وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْق وَإِنَّ الشَّيَاطِين لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ } : لَا تَأْكُلُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِمَّا مَاتَ فَلَمْ تَذْبَحُوهُ أَنْتُمْ أَوْ يَذْبَحهُ مُوَحِّد يَدِين لِلَّهِ بِشَرَائِع شَرَعَهَا لَهُ فِي كِتَاب مُنَزَّل فَإِنَّهُ حَرَام عَلَيْكُمْ , وَلَا مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه مِمَّا ذَبَحَهُ الْمُشْرِكُونَ لِأَوْثَانِهِمْ , فَإِنَّ أَكْلَ ذَلِكَ فِسْق , يَعْنِي : مَعْصِيَة كُفْر . فَكَنَّى بِقَوْلِهِ : " وَإِنَّهُ " عَنْ " الْأَكْل " , وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْفِعْل , كَمَا قَالَ : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاس إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا } 3 173 يُرَاد بِهِ : فَزَادَ قَوْلهمْ ذَلِكَ إِيمَانًا , فَكَنَّى عَنْ الْقَوْل , وَإِنَّمَا جَرَى ذِكْره بِفِعْلٍ . { وَإِنَّ الشَّيَاطِين لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ } : اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { وَإِنَّ الشَّيَاطِين لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ : شَيَاطِين فَارِس وَمَنْ عَلَى دِينهمْ مِنْ الْمَجُوس { إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ } مِنْ مَرَدَة مُشْرِكِي قُرَيْش , يُوحُونَ إِلَيْهِمْ زُخْرُف الْقَوْل بِجِدَالِ نَبِيّ اللَّه وَأَصْحَابه فِي أَكْل الْمَيْتَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10748 - حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن بِشْر بْن الْحَكَم النَّيْسَابُورِيّ , قَالَ : ثَنَا مُوسَى بْن عَبْد الْعَزِيز الْقَنْبَارِيّ , قَالَ : ثَنَا الْحَكَم بْن أَبَان , عَنْ عِكْرِمَة , لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة بِتَحْرِيمِ الْمَيْتَة , قَالَ : أَوْحَتْ فَارِس إِلَى أَوْلِيَائِهَا مِنْ قُرَيْش أَنْ خَاصِمُوا مُحَمَّدًا - وَكَانَتْ أَوْلِيَاءَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّة - وَقُولُوا لَهُ : إِنَّ مَا ذَبَحْت فَهُوَ حَلَال , وَمَا ذَبَحَ اللَّه - قَالَ اِبْن عَبَّاس : بشمشار مِنْ ذَهَب - فَهُوَ حَرَام , فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة : { وَإِنَّ الشَّيَاطِين لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ } قَالَ : الشَّيَاطِين : فَارِس , وَأَوْلِيَاؤُهُمْ : قُرَيْش . 10749 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عِكْرِمَة : أَنَّ مُشْرِكِي قُرَيْش كَاتَبُوا فَارِس عَلَى الرُّوم , وَكَاتَبَتْهُمْ فَارِس , وَكَتَبَتْ فَارِس إِلَى مُشْرِكِي قُرَيْش أَنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ أَمْرَ اللَّه , فَمَا ذَبَحَ اللَّه بِسِكِّينٍ مِنْ ذَهَب فَلَا يَأْكُلهُ مُحَمَّد وَأَصْحَابه لِلْمَيْتَةِ ; وَأَمَّا مَا ذَبَحُوا هُمْ يَأْكُلُونَ . وَكَتَبَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى أَصْحَاب مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام , فَوَقَعَ فِي أَنْفُس نَاس مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ ذَلِكَ شَيْء , فَنَزَلَتْ : { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِين لَيُوحُونَ } . . . الْآيَة , وَنَزَلَتْ : { يُوحِي بَعْضهمْ إِلَى بَعْض زُخْرُف الْقَوْل غُرُورًا } . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عُنِيَ بِالشَّيَاطِينِ الَّذِينَ يَغِرُّونَ بَنِي آدَم أَنَّهُمْ أَوْحَوْا إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنْ قُرَيْش . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10750 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : كَانَ مِمَّا أَوْحَى الشَّيَاطِين إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنْ الْإِنْس : كَيْف تَعْبُدُونَ شَيْئًا لَا تَأْكُلُونَ مِمَّا قَتَلَ , وَتَأْكُلُونَ أَنْتُمْ مَا قَتَلْتُمْ ؟ فَرُوِيَ الْحَدِيث حَتَّى بَلَغَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنَزَلَتْ : { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اِسْمُ اللَّه عَلَيْهِ } . 10751 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَإِنَّ الشَّيَاطِين لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ } قَالَ : إِبْلِيس الَّذِي يُوحِي إِلَى مُشْرِكِي قُرَيْش . قَالَ اِبْن جُرَيْج عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : شَيَاطِين الْجِنّ يُوحُونَ إِلَى شَيَاطِين الْإِنْس , يُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ . قَالَ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , قَالَ : سَمِعْت أَنَّ الشَّيَاطِين يُوحُونَ إِلَى أَهْل الشِّرْك يَأْمُرُونَهُمْ أَنْ يَقُولُوا : مَا الَّذِي يَمُوت وَمَا الَّذِي تَذْبَحُونَ إِلَّا سَوَاء ! يَأْمُرُونَهُمْ أَنْ يُخَاصِمُوا بِذَلِكَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , { وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } قَالَ : قَوْل الْمُشْرِكِينَ : أَمَّا مَا ذَبَحَ اللَّه لِلْمَيْتَةِ فَلَا تَأْكُلُونَ , وَأَمَّا مَا ذَبَحْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ فَحَلَال . 10752 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمَّار الرَّازِيّ , قَالَ : ثَنَا سَعِيد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : ثَنَا شَرِيك , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس ; أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ : مَا قَتَلَ رَبّكُمْ فَلَا تَأْكُلُونَ , وَمَا قَتَلْتُمْ أَنْتُمْ تَأْكُلُونَهُ ! فَأَوْحَى اللَّه إِلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ } . - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا حَرَّمَ اللَّه الْمَيْتَة أَمَرَ الشَّيْطَان أَوْلِيَاءَهُ , فَقَالَ لَهُمْ : مَا قَتَلَ اللَّه لَكُمْ خَيْر مِمَّا تَذْبَحُونَ أَنْتُمْ بِسَكَاكِينِكُمْ , فَقَالَ اللَّه : { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ } . - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن دَاوُد الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق بْن يُوسُف الْأَزْرَق , عَنْ سُفْيَان , عَنْ هَارُون بْن عَنْتَرَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : جَادَلَ الْمُشْرِكُونَ الْمُسْلِمِينَ , فَقَالُوا : مَا بَال مَا قَتَلَ اللَّه لَا تَأْكُلُونَهُ وَمَا قَتَلْتُمْ أَنْتُمْ أَكَلْتُمُوهُ , وَأَنْتُمْ تَتَّبِعُونَ أَمْر اللَّه ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْق } . . . إِلَى آخِر الْآيَة . - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَإِنَّ الشَّيَاطِين لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ } يَقُولُونَ : مَا ذَبَحَ اللَّه فَلَا تَأْكُلُوهُ , وَمَا ذَبَحْتُمْ أَنْتُمْ فَكُلُوهُ ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ } . 10753 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة : أَنَّ نَاسًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ دَخَلُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالُوا : أَخْبِرْنَا عَنْ الشَّاة إِذَا مَاتَتْ مَنْ قَتَلَهَا ؟ فَقَالَ : " اللَّه قَتَلَهَا " . قَالُوا : فَتَزْعُمُ أَنَّ مَا قَتَلْت أَنْتَ وَأَصْحَابك حَلَالٌ , وَمَا قَتَلَهُ اللَّه حَرَام ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ } . 10754 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الْحَضْرَمِيّ : أَنَّ نَاسًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ , قَالُوا : أَمَّا مَا قَتَلَ الصَّقْر وَالْكَلْب فَتَأْكُلُونَهُ , وَأَمَّا مَا قَتَلَ اللَّه فَلَا تَأْكُلُونَهُ ! . - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ } قَالَ : قَالُوا : يَا مُحَمَّد , أَمَّا مَا قَتَلْتُمْ وَذَبَحْتُمْ فَتَأْكُلُونَهُ , وَأَمَّا مَا قَتَلَ رَبّكُمْ فَتُحَرِّمُونَهُ ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْق وَإِنَّ الشَّيَاطِين لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ فِي أَكْل مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ , إِنَّكُمْ إِذَنْ لَمُشْرِكُونَ . 10755 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : قَالَ الْمُشْرِكُونَ : مَا قَتَلْتُمْ فَتَأْكُلُونَهُ , وَمَا قَتَلَ رَبّكُمْ لَا تَأْكُلُونَهُ ! فَنَزَلَتْ : { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ } . 10756 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } قَوْل الْمُشْرِكِينَ : أَمَّا مَا ذَبَحَ اللَّه لِلْمَيْتَةِ فَلَا تَأْكُلُونَ مِنْهُ , وَأَمَّا مَا ذَبَحْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ فَهُوَ حَلَال ! . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 10757 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَإِنَّ الشَّيَاطِين لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ } قَالَ : جَادَلَهُمْ الْمُشْرِكُونَ فِي الذَّبِيحَة , فَقَالُوا : أَمَّا مَا قَتَلْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ فَتَأْكُلُونَهُ , وَأَمَّا مَا قَتَلَ اللَّه فَلَا تَأْكُلُونَهُ ! يَعْنُونَ : الْمَيْتَة . فَكَانَتْ هَذِهِ مُجَادَلَتهمْ إِيَّاهُمْ . 10758 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْق } . . . الْآيَة , يَعْنِي : عَدُوّ اللَّه إِبْلِيس , أَوْحَى إِلَى أَوْلِيَائِهِ مِنْ أَهْل الضَّلَالَة , فَقَالَ لَهُمْ : خَاصِمُوا أَصْحَاب مُحَمَّد فِي الْمَيْتَة , فَقُولُوا : أَمَّا مَا ذَبَحْتُمْ وَقَتَلْتُمْ فَتَأْكُلُونَ , وَأَمَّا مَا قَتَلَ اللَّه فَلَا تَأْكُلُونَ , وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ تَتَّبِعُونَ أَمْر اللَّه ! فَأَنْزَلَ اللَّه عَلَى نَبِيّه : { وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } وَإِنَّا وَاَللَّه مَا نَعْلَمهُ كَانَ شِرْك قَطُّ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث : أَنْ يَدْعُو مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر , أَوْ يَسْجُد لِغَيْرِ اللَّه , أَوْ يُسَمِّي الذَّبَائِح لِغَيْرِ اللَّه . 10759 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ } إِنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ : كَيْف تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ تَتَّبِعُونَ مَرْضَاة اللَّه , وَمَا ذَبَحَ اللَّه فَلَا تَأْكُلُونَهُ , وَمَا ذَبَحْتُمْ أَنْتُمْ أَكَلْتُمُوهُ ؟ فَقَالَ اللَّه : { لَئِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ } فَأَكَلْتُمْ الْمَيْتَة { إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } . - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا وَكِيع , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَإِنَّ الشَّيَاطِين لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ } قَالَ : كَانُوا يَقُولُونَ : مَا ذُكِرَ اللَّه عَلَيْهِ وَمَا ذَبَحْتُمْ فَكُلُوا ! فَنَزَلَتْ : { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْق وَإِنَّ الشَّيَاطِين لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ } . - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ } . . . إِلَى قَوْله : { لِيُجَادِلُوكُمْ } قَالَ : يَقُول : يُوحِي الشَّيَاطِين إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ : تَأْكُلُونَ مَا قَتَلْتُمْ , وَلَا تَأْكُلُونَ مِمَّا قَتَلَ اللَّه ؟ فَقَالَ : إِنَّ الَّذِي قَتَلْتُمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ , وَإِنَّ الَّذِي مَاتَ لَمْ يُذْكَر اِسْم عَلَيْهِ . 10760 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك , فِي قَوْله : { وَإِنَّ الشَّيَاطِين لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ } هَذَا فِي شَأْن الذَّبِيحَة , قَالَ : قَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ : تَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّه حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة , وَأَحَلَّ لَكُمْ مَا تَذْبَحُونَ أَنْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ , وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ مَا ذَبَحَ هُوَ لَكُمْ ! وَكَيْف هَذَا وَأَنْتُمْ تَعْبُدُونَهُ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة : { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ } . . . إِلَى قَوْله : { لَمُشْرِكُونَ } . وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَ الَّذِينَ جَادَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ قَوْمًا مِنْ الْيَهُود . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10761 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى وَسُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَا : ثَنَا عِمْرَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس - قَالَ اِبْن عَبْد الْأَعْلَى : خَاصَمَتْ الْيَهُود النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ اِبْن وَكِيع : جَاءَتْ الْيَهُود إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا : نَأْكُل مَا قَتَلْنَا , وَلَا نَأْكُل مَا قَتَلَ اللَّه ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْق } . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَخْبَرَ أَنَّ الشَّيَاطِين يُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوا الْمُؤْمِنِينَ فِي تَحْرِيمهمْ أَكْلَ الْمَيْتَة بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ جِدَالهمْ إِيَّاهُمْ . وَجَائِز أَنْ يَكُون الْمُوحُونَ كَانُوا شَيَاطِين الْإِنْس يُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنْهُمْ , وَجَائِز أَنْ يَكُونُوا شَيَاطِين الْجِنّ أَوْحَوْا إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنْ الْإِنْس , وَجَائِز أَنْ يَكُون الْجِنْسَانِ كِلَاهُمَا تَعَاوَنَا عَلَى ذَلِكَ , كَمَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمَا فِي الْآيَة الْأُخْرَى الَّتِي يَقُول فِيهَا : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيّ عَدُوًّا شَيَاطِين الْإِنْس وَالْجِنّ يُوحِي بَعْضهمْ إِلَى بَعْض زُخْرُف الْقَوْل غُرُورًا } 6 112 بَلْ ذَلِكَ الْأَغْلَب مِنْ تَأْوِيلِهِ عِنْدِي ; لِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ نَبِيَّهُ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ أَعْدَاء مِنْ شَيَاطِين الْجِنّ وَالْإِنْس , كَمَا جَعَلَ لِأَنْبِيَائِهِ مِنْ قَبْله يُوحِي بَعْضهمْ إِلَى بَعْض الْمُزَيَّن مِنْ الْأَقْوَال الْبَاطِلَة , ثُمَّ أَعْلَمَهُ أَنَّ أُولَئِكَ الشَّيَاطِين يُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنْ الْإِنْس لِيُجَادِلُوهُ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا حَرَّمَ اللَّه مِنْ الْمَيْتَة عَلَيْهِمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِي عَنَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِنَهْيِهِ عَنْ أَكْله مِمَّا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ ذَبَائِح كَانَتْ الْعَرَب تَذْبَحهَا لِآلِهَتِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10762 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى وَمُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَا : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : مَا قَوْله : { فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ } ؟ قَالَ : يَأْمُر بِذِكْرِ اِسْمه عَلَى الشَّرَاب وَالطَّعَام وَالذَّبْح . قُلْت لِعَطَاءٍ : فَمَا قَوْله : { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ } ؟ قَالَ : يَنْهَى عَنْ ذَبَائِح كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّة عَلَى الْأَوْثَان كَانَتْ تَذْبَحهَا الْعَرَب وَقُرَيْش . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ الْمَيْتَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10763 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثَنَا جَرِير , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ } قَالَ : الْمَيْتَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ كُلّ ذَبِيحَة لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10764 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو أُسَامَة , عَنْ ثَنِي بْن يَزِيد , قَالَ : سُئِلَ الْحَسَن , سَأَلَهُ رَجُل قَالَ لَهُ : أَتَيْت بِطَيْرِ كَذَا , فَمِنْهُ مَا ذُبِحَ , فَذُكِرَ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ , وَمِنْهُ مَا نُسِيَ أَنْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ وَاخْتَلَطَ الطَّيْر ؟ فَقَالَ الْحَسَن : كُلْهُ كُلّه ! قَالَ : وَسَأَلْت مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , فَقَالَ : قَالَ اللَّه : { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ } . 10765 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا الْحَجَّاج , قَالَ : ثَنَا حَمَّاد , عَنْ أَيُّوب وَهِشَام , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن يَزِيد الْخَطْمِيّ , قَالَ : كُلُوا مِنْ ذَبَائِح أَهْل الْكِتَاب وَالْمُسْلِمِينَ , وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ . 10766 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ أَشْعَث , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن يَزِيد , قَالَ : كُنْت أَجْلِس إِلَيْهِ فِي حَلْقَة , فَكَانَ يَجْلِس فِيهَا نَاس مِنْ الْأَنْصَار هُوَ رَأْسُهُمْ , فَإِذَا جَاءَ سَائِل فَإِنَّمَا يَسْأَلهُ وَيَسْكُتُونَ . قَالَ : فَجَاءَهُ رَجُل فَسَأَلَهُ , فَقَالَ : رَجُل ذَبَحَ فَنَسِيَ أَنْ يُسَمِّي ؟ فَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ } حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه عَنَى بِذَلِكَ : مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ وَالْآلِهَة , وَمَا مَاتَ أَوْ ذَبَحَهُ مَنْ لَا تَحِلّ ذَبِيحَته . وَأَمَّا مَنْ قَالَ : عَنَى بِذَلِكَ مَا ذَبَحَهُ الْمُسْلِم فَنَسِيَ ذِكْر اِسْم اللَّه , فَقَوْل بَعِيد مِنْ الصَّوَاب لِشُذُوذِهِ , وَخُرُوجه عَمَّا عَلَيْهِ الْحُجَّة مُجْمِعَة مِنْ تَحْلِيله , وَكَفَى بِذَلِكَ شَاهِدًا عَلَى فَسَاده . وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَاده مِنْ جِهَة الْقِيَاس فِي كِتَابنَا الْمُسَمَّى لَطِيف الْقَوْل فِي أَحْكَام شَرَائِع الدِّين " فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَأَمَّا قَوْله { لَفِسْق } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَإِنَّ أَكْل مَا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ مِنْ الْمَيْتَة وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه لَفِسْقٌ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْفِسْق فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : الْمَعْصِيَة . فَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى هَذَا : وَإِنَّ أَكْل مَا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ لَمَعْصِيَة لِلَّهِ وَإِثْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10767 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } قَالَ : الْفِسْق : الْمَعْصِيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : الْكُفْر . وَأَمَّا قَوْله : { وَإِنَّ الشَّيَاطِين لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ } فَقَدْ ذَكَرْنَا اِخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ : { وَإِنَّ الشَّيَاطِين لَيُوحُونَ } . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِيهِ . وَأَمَّا إِيحَاؤُهُمْ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ , فَهُوَ إِشَارَتهمْ إِلَى مَا أَشَارُوا لَهُمْ إِلَيْهِ , إِمَّا بِقَوْلٍ , وَإِمَّا بِرِسَالَةٍ , وَإِمَّا بِكِتَابٍ . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْوَحْي فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَقَدْ : 10768 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا عِكْرِمَة , عَنْ أَبِي زُمَيْل , قَالَ : كُنْت قَاعِدًا عِنْد اِبْن عَبَّاس , فَجَاءَهُ رَجُل مِنْ أَصْحَابه , فَقَالَ : يَا اِبْن عَبَّاس , زَعَمَ أَبُو إِسْحَاق أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ اللَّيْلَة - يَعْنِي الْمُخْتَار بْن أَبِي عُبَيْد - فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : صَدَقَ ! فَنَفَرْت فَقُلْت : يَقُول اِبْن عَبَّاس صَدَقَ ؟ فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هُمَا وَحْيَانِ : وَحَيّ اللَّه , وَوَحْي الشَّيْطَان ; فَوَحْي اللَّه إِلَى مُحَمَّد , وَوَحْي الشَّيَاطِين إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ . ثُمَّ قَالَ : { وَإِنَّ الشَّيَاطِين لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ } . وَأَمَّا الْأَوْلِيَاء : فَهُمْ النُّصَرَاء وَالظُّهَرَاء فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { لِيُجَادِلُوكُمْ } لِيُخَاصِمُوكُمْ , بِالْمَعْنَى الَّذِي قَدْ ذَكَرْت قَبْل . وَأَمَّا قَوْلُهُ : { وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ فِي أَكْل الْمَيْتَة وَمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ رَبّكُمْ ; كَمَا : 10769 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنَا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ } يَقُول : وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ فِي أَكْل مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ . 10770 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ } فَأَكَلْتُمْ الْمَيْتَة . وَأَمَّا قَوْله : { إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } يَعْنِي : إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلهمْ , إِذْ كَانَ هَؤُلَاءِ يَأْكُلُونَ الْمَيْتَة اِسْتِحْلَالًا , فَإِذًا أَنْتُمْ أَكَلْتُمُوهَا كَذَلِكَ فَقَدْ صِرْتُمْ مِثْلهمْ مُشْرِكِينَ . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي هَذِهِ الْآيَة : هَلْ نُسِخَ مِنْ حُكْمهَا شَيْء أَمْ لَا ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : لَمْ يُنْسَخ مِنْهَا شَيْء وَهِيَ مُحْكَمَة فِيمَا عُنِيَتْ بِهِ , وَعَلَى هَذَا قَوْل عَامَّة أَهْل الْعِلْم . وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَعِكْرِمَة , مَا : 10771 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , عَنْ الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ قَالَا : قَالَ : { فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْق } فَنَسَخَ وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ , فَقَالَ : { وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ وَطَعَامكُمْ حِلّ لَهُمْ } 5 5 . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا , أَنَّ هَذِهِ الْآيَة مُحْكَمَة فِيمَا أُنْزِلَتْ لَمْ يُنْسَخ مِنْهَا شَيْء , وَأَنَّ طَعَام أَهْل الْكِتَاب حَلَال وَذَبَائِحهمْ ذَكِيَّة . وَذَلِكَ مِمَّا حَكَمَ اللَّه عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَكْله بِقَوْلِهِ : { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ } بِمَعْزِلٍ , لِأَنَّ اللَّه إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْنَا بِهَذِهِ الْآيَة الْمَيْتَة وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِلطَّوَاغِيتِ , وَذَبَائِح أَهْل الْكِتَاب ذَكِيَّة سَمَّوْا عَلَيْهَا أَوْ لَمْ يُسَمُّوا لِأَنَّهُمْ أَهْل تَوْحِيد وَأَصْحَاب كُتُب لِلَّهِ يَدِينُونَ بِأَحْكَامِهَا , يَذْبَحُونَ الذَّبَائِح بِأَدْيَانِهِمْ كَمَا ذَبَحَ الْمُسْلِم بِدِينِهِ , سَمَّى اللَّه عَلَى ذَبِيحَته أَوْ لَمْ يُسَمِّهِ , إِلَّا أَنْ يَكُون تَرْك مَنْ ذَكَرَ تَسْمِيَةَ اللَّه عَلَى ذَبِيحَته عَلَى الدَّيْنُونَة بِالتَّعْطِيلِ , أَوْ بِعِبَادَةِ شَيْء سِوَى اللَّه , فَيَحْرُم حِينَئِذٍ أَكْل ذَبِيحَته سَمَّى اللَّه عَلَيْهَا أَوْ لَمْ يُسَمِّ .
أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاس كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَات لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا } وَهَذَا الْكَلَام مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ يَدُلّ عَلَى نَهْيه الْمُؤْمِنِينَ بِرَسُولِهِ يَوْمئِذٍ عَنْ طَاعَة بَعْض الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ جَادَلُوهُمْ فِي أَكْل الْمَيْتَة بِمَا ذَكَرْنَا عَنْهُمْ مِنْ جِدَالهمْ إِيَّاهُمْ بِهِ , وَأَمْره إِيَّاهُمْ بِطَاعَةِ مُؤْمِن مِنْهُمْ كَانَ كَافِرًا , فَهَدَاهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِرُشْدِهِ وَوَفَّقَهُ لِلْإِيمَانِ , فَقَالَ لَهُمْ : إِطَاعَة مَنْ كَانَ مَيْتًا , يَقُول : مَنْ كَانَ كَافِرًا . فَجَعَلَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِانْصِرَافِهِ عَنْ طَاعَته وَجَهْله بِتَوْحِيدِهِ وَشَرَائِع دِينه وَتَرْكه الْأَخْذ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْعَمَل لِلَّهِ بِمَا يُؤَدِّيه إِلَى نَجَاته , بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّت الَّذِي لَا يَنْفَع نَفْسه بِنَافِعَةٍ وَلَا يَدْفَع عَنْهَا مِنْ مَكْرُوه نَازِلَة { فَأَحْيَيْنَاهُ } يَقُول : فَهَدَيْنَاهُ لِلْإِسْلَامِ , فَأَنْعَشْنَاهُ , فَصَارَ يَعْرِف مَضَارّ نَفْسه وَمَنَافِعهَا , وَيَعْمَل فِي خَلَاصهَا مِنْ سَخَط اللَّه وَعِقَابه فِي مَعَاده , فَجَعَلَ إِبْصَاره الْحَقّ تَعَالَى ذِكْرُهُ بَعْد عَمَاهُ عَنْهُ وَمَعْرِفَته بِوَحْدَانِيِّتِهِ وَشَرَائِع دِينه بَعْد جَهْله بِذَلِكَ حَيَاة وَضِيَاء يَسْتَضِيء بِهِ , فَيَمْشِي عَلَى قَصْد السَّبِيل وَمَنْهَج الطَّرِيق فِي النَّاس . { كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَات } لَا يَدْرِي كَيْف يَتَوَجَّه وَأَيّ طَرِيق يَأْخُذ لِشِدَّةِ ظُلْمَة اللَّيْل وَإِضْلَاله الطَّرِيق , فَكَذَلِكَ هَذَا الْكَافِر الضَّالّ فِي ظُلُمَات الْكُفْر لَا يُبْصِر رُشْدًا وَلَا يَعْرِف حَقًّا , يَعْنِي فِي ظُلُمَات الْكُفْر . يَقُول : أَفَطَاعَة هَذَا الَّذِي هَدَيْنَاهُ لِلْحَقِّ وَبَصَّرْنَاهُ الرَّشَاد كَطَاعَةِ مَنْ مَثَلُهُ مَثَل مَنْ هُوَ فِي الظُّلُمَات مُتَرَدِّد لَا يَعْرِف الْمَخْرَج مِنْهَا فِي دُعَاء هَذَا إِلَى تَحْرِيم مَا حَرَّمَ اللَّه وَتَحْلِيل مَا أَحَلَّ وَتَحْلِيل هَذَا مَا حَرَّمَ اللَّه وَتَحْرِيمه مَا أَحَلَّ ؟ . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا مَعْرُوفَيْنِ , أَحَدُهُمَا مُؤْمِن , وَالْآخَر كَافِر . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيهِمَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : أَمَّا الَّذِي كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَاهُ اللَّه فَعُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ; وَأَمَّا الَّذِي مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَات لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا : فَأَبُو جَهْل بْن هِشَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 0772 1 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُلَيْمَان بْن أَبِي هَوْذَة , عَنْ شُعَيْب السَّرَّاج , عَنْ أَبِي سِنَان عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاس } قَالَ : عُمَر بْن الْخَطَّاب { كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَات } قَالَ : أَبُو جَهْل بْن هِشَام . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْمَيْت الَّذِي أَحْيَاهُ اللَّه عَمَّار بْن يَاسِر ; وَأَمَّا الَّذِي مَثَله فِي الظُّلُمَات لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا : فَأَبُو جَهْل بْن هِشَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10773 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ بِشْر بْن تَيْم , عَنْ رَجُل , عَنْ عِكْرِمَة : { مَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاس } قَالَ : نَزَلَتْ فِي عَمَّار بْن يَاسِر . 10774 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ بِشْر , عَنْ تَيْم , عَنْ عِكْرِمَة : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاس } عَمَّار بْن يَاسِر . { كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَات } أَبُو جَهْل بْن هِشَام . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي الْآيَة قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10775 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ } قَالَ : ضَالًّا فَهَدَيْنَاهُ , { وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي لِلنَّاسِ } قَالَ : هُدًى , { كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَات لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا } قَالَ : فِي الضَّلَالَة أَبَدًا . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ } هَدَيْنَاهُ , { وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاس كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَات } فِي الضَّلَالَة أَبَدًا . 10776 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ } قَالَ : ضَالًّا فَهَدَيْنَاهُ . 10777 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ } يَعْنِي : مَنْ كَانَ كَافِرًا فَهَدَيْنَاهُ , { وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاس } يَعْنِي بِالنُّورِ : الْقُرْآن مَنْ صَدَّقَ بِهِ وَعَمِلَ بِهِ , { كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَات } يَعْنِي بِالظُّلُمَاتِ : الْكُفْر وَالضَّلَالَة . - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاس } يَقُول : الْهُدَى يَمْشِي بِهِ فِي النَّاس , يَقُول : فَهُوَ الْكَافِر يَهْدِيه اللَّه لِلْإِسْلَامِ , يَقُول : كَانَ مُشْرِكًا فَهَدَيْنَاهُ , { كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَات لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا } . 10778 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ } هَذَا الْمُؤْمِن مَعَهُ مِنْ اللَّه نُور وَبَيِّنَة يَعْمَل بِهَا وَيَأْخُذ وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي , كِتَاب اللَّه . { كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَات لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا } وَهَذَا مَثَل الْكَافِر فِي الضَّلَالَة مُتَحَيِّر فِيهَا مُتَسَكِّع , لَا يَجِد مَخْرَجًا وَلَا مَنْفَذًا . 10779 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاس } يَقُول : مَنْ كَانَ كَافِرًا فَجَعَلْنَاهُ مُسْلِمًا وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاس وَهُوَ الْإِسْلَام , يَقُول : هَذَا كَمَنْ هُوَ فِي الظُّلُمَات , يَعْنِي الشِّرْك . 10780 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاس } قَالَ : الْإِسْلَام الَّذِي هَدَاهُ اللَّه إِلَيْهِ . { كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَات } لَيْسَ مِنْ أَهْل الْإِسْلَام . وَقَرَأَ : { اللَّه وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجهُمْ مِنْ الظُّلُمَات إِلَى النُّور } 2 257 قَالَ : وَالنُّور يَسْتَضِيء بِهِ مَا فِي بَيْته وَيُبْصِرهُ , وَكَذَلِكَ الَّذِي آتَاهُ اللَّه هَذَا النُّور يَسْتَضِيء بِهِ فِي دِينه وَيَعْمَل بِهِ فِي نُوره كَمَا يَسْتَضِيء صَاحِب هَذَا السِّرَاج . قَالَ : { كَمَنْ مَثَله فِي الظُّلُمَات } لَا يَدْرِي مَا يَأْتِي وَلَا مَا يَقَع عَلَيْهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : كَمَا خَذَلْت هَذَا الْكَافِر الَّذِي يُجَادِلُكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله فِي أَكْل مَا حَرَّمْت عَلَيْكُمْ مِنْ الْمَطَاعِم عَنْ الْحَقّ , فَزَيَّنْت لَهُ سُوء عَمَله , فَرَآهُ حَسَنًا لِيَسْتَحِقّ بِهِ مَا أَعْدَدْت لَهُ مِنْ أَلِيم الْعِقَاب , كَذَلِكَ زَيَّنْت لِغَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ عَلَى مِثْل مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْر بِاَللَّهِ وَآيَاته مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ مِنْ مَعَاصِي اللَّه , لِيَسْتَوْجِبُوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلهمْ مَا لَهُمْ عِنْد رَبّهمْ مِنْ النَّكَال . وَفِي هَذَا أَوْضَحُ الْبَيَان عَلَى تَكْذِيب اللَّه الزَّاعِمِينَ أَنَّ اللَّه فَوَّضَ الْأُمُور إِلَى خَلْقه فِي أَعْمَالهمْ فَلَا صُنْع لَهُ فِي أَفْعَالهمْ , وَأَنَّهُ قَدْ سَوَّى بَيْن جَمِيعهمْ فِي الْأَسْبَاب الَّتِي بِهَا يَصِلُونَ إِلَى الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا , لَكَانَ قَدْ زَيَّنَ لِأَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ مِنْ الضَّلَالَة وَالْكُفْر نَظِيرَ مَا زَيَّنَ مِنْ ذَلِكَ لِأَعْدَائِهِ وَأَهْل الْكُفْر بِهِ . وَزَيَّنَ لِأَهْلِ الْكُفْر بِهِ مِنْ الْإِيمَان بِهِ نَظِير الَّذِي زَيَّنَ مِنْهُ لِأَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ . وَفِي إِخْبَارِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ زَيَّنَ لِكُلِّ عَامِل مِنْهُمْ عَمَله مَا يُنْبِئ عَنْ تَزْيِين الْكُفْر وَالْفُسُوق وَالْعِصْيَان , وَخَصَّ أَعْدَاءَهُ وَأَهْل الْكُفْر بِتَزْيِينِ الْكُفْر لَهُمْ وَالْفُسُوق وَالْعِصْيَان , وَكَرَّهَ إِلَيْهِمْ الْإِيمَان بِهِ وَالطَّاعَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : كَمَا خَذَلْت هَذَا الْكَافِر الَّذِي يُجَادِلُكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله فِي أَكْل مَا حَرَّمْت عَلَيْكُمْ مِنْ الْمَطَاعِم عَنْ الْحَقّ , فَزَيَّنْت لَهُ سُوء عَمَله , فَرَآهُ حَسَنًا لِيَسْتَحِقّ بِهِ مَا أَعْدَدْت لَهُ مِنْ أَلِيم الْعِقَاب , كَذَلِكَ زَيَّنْت لِغَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ عَلَى مِثْل مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْر بِاَللَّهِ وَآيَاته مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ مِنْ مَعَاصِي اللَّه , لِيَسْتَوْجِبُوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلهمْ مَا لَهُمْ عِنْد رَبّهمْ مِنْ النَّكَال . وَفِي هَذَا أَوْضَحُ الْبَيَان عَلَى تَكْذِيب اللَّه الزَّاعِمِينَ أَنَّ اللَّه فَوَّضَ الْأُمُور إِلَى خَلْقه فِي أَعْمَالهمْ فَلَا صُنْع لَهُ فِي أَفْعَالهمْ , وَأَنَّهُ قَدْ سَوَّى بَيْن جَمِيعهمْ فِي الْأَسْبَاب الَّتِي بِهَا يَصِلُونَ إِلَى الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا , لَكَانَ قَدْ زَيَّنَ لِأَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ مِنْ الضَّلَالَة وَالْكُفْر نَظِيرَ مَا زَيَّنَ مِنْ ذَلِكَ لِأَعْدَائِهِ وَأَهْل الْكُفْر بِهِ . وَزَيَّنَ لِأَهْلِ الْكُفْر بِهِ مِنْ الْإِيمَان بِهِ نَظِير الَّذِي زَيَّنَ مِنْهُ لِأَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ . وَفِي إِخْبَارِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ زَيَّنَ لِكُلِّ عَامِل مِنْهُمْ عَمَله مَا يُنْبِئ عَنْ تَزْيِين الْكُفْر وَالْفُسُوق وَالْعِصْيَان , وَخَصَّ أَعْدَاءَهُ وَأَهْل الْكُفْر بِتَزْيِينِ الْكُفْر لَهُمْ وَالْفُسُوق وَالْعِصْيَان , وَكَرَّهَ إِلَيْهِمْ الْإِيمَان بِهِ وَالطَّاعَة .
