْ وَأَرْوَاحهمْ إِلَى اللَّه سَيِّدهمْ الْحَقّ . { أَلَا لَهُ الْحُكْم } يَقُول : أَلَا لَهُ الْحُكْم وَالْقَضَاء دُون مَنْ سِوَاهُ مِنْ جَمِيع خَلْقه . { وَهُوَ أَسْرَع الْحَاسِبِينَ } يَقُول : وَهُوَ أَسْرَع مِنْ حَسَبَ عَدَدكُمْ وَأَعْمَالكُمْ وَآجَالكُمْ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أُمُوركُمْ أَيُّهَا النَّاس , وَأَحْصَاهَا وَعَرَفَ مَقَادِيرهَا وَمَبَالِغهَا ; لِأَنَّهُ لَا يَحْسِب بِعِقْدِ يَد , وَلَكِنَّهُ يَعْلَم ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ خَافِيَة , وَ { لَا يَعْزُب عَنْهُ مِثْقَال ذَرَّة فِي السَّمَوَات وَلَا فِي الْأَرْض وَلَا أَصْغَر مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَر إِلَّا فِي كِتَاب مُبِين } 34 3 .
قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَات الْبَرّ وَالْبَحْر تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَة لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمْ الدَّاعِينَ لَك إِلَى عِبَادَة أَوْثَانهمْ : مَنْ الَّذِي يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَات الْبَرّ إِذَا ضَلَلْتُمْ فِيهِ فَتَحَيَّرْتُمْ فَأَظْلَمَ عَلَيْكُمْ الْهُدَى وَالْمَحَجَّة ؟ وَمِنْ ظُلُمَات الْبَحْر إِذَا رَكِبْتُمُوهُ فَأَخْطَأْتُمْ فِيهِ الْمَحَجَّة فَأَظْلَمَ عَلَيْكُمْ فِيهِ السَّبِيل فَلَا تَهْتَدُونَ لَهُ , غَيْر اللَّه الَّذِي مُفْزِعكُمْ حِينَئِذٍ بِالدُّعَاءِ تَضَرُّعًا مِنْكُمْ إِلَيْهِ وَاسْتِكَانَة جَهْرًا وَخُفْيَة ؟ يَقُول : وَإِخْفَاء لِلدُّعَاءِ أَحْيَانًا , وَإِعْلَانًا وَإِظْهَارًا , تَقُولُونَ : { لَئِنْ أَنْجَيْتنَا مِنْ هَذِهِ } يَا رَبّ : أَيْ مِنْ هَذِهِ الظُّلُمَات الَّتِي نَحْنُ فِيهَا , { لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ } يَقُول : لَنَكُونَنَّ مِمَّنْ يُوَحِّدك بِالشُّكْرِ وَيُخْلِص لَك الْعِبَادَة دُون مَنْ كُنَّا نُشْرِكهُ مَعَك فِي عِبَادَتك . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10394 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعِيد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَات الْبَرّ وَالْبَحْر تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَة } يَقُول : إِذَا أَضَلَّ الرَّجُل الطَّرِيق دَعَا اللَّه لَئِنْ أَنْجَيْتنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ . 10395 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَات الْبَرّ وَالْبَحْر } يَقُول : مِنْ كَرْب الْبَرّ وَالْبَحْر .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْلِهِ تَعَالَى : { قُلْ اللَّه يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْب ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمْ سِوَاهُ مِنْ الْآلِهَة إِذَا أَنْتَ اسْتَفْهَمْتَهُمْ عَمَّنْ بِهِ يَسْتَعِينُونَ عِنْد نُزُول الْكَرْب بِهِمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْر : اللَّه الْقَادِر عَلَى فَرَجِكُمْ عِنْد حُلُول الْكَرْب بِكُمْ , يُنَجِّيكُمْ مِنْ عَظِيم النَّازِل بِكُمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْر مِنْ هَمِّ الضَّلَال وَخَوْف الْهَلَاك وَمِنْ كَرْب كُلّ سِوَى ذَلِكَ وَهَمٍّ , لَا آلِهَتكُمْ الَّتِي تُشْرِكُونَ بِهَا فِي عِبَادَته , وَلَا أَوْثَانكُمْ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونه , الَّتِي لَا تَقْدِر لَكُمْ عَلَى نَفْع لَا ضُرّ , ثُمَّ أَنْتُمْ بَعْد تَفْضِيله عَلَيْكُمْ بِكَشْفِ النَّازِل بِكُمْ مِنْ الْكَرْب وَدَفْع الْحَالّ بِكُمْ مِنْ جَسِيم الْهَمّ تَعْدِلُونَ بِهِ آلِهَتكُمْ وَأَصْنَامكُمْ فَتُشْرِكُونَهَا فِي عِبَادَتكُمْ إِيَّاهُ , وَذَلِكَ مِنْكُمْ جَهْل بِوَاجِبِ حَقّه عَلَيْكُمْ وَكُفْر لِأَيَادِيهِ عِنْدكُمْ وَتَعَرُّض مِنْكُمْ لِإِنْزَالِ عُقُوبَته عَاجِلًا بِكُمْ .
قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقكُمْ أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمْ غَيْره مِنْ الْأَصْنَام وَالْأَوْثَان يَا مُحَمَّد : إِنَّ الَّذِي يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَات الْبَرّ وَالْبَحْر وَمِنْ كُلّ كَرْب ثُمَّ تَعُودُونَ لِلْإِشْرَاكِ بِهِ , هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يُرْسِل عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقكُمْ أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلكُمْ , لِشِرْكِكُمْ بِهِ وَادِّعَائِكُمْ مَعَهُ إِلَهًا آخَر غَيْره وَكُفْرَانكُمْ نِعَمه مَعَ إِسْبَاغه عَلَيْكُمْ آلَاءَهُ وَمِنَنه . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْعَذَاب الَّذِي تَوَعَّدَ اللَّه بِهِ هَؤُلَاءِ الْقَوْم أَنْ يَبْعَثهُ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقهمْ أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ , فَقَالَ بَعْضهمْ : أَمَّا الْعَذَاب الَّذِي تَوَعَّدَهُمْ بِهِ أَنْ يَبْعَثهُ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقهمْ : فَالرَّجْم وَأَمَّا الَّذِي تَوَعَّدَهُمْ أَنْ يَبْعَثهُ عَلَيْهِمْ مِنْ تَحْتهمْ : فَالْخَسْف . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10396 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك : { قُلْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقكُمْ أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلكُمْ } قَالَ : الْخَسْف . 10397 - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ أُحْدِثُكُمْ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك وَسَعِيد بْن جُبَيْر , مِثْله . 10398 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو سَلَمَة , عَنْ شِبْل , عَنْ اِبْن نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { قُلْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقكُمْ أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلكُمْ } قَالَ الْخَسْف . 10399 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { قُلْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقكُمْ } فَعَذَاب السَّمَاء , { أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلِكُمْ } فَيَخْسِف بِكُمْ الْأَرْض . 10400 - حَدَّثَنِي يُونُس قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { قُلْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقكُمْ أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلكُمْ } قَالَ : كَانَ اِبْن مَسْعُود يَصِيح وَهُوَ فِي الْمَجْلِس أَوْ عَلَى الْمِنْبَر : أَلَا أَيّهَا النَّاس إِنَّهُ نَزَلَ بِكُمْ , إِنَّ اللَّه يَقُول : { قُلْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقكُمْ } لَوْ جَاءَكُمْ عَذَاب مِنْ السَّمَاء لَمْ يُبْقِ مِنْكُمْ أَحَدًا , { أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلكُمْ } لَوْ خَسَفَ بِكُمْ الْأَرْض أَهْلَكَكُمْ وَلَمْ يُبْقِ مِنْكُمْ أَحَدًا , { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا وَيُذِيق بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض } أَلَا إِنَّهُ نَزَلَ بِكُمْ أَسْوَأ الثَّلَاث ! . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِالْعَذَابِ مِنْ فَوْقكُمْ : أَئِمَّة السُّوء , أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلكُمْ : الْخَدَم وَسَفَلَة النَّاس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10401 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : سَمِعْت خَلَّادًا يَقُول : سَمِعْت عَامِر بْن عَبْد الرَّحْمَن يَقُول : إِنَّ اِبْن عَبَّاس كَانَ يَقُول فِي هَذِهِ : { قُلْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقكُمْ أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلكُمْ } فَأَمَّا الْعَذَاب مِنْ فَوْقكُمْ : فَأَئِمَّة السُّوء . وَأَمَّا الْعَذَاب مِنْ تَحْت أَرْجُلكُمْ : فَخَدَم السُّوء . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { قُلْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقكُمْ } يَعْنِي : مِنْ أُمَرَائِكُمْ , { أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلكُمْ } يَعْنِي : سَفَلَتكُمْ . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِالْعَذَابِ مِنْ فَوْقهمْ الرَّجْم أَوْ الطُّوفَان وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَنْزِل عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْق رُءُوسهمْ , وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ : الْخَسْف وَمَا أَشْبَهَهُ . وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب مِنْ مَعْنَى " فَوْق " وَ " تَحْت " الْأَرْجُل , هُوَ ذَلِكَ دُون غَيْره , وَإِنْ كَانَ لِمَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ وَجْه صَحِيح , غَيْر أَنَّ الْكَلَام إِذَا تُنُوزِعَ فِي تَأْوِيله فَحَمْلُهُ عَلَى الْأَغْلَب الْأَشْهُر مِنْ مَعْنَاهُ أَحَقّ وَأَوْلَى مِنْ غَيْره مَا لَمْ يَأْتِ حُجَّة مَانِعَة مِنْ ذَلِكَ يَجِب التَّسْلِيم لَهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا وَيُذِيق بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : أَوْ يَخْلِطكُمْ شِيَعًا : فِرَقًا , وَاحِدَتهَا شِيعَة , وَأَمَّا قَوْله : { يَلْبِسكُمْ } فَهُوَ مِنْ قَوْلك : لَبِسْت عَلَيْهِ الْأَمْر , إِذَا خَلَطْت , فَأَنَا أَلْبِسهُ . وَإِنَّمَا قُلْت إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ , لِأَنَّهُ لَا خِلَاف بَيْن الْقُرَّاء فِي ذَلِكَ بِكَسْرِ الْبَاء , فَفِي ذَلِكَ دَلِيل بَيِّن عَلَى أَنَّهُ مِنْ لَبَسَ يَلْبِس , وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى الْخَلْط . وَإِنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ : أَوْ يَخْلِطكُمْ أَهْوَاء مُخْتَلِفَة وَأَحْزَابًا مُفْتَرِقَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10402 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو أُسَامَة , عَنْ شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا } الْأَهْوَاء الْمُفْتَرِقَة 10403 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , : { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا } قَالَ : يُفَرِّق بَيْنكُمْ - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا } قَالَ : مَا كَانَ مِنْكُمْ مِنْ التَّفَرُّق وَالِاخْتِلَاف . 10404 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا } قَالَ : الَّذِي فِيهِ النَّاس الْيَوْم مِنْ الِاخْتِلَاف وَالْأَهْوَاء وَسَفْك دِمَاء بَعْضهمْ بَعْضًا . 10405 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا } قَالَ : الْأَهْوَاء وَالِاخْتِلَاف . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا } يَعْنِي بِالشِّيَعِ : الْأَهْوَاء الْمُخْتَلِفَة . وَأَمَّا قَوْله : { وَيُذِيق بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض } فَإِنَّهُ يَعْنِي : بِقَتْلِ بَعْضكُمْ بِيَدِ بَعْض , وَالْعَرَب تَقُول لِلرَّجُلِ يَنَال الرَّجُل بِسَلَام فَيَقْتُلهُ بِهِ : قَدْ أَذَاقَ فُلَان فُلَانًا الْمَوْت وَأَذَاقَهُ بَأْسه . وَأَصْل ذَلِكَ مِنْ ذَوْق الطَّعَام وَهُوَ يُطْعِمهُ , ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ ذَلِكَ فِي كُلّ مَا وَصَلَ إِلَى الرَّجُل مِنْ لَذَّة وَحَلَاوَة أَوْ مَرَارَة وَمَكْرُوه وَأَلَم . وَقَدْ بَيَّنْت مَعْنَى الْبَأْس فِي كَلَام الْعَرَب فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10406 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَيُذِيق بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض } بِالسُّيُوفِ . 10407 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو النُّعْمَان عَارِم , قَالَ : ثَنَا حَمَّاد , عَنْ أَبِي هَارُون الْعَبْدِيّ , عَنْ عَوْف عُلْيَة , أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله : { وَيُذِيق بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض } قَالَ : هِيَ وَاَللَّه الرِّجَال فِي أَيْدِيهمْ الْحِرَاب يَطْعَنُونَ فِي خَوَاصِركُمْ . 10408 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَيُذِيق بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض } قَالَ : يُسَلِّط بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض بِالْقَتْلِ وَالْعَذَاب . 10409 - حَدَّثَنَا سَعِيد بْن الرَّبِيع الرَّازِيّ , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : عَذَاب هَذِهِ الْأُمَّة أَهْل الْإِقْرَار بِالسَّيْفِ , { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا وَيُذِيق بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض } وَعَذَاب أَهْل التَّكْذِيب : الصَّيْحَة وَالزَّلْزَلَة . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفِيهِمْ نَزَلَتْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10410 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عِيسَى الدَّامِغَانِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , فِي قَوْله : { قُلْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقكُمْ } . . . الْآيَة قَالَ : فَهُنَّ أَرْبَع وَكُلُّهُنَّ عَذَاب , فَجَاءَ مِنْهُنَّ اِثْنَتَانِ بَعْد وَفَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَة , فَأُلْبِسُوا شِيَعًا وَأُذِيق بَعْضهمْ بَأْس بَعْض , وَبَقِيَتْ اِثْنَتَانِ , فَهُمَا لَا بُدّ وَاقِعَتَانِ , يَعْنِي : الْخَسْف وَالْمَسْخ . 10411 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { مِنْ فَوْقكُمْ أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلكُمْ } لِأُمَّةِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَعْفَاكُمْ مِنْهُ . { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا } قَالَ : مَا كَانَ فِيكُمْ مِنْ الْفِتَن وَالِاخْتِلَاف . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 10412 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { قُلْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ عَذَابًا } . . . الْآيَة , ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى ذَات يَوْم الصُّبْح فَأَطَالَهَا , فَقَالَ لَهُ بَعْض أَهْله : يَا نَبِيّ اللَّه لَقَدْ صَلَّيْت صَلَاة مَا كُنْت تُصَلِّيهَا ! قَالَ : " إِنَّهَا صَلَاة رَغْبَة وَرَهْبَة , وَإِنِّي سَأَلْت رَبِّي فِيهَا ثَلَاثًا : سَأَلْته أَنْ لَا يُسَلِّط عَلَى أُمَّتِي عَدُوًّا مِنْ غَيْرهمْ فَيُهْلِكهُمْ فَأَعْطَانِيهَا ; وَسَأَلْته أَنْ لَا يُسَلِّط عَلَى أُمَّتِي السَّنَة فَأَعْطَانِيهَا ; وَسَأَلْتهُ أَنْ لَا يَلْبِسهُمْ شِيَعًا وَلَا يُذِيق بَعْضهمْ بَأْس بَعْض , فَمَنَعَنِيهَا " , ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : " لَا تَزَال طَائِفَة مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقّ ظَاهِرِينَ لَا يَضُرّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِي أَمْر اللَّه " . 10413 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْوَلِيد الْقُرَشِيّ وَسَعِيد بْن الرَّبِيع الرَّازِيّ , قَالَا : ثَنَا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة عَنْ عَمْرو , سَمِعَ جَابِرًا يَقُول : ) لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقكُمْ أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلكُمْ } قَالَ : " أَعُوذ بِوَجْهِك " , { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا وَيُذِيق بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض } قَالَ : " هَاتَانِ أَيْسَر " , أَوْ " أَهْوَن " . - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو , عَنْ جَابِر , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { قُلْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقكُمْ أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلكُمْ } قَالَ : " نَعُوذ بِك , نَعُوذ بِك " ! { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا } قَالَ : " هُوَ أَهْوَن " . 10414 - حَدَّثَنِي زِيَاد بْن عُبَيْد اللَّه الْمُزَنِيّ , قَالَ : ثَنَا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة الْخَطْمِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو مَالِك , قَالَ ثَنِي نَافِع بْن خَالِد الْخُزَاعِيّ , عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاة خَفِيفَة تَامَّة الرُّكُوع وَالسُّجُود فَقَالَ : " قَدْ كَانَتْ صَلَاة رَغْبَة وَرَهْبَة , فَسَأَلْت اللَّه فِيهَا ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي اِثْنَتَيْنِ , وَبَقِيَ وَاحِدَة . سَأَلْت اللَّه أَنْ لَا يُصِيبكُمْ بِعَذَابٍ أَصَابَ بِهِ مَنْ قَبْلَكُمْ فَأَعْطَانِيهَا , وَسَأَلْت اللَّه أَنْ لَا يُسَلِّط عَلَيْكُمْ عَدُوًّا يَسْتَبِيح بَيْضَتكُمْ فَأَعْطَانِيهَا , وَسَأَلْته أَنْ لَا يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيق بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض , فَمَنَعَنِيهَا " . قَالَ أَبُو مَالِك : فَقُلْت لَهُ : أَبُوك سَمِعَ هَذَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ سَمِعْته يُحَدِّث بِهَا الْقَوْم أَنَّهُ سَمِعَهَا مِنْ فِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 10415 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر عَنْ مَعْمَر عَنْ أَيُّوب , عَنْ أَبِي قِلَابَة , عَنْ أَبِي الْأَشْعَث , عَنْ أَبِي أَسْمَاء الرَّحْبِيّ , عَنْ شَدَّاد بْن أَوْس يَرْفَعهُ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ قَالَ : " إِنَّ اللَّه زَوَى لِي الْأَرْض حَتَّى رَأَيْت مَشَارِقهَا وَمَغَارِبهَا , وَإِنَّ مُلْك أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا , وَإِنِّي أُعْطِيت الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَر وَالْأَبْيَض , وَإِنِّي سَأَلْت رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِك قَوْمِي بِسَنَةٍ عَامَّة وَأَنْ لَا يَلْبِسهُمْ شِيَعًا وَلَا يُذِيق بَعْضهمْ بَأْس بَعْض , فَقَالَ : يَا مُحَمَّد , إِنِّي إِذَا قَضَيْت قَضَاء فَإِنَّهُ لَا يُرَدّ , وَإِنِّي أَعْطَيْتُك لِأُمَّتِك أَنْ لَا أُهْلِكهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّة وَلَا أُسَلِّط عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِمَّنْ سِوَاهُمْ فَيُهْلِكهُمْ بِعَامَّةٍ حَتَّى يَكُون بَعْضهمْ يُهْلِك بَعْضًا وَبَعْضهمْ يَقْتُل بَعْضًا وَبَعْضهمْ يَسْبِي بَعْضًا " , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي أَخَاف عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّة الْمُضِلِّينَ , فَإِذَا وُضِعَ السَّيْف فِي أُمَّتِي لَمْ يُرْفَع عَنْهُمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة " . - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَيُّوب , عَنْ أَبِي قِلَابَة , عَنْ أَبِي الْأَشْعَث , عَنْ أَبِي أَسْمَاء الرَّحْبِيّ , عَنْ شَدَّاد بْن أَوْس , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي لَا أَخَاف عَلَى أُمَّتِي إِلَّا الْأَئِمَّة الْمُضِلِّينَ " . 10416 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , قَالَ : ثَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَالَ : رَاقَبَ خَبَّاب بْن الْأَرَتّ , وَكَانَ بَدْرِيًّا , النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي , حَتَّى إِذَا فَرَغَ وَكَانَ فِي الصُّبْح قَالَ لَهُ : يَا رَسُول اللَّه , لَقَدْ رَأَيْتُك تُصَلِّي صَلَاة مَا رَأَيْتُك صَلَّيْت مِثْلهَا ! قَالَ : " أَجَلْ , إِنَّهَا صَلَاة رَغَب وَرَهَب , سَأَلْت رَبِّي ثَلَاث خِصَال فَأَعْطَانِي اِثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَة ; سَأَلْتهُ أَنْ لَا يُهْلِكَنَا بِمَا أَهْلَكَ بِهِ الْأُمَم فَأَعْطَانِي , وَسَأَلْته أَنْ لَا يُسَلِّط عَلَيْنَا عَدُوًّا فَأَعْطَانِي , وَسَأَلْته أَنْ لَا يَلْبِسَنَا شِيَعًا فَمَنَعَنِي " . - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , فِي قَوْلِهِ : { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا } قَالَ : رَاقَبَ خَبَّاب بْن الْأَرَتّ , وَكَانَ بَدْرِيًّا , رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : ثَلَاث خَصَلَات " . - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , قَالَ : سَمِعْت جَابِر بْن عَبْد اللَّه يَقُول : لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقكُمْ } قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَعُوذ بِوَجْهِك " ! { أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلكُمْ } قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَعُوذ بِوَجْهِك " { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا } قَالَ : " هَذِهِ أَهْوَن " . 10417 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " سَأَلْت رَبِّي فَأُعْطِيت ثِلَالًا وَمُنِعْت وَاحِدَة ; سَأَلْتهُ أَنْ لَا يُسَلِّط عَلَى أُمَّتِي عَدُوًّا مِنْ غَيْرهمْ يَسْتَبِيح بَيْضَتهمْ , وَلَا يُسَلِّط عَلَيْهِمْ جُوعًا , وَلَا يَجْمَعهُمْ عَلَى ضَلَالَة ; فَأُعْطِيتهنَّ . وَسَأَلْته أَنْ لَا يَلْبِسهُمْ شِيَعًا وَيُذِيق بَعْضهمْ بَأْس بَعْض , فَمُنِعْت " . 10418 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي سَأَلْت رَبِّي خِصَالًا , فَأَعْطَانِي ثَلَاثًا وَمَنَعَنِي وَاحِدَة سَأَلْته أَنْ لَا تَكْفُر أُمَّتِي صَفْقَة وَاحِدَة فَأَعْطَانِيهَا , وَسَأَلْته لَا يُظْهِر عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرهمْ فَأَعْطَانِيهَا , وَسَأَلْته أَنْ لَا يُعَذِّبهُمْ بِمَا عَذَّبَ بِهِ الْأُمَم مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَعْطَانِيهَا , وَسَأَلْته أَنْ لَا يَجْعَل بَأْسهمْ بَيْنهمْ , فَمَنَعَنِيهَا " . 10419 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ أَبِي بَكْر , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , قَوْله : { وَيُذِيق بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض } قَالَ الْحَسَن : ثُمَّ قَالَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُشْهِدهُ عَلَيْهِمْ : { اُنْظُرْ كَيْف نُصَرِّف الْآيَات لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } فَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَتَوَضَّأَ , فَسَأَلَ رَبّه أَنْ لَا يُرْسِل عَلَيْهِمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقهمْ أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ وَلَا يَلْبِس أُمَّته شِيَعًا وَيُذِيق بَعْضهمْ بَأْس بَعْض كَمَا أَذَاقَ بَنِي إِسْرَائِيل , فَهَبَطَ إِلَيْهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ : يَا مُحَمَّد إِنَّك سَأَلْت رَبّك أَرْبَعًا , فَأَعْطَاك اِثْنَتَيْنِ وَمَنَعَك اِثْنَتَيْنِ : لَنْ يَأْتِيهِمْ عَذَاب مِنْ فَوْقهمْ وَلَا مِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ يَسْتَأْصِلهُمْ فَإِنَّهُمَا عَذَابَانِ لِكُلِّ أُمَّة اِجْتَمَعَتْ عَلَى تَكْذِيب نَبِيّهَا وَرَدّ كِتَاب رَبّهَا ; وَلَكِنَّهُمْ يَلْبِسهُمْ شِيَعًا وَيُذِيق بَعْضهمْ بَأْس بَعْض , وَهَذَانِ عَذَابَانِ لِأَهْلِ الْإِقْرَار بِالْكِتَابِ وَالتَّصْدِيق بِالْأَنْبِيَاءِ , وَلَكِنْ يُعَذَّبُونَ بِذُنُوبِهِمْ ! وَأُوحِيَ إِلَيْهِ : { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِك فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ } يَقُول : مِنْ أُمَّتك , { أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ } مِنْ الْعَذَاب الْعَذَاب وَأَنْتَ حَيّ , { فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ } 43 41 : 42 . فَقَامَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَرَاجَعَ رَبّه , فَقَالَ : " أَيّ مُصِيبَة أَشَدّ مِنْ أَنْ أَرَى أُمَّتِي يُعَذِّب بَعْضهَا بَعْضًا ؟ " وَأُوحِيَ إِلَيْهِ : { الم أَحَسِبَ النَّاس أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَن اللَّه الَّذِينَ صَدَقُوا وَلْيَعْلَمَن الْكَاذِبِينَ } 29 1 : 2 فَأَعْلَمَهُ أَنَّ أُمَّته لَمْ تُخَصّ دُون الْأُمَم بِالْفِتَنِ , وَأَنَّهَا سَتُبْتَلَى كَمَا اُبْتُلِيَتْ الْأُمَم . ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ : { قُلْ رَبّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ رَبّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ } 23 93 : 94 فَتَعَوَّذَ نَبِيّ اللَّه , فَأَعَاذَهُ اللَّه , لَمْ يَرَ مِنْ أُمَّته إِلَّا الْجَمَاعَة وَالْأُلْفَة وَالطَّاعَة . ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ آيَة حَذَّرَ فِيهَا أَصْحَابه الْفِتْنَة , فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ إِنَّمَا يُخَصّ بِهَا نَاس مِنْهُمْ دُون نَاس , فَقَالَ : { وَاتَّقُوا فِتْنَة لَا تُصِيبَن الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّة وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه شَدِيد الْعِقَاب } 8 25 فَخَصَّ بِهَا أَقْوَامًا مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْده وَعَصَمَ بِهَا أَقْوَامًا . 10420 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة قَالَ : لَمَّا جَاءَ جِبْرِيل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِمَا يَكُون فِي أُمَّته مِنْ الْفُرْقَة وَالِاخْتِلَاف , فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ , ثُمَّ دَعَا فَقَالَ : " اللَّهُمَّ أَظْهِرْ عَلَيْهِمْ أَفْضَلهمْ تَقِيَّة " . 10421 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو الْأَسْوَد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن لَهِيعَة , عَنْ خَالِد بْن يَزِيد , عَنْ أَبِي الزُّبَيْر , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { قُلْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقكُمْ } قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ " قَالَ : { أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلكُمْ } قَالَ " أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ " قَالَ { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا } قَالَ : " هَذِهِ أَيْسَر " وَلَوْ اِسْتَعَاذَهُ لَأَعَاذَهُ . 10422 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا الْمُؤَمِّل الْبَصْرِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَعْقُوب بْن إِسْمَاعِيل بْن يَسَار الْمَدِينِيّ , قَالَ : ثَنَا زَيْد بْن أَسْلَمَ , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { قُلْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقكُمْ أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلكُمْ أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا وَيُذِيق بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض } قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِب بَعْضكُمْ رِقَاب بَعْض بِالسُّيُوفِ " فَقَالُوا : وَنَحْنُ نَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّك رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : " نَعَمْ " فَقَالَ بَعْض النَّاس : لَا يَكُون هَذَا أَبَدًا ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { اُنْظُرْ كَيْف نُصَرِّف الْآيَات لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمك وَهُوَ الْحَقّ قُلْ لَسْت عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } . وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِبَعْضِهَا أَهْل الشِّرْك وَبِبَعْضِهَا أَهْل الْإِسْلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10423 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ هَارُون بْن مُوسَى , عَنْ حَفْص بْن سُلَيْمَان , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { قُلْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقكُمْ أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلكُمْ } قَالَ : هَذَا لِلْمُشْرِكِينَ , { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا وَيُذِيق بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض } قَالَ هَذَا لِلْمُسْلِمِينَ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل عِنْدِي أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى تَوَعَّدَ بِهَذِهِ الْآيَة أَهْل الشِّرْك بِهِ مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان وَإِيَّاهُمْ خَاطَبَ بِهَا , لِأَنَّهَا بَيْن إِخْبَار عَنْهُمْ وَخِطَاب لَهُمْ , وَذَلِكَ أَنَّهَا تَتْلُو قَوْله : { قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَات الْبَرّ وَالْبَحْر تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَة لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ قُلْ اللَّه يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلّ كَرْب ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ } وَيَتْلُوهَا قَوْله : { وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمك وَهُوَ الْحَقّ } وَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون الْمُؤْمِنُونَ كَانُوا بِهِ مُكَذِّبِينَ . فَإِذَا كَانَ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَة بَيْن هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ , كَانَ بَيِّنًا أَنَّ ذَلِكَ وَعِيد لِمَنْ تَقَدَّمَ وَصْف اللَّه إِيَّاهُ بِالشِّرْكِ وَتَأَخَّرَ الْخَبَر عَنْهُ بِالتَّكْذِيبِ , لَا لِمَنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْر ; غَيْر أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ عَمَّ وَعِيده بِذَلِكَ كُلّ مَنْ سَلَكَ سَبِيلهمْ مِنْ أَهْل الْخِلَاف عَلَى اللَّه وَعَلَى رَسُوله وَالتَّكْذِيب بِآيَاتِ اللَّه مِنْ هَذِهِ وَغَيْرهَا . وَأَمَّا الْأَخْبَار الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " سَأَلَتْ رَبِّي ثَلَاثًا , فَأَعْطَانِي اِثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَة " فَجَائِز أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ الْوَقْت وَعِيدًا لِمَنْ ذَكَرْت مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَمَنْ كَانَ عَلَى مِنْهَاجهمْ مِنْ الْمُخَالِفِينَ رَبّهمْ , فَسَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبّه أَنْ يُعِيذ أُمَّته مِمَّا اِبْتَلَى بِهِ الْأُمَم الَّذِينَ اِسْتَوْجَبُوا مِنْ اللَّه تَعَالَى بِمَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ هَذِهِ الْعُقُوبَات ; فَأَعَاذَهُمْ بِدُعَائِهِ إِيَّاهُ وَرَغْبَته إِيَّاهُ مِنْ الْمَعَاصِي الَّتِي يَسْتَحِقُّونَ بِهَا مِنْ هَذِهِ الْخِلَال الْأَرْبَع مِنْ الْعُقُوبَات أَغْلَظَهَا وَلَمْ يُعِذْهُمْ مِنْ ذَلِكَ مَا يَسْتَحِقُّونَ بِهِ اِثْنَتَيْنِ مِنْهَا . وَأَمَّا الَّذِينَ تَأَوَّلُوا أَنَّهُ عُنِيَ بِجَمِيعِ مَا فِي هَذِهِ الْآيَة هَذِهِ الْأُمَّة , فَإِنِّي أَرَاهُمْ تَأَوَّلُوا أَنَّ فِي هَذِهِ الْأُمَّة مَنْ سَيَأْتِي مِنْ مَعَاصِي اللَّه وَرُكُوب مَا يَسْخَط اللَّه نَحْو الَّذِي رَكِبَ مَنْ قَبْلهمْ مِنْ الْأُمَم السَّالِفَة مِنْ خِلَافه وَالْكُفْر بِهِ , فَيَحِلّ بِهِمْ مِثْل الَّذِي حَلَّ بِمَنْ قَبْلهمْ مِنْ الْمَثُلَات وَالنِّقْمَات ; وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ : جَاءَ مِنْهُنَّ اِثْنَتَانِ بَعْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّة خَسْف وَمَسْخ وَقَذْف " وَأَنَّ قَوْمًا مِنْ أُمَّته سَيَبِيتُونَ عَلَى لَهْو وَلَعِب ثُمَّ يُصْبِحُونَ قِرَدَة وَخَنَازِير وَذَلِكَ إِذَا كَانَ , فَلَا شَكَّ أَنَّهُ نَظِير الَّذِي فِي الْأُمَم الَّذِينَ عَتَوْا عَلَى رَبّهمْ فِي التَّكْذِيب وَجَحَدُوا آيَاته . وَقَدْ رُوِيَ نَحْو الَّذِي رُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ . 10424 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبِي , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ الْهَمْدَانِيّ بْن كَعْب : { قُلْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقكُمْ أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلكُمْ أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا } قَالَ : أَرْبَع خِلَال , وَكُلّهنَّ عَذَاب , وَكُلّهنَّ وَاقِع قَبْل يَوْم الْقِيَامَة , فَمَضَتْ اِثْنَتَانِ بَعْد وَفَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَة : أُلْبِسُوا شِيَعًا , وَأُذِيق بَعْضهمْ بَأْس بَعْض , وَثِنْتَانِ وَاقِعَتَانِ لَا مَحَالَة : الْخَسْف , وَالرَّجْم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اُنْظُرْ كَيْف نُصَرِّفُ الْآيَات لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اُنْظُرْ يَا مُحَمَّد بِعَيْنِ قَلْبك إِلَى تَرْدِيدِنَا حُجَجنَا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِرَبِّهِمْ الْجَاحِدِينَ نِعَمه وَتَصْرِيفنَاهَا فِيهِمْ . { لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } يَقُول : لِيَفْقَهُوا ذَلِكَ وَيَعْتَبِرُوهُ , فَيَذْكُرُوا وَيَزْدَجِرُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِمَّا يَسْخَطهُ اللَّه مِنْهُمْ مِنْ عِبَادَة الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام وَالتَّكْذِيب بِكِتَابِ اللَّه تَعَالَى وَرَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا وَيُذِيق بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : أَوْ يَخْلِطكُمْ شِيَعًا : فِرَقًا , وَاحِدَتهَا شِيعَة , وَأَمَّا قَوْله : { يَلْبِسكُمْ } فَهُوَ مِنْ قَوْلك : لَبِسْت عَلَيْهِ الْأَمْر , إِذَا خَلَطْت , فَأَنَا أَلْبِسهُ . وَإِنَّمَا قُلْت إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ , لِأَنَّهُ لَا خِلَاف بَيْن الْقُرَّاء فِي ذَلِكَ بِكَسْرِ الْبَاء , فَفِي ذَلِكَ دَلِيل بَيِّن عَلَى أَنَّهُ مِنْ لَبَسَ يَلْبِس , وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى الْخَلْط . وَإِنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ : أَوْ يَخْلِطكُمْ أَهْوَاء مُخْتَلِفَة وَأَحْزَابًا مُفْتَرِقَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10402 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو أُسَامَة , عَنْ شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا } الْأَهْوَاء الْمُفْتَرِقَة 10403 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , : { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا } قَالَ : يُفَرِّق بَيْنكُمْ - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا } قَالَ : مَا كَانَ مِنْكُمْ مِنْ التَّفَرُّق وَالِاخْتِلَاف . 10404 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا } قَالَ : الَّذِي فِيهِ النَّاس الْيَوْم مِنْ الِاخْتِلَاف وَالْأَهْوَاء وَسَفْك دِمَاء بَعْضهمْ بَعْضًا . 10405 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا } قَالَ : الْأَهْوَاء وَالِاخْتِلَاف . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا } يَعْنِي بِالشِّيَعِ : الْأَهْوَاء الْمُخْتَلِفَة . وَأَمَّا قَوْله : { وَيُذِيق بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض } فَإِنَّهُ يَعْنِي : بِقَتْلِ بَعْضكُمْ بِيَدِ بَعْض , وَالْعَرَب تَقُول لِلرَّجُلِ يَنَال الرَّجُل بِسَلَام فَيَقْتُلهُ بِهِ : قَدْ أَذَاقَ فُلَان فُلَانًا الْمَوْت وَأَذَاقَهُ بَأْسه . وَأَصْل ذَلِكَ مِنْ ذَوْق الطَّعَام وَهُوَ يُطْعِمهُ , ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ ذَلِكَ فِي كُلّ مَا وَصَلَ إِلَى الرَّجُل مِنْ لَذَّة وَحَلَاوَة أَوْ مَرَارَة وَمَكْرُوه وَأَلَم . وَقَدْ بَيَّنْت مَعْنَى الْبَأْس فِي كَلَام الْعَرَب فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10406 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَيُذِيق بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض } بِالسُّيُوفِ . 10407 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو النُّعْمَان عَارِم , قَالَ : ثَنَا حَمَّاد , عَنْ أَبِي هَارُون الْعَبْدِيّ , عَنْ عَوْف عُلْيَة , أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله : { وَيُذِيق بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض } قَالَ : هِيَ وَاَللَّه الرِّجَال فِي أَيْدِيهمْ الْحِرَاب يَطْعَنُونَ فِي خَوَاصِركُمْ . 10408 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَيُذِيق بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض } قَالَ : يُسَلِّط بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض بِالْقَتْلِ وَالْعَذَاب . 10409 - حَدَّثَنَا سَعِيد بْن الرَّبِيع الرَّازِيّ , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : عَذَاب هَذِهِ الْأُمَّة أَهْل الْإِقْرَار بِالسَّيْفِ , { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا وَيُذِيق بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض } وَعَذَاب أَهْل التَّكْذِيب : الصَّيْحَة وَالزَّلْزَلَة . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفِيهِمْ نَزَلَتْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10410 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عِيسَى الدَّامِغَانِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , فِي قَوْله : { قُلْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقكُمْ } . . . الْآيَة قَالَ : فَهُنَّ أَرْبَع وَكُلُّهُنَّ عَذَاب , فَجَاءَ مِنْهُنَّ اِثْنَتَانِ بَعْد وَفَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَة , فَأُلْبِسُوا شِيَعًا وَأُذِيق بَعْضهمْ بَأْس بَعْض , وَبَقِيَتْ اِثْنَتَانِ , فَهُمَا لَا بُدّ وَاقِعَتَانِ , يَعْنِي : الْخَسْف وَالْمَسْخ . 10411 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { مِنْ فَوْقكُمْ أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلكُمْ } لِأُمَّةِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَعْفَاكُمْ مِنْهُ . { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا } قَالَ : مَا كَانَ فِيكُمْ مِنْ الْفِتَن وَالِاخْتِلَاف . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 10412 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { قُلْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ عَذَابًا } . . . الْآيَة , ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى ذَات يَوْم الصُّبْح فَأَطَالَهَا , فَقَالَ لَهُ بَعْض أَهْله : يَا نَبِيّ اللَّه لَقَدْ صَلَّيْت صَلَاة مَا كُنْت تُصَلِّيهَا ! قَالَ : " إِنَّهَا صَلَاة رَغْبَة وَرَهْبَة , وَإِنِّي سَأَلْت رَبِّي فِيهَا ثَلَاثًا : سَأَلْته أَنْ لَا يُسَلِّط عَلَى أُمَّتِي عَدُوًّا مِنْ غَيْرهمْ فَيُهْلِكهُمْ فَأَعْطَانِيهَا ; وَسَأَلْته أَنْ لَا يُسَلِّط عَلَى أُمَّتِي السَّنَة فَأَعْطَانِيهَا ; وَسَأَلْتهُ أَنْ لَا يَلْبِسهُمْ شِيَعًا وَلَا يُذِيق بَعْضهمْ بَأْس بَعْض , فَمَنَعَنِيهَا " , ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : " لَا تَزَال طَائِفَة مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقّ ظَاهِرِينَ لَا يَضُرّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِي أَمْر اللَّه " . 10413 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْوَلِيد الْقُرَشِيّ وَسَعِيد بْن الرَّبِيع الرَّازِيّ , قَالَا : ثَنَا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة عَنْ عَمْرو , سَمِعَ جَابِرًا يَقُول : ) لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقكُمْ أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلكُمْ } قَالَ : " أَعُوذ بِوَجْهِك " , { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا وَيُذِيق بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض } قَالَ : " هَاتَانِ أَيْسَر " , أَوْ " أَهْوَن " . - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو , عَنْ جَابِر , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { قُلْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقكُمْ أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلكُمْ } قَالَ : " نَعُوذ بِك , نَعُوذ بِك " ! { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا } قَالَ : " هُوَ أَهْوَن " . 10414 - حَدَّثَنِي زِيَاد بْن عُبَيْد اللَّه الْمُزَنِيّ , قَالَ : ثَنَا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة الْخَطْمِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو مَالِك , قَالَ ثَنِي نَافِع بْن خَالِد الْخُزَاعِيّ , عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاة خَفِيفَة تَامَّة الرُّكُوع وَالسُّجُود فَقَالَ : " قَدْ كَانَتْ صَلَاة رَغْبَة وَرَهْبَة , فَسَأَلْت اللَّه فِيهَا ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي اِثْنَتَيْنِ , وَبَقِيَ وَاحِدَة . سَأَلْت اللَّه أَنْ لَا يُصِيبكُمْ بِعَذَابٍ أَصَابَ بِهِ مَنْ قَبْلَكُمْ فَأَعْطَانِيهَا , وَسَأَلْت اللَّه أَنْ لَا يُسَلِّط عَلَيْكُمْ عَدُوًّا يَسْتَبِيح بَيْضَتكُمْ فَأَعْطَانِيهَا , وَسَأَلْته أَنْ لَا يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيق بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض , فَمَنَعَنِيهَا " . قَالَ أَبُو مَالِك : فَقُلْت لَهُ : أَبُوك سَمِعَ هَذَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ سَمِعْته يُحَدِّث بِهَا الْقَوْم أَنَّهُ سَمِعَهَا مِنْ فِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 10415 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر عَنْ مَعْمَر عَنْ أَيُّوب , عَنْ أَبِي قِلَابَة , عَنْ أَبِي الْأَشْعَث , عَنْ أَبِي أَسْمَاء الرَّحْبِيّ , عَنْ شَدَّاد بْن أَوْس يَرْفَعهُ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ قَالَ : " إِنَّ اللَّه زَوَى لِي الْأَرْض حَتَّى رَأَيْت مَشَارِقهَا وَمَغَارِبهَا , وَإِنَّ مُلْك أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا , وَإِنِّي أُعْطِيت الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَر وَالْأَبْيَض , وَإِنِّي سَأَلْت رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِك قَوْمِي بِسَنَةٍ عَامَّة وَأَنْ لَا يَلْبِسهُمْ شِيَعًا وَلَا يُذِيق بَعْضهمْ بَأْس بَعْض , فَقَالَ : يَا مُحَمَّد , إِنِّي إِذَا قَضَيْت قَضَاء فَإِنَّهُ لَا يُرَدّ , وَإِنِّي أَعْطَيْتُك لِأُمَّتِك أَنْ لَا أُهْلِكهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّة وَلَا أُسَلِّط عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِمَّنْ سِوَاهُمْ فَيُهْلِكهُمْ بِعَامَّةٍ حَتَّى يَكُون بَعْضهمْ يُهْلِك بَعْضًا وَبَعْضهمْ يَقْتُل بَعْضًا وَبَعْضهمْ يَسْبِي بَعْضًا " , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي أَخَاف عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّة الْمُضِلِّينَ , فَإِذَا وُضِعَ السَّيْف فِي أُمَّتِي لَمْ يُرْفَع عَنْهُمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة " . - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَيُّوب , عَنْ أَبِي قِلَابَة , عَنْ أَبِي الْأَشْعَث , عَنْ أَبِي أَسْمَاء الرَّحْبِيّ , عَنْ شَدَّاد بْن أَوْس , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي لَا أَخَاف عَلَى أُمَّتِي إِلَّا الْأَئِمَّة الْمُضِلِّينَ " . 10416 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , قَالَ : ثَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَالَ : رَاقَبَ خَبَّاب بْن الْأَرَتّ , وَكَانَ بَدْرِيًّا , النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي , حَتَّى إِذَا فَرَغَ وَكَانَ فِي الصُّبْح قَالَ لَهُ : يَا رَسُول اللَّه , لَقَدْ رَأَيْتُك تُصَلِّي صَلَاة مَا رَأَيْتُك صَلَّيْت مِثْلهَا ! قَالَ : " أَجَلْ , إِنَّهَا صَلَاة رَغَب وَرَهَب , سَأَلْت رَبِّي ثَلَاث خِصَال فَأَعْطَانِي اِثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَة ; سَأَلْتهُ أَنْ لَا يُهْلِكَنَا بِمَا أَهْلَكَ بِهِ الْأُمَم فَأَعْطَانِي , وَسَأَلْته أَنْ لَا يُسَلِّط عَلَيْنَا عَدُوًّا فَأَعْطَانِي , وَسَأَلْته أَنْ لَا يَلْبِسَنَا شِيَعًا فَمَنَعَنِي " . - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , فِي قَوْلِهِ : { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا } قَالَ : رَاقَبَ خَبَّاب بْن الْأَرَتّ , وَكَانَ بَدْرِيًّا , رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : ثَلَاث خَصَلَات " . - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , قَالَ : سَمِعْت جَابِر بْن عَبْد اللَّه يَقُول : لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقكُمْ } قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَعُوذ بِوَجْهِك " ! { أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلكُمْ } قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَعُوذ بِوَجْهِك " { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا } قَالَ : " هَذِهِ أَهْوَن " . 10417 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " سَأَلْت رَبِّي فَأُعْطِيت ثِلَالًا وَمُنِعْت وَاحِدَة ; سَأَلْتهُ أَنْ لَا يُسَلِّط عَلَى أُمَّتِي عَدُوًّا مِنْ غَيْرهمْ يَسْتَبِيح بَيْضَتهمْ , وَلَا يُسَلِّط عَلَيْهِمْ جُوعًا , وَلَا يَجْمَعهُمْ عَلَى ضَلَالَة ; فَأُعْطِيتهنَّ . وَسَأَلْته أَنْ لَا يَلْبِسهُمْ شِيَعًا وَيُذِيق بَعْضهمْ بَأْس بَعْض , فَمُنِعْت " . 10418 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي سَأَلْت رَبِّي خِصَالًا , فَأَعْطَانِي ثَلَاثًا وَمَنَعَنِي وَاحِدَة سَأَلْته أَنْ لَا تَكْفُر أُمَّتِي صَفْقَة وَاحِدَة فَأَعْطَانِيهَا , وَسَأَلْته لَا يُظْهِر عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرهمْ فَأَعْطَانِيهَا , وَسَأَلْته أَنْ لَا يُعَذِّبهُمْ بِمَا عَذَّبَ بِهِ الْأُمَم مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَعْطَانِيهَا , وَسَأَلْته أَنْ لَا يَجْعَل بَأْسهمْ بَيْنهمْ , فَمَنَعَنِيهَا " . 10419 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ أَبِي بَكْر , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , قَوْله : { وَيُذِيق بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض } قَالَ الْحَسَن : ثُمَّ قَالَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُشْهِدهُ عَلَيْهِمْ : { اُنْظُرْ كَيْف نُصَرِّف الْآيَات لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } فَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَتَوَضَّأَ , فَسَأَلَ رَبّه أَنْ لَا يُرْسِل عَلَيْهِمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقهمْ أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ وَلَا يَلْبِس أُمَّته شِيَعًا وَيُذِيق بَعْضهمْ بَأْس بَعْض كَمَا أَذَاقَ بَنِي إِسْرَائِيل , فَهَبَطَ إِلَيْهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ : يَا مُحَمَّد إِنَّك سَأَلْت رَبّك أَرْبَعًا , فَأَعْطَاك اِثْنَتَيْنِ وَمَنَعَك اِثْنَتَيْنِ : لَنْ يَأْتِيهِمْ عَذَاب مِنْ فَوْقهمْ وَلَا مِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ يَسْتَأْصِلهُمْ فَإِنَّهُمَا عَذَابَانِ لِكُلِّ أُمَّة اِجْتَمَعَتْ عَلَى تَكْذِيب نَبِيّهَا وَرَدّ كِتَاب رَبّهَا ; وَلَكِنَّهُمْ يَلْبِسهُمْ شِيَعًا وَيُذِيق بَعْضهمْ بَأْس بَعْض , وَهَذَانِ عَذَابَانِ لِأَهْلِ الْإِقْرَار بِالْكِتَابِ وَالتَّصْدِيق بِالْأَنْبِيَاءِ , وَلَكِنْ يُعَذَّبُونَ بِذُنُوبِهِمْ ! وَأُوحِيَ إِلَيْهِ : { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِك فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ } يَقُول : مِنْ أُمَّتك , { أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ } مِنْ الْعَذَاب الْعَذَاب وَأَنْتَ حَيّ , { فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ } 43 41 : 42 . فَقَامَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَرَاجَعَ رَبّه , فَقَالَ : " أَيّ مُصِيبَة أَشَدّ مِنْ أَنْ أَرَى أُمَّتِي يُعَذِّب بَعْضهَا بَعْضًا ؟ " وَأُوحِيَ إِلَيْهِ : { الم أَحَسِبَ النَّاس أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَن اللَّه الَّذِينَ صَدَقُوا وَلْيَعْلَمَن الْكَاذِبِينَ } 29 1 : 2 فَأَعْلَمَهُ أَنَّ أُمَّته لَمْ تُخَصّ دُون الْأُمَم بِالْفِتَنِ , وَأَنَّهَا سَتُبْتَلَى كَمَا اُبْتُلِيَتْ الْأُمَم . ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ : { قُلْ رَبّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ رَبّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ } 23 93 : 94 فَتَعَوَّذَ نَبِيّ اللَّه , فَأَعَاذَهُ اللَّه , لَمْ يَرَ مِنْ أُمَّته إِلَّا الْجَمَاعَة وَالْأُلْفَة وَالطَّاعَة . ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ آيَة حَذَّرَ فِيهَا أَصْحَابه الْفِتْنَة , فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ إِنَّمَا يُخَصّ بِهَا نَاس مِنْهُمْ دُون نَاس , فَقَالَ : { وَاتَّقُوا فِتْنَة لَا تُصِيبَن الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّة وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه شَدِيد الْعِقَاب } 8 25 فَخَصَّ بِهَا أَقْوَامًا مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْده وَعَصَمَ بِهَا أَقْوَامًا . 10420 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة قَالَ : لَمَّا جَاءَ جِبْرِيل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِمَا يَكُون فِي أُمَّته مِنْ الْفُرْقَة وَالِاخْتِلَاف , فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ , ثُمَّ دَعَا فَقَالَ : " اللَّهُمَّ أَظْهِرْ عَلَيْهِمْ أَفْضَلهمْ تَقِيَّة " . 10421 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو الْأَسْوَد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن لَهِيعَة , عَنْ خَالِد بْن يَزِيد , عَنْ أَبِي الزُّبَيْر , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { قُلْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقكُمْ } قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ " قَالَ : { أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلكُمْ } قَالَ " أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ " قَالَ { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا } قَالَ : " هَذِهِ أَيْسَر " وَلَوْ اِسْتَعَاذَهُ لَأَعَاذَهُ . 10422 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا الْمُؤَمِّل الْبَصْرِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَعْقُوب بْن إِسْمَاعِيل بْن يَسَار الْمَدِينِيّ , قَالَ : ثَنَا زَيْد بْن أَسْلَمَ , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { قُلْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقكُمْ أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلكُمْ أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا وَيُذِيق بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض } قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِب بَعْضكُمْ رِقَاب بَعْض بِالسُّيُوفِ " فَقَالُوا : وَنَحْنُ نَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّك رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : " نَعَمْ " فَقَالَ بَعْض النَّاس : لَا يَكُون هَذَا أَبَدًا ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { اُنْظُرْ كَيْف نُصَرِّف الْآيَات لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمك وَهُوَ الْحَقّ قُلْ لَسْت عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } . وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِبَعْضِهَا أَهْل الشِّرْك وَبِبَعْضِهَا أَهْل الْإِسْلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10423 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ هَارُون بْن مُوسَى , عَنْ حَفْص بْن سُلَيْمَان , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { قُلْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقكُمْ أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلكُمْ } قَالَ : هَذَا لِلْمُشْرِكِينَ , { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا وَيُذِيق بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض } قَالَ هَذَا لِلْمُسْلِمِينَ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل عِنْدِي أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى تَوَعَّدَ بِهَذِهِ الْآيَة أَهْل الشِّرْك بِهِ مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان وَإِيَّاهُمْ خَاطَبَ بِهَا , لِأَنَّهَا بَيْن إِخْبَار عَنْهُمْ وَخِطَاب لَهُمْ , وَذَلِكَ أَنَّهَا تَتْلُو قَوْله : { قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَات الْبَرّ وَالْبَحْر تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَة لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ قُلْ اللَّه يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلّ كَرْب ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ } وَيَتْلُوهَا قَوْله : { وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمك وَهُوَ الْحَقّ } وَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون الْمُؤْمِنُونَ كَانُوا بِهِ مُكَذِّبِينَ . فَإِذَا كَانَ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَة بَيْن هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ , كَانَ بَيِّنًا أَنَّ ذَلِكَ وَعِيد لِمَنْ تَقَدَّمَ وَصْف اللَّه إِيَّاهُ بِالشِّرْكِ وَتَأَخَّرَ الْخَبَر عَنْهُ بِالتَّكْذِيبِ , لَا لِمَنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْر ; غَيْر أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ عَمَّ وَعِيده بِذَلِكَ كُلّ مَنْ سَلَكَ سَبِيلهمْ مِنْ أَهْل الْخِلَاف عَلَى اللَّه وَعَلَى رَسُوله وَالتَّكْذِيب بِآيَاتِ اللَّه مِنْ هَذِهِ وَغَيْرهَا . وَأَمَّا الْأَخْبَار الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " سَأَلَتْ رَبِّي ثَلَاثًا , فَأَعْطَانِي اِثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَة " فَجَائِز أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ الْوَقْت وَعِيدًا لِمَنْ ذَكَرْت مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَمَنْ كَانَ عَلَى مِنْهَاجهمْ مِنْ الْمُخَالِفِينَ رَبّهمْ , فَسَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبّه أَنْ يُعِيذ أُمَّته مِمَّا اِبْتَلَى بِهِ الْأُمَم الَّذِينَ اِسْتَوْجَبُوا مِنْ اللَّه تَعَالَى بِمَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ هَذِهِ الْعُقُوبَات ; فَأَعَاذَهُمْ بِدُعَائِهِ إِيَّاهُ وَرَغْبَته إِيَّاهُ مِنْ الْمَعَاصِي الَّتِي يَسْتَحِقُّونَ بِهَا مِنْ هَذِهِ الْخِلَال الْأَرْبَع مِنْ الْعُقُوبَات أَغْلَظَهَا وَلَمْ يُعِذْهُمْ مِنْ ذَلِكَ مَا يَسْتَحِقُّونَ بِهِ اِثْنَتَيْنِ مِنْهَا . وَأَمَّا الَّذِينَ تَأَوَّلُوا أَنَّهُ عُنِيَ بِجَمِيعِ مَا فِي هَذِهِ الْآيَة هَذِهِ الْأُمَّة , فَإِنِّي أَرَاهُمْ تَأَوَّلُوا أَنَّ فِي هَذِهِ الْأُمَّة مَنْ سَيَأْتِي مِنْ مَعَاصِي اللَّه وَرُكُوب مَا يَسْخَط اللَّه نَحْو الَّذِي رَكِبَ مَنْ قَبْلهمْ مِنْ الْأُمَم السَّالِفَة مِنْ خِلَافه وَالْكُفْر بِهِ , فَيَحِلّ بِهِمْ مِثْل الَّذِي حَلَّ بِمَنْ قَبْلهمْ مِنْ الْمَثُلَات وَالنِّقْمَات ; وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ : جَاءَ مِنْهُنَّ اِثْنَتَانِ بَعْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّة خَسْف وَمَسْخ وَقَذْف " وَأَنَّ قَوْمًا مِنْ أُمَّته سَيَبِيتُونَ عَلَى لَهْو وَلَعِب ثُمَّ يُصْبِحُونَ قِرَدَة وَخَنَازِير وَذَلِكَ إِذَا كَانَ , فَلَا شَكَّ أَنَّهُ نَظِير الَّذِي فِي الْأُمَم الَّذِينَ عَتَوْا عَلَى رَبّهمْ فِي التَّكْذِيب وَجَحَدُوا آيَاته . وَقَدْ رُوِيَ نَحْو الَّذِي رُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ . 10424 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبِي , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ الْهَمْدَانِيّ بْن كَعْب : { قُلْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقكُمْ أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلكُمْ أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا } قَالَ : أَرْبَع خِلَال , وَكُلّهنَّ عَذَاب , وَكُلّهنَّ وَاقِع قَبْل يَوْم الْقِيَامَة , فَمَضَتْ اِثْنَتَانِ بَعْد وَفَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَة : أُلْبِسُوا شِيَعًا , وَأُذِيق بَعْضهمْ بَأْس بَعْض , وَثِنْتَانِ وَاقِعَتَانِ لَا مَحَالَة : الْخَسْف , وَالرَّجْم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اُنْظُرْ كَيْف نُصَرِّفُ الْآيَات لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اُنْظُرْ يَا مُحَمَّد بِعَيْنِ قَلْبك إِلَى تَرْدِيدِنَا حُجَجنَا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِرَبِّهِمْ الْجَاحِدِينَ نِعَمه وَتَصْرِيفنَاهَا فِيهِمْ . { لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } يَقُول : لِيَفْقَهُوا ذَلِكَ وَيَعْتَبِرُوهُ , فَيَذْكُرُوا وَيَزْدَجِرُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِمَّا يَسْخَطهُ اللَّه مِنْهُمْ مِنْ عِبَادَة الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام وَالتَّكْذِيب بِكِتَابِ اللَّه تَعَالَى وَرَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمك وَهُوَ الْحَقّ قُلْ لَسْت عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : { وَكَذَّبَ } يَا مُحَمَّد { قَوْمك } بِمَا تَقُول وَتُخْبِر وَتُوعِد مِنْ الْوَعِيد . { وَهُوَ الْحَقّ } يَقُول : وَالْوَعِيد الَّذِي أَوْعَدْنَاهُمْ عَلَى مَقَامهمْ عَلَى شِرْكهمْ مِنْ بَعْث الْعَذَاب مِنْ فَوْقهمْ أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ أَوْ لَبْسهمْ شِيَعًا , وَإِذَاقَة بَعْضهمْ بَأْس بَعْض , الْحَقّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ وَاقِع , إِنْ هُمْ لَمْ يَتُوبُوا وَيُنِيبُوا مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ مَعْصِيَة اللَّه وَالشِّرْك بِهِ إِلَى طَاعَة اللَّه وَالْإِيمَان بِهِ . { قُلْ لَسْت عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } يَقُول : قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد : لَسْت عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ وَلَا رَقِيب , وَإِنَّمَا رَسُول أُبَلِّغُكُمْ مِمَّا أُرْسِلْت بِهِ إِلَيْكُمْ . { لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرّ } يَقُول : لِكُلِّ خَبَر مُسْتَقَرّ , يَعْنِي قَرَار يَسْتَقِرّ عِنْده وَنِهَايَة يَنْتَهِي إِلَيْهَا , فَيَتَبَيَّن حَقّه وَصِدْقه مِنْ كَذِبه وَبَاطِله . { وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } يَقُول : وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أَيّهَا الْمُكَذِّبُونَ بِصِحَّةِ مَا أُخْبِرُكُمْ بِهِ مِنْ وَعِيد اللَّه إِيَّاكُمْ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ نَحْتَجِرها عِنْد حُلُول عَذَابه بِكُمْ . فَرَأَوْا ذَلِكَ وَعَايَنُوهُ فَقَتَلَهُمْ يَوْمئِذٍ بِأَوْلِيَائِهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا مِنْ التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10425 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَصَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ } يَقُول : كَذَّبَتْ قُرَيْش بِالْقُرْآنِ , وَهُوَ الْحَقّ . وَأَمَّا الْوَكِيل : فَالْحَفِيظ . { لِكُلِّ نَبَأ مُسْتَقَرّ } فَكَانَ نَبَأ الْقُرْآن اِسْتَقَرَّ يَوْم بَدْر بِمَا كَانَ يَعِدُهُمْ مِنْ الْعَذَاب . 10426 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { لِكُلِّ نَبَأ مُسْتَقَرّ } : لِكُلِّ نَبَإ حَقِيقَة , إِمَّا فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا فِي الْآخِرَة . { وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } ; مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَرَوْنَهُ , وَمَا كَانَ فِي الْآخِرَة فَسَوْفَ يَبْدُو لَكُمْ . 10427 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , عَنْ مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرّ } يَقُول : حَقِيقَة . 10428 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنَا أَبِي , قَالَ : ثَنَا عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } يَقُول : فِعْل وَحَقِيقَة , مَا كَانَ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا وَمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْآخِرَة . وَكَانَ الْحَسَن يَتَأَوَّل فِي ذَلِكَ أَنَّهُ الْفِتْنَة الَّتِي كَانَتْ بَيْن أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 10429 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ جَعْفَر بْن حَيَّان , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ قَرَأَ : { لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرّ } قَالَ : حُبِسَتْ عُقُوبَتهَا حَتَّى إِذَا عُمِلَ ذَنْبهَا أُرْسِلَتْ عُقُوبَتهَا .
يَقُول تَعَالَى ذِكْرهُ : { وَكَذَّبَ } يَا مُحَمَّد { قَوْمك } بِمَا تَقُول وَتُخْبِر وَتُوعِد مِنْ الْوَعِيد . { وَهُوَ الْحَقّ } يَقُول : وَالْوَعِيد الَّذِي أَوْعَدْنَاهُمْ عَلَى مَقَامهمْ عَلَى شِرْكهمْ مِنْ بَعْث الْعَذَاب مِنْ فَوْقهمْ أَوْ مِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ أَوْ لَبْسهمْ شِيَعًا , وَإِذَاقَة بَعْضهمْ بَأْس بَعْض , الْحَقّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ وَاقِع , إِنْ هُمْ لَمْ يَتُوبُوا وَيُنِيبُوا مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ مَعْصِيَة اللَّه وَالشِّرْك بِهِ إِلَى طَاعَة اللَّه وَالْإِيمَان بِهِ . { قُلْ لَسْت عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } يَقُول : قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد : لَسْت عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ وَلَا رَقِيب , وَإِنَّمَا رَسُول أُبَلِّغكُمْ مِمَّا أُرْسِلْت بِهِ إِلَيْكُمْ . { لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرّ } يَقُول : لِكُلِّ خَبَر مُسْتَقَرّ , يَعْنِي قَرَار يَسْتَقِرّ عِنْده وَنِهَايَة يَنْتَهِي إِلَيْهَا , فَيَتَبَيَّن حَقّه وَصِدْقه مِنْ كَذِبه وَبَاطِله . { وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } يَقُول : وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أَيّهَا الْمُكَذِّبُونَ بِصِحَّةِ مَا أُخْبِركُمْ بِهِ مِنْ وَعِيد اللَّه إِيَّاكُمْ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ نَحْتَجِرها عِنْد حُلُول عَذَابه بِكُمْ . فَرَأَوْا ذَلِكَ وَعَايَنُوهُ فَقَتَلَهُمْ يَوْمئِذٍ بِأَوْلِيَائِهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا مِنْ التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10425 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَصَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمك وَهُوَ الْحَقّ } يَقُول : كَذَّبَتْ قُرَيْش بِالْقُرْآنِ , وَهُوَ الْحَقّ . وَأَمَّا الْوَكِيل : فَالْحَفِيظ . { لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرّ } فَكَانَ نَبَأ الْقُرْآن اِسْتَقَرَّ يَوْم بَدْر بِمَا كَانَ يَعِدهُمْ مِنْ الْعَذَاب . 10426 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرّ } : لِكُلِّ نَبَإٍ حَقِيقَة , إِمَّا فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا فِي الْآخِرَة . { وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } ; مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَرَوْنَهُ , وَمَا كَانَ فِي الْآخِرَة فَسَوْفَ يَبْدُو لَكُمْ . 10427 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , عَنْ مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرّ } يَقُول : حَقِيقَة . 10428 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنَا أَبِي , قَالَ : ثَنَا عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } يَقُول : فِعْل وَحَقِيقَة , مَا كَانَ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا وَمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْآخِرَة . وَكَانَ الْحَسَن يَتَأَوَّل فِي ذَلِكَ أَنَّهُ الْفِتْنَة الَّتِي كَانَتْ بَيْن أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 10429 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ جَعْفَر بْن حَيَّان , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ قَرَأَ : { لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرّ } قَالَ : حُبِسَتْ عُقُوبَتهَا حَتَّى إِذَا عُمِلَ ذَنْبهَا أُرْسِلَتْ عُقُوبَتهَا .
وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا رَأَيْت الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيث غَيْره وَإِمَّا يُنْسِينَّك الشَّيْطَان فَلَا تَقْعُد بَعْد الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْم الظَّالِمِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَإِذَا رَأَيْت } يَا مُحَمَّد الْمُشْرِكِينَ { الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا } الَّتِي أَنْزَلْنَاهَا إِلَيْك , وَوَحْينَا الَّذِي أَوْحَيْنَاهُ إِلَيْك , وَ " خَوْضهمْ فِيهَا " كَانَ اِسْتِهْزَاءَهُمْ بِهَا وَسَبَّهُمْ مَنْ أَنْزَلَهَا وَتَكَلَّمَ بِهَا وَتَكْذِيبهمْ بِهَا . { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } يَقُول : فَصُدَّ عَنْهُمْ بِوَجْهِك , وَقُمْ عَنْهُمْ وَلَا تَجْلِسْ مَعَهُمْ , { حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيث غَيْره } يَقُول : حَتَّى يَأْخُذُوا فِي حَدِيث غَيْر الِاسْتِهْزَاء بِآيَاتِ اللَّه مِنْ حَدِيثهمْ بَيْنهمْ . { وَإِمَّا يُنْسِينَّك الشَّيْطَان } يَقُولُ : وَإِنْ أَنْسَاك الشَّيْطَان نَهَيْنَا إِيَّاكَ عَنْ الْجُلُوس مَعَهُمْ وَالْإِعْرَاض عَنْهُمْ فِي حَال خَوْضهمْ فِي آيَاتنَا ثُمَّ ذَكَرْت ذَلِكَ , فَقُمْ عَنْهُمْ وَلَا تَقْعُد بَعْد ذِكْرِك ذَلِكَ مَعَ الْقَوْم الظَّالِمِينَ الَّذِينَ خَاضُوا فِي غَيْر الَّذِي لَهُمْ الْخَوْض فِيهِ بِمَا خَاضُوا بِهِ فِيهِ ; وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى ظُلْمهمْ فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10430 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَإِذَا رَأَيْت الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيث غَيْره } قَالَ : نَهَاهُ اللَّه أَنْ يَجْلِس مَعَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَات اللَّه يُكَذِّبُونَ بِهَا فَإِنْ نَسِيَ فَلَا يَقْعُد بَعْد الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْم الظَّالِمِينَ . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , بِنَحْوِهِ . 10431 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا مُؤَمِّل , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك وَسَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { وَإِذَا رَأَيْت الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا } قَالَ : الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِآيَاتِنَا . 10432 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِذَا رَأَيْت الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُونَ فِي حَدِيث غَيْره وَإِمَّا يُنْسِيَنَّك الشَّيْطَان فَلَا تَقْعُد بَعْد الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْم الظَّالِمِينَ } قَالَ : كَانَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا جَالَسُوا الْمُؤْمِنِينَ وَقَعُوا فِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآن فَسَبُّوهُ وَاسْتَهْزَءُوا بِهِ , فَأَمَرَهُمْ اللَّه أَنْ لَا يَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيث غَيْره . وَأَمَّا قَوْله : { وَإِمَّا يُنْسِينَّك الشَّيْطَان } يَقُول : نَسِيت فَتَقْعُد مَعَهُمْ , فَإِذَا ذَكَرْت فَقُمْ . 10433 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا } قَالَ : يُكَذِّبُونَ بِآيَاتِنَا . 10434 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن طَلْحَة الْيَرْبُوعِيّ , قَالَ : ثَنَا فُضَيْل بْن عِيَاض , عَنْ لَيْث , عَنْ أَبِي جَعْفَر , قَالَ : لَا تُجَالِسُوا أَهْل الْخُصُومَات , فَإِنَّهُمْ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَات اللَّه . 10435 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنَا مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَإِذَا رَأَيْت الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا } , وَقَوْله : { الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينهمْ وَكَانُوا شِيَعًا } 6 159 , وَقَوْله : { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْد مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَات } 3 105 , وَقَوْله : { أَنْ أَقِيمُوا الدِّين وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } 42 13 وَنَحْو هَذَا فِي الْقُرْآن ; قَالَ : أَمَرَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَمَاعَةِ وَنَهَاهُمْ عَنْ الِاخْتِلَاف وَالْفُرْقَة , وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلهمْ بِالْمِرَاءِ وَالْخُصُومَات فِي دِين اللَّه . 10436 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن عُبَادَة , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَإِذَا رَأَيْت الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا } قَالَ : يَسْتَهْزِئُونَ بِهَا . قَالَ : نُهِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْعُد مَعَهُمْ إِلَّا أَنْ يَنْسَى فَإِذَا ذَكَرَ فَلْيَقُمْ . فَذَلِكَ قَوْله : { وَإِذَا رَأَيْت الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيث غَيْره وَإِمَّا يُنْسِينَّك الشَّيْطَان فَلَا تَقْعُدْ بَعْد الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْم الظَّالِمِينَ } . قَالَ اِبْن عُبَادَة : كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَجْلِسُونَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّونَ أَنْ يَسْمَعُوا مِنْهُ , فَإِذَا سَمِعُوا اِسْتَهْزَءُوا ; فَنَزَلَتْ : { وَإِذَا رَأَيْت الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } . . . الْآيَة . - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : { وَإِذَا رَأَيْت الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا } قَالَ : يُكَذِّبُونَ . 10437 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك , قَوْله : { وَإِذَا رَأَيْت الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيث غَيْره } يَعْنِي : الْمُشْرِكِينَ . { وَإِمَّا يُنْسِينَّك الشَّيْطَان فَلَا تَقْعُد بَعْد الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْم الظَّالِمِينَ } إِنْ نَسِيت فَذَكَرْت فَلَا تَجْلِس مَعَهُمْ .
وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابهمْ مِنْ شَيْء وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ اِتَّقَى اللَّه فَخَافَهُ فَأَطَاعَهُ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ وَاجْتَنَبَ مَا نَهَاهُ عَنْهُ , فَلَيْسَ عَلَيْهِ بِتَرْكِ الْإِعْرَاض عَنْ هَؤُلَاءِ الْخَائِضِينَ فِي آيَات اللَّه فِي حَال خَوْضهمْ فِي آيَات اللَّه شَيْء مِنْ تَبَعَة فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْن اللَّه , إِذَا لَمْ يَكُنْ تَرْكه الْإِعْرَاض عَنْهُمْ رِضًا بِمَا هُمْ فِيهِ وَكَانَ لِلَّهِ بِحُقُوقِهِ مُتَّقِيًا , وَلَا عَلَيْهِ مِنْ إِثْمهمْ بِذَلِكَ حَرَج , وَلَكِنْ لِيُعْرِضُوا عَنْهُمْ حِينَئِذٍ . { ذِكْرَى } لِأَمْرِ اللَّه . { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } يَقُول : لِيَتَّقُوا . وَمَعْنَى الذِّكْرَى : الذِّكْر , وَالذِّكْر وَالذِّكْرَى بِمَعْنًى وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون ذِكْرَى فِي مَوْضِع نَصْب وَرَفْع ; فَأَمَّا النَّصْب فَعَلَى مَا وَصَفْت مِنْ تَأْوِيل : وَلَكِنْ لِيُعْرِضُوا عَنْهُمْ ذِكْرَى ; وَأَمَّا الرَّفْع فَعَلَى تَأْوِيل : وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابهمْ شَيْء بِتَرْكِ الْإِعْرَاض , وَلَكِنْ إِعْرَاضهمْ ذِكْرَى لِأَمْر اللَّه لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أُمِرَ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمُشْرِكِينَ إِذَا خَاضُوا فِي آيَات اللَّه ; لِأَنَّ قِيَامه عَنْهُمْ كَانَ مِمَّا يَكْرَهُونَهُ , فَقَالَ اللَّه لَهُ : إِذَا خَاضُوا فِي آيَات اللَّه فَقُمْ عَنْهُمْ لِيَتَّقُوا الْخَوْض فِيهَا وَيَتْرُكُوا ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10438 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن عُبَادَة , قَالَ : كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَجْلِسُونَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّونَ أَنْ يَسْمَعُوا مِنْهُ , فَإِذَا سَمِعُوا اِسْتَهْزَءُوا , فَنَزَلَتْ : { وَإِذَا رَأَيْت الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيث غَيْره } . . . الْآيَة , قَالَ : فَجَعَلَ إِذَا اِسْتَهْزَءُوا قَامَ فَحُذِّرُوا وَقَالُوا : لَا تَسْتَهْزِئُوا فَيَقُوم ! فَذَلِكَ قَوْله : { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أَنْ يَخُوضُوا فَيَقُوم . وَنَزَلَ : { وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابهمْ مِنْ شَيْء } إِنْ قَعَدُوا مَعَهُمْ , وَلَكِنْ لَا تَقْعُدُوا . ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ قَوْله بِالْمَدِينَةِ : { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَات اللَّه يُكْفَر بِهَا وَيُسْتَهْزَأ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيث غَيْره إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ } 4 140 , فَنَسَخَ قَوْله : { وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْء } . . . الْآيَة . 10439 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابهمْ مِنْ شَيْء } يَقُول : مِنْ حِسَاب الْكُفَّار مِنْ شَيْء . { وَلَكِنْ ذِكْرَى } يَقُول : إِذَا ذَكَرْت فَقُمْ . { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } مُسَاءَتكُمْ إِذَا رَأَوْكُمْ لَا تُجَالِسُونَهُمْ , اِسْتَحْيَوْا مِنْكُمْ فَكَفُّوا عَنْكُمْ . ثُمَّ نَسَخَهَا اللَّه بَعْد , فَنَهَاهُمْ أَنْ يَجْلِسُوا مَعَهُمْ أَبَدًا , قَالَ : { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَات اللَّه يُكْفَر بِهَا } . . . الْآيَة . 10440 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابهمْ مِنْ شَيْء } إِنْ قَعَدُوا , وَلَكِنْ لَا تَقْعُد . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 10441 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك : { وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابهمْ مِنْ شَيْء وَلَكِنْ ذِكْرَى } قَالَ : وَمَا عَلَيْك أَنْ يَخُوضُوا فِي آيَات اللَّه إِذَا فَعَلْت ذَلِكَ .
وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَذَرْ الَّذِينَ اِتَّخَذُوا دِينهمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاة الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَل نَفْس بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُون اللَّه وَلِيّ وَلَا شَفِيع } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ذَرْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اِتَّخَذُوا دِين اللَّه وَطَاعَتهمْ إِيَّاهُ لَعِبًا وَلَهْوًا , فَجَعَلُوا حُظُوظَهُمْ مِنْ طَاعَتهمْ إِيَّاهُ اللَّعِب بِآيَاتِهِ وَاللَّهْو وَالِاسْتِهْزَاء بِهَا إِذَا سَمِعُوهَا وَتُلِيَتْ عَلَيْهِمْ , فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ , فَإِنِّي لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ , وَإِنِّي لَهُمْ مِنْ وَرَاء الِانْتِقَام مِنْهُمْ وَالْعُقُوبَة لَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ وَعَلَى اِغْتِرَارهمْ بِزِينَةِ الْحَيَاة الدُّنْيَا وَنِسْيَانهمْ الْمَعَاد إِلَى اللَّه تَعَالَى وَالْمَصِير إِلَيْهِ بَعْد الْمَمَات . كَاَلَّذِي : 10442 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُرْوَة , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { وَذَرْ الَّذِينَ اِتَّخَذُوا دِينهمْ لَعِبًا وَلَهْوًا } قَالَ : كَقَوْلِهِ : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْت وَحِيدًا } 74 11 . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَقَدْ نَسَخَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَة بِقَوْلِهِ : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } 4 176 وَكَذَلِكَ قَالَ عَدَد مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10443 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا حَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثَنَا هَمَّام بْن يَحْيَى , عَنْ قَتَادَة : { وَذَرْ الَّذِينَ اِتَّخَذُوا دِينهمْ لَعِبًا وَلَهْوًا } ثُمَّ أَنْزَلَ فِي سُورَة بَرَاءَة , فَأَمَرَ بِقِتَالِهِمْ . - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا عَبْدَة بْن سُلَيْمَان , قَالَ : قَرَأْت عَلَى اِبْن أَبِي عَرُوبَة , فَقَالَ : هَكَذَا سَمِعْته مِنْ قَتَادَة : { وَذَرْ الَّذِينَ اِتَّخَذُوا دِينهمْ لَعِبًا وَلَهْوًا } ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ بَرَاءَة , وَأَمَرَ بِقِتَالِهِمْ , فَقَالَ : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } 9 5 وَأَمَّا قَوْله : { وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَل نَفْس بِمَا كَسَبَتْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : وَذَكِّرْ يَا مُحَمَّد بِهَذَا الْقُرْآن هَؤُلَاءِ الْمُوَلِّينَ عَنْك وَعَنْهُ { أَنْ تُبْسَل نَفْس } بِمَعْنَى : أَنْ لَا تُبْسَل , كَمَا قَالَ : { يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا } بِمَعْنَى : أَنْ لَا تَضِلُّوا . وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : وَذَكِّرْ بِهِ لِيُؤْمِنُوا وَيَتَّبِعُوا مَا جَاءَهُمْ مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ الْحَقّ , فَلَا تُبْسَل أَنْفُسهمْ بِمَا كَسَبَتْ مِنْ الْأَوْزَار ; وَلَكِنْ حُذِفَتْ " لَا " لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهَا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { أَنْ تُبْسَل نَفْس } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَنْ تُسْلَم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10444 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ يَزِيد النَّحْوِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , قَوْله : { أَنْ تُبْسَل نَفْس بِمَا كَسَبَتْ } قَالَ : تُسْلَم . 10445 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن : { أَنْ تُبْسَل نَفْس } قَالَ : أَنْ تُسْلَم . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن , مِثْله . 10446 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ : { أَنْ تُبْسَل } قَالَ : تُسْلَم . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { أَنْ تُبْسَل نَفْس } قَالَ : تُسْلَم . * حَدَّثَنَا اِبْن ثَنِي , قَالَ : ثَنَا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : { أُولَئِكَ الَّذِينَ أَبُسِلُوا } أَسْلَمُوا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : تُحْبَس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10447 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { أَنْ تُبْسَل نَفْس } قَالَ : تُؤْخَذ فَتُحْبَس . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 10448 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { أَنْ تُبْسَل نَفْس بِمَا كَسَبَتْ } : أَنْ تُؤْخَذ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : تُفْضَح . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10449 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَل نَفْس بِمَا كَسَبَتْ } يَقُول : تُفْضَح . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : أَنْ تُجْزَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10450 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , قَالَ : قَالَ الْكَلْبِيّ : { أَنْ تُبْسَل } : أَنْ تُجْزَى . وَأَصْل الْإِبْسَال : التَّحْرِيم , يُقَال مِنْهُ : أَبْسَلْت الْمَكَان : إِذَا حَرَّمْته فَلَمْ تَقْرَبهُ ; وَمِنْهُ قَوْله الشَّاعِر : بَكَرَتْ تَلُومُك بَعْدَ وَهْنٍ فِي النَّدَى بَسْلٌ عَلَيْك مَلَامَتِي وَعِتَابِي أَيْ حَرَام ; وَمِنْهُ قَوْلهمْ : وَعِتَابِي أَسَد آسَد , وَيُرَاد بِهِ : لَا يَقْرَبهُ شَيْء , فَكَأَنَّهُ قَدْ حَرَّمَ نَفْسه . ثُمَّ يَجْعَل ذَلِكَ صِفَة لِكُلِّ شَدِيد يُتَحَامَى لِشِدَّتِهِ , وَيُقَال : أَعْطِ الرَّاقِي بُسْلَته , يُرَاد بِذَلِكَ : أُجْرَته , شَرَاب بَسِيل : بِمَعْنَى مَتْرُوك , وَكَذَلِكَ الْمُبْسِل بِالْجَرِيرَةِ , وَهُوَ الْمُرْتَهِن بِهَا , قِيلَ لَهُ مُبْسِل ; لِأَنَّهُ مُحَرَّم مِنْ كُلّ شَيْء إِلَّا مِمَّا رَهَنَ فِيهِ وَأَسْلَمَ بِهِ ; وَمِنْهُ قَوْل عَوْف بْن الْأَحْوَص الْكِلَابِيّ : وَإِبْسَالِي بَنِيَّ بِغَيْرِ جُرْم بَعَوْنَاهُ وَلَا بِدَمٍ مُرَاق وَقَالَ الشَّنْفَرَى : هُنَالِكَ لَا أَرْجُو حَيَاةً تَسُرُّنِي سَمِير اللَّيَالِي مُبْسَلًا بِالْجَرَائِر فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ : وَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا وَغَيْرهمْ مِمَّنْ سَلَكَ سَبِيلهمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , كَيْلَا تُبْسَل نَفْس بِذُنُوبِهَا وَكُفْرهَا بِرَبِّهَا , وَتُرْتَهَن فَتُغْلَق بِمَا كَسَبَتْ مِنْ إِجْرَامهَا فِي عَذَاب اللَّه . { لَيْسَ لَهَا مِنْ دُون اللَّه } يَقُول : لَيْسَ لَهَا حِين تُسْلَم بِذُنُوبِهَا فَتُرْتَهَن بِمَا كَسَبَتْ مِنْ آثَامهَا أَحَد يَنْصُرهَا فَيُنْقِذهَا مِنْ اللَّه الَّذِي جَازَاهَا بِذُنُوبِهَا جَزَاءَهَا , وَلَا شَفِيع يَشْفَع لَهَا , لِوَسِيلَةٍ لَهُ عِنْده .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ تَعْدِل كُلّ عَدْل لَا يُؤْخَذ مِنْهَا } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : { وَإِنْ تَعْدِل } النَّفْس الَّتِي أُبْسِلَتْ بِمَا كَسَبَتْ , يَعْنِي وَإِنْ تَعْدِل { كُلّ عَدْل } يَعْنِي : كُلّ فِدَاء , يُقَال مِنْهُ : عَدَلَ يَعْدِل : إِذَا فَدَى , عَدْلًا . وَمِنْهُ قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ : { أَوْ عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا } 5 95 وَهُوَ مَا عَادَلَهُ مِنْ غَيْر نَوْعه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10451 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَإِنْ تَعْدِل كُلّ عَدْل لَا يُؤْخَذ مِنْهَا } قَالَ : لَوْ جَاءَتْ بِمِلْءِ الْأَرْض ذَهَبًا لَمْ يُقْبَل مِنْهَا . 10452 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : { وَإِنْ تَعْدِل كُلّ عَدْل لَا يُؤْخَذ مِنْهَا } فَمَا يَعْدِلهَا , لَوْ جَاءَتْ بِمِلْءِ الْأَرْض ذَهَبًا لِتَفْتَدِي بِهِ مَا قُبِلَ مِنْهَا . 10453 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَإِنْ تَعْدِل كُلّ عَدْل لَا يُؤْخَذ مِنْهَا } قَالَ : وَإِنْ تَعْدِل : وَإِنْ تَفْتَدِ يَكُون لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا يَفْتَدِي بِهَا لَا يُؤْخَذ مِنْهُ عَدْلًا عَنْ نَفْسه , لَا يُقْبَل مِنْهُ . وَقَدْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِالْعَرَبِيَّةِ بِمَعْنَى : وَإِنْ تُقْسِط كُلّ قِسْط لَا يُقْبَل مِنْهَا ; وَقَالَ إِنَّهَا التَّوْبَة فِي الْحَيَاة . وَلَيْسَ لِمَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ مَعْنًى , وَذَلِكَ أَنَّ كُلّ تَائِب فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقْبَل تَوْبَته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَاب مِنْ حَمِيم وَعَذَاب أَلِيم بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ إِنْ فَدَوْا أَنْفُسهمْ مِنْ عَذَاب اللَّه يَوْم الْقِيَامَة كُلّ فِدَاء لَمْ يُؤْخَذ مِنْهُمْ , هُمْ { الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا } يَقُول : أَسْلَمُوا لِعَذَابِ اللَّه , فَرَهَنُوا بِهِ جَزَاء بِمَا كَسَبُوا فِي الدُّنْيَا مِنْ الْآثَام وَالْأَوْزَار . { لَهُمْ شَرَاب مِنْ حَمِيم } وَالْحَمِيم : هُوَ الْحَارّ فِي كَلَام الْعَرَب , وَإِنَّمَا هُوَ مَحْمُوم صُرِفَ إِلَى فَعِيل , وَمِنْهُ قِيلَ لِلْحَمَّامِ : حَمَّام , لِإِسْخَانِهِ الْجِسْم ; وَمِنْهُ قَوْل مُرَقَّش : فِي كُلّ مُمْسًى لَهَا مِهْرَان فِيهَا كِبَاءٌ مُعَدٌّ وَحَمِيم يَعْنِي بِذَلِكَ مَاء حَارًّا ; وَمِنْهُ قَوْل أَبِي ذُؤَيْب جُوَيْبِر فِي صِفَة فَرَس : تَأْبَى بِدِرَّتِهَا إِذَا مَا اُسْتُغْضِبَتْ إِلَّا الْحَمِيمَ فَإِنَّهُ يَتَبَضَّعُ يَعْنِي بِالْحَمِيمِ : عَرَق الْفَرَس . وَإِنَّمَا جَعَلَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَة شَرَابًا مِنْ حَمِيم ; لِأَنَّ الْحَارّ مِنْ الْمَاء لَا يَرْوِي مِنْ عَطَش , فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ إِذَا عَطِشُوا فِي جَهَنَّم لَمْ يُغَاثُوا بِمَاءٍ يَرْوِيهِمْ , وَلَكِنْ بِمَا يَزِيدُونَ بِهِ عَطَشًا عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ الْعَطَش , { وَعَذَاب أَلِيم } يَقُول : وَلَهُمْ أَيْضًا مَعَ الشَّرَاب الْحَمِيم مِنْ اللَّه الْعَذَاب الْأَلِيم وَالْهَوَان الْمُقِيم . { بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ } يَقُول : بِمَا كَانَ مِنْ كُفْرهمْ فِي الدُّنْيَا بِاَللَّهِ وَإِنْكَارهمْ تَوْحِيده وَعِبَادَتهمْ مَعَهُ آلِهَة دُونه . 10454 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا } قَالَ : يُقَال : أَسْلَمُوا . 10455 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا } قَالَ : فُضِحُوا . 10456 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا } قَالَ : أُخِذُوا بِمَا كَسَبُوا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ تَعْدِل كُلّ عَدْل لَا يُؤْخَذ مِنْهَا } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : { وَإِنْ تَعْدِل } النَّفْس الَّتِي أُبْسِلَتْ بِمَا كَسَبَتْ , يَعْنِي وَإِنْ تَعْدِل { كُلّ عَدْل } يَعْنِي : كُلّ فِدَاء , يُقَال مِنْهُ : عَدَلَ يَعْدِل : إِذَا فَدَى , عَدْلًا . وَمِنْهُ قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ : { أَوْ عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا } 5 95 وَهُوَ مَا عَادَلَهُ مِنْ غَيْر نَوْعه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10451 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَإِنْ تَعْدِل كُلّ عَدْل لَا يُؤْخَذ مِنْهَا } قَالَ : لَوْ جَاءَتْ بِمِلْءِ الْأَرْض ذَهَبًا لَمْ يُقْبَل مِنْهَا . 10452 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : { وَإِنْ تَعْدِل كُلّ عَدْل لَا يُؤْخَذ مِنْهَا } فَمَا يَعْدِلهَا , لَوْ جَاءَتْ بِمِلْءِ الْأَرْض ذَهَبًا لِتَفْتَدِي بِهِ مَا قُبِلَ مِنْهَا . 10453 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَإِنْ تَعْدِل كُلّ عَدْل لَا يُؤْخَذ مِنْهَا } قَالَ : وَإِنْ تَعْدِل : وَإِنْ تَفْتَدِ يَكُون لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا يَفْتَدِي بِهَا لَا يُؤْخَذ مِنْهُ عَدْلًا عَنْ نَفْسه , لَا يُقْبَل مِنْهُ . وَقَدْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِالْعَرَبِيَّةِ بِمَعْنَى : وَإِنْ تُقْسِط كُلّ قِسْط لَا يُقْبَل مِنْهَا ; وَقَالَ إِنَّهَا التَّوْبَة فِي الْحَيَاة . وَلَيْسَ لِمَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ مَعْنًى , وَذَلِكَ أَنَّ كُلّ تَائِب فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقْبَل تَوْبَته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَاب مِنْ حَمِيم وَعَذَاب أَلِيم بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ إِنْ فَدَوْا أَنْفُسهمْ مِنْ عَذَاب اللَّه يَوْم الْقِيَامَة كُلّ فِدَاء لَمْ يُؤْخَذ مِنْهُمْ , هُمْ { الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا } يَقُول : أَسْلَمُوا لِعَذَابِ اللَّه , فَرَهَنُوا بِهِ جَزَاء بِمَا كَسَبُوا فِي الدُّنْيَا مِنْ الْآثَام وَالْأَوْزَار . { لَهُمْ شَرَاب مِنْ حَمِيم } وَالْحَمِيم : هُوَ الْحَارّ فِي كَلَام الْعَرَب , وَإِنَّمَا هُوَ مَحْمُوم صُرِفَ إِلَى فَعِيل , وَمِنْهُ قِيلَ لِلْحَمَّامِ : حَمَّام , لِإِسْخَانِهِ الْجِسْم ; وَمِنْهُ قَوْل مُرَقَّش : فِي كُلّ مُمْسًى لَهَا مِهْرَان فِيهَا كِبَاءٌ مُعَدٌّ وَحَمِيم يَعْنِي بِذَلِكَ مَاء حَارًّا ; وَمِنْهُ قَوْل أَبِي ذُؤَيْب جُوَيْبِر فِي صِفَة فَرَس : تَأْبَى بِدِرَّتِهَا إِذَا مَا اُسْتُغْضِبَتْ إِلَّا الْحَمِيمَ فَإِنَّهُ يَتَبَضَّعُ يَعْنِي بِالْحَمِيمِ : عَرَق الْفَرَس . وَإِنَّمَا جَعَلَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَة شَرَابًا مِنْ حَمِيم ; لِأَنَّ الْحَارّ مِنْ الْمَاء لَا يَرْوِي مِنْ عَطَش , فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ إِذَا عَطِشُوا فِي جَهَنَّم لَمْ يُغَاثُوا بِمَاءٍ يَرْوِيهِمْ , وَلَكِنْ بِمَا يَزِيدُونَ بِهِ عَطَشًا عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ الْعَطَش , { وَعَذَاب أَلِيم } يَقُول : وَلَهُمْ أَيْضًا مَعَ الشَّرَاب الْحَمِيم مِنْ اللَّه الْعَذَاب الْأَلِيم وَالْهَوَان الْمُقِيم . { بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ } يَقُول : بِمَا كَانَ مِنْ كُفْرهمْ فِي الدُّنْيَا بِاَللَّهِ وَإِنْكَارهمْ تَوْحِيده وَعِبَادَتهمْ مَعَهُ آلِهَة دُونه . 10454 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا } قَالَ : يُقَال : أَسْلَمُوا . 10455 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا } قَالَ : فُضِحُوا . 10456 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا } قَالَ : أُخِذُوا بِمَا كَسَبُوا .
قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّه هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِم لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمْ الْأَوْثَان الْقَائِلِينَ لِأَصْحَابِك : اِتَّبِعُوا سَبِيلنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ فَإِنَّا عَلَى هُدًى : لَيْسَ الْأَمْر كَمَا زَعَمْتُمْ { إِنَّ هُدَى اللَّه هُوَ الْهُدَى } يَقُول : إِنَّ طَرِيق اللَّه الَّذِي بَيَّنَهُ لَنَا وَأَوْضَحَهُ وَسَبِيلنَا الَّذِي أَمَرَنَا بِلُزُومِهِ وَدِينه الَّذِي شَرَعَهُ لَنَا فَبَيَّنَهُ , هُوَ الْهُدَى وَالِاسْتِقَامَة الَّتِي لَا شَكَّ فِيهَا , لَا عِبَادَة الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام الَّتِي لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَع , فَلَا نَتْرُك الْحَقّ وَنَتَّبِع الْبَاطِل . { وَأُمِرْنَا لِنُسْلِم لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } يَقُول : وَأَمَرَنَا رَبّنَا وَرَبّ كُلّ شَيْء , تَعَالَى وَجْهه , لِنُسْلِم لَهُ : لِنَخْضَع لَهُ بِالذِّلَّةِ وَالطَّاعَة وَالْعُبُودِيَّة , فَنُخْلِص ذَلِكَ لَهُ دُون مَا سِوَاهُ مِنْ الْأَنْدَاد وَالْآلِهَة . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْإِسْلَام بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته , وَقِيلَ : { وَأُمِرْنَا لِنُسْلِم } بِمَعْنَى : وَأُمِرْنَا كَيْ نُسْلِم , وَأَنْ نُسْلِم لِرَبِّ الْعَالَمِينَ , لِأَنَّ الْعَرَب تَضَع " كَيْ " وَاللَّام الَّتِي بِمَعْنَى " كَيْ " مَكَان " أَنْ " وَ " أَنْ " مَكَانهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاة وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَأُمِرْنَا أَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاة . وَإِنَّمَا قِيلَ : { وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاة } فَعُطِفَ بِ " أَنْ " عَلَى اللَّام مِنْ " لِنُسْلِم " لِأَنَّ قَوْله : " لِنُسْلِم " , مَعْنَاهُ : أَنْ نُسْلِم , فَرَدَّ قَوْله : { وَأَنْ أَقِيمُوا } عَلَى مَعْنَى : " لِنُسْلِم " , إِذْ كَانَتْ اللَّام الَّتِي فِي قَوْله : " لِنُسْلِم " , لَامًا لَا تَصْحَب إِلَّا الْمُسْتَقْبَل مِنْ الْأَفْعَال , وَكَانَتْ " أَنْ " مِنْ الْحُرُوف الَّتِي تَدُلّ عَلَى الِاسْتِقْبَال دَلَالَة اللَّام الَّتِي فِي " لِنُسْلِم " , فَعُطِفَ بِهَا عَلَيْهَا لِاتِّفَاقِ مَعْنَيَيْهِمَا فِيمَا ذَكَرْت فَـ " أَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب بِالرَّدِّ عَلَى اللَّام . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول : إِمَّا أَنْ يَكُون ذَلِكَ : أُمِرْنَا لِنُسْلِم لِرَبِّ الْعَالَمِينَ , وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاة , يَقُول : أُمِرْنَا كَيْ نُسْلِم , كَمَا قَالَ : { وَأُمِرْت أَنْ أَكُون مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } 10 104 أَيْ إِنَّمَا أُمِرْت بِذَلِكَ , ثُمَّ قَالَ : { وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاة } وَاتَّقُوهُ : أَيْ أُمِرْنَا أَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاة ; أَوْ يَكُون أُوصِلَ الْفِعْل بِاللَّامِ , وَالْمَعْنَى : أُمِرْت أَنْ أَكُون , كَمَا أُوصِلَ الْفِعْل بِاللَّامِ فِي قَوْله : { هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } 7 154 . فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَأُمِرْنَا بِإِقَامَةِ الصَّلَاة , وَذَلِكَ أَدَاؤُهَا بِحُدُودِهَا الَّتِي فُرِضَتْ عَلَيْنَا . { وَاتَّقُوهُ } يَقُول : وَاتَّقُوا رَبّ الْعَالَمِينَ الَّذِي أَمَرَنَا أَنْ نُسْلِم لَهُ , فَخَافُوهُ وَاحْذَرُوا سَخَطه بِأَدَاءِ الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة عَلَيْكُمْ وَالْإِذْعَان لَهُ بِالطَّاعَةِ وَإِخْلَاص الْعِبَادَة لَهُ . { وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } يَقُول : وَرَبّكُمْ رَبّ الْعَالَمِينَ هُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ فَتُجْمَعُونَ يَوْم الْقِيَامَة , فَيُجَازِي كُلّ عَامِل مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ , وَتُوَفَّى كُلّ نَفْس مَا كَسَبَتْ .
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ وَيَوْم يَقُول كُنْ فَيَكُون قَوْله الْحَقّ وَلَهُ الْمُلْك يَوْم يَنْفُخ فِي الصُّور عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة وَهُوَ الْحَكِيم الْخَبِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْرهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمْ الْأَنْدَاد , الدَّاعِيكَ إِلَى عِبَادَة الْأَوْثَان : أُمِرْنَا لِنُسْلِم لِرَبِّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ , لَا مَنْ لَا يَنْفَع وَلَا يَضُرّ وَلَا يَسْمَع وَلَا يُبْصِر . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { بِالْحَقِّ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض حَقًّا وَصَوَابًا , لَا بَاطِلًا وَخَطَأ , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ : { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا بَاطِلًا } 38 27 قَالُوا : وَأُدْخِلَتْ فِيهِ الْبَاء وَالْأَلِف وَاللَّام , كَمَا تَفْعَل الْعَرَب فِي نَظَائِر ذَلِكَ , فَتَقُول : فُلَان يَقُول بِالْحَقِّ , بِمَعْنَى أَنَّهُ يَقُول الْحَقّ . قَالُوا : وَلَا شَيْء فِي قَوْله بِالْحَقِّ غَيْر إِصَابَته الصَّوَاب فِيهِ , لَا أَنَّ الْحَقّ مَعْنًى غَيْر الْقَوْل , وَإِنَّمَا هُوَ صِفَة لِلْقَوْلِ إِذَا كَانَ بِهَا الْقَوْل كَانَ الْقَائِل مَوْصُوفًا بِالْقَوْلِ بِالْحَقِّ وَبِقَوْلِ الْحَقّ . قَالُوا : فَكَذَلِكَ خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض حِكْمَة مِنْ حِكَم اللَّه , فَاَللَّه مَوْصُوف بِالْحِكْمَةِ خَلَقَهُمَا وَخَلَقَ مَا سِوَاهُمَا مِنْ سَائِر خَلْقه , لَا أَنَّ ذَلِكَ حَقّ سِوَى خَلْقهمَا خَلَقَهُمَا بِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض بِكَلَامِهِ وَقَوْله لَهُمَا : { اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا } 41 11 . قَالُوا : فَالْحَقّ فِي هَذَا الْمَوْضِع مَعْنِيّ بِهِ كَلَامه . وَاسْتَشْهَدُوا لِقِيلِهِمْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { وَيَوْم يَقُول كُنْ فَيَكُون قَوْله الْحَقّ } الْحَقّ هُوَ قَوْله وَكَلَامه . قَالُوا : وَاَللَّه خَلَقَ الْأَشْيَاء بِكَلَامِهِ وَقِيله كَمَا خَلَقَ بِهِ الْأَشْيَاء غَيْر الْمَخْلُوقَة . قَالُوا : فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَجَبَ أَنْ يَكُون كَلَام اللَّه الَّذِي خَلَقَ بِهِ الْخَلْق غَيْر مَخْلُوق . وَأَمَّا قَوْله : { وَيَوْم يَقُول كُنْ فَيَكُون } فَإِنَّ أَهْل الْعَرَبِيَّة اِخْتَلَفُوا فِي الْعَامِل فِي " يَوْم يَقُول " وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ ; فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : " الْيَوْم " مُضَاف إِلَى " يَقُول كُنْ فَيَكُون " , قَالَ : وَهُوَ نَصْب وَلَيْسَ لَهُ خَبَر ظَاهِر , وَاَللَّه أَعْلَم , وَهُوَ عَلَى مَا فَسَّرْت لَك . كَأَنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ نَصْبه عَلَى : " وَاذْكُرْ يَوْم يَقُول كُنْ فَيَكُون " ; قَالَ : وَكَذَلِكَ : { يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّور } , قَالَ : وَقَالَ بَعْضهمْ : يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّور عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة . وَقَالَ بَعْضهمْ : يَقُول كُنْ فَيَكُون , لِلصُّورِ خَاصَّة . فَمَعْنَى الْكَلَام عَلَى تَأْوِيلهمْ : يَوْم يَقُول لِلصُّورِ كُنْ فَيَكُون قَوْله الْحَقّ , يَوْم يُنْفَخ فِيهِ عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة ; فَيَكُون " الْقَوْل " حِينَئِذٍ مَرْفُوعًا بِ " الْحَقّ " , وَالْحَقّ بِالْقَوْلِ . وَقَوْله : { يَوْم يَقُول كُنْ فَيَكُون } و { يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّور } صِلَة " الْحَقّ " . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ قَوْله : { كُنْ فَيَكُون } مَعْنِيّ بِهِ كُلّ مَا كَانَ اللَّه مُعِيده فِي الْآخِرَة بَعْد إِفْنَائِهِ وَمُنْشِئَهُ بَعْد إِعْدَامه . فَالْكَلَام عَلَى مَذْهَب هَؤُلَاءِ مُتَنَاهٍ عِنْد قَوْله : { كُنْ فَيَكُون } وَقَوْله : { قَوْله الْحَقّ } خَبَر مُبْتَدَأ . وَتَأْوِيله : وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ , وَيَوْم يَقُول لِلْأَشْيَاءِ : كُنْ فَيَكُون , خَلْقهمَا بِالْحَقِّ بَعْد فَنَائِهِمَا . ثُمَّ اِبْتَدَأَ الْخَبَر عَنْ قَوْله وَوَعْده خَلْقه أَنَّهُ مُعِيدهمَا بَعْد فَنَائِهِمَا عَنْ أَنَّهُ حَقّ , فَقَالَ : قَوْله هَذَا الْحَقّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ , وَأَخْبَرَ أَنَّ لَهُ الْمُلْك يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّور , فَـ يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّور يَكُون عَلَى هَذَا التَّأْوِيل مِنْ صِلَة " الْمُلْك " . وَقَدْ يَجُوز عَلَى هَذَا التَّأْوِيل أَنْ يَكُون قَوْله : { يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّور } مِنْ صِلَة " الْحَقّ " . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى الْكَلَام : وَيَوْم يَقُول لِمَا فَنِيَ : " كُنْ " فَيَكُون قَوْله الْحَقّ , فَجَعَلَ الْقَوْل مَرْفُوعًا بِقَوْلِهِ : { وَيَوْم يَقُول كُنْ فَيَكُون } وَجَعَلَ قَوْله : " كُنْ فَيَكُون " لِلْقَوْلِ مَحَلًّا , وَقَوْله : { يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّور } مِنْ صِلَة " الْحَقّ " . كَأَنَّهُ وَجَّهَ تَأْوِيل ذَلِكَ إِلَى : وَيَوْمئِذٍ قَوْله الْحَقّ يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّور . وَإِنْ جَعَلَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيل : يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّور , بَيَانًا عَنْ الْيَوْم الْأَوَّل , كَانَ وَجْهًا صَحِيحًا , وَلَوْ جَعَلَ قَوْله : { قَوْله الْحَقّ } مَرْفُوعًا بِقَوْلِهِ : { يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّور } وَقَوْله : { يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّور } مَحَلًّا وَقَوْله : { وَيَوْم يَقُول كُنْ فَيَكُون } مِنْ صِلَته كَانَ جَائِزًا . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ الْمُنْفَرِد بِخَلْقِ السَّمَوَات وَالْأَرْض دُون كُلّ مَا سِوَاهُ , مُعَرِّفًا مَنْ أَشْرَكَ بِهِ مِنْ خَلْقه جَهْله فِي عِبَادَة الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام وَخَطَأ مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ عِبَادَة مَا لَا يَضُرّ وَلَا يَنْفَع وَلَا يَقْدِر عَلَى اِجْتِلَاب نَفْع إِلَى نَفْسه وَلَا دَفْع ضُرّ عَنْهَا , وَمُحْتَجًّا عَلَيْهِمْ فِي إِنْكَارهمْ الْبَعْث بَعْد الْمَمَات وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب بِقُدْرَتِهِ عَلَى اِبْتِدَاع ذَلِكَ اِبْتِدَاء , وَأَنَّ الَّذِي اِبْتَدَعَ ذَلِكَ غَيْر مُتَعَذِّر عَلَيْهِ إِفْنَاؤُهُ ثُمَّ إِعَادَته بَعْد إِفْنَائِهِ , فَقَالَ : وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ أَيّهَا الْعَادِلُونَ بِرَبِّهِمْ مَنْ لَا يَنْفَع وَلَا يَضُرّ وَلَا يَقْدِر عَلَى شَيْء , السَّمَوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ , حُجَّة عَلَى خَلْقه , لِيَعْرِفُوا بِهَا صَانِعهَا وَلِيَسْتَدِلُّوا بِهَا عَلَى عَظِيم قُدْرَتِهِ وَسُلْطَانه , فَيُخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَة . { وَيَوْم يَقُول كُنْ فَيَكُون } يَقُول : وَيَوْم يَقُول حِين تُبَدَّل الْأَرْض غَيْر الْأَرْض وَالسَّمَوَات كَذَلِكَ : " كُنْ فَيَكُون " , كَمَا شَاءَ تَعَالَى ذِكْرُهُ , فَتَكُون الْأَرْض غَيْر الْأَرْض عِنْد قَوْله " كُنْ " , فَيَكُون مُتَنَاهِيًا . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ مَعْنَاهُ وَجَبَ أَنْ يَكُون فِي الْكَلَام مَحْذُوف يَدُلّ عَلَيْهِ الظَّاهِر , وَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام : وَيَوْم يَقُول لِذَلِكَ كُنْ فَيَكُون تَبَدُّل غَيْر السَّمَوَات وَالْأَرْض , وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله : { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ } ثُمَّ اِبْتَدَأَ الْخَبَر عَنْ الْقَوْل فَقَالَ : { قَوْله الْحَقّ } بِمَعْنَى : وَعْده هَذَا الَّذِي وَعَدَ تَعَالَى ذِكْرُهُ مِنْ تَبْدِيله السَّمَوَات وَالْأَرْض غَيْر الْأَرْض وَالسَّمَوَات , الْحَقّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ , { وَلَهُ الْمُلْك يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّور } فَيَكُون قَوْله : { يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّور } مِنْ صِلَة " الْمُلْك " , وَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام : وَلِلَّهِ الْمُلْك يَوْمئِذٍ ; لِأَنَّ النَّفْخَة الثَّانِيَة فِي الصُّور حَال تَبْدِيل اللَّه السَّمَوَات وَالْأَرْض غَيْرهمَا . وَجَائِز أَنْ يَكُون الْقَوْل , أَعْنِي قَوْله : { الْحَقّ } مَرْفُوعًا بِقَوْلِهِ : { وَيَوْم يَقُول كُنْ فَيَكُون } , وَيَكُون قَوْله : { كُنْ فَيَكُون } مَحَلًّا لِلْقَوْلِ مُرَافَعًا . فَيَكُون تَأْوِيل الْكَلَام : وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ , وَيَوْم يُبَدِّلهَا غَيْر السَّمَوَات وَالْأَرْض فَيَقُول لِذَلِكَ كُنْ فَيَكُون قَوْله الْحَقّ . وَأَمَّا قَوْله : { وَلَهُ الْمُلْك يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّور } فَإِنَّهُ خُصَّ بِالْخَبَرِ عَنْ مُلْكه يَوْمئِذٍ , وَإِنْ كَانَ الْمُلْك لَهُ خَالِصًا فِي كُلّ وَقْت فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ; لِأَنَّهُ عَنَى تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ لَا مُنَازِع لَهُ فِيهِ يَوْمئِذٍ وَلَا مُدَّعِي لَهُ , وَأَنَّهُ الْمُنْفَرِد بِهِ دُون كُلّ مَنْ كَانَ يُنَازِعهُ فِيهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْجَبَابِرَة ; فَأَذْعَنَ جَمِيعهمْ يَوْمئِذٍ لَهُ بِهِ , وَعَلِمُوا أَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ دَعْوَاهُمْ فِي الدُّنْيَا فِي بَاطِل . وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الصُّور فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ قَرْن يُنْفَخ فِيهِ نَفْخَتَانِ : إِحْدَاهُمَا لِفَنَاءِ مَنْ كَانَ حَيًّا عَلَى الْأَرْض , وَالثَّانِيَة لِنَشْرِ كُلّ مَيِّت . وَاعْتَلُّوا لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { وَنُفِخَ فِي الصُّور فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَام يَنْظُرُونَ } وَبِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِذْ سُئِلَ عَنْ الصُّور : " هُوَ قَرْن يُنْفَخ فِيهِ " , وَقَالَ آخَرُونَ : الصُّور فِي هَذَا الْمَوْضِع : جَمْع صُورَة يُنْفَخ فِيهَا رُوحهَا فَتَحْيَا , كَقَوْلِهِمْ سُور لِسُورِ الْمَدِينَة , وَهُوَ جَمْع سُورَة , كَمَا قَالَ جَرِير : سُور الْمَدِينَة وَالْجِبَال الْخُشَّع وَالْعَرَب تَقُول : نُفِخَ فِي الصُّور , وَنُفِخَ الصُّورُ . وَمِنْ قَوْلهمْ : نُفِخَ الصُّور , قَوْل الشَّاعِر : لَوْلَا اِبْن جَعْدَةَ لَمْ تُفْتَحْ قُهُنْدُزُكُمْ وَلَا خُرَاسَانُ حَتَّى يُنْفَخَ الصُّورُ وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا مَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ قَالَ : " إِنَّ إِسْرَافِيل قَدْ اِلْتَقَمَ الصُّور وَحَنَى جَبْهَته يَنْتَظِر مَتَى يُؤْمَر فَيَنْفُخ " وَأَنَّهُ قَالَ : " الصُّور قَرْن يُنْفَخ فِيهِ " . وَذُكِرَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي قَوْله : { يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّور عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة } يَعْنِي : أَنَّ عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة هُوَ الَّذِي يَنْفُخ فِي الصُّور . 10466 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنَا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة } يَعْنِي : أَنَّ عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة هُوَ الَّذِي يَنْفُخ فِي الصُّور . فَكَأَنَّ اِبْن عَبَّاس تَأَوَّلَ فِي ذَلِكَ أَنَّ قَوْله : { عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة } اِسْم الْفَاعِل الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فِي قَوْله : { يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّور } وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : يَوْم يَنْفُخ اللَّه فِي الصُّور عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة , كَمَا تَقُول الْعَرَب : أَكَلَ طَعَامك عَبْد اللَّه , فَتُظْهِر اِسْم الْآكِل بَعْد أَنْ قَدْ جَرَى الْخَبَر بِمَا لَمْ يُسَمَّ آكِلهُ . وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ وَجْهًا غَيْر مَدْفُوع , فَإِنَّ أَحْسَن مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُون قَوْله : { عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة } مَرْفُوعًا عَلَى أَنَّهُ نَعْت لِلَّذِي " فِي قَوْله : { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ } . وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ يَقُول : الصُّور فِي هَذَا الْمَوْضِع : النَّفْخَة الْأُولَى . 10467 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّور عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة } يَعْنِي بِالصُّورِ : النَّفْخَة الْأُولَى , أَلَمْ تَسْمَع أَنَّهُ يَقُول : { وَنُفِخَ فِي الصُّور فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى } يَعْنِي الثَّانِيَة , { فَإِذَا هُمْ قِيَام يَنْظُرُونَ } . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة } عَالِم مَا تُعَايِنُونَ أَيّهَا النَّاس , فَتُشَاهِدُونَهُ , وَمَا يَغِيب عَنْ حَوَاسّكُمْ وَأَبْصَاركُمْ فَلَا تُحِسُّونَهُ وَلَا تُبْصِرُونَهُ , وَهُوَ الْحَكِيم فِي تَدْبِيره وَتَصْرِيفه خَلْقه مِنْ حَال الْوُجُود إِلَى الْعَدَم , ثُمَّ مِنْ حَال الْعَدَم وَالْفَنَاء إِلَى الْوُجُود , ثُمَّ فِي مُجَازَاتهمْ بِمَا يُجَازِيهِمْ بِهِ مِنْ ثَوَاب أَوْ عِقَاب , خَبِير بِكُلِّ مَا يَعْمَلُونَهُ وَيَكْسِبُونَهُ مِنْ حَسَن وَسِيء , حَافِظ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ لِيُجَازِيَهُمْ عَلَى كُلّ ذَلِكَ . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَاحْذَرُوا أَيّهَا الْعَادِلُونَ بِرَبِّكُمْ عِقَابه , فَإِنَّهُ عَلِيم بِكُلِّ مَا تَأْتُونَ وَتَذَرُونَ , وَهُوَ لَكُمْ مِنْ وَرَاء الْجَزَاء عَلَى مَا تَعْمَلُونَ .