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَكَمَا زَيَّنَّا لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ , كَذَلِكَ جَعَلْنَا بِكُلِّ قَرْيَة عُظَمَاءَهَا مُجْرِمِيهَا , يَعْنِي : أَهْل الشِّرْك بِاَللَّهِ وَالْمَعْصِيَة لَهُ ; { لِيَمْكُرُوا فِيهَا } بِغُرُورٍ مِنْ الْقَوْل أَوْ بِبَاطِلٍ مِنْ الْفِعْل بِدِينِ اللَّه وَأَنْبِيَائِهِ . { وَمَا يَمْكُرُونَ } : أَيْ مَا يَحِيق مَكْرهمْ ذَلِكَ , { إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ } , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ مِنْ وَرَاء عُقُوبَتهمْ عَلَى صَدِّهِمْ عَنْ سَبِيله . وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ , يَقُول : لَا يَدْرُونَ مَا قَدْ أَعَدَّ اللَّه لَهُمْ مِنْ أَلِيم عَذَابه , فَهُمْ فِي غَيّهمْ وَعُتُوّهُمْ عَلَى اللَّه يَتَمَادَوْنَ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10781 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { أَكَابِر مُجْرِمِيهَا } قَالَ : عُظَمَاءَهَا . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 10782 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { أَكَابِر مُجْرِمِيهَا } قَالَ : عُظَمَاءَهَا . 10783 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة : نَزَلَتْ فِي الْمُسْتَهْزِئِينَ . قَالَ اِبْن جُرَيْج : عَنْ عَمْرو , عَنْ عَطَاء , عَنْ عِكْرِمَة : { أَكَابِر مُجْرِمِيهَا } . . . إِلَى قَوْله : { بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ } بِدِينِ اللَّه وَبِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَعِبَاده الْمُؤْمِنِينَ . وَالْأَكَابِر : جَمْع أَكْبَر , كَمَا الْأَفَاضِل : جَمْع أَفْضَل . وَلَوْ قِيلَ : هُوَ جَمْع كَبِير , فَجُمِعَ أَكَابِر , لِأَنَّهُ قَدْ يُقَال أَكْبَر , كَمَا قِيلَ : { قُلْ هَلْ أُنَبِّئكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا } 18 103 وَاحِدهمْ الْخَاسِر لَكَانَ صَوَابًا . وَحُكِيَ عَنْ الْعَرَب سَمَاعًا : الْأَكَابِرَة وَالْأَصَاغِرَة , وَالْأَكَابِر وَالْأَصَاغِر بِغَيْرِ الْهَاء عَلَى نِيَّة النَّعْت , كَمَا يُقَال : هُوَ أَفْضَل مِنْك . وَكَذَلِكَ تَفْعَل الْعَرَب بِمَا جَاءَ مِنْ النُّعُوت عَلَى " أَفْعَل " إِذَا أَخْرَجُوهَا إِلَى الْأَسْمَاء , مِثْل جَمْعِهِمْ الْأَحْمَر وَالْأَسْوَد : الْأَحَامِر وَالْأَحَامِرَة , وَالْأَسَاوِد وَالْأَسَاوِدَة ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : إِنَّ الْأَحَامِرَة الثَّلَاثَة أَهْلَكَتْ مَالِي وَكُنْت بِهِنَّ قِدْمًا مُولَعَا الْخَمْرُ وَاللَّحْمُ السَّمِينُ أَدِيمُهُ وَالزَّعْفَرَانُ فَلَنْ أَزَالَ مُبَقَّعَا وَأَمَّا الْمَكْر : فَإِنَّهُ الْخَدِيعَة وَالِاحْتِيَال لِلْمَمْكُورِ بِهِ بِالْقَدْرِ لِيُوَرِّطهُ الْمَاكِر بِهِ مَكْرُوهًا مِنْ الْأَمْر .
وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَة قَالُوا لَنْ نُؤْمِن حَتَّى نُؤْتَى مِثْل مَا أُوتِيَ رُسُل اللَّه اللَّه أَعْلَم حَيْثُ يَجْعَل رِسَالَته } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَإِذَا جَاءَتْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِزُخْرُفِ الْقَوْل فِيمَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه { آيَة } يَعْنِي : حُجَّة مِنْ اللَّه عَلَى صِحَّة مَا جَاءَهُمْ بِهِ مُحَمَّد مِنْ عِنْد اللَّه وَحَقِيقَته , قَالُوا لِنَبِيِّ اللَّه وَأَصْحَابه : { لَنْ نُؤْمِن } يَقُول : يَقُولُونَ : لَنْ نُصَدِّق بِمَا دَعَانَا إِلَيْهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْإِيمَان بِهِ , وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ تَحْرِيم مَا ذَكَرَ أَنَّ اللَّه حَرَّمَهُ عَلَيْنَا ; { حَتَّى نُؤْتَى } يَعْنُونَ : حَتَّى يُعْطِيَهُمْ اللَّه مِنْ الْمُعْجِزَات مِثْل الَّذِي أَعْطَى مُوسَى مِنْ فَلْق الْبَحْر , وَعِيسَى مِنْ إِحْيَاء الْمَوْتَى وَإِبْرَاء الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَص . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : { اللَّه أَعْلَم حَيْثُ يَجْعَل رِسَالَته } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَنَّ آيَات الْأَنْبِيَاء وَالرُّسُل لَمْ يُعْطَهَا مِنْ الْبَشَر إِلَّا رَسُول مُرْسَل , وَلَيْسَ الْعَادِلُونَ بِرَبِّهِمْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام مِنْهُمْ فَيَعْطُوهَا . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَأَنَا أَعْلَم بِمَوَاضِع رِسَالَاتِي وَمَنْ هُوَ لَهَا أَهْل , فَلَيْسَ لَكُمْ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ أَنْ تَتَخَيَّرُوا ذَلِكَ عَلَيَّ أَنْتُمْ , لِأَنَّ تَخَيُّرَ الرَّسُول إِلَى الْمُرْسِلِ دُون الْمُرْسَلِ إِلَيْهِ , وَاَللَّه أَعْلَم إِذَا أَرْسَلَ رِسَالَة بِمَوْضِعِ رِسَالَاته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَار عِنْد اللَّه وَعَذَاب شَدِيد بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مُعَلِّمهُ مَا هُوَ صَانِع بِهَؤُلَاءِ الْمُتَمَرِّدِينَ عَلَيْهِ : سَيُصِيبُ يَا مُحَمَّد الَّذِي اِكْتَسَبُوا الْإِثْم بِشِرْكِهِمْ بِاَللَّهِ وَعِبَادَتهمْ غَيْره { صَغَار } يَعْنِي : ذِلَّة وَهَوَان . كَمَا : 10784 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَار عِنْد اللَّه } قَالَ : الصَّغَار : الذِّلَّة . وَهُوَ مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : صَغِرَ يَصْغَر صَغَارًا وَصَغَرًا , وَهُوَ أَشَدّ الذُّلّ . وَأَمَّا قَوْله : { صَغَار عِنْد اللَّه } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : سَيُصِيبُهُمْ صَغَار مِنْ عِنْد اللَّه , كَقَوْلِ الْقَائِل : سَيَأْتِينِي رِزْقِي عِنْد اللَّه , بِمَعْنَى : مِنْ عِنْد اللَّه , يُرَاد بِذَلِكَ : سَيَأْتِينِي الَّذِي لِي عِنْد اللَّه . وَغَيْر جَائِز لِمَنْ قَالَ : " سَيُصِيبُهُمْ صَغَار عِنْد اللَّه " أَنْ يَقُول : " جِئْت عِنْد عَبْد اللَّه " بِمَعْنَى : جِئْت مِنْ عِنْد عَبْد اللَّه , لِأَنَّ مَعْنَى " سَيُصِيبُهُمْ صَغَار عِنْد اللَّه " : سَيُصِيبُهُمْ الَّذِي عِنْد اللَّه مِنْ الذُّلّ بِتَكْذِيبِهِمْ رَسُولَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَظِيرِ " جِئْت مِنْ عِنْد عَبْد اللَّه " . وَقَوْله : { وَعَذَاب شَدِيد بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ } يَقُول : يُصِيب هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله الْمُسْتَحِلِّينَ مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ الْمَيْتَة مَعَ الصَّغَار , عَذَاب شَدِيد بِمَا كَانُوا يَكِيدُونَ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْله بِالْجِدَالِ بِالْبَاطِلِ وَالزُّخْرُف مِنْ الْقَوْل غُرُورًا لِأَهْلِ دِين اللَّه وَطَاعَته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَار عِنْد اللَّه وَعَذَاب شَدِيد بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مُعَلِّمهُ مَا هُوَ صَانِع بِهَؤُلَاءِ الْمُتَمَرِّدِينَ عَلَيْهِ : سَيُصِيبُ يَا مُحَمَّد الَّذِي اِكْتَسَبُوا الْإِثْم بِشِرْكِهِمْ بِاَللَّهِ وَعِبَادَتهمْ غَيْره { صَغَار } يَعْنِي : ذِلَّة وَهَوَان . كَمَا : 10784 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَار عِنْد اللَّه } قَالَ : الصَّغَار : الذِّلَّة . وَهُوَ مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : صَغِرَ يَصْغَر صَغَارًا وَصَغَرًا , وَهُوَ أَشَدّ الذُّلّ . وَأَمَّا قَوْله : { صَغَار عِنْد اللَّه } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : سَيُصِيبُهُمْ صَغَار مِنْ عِنْد اللَّه , كَقَوْلِ الْقَائِل : سَيَأْتِينِي رِزْقِي عِنْد اللَّه , بِمَعْنَى : مِنْ عِنْد اللَّه , يُرَاد بِذَلِكَ : سَيَأْتِينِي الَّذِي لِي عِنْد اللَّه . وَغَيْر جَائِز لِمَنْ قَالَ : " سَيُصِيبُهُمْ صَغَار عِنْد اللَّه " أَنْ يَقُول : " جِئْت عِنْد عَبْد اللَّه " بِمَعْنَى : جِئْت مِنْ عِنْد عَبْد اللَّه , لِأَنَّ مَعْنَى " سَيُصِيبُهُمْ صَغَار عِنْد اللَّه " : سَيُصِيبُهُمْ الَّذِي عِنْد اللَّه مِنْ الذُّلّ بِتَكْذِيبِهِمْ رَسُولَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَظِيرِ " جِئْت مِنْ عِنْد عَبْد اللَّه " . وَقَوْله : { وَعَذَاب شَدِيد بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ } يَقُول : يُصِيب هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله الْمُسْتَحِلِّينَ مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ الْمَيْتَة مَعَ الصَّغَار , عَذَاب شَدِيد بِمَا كَانُوا يَكِيدُونَ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْله بِالْجِدَالِ بِالْبَاطِلِ وَالزُّخْرُف مِنْ الْقَوْل غُرُورًا لِأَهْلِ دِين اللَّه وَطَاعَته .
فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : { فَمَنْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يَهْدِيَهُ } لِلْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّه فَيُوَفِّقهُ لَهُ , { يَشْرَح صَدْره لِلْإِيمَانِ } يَقُول : فَسَحَ صَدْرَهُ لِذَلِكَ وَهَوَّنَهُ عَلَيْهِ وَسَهَّلَهُ لَهُ بِلُطْفِهِ وَمَعُونَته , حَتَّى يَسْتَنِير الْإِسْلَام فِي قَلْبه , فَيُضِيء لَهُ وَيَتَّسِع لَهُ صَدْره بِالْقَبُولِ . كَاَلَّذِي جَاءَ الْأَثَر بِهِ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , الَّذِي : 10785 - حَدَّثَنَا سِوَار بْن عَبْد اللَّه الْعَنْبَرِيّ , قَالَ : ثَنَا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت أَبِي يُحَدِّث , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُرَّة , عَنْ أَبِي جَعْفَر , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { فَمَنْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْره لِلْإِسْلَامِ } قَالُوا : كَيْف يُشْرَح الصَّدْر ؟ قَالَ : " إِذَا نَزَلَ النُّور فِي الْقَلْب اِنْشَرَحَ لَهُ الصَّدْر وَانْفَسَحَ " . قَالُوا : فَهَلْ لِذَلِكَ آيَة يُعْرَف بِهَا ؟ قَالَ : " نَعَمْ , الْإِنَابَة إِلَى دَار الْخُلُود , وَالتَّجَافِي عَنْ دَار الْغُرُورِ , وَالِاسْتِعْدَاد لِلْمَوْتِ قَبْل الْفَوْتِ " . 10786 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ عَمْرو بْن قَيْس , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ أَبِي جَعْفَر , قَالَ : سُئِلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَس ؟ قَالَ : " أَكْثَرهمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا , وَأَحْسَنهمْ لِمَا بَعْده اِسْتِعْدَادًا " . قَالَ : وَسُئِلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { فَمَنْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْره لِلْإِسْلَامِ } قَالُوا : كَيْف يُشْرَح صَدْره يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : " نُور يُقْذَفُ فِيهِ فَيَنْشَرِح لَهُ وَيَنْفَسِح " قَالُوا : فَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ أَمَارَة يُعْرَف بِهَا ؟ قَالَ : " الْإِنَابَة إِلَى دَار الْخُلُود , و التَّجَافِي عَنْ دَار الْغُرُور , وَالِاسْتِعْدَاد لِلْمَوْتِ قَبْل الْفَوْت " . - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثَنَا قَبِيصَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ رَجُل يُكَنَّى , أَبَا جَعْفَر كَانَ يَسْكُن الْمَدَائِن , قَالَ : سُئِلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْله : { فَمَنْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْره لِلْإِسْلَامِ } قَالَ : " نُورٌ يُقْذَفُ فِي الْقَلْب فَيَنْشَرِح وَيَنْفَسِخ " . قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , هَلْ لَهُ مِنْ أَمَارَة يُعْرَف بِهَا ؟ ثُمَّ ذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيث مِثْله . 10787 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْعَلَاء , قَالَ : ثَنَا سَعِيد بْن عَبْد الْمَلِك بْن وَاقِد الْحَرَّانِيّ , قَالَ : قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن سَلَمَة , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحِيم , عَنْ زَيْد بْن أَبِي أُنَيْسَة , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , قَالَ : قِيلَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { فَمَنْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْره لِلْإِسْلَامِ } ؟ قَالَ : " إِذَا دَخَلَ النُّور الْقَلْب اِنْفَسَحَ وَانْشَرَحَ " قَالُوا : فَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ أَمَارَة يُعْرَف بِهَا ؟ قَالَ : " الْإِنَابَة إِلَى دَار الْخُلُود , وَالتَّنَحِّي عَنْ دَار الْغُرُور , وَالِاسْتِعْدَاد لِلْمَوْتِ قَبْل الْمَوْت " . - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن الرَّبِيع الرَّازِيّ , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ خَالِد بْن أَبِي كَرِيمَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْمِسْوَر , قَالَ : قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { فَمَنْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْره لِلْإِسْلَامِ } ثُمَّ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا دَخَلَ النُّورُ الْقَلْبَ اِنْفَسَحَ وَانْشَرَحَ " . قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , وَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ عَلَامَة تُعْرَف ؟ قَالَ : " نَعَمْ , الْإِنَابَة إِلَى دَار الْخُلُود , وَالتَّجَافِي عَنْ دَار الْغُرُور , وَالِاسْتِعْدَاد لِلْمَوْتِ قَبْل نُزُول الْمَوْت " . - حَدَّثَنِي اِبْن سِنَان الْقَزَّاز , قَالَ : ثَنَا مَحْبُوب بْن حَسَن الْهَاشِمِيّ , عَنْ يُونُس , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : { فَمَنْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْره لِلْإِسْلَامِ } قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , وَكَيْف يُشْرَح صَدْره ؟ قَالَ : " يُدْخَل فِيهِ النُّور فَيَنْفَسِحُ " . قَالُوا : وَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ عَلَامَة يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : " التَّجَافِي عَنْ دَار الْغُرُور , وَالْإِنَابَة إِلَى دَار الْخُلُود , وَالِاسْتِعْدَاد لِلْمَوْتِ قَبْل أَنْ يَنْزِل الْمَوْت " . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10788 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَمَنْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْره لِلْإِسْلَامِ } أَمَّا يَشْرَح صَدْره لِلْإِسْلَامِ : فَيُوَسِّع صَدْره لِلْإِسْلَامِ . 10789 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { فَمَنْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْره لِلْإِسْلَامِ } بِـ " لَا إِلَه إِلَّا اللَّه " . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن جُرَيْج قِرَاءَة : { فَمَنْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْره لِلْإِسْلَامِ } بِـ " لَا إِلَه إِلَّا اللَّه " يَجْعَل لَهَا فِي صَدْره مُتَّسَعًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَل صَدْره ضَيِّقًا حَرَجًا } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَمَنْ أَرَادَ اللَّه إِضْلَاله عَنْ سَبِيل الْهُدَى يُشْغِلهُ بِكُفْرِهِ وَصَدِّهِ عَنْ سَبِيله , وَيَجْعَل صَدْره بِخِذْلَانِهِ وَغَلَبَة الْكُفْر عَلَيْهِ حَرَجًا . وَالْحَرَج : أَشَدّ الضِّيق , وَهُوَ الَّذِي لَا يَنْفُذ مِنْ شِدَّة ضِيقه , وَهُوَ هَهُنَا الصَّدْر الَّذِي لَا تَصِلُ إِلَيْهِ الْمَوْعِظَة وَلَا يَدْخُلُهُ نُور الْإِيمَان لِرَيْنِ الشِّرْك عَلَيْهِ . وَأَصْله مِنْ الْحَرَج , وَالْحَرَج جَمْع حَرَجَة : وَهِيَ الشَّجَرَة الْمُلْتَفّ بِهَا الْأَشْجَار , لَا يَدْخُل بَيْنهَا وَبَيْنهَا شَيْء لِشِدَّةِ اِلْتِفَافهَا بِهَا . كَمَا : 10790 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثَنَا هُشَيْم , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن عَمَّار رَجُل مِنْ أَهْل الْيَمَن , عَنْ أَبِي الصَّلْت الثَّقَفِيّ : أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلّهُ يَجْعَل صَدْره ضَيِّقًا حَرَجًا } بِنَصَبِ الرَّاء . قَالَ : وَقَرَأَ بَعْض مَنْ عِنْده مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ضَيِّقًا حَرِجًا " . قَالَ صَفْوَان : فَقَالَ عُمَر : اِبْغُونِي رَجُلًا مِنْ كِنَانَة وَاجْعَلُوهُ رَاعِيًا , وَلْيَكُنْ مُدْلِجِيًّا ! قَالَ : فَأَتَوْهُ بِهِ , فَقَالَ لَهُ عُمَر : يَا فَتَى مَا الْحَرَجَة ؟ قَالَ : الْحَرَجَة فِينَا : الشَّجَرَة تَكُون بَيْن الْأَشْجَار الَّتِي لَا تَصِل إِلَيْهَا رَاعِيَة وَلَا وَحْشِيَّة وَلَا شَيْء . قَالَ : فَقَالَ عُمَر : كَذَلِكَ قَلْب الْمُنَافِق لَا يَصِل إِلَيْهِ شَيْء مِنْ الْخَيْر . 10791 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَل صَدْره ضَيِّقًا حَرَجًا } يَقُول : مَنْ أَرَادَ اللَّه أَنْ يُضِلَّهُ يُضَيِّق عَلَيْهِ صَدْره حَتَّى يَجْعَل الْإِسْلَام عَلَيْهِ ضَيِّقًا , وَالْإِسْلَامُ وَاسِعٌ , وَذَلِكَ حِين يَقُول : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّين مِنْ حَرَج } يَقُول : مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الْإِسْلَام مِنْ ضِيق . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : شَاكًّا . ذِكْر مِنْ قَالَ ذَلِكَ : 10792 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْوَارِث بْن سَعِيد , قَالَ : ثَنَا ثَنِي , عَنْ مُجَاهِد : { ضَيِّقًا حَرَجًا } قَالَ : شَاكًّا . 10793 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { ضَيِّقًا حَرَجًا } أَمَّا حَرَجًا : فَشَاكًّا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : مُلْتَبِسًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10794 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { يَجْعَل صَدْره ضَيِّقًا حَرَجًا } قَالَ : ضَيِّقًا : مُلْتَبِسًا . - حَدَّثَنَا عَبْد الْوَارِث بْن عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ الْحَسَن , عَنْ قَتَادَة أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : { ضَيِّقًا حَرَجًا } يَقُول : مُلْتَبِسًا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ أَنَّهُ مِنْ شِدَّة الضِّيق لَا يَصِل إِلَيْهِ الْإِيمَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10795 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي عَمْرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { يَجْعَل صَدْره ضَيِّقًا حَرَجًا } قَالَ : لَا يَجِد مَسْلَكًا إِلَّا صُعُدًا . 10796 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ : { ضَيِّقًا حَرَجًا } قَالَ : لَيْسَ لِلْخَيْرِ فِيهِ مَنْفَذ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ مَعْمَر , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ مِثْله . 10797 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَل صَدْره ضَيِّقًا حَرَجًا } بِلَا إِلَه إِلَّا اللَّه لَا يَجِد لَهَا فِي صَدْره مَسَاغًا . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن جُرَيْج قِرَاءَة , فِي قَوْله : { وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَل صَدْره ضَيِّقًا } بِلَا إِلَه إِلَّا اللَّه , حَتَّى لَا يَسْتَطِيع أَنْ تَدْخُلَهُ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : { ضَيِّقًا حَرَجًا } بِفَتْحِ الْحَاء وَالرَّاء مِنْ { حَرَجًا } , وَهِيَ قِرَاءَة عَامَّة الْمَكِّيِّينَ وَالْعِرَاقِيِّينَ , بِمَعْنَى : حَرَجَة عَلَى مَا وَصَفْت . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة : " ضَيِّقًا حَرِجًا " بِفَتْحِ الْحَاء وَكَسْر الرَّاء . ثُمَّ اِخْتَلَفَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ فِي مَعْنَاهُ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ بِمَعْنَى الْحَرَج , وَقَالُوا : الْحَرَج بِفَتْحِ الْحَاء وَالرَّاء , وَالْحَرِج بِفَتْحِ الْحَاء وَكَسْر الرَّاء بِمَعْنًى وَاحِد , وَهُمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ , مِثْل الدَّنَف وَالدَّنِف , وَالْوَحَد وَالْوَحِد , وَالْفَرَد وَالْفَرِد . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ هُوَ بِمَعْنَى الْإِثْم مِنْ قَوْلهمْ : فُلَان آثِم حَرِج . وَذُكِرَ عَنْ الْعَرَب سَمَاعًا مِنْهَا : حَرِج عَلَيْك ظُلْمِي , بِمَعْنَى : ضَيِّق وَإِثْم . وَالْقَوْل عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَلُغَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد , وَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَهُوَ مُصِيب لِاتِّفَاقِ مَعْنَيَيْهِمَا , وَذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الرِّوَايَات عَنْ الْعَرَب فِي الْوَحَد وَالْفَرَد بِفَتْحِ الْحَاء مِنْ الْوَحَد وَالرَّاء مِنْ الْفَرَد وَكَسْرهمَا بِمَعْنًى وَاحِد . وَأَمَّا الضَّيِّق , فَإِنَّ عَامَّة الْقُرَّاء عَلَى فَتْح ضَادِهِ وَتَشْدِيد يَائِهِ , خَلَا بَعْض الْمَكِّيِّينَ فَإِنَّهُ قَرَأَهُ : " ضَيْقًا " بِفَتْحِ الضَّاد وَتَسْكِينَ الْيَاء وَتَخْفِيفه . وَقَدْ يَتَّجِهُ لِتَسْكِينِهِ ذَلِكَ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون سَكَّنَهُ وَهُوَ يَنْوِي مَعْنَى التَّحْرِيك وَالتَّشْدِيد , كَمَا قِيلَ : هَيْن لَيْن , بِمَعْنَى : هَيِّن لَيِّن . وَالْآخَر أَنْ يَكُون سَكَّنَهُ بِنِيَّةِ الْمَصْدَر مِنْ قَوْلهمْ : ضَاقَ هَذَا الْأَمْر يَضِيق ضَيْقًا , كَمَا قَالَ رُؤْبَة : وَقَدْ عَلِمْنَا عِنْدَ كُلِّ مَأْزِقِ ضَيِّقٍ بِوَجْهِ الْأَمْرِ أَيَّ مَضْيَقِ وَمِنْهُ قَوْل اللَّه : { وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ } 16 127 . وَقَالَ رُؤْبَة أَيْضًا : وَشَفَّهَا اللَّوْح بِمَأْزُولٍ ضَيَقْ بِمَعْنَى : ضَيْق . وَحُكِيَ عَنْ الْكِسَائِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقُول : الضَّيِّق بِالْكَسْرِ : فِي الْمَعَاش وَالْمَوْضِع , وَفِي الْأَمْر الضَّيْق . وَفِي هَذِهِ الْآيَة أَبْيَن الْبَيَان لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهَا عَنْ أَنَّ السَّبَب الَّذِي بِهِ تُوُصِّلَ إِلَى الْإِيمَان وَالطَّاعَة غَيْرُ السَّبَب الَّذِي بِهِ تُوُصِّلَ إِلَى الْكُفْر وَالْمَعْصِيَة , وَأَنَّ كِلَا السَّبَبَيْنِ مِنْ عِنْد اللَّه ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسه أَنَّهُ يَشْرَحُ صَدْر مَنْ أَرَادَ هِدَايَته لِلْإِسْلَامِ , وَيَجْعَل صَدْر مَنْ أَرَادَ إِضْلَاله ضَيِّقًا عَنْ الْإِسْلَام حَرَجًا , كَأَنَّمَا يَصَّعَّد فِي السَّمَاء . وَمَعْلُوم أَنَّ شَرْح الصَّدْر لِلْإِيمَانِ خِلَاف تَضْيِيقه لَهُ , وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ تُوُصِّلَ بِتَضْيِيقِ الصَّدْر عَنْ الْإِيمَان إِلَيْهِ لَمْ يَكُنْ بَيْن تَضْيِيقه عَنْهُ وَبَيْن شَرْحه لَهُ فَرْق , وَلَكَانَ مَنْ ضُيِّقَ صَدْره عَنْ الْإِيمَان قَدْ شُرِحَ صَدْره لَهُ وَمَنْ شُرِحَ صَدْره لَهُ فَقَدْ ضُيِّقَ عَنْهُ , إِذْ كُنَّ مَوْصُولًا بِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا , أَعْنِي مِنْ التَّضْيِيق وَالشَّرْح إِلَى مَا يُوصَل بِهِ إِلَى الْآخَر . وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَجَبَ أَنْ يَكُون اللَّه قَدْ كَانَ شَرَحَ صَدْر أَبِي جَهْل لِلْإِيمَانِ بِهِ وَضَيَّقَ صَدْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ ; وَهَذَا الْقَوْل مِنْ أَعْظَم الْكُفْر بِاَللَّهِ . وَفِي فَسَاد ذَلِكَ أَنْ يَكُون كَذَلِكَ الدَّلِيل الْوَاضِح عَلَى أَنَّ السَّبَب الَّذِي بِهِ آمَنَ الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَرُسُله وَأَطَاعَهُ الْمُطِيعُونَ , غَيْر السَّبَب الَّذِي كَفَرَ بِهِ الْكَافِرُونَ بِاَللَّهِ وَعَصَاهُ الْعَاصُونَ , وَأَنَّ كِلَا السَّبَبَيْنِ مِنْ عِنْد اللَّه وَبِيَدِهِ , لِأَنَّهُ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَشْرَحُ صَدْر هَذَا الْمُؤْمِن بِهِ لِلْإِيمَانِ إِذَا أَرَادَ هِدَايَته , وَيُضَيِّق صَدْر هَذَا الْكَافِر عَنْهُ إِذَا أَرَادَ إِضْلَاله .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَأَنَّمَا يَصَّعَّد فِي السَّمَاء } وَهَذَا مَثَل مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ ضَرَبَهُ لِقَلْبِ هَذَا الْكَافِر فِي شِدَّة تَضْيِيقه إِيَّاهُ عَنْ وُصُوله إِلَيْهِ , مِثْل اِمْتِنَاعه مِنْ الصُّعُود إِلَى السَّمَاء وَعَجْزه عَنْهُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي وُسْعه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10798 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ : { كَأَنَّمَا يَصَّعَّد فِي السَّمَاء } يَقُول : مَثَله كَمَثَلِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيع أَنْ يَصْعَد فِي السَّمَاء . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ مَعْمَر , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , مِثْله . 10799 - وَبِهِ قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن جُرَيْج قِرَاءَة : يَجْعَل صَدْره ضَيِّقًا حَرَجًا بِـ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , حَتَّى لَا يَسْتَطِيع أَنْ تَدْخُلَهُ , كَأَنَّمَا يَصْعَد فِي السَّمَاء مِنْ شِدَّة ذَلِكَ عَلَيْهِ . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , مِثْله . 10800 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { كَأَنَّمَا يَصَّعَّد فِي السَّمَاء } مِنْ ضِيق صَدْره . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْعِرَاق : { كَأَنَّمَا يَصَّعَّد } بِمَعْنَى : يَتَصَعَّد , فَأَدْغَمُوا التَّاء فِي الصَّاد , فَلِذَلِكَ شَدَّدُوا الصَّاد . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض الْكُوفِيِّينَ : " يَصَّاعَد " بِمَعْنَى : يَتَصَاعَد , فَأَدْغَمَ التَّاء فِي الصَّاد وَجَعَلَهَا صَادًا مُشَدَّدَة . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْمَكِّيِّينَ : " كَأَنَّمَا يَصْعَد " مِنْ صَعِدَ يَصْعَد . وَكُلّ هَذِهِ الْقِرَاءَات مُتَقَارِبَات الْمَعَانِي وَبِأَيِّهَا قَرَأَ الْقَارِئ فَهُوَ مُصِيب , غَيْر أَنِّي أَخْتَار الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ بِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ : { كَأَنَّمَا يَصَّعَّد } بِتَشْدِيدِ الصَّاد بِغَيْرِ أَلِف , بِمَعْنَى : يَتَصَعَّد , لِكَثْرَةِ الْقُرَّاء بِهَا , وَلِقِيلِ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : " مَا تَصَّعَّدَنِي شَيْء مَا تَصَعَّدَتْنِي خُطْبَةُ النِّكَاح " .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَذَلِكَ يَجْعَل اللَّه الرِّجْس عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : كَمَا يَجْعَل اللَّه صَدْر مَنْ أَرَادَ إِضْلَاله ضَيِّقًا حَرَجًا , كَأَنَّمَا يَصَّعَّد فِي السَّمَاء مِنْ ضِيقه عَنْ الْإِيمَان , فَيَجْزِيه بِذَلِكَ , كَذَلِكَ يُسَلِّط اللَّه الشَّيْطَان عَلَيْهِ وَعَلَى أَمْثَاله مِمَّنْ أَبَى الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله , فَيُغْوِيه وَيَصُدّهُ عَنْ سَبِيل الْحَقّ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الرِّجْس , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ كُلّ مَا لَا خَيْر فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10801 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الرِّجْس : مَا لَا خَيْر فِيهِ . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَحِيح , عَنْ مُجَاهِد : { يَجْعَل اللَّه الرِّجْس عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } قَالَ : مَا لَا خَيْر فِيهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : الرِّجْس : الْعَذَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10802 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : { كَذَلِكَ يَجْعَل اللَّه الرِّجْس عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } قَالَ : الرِّجْس : عَذَاب اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : الرِّجْس : الشَّيْطَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10803 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { الرِّجْس } قَالَ : الشَّيْطَان . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْمَعْرِفَة بِلُغَاتِ الْعَرَب مِنْ الْكُوفِيِّينَ يَقُول : الرِّجْس وَالنِّجْس لُغَتَانِ . وَيُحْكَى عَنْ الْعَرَب أَنَّهَا تَقُول : مَا كَانَ رِجْسًا , وَلَقَدْ رَجُسَ رَجَاسَة , وَنَجُسَ نَجَاسَة . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرِيِّينَ يَقُول : الرِّجْس وَالرِّجْز سَوَاء , وَهُمَا الْعَذَاب . وَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل عِنْدِي مَا قَالَهُ اِبْن عَبَّاس , وَمَنْ قَالَ : إِنَّ الرِّجْس وَالنِّجْس وَاحِد , لِلْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُول إِذَا دَخَلَ الْخَلَاء : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذ بِك مِنْ الرِّجْس النِّجْس الْخَبِيث الْمُخْبِث الشَّيْطَان الرَّجِيم " . 10804 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْبَخْتَرِيّ الطَّائِيّ , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْمُحَارِبِيّ , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن مُسْلِم , عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَة , عَنْ أَنَس , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ بَيَّنَ هَذَا الْخَبَر أَنَّ الرِّجْس هُوَ النِّجْس الْقَذِر الَّذِي لَا خَيْر فِيهِ , وَأَنَّهُ مِنْ صِفَة الشَّيْطَان .