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ آزَرَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّد لِحِجَاجِك الَّذِي تُحَاجّ بِهِ قَوْمك وَخُصُومَتك إِيَّاهُمْ فِي آلِهَتهمْ وَمَا تُرَاجِعهُمْ فِيهَا , مِمَّا نُلْقِيه إِلَيْك وَنُعَلِّمكَهُ مِنْ الْبُرْهَان , وَالدَّلَالَة عَلَى بُطْلَان مَا عَلَيْهِ قَوْمك مُقِيمُونَ وَصِحَّة مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مُقِيم مِنْ الدِّين وَحَقِّيَّة مَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ مُحْتَجّ , حِجَاج إِبْرَاهِيم خَلِيلِي قَوْمَهُ , وَمُرَاجَعَته إِيَّاهُمْ فِي بَاطِل مَا كَانُوا عَلَيْهِ مُقِيمِينَ مِنْ عِبَادَة الْأَوْثَان , وَانْقِطَاعه إِلَى اللَّه وَالرِّضَا بِهِ وَالِيًا وَنَاصِرًا دُون الْأَصْنَام ; فَاِتَّخِذْهُ إِمَامًا وَاقْتَدِ بِهِ , وَاجْعَلْ سِيرَته فِي قَوْمك لِنَفْسِك مِثَالًا , إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ مُفَارِقًا لِدِينِهِ وَعَائِبًا عِبَادَته الْأَصْنَام دُون بَارِئِهِ وَخَالِقه : يَا آزَر . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي الْمَعْنِيّ بِآزَر , وَمَا هُوَ ؟ اِسْم أَمْ صِفَة ؟ وَإِنْ كَانَ اِسْمًا , فَمَنْ الْمُسَمَّى بِهِ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ اِسْم أَبِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10468 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ آزَرَ } قَالَ : اِسْم أَبِيهِ آزَر . 10469 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة بْن الْفَضْل , قَالَ : ثَنِي مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : آزَر أَبُو إِبْرَاهِيم . وَكَانَ - فِيمَا ذُكِرَ لَنَا وَاَللَّه أَعْلَم - رَجُلًا مِنْ أَهْل كُوثَى , مِنْ قَرْيَة بِالسَّوَادِ , سَوَاد الْكُوفَة . 10470 - حَدَّثَنِي اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثَنَا عَمْرو بْن أَبِي سَلَمَة , قَالَ : سَمِعْت سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيز يَذْكُر , قَالَ : هُوَ آزَر , وَهُوَ تَارَح , مِثْل إِسْرَائِيل وَيَعْقُوب . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّهُ لَيْسَ أَبَا إِبْرَاهِيم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10471 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حُمَيْد وَسُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَا : ثَنَا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : لَيْسَ آزَر أَبَا إِبْرَاهِيم . - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنِي عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا الثَّوْرِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنِي رَجُل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ آزَرَ } قَالَ : آزَر لَمْ يَكُنْ بِأَبِيهِ إِنَّمَا هُوَ صَنَم . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : آزَر اِسْم صَنَم . 10472 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ آزَرَ } قَالَ : اِسْم أَبِيهِ . وَيُقَال : لَا , بَلْ اِسْمه تَارَح , وَاسْم الصَّنَم آزَر ; يَقُول : أَتَتَّخِذُ آزَرَ أَصْنَامًا آلِهَة . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ سَبّ وَعَيْب بِكَلَامِهِمْ , وَمَعْنَاهُ : مُعْوَجّ . كَأَنَّهُ تَأَوَّلَ أَنَّهُ عَابَهُ بِزَيْغِهِ وَاعْوِجَاجه عَنْ الْحَقّ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ آزَرَ } بِفَتْحِ " آزَرَ " عَلَى إِتْبَاعه الْأَب فِي الْخَفْض , وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ اِسْمًا أَعْجَمِيًّا فَتَحُوهُ إِذْ لَمْ يَجُرُّوهُ وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِع خَفْض . وَذُكِرَ عَنْ أَبِي زَيْد الْمَدِينِيّ وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُمَا كَانَا يَقْرَآنِ ذَلِكَ : " آزَرُ " , بِالرَّفْعِ عَلَى النِّدَاء , بِمَعْنَى : " يَا آزَرُ " . فَأَمَّا الَّذِي ذُكِرَ عَنْ السُّدِّيّ مِنْ حِكَايَته أَنَّ آزَرَ اِسْم صَنَم , وَإِنَّمَا نَصْبه بِمَعْنَى : " أَتَتَّخِذُ آزَرَ أَصْنَامًا آلِهَة , فَقَوْل مِنْ الصَّوَاب مِنْ جِهَة الْعَرَبِيَّة بَعِيد ; وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب لَا تَنْصِب اِسْمًا بِفِعْلٍ بَعْد حَرْف الِاسْتِفْهَام , لَا تَقُول : أَخَاك أَكَلَّمْت , وَهِيَ تُرِيد : أَكَلَّمْت أَخَاك . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدِي , قِرَاءَة مِنْ قَرَأَ بِفَتْحِ الرَّاء مِنْ " آزَرَ " , عَلَى إِتْبَاعه إِعْرَاب " الْأَب " , وَأَنَّهُ فِي مَوْضِع خَفْض , فَفُتِحَ إِذْ لَمْ يَكُنْ جَارِيًا لِأَنَّهُ اِسْم عَجَمِيّ . وَإِنَّمَا أُجِيزَتْ قِرَاءَة ذَلِكَ كَذَلِكَ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة وَكَانَ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون مَنْصُوبًا بِالْفِعْلِ الَّذِي بَعْد حَرْف الِاسْتِفْهَام , صَحَّ لَك فَتْحه مِنْ أَحَد وَجْهَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُون اِسْمًا لِأَبِي إِبْرَاهِيم صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ وَعَلَى جَمِيع أَنْبِيَائِهِ وَرُسُله , فَيَكُون فِي مَوْضِع خَفْض رَدًّا عَلَى الْأَب , وَلَكِنَّهُ فُتِحَ لِمَا ذَكَرْت مِنْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ اِسْمًا أَعْجَمِيًّا تُرِكَ إِجْرَاؤُهُ , فَفُتِحَ كَمَا فَتَحَ الْعَرَب فِي أَسْمَاء الْعَجَم . أَوْ يَكُون نَعْتًا لَهُ , فَيَكُون أَيْضًا خَفْضًا بِمَعْنَى تَكْرِير اللَّام عَلَيْهِ , وَلَكِنَّهُ لَمَّا خَرَجَ مَخْرَج أَحْمَر وَأَسْوَد تُرِكَ إِجْرَاؤُهُ وَفُعِلَ بِهِ كَمَا يُفْعَل بِأَشْكَالِهِ . فَيَكُون تَأْوِيل الْكَلَام حِينَئِذٍ : وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ آزَرَ : أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَة ؟ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَجِهَة فِي الصَّوَاب إِلَّا أَحَد هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ , فَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ مِنْهُمَا عِنْدِي , قَوْل مَنْ قَالَ : هُوَ اِسْم أَبِيهِ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُ أَبُوهُ . وَهُوَ الْقَوْل الْمَحْفُوظ مِنْ قَوْل أَهْل الْعِلْم دُون الْقَوْل الْآخَر الَّذِي زَعَمَ قَائِله أَنَّهُ نَعْت . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّ أَهْل الْأَنْسَاب إِنَّمَا يَنْسُبُونَ إِبْرَاهِيم إِلَى تَارَح , فَكَيْف يَكُون آزَرُ اِسْمًا لَهُ وَالْمَعْرُوف بِهِ مِنْ الِاسْم تَارَح ؟ قِيلَ لَهُ : غَيْر مُحَال أَنْ يَكُون لَهُ اِسْمَانِ , كَمَا لِكَثِيرٍ مِنْ النَّاس فِي دَهْرنَا هَذَا , وَكَانَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى لِكَثِيرٍ مِنْهُمْ . وَجَائِز أَنْ يَكُون لَقَبًا , وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَة إِنِّي أَرَاك وَقَوْمك فِي ضَلَال مُبِين } . وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ قِيل إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ آزَرَ أَنَّهُ قَالَ : أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَة تَعْبُدهَا وَتَتَّخِذهَا رَبًّا دُون اللَّه الَّذِي خَلَقَك فَسَوَّاك وَرَزَقَك ! وَالْأَصْنَام : جَمْع صَنَم , التِّمْثَال مِنْ حَجَر أَوْ خَشَب أَوْ مِنْ غَيْر ذَلِكَ فِي صُورَة إِنْسَان , وَهُوَ الْوَثَن . وَقَدْ يُقَال لِلصُّورَةِ الْمُصَوَّرَة عَلَى صُورَة الْإِنْسَان فِي الْحَائِط غَيْره : صَنَم وَوَثَن . { إِنِّي أَرَاك وَقَوْمك فِي ضَلَال مُبِين } يَقُول : إِنِّي أَرَاك يَا آزَرُ وَقَوْمك الَّذِينَ يَعْبُدُونَ مَعَك الْأَصْنَام وَيَتَّخِذُونَهَا آلِهَة { فِي ضَلَال } يَقُول : فِي زَوَال عَنْ مَحَجَّة الْحَقّ , وَعُدُول عَنْ سَبِيل الصَّوَاب ; { مُبِين } يَقُول : يَتَبَيَّن لِمَنْ أَبْصَرَهُ أَنَّهُ جَوْر عَنْ قَصْد السَّبِيل وَزَوَال عَنْ مَحَجَّة الطَّرِيق الْقَوِيم . يَعْنِي بِذَلِكَ : أَنَّهُ قَدْ ضَلَّ هُوَ وَهُمْ عَنْ تَوْحِيد اللَّه وَعِبَادَته الَّذِي اِسْتَوْجَبَ عَلَيْهِمْ إِخْلَاص الْعِبَادَة لَهُ بِآلَائِهِ عِنْدهمْ , دُون غَيْره مِنْ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَة إِنِّي أَرَاك وَقَوْمك فِي ضَلَال مُبِين } . وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ قِيل إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ آزَرَ أَنَّهُ قَالَ : أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَة تَعْبُدهَا وَتَتَّخِذهَا رَبًّا دُون اللَّه الَّذِي خَلَقَك فَسَوَّاك وَرَزَقَك ! وَالْأَصْنَام : جَمْع صَنَم , التِّمْثَال مِنْ حَجَر أَوْ خَشَب أَوْ مِنْ غَيْر ذَلِكَ فِي صُورَة إِنْسَان , وَهُوَ الْوَثَن . وَقَدْ يُقَال لِلصُّورَةِ الْمُصَوَّرَة عَلَى صُورَة الْإِنْسَان فِي الْحَائِط غَيْره : صَنَم وَوَثَن . { إِنِّي أَرَاك وَقَوْمك فِي ضَلَال مُبِين } يَقُول : إِنِّي أَرَاك يَا آزَرُ وَقَوْمك الَّذِينَ يَعْبُدُونَ مَعَك الْأَصْنَام وَيَتَّخِذُونَهَا آلِهَة { فِي ضَلَال } يَقُول : فِي زَوَال عَنْ مَحَجَّة الْحَقّ , وَعُدُول عَنْ سَبِيل الصَّوَاب ; { مُبِين } يَقُول : يَتَبَيَّن لِمَنْ أَبْصَرَهُ أَنَّهُ جَوْر عَنْ قَصْد السَّبِيل وَزَوَال عَنْ مَحَجَّة الطَّرِيق الْقَوِيم . يَعْنِي بِذَلِكَ : أَنَّهُ قَدْ ضَلَّ هُوَ وَهُمْ عَنْ تَوْحِيد اللَّه وَعِبَادَته الَّذِي اِسْتَوْجَبَ عَلَيْهِمْ إِخْلَاص الْعِبَادَة لَهُ بِآلَائِهِ عِنْدهمْ , دُون غَيْره مِنْ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيم مَلَكُوت السَّمَوَات وَالْأَرْض وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ : { وَكَذَلِكَ } : وَكَمَا أَرَيْنَاهُ الْبَصِيرَة فِي دِينه وَالْحَقّ فِي خِلَاف مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الضَّلَال , نُرِيه مَلَكُوت السَّمَوَات وَالْأَرْض , يَعْنِي مُلْكه ; وَزِيدَتْ فِيهِ التَّاء كَمَا زِيدَتْ فِي " الْجَبَرُوت " مِنْ الْجَبْر , وَكَمَا قِيلَ : رَهَبُوت خَيْر مِنْ رَحَمُوت , بِمَعْنَى : رَهْبَة خَيْر مِنْ رَحْمَة . وَحُكِيَ عَنْ الْعَرَب سَمَاعًا : لَهُ مَلَكُوت الْيَمَن وَالْعِرَاق , بِمَعْنَى : لَهُ مُلْك ذَلِكَ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { نُرِي إِبْرَاهِيم مَلَكُوت السَّمَوَات وَالْأَرْض } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : نُرِيه خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10473 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنَا مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { نُرِي إِبْرَاهِيم مَلَكُوت السَّمَوَات وَالْأَرْض } : أَيْ خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض . 10474 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيم مَلَكُوت السَّمَوَات وَالْأَرْض } : أَيْ خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض , وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ . - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيم مَلَكُوت السَّمَوَات وَالْأَرْض } يَعْنِي بِمَلَكُوتِ السَّمَوَات وَالْأَرْض : خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى الْمَلَكُوت : الْمُلْك ; بِنَحْوِ التَّأْوِيل الَّذِي أَوَّلْنَاهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10475 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثَنَا عُمَر بْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة , وَسَأَلَهُ رَجُل عَنْ قَوْله : { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيم مَلَكُوت السَّمَوَات وَالْأَرْض } قَالَ : هُوَ الْمُلْك , غَيْر أَنَّهُ بِكَلَامِ النَّبَط " مَلَكُوتًا " . 10476 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ اِبْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : هِيَ بِالنَّبَطِيَّةِ : " مَلَكُوتًا " . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : آيَات السَّمَوَات وَالْأَرْض . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10477 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثَنَا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : { نُرِي إِبْرَاهِيم مَلَكُوت السَّمَوَات وَالْأَرْض } قَالَ : آيَات السَّمَوَات وَالْأَرْض . - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ : { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيم مَلَكُوت السَّمَوَات وَالْأَرْض } قَالَ : آيَات . 10478 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيم مَلَكُوت السَّمَوَات وَالْأَرْض } قَالَ : تَفَرَّجَتْ لِإِبْرَاهِيم السَّمَوَات السَّبْع . حَتَّى الْعَرْش , فَنَظَرَ فِيهِنَّ . وَتَفَرَّجَتْ لَهُ الْأَرَضُونَ السَّبْع , فَنَظَرَ فِيهِنَّ . 10479 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ : { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوت السَّمَوَات وَالْأَرْض وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ } قَالَ : أُقِيمَ عَلَى صَخْرَة , وَفُتِحَتْ لَهُ السَّمَوَات , فَنَظَرَ إِلَى مُلْك اللَّه فِيهَا حَتَّى نَظَرَ إِلَى مَكَانه فِي الْجَنَّة ; وَفُتِحَتْ لَهُ الْأَرَضُونَ حَتَّى نَظَرَ إِلَى أَسْفَل الْأَرْض , فَذَلِكَ قَوْله : { وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا } يَقُول : آتَيْنَاهُ مَكَانه فِي الْجَنَّة . وَيُقَال : أَجْره : الثَّنَاء الْحَسَن . - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن عُبَادَة , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بِزَّة , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيم مَلَكُوت السَّمَوَات وَالْأَرْض } قَالَ : فُرِّجَتْ لَهُ السَّمَوَات فَنَظَرَ إِلَى مَا فِيهِنَّ حَتَّى اِنْتَهَى بَصَره إِلَى الْعَرْش ; وَفُرِّجَتْ لَهُ الْأَرَضُونَ السَّبْع فَنَظَرَ مَا فِيهِنَّ . 10480 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيم مَلَكُوت السَّمَوَات وَالْأَرْض } قَالَ : كُشِفَ لَهُ عَنْ أَدِيم السَّمَوَات وَالْأَرْض حَتَّى نَظَر إِلَيْهِنَّ عَلَى صَخْرَة , وَالصَّخْرَة عَلَى حُوت , وَالْحُوت عَلَى خَاتَم رَبّ الْعِزَّة لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . 10481 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي عُثْمَان , عَنْ سَلْمَان , قَالَ : لَمَّا رَأَى إِبْرَاهِيم مَلَكُوت السَّمَوَات وَالْأَرْض , رَأَى عَبْدًا عَلَى فَاحِشَة , فَدَعَا عَلَيْهِ فَهَلَكَ ; ثُمَّ رَأَى آخَر عَلَى فَاحِشَة , فَدَعَا عَلَيْهِ فَهَلَكَ ; ثُمَّ رَأَى آخَر عَلَى فَاحِشَة , فَدَعَا عَلَيْهِ فَهَلَكَ , فَقَالَ : أَنْزِلُوا عَبْدِي لَا يُهْلِك عِبَادِي ! 10482 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا قَبِيصَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ طَلْحَة بْن عَمْرو , عَنْ عَطَاء , قَالَ : لَمَّا رَفَعَ اللَّه إِبْرَاهِيم فِي الْمَلَكُوت فِي السَّمَوَات , أَشْرَفَ فَرَأَى عَبْدًا يَزْنِي , فَدَعَا عَلَيْهِ فَهَلَكَ ; ثُمَّ رُفِعَ فَأَشْرَفَ فَرَأَى عَبْدًا يَزْنِي , فَدَعَا عَلَيْهِ فَهَلَكَ ; ثُمَّ رُفِعَ فَأَشْرَفَ فَرَأَى عَبْدًا يَزْنِي , فَدَعَا عَلَيْهِ , فَنُودِيَ : عَلَى رِسْلك يَا إِبْرَاهِيم فَإِنَّك عَبْد مُسْتَجَاب لَك ! وَإِنِّي مِنْ عَبْدِي عَلَى ثَلَاث : إِمَّا أَنْ يَتُوب إِلَيَّ فَأَتُوب عَلَيْهِ , وَإِمَّا أَنْ أُخْرِجَ مِنْهُ ذُرِّيَّة طَيِّبَة , وَإِمَّا أَنْ يَتَمَادَى فِيمَا هُوَ فِيهِ , فَأَنَا مِنْ وَرَائِهِ ! 10483 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا اِبْن أَبِي عَدِيّ وَمُحَمَّد بْن جَعْفَر , وَعَبْد الْوَهَّاب , عَنْ عَوْف , عَنْ أُسَامَة : أَنَّ إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن حَدَّثَ نَفْسه أَنَّهُ أَرْحَم الْخَلْق , وَأَنَّ اللَّه رَفَعَهُ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى أَهْل الْأَرْض , فَأَبْصَرَ أَعْمَالَهُمْ ; فَلَمَّا رَآهُمْ يَعْمَلُونَ بِالْمَعَاصِي , قَالَ : اللَّهُمَّ دَمِّرْ عَلَيْهِمْ ! فَقَالَ لَهُ رَبّه : أَنَا أَرْحَم بِعِبَادِي مِنْك , اِهْبِطْ فَلَعَلَّهُمْ أَنْ يَتُوبُوا إِلَيَّ وَيَرْجِعُوا ! وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ مَا أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ أَرَاهُ مِنْ النُّجُوم وَالْقَمَر وَالشَّمْس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10484 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيم مَلَكُوت السَّمَوَات وَالْأَرْض } قَالَ : الشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم . 10485 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيم مَلَكُوت السَّمَوَات وَالْأَرْض } قَالَ : الشَّمْس وَالْقَمَر . 10486 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيم مَلَكُوت السَّمَوَات وَالْأَرْض } يَعْنِي بِهِ : نُرِيه الشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم . 10487 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : خُبِّئَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ جَبَّار مِنْ الْجَبَابِرَة , فَجُعِلَ لَهُ رِزْقه فِي أَصَابِعه , فَإِذَا مَصَّ أُصْبُعًا مِنْ أَصَابِعه وَجَدَ فِيهَا رِزْقًا . فَلَمَّا خَرَجَ أَرَاهُ اللَّه مَلَكُوت السَّمَوَات وَالْأَرْض ; فَكَانَ مَلَكُوت السَّمَوَات : الشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم , وَمَلَكُوت الْأَرْض : الْجِبَال وَالشَّجَر وَالْبِحَار . - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فُرَّ بِهِ مِنْ جَبَّار مُتْرَف , فَجُعِلَ فِي سَرَب , وَجُعِلَ رِزْقه فِي أَطْرَافه , فَجَعَلَ لَا يَمُصّ أُصْبُعًا مِنْ أَصَابِعه إِلَّا وَجَدَ فِيهَا رِزْقًا ; فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ السَّرَب أَرَاهُ اللَّه مَلَكُوت السَّمَوَات , فَأَرَاهُ شَمْسًا وَقَمَرًا وَنُجُومًا وَسَحَابًا وَخَلْقًا عَظِيمًا ; وَأَرَاهُ مَلَكُوت الْأَرْض , فَأَرَاهُ جِبَالًا وَبُحُورًا وَأَنْهَارًا وَشَجَرًا وَمِنْ كُلّ الدَّوَابّ , وَخَلْقًا عَظِيمًا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي تَأْوِيل ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى اللَّه تَعَالَى بِقَوْلِهِ : { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيم مَلَكُوت السَّمَوَات وَالْأَرْض } أَنَّهُ أَرَاهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض , وَذَلِكَ مَا خَلَقَ فِيهِمَا مِنْ الشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم وَالشَّجَر وَالدَّوَابّ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ عَظِيم سُلْطَانه فِيهِمَا , وَجَلَّى لَهُ بَوَاطِن الْأُمُور وَظَوَاهِرهَا ; لِمَا ذَكَرْنَا قَبْل مِنْ مَعْنَى الْمَلَكُوت فِي كَلَام الْعَرَب فِيمَا مَضَى قَبْل . وَأَمَّا قَوْله : { وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : أَنَّهُ أَرَاهُ مَلَكُوت السَّمَوَات وَالْأَرْض لِيَكُونَ مِمَّنْ يَتَوَحَّد بِتَوْحِيدِ اللَّه , وَيَعْلَم حَقِّيَّة مَا هَدَاهُ لَهُ وَبَصَّرَهُ إِيَّاهُ مِنْ مَعْرِفَة وَحْدَانِيّته وَمَا عَلَيْهِ قَوْمه مِنْ الضَّلَالَة مِنْ عِبَادَتهمْ وَاِتِّخَاذهمْ آلِهَة دُون اللَّه تَعَالَى . وَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , مَا : 10488 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ } أَنَّهُ جَلَّى لَهُ الْأَمْر سِرّه وَعَلَانِيَته , فَلَمْ يُخْفَ عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أَعْمَال الْخَلَائِق ; فَلَمَّا جَعَلَ يَلْعَن أَصْحَاب الذُّنُوب , قَالَ اللَّه : إِنَّك لَا تَسْتَطِيع هَذَا , فَرَدَّهُ اللَّه كَمَا كَانَ قَبْل ذَلِكَ . فَتَأْوِيل ذَلِكَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيل : أَرَيْنَاهُ مَلَكُوت السَّمَوَات وَالْأَرْض , لِيَكُونَ مِمَّنْ يُوقِن عِلْم كُلّ شَيْء حِسًّا لَا خَبَرًا . 10489 - حَدَّثَنِي الْعَبَّاس بْن الْوَلِيد , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنَا أَبُو جَابِر , قَالَ : وَحَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيّ أَيْضًا قَالَ : ثَنِي خَالِد بْن اللَّجْلَاج , قَالَ : سَمِعْت عَبْد الرَّحْمَن بْن عَيَّاش يَقُول : صَلَّى بِنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَات غَدَاة , فَقَالَ لَهُ قَائِل : مَا رَأَيْت أَسْعَد مِنْك الْغَدَاة ! قَالَ : " وَمَالِي وَقَدْ أَتَانِي رَبِّي فِي أَحْسَن صُورَة , فَقَالَ : فَفِيمَ يَخْتَصِم الْمَلَأ الْأَعْلَى يَا مُحَمَّد ؟ قُلْت : أَنْتَ أَعْلَم ! فَوَضَعَ يَده بَيْن كَتِفِيَّ , فَعَلِمْت مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض " . ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيم مَلَكُوت السَّمَوَات وَالْأَرْض وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ } .
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْل رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبّ الْآفِلِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : فَلَمَّا وَارَاهُ اللَّيْل وَجَنَّهُ , يُقَال مِنْهُ : جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْل , وَجَنَّهُ اللَّيْل , وَأَجَنَّهُ , وَأَجَنَّ عَلَيْهِ وَإِذَا أَلْقَيْت " عَلَى " كَانَ الْكَلَام بِالْأَلِفِ أَفْصَح مِنْهُ بِغَيْرِ الْأَلِف , " أَجَنَّهُ اللَّيْل " أَفْصَح مِنْ " أَجَنَّ عَلَيْهِ " , وَ " جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْل " أَفْصَح مِنْ " جَنَّهُ " , وَكُلّ ذَلِكَ مَقْبُول مَسْمُوع مِنْ الْعَرَب . وَجَنَّهُ اللَّيْل فِي أَسَد وَأَجَنَّهُ وَجَنَّهُ فِي تَمِيم , وَالْمَصْدَر مِنْ جَنَّ عَلَيْهِ جَنًّا وَجُنُونًا وَجِنَانًا , وَمِنْ أَجَنَّ إِجْنَانًا , وَيُقَال : أَتَى فُلَان فِي جَنّ اللَّيْل , وَالْجِنّ مِنْ ذَلِكَ , لِأَنَّهُمْ اِسْتَجَنُّوا عَنْ أَعْيُن بَنِي آدَم فَلَا يُرَوْنَ ; وَكُلّ مَا تَوَارَى عَنْ أَبْصَار النَّاس فَإِنَّ الْعَرَب تَقُول فِيهِ : قَدْ جَنَّ ; وَمِنْهُ قَوْل جُوَيْبِر : وَمَاء وَرَدْت قُبَيْل الْكَرَى وَقَدْ جَنَّهُ السَّدَف الْأَدْهَم وَقَالَ عُبَيْد : وَخَرْق تَصِيحُ الْبُومُ فِيهِ مَعَ الصَّدَى مَخُوف إِذَا مَا جَنَّهُ اللَّيْل مَرْهُوب وَمِنْهُ : أَجَنَنْت الْمَيِّت : إِذَا وَارَيْته فِي اللَّحْد , وَجَنَّنْته . وَهُوَ نَظِير جُنُون اللَّيْل فِي مَعْنَى : غَطَّيْته . وَمِنْهُ قِيلَ لِلتُّرْسِ : مِجَنّ , لِأَنَّهُ يَجِنّ مَنْ اِسْتَجَنَّ بِهِ فَيُغَطِّيه وَيُوَارِيه . وَقَوْله : { رَأَى كَوْكَبًا } يَقُول : أَبْصَرَ كَوْكَبًا حِين طَلَعَ ; { قَالَ هَذَا رَبِّي } . فَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ , مَا : 10490 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيم مَلَكُوت السَّمَوَات وَالْأَرْض وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ } يَعْنِي بِهِ : الشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم . { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْل رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي } فَعَبَدَهُ حَتَّى غَابَ , فَلَمَّا غَابَ قَالَ : لَا أُحِبّ الْآفِلِينَ ; فَلَمَّا رَأَى الْقَمَر بَازِغًا قَالَ : هَذَا رَبِّي ! فَعَبَدَهُ حَتَّى غَابَ ; فَلَمَّا غَابَ قَالَ : لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَن مِنْ الْقَوْم الضَّالِّينَ . فَلَمَّا رَأَى الشَّمْس بَازِغَة قَالَ : هَذَا رَبِّي , هَذَا أَكْبَر ! فَعَبَدَهَا حَتَّى غَابَتْ ; فَلَمَّا غَابَتْ قَالَ : يَا قَوْم إِنِّي بَرِيء مِمَّا تُشْرِكُونَ . 10491 - حَدَّثَنِي بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْل رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبّ الْآفِلِينَ } عَلِمَ أَنَّ رَبّه دَائِم لَا يَزُول ; فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَر } رَأَى خَلْقًا هُوَ أَكْبَر مِنْ الْخَلْقَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَأَنْوَر . وَكَانَ سَبَب قِيل إِبْرَاهِيم ذَلِكَ , مَا : 10492 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة بْن الْفَضْل , قَالَ : ثَنِي مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , فِيمَا ذُكِرَ لَنَا وَاَللَّه أَعْلَم : أَنَّ آزَرَ كَانَ رَجُلًا مِنْ أَهْل كُوثَى مِنْ قَرْيَة بِالسَّوَادِ سَوَاد الْكُوفَة , وَكَانَ إِذْ ذَاكَ مُلْك الْمَشْرِق لِنَمْرُود بْن كَنْعَان ; فَلَمَّا أَرَادَ اللَّه أَنْ يَبْعَث إِبْرَاهِيم حُجَّة عَلَى قَوْمه وَرَسُولًا إِلَى عِبَاده , وَلَمْ يَكُنْ فِيمَا بَيْن نُوح وَإِبْرَاهِيم نَبِيٌّ إِلَّا هُود وَصَالِح ; فَلَمَّا تَقَارَبَ زَمَانُ إِبْرَاهِيم الَّذِي أَرَادَ اللَّه مَا أَرَادَ , أَتَى أَصْحَاب النُّجُوم نَمْرُود , فَقَالُوا لَهُ : تَعْلَم أَنَّا نَجِد فِي عِلْمنَا أَنَّ غُلَامًا يُولَد فِي قَرْيَتك هَذِهِ يُقَال لَهُ إِبْرَاهِيم , يُفَارِق دِينكُمْ وَيُكَسِّر أَوْثَانَكُمْ فِي شَهْر كَذَا وَكَذَا مِنْ سَنَة كَذَا وَكَذَا . فَلَمَّا دَخَلَتْ السَّنَة الَّتِي وَصَفَ أَصْحَاب النُّجُوم لِنَمْرُود , بَعَثَ نَمْرُود إِلَى كُلّ اِمْرَأَة حُبْلَى بَقَرِيَّته , فَحَبَسَهَا عِنْده , إِلَّا مَا كَانَ مِنْ أُمِّ إِبْرَاهِيم اِمْرَأَة آزَر , فَإِنَّهُ لَمْ يَعْلَم بِحَبْلِهَا , وَذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ اِمْرَأَة طَرَفَة فِيمَا يُذْكَر لَمْ يُعْرَف الْحَبَل فِي بَطْنهَا . وَلَمَّا أَرَادَ اللَّه أَنْ يُبَلَّغ بِوَلَدِهَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُل كُلّ غُلَام وُلِدَ فِي ذَلِكَ الشَّهْر مِنْ تِلْكَ السَّنَة حَذَرًا عَلَى مُلْكه , فَجَعَلَ لَا تَلِد اِمْرَأَة غُلَامًا فِي ذَلِكَ الشَّهْر مِنْ تِلْكَ السَّنَة إِلَّا أَمَرَ بِهِ فَذُبِحَ ; فَلَمَّا وَجَدَتْ أُمُّ إِبْرَاهِيم الطَّلْق , خَرَجَتْ لَيْلًا إِلَى مَغَارَة كَانَتْ قَرِيبًا مِنْهَا , فَوَلَدَتْ فِيهَا إِبْرَاهِيم , وَأَصْلَحَتْ مِنْ شَأْنه مَا يُصْنَع مَعَ الْمَوْلُود , ثُمَّ سَدَّتْ عَلَيْهِ الْمَغَارَة , ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتهَا . ثُمَّ كَانَتْ تُطَالِعهُ فِي الْمَغَارَة , فَتَنْظُر مَا فَعَلَ , فَتَجِدهُ حَيًّا يَمُصّ إِبْهَامه , يَزْعُمُونَ وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّ اللَّه جَعَلَ رِزْق إِبْرَاهِيم فِيهَا وَمَا يَجِيئهُ مِنْ مَصِّهِ . وَكَانَ آزَر فِيمَا يَزْعُمُونَ , سَأَلَ أُمّ إِبْرَاهِيم عَنْ حَمْلِهَا مَا فَعَلَ ؟ فَقَالَتْ : وَلَدْت غُلَامًا فَمَاتَ . فَصَدَّقَهَا , فَسَكَتَ عَنْهَا . وَكَانَ الْيَوْم فِيمَا يَذْكُرُونَ عَلَى إِبْرَاهِيم فِي الشَّبَاب كَالشَّهْرِ وَالشَّهْر كَالسَّنَةِ , فَلَمْ يَلْبَث إِبْرَاهِيم فِي الْمَغَارَة إِلَّا خَمْسَة عَشَرَ شَهْرًا , حَتَّى قَالَ لِأُمّه : أَخْرِجِينِي أَنْظُر ! فَأَخْرَجَتْهُ عِشَاء , فَنَظَرَ وَتَفَكَّرَ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض , وَقَالَ : إِنَّ الَّذِي خَلَقَنِي وَرَزَقَنِي وَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي لَرَبِّي , مَا لِي إِلَهٌ غَيْره ! ثُمَّ نَظَرَ فِي السَّمَاء فَرَأَى كَوْكَبًا , قَالَ : هَذَا رَبِّي ! ثُمَّ أَتْبَعَهُ يَنْظُر إِلَيْهِ بِبَصَرِهِ , حَتَّى غَابَ , فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ : لَا أُحِبّ الْآفِلِينَ ! ثُمَّ طَلَعَ الْقَمَر فَرَآهُ بَازِغًا , قَالَ : هَذَا رَبِّي ! ثُمَّ أَتْبَعَهُ بَصَره حَتَّى غَابَ , فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ : لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَن مِنْ الْقَوْم الضَّالِّينَ ! فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ النَّهَار وَطَلَعَتْ الشَّمْس , أَعْظَمَ الشَّمْس , وَرَأَى شَيْئًا هُوَ أَعْظَم نُورًا مِنْ كُلّ شَيْء رَآهُ قَبْل ذَلِكَ , فَقَالَ : هَذَا رَبِّي , هَذَا أَكْبَر ! فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ : يَا قَوْم إِنِّي بَرِيء مِمَّا تُشْرِكُونَ , إِنِّي وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَات وَالْأَرْض حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ . ثُمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيم إِلَى أَبِيهِ آزَرَ وَقَدْ اِسْتَقَامَتْ وُجْهَته وَعَرَفَ رَبّه وَبَرِئَ مِنْ دِين قَوْمه , إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُبَادِئهُمْ بِذَلِكَ . وَأَخْبَرَ أَنَّهُ اِبْنه , وَأَخْبَرَتْهُ أُمُّ إِبْرَاهِيم أَنَّهُ اِبْنه , وَأَخْبَرَتْهُ بِمَا كَانَتْ صَنَعَتْ مِنْ شَأْنه , فَسُرَّ بِذَلِكَ آزَر وَفَرِحَ فَرَحًا شَدِيدًا . وَكَانَ آزَر يَصْنَع أَصْنَام قَوْمه الَّتِي يَعْبُدُونَهَا , ثُمَّ يُعْطِيهَا إِبْرَاهِيم يَبِيعهَا , فَيَذْهَب بِهَا إِبْرَاهِيم فِيمَا يَذْكُرُونَ , فَيَقُول : مَنْ يَشْتَرِي مَا يَضُرُّهُ وَلَا يَنْفَعهُ ؟ فَلَا يَشْتَرِيهَا مِنْهُ أَحَد , وَإِذَا بَارَتْ عَلَيْهِ , ذَهَبَ بِهَا إِلَى نَهَر فَضَرَبَ فِيهِ رُءُوسهَا , وَقَالَ : اِشْرَبِي ! اِسْتِهْزَاء بِقَوْمِهِ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الضَّلَالَة ; حَتَّى فَشَا عَيْبه إِيَّاهَا وَاسْتِهْزَاؤُهُ بِهَا فِي قَوْمه وَأَهْل قَرْيَته , مِنْ غَيْر أَنْ يَكُون ذَلِكَ بَلَغَ نَمْرُود الْمَلِك . وَأَنْكَرَ قَوْم مِنْ غَيْر أَهْل الرِّوَايَة هَذَا الْقَوْل الَّذِي رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَعَمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ أَنَّ إِبْرَاهِيم قَالَ لِلْكَوْكَبِ أَوْ لِلْقَمَرِ : هَذَا رَبِّي ; وَقَالُوا : غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون لِلَّهِ نَبِيّ اِبْتَعَثَهُ بِالرِّسَالَةِ أَتَى عَلَيْهِ وَقْت مِنْ الْأَوْقَات وَهُوَ بَالِغ إِلَّا وَهُوَ لِلَّهِ مُوَحِّد وَبِهِ عَارِف وَمِنْ كُلّ مَا يُعْبَد مِنْ دُونه بَرِيء. قَالُوا : وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُون قَدْ أَتَى عَلَيْهِ بَعْض الْأَوْقَات وَهُوَ بِهِ كَافِر لَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْتَصّهُ بِالرِّسَالَةِ , لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى فِيهِ إِلَّا وَفِي غَيْره مِنْ أَهْل الْكُفْر بِهِ مِثْله , وَلَيْسَ بَيْن اللَّه وَبَيْن أَحَد مِنْ خَلْقه مُنَاسَبَة فَيُحَابِيه بِاخْتِصَاصِهِ بِالْكَرَامَةِ . قَالُوا : وَإِنَّمَا أَكْرَمَ مَنْ أَكْرَمَ مِنْهُمْ لِفَضْلِهِ فِي نَفْسه , فَأَثَابَهُ لِاسْتِحْقَاقِهِ الثَّوَاب بِمَا أَثَابَهُ مِنْ الْكَرَامَة . وَزَعَمُوا أَنَّ خَبَر اللَّه عَنْ قِيل إِبْرَاهِيم عِنْد رُؤْيَته الْكَوْكَب أَوْ الْقَمَر أَوْ الشَّمْس : " هَذَا رَبِّي " , لَمْ يَكُنْ لِجَهْلِهِ بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون رَبّه ; وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ عَلَى وَجْه الْإِنْكَار مِنْهُ أَنْ يَكُون ذَلِكَ رَبّه , وَعَلَى الْعَيْب لِقَوْمِهِ فِي عِبَادَتهمْ الْأَصْنَام , إِذْ كَانَ الْكَوْكَب وَالْقَمَر وَالشَّمْس أَضْوَأ وَأَحْسَن وَأَبْهَج مِنْ الْأَصْنَام , وَلَمْ تَكُنْ مَعَ ذَلِكَ مَعْبُودَة , وَكَانَتْ آفِلَة زَائِلَة غَيْر دَائِمَة , وَالْأَصْنَام الَّتِي دُونهَا فِي الْحُسْن وَأَصْغَر مِنْهَا فِي الْجِسْم , أَحَقّ أَنْ لَا تَكُون مَعْبُودَة وَلَا آلِهَة . قَالُوا : وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لَهُمْ مُعَارَضَة , كَمَا يَقُول أَحَد الْمُتَنَاظِرَيْنِ لِصَاحِبِهِ مُعَارِضًا لَهُ فِي قَوْل بَاطِل قَالَ بِهِ بِبَاطِلٍ مِنْ الْقَوْل عَلَى وَجْه مُطَالَبَته إِيَّاهُ بِالْفُرْقَانِ بَيْن الْقَوْلَيْنِ الْفَاسِدَيْنِ عِنْده اللَّذَيْنِ يُصَحِّح خَصْمه أَحَدهمَا وَيَدَّعِي فَسَاد الْآخَر . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ فِي حَال طُفُولِيَّتِهِ وَقَبْل قِيَام الْحُجَّة عَلَيْهِ , وَتِلْكَ حَال لَا يَكُون فِيهَا كُفْر وَلَا إِيمَان . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : أَهَذَا رَبِّي ! عَلَى وَجْه الْإِنْكَار وَالتَّوْبِيخ ; أَيْ لَيْسَ هَذَا رَبِّي . وَقَالُوا : قَدْ تَفْعَل الْعَرَب مِثْل ذَلِكَ , فَتَحْذِف الْأَلِف الَّتِي تَدُلّ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِفْهَام . وَزَعَمُوا أَنَّ مِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : رَفُونِي وَقَالُوا يَا خُوَيْلِد لَا تُرَعْ فَقُلْت وَأَنْكَرْت الْوُجُوه هُمُ هُمُ يَعْنِي : " أَهُمْ هُمْ " ؟ قَالُوا : وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل أَوْس : لَعُمْرك مَا أَدْرِي وَإِنْ كُنْت دَارِيًا شُعَيْث بْن سَهْم أَمْ شُعَيْث اِبْن مُنْقَر بِمَعْنَى : أَشُعَيْث بْن سَهْم ؟ فَحَذَفَ الْأَلِف . وَنَظَائِر ذَلِكَ . وَأَمَّا تَذْكِير " هَذَا " فِي قَوْله : { فَلَمَّا رَأَى الشَّمْس بَازِغَة قَالَ هَذَا رَبِّي } فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَعْنَى : هَذَا الشَّيْء الطَّالِع رَبِّي . وَفِي خَبَر اللَّه تَعَالَى عَنْ قِيل إِبْرَاهِيم حِين أَفَلَ الْقَمَر : { لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَن مِنْ الْقَوْم الضَّالِّينَ } الدَّلِيل عَلَى خَطَأ هَذِهِ الْأَقْوَال الَّتِي قَالَهَا هَؤُلَاءِ الْقَوْم . وَأَنَّ الصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ : الْإِقْرَار بِخَبَرِ اللَّه تَعَالَى الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ عَنْهُ وَالْإِعْرَاض عَمَّا عَدَاهُ . وَأَمَّا قَوْله { فَلَمَّا أَفَلَ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : فَلَمَّا غَابَ وَذَهَبَ . كَمَا : 10493 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة بْن الْفَضْل , قَالَ : قَالَ اِبْن إِسْحَاق : الْأُفُول : الذَّهَاب يُقَال مِنْهُ : أَفَلَ النَّجْم يَأْفُل وَيَأْفِل أُفُولًا وَأَفْلًا : إِذَا غَابَ ; وَمِنْهُ قَوْل ذِي الرُّمَّة . مَصَابِيح لَيْسَتْ بِاَللَّوَاتِي يَقُودهَا نُجُوم وَلَا بِالْآفِلَاتِ الدَّوَالِكِ وَيُقَال : أَيْنَ أَفَلْت عَنَّا ؟ بِمَعْنَى : أَيْنَ غِبْت عَنَّا .
فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا رَأَى الْقَمَر بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَن مِنْ الْقَوْم الضَّالِّينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ فَلَمَّا طَلَعَ الْقَمَر فَرَآهُ إِبْرَاهِيم طَالِعًا ; وَهُوَ بُزُوغه , يُقَال مِنْهُ : بَزَغَتْ الشَّمْس تَبْزُغ بُزُوغًا إِذَا طَلَعَتْ , وَكَذَلِكَ الْقَمَر . { قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ } يَقُول : فَلَمَّا غَابَ , { قَالَ } إِبْرَاهِيم : { لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي } وَيُوَفِّقنِي لِإِصَابَةِ الْحَقّ فِي تَوْحِيده { لَأَكُونَن مِنْ الْقَوْم الضَّالِّينَ } : أَيْ مِنْ الْقَوْم الَّذِينَ أَخْطَئُوا الْحَقّ فِي ذَلِكَ , فَلَمْ يُصِيبُوا الْهُدَى , وَعَبَدُوا غَيْر اللَّه . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الضَّلَال فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا رَأَى الشَّمْس بَازِغَة قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَر فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْم إِنِّي بَرِيء مِمَّا تُشْرِكُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرهُ [ بِقَوْلِهِ ] : { فَلَمَّا رَأَى الشَّمْس بَازِغَة } فَلَمَّا رَأَى إِبْرَاهِيم الشَّمْس طَالِعَة , { قَالَ هَذَا } الطَّالِع { رَبِّي هَذَا أَكْبَر } يَعْنِي : هَذَا أَكْبَر مِنْ الْكَوْكَب وَالْقَمَر , فَحَذَفَ " ذَلِكَ " لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ . { فَلَمَّا أَفَلَتْ } يَقُول : فَلَمَّا غَابَتْ , { قَالَ } إِبْرَاهِيم لِقَوْمِهِ : { يَا قَوْم إِنِّي بَرِيء مِمَّا تُشْرِكُونَ } : أَيْ مِنْ عِبَادَة الْآلِهَة وَالْأَصْنَام وَدُعَائِهِ إِلَهًا مَعَ اللَّه تَعَالَى .
إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنِّي وَجَّهَتْ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَات وَالْأَرْض حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ خَلِيله إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام , أَنَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ الْحَقّ وَعَرَفَهُ , شَهِدَ شَهَادَة الْحَقّ , وَأَظْهَرَ خِلَاف قَوْمه أَهْل الْبَاطِل وَأَهْل الشِّرْك بِاَللَّهِ , وَلَمْ يَأْخُذهُ فِي اللَّه لَوْمَة لَائِم , وَلَمْ يَسْتَوْحِش مِنْ قِيل الْحَقّ وَالثَّبَات عَلَيْهِ , مَعَ خِلَاف جَمِيع قَوْمه لِقَوْلِهِ وَإِنْكَارهمْ إِيَّاهُ عَلَيْهِ , وَقَالَ لَهُمْ : يَا قَوْم إِنِّي بَرِيء مِمَّا تُشْرِكُونَ مَعَ اللَّه الَّذِي خَلَقَنِي وَخَلَقَكُمْ فِي عِبَادَته مِنْ آلِهَتكُمْ وَأَصْنَامكُمْ , إِنِّي وَجَّهْت وَجْهِي فِي عِبَادَتِي إِلَى الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض , الدَّائِم الَّذِي يَبْقَى وَلَا يَفْنَى وَيُحْيِي وَيُمِيت , لَا إِلَى الَّذِي يَفْنَى وَلَا يَبْقَى وَيَزُول وَلَا يَدُوم وَلَا يَضُرّ وَلَا يَنْفَع . ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّ تَوْجِيهه وَجْهه لِعِبَادَتِهِ بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَة لَهُ وَالِاسْتِقَامَة فِي ذَلِكَ لِرَبِّهِ عَلَى مَا يَجِب مِنْ التَّوْحِيد , لَا عَلَى الْوَجْه الَّذِي يُوَجِّه لَهُ وَجْهه مَنْ لَيْسَ بِحَنِيفٍ , وَلَكِنَّهُ بِهِ مُشْرِك , إِذْ كَانَ تَوْجِيه الْوَجْه لَا عَلَى التَّحْنِيف غَيْر نَافِع مُوَجِّهه بَلْ ضَارّه وَمُهْلِكه . { وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ } يَقُول : وَلَسْت مِنْكُمْ ; أَيْ لَسْت مِمَّنْ يَدِين دِينكُمْ وَيَتَّبِع مِلَّتكُمْ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ كَانَ اِبْن زَيْد يَقُول . 10494 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْل قَوْم إِبْرَاهِيم لِإِبْرَاهِيم : تَرَكْت عِبَادَة هَذِهِ ؟ فَقَالَ : { إِنِّي وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَات وَالْأَرْض } فَقَالُوا : مَا جِئْت بِشَيْءٍ وَنَحْنُ نَعْبُدهُ وَنَتَوَجَّههُ , فَقَالَ : لَا { حَنِيفًا } قَالَ : مُخْلِصًا , لَا أُشْرِكُهُ كَمَا تُشْرِكُونَ .
وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَحَاجَّهُ قَوْمه قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّه وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَاف مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلّ شَيْء عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَجَادَلَ إِبْرَاهِيم قَوْمه فِي تَوْحِيد اللَّه وَبَرَاءَته مِنْ الْأَصْنَام ; وَكَانَ جِدَالهمْ إِيَّاهُ قَوْلهمْ : إِنَّ آلِهَتهمْ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا خَيْر مِنْ إِلَهه . { قَالَ } إِبْرَاهِيم : { أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّه } يَقُول : أَتُجَادِلُونَنِي فِي تَوْحِيدِي اللَّه وَإِخْلَاصِي الْعَمَل لَهُ دُون مَا سِوَاهُ مِنْ آلِهَة , { وَقَدْ هَدَانِ } يَقُول : وَقَدْ وَفَّقَنِي رَبِّي لِمَعْرِفَةِ وَحْدَانِيّته , وَبَصَّرَنِي طَرِيق الْحَقّ حَتَّى أَلِفْت أَنْ لَا شَيْء يَسْتَحِقّ أَنْ يُعْبَد سِوَاهُ . { وَلَا أَخَاف مَا تُشْرِكُونَ بِهِ } يَقُول : وَلَا أَرْهَب مِنْ آلِهَتكُمْ الَّتِي تَدْعُونَهَا مِنْ دُونه شَيْئًا يَنَالنِي فِي نَفْسِي مِنْ سُوء وَمَكْرُوه ! وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ : إِنَّا نَخَاف أَنْ تَمَسّك آلِهَتنَا بِسُوءٍ مِنْ بَرَص أَوْ خَبَل , لِذِكْرِك إِيَّاهَا بِسُوءٍ ! فَقَالَ لَهُمْ إِبْرَاهِيم : لَا أَخَاف مَا تُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْآلِهَة أَنْ تَنَالَنِي بِضُرٍّ وَلَا مَكْرُوه , لِأَنَّهَا لَا تَنْفَع وَلَا تَضُرّ ; { إِلَّا أَنْ يَشَاء رَبِّي شَيْئًا } يَقُول : وَلَكِنَّ خَوْفِي مِنْ اللَّه الَّذِي خَلَقَنِي وَخَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض , فَإِنَّهُ إِنْ شَاءَ أَنْ يَنَالنِي فِي نَفْسِي أَوْ مَالِي بِمَا شَاءَ مِنْ فَنَاء أَوْ بَقَاء أَوْ زِيَادَة أَوْ نُقْصَان أَوْ غَيْر ذَلِكَ نَالَنِي بِهِ , لِأَنَّهُ الْقَادِر عَلَى ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ كَانَ اِبْن عُبَادَة يَقُول . 10495 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن عُبَادَة : { وَحَاجَّهُ قَوْمه قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّه وَقَدْ هَدَانِ } قَالَ : دَعَا قَوْمه مَعَ اللَّه آلِهَة , وَخَوَّفُوهُ بِآلِهَتِهِمْ أَنْ يُصِيبهُ مِنْهَا خَبَل , فَقَالَ إِبْرَاهِيم : { أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّه وَقَدْ هَدَانِ } قَالَ : قَدْ عَرَفْت رَبِّي , { لَا أَخَاف مَا تُشْرِكُونَ بِهِ } . { وَسِعَ رَبِّي كُلّ شَيْء عِلْمًا } يَقُول : وَعَلِمَ رَبِّي كُلَّ شَيْء فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء , لِأَنَّهُ خَالِق كُلّ شَيْء , وَلَيْسَ كَالْآلِهَةِ الَّتِي لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَع وَلَا تَفْهَم شَيْئًا , وَإِنَّمَا هِيَ خَشَبَة مَنْحُوتَة وَصُورَة مُمَثَّلَة . { أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ } يَقُول : أَفَلَا تَعْتَبِرُونَ أَيّهَا الْجَهَلَة فَتَعْقِلُوا خَطَأ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ عِبَادَتكُمْ صُورَة مُصَوَّرَة وَخَشَبَة مَنْحُوتَة , لَا تَقْدِر عَلَى ضُرّ وَلَا عَلَى نَفْع وَلَا تَفْقَه شَيْئًا وَلَا تَعْقِلُهُ , وَتَرْككُمْ عِبَادَة مَنْ خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْء , وَبِيَدِهِ الْخَيْر وَلَهُ الْقُدْرَة عَلَى كُلّ شَيْء وَالْعَالِم لِكُلِّ شَيْء .
وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَيْف أَخَاف مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } وَهَذَا جَوَاب إِبْرَاهِيم لِقَوْمِهِ حِين خَوَّفُوهُ مِنْ آلِهَتهمْ أَنْ تَمَسّهُ لِذِكْرِهِ إِيَّاهَا بِسُوءٍ فِي نَفْسه بِمَكْرُوهٍ , فَقَالَ لَهُمْ : وَكَيْف أَخَاف وَأَرْهَب مَا أَشْرَكْتُمُوهُ فِي عِبَادَتكُمْ رَبّكُمْ فَعَبَدْتُمُوهُ مِنْ دُونه وَهُوَ لَا يَضُرّ وَلَا يَنْفَع ! وَلَوْ كَانَتْ تَنْفَع أَوْ تَضُرّ لَدَفَعَتْ عَنْ أَنْفُسهَا كَسْرِي إِيَّاهَا وَضَرْبِي لَهَا بِالْفَأْسِ , وَأَنْتُمْ لَا تَخَافُونَ اللَّه الَّذِي خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ وَهُوَ الْقَادِر عَلَى نَفْعِكُمْ وَضُرّكُمْ فِي إِشْرَاككُمْ فِي عِبَادَتكُمْ إِيَّاهُ { مَا لَمْ يُنَزِّل بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا } يَعْنِي : مَا لَمْ يُعْطِكُمْ عَلَى إِشْرَاكِكُمْ إِيَّاهُ فِي عِبَادَته حُجَّة , وَلَمْ يَضَع لَكُمْ عَلَيْهِ بُرْهَانًا , وَلَمْ يَجْعَل لَكُمْ بِهِ عُذْرًا . { فَأَيّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقّ بِالْأَمْنِ } يَقُول : أَنَا أَحَقّ بِالْأَمْنِ مِنْ عَاقِبَة عِبَادَتِي رَبِّي مُخْلِصًا لَهُ الْعِبَادَة حَنِيفًا لَهُ دِينِي بَرِيئًا مِنْ عِبَادَة الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , أَمْ أَنْتُمْ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه أَصْنَامًا لَمْ يَجْعَل اللَّه لَكُمْ بِعِبَادَتِكُمْ إِيَّاهَا بُرْهَانًا وَلَا حُجَّة ؟ { إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } يَقُول : إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ صِدْق مَا أَقُول وَحَقِيقَة مَا أَحْتَجّ بِهِ عَلَيْكُمْ , فَقُولُوا وَأَخْبِرُونِي أَيّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقّ بِالْأَمْنِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , كَانَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق يَقُول فِيمَا : 10496 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , فِي قَوْله : { وَكَيْف أَخَاف مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاَللَّهِ } يَقُول : كَيْف أَخَاف وَثَنًا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه لَا يَضُرّ وَلَا يَنْفَع , وَلَا تَخَافُونَ أَنْتُمْ الَّذِي يَضُرّ وَيَنْفَع , وَقَدْ جَعَلْتُمْ مَعَهُ شُرَكَاء لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَع . { فَأَيّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } : أَيْ بِالْأَمْنِ مِنْ عَذَاب اللَّه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة الَّذِي يَعْبُد , الَّذِي بِيَدِهِ الضُّرّ وَالنَّفْع ؟ أَمْ الَّذِي يَعْبُد مَا لَا يَضُرّ وَلَا يَنْفَع ؟ يَضْرِب لَهُمْ الْأَمْثَال , وَيَصْرِف لَهُمْ الْعِبَر , لِيَعْلَمُوا أَنَّ اللَّه هُوَ أَحَقّ أَنْ يُخَاف وَيُعْبَد مِمَّا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونه . 10497 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : أَفْلَجَ اللَّه إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام حِين خَاصَمَهُمْ , فَقَالَ : { وَكَيْف أَخَاف مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّل بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } . ثُمَّ قَالَ : { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ } . 10498 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : قَوْل إِبْرَاهِيم حِين سَأَلَهُمْ : { أَيّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ } هِيَ حُجَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام . - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيم حِين سَأَلَهُمْ : { فَأَيّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقّ بِالْأَمْنِ } قَالَ : وَهِيَ حُجَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام . 10499 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن عُبَادَة , قَالَ : { فَأَيّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أَمَّنْ يَعْبُد رَبًّا وَاحِدًا , أَمْ مَنْ يَعْبُد أَرْبَابًا كَثِيرَة ؟ يَقُول قَوْمه : الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبّ وَاحِد . 10500 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَأَيّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أَمَّنْ خَافَ غَيْر اللَّه وَلَمْ يَخَفْهُ ؟ أَمْ مَنْ خَافَ اللَّه وَلَمْ يَخَفْ غَيْره ؟ فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } . . . الْآيَة .
الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمْ الْأَمْن وَهُمْ مُهْتَدُونَ } اِخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِي أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ هَذَا الْقَوْل , أَعْنِي : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } . . . الْآيَة . فَقَالَ بَعْضُهُمْ : هَذَا فَصْل الْقَضَاء مِنْ اللَّه بَيْن إِبْرَاهِيم خَلِيله عَلَيْهِ السَّلَام وَبَيْن مَنْ حَاجَّهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ أَهْل الشِّرْك بِاَللَّهِ , إِذْ قَالَ لَهُمْ إِبْرَاهِيم : { وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } ؟ فَقَالَ اللَّه تَعَالَى فَاصِلًا بَيْنه وَبَيْنهمْ : الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه , وَأَخْلَصُوا لَهُ الْعِبَادَة , وَلَمْ يَخْلِطُوا عِبَادَتهمْ إِيَّاهُ وَتَصْدِيقهمْ لَهُ بِظُلْمٍ , يَعْنِي : بِشِرْكٍ , وَلَمْ يُشْرِكُوا فِي عِبَادَته شَيْئًا , ثُمَّ جَعَلُوا عِبَادَتَهُمْ لِلَّهِ خَالِصًا ; أَحَقُّ بِالْأَمْنِ مِنْ عِقَابه مَكْرُوه عِبَادَته مِنْ الَّذِينَ يُشْرِكُونَ فِي عِبَادَتهمْ إِيَّاهُ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , فَإِنَّهُمْ الْخَائِفُونَ مِنْ عِقَابه مَكْرُوه عِبَادَتهمْ ; أَمَّا فِي عَاجِل الدُّنْيَا فَإِنَّهُمْ فَعَطِبُوا مِنْ حُلُول سَخَط اللَّه بِهِمْ , وَأَمَّا فِي الْآخِرَة فَإِنَّهُمْ الْمُوقِنُونَ بِأَلِيمِ عَذَاب اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10501 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة بْن الْفَضْل , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ } : أَيْ الَّذِينَ أَخْلَصُوا كَإِخْلَاصِ إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِبَادَةِ اللَّه وَتَوْحِيده . { وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } أَيْ بِشِرْكٍ , { أُولَئِكَ لَهُمْ الْأَمْن وَهُمْ مُهْتَدُونَ } الْأَمْن مِنْ الْعَذَاب وَالْهُدَى فِي الْحُجَّة بِالْمَعْرِفَةِ وَالِاسْتِقَامَة ; يَقُول اللَّه تَعَالَى : { وَتِلْكَ حُجَّتنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيم عَلَى قَوْمه نَرْفَع دَرَجَات مَنْ نَشَاء إِنَّ رَبّك حَكِيم عَلِيم } . 10502 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا بْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْلِهِ : { فَأَيّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } قَالَ : فَقَالَ اللَّه وَقَضَى بَيْنهمْ : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } قَالَ : بِشِرْكٍ , قَالَ : { أُولَئِكَ لَهُمْ الْأَمْن وَهُمْ مُهْتَدُونَ } فَأَمَّا الذُّنُوب فَلَيْسَ يَبْرَى مِنْهَا أَحَد . وَقَالَ آخَرُونَ : هَذَا جَوَاب مِنْ قَوْم إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِبْرَاهِيم حِين قَالَ لَهُمْ : أَيّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقّ بِالْأَمْنِ ؟ فَقَالُوا لَهُ : الَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ فَوَحَّدُوهُ أَحَقّ بِالْأَمْنِ إِذَا لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10503 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن عُبَادَة : { فَأَيّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أَمَّنْ يَعْبُد رَبًّا وَاحِدًا أَمْ مَنْ يَعْبُد أَرْبَابًا كَثِيرَة ؟ يَقُول قَوْمه : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ } بِعِبَادَةِ الْأَوْثَان , وَهِيَ حُجَّة إِبْرَاهِيم ; { أُولَئِكَ لَهُمْ الْأَمْن وَهُمْ مُهْتَدُونَ } . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : هَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى عَنْ أَوْلَى الْفَرِيقَيْنِ بِالْأَمْنِ , وَفَصْل قَضَاء مِنْهُ بَيْن إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْن قَوْمه , وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مِنْ قَوْل قَوْم إِبْرَاهِيم الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَوْثَان وَيُشْرِكُونَهَا فِي عِبَادَة اللَّه , لَكَانُوا قَدْ أَقَرُّوا بِالتَّوْحِيدِ وَاتَّبَعُوا إِبْرَاهِيم عَلَى مَا كَانُوا يُخَالِفُونَهُ فِيهِ مِنْ التَّوْحِيد , وَلَكِنَّهُ كَمَا ذَكَرْت مِنْ تَأْوِيله بَدْءًا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَى الَّذِي عَنَاهُ اللَّه تَعَالَى بِقَوْلِهِ : { وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمِ } فَقَالَ بَعْضهمْ : بِشِرْكٍ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10504 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : ثَنَا الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَلْقَمَة , عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ } شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَلَا تَرَوْنَ إِلَى قَوْل لُقْمَان : إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم ؟ " . قَالَ أَبُو كُرَيْب , قَالَ اِبْن إِدْرِيس : حَدَّثَنِيهِ أَوَّلًا أَبِي عَنْ أَبَان بْن تَغْلِب , عَنْ الْأَعْمَش , ثُمَّ سَمِعْته قِيلَ لَهُ : مِنْ الْأَعْمَش ؟ قَالَ : نَعَمْ . - حَدَّثَنِي عِيسَى بْن عُثْمَان بْن عِيسَى الرَّمْلِيّ قَالَ : ثَنِي عَمِّي يَحْيَى بْن عِيسَى , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَلْقَمَة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِطَلْمٍ } شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ , فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه مَا مِنَّا أَحَد إِلَّا وَهُوَ يَظْلِم نَفْسه , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَيْسَ بِذَلِكَ , أَلَا تَسْمَعُونَ إِلَى قَوْل لُقْمَان لِابْنِهِ : إِنَّ الشِّرْك لَظُلْم عَظِيم ؟ " . - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا وَكِيع , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَلْقَمَة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالُوا : أَيُّنَا لَمْ يَظْلِم نَفْسه ؟ قَالَ : فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَيْسَ كَمَا تَظُنُّونَ , وَإِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ : لَا تُشْرِك بِاَللَّهِ إِنَّ الشِّرْك لَظُلْم عَظِيم " . - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَلْقَمَة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ } شَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاس , فَقَالُوا يَا رَسُول اللَّه , وَأَيّنَا لَا يَظْلِم نَفْسه ؟ فَقَالَ : " إِنَّهُ لَيْسَ كَمَا تَعْنُونَ , أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ الْعَبْد الصَّالِح : يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاَللَّهِ إِنَّ الشِّرْك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ؟ إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ " . 10505 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَلْقَمَة , فِي قَوْله : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } قَالَ : بِشِرْكٍ . 10506 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن طَلْحَة الْيَرْبُوعِيّ , قَالَ : ثَنَا فُضَيْل , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ } قَالَ : بِشِرْكٍ . - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا جَرِير عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَلْقَمَة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْم } شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالُوا : أَيُّنَا لَمْ يَلْبِس إِيمَانه بِظُلْمٍ ؟ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَيْسَ بِذَلِكَ , أَلَمْ تَسْمَعُوا قَوْل لُقْمَان : إِنَّ الشِّرْك لَظُلْم عَظِيم ؟ " . 10507 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا جَرِير وَابْن إِدْرِيس , عَنْ الشَّيْبَانِيّ , عَنْ أَبِي بَكْر بْن أَبِي مُوسَى , عَنْ الْأَسْوَد بْن هِلَال , عَنْ أَبِي بَكْر : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } قَالَ : بِشِرْكٍ . * حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا قَبِيصَة , عَنْ يُونُس بْن أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي بَكْر : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } قَالَ : بِشِرْكٍ . 10508 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا وَكِيع , عَنْ سَعِيد بْن عُبَيْد الطَّائِيّ , عَنْ أَبِي الْأَشْعَر الْعَبْدِيّ , عَنْ أَبِيهِ , أَنَّ زَيْد بْن صُوحَان سَأَلَ سَلْمَان , فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْد اللَّه آيَة مِنْ كِتَاب اللَّه قَدْ بَلَغَتْ مِنِّي كُلّ مَبْلَغ : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ } ؟ فَقَالَ سَلْمَان : هُوَ الشِّرْك بِاَللَّهِ تَعَالَى . فَقَالَ زَيْد : مَا يَسُرّنِي بِهَا أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهَا مِنْك وَأَنَّ لِي مِثْل كُلّ شَيْء أَمْسَيْت أَمْلِكهُ . 10509 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سَعِيد بْن عُبَيْد , عَنْ أَبِي الْأَشْعَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ سَلْمَان , قَالَ : بِشِرْكٍ . 10510 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثَنَا نُسَيْر بْن ذُعْلُوق , عَنْ دُرُسب , عَنْ حُذَيْفَة , فِي قَوْله : { وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ } قَالَ : بِشِرْكٍ . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ أَبِي إِسْحَاق الْكُوفِيّ , عَنْ رَجُل , عَنْ عِيسَى , عَنْ حُذَيْفَة , فِي قَوْله : { وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ } قَالَ : بِشِرْكٍ . 10511 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَارِم أَبُو النُّعْمَان , قَالَ : ثَنَا حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَغَيْره , أَنَّ اِبْن عَبَّاس كَانَ يَقُول : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } قَالَ : بِشِرْكٍ . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْم } يَقُول : بِكُفْرٍ . - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ } يَقُول : لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِالشِّرْكِ , وَقَالَ : { إِنَّ الشِّرْك لَظُلْم عَظِيم } . 10512 - حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَلِيّ الْبَلْخِيّ , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنَا جَرِير بْن حَازِم , عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد , عَنْ الْمُسَيِّب : أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب قَرَأَ : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } فَلَمَّا قَرَأَهَا فَزِعَ , فَأَتَى الْهَمْدَانِيّ بْن كَعْب , فَقَالَ : يَا أَبَا الْمُنْذِر قَرَأْت آيَة , مِنْ كِتَاب اللَّه مَنْ يَسْلَم ؟ فَقَالَ : مَا هِيَ ؟ فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ ; فَأَيُّنَا لَا يَظْلِم نَفْسه ؟ فَقَالَ : غَفَرَ اللَّه لَك , أَمَا سَمِعْت اللَّه تَعَالَى يَقُول : { إِنَّ الشِّرْك لَظُلْمٌ عَظِيم } ؟ إِنَّمَا هُوَ : وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِشِرْكٍ . 10513 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد بْن الْعَنْزِيّ , عَنْ يُوسُف بْن مِهْرَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ عُمَر دَخَلَ مَنْزِله , فَقَرَأَ فِي الْمُصْحَف فَمَرَّ بِهَذِهِ الْآيَة : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ } فَأَتَى أُبَيًّا فَأَخْبَرَهُ , فَقَالَ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ إِنَّمَا هُوَ الشِّرْك . 10514 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثَنَا حَمَّاد , عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد , عَنْ يُوسُف بْن مِهْرَان عَنْ مِهْرَان : أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب كَانَ إِذَا دَخَلَ بَيْته نَشَرَ الْمُصْحَف فَقَرَأَهُ , فَدَخَلَ ذَات يَوْم فَقَرَأَ , فَأَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَة : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمْ الْأَمْن وَهُمْ مُهْتَدُونَ } فَاشْتُغِلَ وَأَخَذَ رِدَاءَهُ , ثُمَّ أَتَى الْهَمْدَانِيّ بْن كَعْب , فَقَالَ : يَا أَبَا الْمُنْذِر فَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ } وَقَدْ تَرَى أَنَّا نَظْلِم وَنَفْعَل وَنَفْعَل ؟ فَقَالَ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ , إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِذَاكَ , يَقُول اللَّه تَعَالَى : { إِنَّ الشِّرْك لَظُلْم عَظِيم } إِنَّمَا ذَلِكَ الشِّرْك . 10515 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا بْن فُضَيْل , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ أَبِي عُثْمَان عَمْرو بْن سَالِم , قَالَ : قَرَأَ عُمَر بْن الْخَطَّاب هَذِهِ الْآيَة : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ } فَقَالَ عُمَر : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ لَمْ يَلْبِس إِيمَانه بِظُلْمٍ ! فَقَالَ الْهَمْدَانِيّ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ : ذَاكَ الشِّرْك * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ مُحَمَّد بْن مُطَرِّف , عَنْ اِبْن سَالِم قَالَ : قَرَأَ عُمَر بْن الْخَطَّاب فَذَكَره نَحْوه . 10516 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي مَيْسَرَة فِي قَوْله : { وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ } قَالَ : بِشِرْكٍ . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ أَبِي مَيْسَرَة , مِثْله . 10517 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا حُسَيْن عَنْ عَلِيّ , عَنْ زَائِدَة , عَنْ الْحَسَن بْن عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ } قَالَ : بِشِرْكٍ . 10518 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ قَالَ : ثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ } : أَيْ بِشِرْكٍ . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا الْحَارِث , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي مَيْسَرَة , مِثْله . 10519 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ } قَالَ : بِعِبَادَةِ الْأَوْثَان . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 10520 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ } قَالَ : بِشِرْكٍ . 10521 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } قَالَ : بِشِرْكٍ . - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْأَعْمَش , أَنَّ اِبْن مَسْعُود قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ : { وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ } كَبُرَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ , فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , مَا مِنَّا أَحَد إِلَّا وَهُوَ يَظْلِم نَفْسه ! فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَمَا سَمِعْتُمْ قَوْل لُقْمَان : إِنَّ الشِّرْك لَظُلْم عَظِيم " . - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد قَالَ : ثَنَا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بِزَّة , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ } قَالَ : عِبَادَة الْأَوْثَان . 10522 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن بِشْر , عَنْ مِسْعَر , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : بِشِرْكٍ . 10523 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ اِبْن إِسْحَاق : { وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } قَالَ بِشِرْكٍ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَمْ يَخْلِطُوا إِيمَانَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ مَعَانِي الظُّلْم . وَذَلِكَ فِعْل مَا نَهَى اللَّه عَنْ فِعْله أَوْ تَرْك مَا أَمَرَ اللَّه بِفِعْلِهِ وَقَالُوا : الْآيَة عَلَى الْعُمُوم , لِأَنَّ اللَّه لَمْ يَخُصّ بِهِ مَعْنًى مِنْ مَعَانِي الظُّلْم . قَالُوا : فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : أَفَلَا أَمْن فِي الْآخِرَة إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَعْصِ اللَّه فِي صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة , وَإِلَّا لِمَنْ لَقِيَ اللَّه وَلَا ذَنْب لَهُ ؟ قُلْنَا : إِنَّ اللَّه عَنَى بِهَذِهِ الْآيَة خَاصًّا مِنْ خَلْقه دُون الْجَمِيع مِنْهُمْ ; وَاَلَّذِي عَنَى بِهَا وَأَرَادَهُ بِهَا خَلِيله إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَمَّا غَيْره فَإِنَّهُ إِذَا لَقِيَ اللَّه لَا يُشْرِك بِهِ شَيْئًا فَهُوَ فِي مَشِيئَته إِذَا كَانَ قَدْ أَتَى بَعْض مَعَاصِيه الَّتِي لَا تَبْلُغ أَنْ تَكُون كُفْرًا , فَإِنْ شَاءَ لَمْ يُؤَمِّنْهُ مِنْ عَذَابه , وَإِنْ شَاءَ تَفَضَّلَ عَلَيْهِ فَعَفَا عَنْهُ . قَالُوا : وَذَلِكَ قَوْل جَمَاعَة مِنْ السَّلَف , وَإِنْ كَانُوا مُخْتَلِفِينَ فِي الْمَعْنَى بِالْآيَةِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهَا إِبْرَاهِيم . وَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهَا الْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ : عَنَى بِهَذِهِ الْآيَة : إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 10524 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن يَمَان وَحُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ قَيْس بْن الرَّبِيع , عَنْ زِيَاد بْن عِلَاقَة , عَنْ زِيَاد بْن حَرْمَلَة , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : هَذِهِ الْآيَة لِإِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة , لَيْسَ لِهَذِهِ الْأُمَّة مِنْهَا شَيْء . ذِكْر مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِهَا الْمُهَاجِرُونَ خَاصَّة : 10525 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن يَمَان وَحُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ قَيْس بْن الرَّبِيع , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ } قَالَ : هِيَ لِمَنْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَة . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ , مَا صَحَّ بِهِ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ الْخَبَر الَّذِي رَوَاهُ اِبْن مَسْعُود عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : " الظُّلْم الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى فِي هَذَا الْمَوْضِع هُوَ الشِّرْك " . وَأَمَّا قَوْله : { أُولَئِكَ لَهُمْ الْأَمْن وَهُمْ مُهْتَدُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَخْلِطُوا إِيمَانهمْ بِشِرْكٍ , لَهُمْ الْأَمْن يَوْم الْقِيَامَة مِنْ عَذَاب اللَّه , { وَهُمْ مُهْتَدُونَ } يَقُول : وَهُمْ الْمُصِيبُونَ سَبِيل الرَّشَاد وَالسَّالِكُونَ طَرِيق النَّجَاة .
وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ↑
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيم عَلَى قَوْمه نَرْفَع دَرَجَات مَنْ نَشَاء إِنَّ رَبَّك حَكِيم عَلِيم } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا } قَوْل إِبْرَاهِيم لِمُخَاصِمِيهِ مِنْ قَوْمه الْمُشْرِكِينَ : أَيّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقّ بِالْأَمْنِ , أَمَنْ يَعْبُد رَبًّا وَاحِدًا مُخْلِصًا لَهُ الدِّين وَالْعِبَادَة أَمْ مَنْ يَعْبُد أَرْبَابًا كَثِيرَة ؟ وَإِجَابَتهمْ إِيَّاهُ بِقَوْلِهِمْ : بَلْ مَنْ يَعْبُد رَبًّا وَاحِدًا أَحَقّ بِالْأَمْنِ ; وَقَضَاؤُهُمْ لَهُ عَلَى أَنْفُسهمْ , فَكَانَ فِي ذَلِكَ قَطْع عُذْرهمْ وَانْقِطَاع حُجَّتهمْ وَاسْتِعْلَاء حُجَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمْ , فَهِيَ الْحُجَّة الَّتِي آتَاهَا اللَّه إِبْرَاهِيم عَلَى قَوْمه ; كَاَلَّذِي : 10526 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان الثَّوْرِيّ , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد : { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيم عَلَى قَوْمه } قَالَ : هِيَ { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ } . 10527 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا , عَنْ اِبْن عُبَادَة , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : قَالَ إِبْرَاهِيم حِين سَأَلَ : أَيّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقّ بِالْأَمْنِ ؟ قَالَ : هِيَ حُجَّة إِبْرَاهِيم . وَقَوْله : { وَآتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيم عَلَى قَوْمه } يَقُول : لَقَّنَّاهَا إِبْرَاهِيم وَبَصَّرْنَاهُ إِيَّاهَا وَعَرَّفْنَاهُ عَلَى قَوْمه . { نَرْفَع دَرَجَات مَنْ نَشَاء } . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْبَصْرَة : { نَرْفَع دَرَجَات مَنْ نَشَاء } بِإِضَافَةِ الدَّرَجَات إِلَى مَنْ , بِمَعْنَى : نَرْفَع الدَّرَجَات لِمَنْ نَشَاء . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة { نَرْفَع دَرَجَات مَنْ نَشَاء } بِتَنْوِينِ " الدَّرَجَات " , بِمَعْنَى نَرْفَع مَنْ نَشَاء دَرَجَات . وَالدَّرَجَات : جَمْع دَرَجَة وَهِيَ الْمَرْتَبَة , وَأَصْل ذَلِكَ مَرَاقِي السُّلَّم وَدَرَجه , ثُمَّ تُسْتَعْمَل فِي اِرْتِفَاع الْمَنَازِل وَالْمَرَاتِب . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال : هُمَا قِرَاءَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا أَئِمَّة مِنْ الْقُرَّاء مُتَقَارِب مَعْنَاهُمَا ; وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ رُفِعَتْ دَرَجَته فَقَدْ رُفِعَ فِي الدَّرَج . وَمَنْ رُفِعَ فِي الدَّرَج فَقَدْ رُفِعَتْ دَرَجَته , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب الصَّوَاب فِي ذَلِكَ . فَمَعْنَى الْكَلَام إِذَنْ : وَتِلْكَ حُجَّتنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيم عَلَى قَوْمه فَرَفَعْنَا بِهَا دَرَجَته عَلَيْهِمْ وَشَرَّفْنَاهُ بِهَا عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ; فَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَآتَيْنَاهُ فِيهَا أَجْره , وَأَمَّا فِي الْآخِرَة فَهُوَ مِنْ الصَّالِحِينَ , { نَرْفَع دَرَجَات مَنْ نَشَاء } أَيْ بِمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ وَغَيْره . وَأَمَّا قَوْله : { إِنَّ رَبّك حَكِيم عَلِيم } فَإِنَّهُ يَعْنِي : إِنَّ رَبَّك يَا مُحَمَّد حَكِيم فِي سِيَاسَته خَلْقه وَتَلْقِينهُ أَنْبِيَاءَهُ الْحُجَج عَلَى أُمَمهمْ الْمُكَذِّبَة لَهُمْ الْجَاحِدَة تَوْحِيد رَبّهمْ , وَفِي غَيْر ذَلِكَ مِنْ تَدْبِيره , عَلِيم بِمَا يَئُول إِلَيْهِ أَمْر رُسُله , وَالْمُرْسَل إِلَيْهِمْ مِنْ ثَبَات الْأُمَم عَلَى تَكْذِيبهمْ إِيَّاهُمْ وَهَلَاكهمْ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَابَتهمْ وَتَوْبَتهمْ مِنْهُ بِتَوْحِيدِ اللَّه تَعَالَى وَتَصْدِيق رُسُله وَالرُّجُوع إِلَى طَاعَته , يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَأَسَّ يَا مُحَمَّد فِي نَفْسك وَقَوْمك الْمُكَذِّبِيكَ وَالْمُشْرِكِينَ بِأَبِيك خَلِيلِي إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَنُوبك مِنْهُمْ صَبْره , فَإِنِّي بِاَلَّذِي يَئُول إِلَيْهِ أَمْرك وَأَمْرهمْ عَالِم التَّدْبِير فِيك وَفِيهِمْ حَكِيم .
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق وَيَعْقُوب كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْل وَمِنْ ذُرِّيَّته دَاوُد وَسُلَيْمَان وَأَيُّوب وَيُوسُف وَمُوسَى وَهَارُون وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : فَجَزَيْنَا إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى طَاعَته إِيَّانَا وَإِخْلَاصه تَوْحِيد رَبّه , وَمُفَارَقَته دِين قَوْمه الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ بِأَنْ رَفَعْنَا دَرَجَته فِي عِلِّيِّينَ , وَآتَيْنَاهُ أَجْره فِي الدُّنْيَا وَوَهَبْنَا لَهُ أَوْلَادًا خَصَصْنَاهُمْ بِالنُّبُوَّةِ , وَذُرِّيَّة شَرَّفْنَاهُمْ مِنَّا بِالْكَرَامَةِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ , مِنْهُمْ اِبْنه إِسْحَاق , وَابْن اِبْنه يَعْقُوب . { كُلًّا هَدَيْنَا } يَقُول : هَدَيْنَا جَمِيعهمْ لِسَبِيلِ الرَّشَاد , فَوَفَّقْنَاهُمْ لِلْحَقِّ وَالصَّوَاب مِنْ الْأَدْيَان . { وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْل } يَقُولُ : وَهَدَيْنَا لِمِثْلِ الَّذِي هَدَيْنَا إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب مِنْ الْحَقّ وَالصَّوَاب فَوَفَّقْنَاهُ لَهُ , نُوحًا مِنْ قَبْل إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب . { وَمِنْ ذُرِّيَّته دَاوُد } وَالْهَاء الَّتِي فِي قَوْله : { وَمِنْ ذُرِّيَّته } مِنْ ذِكْر نُوح , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذَكَرَ فِي سِيَاق الْآيَات الَّتِي تَتْلُو هَذِهِ الْآيَة لُوطًا , فَقَالَ : { وَإِسْمَاعِيل وَاَلْيَسَع وَيُونُس وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ } وَمَعْلُوم أَنَّ لُوطًا لَمْ يَكُنْ مِنْ ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْمَعِينَ . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ مَعْطُوفًا عَلَى أَسْمَاء مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ ذُرِّيَّته , كَانَ لَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ أُرِيد بِالذُّرِّيَّةِ ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم لَمَا دَخَلَ يُونُس وَلُوط فِيهِمْ , وَلَا شَكَّ أَنَّ لُوطًا لَيْسَ مِنْ ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم وَلَكِنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّة نُوح , فَلِذَلِكَ وَجَبَ أَنْ تَكُون الْهَاء فِي " الذُّرِّيَّة " مِنْ ذِكْر نُوح . فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَنُوحًا وَفَّقْنَا لِلْحَقِّ وَالصَّوَاب مِنْ قَبْل إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب , وَهَدَيْنَا أَيْضًا مِنْ ذُرِّيَّة نُوح دَاوُد وَسُلَيْمَان . وَدَاوُد : هُوَ دَاوُد بْن إِيشَا . وَسُلَيْمَان هُوَ اِبْنه سُلَيْمَان بْن دَاوُد وَأَيُّوب هُوَ أَيُّوب بْن مُوص بْن رُوح بْن عِيص بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم . وَيُوسُف : هُوَ يُوسُف بْن يَعْقُوب بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم . وَمُوسَى : هُوَ مُوسَى بْن عِمْرَان بْن يَصْهَر بْن قاهث بْن لَاوِي بْن يَعْقُوب . وَهَارُون : أَخُو مُوسَى . { وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : جَزَيْنَا نُوحًا بِصَبْرِهِ عَلَى مَا اُمْتُحِنَ بِهِ فِينَا بِأَنْ هَدَيْنَاهُ فَوَفَّقْنَاهُ لِإِصَابَةِ الْحَقّ الَّذِي خَذَلْنَا عَنْهُ مَنْ عَصَانَا فَخَالَفَ أَمْرَنَا وَنَهْينَا مِنْ قَوْمه , وَهَدَيْنَا مِنْ ذُرِّيَّته مِنْ بَعْده مَنْ ذَكَرَ تَعَالَى ذِكْره مِنْ أَنْبِيَائِهِ لِمِثْلِ الَّذِي هَدَيْنَاهُ لَهُ . وَكَمَا جَزَيْنَا هَؤُلَاءِ بِحُسْنِ طَاعَتهمْ إِيَّانَا وَصَبْرهمْ عَلَى الْمِحَن فِينَا , كَذَلِكَ نَجْزِي بِالْإِحْسَانِ كُلّ مُحْسِن .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاس كُلٌّ مِنْ الصَّالِحِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَهَدَيْنَا أَيْضًا لِمِثْلِ الَّذِي هَدَيْنَا لَهُ نُوحًا مِنْ الْهُدَى وَالرَّشَاد مِنْ ذُرِّيَّته زَكَرِيَّا بْن أزن بْن بركيا وَيَحْيَى بْن زَكَرِيَّا , وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم اِبْنَة عِمْرَان بْن أشيم بْن أُمُور بْن حزقيا , وَإِلْيَاس . وَاخْتَلَفُوا فِي إِلْيَاس , فَكَانَ اِبْن إِسْحَاق يَقُول : هُوَ إِلْيَاس بْن يسى بْن فنحاص بْن العيزار بْن هَارُون بْن عِمْرَان اِبْن أَخِي مُوسَى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَكَانَ غَيْره يَقُول : هُوَ إِدْرِيس ; وَمِمَّنْ ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْهُ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود . 10528 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عُبَيْدَة بْن رَبِيعَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , قَالَ : إِدْرِيس : هُوَ إِلْيَاس , وَإِسْرَائِيل : هُوَ يَعْقُوب . وَأَمَّا أَهْل الْأَنْسَاب فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ : إِدْرِيس جَدّ نُوح بْن لمك بْن متوشلخ بْن أخنوخ ; وأخنوخ : هُوَ إِدْرِيس بْن يرد بْن مهلائيل . وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه . وَاَلَّذِي يَقُول أَهْل الْأَنْسَاب أَشْبَه بِالصَّوَابِ , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى نَسَبَ إِلَيْهِ فِي هَذِهِ الْآيَة إِلَى نُوح وَجَعَلَهُ مِنْ ذُرِّيَّته ; وَنُوح : اِبْن إِدْرِيس عِنْد أَهْل الْعِلْم , فَمُحَال أَنْ يَكُون جَدّ أَبِيهِ مَنْسُوبًا إِلَى أَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّته . وَقَوْله : { كُلّ مِنْ الصَّالِحِينَ } يَقُول : مَنْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّالِحِينَ , يَعْنِي : زَكَرِيَّا , وَيَحْيَى , وَعِيسَى , وَإِلْيَاس صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِسْمَاعِيل وَاَلْيَسَع وَيُونُس وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَهَدَيْنَا أَيْضًا مِنْ ذُرِّيَّة نُوح إِسْمَاعِيل , وَهُوَ إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم ; وَاَلْيَسَع : هُوَ الْيَسَع بْن أخطوب بْن العجوز . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة اِسْمه , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق : { وَاَلْيَسَع } بِلَامِ وَاحِدَة مُخَفَّفَة . وَقَدْ زَعَمَ قَوْم أَنَّهُ " يَفْعَل " , مِنْ قَوْل الْقَائِل : وَسِعَ يَسَع , وَلَا تَكَاد الْعَرَب تُدْخِل الْأَلْف وَاللَّام عَلَى اِسْم يَكُون عَلَى هَذِهِ الصُّورَة , أَعْنِي : عَلَى " يَفْعَل " , لَا يَقُولُونَ : رَأَيْت الْيَزِيد , وَلَا أَتَانِي التُّجِيب , وَلَا مَرَرْت بِالْيَشْكُر , إِلَّا فِي ضَرُورَة شَعْر , وَذَلِكَ أَيْضًا إِذَا تُحُرِّيَ بِهِ الْمَدْح , كَمَا قَالَ بَعْضهمْ : وَجَدْنَا الْوَلِيد بْن الْيَزِيد مُبَارَكًا شَدِيدًا بِأَعْبَاءِ الْخِلَافَة كَاهِله فَأَدْخَلَ فِي " الْيَزِيد " الْأَلِف وَاللَّام , وَذَلِكَ لِإِدْخَالِهِ إِيَّاهُمَا فِي الْوَلِيد , فَأَتْبَعهُ الْيَزِيد بِمِثْلِ لَفْظه . وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { اللَّيْسَع } بِلَامَيْنِ وَبِالتَّشْدِيدِ , وَقَالُوا : إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ كَانَ أَشْبَهَ بِأَسْمَاءِ الْعَجَم . وَأَنْكَرُوا التَّخْفِيف وَقَالُوا : لَا نَعْرِف فِي كَلَام الْعَرَب اِسْمًا عَلَى " يَفْعَل " فِيهِ أَلْف وَلَام . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بِلَامِ وَاحِدَة مُخَفَّفَة , لِإِجْمَاعِ أَهْل الْأَخْبَار عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوف مِنْ اِسْمه دُون التَّشْدِيد , مَعَ أَنَّهُ اِسْم أَعْجَمِيّ فَيُنْطَق بِهِ عَلَى مَا هُوَ بِهِ . وَإِنَّمَا لَا يَسْتَقِيم دُخُول الْأَلِف وَاللَّام فِيمَا جَاءَ مِنْ أَسْمَاء الْعَرَب عَلَى " يَفْعَل " , وَأَمَّا الِاسْم الَّذِي يَكُون أَعْجَمِيًّا فَإِنَّمَا يُنْطَق بِهِ عَلَى مَا سَمَّوْا بِهِ , فَإِنْ غُيِّرَ مِنْهُ شَيْء إِذَا تَكَلَّمَتْ الْعَرَب فَإِنَّمَا يُغَيَّر بِتَقْوِيمِ حَرْف مِنْهُ مِنْ غَيْر حَذْف وَلَا زِيَادَة فِيهِ وَلَا نُقْصَان , وَاللَّيْسَع إِذَا شُدِّدَ لَحِقَتْهُ زِيَادَة لَمْ تَكُنْ فِيهِ قَبْل التَّشْدِيد . وَأُخْرَى أَنَّهُ لَمْ يُحْفَظ عَنْ أَحَد مِنْ أَهْل الْعِلْم عَلِمْنَا أَنَّهُ قَالَ : اِسْمه " لَيْسَع " , فَيَكُون مُشَدَّدًا عِنْد دُخُول الْأَلْف وَاللَّام اللَّتَيْنِ تَدْخُلَانِ لِلتَّعْرِيفِ { وَيُونُس } هُوَ يُونُس بْن مَتَّى { وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا } مِنْ ذُرِّيَّة نُوح وَنُوحًا , لَهُمْ بَيَّنَّا الْحَقّ وَوَفَّقْنَاهُمْ لَهُ . وَفَضَّلْنَا جَمِيعهمْ { عَلَى الْعَالَمِينَ } يَعْنِي : عَلَى عَالَم أَزْمَانهمْ .
وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتهمْ وَإِخْوَانهمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَهَدَيْنَا أَيْضًا مِنْ آبَاء هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَمِنْ ذُرِّيَّاتهمْ وَإِخْوَانهمْ آخَرِينَ سِوَاهُمْ لَمْ يُسَمِّهِمْ لِلْحَقِّ وَالدِّين الْخَالِص الَّذِي لَا شِرْك فِيهِ , فَوَفَّقْنَاهُمْ لَهُ . { وَاجْتَبَيْنَاهُمْ } يَقُول : وَاخْتَرْنَاهُمْ لِدِينِنَا وَبَلَاغ رِسَالَتنَا إِلَى مَنْ أَرْسَلْنَاهُمْ إِلَيْهِ , كَاَلَّذِي اِخْتَرْنَا مِمَّنْ سَمَّيْنَا ; يُقَال مِنْهُ : اِجْتَبَى فُلَان لِنَفْسِهِ كَذَا : إِذَا اِخْتَارَهُ وَاصْطَفَاهُ يَجْتَبِيهِ اِجْتِبَاء . وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول فِي ذَلِكَ , مَا : 10529 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ : { وَاجْتَبَيْنَاهُمْ } قَالَ : أَخْلَصْنَاهُمْ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ بْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . { وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم } يَقُول : وَسَدَّدْنَاهُمْ فَأَرْشَدْنَاهُمْ إِلَى طَرِيق غَيْر مُعْوَجّ , وَذَلِكَ دِين اللَّه الَّذِي لَا عِوَج فِيهِ , وَهُوَ الْإِسْلَام الَّذِي اِرْتَضَاهُ اللَّه رَبُّنَا لِأَنْبِيَائِهِ , وَأَمَرَ بِهِ عِبَادَهُ .
ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ هُدَى اللَّه يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ : { ذَلِكَ هُدَى اللَّه } هَذَا الْهُدَى الَّذِي هَدَيْت بِهِ مَنْ سَمَّيْت مِنْ الْأَنْبِيَاء وَالرُّسُل فَوَفَّقْتهمْ بِهِ لِإِصَابَةِ الدِّين الْحَقّ , الَّذِي نَالُوا بِإِصَابَتِهِمْ إِيَّاهُ رِضَا رَبّهمْ وَشَرَف الدُّنْيَا وَكَرَامَة الْآخِرَة , هُوَ هُدَى اللَّه , يَقُول : هُوَ تَوْفِيق اللَّه وَلُطْفه , الَّذِي يُوَفِّق بِهِ مَنْ يَشَاء وَيُلَطِّف بِهِ لِمَنْ أَحَبَّ مِنْ خَلْقه , حَتَّى يُنِيب إِلَى طَاعَة اللَّه وَإِخْلَاص الْعَمَل لَهُ وَإِقْرَاره بِالتَّوْحِيدِ وَرَفْض الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام . { وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } يَقُول : وَلَوْ أَشْرَكَ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاء الَّذِينَ سَمَّيْنَاهُمْ بِرَبِّهِمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ , فَعَبَدُوا مَعَهُ غَيْره , { لَحَبِطَ عَنْهُمْ } يَقُول : لَبَطَلَ , فَذَهَبَ عَنْهُمْ أَجْر أَعْمَالهمْ الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَ , لِأَنَّ اللَّه لَا يَقْبَل مَعَ الشِّرْك بِهِ عَمَلًا .
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب وَالْحُكْم وَالنُّبُوَّة } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { أُولَئِكَ } هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَمَّيْنَاهُمْ مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُله نُوحًا وَذُرِّيَّته الَّذِينَ هَدَاهُمْ لِدِينِ الْإِسْلَام وَاخْتَارَهُمْ لِرِسَالَتِهِ إِلَى خَلْقه , هُمْ { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب } يَعْنِي بِذَلِكَ صُحُف إِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَزَبُور دَاوُد وَإِنْجِيل عِيسَى صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ . { وَالْحُكْم } يَعْنِي : الْفَهْم بِالْكِتَابِ وَمَعْرِفَة مَا فِيهِ مِنْ الْأَحْكَام . وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد فِي ذَلِكَ مَا : 10530 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنَا أَبَان , قَالَ : ثَنَا مَالِك بْن شَدَّاد , عَنْ مُجَاهِد : { وَالْحُكْم وَالنُّبُوَّة } قَالَ : الْحُكْم : هُوَ اللُّبّ . وَعَنَى بِذَلِكَ مُجَاهِد إِنْ شَاءَ اللَّه مَا قُلْت ; لِأَنَّ اللُّبّ هُوَ الْعَقْل , فَكَأَنَّهُ أَرَادَ : أَنَّ اللَّه آتَاهُمْ الْعَقْل بِالْكِتَابِ , وَهُوَ بِمَعْنَى مَا قُلْنَا إنَّهُ الْفَهْم بِهِ . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى النُّبُوَّة وَالْحُكْم فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِمَا , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ يَكْفُر بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : فَإِنْ يَكْفُر يَا مُحَمَّد بِآيَاتِ كِتَابِي الَّذِي أَنْزَلْته إِلَيْك , فَيَجْحَد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الْعَادِلُونَ بِرَبِّهِمْ , كَاَلَّذِي : 10531 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَإِنْ يَكْفُر بِهَا هَؤُلَاءِ } يَقُول : إِنْ يَكْفُرُوا بِالْقُرْآنِ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِهَؤُلَاءِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهِمْ كُفَّار قُرَيْش , وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ : { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } الْأَنْصَار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10532 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا سُلَيْمَان , قَالَ : ثَنَا أَبُو هِلَال , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ } قَالَ : أَهْل مَكَّة , فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا أَهْل الْمَدِينَة . 10533 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا عَبْدَة بْن سُلَيْمَان , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } قَالَ : الْأَنْصَار . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَغْرَاء , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { فَإِنْ يَكْفُر بِهَا هَؤُلَاءِ } قَالَ : إِنْ يَكْفُر بِهَا أَهْل مَكَّة , فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا أَهْل الْمَدِينَة الْأَنْصَار لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ . 10534 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَإِنْ يَكْفُر بِهَا هَؤُلَاءِ } يَقُول : إِنْ يَكْفُر بِهَا قُرَيْش فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا الْأَنْصَار . 10535 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن عُبَادَة : { فَإِنْ يَكْفُر بِهَا هَؤُلَاءِ } أَهْل مَكَّة { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } أَهْل الْمَدِينَة . 10536 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { فَإِنْ يَكْفُر بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } قَالَ : كَانَ أَهْل الْمَدِينَة قَدْ تَبَوَّءُوا الدَّار وَالْإِيمَان قَبْل أَنْ يَقْدَم عَلَيْهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْآيَات جَحَدَ بِهَا أَهْل مَكَّة , فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : { فَإِنْ يَكْفُر بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } . قَالَ عَطِيَّة : وَلَمْ أَسْمَعْ هَذَا مِنْ اِبْن عَبَّاس , وَلَكِنْ سَمِعْته مِنْ غَيْره . 10537 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَإِنْ يَكْفُر بِهَا هَؤُلَاءِ } يَعْنِي أَهْل مَكَّة . يَقُول : إِنْ يَكْفُرُوا بِالْقُرْآنِ { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } يَعْنِي أَهْل الْمَدِينَة وَالْأَنْصَار . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَإِنْ يَكْفُر بِهَا أَهْل مَكَّة , فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا الْمَلَائِكَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10538 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو أُسَامَة , عَنْ عَوْف , عَنْ أَبِي رَجَاء : { فَإِنْ يَكْفُر بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } قَالَ : هُمْ الْمَلَائِكَة . * حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر وَابْن أَبِي عَدِيّ , وَعَبْد الْوَهَّاب , عَنْ عَوْف , عَنْ أَبِي رَجَاء , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِقَوْلِهِ : { فَإِنْ يَكْفُر بِهَا هَؤُلَاءِ } يَعْنِي قُرَيْشًا , وَبِقَوْلِهِ : { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا } الْأَنْبِيَاء الَّذِينَ سَمَّاهُمْ فِي الْآيَات الَّتِي مَضَتْ قَبْل هَذِهِ الْآيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10539 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَإِنْ يَكْفُر بِهَا هَؤُلَاءِ } يَعْنِي أَهْل مَكَّة , { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } وَهُمْ الْأَنْبِيَاء الثَّمَانِيَة عَشَر الَّذِينَ قَالَ اللَّه : { أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّه فَبِهُدَاهُمْ اِقْتَدِهِ } . - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { فَإِنْ يَكْفُر بِهَا هَؤُلَاءِ } قَالَ : يَعْنِي : قَوْم مُحَمَّد , ثُمَّ قَالَ : { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } يَعْنِي : النَّبِيِّينَ الَّذِينَ قَصَّ قَبْل هَذِهِ الْآيَة قَصَصهمْ , ثُمَّ قَالَ : { أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّه فَبِهُدَاهُمْ اِقْتَدِهِ } . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال فِي تَأْوِيل ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِقَوْلِهِ : { فَإِنْ يَكْفُر بِهَا هَؤُلَاءِ } كُفَّار قَرِيس , { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } يَعْنِي بِهِ : الْأَنْبِيَاء الثَّمَانِيَة عَشَر الَّذِينَ سَمَّاهُمْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره فِي الْآيَات قَبْل هَذِهِ الْآيَة . وَذَلِكَ أَنَّ الْخَبَر فِي الْآيَات قَبْلهَا عَنْهُمْ مَضَى وَفِي الَّتِي بَعْدهَا عَنْهُمْ ذُكِرَ , فَمَا بَيْنهَا بِأَنْ يَكُون خَبَرًا عَنْهُمْ أَوْلَى وَأَحَقَّ مِنْ أَنْ يَكُون خَبَرًا عَنْ غَيْرهمْ . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ : فَإِنْ يَكْفُر قَوْمك مِنْ قُرَيْش يَا مُحَمَّد بِآيَاتِنَا , وَكَذَّبُوا وَجَحَدُوا حَقِيقَتهَا , فَقَدْ اسْتَحْفَظْنَاهَا وَاسْتَرْعَيْنَا الْقِيَام بِهَا رُسُلنَا وَأَنْبِيَاءَنَا مِنْ قَبْلِكَ الَّذِينَ لَا يَجْحَدُونَ حَقِيقَتَهَا وَلَا يُكَذِّبُونَ بِهَا , وَلَكِنَّهُمْ يُصَدِّقُونَ بِهَا وَيُؤْمِنُونَ بِصِحَّتِهَا . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى قَوْله : { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا } : رَزَقْنَاهَا قَوْمًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ يَكْفُر بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : فَإِنْ يَكْفُر يَا مُحَمَّد بِآيَاتِ كِتَابِي الَّذِي أَنْزَلْته إِلَيْك , فَيَجْحَد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الْعَادِلُونَ بِرَبِّهِمْ , كَاَلَّذِي : 10531 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَإِنْ يَكْفُر بِهَا هَؤُلَاءِ } يَقُول : إِنْ يَكْفُرُوا بِالْقُرْآنِ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِهَؤُلَاءِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهِمْ كُفَّار قُرَيْش , وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ : { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } الْأَنْصَار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10532 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا سُلَيْمَان , قَالَ : ثَنَا أَبُو هِلَال , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ } قَالَ : أَهْل مَكَّة , فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا أَهْل الْمَدِينَة . 10533 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا عَبْدَة بْن سُلَيْمَان , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } قَالَ : الْأَنْصَار . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَغْرَاء , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { فَإِنْ يَكْفُر بِهَا هَؤُلَاءِ } قَالَ : إِنْ يَكْفُر بِهَا أَهْل مَكَّة , فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا أَهْل الْمَدِينَة الْأَنْصَار لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ . 10534 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَإِنْ يَكْفُر بِهَا هَؤُلَاءِ } يَقُول : إِنْ يَكْفُر بِهَا قُرَيْش فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا الْأَنْصَار . 10535 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن عُبَادَة : { فَإِنْ يَكْفُر بِهَا هَؤُلَاءِ } أَهْل مَكَّة { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } أَهْل الْمَدِينَة . 10536 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { فَإِنْ يَكْفُر بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } قَالَ : كَانَ أَهْل الْمَدِينَة قَدْ تَبَوَّءُوا الدَّار وَالْإِيمَان قَبْل أَنْ يَقْدَم عَلَيْهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْآيَات جَحَدَ بِهَا أَهْل مَكَّة , فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : { فَإِنْ يَكْفُر بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } . قَالَ عَطِيَّة : وَلَمْ أَسْمَعْ هَذَا مِنْ اِبْن عَبَّاس , وَلَكِنْ سَمِعْته مِنْ غَيْره . 10537 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَإِنْ يَكْفُر بِهَا هَؤُلَاءِ } يَعْنِي أَهْل مَكَّة . يَقُول : إِنْ يَكْفُرُوا بِالْقُرْآنِ { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } يَعْنِي أَهْل الْمَدِينَة وَالْأَنْصَار . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَإِنْ يَكْفُر بِهَا أَهْل مَكَّة , فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا الْمَلَائِكَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10538 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو أُسَامَة , عَنْ عَوْف , عَنْ أَبِي رَجَاء : { فَإِنْ يَكْفُر بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } قَالَ : هُمْ الْمَلَائِكَة . * حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر وَابْن أَبِي عَدِيّ , وَعَبْد الْوَهَّاب , عَنْ عَوْف , عَنْ أَبِي رَجَاء , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِقَوْلِهِ : { فَإِنْ يَكْفُر بِهَا هَؤُلَاءِ } يَعْنِي قُرَيْشًا , وَبِقَوْلِهِ : { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا } الْأَنْبِيَاء الَّذِينَ سَمَّاهُمْ فِي الْآيَات الَّتِي مَضَتْ قَبْل هَذِهِ الْآيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10539 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَإِنْ يَكْفُر بِهَا هَؤُلَاءِ } يَعْنِي أَهْل مَكَّة , { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } وَهُمْ الْأَنْبِيَاء الثَّمَانِيَة عَشَر الَّذِينَ قَالَ اللَّه : { أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّه فَبِهُدَاهُمْ اِقْتَدِهِ } . - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { فَإِنْ يَكْفُر بِهَا هَؤُلَاءِ } قَالَ : يَعْنِي : قَوْم مُحَمَّد , ثُمَّ قَالَ : { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } يَعْنِي : النَّبِيِّينَ الَّذِينَ قَصَّ قَبْل هَذِهِ الْآيَة قَصَصهمْ , ثُمَّ قَالَ : { أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّه فَبِهُدَاهُمْ اِقْتَدِهِ } . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال فِي تَأْوِيل ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِقَوْلِهِ : { فَإِنْ يَكْفُر بِهَا هَؤُلَاءِ } كُفَّار قَرِيس , { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } يَعْنِي بِهِ : الْأَنْبِيَاء الثَّمَانِيَة عَشَر الَّذِينَ سَمَّاهُمْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره فِي الْآيَات قَبْل هَذِهِ الْآيَة . وَذَلِكَ أَنَّ الْخَبَر فِي الْآيَات قَبْلهَا عَنْهُمْ مَضَى وَفِي الَّتِي بَعْدهَا عَنْهُمْ ذُكِرَ , فَمَا بَيْنهَا بِأَنْ يَكُون خَبَرًا عَنْهُمْ أَوْلَى وَأَحَقَّ مِنْ أَنْ يَكُون خَبَرًا عَنْ غَيْرهمْ . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ : فَإِنْ يَكْفُر قَوْمك مِنْ قُرَيْش يَا مُحَمَّد بِآيَاتِنَا , وَكَذَّبُوا وَجَحَدُوا حَقِيقَتهَا , فَقَدْ اسْتَحْفَظْنَاهَا وَاسْتَرْعَيْنَا الْقِيَام بِهَا رُسُلنَا وَأَنْبِيَاءَنَا مِنْ قَبْلِكَ الَّذِينَ لَا يَجْحَدُونَ حَقِيقَتَهَا وَلَا يُكَذِّبُونَ بِهَا , وَلَكِنَّهُمْ يُصَدِّقُونَ بِهَا وَيُؤْمِنُونَ بِصِحَّتِهَا . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى قَوْله : { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا } : رَزَقْنَاهَا قَوْمًا .
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّه فَبِهُدَاهُمْ اِقْتَدِهِ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : { أُولَئِكَ } : هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ وَكَّلْنَا بِآيَاتِنَا وَلَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ , هُمْ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّه لِدِينِهِ الْحَقّ , وَحِفْظ مَا وُكِّلُوا بِحِفْظِهِ مِنْ آيَات كِتَابه وَالْقِيَام بِحُدُودِهِ وَاتِّبَاع حَلَالِهِ وَحَرَامه وَالْعَمَل بِمَا فِيهِ مِنْ أَمْر اللَّه وَالِانْتِهَاء عَمَّا فِيهِ مِنْ نَهْيه , فَوَفَّقَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِذَلِكَ . { فَبِهُدَاهُمْ اِقْتَدِهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : فَبِالْعَمَلِ الَّذِي عَمِلُوا وَالْمِنْهَاج الَّذِي سَلَكُوا وَبِالْهُدَى الَّذِي هَدَيْنَاهُمْ وَالتَّوْفِيق الَّذِي وَفَّقْنَاهُمْ , اِقْتَدِهِ يَا مُحَمَّد : أَيْ فَاعْمَلْ وَخُذْ بِهِ وَاسْلُكْهُ , فَإِنَّهُ عَمَل لِلَّهِ فِيهِ رِضًا وَمِنْهَاج مَنْ سَلَكَهُ اِهْتَدَى . وَهَذَا التَّأْوِيل عَلَى مَذْهَب مَنْ تَأَوَّلَ قَوْله : { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } أَنَّهُمْ الْأَنْبِيَاء الْمُسَمَّوْنَ فِي الْآيَات الْمُتَقَدِّمَة , وَهُوَ الْقَوْل الَّذِي اِخْتَرْنَاهُ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ . وَأَمَّا عَلَى تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ أَنَّ الْقَوْم الَّذِينَ وُكِّلُوا بِهَا هُمْ أَهْل الْمَدِينَة , أَوْ أَنَّهُمْ هُمْ الْمَلَائِكَة , فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا قَوْله : { فَإِنْ يَكْفُر بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } اِعْتِرَاضًا بَيْن الْكَلَامَيْنِ , ثُمَّ رَدُّوا قَوْله : { أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّه فَبِهُدَاهُمْ اِقْتَدِهِ } عَلَى قَوْله : { أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب وَالْحُكْم وَالنُّبُوَّة } . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10540 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن عُبَادَة , قَوْله : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق وَيَعْقُوب } . . . إِلَى قَوْله : { أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّه فَبِهُدَاهُمْ اِقْتَدِهِ } يَا مُحَمَّد . 10541 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّه } يَا مُحَمَّد , { فَبِهُدَاهُمْ اِقْتَدِهِ } وَلَا تَقْتَدِ بِهَؤُلَاءِ . 10542 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : ثُمَّ رَجَعَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : { أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّه فَبِهُدَاهُمْ اِقْتَدِهِ } . 10543 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : ثُمَّ قَالَ فِي الْأَنْبِيَاء الَّذِينَ سَمَّاهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَة : { فَبِهُدَاهُمْ اِقْتَدِهِ } . وَمَعْنَى الِاقْتِدَاء فِي كَلَام الْعَرَب بِالرَّجُلِ : اِتِّبَاع أَثَره وَالْأَخْذ بِهَدْيِهِ , يُقَال : فُلَان يَقْدُو فُلَانًا إِذَا نَحَا نَحْوه وَاتَّبَعَ أَثَره , قِدَة وَقُدْوَة وَقِدْوَة وَقِدْيَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ لَا أَسْأَلكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَمَرْتُك أَنْ تُذَكِّرَهُمْ بِآيَاتِي أَنْ تُبْسَل نَفْس بِمَا كَسَبَتْ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمك يَا مُحَمَّد : لَا أَسْأَلكُمْ عَلَى تَذْكِيرِي إِيَّاكُمْ وَالْهُدَى الَّذِي أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ وَالْقُرْآن الَّذِي جِئْتُكُمْ بِهِ , عِوَضًا أَعْتَاضُهُ مِنْكُمْ عَلَيْهِ وَأَجْرًا آخُذهُ مِنْكُمْ , وَمَا ذَلِكَ مِنِّي إِلَّا تَذْكِير لَكُمْ وَلِكُلِّ مَنْ كَانَ مِثْلكُمْ مِمَّنْ هُوَ مُقِيم عَلَى بَاطِل بَأْس اللَّه أَنْ يَحِلّ بِكُمْ وَسَخَطه أَنْ يَنْزِل بِكُمْ عَلَى شِرْكِكُمْ بِهِ وَكُفْركُمْ , وَإِنْذَار لِجَمِيعِكُمْ بَيْن يَدَيْ عَذَاب شَدِيد , لِتَذْكُرُوا وَتَنْزَجِرُوا
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ لَا أَسْأَلكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَمَرْتُك أَنْ تُذَكِّرَهُمْ بِآيَاتِي أَنْ تُبْسَل نَفْس بِمَا كَسَبَتْ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمك يَا مُحَمَّد : لَا أَسْأَلكُمْ عَلَى تَذْكِيرِي إِيَّاكُمْ وَالْهُدَى الَّذِي أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ وَالْقُرْآن الَّذِي جِئْتُكُمْ بِهِ , عِوَضًا أَعْتَاضُهُ مِنْكُمْ عَلَيْهِ وَأَجْرًا آخُذهُ مِنْكُمْ , وَمَا ذَلِكَ مِنِّي إِلَّا تَذْكِير لَكُمْ وَلِكُلِّ مَنْ كَانَ مِثْلكُمْ مِمَّنْ هُوَ مُقِيم عَلَى بَاطِل بَأْس اللَّه أَنْ يَحِلّ بِكُمْ وَسَخَطه أَنْ يَنْزِل بِكُمْ عَلَى شِرْكِكُمْ بِهِ وَكُفْركُمْ , وَإِنْذَار لِجَمِيعِكُمْ بَيْن يَدَيْ عَذَاب شَدِيد , لِتَذْكُرُوا وَتَنْزَجِرُوا