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَل صَدْره ضَيِّقًا حَرَجًا } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَمَنْ أَرَادَ اللَّه إِضْلَاله عَنْ سَبِيل الْهُدَى يُشْغِلهُ بِكُفْرِهِ وَصَدِّهِ عَنْ سَبِيله , وَيَجْعَل صَدْره بِخِذْلَانِهِ وَغَلَبَة الْكُفْر عَلَيْهِ حَرَجًا . وَالْحَرَج : أَشَدّ الضِّيق , وَهُوَ الَّذِي لَا يَنْفُذ مِنْ شِدَّة ضِيقه , وَهُوَ هَهُنَا الصَّدْر الَّذِي لَا تَصِلُ إِلَيْهِ الْمَوْعِظَة وَلَا يَدْخُلُهُ نُور الْإِيمَان لِرَيْنِ الشِّرْك عَلَيْهِ . وَأَصْله مِنْ الْحَرَج , وَالْحَرَج جَمْع حَرَجَة : وَهِيَ الشَّجَرَة الْمُلْتَفّ بِهَا الْأَشْجَار , لَا يَدْخُل بَيْنهَا وَبَيْنهَا شَيْء لِشِدَّةِ اِلْتِفَافهَا بِهَا . كَمَا : 10790 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثَنَا هُشَيْم , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن عَمَّار رَجُل مِنْ أَهْل الْيَمَن , عَنْ أَبِي الصَّلْت الثَّقَفِيّ : أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلّهُ يَجْعَل صَدْره ضَيِّقًا حَرَجًا } بِنَصَبِ الرَّاء . قَالَ : وَقَرَأَ بَعْض مَنْ عِنْده مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ضَيِّقًا حَرِجًا " . قَالَ صَفْوَان : فَقَالَ عُمَر : اِبْغُونِي رَجُلًا مِنْ كِنَانَة وَاجْعَلُوهُ رَاعِيًا , وَلْيَكُنْ مُدْلِجِيًّا ! قَالَ : فَأَتَوْهُ بِهِ , فَقَالَ لَهُ عُمَر : يَا فَتَى مَا الْحَرَجَة ؟ قَالَ : الْحَرَجَة فِينَا : الشَّجَرَة تَكُون بَيْن الْأَشْجَار الَّتِي لَا تَصِل إِلَيْهَا رَاعِيَة وَلَا وَحْشِيَّة وَلَا شَيْء . قَالَ : فَقَالَ عُمَر : كَذَلِكَ قَلْب الْمُنَافِق لَا يَصِل إِلَيْهِ شَيْء مِنْ الْخَيْر . 10791 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَل صَدْره ضَيِّقًا حَرَجًا } يَقُول : مَنْ أَرَادَ اللَّه أَنْ يُضِلَّهُ يُضَيِّق عَلَيْهِ صَدْره حَتَّى يَجْعَل الْإِسْلَام عَلَيْهِ ضَيِّقًا , وَالْإِسْلَامُ وَاسِعٌ , وَذَلِكَ حِين يَقُول : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّين مِنْ حَرَج } يَقُول : مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الْإِسْلَام مِنْ ضِيق . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : شَاكًّا . ذِكْر مِنْ قَالَ ذَلِكَ : 10792 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْوَارِث بْن سَعِيد , قَالَ : ثَنَا ثَنِي , عَنْ مُجَاهِد : { ضَيِّقًا حَرَجًا } قَالَ : شَاكًّا . 10793 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { ضَيِّقًا حَرَجًا } أَمَّا حَرَجًا : فَشَاكًّا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : مُلْتَبِسًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10794 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { يَجْعَل صَدْره ضَيِّقًا حَرَجًا } قَالَ : ضَيِّقًا : مُلْتَبِسًا . - حَدَّثَنَا عَبْد الْوَارِث بْن عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ الْحَسَن , عَنْ قَتَادَة أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : { ضَيِّقًا حَرَجًا } يَقُول : مُلْتَبِسًا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ أَنَّهُ مِنْ شِدَّة الضِّيق لَا يَصِل إِلَيْهِ الْإِيمَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10795 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي عَمْرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { يَجْعَل صَدْره ضَيِّقًا حَرَجًا } قَالَ : لَا يَجِد مَسْلَكًا إِلَّا صُعُدًا . 10796 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ : { ضَيِّقًا حَرَجًا } قَالَ : لَيْسَ لِلْخَيْرِ فِيهِ مَنْفَذ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ مَعْمَر , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ مِثْله . 10797 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَل صَدْره ضَيِّقًا حَرَجًا } بِلَا إِلَه إِلَّا اللَّه لَا يَجِد لَهَا فِي صَدْره مَسَاغًا . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن جُرَيْج قِرَاءَة , فِي قَوْله : { وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَل صَدْره ضَيِّقًا } بِلَا إِلَه إِلَّا اللَّه , حَتَّى لَا يَسْتَطِيع أَنْ تَدْخُلَهُ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : { ضَيِّقًا حَرَجًا } بِفَتْحِ الْحَاء وَالرَّاء مِنْ { حَرَجًا } , وَهِيَ قِرَاءَة عَامَّة الْمَكِّيِّينَ وَالْعِرَاقِيِّينَ , بِمَعْنَى : حَرَجَة عَلَى مَا وَصَفْت . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة : " ضَيِّقًا حَرِجًا " بِفَتْحِ الْحَاء وَكَسْر الرَّاء . ثُمَّ اِخْتَلَفَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ فِي مَعْنَاهُ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ بِمَعْنَى الْحَرَج , وَقَالُوا : الْحَرَج بِفَتْحِ الْحَاء وَالرَّاء , وَالْحَرِج بِفَتْحِ الْحَاء وَكَسْر الرَّاء بِمَعْنًى وَاحِد , وَهُمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ , مِثْل الدَّنَف وَالدَّنِف , وَالْوَحَد وَالْوَحِد , وَالْفَرَد وَالْفَرِد . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ هُوَ بِمَعْنَى الْإِثْم مِنْ قَوْلهمْ : فُلَان آثِم حَرِج . وَذُكِرَ عَنْ الْعَرَب سَمَاعًا مِنْهَا : حَرِج عَلَيْك ظُلْمِي , بِمَعْنَى : ضَيِّق وَإِثْم . وَالْقَوْل عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَلُغَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد , وَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَهُوَ مُصِيب لِاتِّفَاقِ مَعْنَيَيْهِمَا , وَذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الرِّوَايَات عَنْ الْعَرَب فِي الْوَحَد وَالْفَرَد بِفَتْحِ الْحَاء مِنْ الْوَحَد وَالرَّاء مِنْ الْفَرَد وَكَسْرهمَا بِمَعْنًى وَاحِد . وَأَمَّا الضَّيِّق , فَإِنَّ عَامَّة الْقُرَّاء عَلَى فَتْح ضَادِهِ وَتَشْدِيد يَائِهِ , خَلَا بَعْض الْمَكِّيِّينَ فَإِنَّهُ قَرَأَهُ : " ضَيْقًا " بِفَتْحِ الضَّاد وَتَسْكِينَ الْيَاء وَتَخْفِيفه . وَقَدْ يَتَّجِهُ لِتَسْكِينِهِ ذَلِكَ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون سَكَّنَهُ وَهُوَ يَنْوِي مَعْنَى التَّحْرِيك وَالتَّشْدِيد , كَمَا قِيلَ : هَيْن لَيْن , بِمَعْنَى : هَيِّن لَيِّن . وَالْآخَر أَنْ يَكُون سَكَّنَهُ بِنِيَّةِ الْمَصْدَر مِنْ قَوْلهمْ : ضَاقَ هَذَا الْأَمْر يَضِيق ضَيْقًا , كَمَا قَالَ رُؤْبَة : وَقَدْ عَلِمْنَا عِنْدَ كُلِّ مَأْزِقِ ضَيِّقٍ بِوَجْهِ الْأَمْرِ أَيَّ مَضْيَقِ وَمِنْهُ قَوْل اللَّه : { وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ } 16 127 . وَقَالَ رُؤْبَة أَيْضًا : وَشَفَّهَا اللَّوْح بِمَأْزُولٍ ضَيَقْ بِمَعْنَى : ضَيْق . وَحُكِيَ عَنْ الْكِسَائِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقُول : الضَّيِّق بِالْكَسْرِ : فِي الْمَعَاش وَالْمَوْضِع , وَفِي الْأَمْر الضَّيْق . وَفِي هَذِهِ الْآيَة أَبْيَن الْبَيَان لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهَا عَنْ أَنَّ السَّبَب الَّذِي بِهِ تُوُصِّلَ إِلَى الْإِيمَان وَالطَّاعَة غَيْرُ السَّبَب الَّذِي بِهِ تُوُصِّلَ إِلَى الْكُفْر وَالْمَعْصِيَة , وَأَنَّ كِلَا السَّبَبَيْنِ مِنْ عِنْد اللَّه ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسه أَنَّهُ يَشْرَحُ صَدْر مَنْ أَرَادَ هِدَايَته لِلْإِسْلَامِ , وَيَجْعَل صَدْر مَنْ أَرَادَ إِضْلَاله ضَيِّقًا عَنْ الْإِسْلَام حَرَجًا , كَأَنَّمَا يَصَّعَّد فِي السَّمَاء . وَمَعْلُوم أَنَّ شَرْح الصَّدْر لِلْإِيمَانِ خِلَاف تَضْيِيقه لَهُ , وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ تُوُصِّلَ بِتَضْيِيقِ الصَّدْر عَنْ الْإِيمَان إِلَيْهِ لَمْ يَكُنْ بَيْن تَضْيِيقه عَنْهُ وَبَيْن شَرْحه لَهُ فَرْق , وَلَكَانَ مَنْ ضُيِّقَ صَدْره عَنْ الْإِيمَان قَدْ شُرِحَ صَدْره لَهُ وَمَنْ شُرِحَ صَدْره لَهُ فَقَدْ ضُيِّقَ عَنْهُ , إِذْ كُنَّ مَوْصُولًا بِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا , أَعْنِي مِنْ التَّضْيِيق وَالشَّرْح إِلَى مَا يُوصَل بِهِ إِلَى الْآخَر . وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَجَبَ أَنْ يَكُون اللَّه قَدْ كَانَ شَرَحَ صَدْر أَبِي جَهْل لِلْإِيمَانِ بِهِ وَضَيَّقَ صَدْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ ; وَهَذَا الْقَوْل مِنْ أَعْظَم الْكُفْر بِاَللَّهِ . وَفِي فَسَاد ذَلِكَ أَنْ يَكُون كَذَلِكَ الدَّلِيل الْوَاضِح عَلَى أَنَّ السَّبَب الَّذِي بِهِ آمَنَ الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَرُسُله وَأَطَاعَهُ الْمُطِيعُونَ , غَيْر السَّبَب الَّذِي كَفَرَ بِهِ الْكَافِرُونَ بِاَللَّهِ وَعَصَاهُ الْعَاصُونَ , وَأَنَّ كِلَا السَّبَبَيْنِ مِنْ عِنْد اللَّه وَبِيَدِهِ , لِأَنَّهُ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَشْرَحُ صَدْر هَذَا الْمُؤْمِن بِهِ لِلْإِيمَانِ إِذَا أَرَادَ هِدَايَته , وَيُضَيِّق صَدْر هَذَا الْكَافِر عَنْهُ إِذَا أَرَادَ إِضْلَاله .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَأَنَّمَا يَصَّعَّد فِي السَّمَاء } وَهَذَا مَثَل مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ ضَرَبَهُ لِقَلْبِ هَذَا الْكَافِر فِي شِدَّة تَضْيِيقه إِيَّاهُ عَنْ وُصُوله إِلَيْهِ , مِثْل اِمْتِنَاعه مِنْ الصُّعُود إِلَى السَّمَاء وَعَجْزه عَنْهُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي وُسْعه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10798 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ : { كَأَنَّمَا يَصَّعَّد فِي السَّمَاء } يَقُول : مَثَله كَمَثَلِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيع أَنْ يَصْعَد فِي السَّمَاء . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ مَعْمَر , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , مِثْله . 10799 - وَبِهِ قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن جُرَيْج قِرَاءَة : يَجْعَل صَدْره ضَيِّقًا حَرَجًا بِـ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , حَتَّى لَا يَسْتَطِيع أَنْ تَدْخُلَهُ , كَأَنَّمَا يَصْعَد فِي السَّمَاء مِنْ شِدَّة ذَلِكَ عَلَيْهِ . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , مِثْله . 10800 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { كَأَنَّمَا يَصَّعَّد فِي السَّمَاء } مِنْ ضِيق صَدْره . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْعِرَاق : { كَأَنَّمَا يَصَّعَّد } بِمَعْنَى : يَتَصَعَّد , فَأَدْغَمُوا التَّاء فِي الصَّاد , فَلِذَلِكَ شَدَّدُوا الصَّاد . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض الْكُوفِيِّينَ : " يَصَّاعَد " بِمَعْنَى : يَتَصَاعَد , فَأَدْغَمَ التَّاء فِي الصَّاد وَجَعَلَهَا صَادًا مُشَدَّدَة . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْمَكِّيِّينَ : " كَأَنَّمَا يَصْعَد " مِنْ صَعِدَ يَصْعَد . وَكُلّ هَذِهِ الْقِرَاءَات مُتَقَارِبَات الْمَعَانِي وَبِأَيِّهَا قَرَأَ الْقَارِئ فَهُوَ مُصِيب , غَيْر أَنِّي أَخْتَار الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ بِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ : { كَأَنَّمَا يَصَّعَّد } بِتَشْدِيدِ الصَّاد بِغَيْرِ أَلِف , بِمَعْنَى : يَتَصَعَّد , لِكَثْرَةِ الْقُرَّاء بِهَا , وَلِقِيلِ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : " مَا تَصَّعَّدَنِي شَيْء مَا تَصَعَّدَتْنِي خُطْبَةُ النِّكَاح " .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَذَلِكَ يَجْعَل اللَّه الرِّجْس عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : كَمَا يَجْعَل اللَّه صَدْر مَنْ أَرَادَ إِضْلَاله ضَيِّقًا حَرَجًا , كَأَنَّمَا يَصَّعَّد فِي السَّمَاء مِنْ ضِيقه عَنْ الْإِيمَان , فَيَجْزِيه بِذَلِكَ , كَذَلِكَ يُسَلِّط اللَّه الشَّيْطَان عَلَيْهِ وَعَلَى أَمْثَاله مِمَّنْ أَبَى الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله , فَيُغْوِيه وَيَصُدّهُ عَنْ سَبِيل الْحَقّ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الرِّجْس , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ كُلّ مَا لَا خَيْر فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10801 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الرِّجْس : مَا لَا خَيْر فِيهِ . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَحِيح , عَنْ مُجَاهِد : { يَجْعَل اللَّه الرِّجْس عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } قَالَ : مَا لَا خَيْر فِيهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : الرِّجْس : الْعَذَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10802 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : { كَذَلِكَ يَجْعَل اللَّه الرِّجْس عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } قَالَ : الرِّجْس : عَذَاب اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : الرِّجْس : الشَّيْطَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10803 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { الرِّجْس } قَالَ : الشَّيْطَان . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْمَعْرِفَة بِلُغَاتِ الْعَرَب مِنْ الْكُوفِيِّينَ يَقُول : الرِّجْس وَالنِّجْس لُغَتَانِ . وَيُحْكَى عَنْ الْعَرَب أَنَّهَا تَقُول : مَا كَانَ رِجْسًا , وَلَقَدْ رَجُسَ رَجَاسَة , وَنَجُسَ نَجَاسَة . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرِيِّينَ يَقُول : الرِّجْس وَالرِّجْز سَوَاء , وَهُمَا الْعَذَاب . وَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل عِنْدِي مَا قَالَهُ اِبْن عَبَّاس , وَمَنْ قَالَ : إِنَّ الرِّجْس وَالنِّجْس وَاحِد , لِلْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُول إِذَا دَخَلَ الْخَلَاء : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذ بِك مِنْ الرِّجْس النِّجْس الْخَبِيث الْمُخْبِث الشَّيْطَان الرَّجِيم " . 10804 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْبَخْتَرِيّ الطَّائِيّ , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْمُحَارِبِيّ , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن مُسْلِم , عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَة , عَنْ أَنَس , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ بَيَّنَ هَذَا الْخَبَر أَنَّ الرِّجْس هُوَ النِّجْس الْقَذِر الَّذِي لَا خَيْر فِيهِ , وَأَنَّهُ مِنْ صِفَة الشَّيْطَان .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهَذَا صِرَاط رَبّك مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَات لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَهَذَا الَّذِي بَيَّنَّا لَك يَا مُحَمَّد فِي هَذِهِ السُّورَة وَغَيْرهَا مِنْ سُوَر الْقُرْآن , هُوَ صِرَاط رَبّك , يَقُول : طَرِيق رَبّك وَدِينه الَّذِي اِرْتَضَاهُ لِنَفْسِهِ دِينًا وَجَعَلَهُ مُسْتَقِيمًا لَا اِعْوِجَاج فِيهِ , فَاثْبُتْ عَلَيْهِ وَحَرِّمْ مَا حَرَّمْته عَلَيْك وَأَحْلِلْ مَا أَحْلَلْته لَك , فَقَدْ بَيَّنَّا الْآيَات وَالْحُجَج عَلَى حَقِيقَة ذَلِكَ وَصِحَّتَهُ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ , يَقُول : لِمَنْ يَتَذَكَّر مَا اِحْتَجَّ اللَّه بِهِ عَلَيْهِ مِنْ الْآيَات وَالْعِبَر , فَيَعْتَبِر بِهَا . وَخَصَّ بِهَا الَّذِينَ يَتَذَكَّرُونَ , لِأَنَّهُمْ هُمْ أَهْل التَّمْيِيز وَالْفَهْم وَأُولُو الْحِجَا وَالْفَضْل , فَقِيلَ : يَذَّكَّرُونَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10805 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَهَذَا صِرَاط رَبِّك مُسْتَقِيمًا } يَعْنِي بِهِ الْإِسْلَام .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَهُمْ دَار السَّلَام عِنْد رَبّهمْ وَهُوَ وَلِيّهمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ لَهُمْ لِلْقَوْمِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ آيَات اللَّه فَيَعْتَبِرُونَ بِهَا وَيُوقِنُونَ بِدَلَالَتِهَا عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ تَوْحِيد اللَّه , وَمِنْ نُبُوَّة نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَغَيْر ذَلِكَ , فَيُصَدِّقُونَ بِمَا وَصَلُوا بِهَا إِلَى عِلْمِهِ مِنْ ذَلِكَ . وَأَمَّا دَار السَّلَام , فَهِيَ دَار اللَّه الَّتِي أَعَدَّهَا لِأَوْلِيَائِهِ فِي الْآخِرَة جَزَاء لَهُمْ عَلَى مَا أَبْلَوْا فِي الدُّنْيَا فِي ذَات اللَّه وَهِيَ جَنَّتُهُ . وَالسَّلَام : اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى , كَمَا قَالَ السُّدِّيّ . 10806 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لَهُمْ دَار السَّلَام عِنْد رَبّهمْ } اللَّه هُوَ السَّلَام , وَالدَّار : الْجَنَّة . وَأَمَّا قَوْله : { وَهُوَ وَلِيُّهُمْ } فَإِنَّهُ يَقُول : وَاَللَّه نَاصِر هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ يَذْكُرُونَ آيَات اللَّه . { بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } يَعْنِي جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ مِنْ طَاعَة اللَّه , وَيَتَّبِعُونَ رِضْوَانَهُ .
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدْ اِسْتَكْثَرْتُمْ مِنْ الْإِنْس } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ : { وَيَوْم يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا } : وَيَوْم يَحْشُر هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِاَللَّهِ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام وَغَيْرهمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَعَ أَوْلِيَائِهِمْ مِنْ الشَّيَاطِين الَّذِينَ كَانُوا يُوحُونَ إِلَيْهِمْ زُخْرُف الْقَوْل غُرُورًا لِيُجَادِلُوا بِهِ الْمُؤْمِنِينَ , فَيَجْمَعهُمْ جَمِيعًا فِي مَوْقِف الْقِيَامَة . يَقُول لِلْجِنِّ : { يَا مَعْشَر الْجِنّ قَدْ اِسْتَكْثَرْتُمْ مِنْ الْإِنْس } وَحَذَفَ " يَقُول لِلْجِنِّ " مِنْ الْكَلَام اِكْتِفَاء بِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْكَلَام عَلَيْهِ مِنْهُ . وَعَنَى بِقَوْلِهِ : { قَدْ اِسْتَكْثَرْتُمْ مِنْ الْإِنْس } اِسْتَكْثَرْتُمْ مِنْ إِضْلَالهمْ وَإِغْوَائِهِمْ . كَمَا : 10807 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس : قَوْله : { وَيَوْم يَحْشُرهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَر الْجِنّ قَدْ اِسْتَكْثَرْتُمْ مِنْ الْإِنْس } يَعْنِي : أَضْلَلْتُمْ مِنْهُمْ كَثِيرًا . 10808 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { يَا مَعْشَر الْجِنّ قَدْ اِسْتَكْثَرْتُمْ مِنْ الْإِنْس } قَالَ : قَدْ أَضْلَلْتُمْ كَثِيرًا مِنْ الْإِنْس . 10809 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { قَدْ اِسْتَكْثَرْتُمْ مِنْ الْإِنْس } قَالَ : كَثُرَ مَنْ أَغْوَيْتُمْ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 10810 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن : { قَدْ اِسْتَكْثَرْتُمْ مِنْ الْإِنْس } يَقُول : أَضْلَلْتُمْ كَثِيرًا مِنْ الْإِنْس .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنْ الْإِنْس رَبَّنَا اِسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : فَيُجِيب أَوْلِيَاء الْجِنّ مِنْ الْإِنْس , فَيَقُولُونَ : رَبّنَا اِسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ فِي الدُّنْيَا . فَأَمَّا اِسْتِمْتَاع الْإِنْس بِالْجِنِّ , فَكَانَ كَمَا : 10811 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { رَبّنَا اِسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ } قَالَ : كَانَ الرَّجُل فِي الْجَاهِلِيَّة يَنْزِل الْأَرْض فَيَقُول : أَعُوذ بِكَبِيرِ هَذَا الْوَادِي ! فَذَلِكَ اِسْتِمْتَاعُهُمْ , فَاعْتَذَرُوا يَوْم الْقِيَامَة . وَأَمَّا اِسْتِمْتَاع الْجِنّ بِالْإِنْسِ , فَإِنَّهُ كَانَ فِيمَا ذُكِرَ , مَا يَنَال الْجِنّ مِنْ الْإِنْس مِنْ تَعْظِيمهمْ إِيَّاهُمْ فِي اِسْتِعَاذَتِهِمْ بِهِمْ , فَيَقُولُونَ : قَدْ سُدْنَا الْجِنّ وَالْإِنْس .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْت لَنَا } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : قَالُوا : وَبَلَغْنَا الْوَقْت الَّذِي وُقِّتَ لِمَوْتِنَا . وَإِنَّمَا يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا : اِسْتَمْتَعَ بَعْضنَا بِبَعْضٍ أَيَّامَ حَيَاتِنَا إِلَى حَالِ مَوْتِنَا . كَمَا : 10812 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , وَأَمَّا قَوْله : { وَبَلَغْنَا أَجَلنَا الَّذِي أَجَّلْت لَنَا } فَالْمَوْت .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ النَّار مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه إِنَّ رَبّك حَكِيم عَلِيم } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ عَمَّا هُوَ قَائِل لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَحْشُرهُمْ يَوْم الْقِيَامَة مِنْ الْعَادِلِينَ بِهِ فِي الدُّنْيَا الْأَوْثَان وَلِقُرَنَائِهِمْ مِنْ الْجِنّ , فَأُخْرِجَ الْخَبَر عَمَّا هُوَ كَائِن مَخْرَج الْخَبَر عَمَّا كَانَ لِتَقَدُّمِ الْكَلَام قَبْله بِمَعْنَاهُ وَالْمُرَاد مِنْهُ , فَقَالَ : قَالَ اللَّه لِأَوْلِيَاءِ الْجِنّ مِنْ الْإِنْس الَّذِينَ قَدْ تَقَدَّمَ خَبَره عَنْهُمْ : { النَّار مَثْوَاكُمْ } يَعْنِي نَار جَهَنَّم مَثْوَاكُمْ الَّذِي تَثْوُونَ فِيهِ : أَيْ تُقِيمُونَ فِيهِ . وَالْمَثْوَى : هُوَ الْمَفْعَل , مِنْ قَوْلهمْ : ثَوَى فُلَان بِمَكَانِ كَذَا , إِذَا أَقَامَ فِيهِ . { خَالِدِينَ فِيهَا } يَقُول : لَابِثِينَ فِيهَا , { إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه } يَعْنِي : إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه مِنْ قَدْر مُدَّة مَا بَيْن مَبْعَثهمْ مِنْ قُبُورهمْ إِلَى مَصِيرهمْ إِلَى جَهَنَّم , فَتِلْكَ الْمُدَّة الَّتِي اِسْتَثْنَاهَا اللَّه مِنْ خُلُودِهِمْ فِي النَّار . { إِنَّ رَبّك حَكِيم } فِي تَدْبِيره فِي خَلْقه , وَفِي تَصْرِيفه إِيَّاهُمْ فِي مَشِيئَته مِنْ حَال إِلَى حَال وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَفْعَاله . { عَلِيم } بِعَوَاقِب تَدْبِيره إِيَّاهُمْ , وَمَا إِلَيْهِ صَائِر أَمْرهمْ مِنْ خَيْر وَشَرّ . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَتَأَوَّل فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاء أَنَّ اللَّه جَعَلَ أَمْر هَؤُلَاءِ الْقَوْم فِي مَبْلَغ عَذَابه إِيَّاهُمْ إِلَى مَشِيئَته . 10813 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { قَالَ النَّار مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه إِنَّ رَبّك حَكِيم عَلِيم } قَالَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة آيَة لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُم عَلَى اللَّه فِي خَلْقه أَنْ لَا يُنْزِلَهُمْ جَنَّة وَلَا نَارًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنْ الْإِنْس رَبَّنَا اِسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : فَيُجِيب أَوْلِيَاء الْجِنّ مِنْ الْإِنْس , فَيَقُولُونَ : رَبّنَا اِسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ فِي الدُّنْيَا . فَأَمَّا اِسْتِمْتَاع الْإِنْس بِالْجِنِّ , فَكَانَ كَمَا : 10811 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { رَبّنَا اِسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ } قَالَ : كَانَ الرَّجُل فِي الْجَاهِلِيَّة يَنْزِل الْأَرْض فَيَقُول : أَعُوذ بِكَبِيرِ هَذَا الْوَادِي ! فَذَلِكَ اِسْتِمْتَاعُهُمْ , فَاعْتَذَرُوا يَوْم الْقِيَامَة . وَأَمَّا اِسْتِمْتَاع الْجِنّ بِالْإِنْسِ , فَإِنَّهُ كَانَ فِيمَا ذُكِرَ , مَا يَنَال الْجِنّ مِنْ الْإِنْس مِنْ تَعْظِيمهمْ إِيَّاهُمْ فِي اِسْتِعَاذَتِهِمْ بِهِمْ , فَيَقُولُونَ : قَدْ سُدْنَا الْجِنّ وَالْإِنْس .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْت لَنَا } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : قَالُوا : وَبَلَغْنَا الْوَقْت الَّذِي وُقِّتَ لِمَوْتِنَا . وَإِنَّمَا يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا : اِسْتَمْتَعَ بَعْضنَا بِبَعْضٍ أَيَّامَ حَيَاتِنَا إِلَى حَالِ مَوْتِنَا . كَمَا : 10812 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , وَأَمَّا قَوْله : { وَبَلَغْنَا أَجَلنَا الَّذِي أَجَّلْت لَنَا } فَالْمَوْت .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ النَّار مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه إِنَّ رَبّك حَكِيم عَلِيم } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ عَمَّا هُوَ قَائِل لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَحْشُرهُمْ يَوْم الْقِيَامَة مِنْ الْعَادِلِينَ بِهِ فِي الدُّنْيَا الْأَوْثَان وَلِقُرَنَائِهِمْ مِنْ الْجِنّ , فَأُخْرِجَ الْخَبَر عَمَّا هُوَ كَائِن مَخْرَج الْخَبَر عَمَّا كَانَ لِتَقَدُّمِ الْكَلَام قَبْله بِمَعْنَاهُ وَالْمُرَاد مِنْهُ , فَقَالَ : قَالَ اللَّه لِأَوْلِيَاءِ الْجِنّ مِنْ الْإِنْس الَّذِينَ قَدْ تَقَدَّمَ خَبَره عَنْهُمْ : { النَّار مَثْوَاكُمْ } يَعْنِي نَار جَهَنَّم مَثْوَاكُمْ الَّذِي تَثْوُونَ فِيهِ : أَيْ تُقِيمُونَ فِيهِ . وَالْمَثْوَى : هُوَ الْمَفْعَل , مِنْ قَوْلهمْ : ثَوَى فُلَان بِمَكَانِ كَذَا , إِذَا أَقَامَ فِيهِ . { خَالِدِينَ فِيهَا } يَقُول : لَابِثِينَ فِيهَا , { إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه } يَعْنِي : إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه مِنْ قَدْر مُدَّة مَا بَيْن مَبْعَثهمْ مِنْ قُبُورهمْ إِلَى مَصِيرهمْ إِلَى جَهَنَّم , فَتِلْكَ الْمُدَّة الَّتِي اِسْتَثْنَاهَا اللَّه مِنْ خُلُودِهِمْ فِي النَّار . { إِنَّ رَبّك حَكِيم } فِي تَدْبِيره فِي خَلْقه , وَفِي تَصْرِيفه إِيَّاهُمْ فِي مَشِيئَته مِنْ حَال إِلَى حَال وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَفْعَاله . { عَلِيم } بِعَوَاقِب تَدْبِيره إِيَّاهُمْ , وَمَا إِلَيْهِ صَائِر أَمْرهمْ مِنْ خَيْر وَشَرّ . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَتَأَوَّل فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاء أَنَّ اللَّه جَعَلَ أَمْر هَؤُلَاءِ الْقَوْم فِي مَبْلَغ عَذَابه إِيَّاهُمْ إِلَى مَشِيئَته . 10813 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { قَالَ النَّار مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه إِنَّ رَبّك حَكِيم عَلِيم } قَالَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة آيَة لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُم عَلَى اللَّه فِي خَلْقه أَنْ لَا يُنْزِلَهُمْ جَنَّة وَلَا نَارًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْض الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل { نُوَلِّي } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : نَحْمِل بَعْضهمْ لِبَعْض وَلِيًّا عَلَى الْكُفْر بِاَللَّهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10814 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : ثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْض الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } وَإِنَّمَا يُوَلِّي اللَّه بَيْن النَّاس بِأَعْمَالِهِمْ . فَالْمُؤْمِن وَلِيّ الْمُؤْمِن أَيًّا كَانَ وَحَيْثُ كَانَ , وَالْكَافِر وَلِيّ الْكَافِر أَيْنَمَا كَانَ وَحَيْثُمَا كَانَ . لَيْسَ الْإِيمَان بِالتَّمَنِّي وَلَا بِالتَّحَلِّي . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : نُتْبِعُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا فِي النَّار ; مِنْ الْمُوَالَاة , وَهُوَ الْمُتَابَعَة بَيْن الشَّيْء وَالشَّيْء , مِنْ قَوْل الْقَائِل : وَالَيْت بَيْن كَذَا وَكَذَا : إِذَا تَابَعْت بَيْنَهُمَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10815 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا } فِي النَّار يَتْبَع بَعْضهمْ بَعْضًا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : نُسَلِّط بَعْض الظَّلَمَة عَلَى بَعْض . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10816 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْض الظَّالِمِينَ بَعْضًا } قَالَ : ظَالِمِي الْجِنّ وَظَالِمِي الْإِنْس . وَقَرَأَ : { وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } 43 36 قَالَ : نُسَلِّط ظَلَمَة الْجِنّ عَلَى ظَلَمَة الْإِنْس . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال فِي تَأْوِيل ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : وَكَذَلِكَ نَجْعَل بَعْض الظَّالِمِينَ لِبَعْضٍ أَوْلِيَاء ; لِأَنَّ اللَّه ذَكَرَ قَبْل هَذِهِ الْآيَة مَا كَانَ مِنْ قَوْل الْمُشْرِكِينَ , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنْ الْإِنْس رَبَّنَا اِسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ } , وَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض , ثُمَّ عَقَّبَ خَبَره ذَلِكَ بِخَبَرِهِ عَنْ أَنَّ وِلَايَة بَعْضهمْ بَعْضًا بِتَوْلِيَتِهِ إِيَّاهُمْ , فَقَالَ : وَكَمَا جَعَلْنَا بَعْض هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس أَوْلِيَاء بَعْض يَسْتَمْتِع بَعْضهمْ بِبَعْضٍ , كَذَلِكَ نَجْعَل بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض فِي كُلّ الْأُمُور بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ مِنْ مَعَاصِي اللَّه وَيَعْمَلُونَهُ .
يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّا هُوَ قَائِل يَوْم الْقِيَامَة لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِهِ مِنْ مُشْرِكِي الْإِنْس وَالْجِنّ , يُخْبِر أَنَّهُ يَقُول لَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ يَوْمئِذٍ : { يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُل مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي } يَقُول : يُخْبِرُونَكُمْ بِمَا أُوحِيَ إِلَيْهِمْ مِنْ تَنْبِيهِي إِيَّاكُمْ عَلَى مَوَاضِع حُجَجِي وَتَعْرِيفِي لَكُمْ أَدِلَّتِي عَلَى تَوْحِيدِي , وَتَصْدِيق أَنْبِيَائِي , وَالْعَمَل بِأَمْرِي وَالِانْتِهَاء إِلَى حُدُودِي . { وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمكُمْ هَذَا } يَقُول : يُحَذِّرُونَكُمْ لِقَاء عَذَابِي فِي يَوْمكُمْ هَذَا وَعِقَابِي عَلَى مَعْصِيَتكُمْ إِيَّايَ , فَتَنْتَهُوا عَنْ مَعَاصِيَّ . وَهَذَا مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ تَقْرِيع وَتَوْبِيخ لِهَؤُلَاءِ الْكَفَرَة عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْفُسُوق وَالْمَعَاصِي , وَمَعْنَاهُ : قَدْ أَتَاكُمْ رُسُل مِنْكُمْ يُنَبِّهُونَكُمْ عَلَى خَطَإِ مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ مُقِيمِينَ بِالْحُجَجِ الْبَالِغَة . وَيُنْذِرُونَكُمْ وَعِيدَ اللَّه عَلَى مَقَامكُمْ عَلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ مُقِيمِينَ , فَلَمْ تَقْبَلُوا ذَلِكَ وَلَمْ تَتَذَكَّرُوا وَلَمْ تَعْتَبِرُوا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْجِنّ , هَلْ أُرْسِلَ مِنْهُمْ إِلَيْهِمْ أَمْ لَا ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : قَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ رُسُل كَمَا أُرْسِلَ إِلَى الْإِنْس مِنْهُمْ رُسُل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10817 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سُئِلَ الضَّحَّاك عَنْ الْجِنّ : هَلْ كَانَ فِيهِمْ نَبِيّ قَبْل أَنْ يُبْعَث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ : أَلَمْ تَسْمَع إِلَى قَوْل اللَّه : { يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي } يَعْنِي بِذَلِكَ : رُسُلًا مِنْ الْإِنْس وَرُسُلًا مِنْ الْجِنّ ؟ فَقَالُوا : بَلَى . وَقَالَ آخَرُونَ : لَمْ يُرْسَلْ مِنْهُمْ إِلَيْهِمْ رَسُول , وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ الْجِنّ قَطُّ رَسُولٌ مُرْسَلٌ , وَإِنَّمَا الرُّسُل مِنْ الْإِنْس خَاصَّة . فَأَمَّا مِنْ الْجِنّ فَالنُّذُر . قَالُوا : وَإِنَّمَا قَالَ اللَّه : { أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُل مِنْكُمْ } وَالرُّسُل مِنْ أَحَد الْفَرِيقَيْنِ , كَمَا قَالَ : { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ } 55 19 ثُمَّ قَالَ : { يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤ وَالْمَرْجَان } 55 22 وَإِنَّمَا يَخْرُج اللُّؤْلُؤ وَالْمَرْجَان مِنْ الْمِلْح دُونَ الْعَذْب مِنْهُمَا ; وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ : يَخْرُج مِنْ بَعْضِهِمَا أَوْ مِنْ أَحَدهمَا . قَالَ : وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِل لِجَمَاعَةِ أَدْؤُر إِنَّ فِي هَذِهِ الدُّورِ لَشَرًّا , وَإِنْ كَانَ الشَّرُّ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ , فَيُخْرِج الْخَبَر عَنْ جَمِيعِهِنَّ وَالْمُرَاد بِهِ الْخَبَر عَنْ بَعْضِهِنَّ , وَكَمَا يُقَال : أَكَلْت خُبْزًا وَلَبَنًا : إِذَا اِخْتَلَطَا ; وَلَوْ قِيلَ : أَكَلْت لَبَنًا , كَانَ الْكَلَام خَطَأ ; لِأَنَّ اللَّبَن يُشْرَب وَلَا يُؤْكَل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10818 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُل مِنْكُمْ } قَالَ : جَمَعَهُمْ كَمَا جَمَعَ قَوْله : { وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَة تَلْبَسُونَهَا } 35 12 وَلَا يَخْرُج مِنْ الْأَنْهَار حِلْيَة . قَالَ اِبْن جُرَيْج . قَالَ اِبْن عَبَّاس : هُمْ الْجِنّ لَقَوْا قَوْمَهُمْ , وَهُمْ رُسُل إِلَى قَوْمِهِمْ . فَعَلَى قَوْل اِبْن عَبَّاس هَذَا , أَنَّ مِنْ الْجِنّ رُسُلًا لِلْإِنْسِ إِلَى قَوْمهمْ . فَتَأْوِيل الْآيَة عَلَى هَذَا التَّأْوِيل الَّذِي تَأَوَّلَهُ اِبْن عَبَّاس : أَلَمْ يَأْتِكُمْ أَيّهَا الْجِنّ وَالْإِنْس رُسُل مِنْكُمْ ؟ فَأَمَّا رُسُل الْإِنْس , فَرُسُل مِنْ اللَّه إِلَيْهِمْ ; وَأَمَّا رُسُل الْجِنّ , فَرُسُل رُسُل اللَّه مِنْ بَنِي آدَم , وَهُمْ الَّذِينَ إِذْ سَمِعُوا الْقُرْآن وَلَّوْا إِلَى قَوْمهمْ مُنْذَرِينَ . وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا بِقَوْلِ الضَّحَّاك , فَإِنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أَنَّ مِنْ الْجِنّ رُسُلًا أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ , كَمَا أَخْبَرَ أَنَّ مِنْ الْإِنْس رُسُلًا أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ . قَالُوا : وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُون خَبَره عَنْ رُسُل الْجِنّ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ رُسُل الْإِنْس , جَازَ أَنْ يَكُون خَبَره عَنْ رُسُل الْإِنْس بِمَعْنَى أَنَّهُمْ رُسُل الْجِنّ . قَالُوا : وَفِي فَسَاد هَذَا الْمَعْنَى مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَيْنِ جَمِيعًا بِمَعْنَى الْخَبَر عَنْهُمْ أَنَّهُمْ رُسُل اللَّه ; لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوف فِي الْخِطَاب دُون غَيْره .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاة الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسهمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ } . وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ قَوْل مُشْرِكِي الْجِنّ وَالْإِنْس عِنْد تَقْرِيعِهِ إِيَّاهُمْ بِقَوْلِهِ لَهُمْ { أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُل مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا } أَنَّهُمْ يَقُولُونَ { شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا } بِأَنَّ رُسُلَك قَدْ أَتَتْنَا بِآيَاتِك , وَأَنْذَرَتْنَا لِقَاء يَوْمِنَا هَذَا , فَكَذَّبْنَاهَا وَجَحَدْنَا رِسَالَتهَا , وَلَمْ نَتَّبِع آيَاتِك وَلَمْ نُؤْمِن بِهَا . قَالَ اللَّه خَبَرًا مُبْتَدِأ : وَغَرَّتْ هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِاَللَّهِ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام وَأَوْلِيَاءَهُمْ مِنْ الْجِنّ , { الْحَيَاة الدُّنْيَا } يَعْنِي : زِينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا وَطَلَب الرِّيَاسَة فِيهَا وَالْمُنَافَسَة عَلَيْهَا , أَنْ يُسَلِّمُوا لِأَمْرِ اللَّه فَيُطِيعُوا فِيهَا رُسُلَهُ , فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ . فَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْحَيَاة الدُّنْيَا مِنْ ذِكْر الْمَعَانِي الَّتِي غَرَّتْهُمْ وَخَدَعَتْهُمْ فِيهَا , إِذْ كَانَ فِي ذِكْرِهَا مُكْتَفًى عَنْ ذِكْرِ غَيْرِهَا لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَى مَا تُرِكَ ذِكْرهُ , يَقُول اللَّه تَعَالَى : { وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ } يَعْنِي هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا كَافِرِينَ بِهِ وَبِرُسُلِهِ , لِتَتِمَّ حُجَّة اللَّه عَلَيْهِمْ بِإِقْرَارِهِمْ عَلَى أَنْفُسهمْ بِمَا يُوجِب عَلَيْهِمْ عُقُوبَته وَأَلِيم عَذَابه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاة الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسهمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ } . وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ قَوْل مُشْرِكِي الْجِنّ وَالْإِنْس عِنْد تَقْرِيعِهِ إِيَّاهُمْ بِقَوْلِهِ لَهُمْ { أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُل مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا } أَنَّهُمْ يَقُولُونَ { شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا } بِأَنَّ رُسُلَك قَدْ أَتَتْنَا بِآيَاتِك , وَأَنْذَرَتْنَا لِقَاء يَوْمِنَا هَذَا , فَكَذَّبْنَاهَا وَجَحَدْنَا رِسَالَتهَا , وَلَمْ نَتَّبِع آيَاتِك وَلَمْ نُؤْمِن بِهَا . قَالَ اللَّه خَبَرًا مُبْتَدِأ : وَغَرَّتْ هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِاَللَّهِ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام وَأَوْلِيَاءَهُمْ مِنْ الْجِنّ , { الْحَيَاة الدُّنْيَا } يَعْنِي : زِينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا وَطَلَب الرِّيَاسَة فِيهَا وَالْمُنَافَسَة عَلَيْهَا , أَنْ يُسَلِّمُوا لِأَمْرِ اللَّه فَيُطِيعُوا فِيهَا رُسُلَهُ , فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ . فَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْحَيَاة الدُّنْيَا مِنْ ذِكْر الْمَعَانِي الَّتِي غَرَّتْهُمْ وَخَدَعَتْهُمْ فِيهَا , إِذْ كَانَ فِي ذِكْرِهَا مُكْتَفًى عَنْ ذِكْرِ غَيْرِهَا لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَى مَا تُرِكَ ذِكْرهُ , يَقُول اللَّه تَعَالَى : { وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ } يَعْنِي هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا كَافِرِينَ بِهِ وَبِرُسُلِهِ , لِتَتِمَّ حُجَّة اللَّه عَلَيْهِمْ بِإِقْرَارِهِمْ عَلَى أَنْفُسهمْ بِمَا يُوجِب عَلَيْهِمْ عُقُوبَته وَأَلِيم عَذَابه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّك مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّك مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ } : أَيْ إِنَّمَا أَرْسَلْنَا الرُّسُل يَا مُحَمَّد إِلَى مَنْ وَصَفْت أَمْرَهُ , وَأَعْلَمْتُك خَبَرَهُ مِنْ مُشْرِكِي الْإِنْس وَالْجِنّ يَقُصُّونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَهُمْ لِقَاءَ مَعَادِهِمْ إِلَيَّ , مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَبَّك لَمْ يَكُنْ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ . وَقَدْ يَتَّجِهُ مِنْ التَّأْوِيل فِي قَوْله : " بِظُلْمٍ " وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : { ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّك مُهْلِك الْقُرَى بِظُلْمٍ } : أَيْ بِشِرْك مَنْ أَشْرَكَ , وَكُفْر مَنْ كَفَرَ مِنْ أَهْلهَا , كَمَا قَالَ لُقْمَان : { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم } 31 13 . { وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ } يَقُول : لَمْ يَكُنْ يُعَاجِلُهُمْ بِالْعُقُوبَةِ حَتَّى يَبْعَث إِلَيْهِمْ رُسُلًا تُنَبِّههُمْ عَلَى حُجَج اللَّه عَلَيْهِمْ , وَتُنْذِرُهُمْ عَذَابَ اللَّه يَوْم مَعَادِهِمْ إِلَيْهِ , وَلَمْ يَكُنْ بِاَلَّذِي يَأْخُذُهُمْ غَفْلَة فَيَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِير وَلَا نَذِير . وَالْآخَر : { ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّك مُهْلِك الْقُرَى بِظُلْمٍ } يَقُول : لَمْ يَكُنْ لِيُهْلِكَهُمْ دُون التَّنْبِيه وَالتَّذْكِير بِالرُّسُلِ وَالْآيَات وَالْعِبَر , فَيَظْلِمهُمْ بِذَلِكَ , وَاَللَّه غَيْر ظَلَّام لِلْعَبِيدِ . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي الْقَوْل الْأَوَّل , أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : أَنْ لَمْ يَكُنْ لِيُهْلِكهُمْ بِشِرْكِهِمْ دُون إِرْسَال الرُّسُل إِلَيْهِمْ وَالْإِعْذَار بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ , وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله : { ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّك مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ } عَقِيب قَوْله : { أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُل مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي } فَكَانَ فِي ذَلِكَ الدَّلِيل الْوَاضِح عَلَى أَنَّ نَصَّ قَوْله : { ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّك مُهْلِك الْقُرَى بِظُلْمٍ } إِنَّمَا هُوَ إِنَّمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ مِنْ أَجْل أَنَّا لَا نُهْلِك الْقُرَى بِغَيْرِ تَذْكِير وَتَنْبِيهٍ . وَأَمَّا قَوْله : { ذَلِكَ } فَإِنَّهُ يَجُوز أَنْ يَكُون نَصْبًا , بِمَعْنَى : فَعَلْنَا ذَلِكَ , وَيَجُوز أَنْ يَكُون رَفْعًا بِمَعْنَى الِابْتِدَاء , كَأَنَّهُ قَالَ : ذَلِكَ كَذَلِكَ . وَأَمَّا " أَنْ " فَإِنَّهَا فِي مَوْضِع نَصْب بِمَعْنَى : فَعَلْنَا ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّك مُهْلِكَ الْقُرَى , فَإِذَا حُذِفَ مَا كَانَ يَخْفِضهَا تَعَلَّقَ بِهَا الْفِعْل فَنُصِبَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِكُلٍّ دَرَجَات مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبّك بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَلِكُلِّ عَامِل فِي طَاعَة اللَّه أَوْ مَعْصِيَته مَنَازِلُ وَمَرَاتِبُ مِنْ عَمَلِهِ , يُبَلِّغهُ اللَّه إِيَّاهَا , وَيُثِيبهُ بِهَا , إِنْ خَيْرًا فَخَيْرًا وَإِنْ شَرًّا فَشَرًّا . { وَمَا رَبّك بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَكُلّ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِهِمْ يَا مُحَمَّد بِعِلْمٍ مِنْ رَبّك يُحْصِيهَا وَيُثْبِتُهَا لَهُمْ عِنْدَهُ لِيُجَازِيَهُمْ عَلَيْهَا عِنْد لِقَائِهِمْ إِيَّاهُ وَمَعَادِهِمْ إِلَيْهِ .
وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَرَبُّك الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَرَبُّك يَا مُحَمَّد الَّذِي أَمَرَ عِبَاده بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَنَهَاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ وَأَثَابَهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ وَعَاقَبَهُمْ عَلَى الْمَعْصِيَة , الْغَنِيُّ عَنْ عِبَادِهِ , الَّذِينَ أَمَرَهُمْ بِمَا أَمَرَ وَنَهَاهُمْ عَمَّا نَهَى , وَعَنْ أَعْمَالِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُ , وَهُمْ الْمُحْتَاجُونَ إِلَيْهِ , لِأَنَّهُ بِيَدِهِ حَيَاتُهُمْ وَمَمَاتُهُمْ وَأَرْزَاقُهُمْ وَأَقْوَاتُهُمْ وَنَفْعُهُمْ وَضَرُّهُمْ , يَقُول عَزَّ ذِكْره : فَلَمْ أَخْلُقْهُمْ يَا مُحَمَّد وَلَمْ آمُرْهُمْ بِمَا أَمَرْتهمْ بِهِ وَأَنْهَهُمْ عَمَّا نَهَيْتهمْ عَنْهُ , لِحَاجَةٍ لِي إِلَيْهِمْ وَلَا إِلَى أَعْمَالِهِمْ , وَلَكِنْ لِأَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِرَحْمَتِي وَأُثِيبَهُمْ عَلَى إِحْسَانِهِمْ إِنْ أَحْسَنُوا , فَإِنِّي ذُو الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ . وَأَمَّا قَوْله : { إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ } فَإِنَّهُ يَقُول : إِنْ يَشَأْ رَبُّك يَا مُحَمَّد الَّذِي خَلَقَ خَلْقَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ مِنْهُ إِلَيْهِمْ وَإِلَى طَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ { يُذْهِبْكُمْ } يَقُول : يُهْلِك خَلْقَهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ خَلَقَهُمْ مِنْ وَلَدِ آدَم { وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ } يَقُول : وَيَأْتِ بِخَلْقٍ غَيْرِكُمْ , وَأُمَمٍ سِوَاكُمْ يَخْلُفُونَكُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِكُمْ , يَعْنِي : مِنْ بَعْدِ فَنَائِكُمْ وَهَلَاكِكُمْ . { كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ } كَمَا أَحَدَثكُمْ وَابْتَدَعَكُمْ مِنْ بَعْد خَلْق آخَرِينَ كَانُوا قَبْلكُمْ . وَمَعْنَى " مِنْ " فِي هَذَا الْمَوْضِع : التَّعْقِيب , كَمَا يُقَال فِي الْكَلَام أَعْطَيْتُك مِنْ دِينَارك ثَوْبًا , بِمَعْنَى : مَكَان الدِّينَار ثَوْبًا , لَا أَنَّ الثَّوْب مِنْ الدِّينَار بَعْض , كَذَلِكَ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِقَوْلِهِ : { كَمَا أَنْشَأَكُمْ } لَمْ يُرَدْ بِإِخْبَارِهِمْ هَذَا الْخَبَر أَنَّهُمْ أُنْشِئُوا مِنْ أَصْلَاب قَوْم آخَرِينَ , وَلَكِنْ مَعْنَى ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُمْ أُنْشِئُوا مَكَان خَلْق خَلْف قَوْم آخَرِينَ قَدْ هَلَكُوا قَبْلهمْ . وَالذُّرِّيَّة مِنْ قَوْل الْقَائِل : ذَرَأَ اللَّه الْخَلْق , بِمَعْنَى خَلَقَهُمْ فَهُوَ يَذَرُهُمْ , ثُمَّ تُرِكَ الْهَمْزَة فَقِيلَ : ذَرَا اللَّه , ثُمَّ أَخْرَجَ الْفُعِّيلَة بِغَيْرِ هَمْزٍ عَلَى مِثَال الْعُلِّيَّة . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْض الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : " مِنْ ذَرِيئَة قَوْم آخَرِينَ " عَلَى مِثَال فَعِيلَة . وَعَنْ آخَر أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : " وَمِنْ ذُرْيَة " عَلَى مِثَال عُلْيَة . وَالْقِرَاءَة الَّتِي عَلَيْهَا الْقُرَّاء فِي الْأَمْصَار : { ذُرِّيَّة } بِضَمِّ الذَّال وَتَشْدِيد الْيَاء عَلَى مِثَال عُلِّيَّة . وَقَدْ بَيَّنَّا اِشْتِقَاق ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته هَهُنَا . وَأَصْل الْإِنْشَاء : الْإِحْدَاث , يُقَال : قَدْ أَنْشَأَ فُلَان يُحْدِث الْقَوْم , بِمَعْنَى : اِبْتَدَأَ وَأَخَذَ فِيهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ : أَيّهَا الْعَادِلُونَ بِاَللَّهِ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , إِنَّ الَّذِي يُوعِدكُمْ بِهِ رَبُّكُمْ مِنْ عِقَابه عَلَى إِصْرَاركُمْ عَلَى كُفْركُمْ وَاقِع بِكُمْ { وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ } , يَقُول : لَنْ تُعْجِزُوا رَبَّكُمْ هَرَبًا مِنْهُ فِي الْأَرْض فَتَفُوتُوهُ , لِأَنَّكُمْ حَيْثُ كُنْتُمْ فِي قَبْضَتِهِ , وَهُوَ عَلَيْكُمْ وَعَلَى عُقُوبَتِكُمْ بِمَعْصِيَتِكُمْ إِيَّاهُ قَادِر , يَقُول : فَاحْذَرُوهُ , وَأَنِيبُوا إِلَى طَاعَته قَبْل نُزُول الْبَلَاء بِكُمْ .
قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ يَا قَوْم اِعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِل فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِقَوْمِك مِنْ قُرَيْش , الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر : { اِعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتكُمْ } يَقُول : اِعْمَلُوا عَلَى حِيَالكُمْ وَنَاحِيَتكُمْ . كَمَا : 10819 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُد , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { يَا قَوْم اِعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتكُمْ } يَعْنِي عَلَى نَاحِيَتكُمْ . يُقَال مِنْهُ : هُوَ يَعْمَل عَلَى مَكَانَته وَمَكِينَته . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض الْكُوفِيِّينَ : " عَلَى مَكَانَاتِكُمْ " عَلَى جَمْع الْمَكَانَة . وَاَلَّذِي عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار : { عَلَى مَكَانَتِكُمْ } عَلَى التَّوْحِيد . { إِنِّي عَامِل } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ : قُلْ لَهُمْ : اِعْمَلُوا مَا أَنْتُمْ عَامِلُونَ , فَإِنِّي عَامِل مَا أَنَا عَامِله مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ رَبِّي . { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } يَقُول : فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ عِنْد نُزُول نِقْمَة اللَّه بِكُمْ , أَيُّنَا كَانَ الْمُحِقّ فِي عَمَله وَالْمُصِيب سَبِيل الرَّشَاد , أَنَا أَمْ أَنْتُمْ ؟ وَقَوْله تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ : قُلْ لِقَوْمِك { يَا قَوْم اِعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتكُمْ } أَمْر مِنْهُ لَهُ بِوَعِيدِهِمْ وَتَهْدِيدهمْ , لَا إِطْلَاق لَهُمْ فِي عَمَل مَا أَرَادُوا مِنْ مَعَاصِي اللَّه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَنْ تَكُون لَهُ عَاقِبَة الدَّار إِنَّهُ لَا يُفْلِح الظَّالِمُونَ } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { مَنْ تَكُون لَهُ عَاقِبَة الدَّار } فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أَيّهَا الْكَفَرَة بِاَللَّهِ عِنْد مُعَايَنَتكُمْ الْعَذَاب , مَنْ الَّذِي تَكُون لَهُ عَاقِبَة الدَّار مِنَّا وَمِنْكُمْ , يَقُول : مَنْ الَّذِي يَعْقُب دُنْيَاهُ مَا هُوَ خَيْر لَهُ مِنْهَا أَوْ شَرّ مِنْهَا بِمَا قَدَّمَ فِيهَا مِنْ صَالِح أَعْمَاله أَوْ سَيِّئِهَا . ثُمَّ اِبْتَدَأَ الْخَبَر جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَقَالَ : { إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } يَقُول : إِنَّهُ لَا يَنْجَحُ وَلَا يَفُوز بِحَاجَتِهِ عِنْد اللَّه مَنْ عَمِلَ بِخِلَافِ مَا أَمَرَهُ اللَّه بِهِ مِنْ الْعَمَل فِي الدُّنْيَا , وَذَلِكَ مَعْنَى ظُلْم الظَّالِم فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَفِي " مَنْ " الَّتِي فِي قَوْله : { مَنْ تَكُون لَهُ } وَجْهَانِ مِنْ الْإِعْرَاب : الرَّفْع عَلَى الِابْتِدَاء , وَالنَّصْب بِقَوْلِهِ : { تَعْلَمُونَ } لِإِعْمَالِ الْعِلْم فِيهِ ; وَالرَّفْع فِيهِ أَجْوَد , لِأَنَّ مَعْنَاهُ : فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أَيُّنَا لَهُ عَاقِبَة الدَّار , فَالِابْتِدَاء فِي مَنْ أَصَحُّ وَأَفْصَحُ مِنْ إِعْمَال الْعِلْم فِيهِ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَنْ تَكُون لَهُ عَاقِبَة الدَّار إِنَّهُ لَا يُفْلِح الظَّالِمُونَ } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { مَنْ تَكُون لَهُ عَاقِبَة الدَّار } فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أَيّهَا الْكَفَرَة بِاَللَّهِ عِنْد مُعَايَنَتكُمْ الْعَذَاب , مَنْ الَّذِي تَكُون لَهُ عَاقِبَة الدَّار مِنَّا وَمِنْكُمْ , يَقُول : مَنْ الَّذِي يَعْقُب دُنْيَاهُ مَا هُوَ خَيْر لَهُ مِنْهَا أَوْ شَرّ مِنْهَا بِمَا قَدَّمَ فِيهَا مِنْ صَالِح أَعْمَاله أَوْ سَيِّئِهَا . ثُمَّ اِبْتَدَأَ الْخَبَر جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَقَالَ : { إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } يَقُول : إِنَّهُ لَا يَنْجَحُ وَلَا يَفُوز بِحَاجَتِهِ عِنْد اللَّه مَنْ عَمِلَ بِخِلَافِ مَا أَمَرَهُ اللَّه بِهِ مِنْ الْعَمَل فِي الدُّنْيَا , وَذَلِكَ مَعْنَى ظُلْم الظَّالِم فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَفِي " مَنْ " الَّتِي فِي قَوْله : { مَنْ تَكُون لَهُ } وَجْهَانِ مِنْ الْإِعْرَاب : الرَّفْع عَلَى الِابْتِدَاء , وَالنَّصْب بِقَوْلِهِ : { تَعْلَمُونَ } لِإِعْمَالِ الْعِلْم فِيهِ ; وَالرَّفْع فِيهِ أَجْوَد , لِأَنَّ مَعْنَاهُ : فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أَيُّنَا لَهُ عَاقِبَة الدَّار , فَالِابْتِدَاء فِي مَنْ أَصَحُّ وَأَفْصَحُ مِنْ إِعْمَال الْعِلْم فِيهِ
وَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُواْ هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْث وَالْأَنْعَام نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّه وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِل إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَجَعَلَ هَؤُلَاءِ الْعَادِلُونَ بِرَبِّهِمْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام لِرَبِّهِمْ { مِمَّا ذَرَأَ } خَالِقهمْ , يَعْنِي : مِمَّا خَلَقَ مِنْ الْحَرْث وَالْأَنْعَام , يُقَال مِنْهُ : ذَرَأَ اللَّه الْخَلْق يَذْرَؤُهُمْ ذَرًْأ وَذَرْوًا : إِذَا خَلَقَهُمْ . نَصِيبًا : يَعْنِي قَسْمًا وَجُزْءًا . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة النَّصِيب الَّذِي جَعَلُوا لِلَّهِ وَاَلَّذِي جَعَلُوهُ لِشُرَكَائِهِمْ مِنْ الْأَوْثَان وَالشَّيْطَان , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ ذَلِكَ جُزْءًا مِنْ حُرُوثِهِمْ وَأَنْعَامهمْ يُقَرِّرُونَهُ لِهَذَا . وَجُزْءًا لِهَذَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10820 - حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم بْن حَبِيب بْن الشَّهِيد , قَالَ : ثَنَا عَتَّاب بْن بَشِير , عَنْ خُصَيْف , عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِل إِلَى اللَّه } . . . الْآيَة , قَالَ : كَانُوا إِذَا أَدْخَلُوا الطَّعَام فَجَعَلُوهُ حُزَمًا جَعَلُوا مِنْهَا لِلَّهِ سَهْمًا وَسَهْمًا لِآلِهَتِهِمْ , وَكَانَ إِذَا هَبَّتْ الرِّيح مِنْ نَحْو الَّذِي جَعَلُوهُ لِآلِهَتِهِمْ إِلَى الَّذِي جَعَلُوهُ لِلَّهِ رَدُّوهُ إِلَى الَّذِي جَعَلُوهُ لِآلِهَتِهِمْ ; وَإِذَا هَبَّتْ الرِّيح مِنْ نَحْو الَّذِي جَعَلُوهُ لِلَّهِ إِلَى الَّذِي جَعَلُوهُ لِآلِهَتِهِمْ أَقَرُّوهُ وَلَمْ يَرُدُّوهُ , فَذَلِكَ قَوْله : { سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } . 10821 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْث وَالْأَنْعَام نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا } قَالَ : جَعَلُوا لِلَّهِ مِنْ ثَمَرَاتِهِمْ وَمَالِهِمْ نَصِيبًا لِلشَّيْطَانِ الْأَوْثَان نَصِيبًا , فَإِنْ سَقَطَ مِنْ ثَمَرَة مَا جَعَلُوا لِلَّهِ فِي نَصِيب الشَّيْطَان تَرَكُوهُ . وَإِنْ سَقَطَ مِمَّا جَعَلُوهُ لِلشَّيْطَانِ فِي نَصِيب اللَّه اِلْتَقَطُوهُ وَحَفِظُوهُ وَرَدُّوهُ إِلَى نَصِيب الشَّيْطَان . وَإِنْ اِنْفَجَرَ مِنْ سَقْي مَا جَعَلُوهُ لِلَّهِ فِي نَصِيب الشَّيْطَان تَرَكُوهُ ; وَإِنْ اِنْفَجَرَ مِنْ سَقْي مَا جَعَلُوهُ لِلشَّيْطَانِ فِي نَصِيب اللَّه سَدُّوهُ , فَهَذَا مَا جَعَلُوا مِنْ الْحُرُوث وَسَقْي الْمَاء . وَأَمَّا مَا جَعَلُوا لِلشَّيْطَانِ مِنْ الْأَنْعَام , فَهُوَ قَوْل اللَّه : { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة وَلَا وَصِيلَة وَلَا حَامٍ } 5 103 . - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْث وَالْأَنْعَام نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ } . . . الْآيَة , وَذَلِكَ أَنَّ أَعْدَاء اللَّه كَانُوا إِذَا احْتَرَثُوا حَرْثًا أَوْ كَانَتْ لَهُمْ ثَمَرَة , جَعَلُوا لِلَّهِ مِنْهَا جُزْءًا وَلِلْوَثَنِ جُزْءًا , فَمَا كَانَ مِنْ حَرْث أَوْ ثَمَرَة أَوْ شَيْء مِنْ نَصِيب الْأَوْثَان حَفِظُوهُ وَأَحْصَوْهُ , فَإِنْ سَقَطَ مِنْهُ شَيْء فِيمَا سُمِّيَ لِلَّهِ رَدُّوهُ إِلَى مَا جَعَلُوا لِلْوَثَنِ , وَإِنْ سَبَقَهُمْ الْمَاء إِلَى الَّذِي جَعَلُوهُ لِلْوَثَنِ فَسَقَى شَيْئًا جَعَلُوهُ لِلَّهِ , جَعَلُوا ذَلِكَ لِلْوَثَنِ , وَإِنْ سَقَطَ شَيْء مِنْ الْحَرْث وَالثَّمَرَة الَّتِي جَعَلُوا لِلَّهِ فَاخْتَلَطَ بِاَلَّذِي جَعَلُوا لِلْوَثَنِ , قَالُوا : هَذَا فَقِير , وَلَمْ يَرُدُّوهُ إِلَى مَا جَعَلُوا لِلَّهِ . وَإِنْ سَبَقَهُمْ الْمَاء الَّذِي جَعَلُوا لِلَّهِ فَسَقَى مَا سُمِّيَ لِلْوَثَنِ تَرَكُوهُ لِلْوَثَنِ . وَكَانُوا يُحَرِّمُونَ مِنْ أَنْعَامهمْ : الْبَحِيرَة , وَالسَّائِبَة , وَالْوَصِيلَة , وَالْحَام , فَيَجْعَلُونَهُ لِلْأَوْثَانِ , وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُحَرِّمُونَهُ لِلَّهِ , فَقَالَ اللَّه فِي ذَلِكَ : { وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْث وَالْأَنْعَام نَصِيبًا } . . . الْآيَة . 10822 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْث وَالْأَنْعَام نَصِيبًا } قَالَ : يُسَمُّونَ لِلَّهِ جُزْءًا مِنْ الْحَرْث وَلِشُرَكَائِهِمْ وَأَوْثَانِهِمْ جُزْءًا . فَمَا ذَهَبَتْ بِهِ الرِّيح مِمَّا سَمَّوْا لِلَّهِ إِلَى جُزْء أَوْثَانهمْ تَرَكُوهُ , وَمَا ذَهَبَ مِنْ جُزْء أَوْثَانهمْ إِلَى جُزْء اللَّه رَدُّوهُ وَقَالُوا : اللَّه عَنْ هَذَا غَنِيٌّ . وَالْأَنْعَام : السَّائِبَة وَالْبَحِيرَة الَّتِي سَمَّوْا . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . 10823 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَام نَصِيبًا } . . . الْآيَة , عَمَدَ نَاس مِنْ أَهْل الضَّلَالَة , فَجَزَّءُوا مِنْ حُرُوثِهِمْ وَمَوَاشِيهمْ جُزْءًا لِلَّهِ وَجُزْءًا لِشُرَكَائِهِمْ . وَكَانُوا إِذَا خَالَطَ شَيْء مِمَّا جَزَّءُوا لِلَّهِ فِيمَا جَزَّءُوا لِشُرَكَائِهِمْ خَلَّوْهُ , فَإِذَا خَالَطَ شَيْء مِمَّا جَزَّءُوا لِشُرَكَائِهِمْ فِيمَا جَزَّءُوا لِلَّهِ رَدُّوهُ عَلَى شُرَكَائِهِمْ . وَكَانُوا إِذَا أَصَابَتْهُمْ السَّنَة اِسْتَعَانُوا بِمَا جَزَّءُوا لِلَّهِ وَأَقَرُّوا مَا جَزَّءُوا لِشُرَكَائِهِمْ . قَالَ اللَّه : { سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } . - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْث وَالْأَنْعَام نَصِيبًا } قَالَ : كَانُوا يُجَزِّئُونَ مِنْ أَمْوَالهمْ شَيْئًا , فَيَقُولُونَ : هَذَا لِلَّهِ , وَهَذَا لِلْأَصْنَامِ الَّتِي يَعْبُدُونَ . فَإِذَا ذَهَبَ مَا جَعَلُوا لِشُرَكَائِهِمْ فَخَالَطَ مَا جَعَلُوا لِلَّهِ رَدُّوهُ , وَإِنْ ذَهَبَ مِمَّا جَعَلُوهُ لِلَّهِ فَخَالَطَ شَيْئًا مِمَّا جَعَلُوهُ لِشُرَكَائِهِمْ تَرَكُوهُ . وَإِنْ أَصَابَتْهُمْ سَنَة , أَكَلُوا مَا جَعَلُوا لِلَّهِ وَتَرَكُوا مَا جَعَلُوا لِشُرَكَائِهِمْ , فَقَالَ اللَّه : { سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } . 10824 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْث وَالْأَنْعَام نَصِيبًا } . . . إِلَى . { يَحْكُمُونَ } قَالَ : كَانُوا يَقْسِمُونَ مِنْ أَمْوَالهمْ قَسْمًا فَيَجْعَلُونَهُ لِلَّهِ , وَيَزْرَعُونَ زَرْعًا فَيَجْعَلُونَهُ لِلَّهِ , وَيَجْعَلُونَ لِآلِهَتِهِمْ مِثْل ذَلِكَ , فَمَا خَرَجَ لِلْآلِهَةِ أَنْفَقُوهُ عَلَيْهَا , وَمَا خَرَجَ لِلَّهِ تَصَدَّقُوا بِهِ . فَإِذَا هَلَكَ الَّذِي يَصْنَعُونَ لِشُرَكَائِهِمْ وَكَثُرَ الَّذِي لِلَّهِ , قَالُوا : لَيْسَ بُدّ لِآلِهَتِنَا مِنْ نَفَقَة ! وَأَخَذُوا الَّذِي لِلَّهِ فَأَنْفَقُوهُ عَلَى آلِهَتِهِمْ ; وَإِذَا أَجْدَبَ الَّذِي لِلَّهِ وَكَثُرَ الَّذِي لِآلِهَتِهِمْ , قَالُوا : لَوْ شَاءَ أَزْكَى الَّذِي لَهُ ! فَلَا يَرُدُّونَ عَلَيْهِ شَيْئًا مِمَّا لِلْآلِهَةِ . قَالَ اللَّه : لَوْ كَانُوا صَادِقِينَ فِيمَا قَسَمُوا لَبِئْسَ إِذَا مَا حَكَمُوا أَنْ يَأْخُذُوا مِنِّي وَلَا يُعْطُونِي . فَذَلِكَ حِين يَقُول : { سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } . . . وَقَالَ آخَرُونَ : النَّصِيب الَّذِي كَانُوا يَجْعَلُونَهُ لِلَّهِ فَكَانَ يَصِل مِنْهُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَأْكُلُونَ مَا ذَبَحُوا لِلَّهِ حَتَّى يُسَمُّوا الْآلِهَة , وَكَانُوا مَا ذَبَحُوهُ لِلْآلِهَةِ يَأْكُلُونَهُ وَلَا يُسَمُّونَ اللَّه عَلَيْهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10825 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْث وَالْأَنْعَام نَصِيبًا } . . . حَتَّى بَلَغَ : { وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِل إِلَى شُرَكَائِهِمْ } قَالَ : كُلّ شَيْء جَعَلُوهُ لِلَّهِ مِنْ ذَبْح يَذْبَحُونَهُ لَا يَأْكُلُونَهُ أَبَدًا حَتَّى يَذْكُرُوا مَعَهُ أَسْمَاء الْآلِهَة , وَمَا كَانَ لِلْآلِهَةِ لَمْ يَذْكُرُوا اِسْم اللَّه مَعَهُ . وَقَرَأَ الْآيَة حَتَّى بَلَغَ : { سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ , مَا قَالَ اِبْن عَبَّاس , وَمَنْ قَالَ بِمِثْلِ قَوْله فِي ذَلِكَ , لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لِلَّهِ مِنْ حَرْثهمْ وَأَنْعَامهمْ قَسْمًا مُقَدَّرًا , فَقَالُوا : هَذَا لِلَّهِ , وَجَعَلُوا مِثْله لِشُرَكَائِهِمْ , وَهُمْ أَوْثَانهمْ بِإِجْمَاعِ مِنْ أَهْل التَّأْوِيل عَلَيْهِ , فَقَالُوا : هَذَا لِشُرَكَائِنَا وَإِنَّ نَصِيب شُرَكَائِهِمْ لَا يَصِل مِنْهُ إِلَى اللَّه , بِمَعْنَى : لَا يَصِل إِلَى نَصِيب اللَّه , وَمَا كَانَ لِلَّهِ وَصَلَ إِلَى نَصِيب شُرَكَائِهِمْ . فَلَوْ كَانَ وُصُول ذَلِكَ بِالتَّسْمِيَةِ وَتَرْك التَّسْمِيَة , كَانَ أَعْيَان مَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَصِل جَائِزًا أَنْ تَكُونَ قَدْ وَصَلَتْ , وَمَا أَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ لَمْ يَصِلْ , وَذَلِكَ خِلَاف مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِر الْكَلَام ; لِأَنَّ الذَّبِيحَتَيْنِ تُذْبَح إِحْدَاهُمَا لِلَّهِ وَالْأُخْرَى لِلْآلِهَةِ , جَائِز أَنْ تَكُونَ لُحُومُهُمَا قَدْ اِخْتَلَطَتْ وَخَلَطُوهُمَا , إِذْ كَانَ الْمَكْرُوه عِنْدهمْ تَسْمِيَة اللَّه عَلَى مَا كَانَ مَذْبُوحًا لِلْآلِهَةِ دُون اِخْتِلَاط الْأَعْيَان وَاتِّصَال بَعْضهَا بِبَعْضٍ . وَأَمَّا قَوْله . { سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } فَإِنَّهُ خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ فِعْل هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَقَدْ أَسَاءُوا فِي حُكْمهمْ إِذْ أَخَذُوا مِنْ نَصِيبِي لِشُرَكَائِهِمْ وَلَمْ يُعْطُونِي مِنْ نَصِيب شُرَكَائِهِمْ . وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ الْخَبَر عَنْ جَهْلِهِمْ وَضَلَالَتهمْ وَذَهَابهمْ عَنْ سَبِيل الْحَقّ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَرْضَوْا أَنْ عَدَلُوا بِمَنْ خَلَقَهُمْ وَغَذَّاهُمْ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالنِّعَمِ الَّتِي لَا تُحْصَى مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ , حَتَّى فَضَّلُوهُ فِي إِقْسَامهمْ عِنْد أَنْفُسهمْ بِالْقَسْمِ عَلَيْهِ .
وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّه مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَكَمَا زَيَّنَ شُرَكَاء هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام لَهُمْ مَا زَيَّنُوا لَهُمْ , مِنْ تَصْيِيرهمْ لِرَبِّهِمْ مِنْ أَمْوَالهمْ قَسْمًا بِزَعْمِهِمْ , وَتَرْكهمْ مَا وَصَلَ مِنْ الْقَسْم الَّذِي جَعَلُوهُ لِلَّهِ إِلَى قَسْم شُرَكَائِهِمْ فِي قَسْمهمْ , وَرَدّهمْ مَا وَصَلَ مِنْ الْقَسْم الَّذِي جَعَلُوهُ لِشُرَكَائِهِمْ إِلَى قَسْم نَصِيب اللَّه إِلَى قَسْم شُرَكَائِهِمْ , { كَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ } مِنْ الشَّيَاطِين , فَحَسَّنُوا لَهُمْ وَأْدَ الْبَنَات , { لِيُرْدُوهُمْ } يَقُول : لِيُهْلِكُوهُمْ , { وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ } فَعَلُوا ذَلِكَ بِهِمْ لِيَخْلِطُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ فَيَلْتَبِس , فَيُضِلُّوا وَيَهْلِكُوا بِفِعْلِهِمْ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ اللَّه . وَلَوْ شَاءَ اللَّه أَنْ لَا يَفْعَلُوا مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ مِنْ قَتْلِهِمْ لَمْ يَفْعَلُوهُ , بِأَنْ كَانَ يَهْدِيهِمْ لِلْحَقِّ وَيُوَفِّقهُمْ لِلسَّدَادِ , فَكَانُوا لَا يَقْتُلُونَهُمْ , وَلَكِنَّ اللَّه خَذَلَهُمْ عَنْ الرَّشَاد فَقَتَلُوا أَوْلَادهمْ وَأَطَاعُوا الشَّيَاطِين الَّتِي أَغْوَتْهُمْ . يَقُول اللَّه لِنَبِيِّهِ مُتَوَعِّدًا لَهُمْ عَلَى عَظِيم فِرْيَتِهِمْ عَلَى رَبّهمْ فِيمَا كَانُوا يَقُولُونَ فِي الْأَنْصِبَاء الَّتِي يَقْسِمُونَهَا هَذَا لِلَّهِ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا وَفِي قَتْلِهِمْ أَوْلَادهمْ : ذَرْهُمْ يَا مُحَمَّد وَمَا يَفْتَرُونَ وَمَا يَتَقَوَّلُونَ عَلَيَّ مِنْ الْكَذِب وَالزُّور , فَإِنِّي لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ , وَمِنْ وَرَاء الْعَذَاب وَالْعِقَاب . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10826 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ } : زَيَّنُوا لَهُمْ , مِنْ قَتْل أَوْلَادهمْ . 10827 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { قَتْل أَوْلَادهمْ شُرَكَاؤُهُمْ } شَيَاطِينهمْ يَأْمُرُونَهُمْ أَنْ يَئِدُوا أَوْلَادهمْ خِيفَة الْعَيْلَة . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . 10828 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ } . . . الْآيَة , قَالَ : شُرَكَاؤُهُمْ زَيَّنُوا لَهُمْ ذَلِكَ . { وَلَوْ شَاءَ رَبّك مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } . 10829 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْل أَوْلَادهمْ شُرَكَاؤُهُمْ } قَالَ : شَيَاطِينهمْ الَّتِي عَبَدُوهَا , زَيَّنُوا لَهُمْ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ . 10830 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ } أَمَرَتْهُمْ الشَّيَاطِين أَنْ يَقْتُلُوا الْبَنَات . وَأَمَّا { لِيُرْدُوهُمْ } : فَيُهْلِكُوهُمْ . وَأَمَّا { لِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينهمْ } فَيَخْلِطُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق : { وَكَذَلِكَ زَيَّنَ } بِفَتْحِ الزَّاي مِنْ " زَيَّنَ " { لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ } بِنَصَبِ الْقَتْل , { شُرَكَاؤُهُمْ } بِالرَّفْعِ . بِمَعْنَى أَنَّ شُرَكَاء هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ زَيَّنُوا لَهُمْ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ , فَيَرْفَعُونَ الشُّرَكَاء بِفِعْلِهِمْ , وَيَنْصِبُونَ الْقَتْل لِأَنَّهُ مَفْعُول بِهِ . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء أَهْل الشَّام : " وَكَذَلِكَ زُيِّنَ " بِضَمِّ الزَّاي " لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ " بِالرَّفْعِ " أَوْلَادَهُمْ " بِالنَّصْبِ وَشُرَكَائِهِمْ " بِالْخَفْضِ , بِمَعْنَى : وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ شُرَكَائِهِمْ أَوْلَادَهُمْ . فَفَرَّقُوا بَيْن الْخَافِض وَالْمَخْفُوض بِمَا عَمِلَ فِيهِ مِنْ الْإِثْم , وَذَلِكَ فِي كَلَام الْعَرَب قَبِيح غَيْر فَصِيح . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْض أَهْل الْحِجَاز بَيْت مِنْ الشِّعْر يُؤَيِّد قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِمَا ذَكَرْت مِنْ قِرَاءَة أَهْل الشَّام , رَأَيْت رُوَاة الشِّعْر وَأَهْل الْعِلْم بِالْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْل الْعِرَاق يُنْكِرُونَهُ , وَذَلِكَ قَوْل قَائِلهمْ : فَزَجَجْته مُتَمَكِّنًا زَجَّ الْقُلُوصَ أَبِي مَزَادَهْ وَالْقِرَاءَة الَّتِي لَا أَسَتُجِيزُ غَيْرهَا : { وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ } بِفَتْحِ الزَّاي مِنْ " زَيَّنَ " وَنَصْب " الْقَتْل " بِوُقُوعِ " زَيَّنَ " عَلَيْهِ وَخَفْض " أَوْلَادهمْ " بِإِضَافَةِ " الْقَتْل " إِلَيْهِمْ , وَرَفْع " الشُّرَكَاء " بِفِعْلِهِمْ لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ زَيَّنُوا لِلْمُشْرِكِينَ قَتْل أَوْلَادهمْ عَلَى مَا ذَكَرْت مِنْ التَّأْوِيل . وَإِنَّمَا قُلْت : لَا أَسَتُجِيزُ الْقِرَاءَة بِغَيْرِهَا لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ , وَأَنَّ تَأْوِيل أَهْل التَّأْوِيل بِذَلِكَ وَرَدَ , فَفِي ذَلِكَ أَوْضَحُ الْبَيَان عَلَى فَسَاد مَا خَالَفَهَا مِنْ الْقِرَاءَة . وَلَوْلَا أَنَّ تَأْوِيل جَمِيع أَهْل التَّأْوِيل بِذَلِكَ وَرَدَ ثُمَّ قَرَأَ قَارِئ : " وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلَادِهُمْ شُرَكَائِهِمْ " بِضَمِّ الزَّاي مِنْ " زُيِّنَ " وَرَفْع " الْقَتْل " وَخَفْض " الْأَوْلَاد " " وَالشُّرَكَاء " , عَلَى أَنَّ " الشُّرَكَاء " مَخْفُوضُونَ بِالرَّدِّ عَلَى " الْأَوْلَاد " بِأَنَّ " الْأَوْلَاد " شُرَكَاء آبَائِهِمْ فِي النَّسَب وَالْمِيرَاث كَانَ جَائِزًا . وَلَوْ قَرَأَهُ كَذَلِكَ قَارِئ , غَيْر أَنَّهُ رَفَعَ " الشُّرَكَاء " وَخَفَضَ " الْأَوْلَاد " كَمَا يُقَال : ضُرِبَ عَبْد اللَّه أَخُوك , فَيَظْهَر الْفَاعِل بَعْد أَنْ جَرَى الْخَبَر بِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا فِي الْعَرَبِيَّة جَائِزًا .
وَقَالُواْ هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نَّشَاء بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاء عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَام وَحَرْث حِجْر لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاء بِزَعْمِهِمْ } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَة مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُحَرِّمُونَ وَيُحَلِّلُونَ مِنْ قِبَل أَنْفُسِهِمْ مِنْ غَيْر أَنْ يَكُون اللَّه أَذِنَ لَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْعَادِلُونَ بِرَبِّهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ جَهْلًا مِنْهُمْ , لِأَنْعَامٍ لَهُمْ وَحَرْث : هَذِهِ أَنْعَام , وَهَذَا حَرْث حِجْر , يَعْنِي بِالْأَنْعَامِ وَالْحَرْث مَا كَانُوا جَعَلُوهُ لِلَّهِ وَلِآلِهَتِهِمْ الَّتِي قَدْ مَضَى ذِكْرُهَا فِي الْآيَة قَبْل هَذِهِ . وَقِيلَ : إِنَّ الْأَنْعَام : السَّائِبَة وَالْوَصِيلَة وَالْبَحِيرَة الَّتِي سَمَّوْا . 10831 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : الْأَنْعَام : السَّائِبَة وَالْبَحِيرَة الَّتِي سَمَّوْا . وَالْحِجْر فِي كَلَام الْعَرَب : الْحَرَام , يُقَال : حَجَرْت عَلَى فُلَان كَذَا : أَيْ حَرَّمْت عَلَيْهِ , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه : { وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا } 25 22 . وَمِنْهُ قَوْل الْمُتَلَمِّس : حَنَّتْ إِلَى النَّخْلَةِ الْقُصْوَى فَقُلْت لَهَا حِجْرٌ حَرَامٌ أَلَا ثَمَّ الدَّهَارِيسُ وَقَوْل رُؤْبَة : وَجَارَةُ الْبَيْتِ لَهَا حُجْرِيّ يَعْنِي : الْمَحْرَم . وَمِنْهُ قَوْل الْآخَر : فَبِتّ مُرْتَفِقًا وَالْعَيْنُ سَاهِرَةٌ كَأَنَّ نَوْمِي عَلَيَّ اللَّيْلَ مَحْجُورُ أَيْ حَرَام , يُقَال . حِجْر وَحُجْر , بِكَسْرِ الْحَاء وَضَمِّهَا . وَبِضَمِّهَا كَانَ يَقْرَأ - فِيمَا ذُكِرَ - الْحُسَيْن وَقَتَادَة . 10832 - حَدَّثَنِي عَبْد الْوَارِث بْن عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ الْحُسَيْن , عَنْ قَتَادَة , أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : " وَحَرْث حِجْر " يَقُول : حَرَام , مَضْمُومَة الْحَاء . وَأَمَّا الْقُرَّاء مِنْ الْحِجَاز وَالْعِرَاق وَالشَّام فَعَلَى كَسْرهَا , وَهِيَ الْقِرَاءَة الَّتِي لَا أَسَتُجِيزُ خِلَافهَا لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهَا , وَأَنَّهَا اللُّغَة الْجُودَى مِنْ لُغَات الْعَرَب . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : " وَحَرْث حِرْجٌ " بِالرَّاءِ قَبْل الْجِيم . 10833 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْحَارِث , قَالَ : ثَنِي عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو , عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ . وَهِيَ لُغَة ثَالِثَة مَعْنَاهَا وَمَعْنَى الْحِجْر وَاحِد , وَهَذَا كَمَا قَالُوا : جَذَبَ وَجَبَذَ , وَنَاءَ وَنَأَى , فَفِي الْحِجْر إِذَنْ لُغَات ثَلَاث : " حِجِر " بِكَسْرِ الْحَاء وَالْجِيم قَبْل الرَّاء , " وَحُجُر " بِضَمِّ الْحَاء وَالْجِيم قَبْل الرَّاء , وَ " حِرِج " بِكَسْرِ الْحَاء وَالرَّاء قَبْل الْجِيم . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل الْحِجْر قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10834 - حَدَّثَنِي عِمْرَان بْن مُوسَى الْقَزَّاز , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْوَارِث , عَنْ ثَنِي , عَنْ مُجَاهِد وَأَبِي عَمْرو : { وَحَرْث حِجْر } يَقُول : حَرَام . 10835 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { وَحَرْث حِجْر } فَالْحِجْر . مَا حَرَّمُوا مِنْ الْوَصِيلَة , وَتَحْرِيم مَا حَرَّمُوا . 10836 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَحَرْث حِجْر } قَالَ . حَرَام . 10837 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { هَذِهِ أَنْعَام وَحَرْث حِجْر } . . . الْآيَة , تَحْرِيم كَانَ عَلَيْهِمْ مِنْ الشَّيَاطِين فِي أَمْوَالهمْ وَتَغْلِيظ وَتَشْدِيد , وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ الشَّيَاطِين وَلَمْ يَكُنْ مِنْ اللَّه . 10838 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , أَمَّا قَوْلُهُ : { وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَام وَحَرْث حِجْر } فَيَقُولُونَ : حَرَام أَنْ نُطْعِم إِلَّا مَنْ شِئْنَا . 10839 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { هَذِهِ أَنْعَام وَحَرْث حِجْر } نَحْتَجِرها عَلَى مَنْ نُرِيد وَعَمَّنْ لَا نُرِيد , لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاء بِزَعْمِهِمْ , قَالَ : إِنَّمَا احْتَجَرُوا ذَلِكَ لِآلِهَتِهِمْ , وَقَالُوا : { لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاء بِزَعْمِهِمْ } قَالُوا : نَحْتَجِرُهَا عَنْ النِّسَاء , وَنَجْعَلهَا لِلرِّجَالِ . 10840 - حُدِّثَتْ عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله . { أَنْعَام وَحَرْث حِجْر } أَمَّا حِجْر , يَقُول : مُحَرَّم . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَصْنَعُونَ فِي الْجَاهِلِيَّة أَشْيَاء لَمْ يَأْمُر اللَّه بِهَا , كَانُوا يُحَرِّمُونَ مِنْ أَنْعَامهمْ أَشْيَاء لَا يَأْكُلُونَهَا , وَيَعْزِلُونَ مِنْ حَرْثِهِمْ شَيْئًا مَعْلُومًا لِآلِهَتِهِمْ , وَيَقُولُونَ : لَا يَحِلُّ لَنَا مَا سَمَّيْنَا لِآلِهَتِنَا . 10841 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَا : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { أَنْعَام وَحَرْث حِجْر } مَا جَعَلُوهُ لِلَّهِ وَلِشُرَكَائِهِمْ . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْعَام حُرِّمَتْ ظُهُورهَا وَأَنْعَام لَا يَذْكُرُونَ اِسْم اللَّه عَلَيْهَا اِفْتِرَاء عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَحَرَّمَ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَة مِنْ الْمُشْرِكِينَ , ظُهُور بَعْض أَنْعَامهمْ , فَلَا يَرْكَبُونَ ظُهُورهَا , وَهُمْ يَنْتَفِعُونَ بِرَسْلِهَا وَنَتَاجِهَا , وَسَائِر الْأَشْيَاء مِنْهَا غَيْر ظُهُورهَا لِلرُّكُوبِ . وَحَرَّمُوا مِنْ أَنْعَامِهِمْ أَنْعَامًا أُخَر فَلَا يَحُجُّونَ عَلَيْهَا وَلَا يَذْكُرُونَ اِسْم اللَّه عَلَيْهَا إِنْ رَكِبُوهَا بِحَالٍ وَلَا إِنْ حَلَبُوهَا وَلَا إِنْ حَمَلُوا عَلَيْهَا . وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10842 - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثَنَا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , عَنْ عَاصِم , قَالَ : قَالَ لِي أَبُو وَائِل . أَتَدْرِي مَا أَنْعَام لَا يَذْكُرُونَ اِسْم اللَّه عَلَيْهَا ؟ قَالَ : قُلْت : لَا , قَالَ : أَنْعَام لَا يَحُجُّونَ عَلَيْهَا . - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبَّاد بْن مُوسَى , قَالَ : ثَنَا شَاذَان , قَالَ : ثَنَا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , عَنْ عَاصِم , قَالَ : قَالَ لِي أَبُو وَائِل : أَتَدْرِي مَا قَوْله : { حُرِّمَتْ ظُهُورهَا وَأَنْعَام لَا يَذْكُرُونَ اِسْم اللَّه عَلَيْهَا } ؟ قَالَ : قُلْت : لَا , قَالَ : هِيَ الْبَحِيرَة كَانُوا لَا يَحُجُّونَ عَلَيْهَا . 10843 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَمْرو الْبَصْرِيّ , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن سَعِيد الشَّهِيد , قَالَ : ثَنَا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي وَائِل : { وَأَنْعَام لَا يَذْكُرُونَ اِسْم اللَّه عَلَيْهَا } قَالَ : لَا يَحُجُّونَ عَلَيْهَا . 10844 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , أَمَّا : { أَنْعَام حُرِّمَتْ ظُهُورهَا } فَهِيَ الْبَحِيرَة وَالسَّائِبَة وَالْحَام ; وَأَمَّا الْأَنْعَام الَّتِي لَا يَذْكُرُونَ اِسْم اللَّه عَلَيْهَا , قَالَ : إِذَا وَلَدُوهَا , وَلَا إِنْ نَحَرُوهَا . 10845 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد . قَوْله : { وَأَنْعَام لَا يَذْكُرُونَ اِسْم اللَّه عَلَيْهَا } قَالَ : كَانَ مِنْ إِبِلِهِمْ طَائِفَة لَا يَذْكُرُونَ اِسْم اللَّه عَلَيْهَا وَلَا فِي شَيْء مِنْ شَأْنهَا ; لَا إِنْ رَكِبُوهَا , وَلَا إِنْ حَلَبُوا , وَلَا إِنْ حَمَلُوا , وَلَا إِنْ مَنَحُوا , وَلَا إِنْ عَمِلُوا شَيْئًا . 10846 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَأَنْعَام حُرِّمَتْ ظُهُورهَا } قَالَ : لَا يَرْكَبهَا أَحَد , { وَأَنْعَام لَا يَذْكُرُونَ اِسْم اللَّه عَلَيْهَا } . وَأَمَّا قَوْله : { اِفْتِرَاء } عَلَى اللَّه , فَإِنَّهُ يَقُول : فَعَلَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مَا فَعَلُوا مِنْ تَحْرِيمهمْ مَا حَرَّمُوا , وَقَالُوا مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ , كَذِبًا عَلَى اللَّه , وَتَخَرُّصًا الْبَاطِلَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُمْ أَضَافُوا مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفَهُ عَنْهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي كِتَابه إِلَى أَنَّ اللَّه هُوَ الَّذِي حَرَّمَهُ , فَنَفَى اللَّه ذَلِكَ عَنْ نَفْسه , وَأَكْذَبَهُمْ , وَأَخْبَرَ نَبِيّه وَالْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ كَذَبَة فِيمَا يَزْعُمُونَ . ثُمَّ قَالَ عَزَّ ذِكْرُهُ : { سَيَجْزِيهِمْ } يَقُول : سَيُثِيبُهُمْ رَبُّهُمْ , { بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } عَلَى اللَّه الْكَذِب ثَوَابهمْ , وَيَجْزِيهِمْ بِذَلِكَ جَزَاءَهُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْعَام حُرِّمَتْ ظُهُورهَا وَأَنْعَام لَا يَذْكُرُونَ اِسْم اللَّه عَلَيْهَا اِفْتِرَاء عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَحَرَّمَ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَة مِنْ الْمُشْرِكِينَ , ظُهُور بَعْض أَنْعَامهمْ , فَلَا يَرْكَبُونَ ظُهُورهَا , وَهُمْ يَنْتَفِعُونَ بِرَسْلِهَا وَنَتَاجِهَا , وَسَائِر الْأَشْيَاء مِنْهَا غَيْر ظُهُورهَا لِلرُّكُوبِ . وَحَرَّمُوا مِنْ أَنْعَامِهِمْ أَنْعَامًا أُخَر فَلَا يَحُجُّونَ عَلَيْهَا وَلَا يَذْكُرُونَ اِسْم اللَّه عَلَيْهَا إِنْ رَكِبُوهَا بِحَالٍ وَلَا إِنْ حَلَبُوهَا وَلَا إِنْ حَمَلُوا عَلَيْهَا . وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10842 - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثَنَا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , عَنْ عَاصِم , قَالَ : قَالَ لِي أَبُو وَائِل . أَتَدْرِي مَا أَنْعَام لَا يَذْكُرُونَ اِسْم اللَّه عَلَيْهَا ؟ قَالَ : قُلْت : لَا , قَالَ : أَنْعَام لَا يَحُجُّونَ عَلَيْهَا . - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبَّاد بْن مُوسَى , قَالَ : ثَنَا شَاذَان , قَالَ : ثَنَا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , عَنْ عَاصِم , قَالَ : قَالَ لِي أَبُو وَائِل : أَتَدْرِي مَا قَوْله : { حُرِّمَتْ ظُهُورهَا وَأَنْعَام لَا يَذْكُرُونَ اِسْم اللَّه عَلَيْهَا } ؟ قَالَ : قُلْت : لَا , قَالَ : هِيَ الْبَحِيرَة كَانُوا لَا يَحُجُّونَ عَلَيْهَا . 10843 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَمْرو الْبَصْرِيّ , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن سَعِيد الشَّهِيد , قَالَ : ثَنَا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي وَائِل : { وَأَنْعَام لَا يَذْكُرُونَ اِسْم اللَّه عَلَيْهَا } قَالَ : لَا يَحُجُّونَ عَلَيْهَا . 10844 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , أَمَّا : { أَنْعَام حُرِّمَتْ ظُهُورهَا } فَهِيَ الْبَحِيرَة وَالسَّائِبَة وَالْحَام ; وَأَمَّا الْأَنْعَام الَّتِي لَا يَذْكُرُونَ اِسْم اللَّه عَلَيْهَا , قَالَ : إِذَا وَلَدُوهَا , وَلَا إِنْ نَحَرُوهَا . 10845 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد . قَوْله : { وَأَنْعَام لَا يَذْكُرُونَ اِسْم اللَّه عَلَيْهَا } قَالَ : كَانَ مِنْ إِبِلِهِمْ طَائِفَة لَا يَذْكُرُونَ اِسْم اللَّه عَلَيْهَا وَلَا فِي شَيْء مِنْ شَأْنهَا ; لَا إِنْ رَكِبُوهَا , وَلَا إِنْ حَلَبُوا , وَلَا إِنْ حَمَلُوا , وَلَا إِنْ مَنَحُوا , وَلَا إِنْ عَمِلُوا شَيْئًا . 10846 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَأَنْعَام حُرِّمَتْ ظُهُورهَا } قَالَ : لَا يَرْكَبهَا أَحَد , { وَأَنْعَام لَا يَذْكُرُونَ اِسْم اللَّه عَلَيْهَا } . وَأَمَّا قَوْله : { اِفْتِرَاء } عَلَى اللَّه , فَإِنَّهُ يَقُول : فَعَلَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مَا فَعَلُوا مِنْ تَحْرِيمهمْ مَا حَرَّمُوا , وَقَالُوا مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ , كَذِبًا عَلَى اللَّه , وَتَخَرُّصًا الْبَاطِلَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُمْ أَضَافُوا مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفَهُ عَنْهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي كِتَابه إِلَى أَنَّ اللَّه هُوَ الَّذِي حَرَّمَهُ , فَنَفَى اللَّه ذَلِكَ عَنْ نَفْسه , وَأَكْذَبَهُمْ , وَأَخْبَرَ نَبِيّه وَالْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ كَذَبَة فِيمَا يَزْعُمُونَ . ثُمَّ قَالَ عَزَّ ذِكْرُهُ : { سَيَجْزِيهِمْ } يَقُول : سَيُثِيبُهُمْ رَبُّهُمْ , { بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } عَلَى اللَّه الْكَذِب ثَوَابهمْ , وَيَجْزِيهِمْ بِذَلِكَ جَزَاءَهُمْ .
وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالُوا مَا فِي بُطُون هَذِهِ الْأَنْعَام خَالِصَة لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّم عَلَى أَزْوَاجنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَة فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { مَا فِي بُطُون هَذِهِ الْأَنْعَام } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ اللَّبَن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10847 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن عَطِيَّة , قَالَ : ثَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي الْهُذَيْل , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَقَالُوا مَا فِي بُطُون هَذِهِ الْأَنْعَام خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا } قَالَ : اللَّبَن . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ اِبْن أَبِي الْهُذَيْل , عَنْ اِبْن عَبَّاس مِثْله . 10848 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَقَالُوا مَا فِي بُطُون هَذِهِ الْأَنْعَام خَالِصَة لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّم عَلَى أَزْوَاجنَا } أَلْبَان الْبَحَائِر كَانَتْ لِلذُّكُورِ دُون النِّسَاء , وَإِنْ كَانَتْ مَيْتَة اِشْتَرَكَ فِيهَا ذُكُورهمْ وَإِنَاثهمْ . 10849 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { خَالِصَة لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّم عَلَى أَزْوَاجنَا } قَالَ : مَا فِي بُطُون الْبَحَائِر : يَعْنِي أَلْبَانهَا , كَانُوا يَجْعَلُونَهُ لِلرِّجَالِ دُون النِّسَاء . 10850 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا عِيسَى بْن يُونُس , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ عَامِر , قَالَ : الْبَحِيرَة لَا يَأْكُل مِنْ لَبَنهَا إِلَّا الرِّجَال , وَإِنْ مَاتَ مِنْهَا شَيْء أَكَلَهُ الرِّجَال وَالنِّسَاء . 10851 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَقَالُوا مَا فِي بُطُون هَذِهِ الْأَنْعَام خَالِصَة لِذُكُورِنَا } . . . الْآيَة , فَهُوَ اللَّبَن كَانُوا يُحَرِّمُونَهُ عَلَى إِنَاثهمْ وَيَشْرَبهُ ذُكْرَانهمْ ; وَكَانَتْ الشَّاة إِذَا وَلَدَتْ ذَكَرًا ذَبَحُوهُ وَكَانَ لِلرِّجَالِ دُون النِّسَاء , وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى تُرْكَب فَلَمْ تُذْبَح , وَإِنْ كَانَتْ مَيْتَة فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء . فَنَهَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ مَا فِي بُطُون الْبَحَائِر وَالسَّوَائِب مِنْ الْأَجِنَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10852 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَقَالُوا مَا فِي بُطُون هَذِهِ الْأَنْعَام خَالِصَة لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّم عَلَى أَزْوَاجنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْته فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء } فَهَذِهِ الْأَنْعَام مَا وُلِدَ مِنْهَا مِنْ حَيّ فَهُوَ خَالِص لِلرِّجَالِ دُون النِّسَاء , وَأَمَّا مَا وُلِدَ مِنْ مَيِّت فَيَأْكُلهُ الرِّجَال وَالنِّسَاء . 10853 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { مَا فِي بُطُون هَذِهِ الْأَنْعَام خَالِصَة لِذُكُورِنَا } السَّائِبَة وَالْبَحِيرَة . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي تَأْوِيل ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة أَنَّهُمْ قَالُوا فِي أَنْعَام بِأَعْيَانِهَا : مَا فِي بُطُون هَذِهِ الْأَنْعَام خَالِصَة لِذُكُورِنَا دُون إِنَاثِنَا . وَاللَّبَن مَا فِي بُطُونهَا , وَكَذَلِكَ أَجِنَّتهَا , وَلَمْ يُخَصِّص اللَّه بِالْخَبَرِ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا بَعْض ذَلِكَ حَرَام عَلَيْهِنَّ دُون بَعْض . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَالْوَاجِب أَنْ يُقَال : إِنَّهُمْ قَالُوا مَا فِي بُطُون تِلْكَ الْأَنْعَام مِنْ لَبَن وَجَنِين حَلَّ لِذُكُورِهِمْ خَالِصَة دُون إِنَاثهمْ , وَإِنَّهُمْ كَانُوا يُؤْثِرُونَ بِذَلِك رِجَالهمْ , إِلَّا أَنْ يَكُون الَّذِي فِي بُطُونهَا مِنْ الْأَجِنَّة مَيْتًا فَيَشْتَرِك حِينَئِذٍ فِي أَكْله الرِّجَال وَالنِّسَاء . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أُنِّثَتْ الْخَالِصَة , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ : أُنِّثَتْ لِتَحْقِيقِ الْخُلُوص , كَأَنَّهُ لَمَّا حُقِّقَ لَهُمْ الْخُلُوص أَشْبَهَ الْكَثْرَة , فَجَرَى مَجْرَى رَاوِيَة وَنَسَّابَة . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : أُنِّثَتْ لِتَأْنِيثِ الْأَنْعَام , لِأَنَّ مَا فِي بُطُونهَا مِثْلهَا , فَأُنِّثَتْ لِتَأْنِيثِهَا . وَمَنْ ذَكَّرَهُ فَلِتَذْكِيرِ " مَا " ; قَالَ : وَهِيَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " خَالِص " ; قَالَ : وَقَدْ تَكُون الْخَالِصَة فِي تَأْنِيثهَا مَصْدَرًا , كَمَا تَقُول الْعَافِيَة وَالْعَاقِبَة , وَهُوَ مِثْل قَوْله : { إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ } 38 46 . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال : أُرِيدَ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَة فِي خُلُوص مَا فِي بُطُون الْأَنْعَام الَّتِي كَانُوا حَرَّمُوا مَا فِي بُطُونهَا عَلَى أَزْوَاجهمْ , لِذُكُورِهِمْ دُون إِنَاثهمْ , كَمَا فُعِلَ ذَلِكَ بِالرَّاوِيَةِ وَالنَّسَّابَة وَالْعَلَّامَة , إِذَا أُرِيدَ بِهَا الْمُبَالَغَة فِي وَصْف مَنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ صِفَته , كَمَا يُقَال : فُلَان خَالِصَة فُلَان وَخُلْصَانه . وَأَمَّا قَوْله : { وَمُحَرَّم عَلَى أَزْوَاجنَا } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنِيّ بِالْأَزْوَاجِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهَا النِّسَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10854 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَمُحَرَّم عَلَى أَزْوَاجنَا } قَالَ : النِّسَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِالْأَزْوَاجِ الْبَنَات . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10855 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : { وَمُحَرَّم عَلَى أَزْوَاجنَا } قَالَ : الْأَزْوَاج : الْبَنَات . وَقَالُوا : لَيْسَ لِلْبَنَاتِ مِنْهُ شَيْء . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَخْبَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لِمَا فِي بُطُون هَذِهِ الْأَنْعَام , يَعْنِي أَنْعَامهمْ : هَذَا مُحَرَّم عَلَى أَزْوَاجنَا . وَالْأَزْوَاج إِنَّمَا هِيَ نِسَاؤُهُمْ فِي كَلَامهمْ , وَهُنَّ لَا شَكَّ بَنَات مَنْ هُنَّ أَوْلَاده , وَحَلَائِل مَنْ هُنَّ أَزْوَاجه . وَفِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَمُحَرَّم عَلَى أَزْوَاجنَا } الدَّلِيل الْوَاضِح عَلَى أَنَّ تَأْنِيث " الْخَالِصَة " كَانَ لِمَا وَصَفْت مِنْ الْمُبَالَغَة فِي وَصْف مَا فِي بُطُون الْأَنْعَام بِالْخُلُوصَة لِلذُّكُورِ , لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِتَأْنِيثِ الْأَنْعَام لَقِيلَ : وَمُحَرَّمَة عَلَى أَزْوَاجنَا , وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ التَّأْنِيث فِي الْخَالِصَة لِمَا ذَكَرْت , ثُمَّ لَمْ يَقْصِد فِي الْمُحَرَّم مَا قَصَدَ فِي الْخَالِصَة مِنْ الْمُبَالَغَة , رَجَعَ فِيهَا إِلَى تَذْكِير " مَا " , وَاسْتِعْمَال مَا هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ صِفَته . وَأَمَّا قَوْله : { وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَة فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء } فَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ يَزِيد بْن الْقَعْقَاع وَطَلْحَة بْن مُصَرِّف فِي آخَرِينَ : " وَإِنْ تَكُنْ مَيْتَة " بِالتَّاءِ فِي " تَكُنْ " وَرَفَعَ " مَيْتَة " , غَيْر أَنَّ يَزِيد كَانَ يُشَدِّد الْيَاء مِنْ مَيْتَة , وَيُخَفِّفهَا طَلْحَة . 10856 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا اِبْن أَبِي حَمَّاد , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ طَلْحَة بْن مُصَرِّف . 10857 - وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن يُوسُف , عَنْ الْقَاسِم , وَإِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر , عَنْ يَزِيد . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْكُوفَة وَالْبَصْرَة : { وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَة } بِالْيَاءِ وَمَيْتَة بِالنَّصْبِ وَتَخْفِيف الْيَاء . وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَ : { وَإِنْ يَكُنْ } بِالْيَاءِ { مَيْتَة } بِالنَّصْبِ , أَرَادُوا إِنْ يَكُنْ مَا فِي بُطُون تِلْكَ الْأَنْعَام , فَذَكَّرَ " يَكُنْ " لِتَذْكِيرِ " مَا " , وَنَصَبَ " الْمَيْتَة " لِأَنَّهُ خَبَر " يَكُنْ " . وَأَمَّا مَنْ قَرَأَ : " وَإِنْ تَكُنْ مَيْتَة " فَإِنَّهُ إِنْ شَاءَ اللَّه أَرَادَ وَإِنْ يَكُنْ مَا فِي بُطُونهَا مَيْتَة , فَأَنَّثَ " تَكُنْ " لِتَأْنِيثِ " مَيْتَة " . وَقَوْله : { فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء } فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّ الرِّجَال وَأَزْوَاجهمْ شُرَكَاء فِي أَكْله لَا يُحَرِّمُونَهُ عَلَى أَحَد مِنْهُمْ , كَمَا ذَكَرْنَا عَمَّنْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ عَنْهُ قَبْل مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . وَكَانَ اِبْن زَيْد يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 10858 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : { وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَة فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء } قَالَ : تَأْكُل النِّسَاء مَعَ الرِّجَال , إِنْ كَانَ الَّذِي يَخْرُج مِنْ بُطُونهَا مَيْتَة فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء , وَقَالُوا : إِنْ شِئْنَا جَعَلْنَا لِلْبَنَاتِ فِيهِ نَصِيبًا وَإِنْ شِئْنَا لَمْ نَجْعَل . وَظَاهِر التِّلَاوَة بِخِلَافِ مَا تَأَوَّلَهُ اِبْن زَيْد , لِأَنَّ ظَاهِرَهَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا : إِنْ لَمْ يَكُنْ مَا فِي بُطُونهَا مَيْتَة , فَنَحْنُ فِيهِ شُرَكَاء بِغَيْرِ شَرْط مَشِيئَة . وَقَدْ زَعَمَ اِبْن زَيْد أَنَّهُمْ جَعَلُوا ذَلِكَ إِلَى مَشِيئَتهمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { سَيَجْزِيهِمْ وَصْفهمْ إِنَّهُ حَكِيم عَلِيم } . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : سَيَجْزِي : أَيْ سَيُثِيبُ وَيُكَافِئ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ عَلَيْهِ الْكَذِب فِي تَحْرِيمهمْ مَا لَمْ يُحَرِّمهُ اللَّه , وَتَحْلِيلهمْ مَا لَمْ يُحَلِّلهُ اللَّه , وَإِضَافَتهمْ كَذِبهمْ فِي ذَلِكَ إِلَى اللَّه . وَقَوْله : { وَصْفهمْ } يَعْنِي بِوَصْفِهِمْ الْكَذِب عَلَى اللَّه , وَذَلِكَ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي مَوْضِع آخَر مِنْ كِتَابه : { وَتَصِف أَلْسِنَتهمْ الْكَذِب } 16 62 وَالْوَصْف وَالصِّفَة فِي كَلَام الْعَرَب وَاحِد , وَهُمَا مَصْدَرَانِ مِثْل الْوَزْن وَالزِّنَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى " الْوَصْف " قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10859 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { سَيَجْزِيهِمْ وَصْفهمْ } قَالَ : قَوْلهمْ الْكَذِب فِي ذَلِكَ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 10860 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا اِبْن نُمَيْر , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ } : أَيْ كَذِبهمْ . 10861 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ } : أَيْ كَذِبهمْ . وَأَمَّا قَوْله : { حَكِيم عَلِيم } فَإِنَّهُ يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّ اللَّه فِي مُجَازَاتهمْ عَلَى وَصْفهمْ الْكَذِب وَقِيلهمْ الْبَاطِل عَلَيْهِ , حَكِيم فِي سَائِر تَدْبِيره فِي خَلْقه , عَلِيم بِمَا يُصْلِحُهُمْ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورهمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { سَيَجْزِيهِمْ وَصْفهمْ إِنَّهُ حَكِيم عَلِيم } . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : سَيَجْزِي : أَيْ سَيُثِيبُ وَيُكَافِئ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ عَلَيْهِ الْكَذِب فِي تَحْرِيمهمْ مَا لَمْ يُحَرِّمهُ اللَّه , وَتَحْلِيلهمْ مَا لَمْ يُحَلِّلهُ اللَّه , وَإِضَافَتهمْ كَذِبهمْ فِي ذَلِكَ إِلَى اللَّه . وَقَوْله : { وَصْفهمْ } يَعْنِي بِوَصْفِهِمْ الْكَذِب عَلَى اللَّه , وَذَلِكَ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي مَوْضِع آخَر مِنْ كِتَابه : { وَتَصِف أَلْسِنَتهمْ الْكَذِب } 16 62 وَالْوَصْف وَالصِّفَة فِي كَلَام الْعَرَب وَاحِد , وَهُمَا مَصْدَرَانِ مِثْل الْوَزْن وَالزِّنَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى " الْوَصْف " قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10859 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { سَيَجْزِيهِمْ وَصْفهمْ } قَالَ : قَوْلهمْ الْكَذِب فِي ذَلِكَ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 10860 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا اِبْن نُمَيْر , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ } : أَيْ كَذِبهمْ . 10861 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ } : أَيْ كَذِبهمْ . وَأَمَّا قَوْله : { حَكِيم عَلِيم } فَإِنَّهُ يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّ اللَّه فِي مُجَازَاتهمْ عَلَى وَصْفهمْ الْكَذِب وَقِيلهمْ الْبَاطِل عَلَيْهِ , حَكِيم فِي سَائِر تَدْبِيره فِي خَلْقه , عَلِيم بِمَا يُصْلِحُهُمْ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورهمْ .
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاء عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادهمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْم وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمْ اللَّه اِفْتِرَاء عَلَى اللَّه قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : قَدْ هَلَكَ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرونَ عَلَى رَبّهمْ الْكَذِب , الْعَادِلُونَ بِهِ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , الَّذِينَ زَيَّنَ لَمْ شُرَكَاؤُهُمْ قَتْل أَوْلَادهمْ , وَتَحْرِيم مَا حَرَّمْت عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْوَالهمْ , فَقَتَلُوا طَاعَة لَهَا أَوْلَادهمْ , وَحَرَّمُوا مَا أَحَلَّ اللَّه لَهُمْ , وَجَعَلَهُ لَهُمْ رِزْقًا مِنْ أَنْعَامهمْ سَفَهًا مِنْهُمْ , يَقُول : فَعَلُوا مَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ جَهَالَة مِنْهُمْ بِمَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ , وَنَقْص عُقُول , وَضَعْف أَحْلَام مِنْهُمْ , وَقِلَّة فَهُمْ بِعَاجِلِ ضُرّه وَآجِل مَكْرُوهه مِنْ عَظِيم عِقَاب اللَّه عَلَيْهِ لَهُمْ . { اِفْتِرَاء عَلَى اللَّه } يَقُول : تَكْذِيبًا عَلَى اللَّه وَتَخَرُّصًا عَلَيْهِ الْبَاطِل . { قَدْ ضَلُّوا } يَقُول : قَدْ تَرَكُوا مَحَجَّة الْحَقّ فِي فِعْلهمْ ذَلِكَ , وَزَالُوا عَنْ سَوَاء السَّبِيل . { وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } يَقُول : وَلَمْ يَكُنْ فَاعِلُو ذَلِكَ عَلَى هُدًى وَاسْتِقَامَة فِي أَفْعَالهمْ الَّتِي كَانُوا يَفْعَلُونَ قَبْل ذَلِكَ , { وَلَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } لِلصَّوَابِ فِيهَا وَلَا مُوَفَّقِينَ لَهُ . وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّه خَبَرهمْ فِي هَذِهِ الْآيَات , مِنْ قَوْله : { وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْث وَالْأَنْعَام نَصِيبًا } الَّذِينَ كَانُوا يَبْحَرُونَ الْبَحَائِر , وَيَسِيبُونَ السَّوَائِب , وَيَئِدُونَ الْبَنَات . كَمَا : 10862 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عِكْرِمَة , قَوْلُهُ : { الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْم } قَالَ : نَزَلَتْ فِيمَنْ يَئِد الْبَنَات مِنْ رَبِيعَة وَمُضَر , كَانَ الرَّجُل يَشْتَرِط عَلَى اِمْرَأَتِهِ أَنْ تَسْتَحْيِي جَارِيَة وَتَئِد أُخْرَى , فَإِذَا كَانَتْ الْجَارِيَة الَّتِي تُوأَد غَدَا الرَّجُل أَوْ رَاحَ مِنْ عِنْد اِمْرَأَته وَقَالَ لَهَا : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إِنْ رَجَعْت إِلَيْك وَلَمْ تَئِدِيهَا ! فَتَخُدّ لَهَا فِي الْأَرْض خَدًّا , وَتُرْسِل إِلَى نِسَائِهَا فَيَجْتَمِعْنَ عِنْدهَا , ثُمَّ يَتَدَاوَلْنَهَا , حَتَّى إِذَا أَبْصَرَتْهُ رَاجِعًا دَسَّتْهَا فِي حُفْرَتِهَا , ثُمَّ سَوَّتْ عَلَيْهَا التُّرَاب . 10863 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعُوا فِي أَوْلَادهمْ وَأَمْوَالهمْ , فَقَالَ : { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْم وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمْ اللَّه } . 10864 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادهمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْم } فَقَالَ : هَذَا صَنِيع أَهْل الْجَاهِلِيَّة , كَانَ أَحَدهمْ يَقْتُل اِبْنَته مَخَافَة السِّبَاء وَالْفَاقَة وَيَغْذُو كَلْبه . وَقَوْله : { وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمْ اللَّه } . . . الْآيَة , وَهُمْ أَهْل الْجَاهِلِيَّة جَعَلُوا بَحِيرَة وَسَائِبَة وَوَصِيلَة وَحَامِيًا , تَحَكُّمًا مِنْ الشَّيَاطِين فِي أَمْوَالهمْ . 10865 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : إِذَا سَرَّك أَنْ تَعْلَم جَهْل الْعَرَب , فَاقْرَأْ مَا بَعْد الْمِائَة مِنْ سُورَة الْأَنْعَام , قَوْله : { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادهمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْم } . . . الْآيَة . وَكَانَ أَبُو رَزِين يَتَأَوَّل قَوْله : { قَدْ ضَلُّوا } أَنَّهُ مَعْنِيّ بِهِ قَدْ ضَلُّوا قَبْل هَؤُلَاءِ الْأَفْعَال مِنْ قَتْل الْأَوْلَاد وَتَحْرِيم الرِّزْق الَّذِي رَزَقَهُمْ اللَّه بِأُمُورٍ غَيْر ذَلِكَ . 10866 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبَى رَزِين , فِي قَوْله : { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ } . . . إِلَى قَوْله : { قَدْ ضَلُّوا } قَالَ : قَدْ ضَلُّوا قَبْل ذَلِكَ .
وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّات مَعْرُوشَات وَغَيْر مَعْرُوشَات } وَهَذَا إِعْلَام مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ فَضْله , وَتَنْبِيه مِنْهُ لَهُمْ عَلَى مَوْضِع إِحْسَانه , وَتَعْرِيف مِنْهُ لَهُمْ مَا أَحَلَّ وَحَرَّمَ وَقَسَمَ فِي أَمْوَالهمْ مِنْ الْحُقُوق لِمَنْ قَسَمَ لَهُ فِيهَا حَقًّا . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَرَبّكُمْ أَيّهَا النَّاس { أَنْشَأَ } : أَيْ أَحْدَثَ وَابْتَدَعَ خَلْقًا , لَا الْآلِهَة وَالْأَصْنَام , { جَنَّات } يَعْنِي : بَسَاتِين , { مَعْرُوشَات } وَهِيَ مَا عَرَشَ النَّاس مِنْ الْكُرُوم , { وَغَيْر مَعْرُوشَات } : غَيْر مَرْفُوعَات مَبْنِيَّات , لَا يُنْبِتهُ النَّاس وَلَا يَرْفَعُونَهُ , وَلَكِنَّ اللَّه يَرْفَعهُ وَيُنْبِتهُ وَيُنَمِّيه . كَمَا : 10867 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { مَعْرُوشَات } يَقُول : مَسْمُوكَات . 10868 - وَبِهِ عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّات مَعْرُوشَات وَغَيْر مَعْرُوشَات } فَالْمَعْرُوشَات : مَا عَرَشَ النَّاس ; وَغَيْر مَعْرُوشَات : مَا خَرَجَ فِي الْبَرّ وَالْجِبَال مِنْ الثَّمَرَات . 10869 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا " جَنَّات " فَالْبَسَاتِين ; وَأَمَّا " الْمَعْرُوشَات " : فَمَا عَرَشَ كَهَيْئَةِ الْكَرْم . - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّات مَعْرُوشَات } قَالَ : مَا يُعْرَش مِنْ الْكُرُوم . { وَغَيْر مَعْرُوشَات } قَالَ : مَا لَا يُعْرَش مِنْ الْكَرْم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالنَّخْل وَالزَّرْع مُخْتَلِفًا أُكُله وَالزَّيْتُون وَالرُّمَّان مُتَشَابِهًا وَغَيْر مُتَشَابِه كُلُوا مِنْ ثَمَره إِذَا أَثْمَرَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَأَنْشَأَ النَّخْل وَالزَّرْع مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ , يَعْنِي بِالْأَكْلِ : الثَّمَر , يَقُول : وَخَلَقَ النَّخْل وَالزَّرْع مُخْتَلِفًا مَا يَخْرُج مِنْهُ مَا يُؤْكَل مِنْ الثَّمَر وَالْحَبّ وَالزَّيْتُون وَالرُّمَّان , مُتَشَابِهًا وَغَيْر مُتَشَابِه فِي الطَّعْم , مِنْهُ الْحُلْو وَالْحَامِض وَالْمُزّ كَمَا : 10870 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { مُتَشَابِهًا وَغَيْر مُتَشَابِه } قَالَ : مُتَشَابِهًا فِي الْمَنْظَر , وَغَيْر مُتَشَابِه فِي الطَّعْم . وَأَمَّا قَوْله : { كُلُوا مِنْ ثَمَره إِذَا أَثْمَرَ } فَإِنَّهُ يَقُول : كُلُوا مِنْ رُطَبه مَا كَانَ رُطَبًا ثَمَره . كَمَا : 10871 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا أَبُو هَمَّام الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : ثَنَا مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب , فِي قَوْله : { كُلُوا مِنْ ثَمَره إِذَا أَثْمَرَ } قَالَ : مِنْ رُطَبه وَعِنَبه . 10872 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن الزِّبْرِقَان , قَالَ : ثَنَا مُوسَى بْن عُبَيْدَة فِي قَوْله : { كُلُوا مِنْ ثَمَره إِذَا أَثْمَرَ } قَالَ : مِنْ رُطَبه وَعِنَبه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْم حَصَاده } . اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هَذَا أَمْر مِنْ اللَّه بِإِيتَاءِ الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة مِنْ الثَّمَر وَالْحَبّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10873 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثَنَا يُونُس , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْم حَصَاده } قَالَ : الزَّكَاة . 10874 - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثَنَا عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثَنَا يَزِيد بْن دِرْهَم , قَالَ : سَمِعْت أَنَس بْن مَالِك يَقُول : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْم حَصَاده } قَالَ : الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة . 10875 - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثَنَا مُعَلَّى بْن أَسَد , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْوَاحِد بْن زِيَاد , قَالَ : ثَنَا الْحَجَّاج بْن أَرْطَاة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْم حَصَاده } قَالَ : الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر . - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا هَانِئ بْن سَعِيد , عَنْ حَجَّاج , عَنْ مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر . 10876 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ وَابْن وَكِيع وَابْن بَشَّار , قَالُوا : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا إِبْرَاهِيم بْن نَافِع الْمَكِّيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ أَبِيهِ , فِي قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : الزَّكَاة . 10877 - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا أَبُو هِلَال , عَنْ حَيَّان الْأَعْرَج , عَنْ جَابِر بْن زَيْد : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْم حَصَاده } قَالَ : الزَّكَاة . 10878 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا يُونُس , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْم حَصَاده } قَالَ : هِيَ الصَّدَقَة . قَالَ : ثُمَّ سُئِلَ عَنْهَا مَرَّة أُخْرَى , فَقَالَ : هِيَ الصَّدَقَة مِنْ الْحَبّ وَالثِّمَار . 10879 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن بَكْر , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْر بْن عَبْد اللَّه , عَنْ عَمْرو بْن سُلَيْمَان وَغَيْره , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , أَنَّهُ قَالَ : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة . - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : هِيَ الصَّدَقَة مِنْ الْحَبّ وَالثِّمَار . 10880 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } يَعْنِي بِحَقِّهِ : زَكَاته الْمَفْرُوضَة , يَوْم يُكَال أَوْ يُعْلَم كَيْله . 10881 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُل كَانَ إِذَا زَرَعَ فَكَانَ يَوْم حَصَاده , وَهُوَ أَنْ يَعْلَم مَا كَيْله وَحَقّه , فَيُخْرِج مِنْ كُلّ عَشَرَة وَاحِدًا , وَمَا يَلْتَقِط النَّاس مِنْ سُنْبُله . 10882 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } وَحَقّه يَوْم حَصَاده : الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة , ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَّ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ أَوْ الْعَيْن السَّائِحَة , أَوْ سَقَاهُ الطَّلّ - وَالطَّلّ - النَّدَى - أَوْ كَانَ بَعْلًا الْعُشْر كَامِلًا ; وَإِنْ سُقِيَ بِرِشَاءٍ : نِصْف الْعُشْر . قَالَ قَتَادَة : وَهَذَا فِيمَا يُكَال مِنْ الثَّمَرَة , وَكَانَ هَذَا إِذَا بَلَغَتْ الثَّمَرَة خَمْسَة أَوْسُق , وَذَلِكَ ثَلَاثمِائَةِ صَاع , فَقَدْ حَقَّ فِيهَا الزَّكَاة , وَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُعْطُوا مَا لَا يُكَال مِنْ الثَّمَرَة عَلَى قَدْر ذَلِكَ . 10883 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة وَطَاوُس : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَاده } قَالَا : هُوَ الزَّكَاة . 10884 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ سَالِم الْمَكِّيّ , عَنْ مُحَمَّد اِبْن الْحَنَفِيَّة , قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : يَوْم كَيْله , يُعْطِي الْعُشْر أَوْ نِصْف الْعُشْر . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثَنَا شَرِيك , عَنْ سَالِم الْمَكِّيّ , عَنْ مُحَمَّد اِبْن الْحَنَفِيَّة , قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : الْعُشْر , وَنِصْف الْعُشْر . 10885 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ مَعْمَر , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , وَعَنْ قَتَادَة : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَا : الزَّكَاة . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة الضَّرِير , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مِقْسَم , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ شَرِيك , عَنْ الْحَكَم بْن عُتَيْبَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . 10886 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك , يَقُول فِي قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } يَعْنِي : يَوْم كَيْله مَا كَانَ مِنْ بُرّ أَوْ تَمْر أَوْ زَبِيب . وَحَقّه : زَكَاته . 10887 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { كُلُوا مِنْ ثَمَره إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : كُلّ مِنْهُ , وَإِذَا حَصَدْته فَآتِ حَقّه . وَحَقّه : عُشُوره . - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ يُونُس بْن عُبَيْد , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : الزَّكَاة إِذَا كِلْته . - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ أَبِي رَجَاء , قَالَ : سَأَلْت الْحَسَن , عَنْ قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : الزَّكَاة . 10888 - حَدَّثَنِي اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثَنَا عَمْرو بْن أَبِي سَلَمَة , قَالَ : سَأَلْت اِبْن زَيْد بْن أَسْلَمَ عَنْ قَوْل اللَّه : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } فَقُلْت لَهُ : هُوَ الْعُشُور ؟ قَالَ : نَعَمْ , فَقُلْت لَهُ : عَنْ أَبِيك ؟ قَالَ : عَنْ أَبِي وَغَيْره . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ حَقّ أَوْجَبَهُ اللَّه فِي أَمْوَال أَهْل الْأَمْوَال , غَيْر الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10889 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : شَيْئًا سِوَى الْحَقّ الْوَاجِب . قَالَ : وَكَانَ فِي كِتَابه " عَنْ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن " . 10890 - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , فِي قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : الْقَبْضَة مِنْ الطَّعَام . 10891 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن بَكْر , عَنْ اِبْن جَرِير , عَنْ عَطَاء : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : مِنْ النَّخْل وَالْعِنَب وَالْحَبّ كُلّه . 10892 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن بَكْر , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : أَرَأَيْت مَا حَصَدْت مِنْ الْفَوَاكِه ؟ قَالَ : وَمِنْهَا أَيْضًا تُؤْتِي . وَقَالَ : مِنْ كُلّ شَيْء حَصَدْت تُؤْتِي مِنْهُ حَقّه يَوْم حَصَاده , مِنْ نَخْل أَوْ عِنَب أَوْ حَبّ أَوْ فَوَاكِه أَوْ خُضَر أَوْ قَصَب , مِنْ كُلّ شَيْء مِنْ ذَلِكَ . قُلْت لِعَطَاءٍ : أَوَاجِب عَلَى النَّاس ذَلِكَ كُلّه ؟ قَالَ : نَعَمْ ; ثُمَّ تَلَا : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } . قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : { آتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } هَلْ فِي ذَلِكَ شَيْء مُؤَقَّت مَعْلُوم ؟ قَالَ : لَا . 10893 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , فِي قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : يُعْطِي مِنْ حَصَاده يَوْمئِذٍ مَا تَيَسَّرَ , وَلَيْسَ بِالزَّكَاةِ . - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا عِيسَى بْن يُونُس , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : لَيْسَ بِالزَّكَاةِ , وَلَكِنْ يُطْعِم مَنْ حَضَرَهُ سَاعَتئِذٍ حَصَده . 10894 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ الْعَلَاء بْن الْمُسَيِّب , عَنْ حَمَّاد : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : كَانُوا يُعْطُونَ رُطَبًا . 10895 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثَنَا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : إِذَا حَضَرَك الْمَسَاكِين طَرَحْت لَهُمْ مِنْهُ , وَإِذَا أَنْقَيْته وَأَخَذْت فِي كَيْله حَثَوْت لَهُمْ مِنْهُ , وَإِذَا عَلِمْت كَيْله عَزَلْت زَكَاته , وَإِذَا أَخَذْت فِي جِدَاد النَّخْل طَرَحْت لَهُمْ مِنْ الثَّفَارِيق ; وَإِذَا أَخَذْت فِي كَيْله حَثَوْت لَهُمْ مِنْهُ , وَإِذَا عَلِمْت كَيْله عَزَلْت زَكَاته . 10896 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : سِوَى الْفَرِيضَة . - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : يُلْقِي إِلَى السُّؤَّال عِنْد الْحَصَاد مِنْ السُّنْبُل , فَإِذَا طِبْنَ - أَوْ طين الشَّكّ مِنْ أَبِي جَعْفَر - أَلْقَى إِلَيْهِمْ . فَإِذَا حَمَلَهُ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلهُ كُدْسًا أَلْقَى إِلَيْهِمْ , وَإِذَا دَاسَ أَطْعَمَ مِنْهُ , وَإِذَا فَرَغَ وَعَلِمَ كَمْ كَيْله عَزَلَ زَكَاته . وَقَالَ : فِي النَّخْل عِنْد الْجِدَاد يُطْعِم مِنْ الثَّمَرَة وَالشَّمَارِيخ , فَإِذَا كَانَ عِنْد كَيْله أَطْعَمَ مِنْ التَّمْر , فَإِذَا فَرَغَ عَزَلَ زَكَاته . - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ وَمُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَا : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : إِذَا حَصَدَ الزَّرْع أَلْقَى مِنْ السُّنْبُل , وَإِذَا جَدَّ النَّخْل أَلْقَى مِنْ الشَّمَارِيخ , فَإِذَا كَالَهُ زَكَّاهُ . - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : عِنْد الْحَصَاد , وَعِنْد الدِّيَاس , وَعِنْد الصِّرَام يَقْبِض لَهُمْ مِنْهُ , فَإِذَا كَالَهُ عَزَلَ زَكَاته . * وَبِهِ عَنْ سُفْيَان , عَنْ مُجَاهِد مِثْله , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : سِوَى الزَّكَاة . - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : شَيْء سِوَى الزَّكَاة فِي الْحَصَاد وَالْجِدَاد , إِذَا حَصَدُوا وَإِذَا جَدُّوا . 10897 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , فِي قَوْل اللَّه : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قَالَ : وَاجِب حِين يُصْرَم . - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ قَالَ : قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : إِذَا حَصَدَ أَطْعَمَ , وَإِذَا أَدْخَلَهُ الْبَيْدَر , وَإِذَا دَاسَهُ أَطْعَمَ مِنْهُ . 10898 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : يُطْعِم الْمُعَتَّر سِوَى مَا يُعْطِي مِنْ الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر . * وَبِهِ عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : قَبْضَة عِنْد الْحَصَاد , وَقَبْضَة عِنْد الْجِدَاد . 10899 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا حَفْص , عَنْ أَشْعَث , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , قَالَ : كَانُوا يُعْطُونَ مَنْ اِعْتَرَّ بِهِمْ الشَّيْء . 10900 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : الضِّغْث . * حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : يُعْطِي مِثْل الضِّغْث . - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثَنَا حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْم حَصَاده } قَالَ : مِثْل هَذَا مِنْ الضِّغْث . وَوَضَعَ يَحْيَى إِصْبَعه الْإِبْهَام عَلَى الْمَفْصِل الثَّانِي مِنْ السَّبَّابَة . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : نَحْو الضِّغْث . - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : يُعْطِي ضِغْثًا . 10901 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا كَثِير بْن هِشَام , قَالَ : ثَنَا جَعْفَر بْن بُرْقَان , عَنْ يَزِيد بْن الْأَصَمّ , قَالَ : كَانَ النَّخْل إِذَا صُرِمَ يَجِيء الرَّجُل بِالْعِذْقِ مِنْ نَخْله فَيُعَلِّقهُ فِي جَانِب الْمَسْجِد , فَيَجِيء الْمِسْكِين فَيَضْرِبهُ بِعَصَاهُ , فَإِذَا تَنَاثَرَ أَكَلَ مِنْهُ . فَدَخَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ حَسَن أَوْ حُسَيْن , فَتَنَاوَلَ تَمْرَة , فَانْتَزَعَهَا مِنْ فِيهِ , وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْكُل الصَّدَقَة , وَلَا أَهْل بَيْته . فَذَلِكَ قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } . 10902 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا خَالِد بْن حَيَّان , عَنْ جَعْفَر بْن بُرْقَان , عَنْ مَيْمُون بْن مِهْرَان , وَيَزِيد بْن الْأَصَمّ , قَالَا : كَانَ أَهْل الْمَدِينَة إِذَا صَرُمُوا يَجِيئُونَ بِالْعِذْقِ فَيَضَعُونَهُ فِي الْمَسْجِد , ثُمَّ يَجِيء السَّائِل فَيَضْرِبهُ بِعَصَاهُ , فَيَسْقُط مِنْهُ , وَهُوَ قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } . - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثَنَا زَيْد بْن أَبِي الزَّرْقَاء , عَنْ جَعْفَر , عَنْ يَزِيد وَمَيْمُون , فِي قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَا : كَانَ الرَّجُل إِذَا جَدَّ النَّخْل يَجِيء بِالْعِذْقِ فَيُعَلِّقهُ فِي جَانِب الْمَسْجِد , فَيَأْتِيه الْمِسْكِين فَيَضْرِبهُ بِعَصَاهُ , فَيَأْكُل مَا يَتَنَاثَر مِنْهُ . 10903 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد اللَّه , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : لَقَط السُّنْبُل . 10904 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ عَبْد الْكَرِيم الْجَزْرِيّ , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانُوا يُعَلِّقُونَ الْعِذْق فِي الْمَسْجِد عِنْد الصِّرَام , فَيَأْكُل مِنْهُ الضَّعِيف . * وَبِهِ عَنْ مَعْمَر , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } يُطْعِم الشَّيْء عِنْد صِرَامه . 10905 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثَنَا شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : الضِّغْث وَمَا يَقَع مِنْ السُّنْبُل . 10906 - وَبِهِ عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : الْعَلَف . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد , فِي قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : كَانَ هَذَا قَبْل الزَّكَاة لِلْمَسَاكِين , الْقَبْضَة وَالضِّغْث لِعَلَفِ دَابَّته . 10907 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن رِفَاعَة , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب , فِي قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : مَا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ . 10908 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : عِنْد الزَّرْع يُعْطِي الْقَبْض , وَعِنْد الصِّرَام يُعْطِي الْقَبْض , وَيَتْرُكهُمْ فَيَتَتَبَّعُونَ آثَار الصِّرَام . وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَ هَذَا شَيْئًا أَمَرَ اللَّه بِهِ الْمُؤْمِنِينَ قَبْل أَنْ تُفْرَض عَلَيْهِمْ الصَّدَقَة الْمُؤَقَّتَة , ثُمَّ نَسَخَتْهُ الصَّدَقَة الْمَعْلُومَة , فَلَا فَرْض فِي مَال كَائِنًا مَا كَانَ زَرْعًا كَانَ أَوْ غَرْسًا , إِلَّا الصَّدَقَة الَّتِي فَرَضَهَا اللَّه فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10909 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ حَجَّاج , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مِقْسَم , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : نَسَخَهَا الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا حَفْص , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ الْحَكَم , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : نَسَخَهَا الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر . 10910 - وَبِهِ عَنْ حَجَّاج , عَنْ سَالِم , عَنْ اِبْن الْحَنَفِيَّة , قَالَ : نَسَخَهَا الْعُشْر , وَنِصْف الْعُشْر . 10911 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : هَذَا قَبْل الزَّكَاة , فَلَمَّا نَزَلَتْ الزَّكَاة نَسَخَتْهَا , فَكَانُوا يُعْطُونَ الضِّغْث . 10912 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد وَأَبُو وَكِيع , قَالَا : ثَنَا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ شِبَاك , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ حَتَّى سُنَّ الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر ; فَلَمَّا سُنَّ الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر تُرِكَ . - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ شِبَاك , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قَالَ : هِيَ مَنْسُوخَة , نَسَخَتْهَا الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر . - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : نَسَخَتْهَا الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر . * حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ شِبَاك , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : نَسَخَتْهَا الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر . 10913 - وَبِهِ عَنْ سُفْيَان , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : نَسَخَتْهَا الزَّكَاة . 10914 - وَبِهِ عَنْ سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : نَسَخَتْهَا الزَّكَاة : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْم حَصَاده } . - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثَنَا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ شِبَاك , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : هَذِهِ السُّورَة مَكِّيَّة نَسَخَتْهَا الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر , قُلْت : عَمَّنْ ؟ قَالَ : عَنْ الْعُلَمَاء . * وَبِهِ عَنْ سُفْيَان , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ شِبَاك , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : نَسَخَتْهَا الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر . 10915 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , أَمَّا : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْم حَصَاده } فَكَانُوا إِذَا مَرَّ بِهِمْ أَحَد يَوْم الْحَصَاد أَوْ الْجِدَاد أَطْعَمُوهُ مِنْهُ , فَنَسَخَهَا اللَّه عَنْهُمْ بِالزَّكَاةِ , وَكَانَ فِيمَا أَنْبَتَتْ الْأَرْض الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر . 10916 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : كَانُوا يُرْضَخُونَ لِقَرَابَتِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ . 10917 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَطِيَّة : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : نَسَخَهُ الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر ; كَانُوا يُعْطُونَ إِذَا حَصَدُوا وَإِذَا ذَرَّوْا , فَنَسَخَتْهَا الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : كَانَ ذَلِكَ فَرْضًا فَرَضَهُ اللَّه عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي طَعَامهمْ وَثِمَارهمْ الَّتِي تُخْرِجُهَا زُرُوعُهُمْ وَغُرُوسهم , ثُمَّ نَسَخَهُ اللَّه بِالصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَة , وَالْوَظِيفَة الْمَعْلُومَة مِنْ الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر ; وَذَلِكَ أَنَّ الْجَمِيع مُجْمِعُونَ لَا خِلَاف بَيْنهمْ أَنَّ صَدَقَة الْحَرْث لَا تُؤْخَذ إِلَّا بَعْد الدِّيَاس وَالتَّنْقِيَة وَالتَّذْرِيَة , وَأَنَّ صَدَقَة التَّمْر لَا تُؤْخَذ إِلَّا بَعْد الْجَفَاف . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } يُنْبِئ عَنْ أَنَّهُ أَمْر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِإِيتَاءِ حَقّه يَوْم حَصَاده , وَكَانَ يَوْم حَصَاده هُوَ يَوْم جَدّه وَقَطْعه ; وَالْحَبّ لَا شَكَّ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْم فِي سُنْبُلِهِ , وَالثَّمَر وَإِنْ كَانَ ثَمَر نَخْل أَوْ كَرْم غَيْر مُسْتَحْكَم جُفُوفه وَيُبْسه , وَكَانَتْ الصَّدَقَة مِنْ الْحَبّ إِنَّمَا تُؤْخَذ بَعْد دِيَاسه وَتَذْرِيَته وَتَنْقِيَته كَيْلًا , وَالتَّمْر إِنَّمَا تُؤْخَذ صَدَقَته بَعْد اِسْتِحْكَام يُبْسه وَجُفُوفه كَيْلًا ; عُلِمَ أَنَّ مَا يُؤْخَذ صَدَقَة بَعْد حِين حَصْده غَيْر الَّذِي يَجِب إِيتَاؤُهُ الْمَسَاكِين يَوْم حَصَاده . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا تُنْكِر أَنْ يَكُون ذَلِكَ إِيجَابًا مِنْ اللَّه فِي الْمَال حَقًّا سِوَى الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة ؟ قِيلَ : لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُون ذَلِكَ فَرْضًا وَاجِبًا أَوْ نَفْلًا , فَإِنْ يَكُنْ فَرْضًا وَاجِبًا فَقَدْ وَجَبَ أَنْ يَكُون سَبِيله سَبِيل الصَّدَقَات الْمَفْرُوضَات الَّتِي مَنْ فَرَّطَ فِي أَدَائِهَا إِلَى أَهْلهَا كَانَ بِرَبِّهِ آثِمًا وَلِأَمْرِهِ مُخَالِفًا , وَفِي قِيَام الْحُجَّة بِأَنْ لَا فَرْض لِلَّهِ فِي الْمَال بَعْد الزَّكَاة يَجِب وُجُوب الزَّكَاة سِوَى مَا يَجِب مِنْ النَّفَقَة لِمَنْ يَلْزَم الْمَرْء نَفَقَته مَا يُنْبِئ عَنْ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ كَذَلِكَ . أَوْ يَكُون ذَلِكَ نَفْلًا , فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ أَنْ يَكُون الْخِيَار فِي إِعْطَاء ذَلِكَ إِلَى رَبّ الْحَرْث وَالثَّمَر , وَفِي إِيجَاب الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ ذَلِكَ مَا يُنْبِئ عَنْ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ كَذَلِكَ . وَإِذَا خَرَجَتْ الْآيَة مِنْ أَنْ يَكُون مُرَادًا بِهَا النَّدْب , وَكَانَ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون لَهَا مَخْرَج فِي وُجُوب الْفَرْض بِهَا فِي هَذَا الْوَقْت , عُلِمَ أَنَّهَا مَنْسُوخَة . وَمَا يُؤَيِّد مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل دَلِيل عَلَى صِحَّته , أَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَتْبَعَ قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } { وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ } وَمَعْلُوم أَنَّ مِنْ حُكْم اللَّه فِي عِبَاده مُذْ فَرَضَ فِي أَمْوَالهمْ الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة الْمُؤَقَّتَة الْقَدْر , أَنَّ الْقَائِم بِأَخْذِ ذَلِكَ سَاسَتُهُمْ وَرُعَاتهمْ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَا وَجْه نَهْي رَبّ الْمَال عَنْ الْإِسْرَاف فِي إِيتَاء ذَلِكَ , وَالْآخِذ مُجْبِر , وَإِنَّمَا يَأْخُذ الْحَقّ الَّذِي فَرَضَ اللَّه فِيهِ ؟ فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ نَهْي مِنْ اللَّه الْقَيِّم بِأَخْذِ ذَلِكَ مِنْ الرُّعَاة عَنْ التَّعَدِّي فِي مَال رَبّ الْمَال وَالتَّجَاوُز إِلَى أَخْذ مَا لَمْ يُبَحْ لَهُ أَخْذه , فَإِنَّ آخِر الْآيَة , وَهُوَ قَوْله : { وَلَا تُسْرِفُوا } مَعْطُوف عَلَى أَوَّله وَهُوَ قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } . فَإِنْ كَانَ الْمَنْهِيّ عَنْ الْإِسْرَاف الْقَيِّم بِقَبْضِ ذَلِكَ , فَقَدْ يَجِب أَنْ يَكُون الْمَأْمُور بِإِتْيَانِهِ الْمَنْهِيّ عَنْ الْإِسْرَاف فِيهِ , وَهُوَ السُّلْطَان . وَذَلِكَ قَوْل إِنْ قَالَهُ قَائِل , كَانَ خَارِجًا مِنْ قَوْل جَمِيع أَهْل التَّأْوِيل وَمُخَالِفًا الْمَعْهُود مِنْ الْخِطَاب , وَكَفَى بِذَلِكَ شَاهِدًا عَلَى خَطَئِهِ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا تُنْكِر أَنْ يَكُون مَعْنَى قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } : وَآتُوا حَقّه يَوْم كَيْله , لَا يَوْم قَصْله وَقَطْعه , وَلَا يَوْم جِدَاده وَقِطَافه , فَقَدْ عَلِمْت مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَهْل التَّأْوِيل ؟ وَذَلِكَ مَا : 10918 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنَا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : يَوْم كَيْله . 10919 - وَحَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ سَالِم الْمَكِّيّ , عَنْ مُحَمَّد اِبْن الْحَنَفِيَّة , قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : يَوْم كَيْله يُعْطِي الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر . مَعَ آخَرِينَ , قَدْ ذَكَرْت الرِّوَايَة فِيمَا مَضَى عَنْهُمْ بِذَلِكَ ؟ قِيلَ : لِأَنَّ يَوْم كَيْله غَيْر يَوْم حَصَاده . وَلَنْ يَخْلُو مَعْنَى قَائِلِي هَذَا الْقَوْل مِنْ أَحَد أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُونُوا وَجَّهُوا مَعْنَى الْحَصَاد إِلَى مَعْنَى الْكَيْل , فَذَلِكَ مَا لَا يُعْقَل فِي كَلَام الْعَرَب لِأَنَّ الْحَصَاد وَالْحَصْد فِي كَلَامهمْ الْجَدّ وَالْقَطْع , لَا الْكَيْل . أَوْ يَكُونُوا وَجَّهُوا تَأْوِيل قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } إِلَى وَآتُوا حَقّه بَعْد يَوْم حَصَاده إِذَا كِلْتُمُوهُ . فَذَلِكَ خِلَاف ظَاهِر التَّنْزِيل , وَذَلِكَ أَنَّ الْأَمْر فِي ظَاهِر التَّنْزِيل بِإِيتَاءِ الْحَقّ مِنْهُ يَوْم حَصَاده لَا بَعْد يَوْم حَصَاده . وَلَا فَرْق بَيْن قَائِل : إِنَّمَا عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } بَعْد يَوْم حَصَاده , وَآخَر قَالَ : عَنَى بِذَلِكَ قَبْل يَوْم حَصَاده , لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا قَائِلَانِ قَوْلًا دَلِيل ظَاهِر التَّنْزِيل بِخِلَافِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ } . اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْإِسْرَاف الَّذِي نَهَى اللَّه عَنْهُ بِهَذِهِ الْآيَة , وَمَنْ الْمَنْهِيّ عَنْهُ . فَقَالَ بَعْضهمْ : الْمَنْهِيّ عَنْهُ : رَبّ النَّخْل وَالزَّرْع وَالثَّمَر ; وَالسَّرَف الَّذِي نَهَى اللَّه عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَة , مُجَاوَزَة الْقَدْر فِي الْعَطِيَّة إِلَى مَا يُجْحِف بِرُبِّ الْمَال . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10920 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : ثَنَا عَاصِم , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , فِي قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده وَلَا تُسْرِفُوا } . . . الْآيَة , قَالَ : كَانُوا يُعْطُونَ شَيْئًا سِوَى الزَّكَاة , ثُمَّ تَسَارَفُوا , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ } . - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : كَانُوا يُعْطُونَ يَوْم الْحَصَاد شَيْئًا سِوَى الزَّكَاة , ثُمَّ تَبَارَوْا فِيهِ وَأَسْرَفُوا , فَقَالَ اللَّه : { وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ } . - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : كَانُوا يُعْطُونَ يَوْم الْحَصَاد شَيْئًا , ثُمَّ تَسَارَفُوا , فَقَالَ اللَّه : { وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ } . 10921 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : نَزَلَتْ فِي ثَابِت بْن قَيْس بْن شَمَّاس , جَدَّ نَخْلًا فَقَالَ : لَا يَأْتِيَن الْيَوْم أَحَد إِلَّا أَطْعَمْتهُ ! فَأَطْعَمَ حَتَّى أَمْسَى وَلَيْسَتْ لَهُ ثَمَرَة , فَقَالَ اللَّه : { وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ } . 10922 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن بَكْر , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قُلْت لِعَطَاء : { وَلَا تُسْرِفُوا } يَقُول : لَا تُسْرِفُوا فِيمَا يُؤْتَى يَوْم الْحَصَاد , أَمْ فِي كُلّ شَيْء ؟ قَالَ : بَلَى ! فِي كُلّ شَيْء يُنْهَى عَنْ السَّرَف . قَالَ : ثُمَّ عَاوَدْته بَعْد حِين , فَقُلْت : مَا قَوْله : { وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ } ؟ قَالَ : يُنْهَى عَنْ السَّرَف فِي كُلّ شَيْء . ثُمَّ تَلَا : { لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا } 25 67 . 10923 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد بْن هَارُون , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَان بْن حُسَيْن , عَنْ أَبِي بِشْر , قَالَ : أَطَافَ النَّاس بِإِيَاسِ بْن مُعَاوِيَة بِالْكُوفَةِ , فَسَأَلُوهُ : مَا السَّرَف ؟ فَقَالَ : مَا تَجَاوَزَ أَمْر اللَّه فَهُوَ سَرَف . 10924 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَا تُسْرِفُوا } لَا تُعْطُوا أَمْوَالكُمْ فَتَغْدُوا فُقَرَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : الْإِسْرَاف الَّذِي نَهَى اللَّه عَنْهُ فِي هَذَا الْمَوْضِع : مَنْع الصَّدَقَة وَالْحَقّ الَّذِي أَمَرَ اللَّه رَبّ الْمَال بِإِيتَائِهِ أَهْله بِقَوْلِهِ : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10925 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن بَكْر , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْر بْن عَبْد اللَّه , عَنْ عَمْرو بْن سُلَيْم وَغَيْره , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , فِي قَوْله : { وَلَا تُسْرِفُوا } قَالَ : لَا تَمْنَعُوا الصَّدَقَة فَتَعْصُوا . 10926 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن الزِّبْرِقَان , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن عُبَيْدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب : { وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ } وَالسَّرَف : أَنْ لَا يُعْطِي فِي حَقّ . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا خُوطِبَ بِهَذَا السُّلْطَان : نُهِيَ أَنْ يَأْخُذ مِنْ رَبّ الْمَال فَوْق الَّذِي أَلْزَمَ اللَّه مَاله . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 10927 - حَدَّثَنَا يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَا تُسْرِفُوا } قَالَ : قَالَ لِلسُّلْطَانِ : لَا تُسْرِفُوا , لَا تَأْخُذُوا بِغَيْرِ حَقّ ! فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَة بَيْن السُّلْطَان وَبَيْن النَّاس , يَعْنِي قَوْله : { كُلُوا مِنْ ثَمَره إِذَا أَثْمَرَ } . . . الْآيَة . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ نَهَى بِقَوْلِهِ : { وَلَا تُسْرِفُوا } عَنْ جَمِيع مَعَانِي الْإِسْرَاف , وَلَمْ يُخَصِّص مِنْهَا مَعْنًى دُون مَعْنًى . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ الْإِسْرَاف فِي كَلَام الْعَرَب : الْإِخْطَاء بِإِصَابَةِ الْحَقّ فِي الْعَطِيَّة , إِمَّا بِتَجَاوُزِ حَدّه فِي الزِّيَادَة وَإِمَّا بِتَقْصِيرٍ عَنْ حَدّه الْوَاجِب ; كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الْمُفَرِّقَ مَالَهُ مُبَارَاة وَالْبَاذِلَة لِلنَّاسِ حَتَّى أَجْحَفَتْ بِهِ عَطِيَّته , مُسْرِفٌ بِتَجَاوُزِهِ حَدّ اللَّه إِلَى مَا كَيَّفَتْهُ لَهُ , وَكَذَلِكَ الْمُقَصِّر فِي بَذْله فِيمَا أَلْزَمَهُ اللَّه بَذْله فِيهِ , وَذَلِكَ كَمَنْعِهِ مَا أَلْزَمَهُ إِيتَاءَهُ مِنْهُ أَهْل سُهْمَان الصَّدَقَة إِذَا وَجَبَتْ فِيهِ , أَوْ مَنَعَهُ مَنْ أَلْزَمَهُ اللَّه نَفَقَته مِنْ أَهْله وَعِيَاله مَا أَلْزَمَهُ مِنْهَا , وَكَذَلِكَ السُّلْطَان فِي أَخْذه مِنْ رَعِيَّته مَا لَمْ يَأْذَن اللَّه بِأَخْذِهِ . كُلّ هَؤُلَاءِ فِيمَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ مُسْرِفُونَ , دَاخِلُونَ فِي مَعْنَى مَنْ أَتَى مَا نَهَى اللَّه عَنْهُ مِنْ الْإِسْرَاف بِقَوْلِهِ : { وَلَا تُسْرِفُوا } فِي عَطِيَّتكُمْ مِنْ أَمْوَالكُمْ مَا يُجْحِف بِكُمْ , إِذْ كَانَ مَا قَبْله مِنْ الْكَلَام أَمْرًا مِنْ اللَّه بِإِيتَاءِ الْوَاجِب فِيهِ أَهْله يَوْم حَصَاده , فَإِنَّ الْآيَة قَدْ كَانَتْ تَنْزِل عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبٍ خَاصّ مِنْ الْأُمُور وَالْحُكْم بِهَا عَلَى الْعَامّ , بَلْ عَامَّة آي الْقُرْآن كَذَلِكَ , فَكَذَلِكَ قَوْله : { وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ } . وَمِنْ الدَّلِيل عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ مَعْنَى الْإِسْرَاف أَنَّهُ عَلَى مَا قُلْنَا قَوْل الشَّاعِر : أَعْطَوْا هُنَيْدَة يَحْدُوهَا ثَمَانِيَةٌ مَا فِي عَطَائِهِمْ مَنٌّ وَلَا سَرَفُ يَعْنِي بِالسَّرَفِ : الْخَطَأ فِي الْعَطِيَّة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالنَّخْل وَالزَّرْع مُخْتَلِفًا أُكُله وَالزَّيْتُون وَالرُّمَّان مُتَشَابِهًا وَغَيْر مُتَشَابِه كُلُوا مِنْ ثَمَره إِذَا أَثْمَرَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَأَنْشَأَ النَّخْل وَالزَّرْع مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ , يَعْنِي بِالْأَكْلِ : الثَّمَر , يَقُول : وَخَلَقَ النَّخْل وَالزَّرْع مُخْتَلِفًا مَا يَخْرُج مِنْهُ مَا يُؤْكَل مِنْ الثَّمَر وَالْحَبّ وَالزَّيْتُون وَالرُّمَّان , مُتَشَابِهًا وَغَيْر مُتَشَابِه فِي الطَّعْم , مِنْهُ الْحُلْو وَالْحَامِض وَالْمُزّ كَمَا : 10870 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { مُتَشَابِهًا وَغَيْر مُتَشَابِه } قَالَ : مُتَشَابِهًا فِي الْمَنْظَر , وَغَيْر مُتَشَابِه فِي الطَّعْم . وَأَمَّا قَوْله : { كُلُوا مِنْ ثَمَره إِذَا أَثْمَرَ } فَإِنَّهُ يَقُول : كُلُوا مِنْ رُطَبه مَا كَانَ رُطَبًا ثَمَره . كَمَا : 10871 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا أَبُو هَمَّام الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : ثَنَا مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب , فِي قَوْله : { كُلُوا مِنْ ثَمَره إِذَا أَثْمَرَ } قَالَ : مِنْ رُطَبه وَعِنَبه . 10872 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن الزِّبْرِقَان , قَالَ : ثَنَا مُوسَى بْن عُبَيْدَة فِي قَوْله : { كُلُوا مِنْ ثَمَره إِذَا أَثْمَرَ } قَالَ : مِنْ رُطَبه وَعِنَبه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْم حَصَاده } . اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هَذَا أَمْر مِنْ اللَّه بِإِيتَاءِ الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة مِنْ الثَّمَر وَالْحَبّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10873 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثَنَا يُونُس , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْم حَصَاده } قَالَ : الزَّكَاة . 10874 - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثَنَا عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثَنَا يَزِيد بْن دِرْهَم , قَالَ : سَمِعْت أَنَس بْن مَالِك يَقُول : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْم حَصَاده } قَالَ : الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة . 10875 - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثَنَا مُعَلَّى بْن أَسَد , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْوَاحِد بْن زِيَاد , قَالَ : ثَنَا الْحَجَّاج بْن أَرْطَاة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْم حَصَاده } قَالَ : الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر . - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا هَانِئ بْن سَعِيد , عَنْ حَجَّاج , عَنْ مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر . 10876 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ وَابْن وَكِيع وَابْن بَشَّار , قَالُوا : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا إِبْرَاهِيم بْن نَافِع الْمَكِّيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ أَبِيهِ , فِي قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : الزَّكَاة . 10877 - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا أَبُو هِلَال , عَنْ حَيَّان الْأَعْرَج , عَنْ جَابِر بْن زَيْد : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْم حَصَاده } قَالَ : الزَّكَاة . 10878 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا يُونُس , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْم حَصَاده } قَالَ : هِيَ الصَّدَقَة . قَالَ : ثُمَّ سُئِلَ عَنْهَا مَرَّة أُخْرَى , فَقَالَ : هِيَ الصَّدَقَة مِنْ الْحَبّ وَالثِّمَار . 10879 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن بَكْر , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْر بْن عَبْد اللَّه , عَنْ عَمْرو بْن سُلَيْمَان وَغَيْره , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , أَنَّهُ قَالَ : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة . - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : هِيَ الصَّدَقَة مِنْ الْحَبّ وَالثِّمَار . 10880 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } يَعْنِي بِحَقِّهِ : زَكَاته الْمَفْرُوضَة , يَوْم يُكَال أَوْ يُعْلَم كَيْله . 10881 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُل كَانَ إِذَا زَرَعَ فَكَانَ يَوْم حَصَاده , وَهُوَ أَنْ يَعْلَم مَا كَيْله وَحَقّه , فَيُخْرِج مِنْ كُلّ عَشَرَة وَاحِدًا , وَمَا يَلْتَقِط النَّاس مِنْ سُنْبُله . 10882 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } وَحَقّه يَوْم حَصَاده : الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة , ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَّ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ أَوْ الْعَيْن السَّائِحَة , أَوْ سَقَاهُ الطَّلّ - وَالطَّلّ - النَّدَى - أَوْ كَانَ بَعْلًا الْعُشْر كَامِلًا ; وَإِنْ سُقِيَ بِرِشَاءٍ : نِصْف الْعُشْر . قَالَ قَتَادَة : وَهَذَا فِيمَا يُكَال مِنْ الثَّمَرَة , وَكَانَ هَذَا إِذَا بَلَغَتْ الثَّمَرَة خَمْسَة أَوْسُق , وَذَلِكَ ثَلَاثمِائَةِ صَاع , فَقَدْ حَقَّ فِيهَا الزَّكَاة , وَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُعْطُوا مَا لَا يُكَال مِنْ الثَّمَرَة عَلَى قَدْر ذَلِكَ . 10883 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة وَطَاوُس : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَاده } قَالَا : هُوَ الزَّكَاة . 10884 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ سَالِم الْمَكِّيّ , عَنْ مُحَمَّد اِبْن الْحَنَفِيَّة , قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : يَوْم كَيْله , يُعْطِي الْعُشْر أَوْ نِصْف الْعُشْر . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثَنَا شَرِيك , عَنْ سَالِم الْمَكِّيّ , عَنْ مُحَمَّد اِبْن الْحَنَفِيَّة , قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : الْعُشْر , وَنِصْف الْعُشْر . 10885 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ مَعْمَر , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , وَعَنْ قَتَادَة : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَا : الزَّكَاة . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة الضَّرِير , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مِقْسَم , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ شَرِيك , عَنْ الْحَكَم بْن عُتَيْبَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . 10886 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك , يَقُول فِي قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } يَعْنِي : يَوْم كَيْله مَا كَانَ مِنْ بُرّ أَوْ تَمْر أَوْ زَبِيب . وَحَقّه : زَكَاته . 10887 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { كُلُوا مِنْ ثَمَره إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : كُلّ مِنْهُ , وَإِذَا حَصَدْته فَآتِ حَقّه . وَحَقّه : عُشُوره . - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ يُونُس بْن عُبَيْد , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : الزَّكَاة إِذَا كِلْته . - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ أَبِي رَجَاء , قَالَ : سَأَلْت الْحَسَن , عَنْ قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : الزَّكَاة . 10888 - حَدَّثَنِي اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثَنَا عَمْرو بْن أَبِي سَلَمَة , قَالَ : سَأَلْت اِبْن زَيْد بْن أَسْلَمَ عَنْ قَوْل اللَّه : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } فَقُلْت لَهُ : هُوَ الْعُشُور ؟ قَالَ : نَعَمْ , فَقُلْت لَهُ : عَنْ أَبِيك ؟ قَالَ : عَنْ أَبِي وَغَيْره . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ حَقّ أَوْجَبَهُ اللَّه فِي أَمْوَال أَهْل الْأَمْوَال , غَيْر الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10889 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : شَيْئًا سِوَى الْحَقّ الْوَاجِب . قَالَ : وَكَانَ فِي كِتَابه " عَنْ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن " . 10890 - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , فِي قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : الْقَبْضَة مِنْ الطَّعَام . 10891 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن بَكْر , عَنْ اِبْن جَرِير , عَنْ عَطَاء : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : مِنْ النَّخْل وَالْعِنَب وَالْحَبّ كُلّه . 10892 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن بَكْر , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : أَرَأَيْت مَا حَصَدْت مِنْ الْفَوَاكِه ؟ قَالَ : وَمِنْهَا أَيْضًا تُؤْتِي . وَقَالَ : مِنْ كُلّ شَيْء حَصَدْت تُؤْتِي مِنْهُ حَقّه يَوْم حَصَاده , مِنْ نَخْل أَوْ عِنَب أَوْ حَبّ أَوْ فَوَاكِه أَوْ خُضَر أَوْ قَصَب , مِنْ كُلّ شَيْء مِنْ ذَلِكَ . قُلْت لِعَطَاءٍ : أَوَاجِب عَلَى النَّاس ذَلِكَ كُلّه ؟ قَالَ : نَعَمْ ; ثُمَّ تَلَا : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } . قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : { آتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } هَلْ فِي ذَلِكَ شَيْء مُؤَقَّت مَعْلُوم ؟ قَالَ : لَا . 10893 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , فِي قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : يُعْطِي مِنْ حَصَاده يَوْمئِذٍ مَا تَيَسَّرَ , وَلَيْسَ بِالزَّكَاةِ . - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا عِيسَى بْن يُونُس , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : لَيْسَ بِالزَّكَاةِ , وَلَكِنْ يُطْعِم مَنْ حَضَرَهُ سَاعَتئِذٍ حَصَده . 10894 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ الْعَلَاء بْن الْمُسَيِّب , عَنْ حَمَّاد : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : كَانُوا يُعْطُونَ رُطَبًا . 10895 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثَنَا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : إِذَا حَضَرَك الْمَسَاكِين طَرَحْت لَهُمْ مِنْهُ , وَإِذَا أَنْقَيْته وَأَخَذْت فِي كَيْله حَثَوْت لَهُمْ مِنْهُ , وَإِذَا عَلِمْت كَيْله عَزَلْت زَكَاته , وَإِذَا أَخَذْت فِي جِدَاد النَّخْل طَرَحْت لَهُمْ مِنْ الثَّفَارِيق ; وَإِذَا أَخَذْت فِي كَيْله حَثَوْت لَهُمْ مِنْهُ , وَإِذَا عَلِمْت كَيْله عَزَلْت زَكَاته . 10896 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : سِوَى الْفَرِيضَة . - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : يُلْقِي إِلَى السُّؤَّال عِنْد الْحَصَاد مِنْ السُّنْبُل , فَإِذَا طِبْنَ - أَوْ طين الشَّكّ مِنْ أَبِي جَعْفَر - أَلْقَى إِلَيْهِمْ . فَإِذَا حَمَلَهُ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلهُ كُدْسًا أَلْقَى إِلَيْهِمْ , وَإِذَا دَاسَ أَطْعَمَ مِنْهُ , وَإِذَا فَرَغَ وَعَلِمَ كَمْ كَيْله عَزَلَ زَكَاته . وَقَالَ : فِي النَّخْل عِنْد الْجِدَاد يُطْعِم مِنْ الثَّمَرَة وَالشَّمَارِيخ , فَإِذَا كَانَ عِنْد كَيْله أَطْعَمَ مِنْ التَّمْر , فَإِذَا فَرَغَ عَزَلَ زَكَاته . - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ وَمُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَا : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : إِذَا حَصَدَ الزَّرْع أَلْقَى مِنْ السُّنْبُل , وَإِذَا جَدَّ النَّخْل أَلْقَى مِنْ الشَّمَارِيخ , فَإِذَا كَالَهُ زَكَّاهُ . - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : عِنْد الْحَصَاد , وَعِنْد الدِّيَاس , وَعِنْد الصِّرَام يَقْبِض لَهُمْ مِنْهُ , فَإِذَا كَالَهُ عَزَلَ زَكَاته . * وَبِهِ عَنْ سُفْيَان , عَنْ مُجَاهِد مِثْله , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : سِوَى الزَّكَاة . - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : شَيْء سِوَى الزَّكَاة فِي الْحَصَاد وَالْجِدَاد , إِذَا حَصَدُوا وَإِذَا جَدُّوا . 10897 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , فِي قَوْل اللَّه : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قَالَ : وَاجِب حِين يُصْرَم . - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ قَالَ : قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : إِذَا حَصَدَ أَطْعَمَ , وَإِذَا أَدْخَلَهُ الْبَيْدَر , وَإِذَا دَاسَهُ أَطْعَمَ مِنْهُ . 10898 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : يُطْعِم الْمُعَتَّر سِوَى مَا يُعْطِي مِنْ الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر . * وَبِهِ عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : قَبْضَة عِنْد الْحَصَاد , وَقَبْضَة عِنْد الْجِدَاد . 10899 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا حَفْص , عَنْ أَشْعَث , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , قَالَ : كَانُوا يُعْطُونَ مَنْ اِعْتَرَّ بِهِمْ الشَّيْء . 10900 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : الضِّغْث . * حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : يُعْطِي مِثْل الضِّغْث . - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثَنَا حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْم حَصَاده } قَالَ : مِثْل هَذَا مِنْ الضِّغْث . وَوَضَعَ يَحْيَى إِصْبَعه الْإِبْهَام عَلَى الْمَفْصِل الثَّانِي مِنْ السَّبَّابَة . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : نَحْو الضِّغْث . - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : يُعْطِي ضِغْثًا . 10901 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا كَثِير بْن هِشَام , قَالَ : ثَنَا جَعْفَر بْن بُرْقَان , عَنْ يَزِيد بْن الْأَصَمّ , قَالَ : كَانَ النَّخْل إِذَا صُرِمَ يَجِيء الرَّجُل بِالْعِذْقِ مِنْ نَخْله فَيُعَلِّقهُ فِي جَانِب الْمَسْجِد , فَيَجِيء الْمِسْكِين فَيَضْرِبهُ بِعَصَاهُ , فَإِذَا تَنَاثَرَ أَكَلَ مِنْهُ . فَدَخَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ حَسَن أَوْ حُسَيْن , فَتَنَاوَلَ تَمْرَة , فَانْتَزَعَهَا مِنْ فِيهِ , وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْكُل الصَّدَقَة , وَلَا أَهْل بَيْته . فَذَلِكَ قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } . 10902 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا خَالِد بْن حَيَّان , عَنْ جَعْفَر بْن بُرْقَان , عَنْ مَيْمُون بْن مِهْرَان , وَيَزِيد بْن الْأَصَمّ , قَالَا : كَانَ أَهْل الْمَدِينَة إِذَا صَرُمُوا يَجِيئُونَ بِالْعِذْقِ فَيَضَعُونَهُ فِي الْمَسْجِد , ثُمَّ يَجِيء السَّائِل فَيَضْرِبهُ بِعَصَاهُ , فَيَسْقُط مِنْهُ , وَهُوَ قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } . - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثَنَا زَيْد بْن أَبِي الزَّرْقَاء , عَنْ جَعْفَر , عَنْ يَزِيد وَمَيْمُون , فِي قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَا : كَانَ الرَّجُل إِذَا جَدَّ النَّخْل يَجِيء بِالْعِذْقِ فَيُعَلِّقهُ فِي جَانِب الْمَسْجِد , فَيَأْتِيه الْمِسْكِين فَيَضْرِبهُ بِعَصَاهُ , فَيَأْكُل مَا يَتَنَاثَر مِنْهُ . 10903 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد اللَّه , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : لَقَط السُّنْبُل . 10904 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ عَبْد الْكَرِيم الْجَزْرِيّ , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانُوا يُعَلِّقُونَ الْعِذْق فِي الْمَسْجِد عِنْد الصِّرَام , فَيَأْكُل مِنْهُ الضَّعِيف . * وَبِهِ عَنْ مَعْمَر , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } يُطْعِم الشَّيْء عِنْد صِرَامه . 10905 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثَنَا شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : الضِّغْث وَمَا يَقَع مِنْ السُّنْبُل . 10906 - وَبِهِ عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : الْعَلَف . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد , فِي قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : كَانَ هَذَا قَبْل الزَّكَاة لِلْمَسَاكِين , الْقَبْضَة وَالضِّغْث لِعَلَفِ دَابَّته . 10907 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن رِفَاعَة , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب , فِي قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : مَا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ . 10908 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : عِنْد الزَّرْع يُعْطِي الْقَبْض , وَعِنْد الصِّرَام يُعْطِي الْقَبْض , وَيَتْرُكهُمْ فَيَتَتَبَّعُونَ آثَار الصِّرَام . وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَ هَذَا شَيْئًا أَمَرَ اللَّه بِهِ الْمُؤْمِنِينَ قَبْل أَنْ تُفْرَض عَلَيْهِمْ الصَّدَقَة الْمُؤَقَّتَة , ثُمَّ نَسَخَتْهُ الصَّدَقَة الْمَعْلُومَة , فَلَا فَرْض فِي مَال كَائِنًا مَا كَانَ زَرْعًا كَانَ أَوْ غَرْسًا , إِلَّا الصَّدَقَة الَّتِي فَرَضَهَا اللَّه فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10909 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ حَجَّاج , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مِقْسَم , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : نَسَخَهَا الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا حَفْص , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ الْحَكَم , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : نَسَخَهَا الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر . 10910 - وَبِهِ عَنْ حَجَّاج , عَنْ سَالِم , عَنْ اِبْن الْحَنَفِيَّة , قَالَ : نَسَخَهَا الْعُشْر , وَنِصْف الْعُشْر . 10911 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : هَذَا قَبْل الزَّكَاة , فَلَمَّا نَزَلَتْ الزَّكَاة نَسَخَتْهَا , فَكَانُوا يُعْطُونَ الضِّغْث . 10912 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد وَأَبُو وَكِيع , قَالَا : ثَنَا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ شِبَاك , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ حَتَّى سُنَّ الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر ; فَلَمَّا سُنَّ الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر تُرِكَ . - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ شِبَاك , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قَالَ : هِيَ مَنْسُوخَة , نَسَخَتْهَا الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر . - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : نَسَخَتْهَا الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر . * حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ شِبَاك , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : نَسَخَتْهَا الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر . 10913 - وَبِهِ عَنْ سُفْيَان , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : نَسَخَتْهَا الزَّكَاة . 10914 - وَبِهِ عَنْ سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : نَسَخَتْهَا الزَّكَاة : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْم حَصَاده } . - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثَنَا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ شِبَاك , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : هَذِهِ السُّورَة مَكِّيَّة نَسَخَتْهَا الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر , قُلْت : عَمَّنْ ؟ قَالَ : عَنْ الْعُلَمَاء . * وَبِهِ عَنْ سُفْيَان , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ شِبَاك , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : نَسَخَتْهَا الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر . 10915 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , أَمَّا : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْم حَصَاده } فَكَانُوا إِذَا مَرَّ بِهِمْ أَحَد يَوْم الْحَصَاد أَوْ الْجِدَاد أَطْعَمُوهُ مِنْهُ , فَنَسَخَهَا اللَّه عَنْهُمْ بِالزَّكَاةِ , وَكَانَ فِيمَا أَنْبَتَتْ الْأَرْض الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر . 10916 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : كَانُوا يُرْضَخُونَ لِقَرَابَتِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ . 10917 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَطِيَّة : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : نَسَخَهُ الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر ; كَانُوا يُعْطُونَ إِذَا حَصَدُوا وَإِذَا ذَرَّوْا , فَنَسَخَتْهَا الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : كَانَ ذَلِكَ فَرْضًا فَرَضَهُ اللَّه عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي طَعَامهمْ وَثِمَارهمْ الَّتِي تُخْرِجُهَا زُرُوعُهُمْ وَغُرُوسهم , ثُمَّ نَسَخَهُ اللَّه بِالصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَة , وَالْوَظِيفَة الْمَعْلُومَة مِنْ الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر ; وَذَلِكَ أَنَّ الْجَمِيع مُجْمِعُونَ لَا خِلَاف بَيْنهمْ أَنَّ صَدَقَة الْحَرْث لَا تُؤْخَذ إِلَّا بَعْد الدِّيَاس وَالتَّنْقِيَة وَالتَّذْرِيَة , وَأَنَّ صَدَقَة التَّمْر لَا تُؤْخَذ إِلَّا بَعْد الْجَفَاف . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } يُنْبِئ عَنْ أَنَّهُ أَمْر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِإِيتَاءِ حَقّه يَوْم حَصَاده , وَكَانَ يَوْم حَصَاده هُوَ يَوْم جَدّه وَقَطْعه ; وَالْحَبّ لَا شَكَّ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْم فِي سُنْبُلِهِ , وَالثَّمَر وَإِنْ كَانَ ثَمَر نَخْل أَوْ كَرْم غَيْر مُسْتَحْكَم جُفُوفه وَيُبْسه , وَكَانَتْ الصَّدَقَة مِنْ الْحَبّ إِنَّمَا تُؤْخَذ بَعْد دِيَاسه وَتَذْرِيَته وَتَنْقِيَته كَيْلًا , وَالتَّمْر إِنَّمَا تُؤْخَذ صَدَقَته بَعْد اِسْتِحْكَام يُبْسه وَجُفُوفه كَيْلًا ; عُلِمَ أَنَّ مَا يُؤْخَذ صَدَقَة بَعْد حِين حَصْده غَيْر الَّذِي يَجِب إِيتَاؤُهُ الْمَسَاكِين يَوْم حَصَاده . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا تُنْكِر أَنْ يَكُون ذَلِكَ إِيجَابًا مِنْ اللَّه فِي الْمَال حَقًّا سِوَى الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة ؟ قِيلَ : لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُون ذَلِكَ فَرْضًا وَاجِبًا أَوْ نَفْلًا , فَإِنْ يَكُنْ فَرْضًا وَاجِبًا فَقَدْ وَجَبَ أَنْ يَكُون سَبِيله سَبِيل الصَّدَقَات الْمَفْرُوضَات الَّتِي مَنْ فَرَّطَ فِي أَدَائِهَا إِلَى أَهْلهَا كَانَ بِرَبِّهِ آثِمًا وَلِأَمْرِهِ مُخَالِفًا , وَفِي قِيَام الْحُجَّة بِأَنْ لَا فَرْض لِلَّهِ فِي الْمَال بَعْد الزَّكَاة يَجِب وُجُوب الزَّكَاة سِوَى مَا يَجِب مِنْ النَّفَقَة لِمَنْ يَلْزَم الْمَرْء نَفَقَته مَا يُنْبِئ عَنْ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ كَذَلِكَ . أَوْ يَكُون ذَلِكَ نَفْلًا , فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ أَنْ يَكُون الْخِيَار فِي إِعْطَاء ذَلِكَ إِلَى رَبّ الْحَرْث وَالثَّمَر , وَفِي إِيجَاب الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ ذَلِكَ مَا يُنْبِئ عَنْ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ كَذَلِكَ . وَإِذَا خَرَجَتْ الْآيَة مِنْ أَنْ يَكُون مُرَادًا بِهَا النَّدْب , وَكَانَ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون لَهَا مَخْرَج فِي وُجُوب الْفَرْض بِهَا فِي هَذَا الْوَقْت , عُلِمَ أَنَّهَا مَنْسُوخَة . وَمَا يُؤَيِّد مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل دَلِيل عَلَى صِحَّته , أَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَتْبَعَ قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } { وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ } وَمَعْلُوم أَنَّ مِنْ حُكْم اللَّه فِي عِبَاده مُذْ فَرَضَ فِي أَمْوَالهمْ الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة الْمُؤَقَّتَة الْقَدْر , أَنَّ الْقَائِم بِأَخْذِ ذَلِكَ سَاسَتُهُمْ وَرُعَاتهمْ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَا وَجْه نَهْي رَبّ الْمَال عَنْ الْإِسْرَاف فِي إِيتَاء ذَلِكَ , وَالْآخِذ مُجْبِر , وَإِنَّمَا يَأْخُذ الْحَقّ الَّذِي فَرَضَ اللَّه فِيهِ ؟ فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ نَهْي مِنْ اللَّه الْقَيِّم بِأَخْذِ ذَلِكَ مِنْ الرُّعَاة عَنْ التَّعَدِّي فِي مَال رَبّ الْمَال وَالتَّجَاوُز إِلَى أَخْذ مَا لَمْ يُبَحْ لَهُ أَخْذه , فَإِنَّ آخِر الْآيَة , وَهُوَ قَوْله : { وَلَا تُسْرِفُوا } مَعْطُوف عَلَى أَوَّله وَهُوَ قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } . فَإِنْ كَانَ الْمَنْهِيّ عَنْ الْإِسْرَاف الْقَيِّم بِقَبْضِ ذَلِكَ , فَقَدْ يَجِب أَنْ يَكُون الْمَأْمُور بِإِتْيَانِهِ الْمَنْهِيّ عَنْ الْإِسْرَاف فِيهِ , وَهُوَ السُّلْطَان . وَذَلِكَ قَوْل إِنْ قَالَهُ قَائِل , كَانَ خَارِجًا مِنْ قَوْل جَمِيع أَهْل التَّأْوِيل وَمُخَالِفًا الْمَعْهُود مِنْ الْخِطَاب , وَكَفَى بِذَلِكَ شَاهِدًا عَلَى خَطَئِهِ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا تُنْكِر أَنْ يَكُون مَعْنَى قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } : وَآتُوا حَقّه يَوْم كَيْله , لَا يَوْم قَصْله وَقَطْعه , وَلَا يَوْم جِدَاده وَقِطَافه , فَقَدْ عَلِمْت مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَهْل التَّأْوِيل ؟ وَذَلِكَ مَا : 10918 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنَا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : يَوْم كَيْله . 10919 - وَحَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ سَالِم الْمَكِّيّ , عَنْ مُحَمَّد اِبْن الْحَنَفِيَّة , قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : يَوْم كَيْله يُعْطِي الْعُشْر وَنِصْف الْعُشْر . مَعَ آخَرِينَ , قَدْ ذَكَرْت الرِّوَايَة فِيمَا مَضَى عَنْهُمْ بِذَلِكَ ؟ قِيلَ : لِأَنَّ يَوْم كَيْله غَيْر يَوْم حَصَاده . وَلَنْ يَخْلُو مَعْنَى قَائِلِي هَذَا الْقَوْل مِنْ أَحَد أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُونُوا وَجَّهُوا مَعْنَى الْحَصَاد إِلَى مَعْنَى الْكَيْل , فَذَلِكَ مَا لَا يُعْقَل فِي كَلَام الْعَرَب لِأَنَّ الْحَصَاد وَالْحَصْد فِي كَلَامهمْ الْجَدّ وَالْقَطْع , لَا الْكَيْل . أَوْ يَكُونُوا وَجَّهُوا تَأْوِيل قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } إِلَى وَآتُوا حَقّه بَعْد يَوْم حَصَاده إِذَا كِلْتُمُوهُ . فَذَلِكَ خِلَاف ظَاهِر التَّنْزِيل , وَذَلِكَ أَنَّ الْأَمْر فِي ظَاهِر التَّنْزِيل بِإِيتَاءِ الْحَقّ مِنْهُ يَوْم حَصَاده لَا بَعْد يَوْم حَصَاده . وَلَا فَرْق بَيْن قَائِل : إِنَّمَا عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } بَعْد يَوْم حَصَاده , وَآخَر قَالَ : عَنَى بِذَلِكَ قَبْل يَوْم حَصَاده , لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا قَائِلَانِ قَوْلًا دَلِيل ظَاهِر التَّنْزِيل بِخِلَافِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ } . اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْإِسْرَاف الَّذِي نَهَى اللَّه عَنْهُ بِهَذِهِ الْآيَة , وَمَنْ الْمَنْهِيّ عَنْهُ . فَقَالَ بَعْضهمْ : الْمَنْهِيّ عَنْهُ : رَبّ النَّخْل وَالزَّرْع وَالثَّمَر ; وَالسَّرَف الَّذِي نَهَى اللَّه عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَة , مُجَاوَزَة الْقَدْر فِي الْعَطِيَّة إِلَى مَا يُجْحِف بِرُبِّ الْمَال . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10920 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : ثَنَا عَاصِم , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , فِي قَوْله : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده وَلَا تُسْرِفُوا } . . . الْآيَة , قَالَ : كَانُوا يُعْطُونَ شَيْئًا سِوَى الزَّكَاة , ثُمَّ تَسَارَفُوا , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ } . - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : كَانُوا يُعْطُونَ يَوْم الْحَصَاد شَيْئًا سِوَى الزَّكَاة , ثُمَّ تَبَارَوْا فِيهِ وَأَسْرَفُوا , فَقَالَ اللَّه : { وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ } . - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } قَالَ : كَانُوا يُعْطُونَ يَوْم الْحَصَاد شَيْئًا , ثُمَّ تَسَارَفُوا , فَقَالَ اللَّه : { وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ } . 10921 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : نَزَلَتْ فِي ثَابِت بْن قَيْس بْن شَمَّاس , جَدَّ نَخْلًا فَقَالَ : لَا يَأْتِيَن الْيَوْم أَحَد إِلَّا أَطْعَمْتهُ ! فَأَطْعَمَ حَتَّى أَمْسَى وَلَيْسَتْ لَهُ ثَمَرَة , فَقَالَ اللَّه : { وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ } . 10922 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن بَكْر , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قُلْت لِعَطَاء : { وَلَا تُسْرِفُوا } يَقُول : لَا تُسْرِفُوا فِيمَا يُؤْتَى يَوْم الْحَصَاد , أَمْ فِي كُلّ شَيْء ؟ قَالَ : بَلَى ! فِي كُلّ شَيْء يُنْهَى عَنْ السَّرَف . قَالَ : ثُمَّ عَاوَدْته بَعْد حِين , فَقُلْت : مَا قَوْله : { وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ } ؟ قَالَ : يُنْهَى عَنْ السَّرَف فِي كُلّ شَيْء . ثُمَّ تَلَا : { لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا } 25 67 . 10923 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد بْن هَارُون , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَان بْن حُسَيْن , عَنْ أَبِي بِشْر , قَالَ : أَطَافَ النَّاس بِإِيَاسِ بْن مُعَاوِيَة بِالْكُوفَةِ , فَسَأَلُوهُ : مَا السَّرَف ؟ فَقَالَ : مَا تَجَاوَزَ أَمْر اللَّه فَهُوَ سَرَف . 10924 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَا تُسْرِفُوا } لَا تُعْطُوا أَمْوَالكُمْ فَتَغْدُوا فُقَرَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : الْإِسْرَاف الَّذِي نَهَى اللَّه عَنْهُ فِي هَذَا الْمَوْضِع : مَنْع الصَّدَقَة وَالْحَقّ الَّذِي أَمَرَ اللَّه رَبّ الْمَال بِإِيتَائِهِ أَهْله بِقَوْلِهِ : { وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده } . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10925 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن بَكْر , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْر بْن عَبْد اللَّه , عَنْ عَمْرو بْن سُلَيْم وَغَيْره , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , فِي قَوْله : { وَلَا تُسْرِفُوا } قَالَ : لَا تَمْنَعُوا الصَّدَقَة فَتَعْصُوا . 10926 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن الزِّبْرِقَان , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن عُبَيْدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب : { وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ } وَالسَّرَف : أَنْ لَا يُعْطِي فِي حَقّ . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا خُوطِبَ بِهَذَا السُّلْطَان : نُهِيَ أَنْ يَأْخُذ مِنْ رَبّ الْمَال فَوْق الَّذِي أَلْزَمَ اللَّه مَاله . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 10927 - حَدَّثَنَا يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَا تُسْرِفُوا } قَالَ : قَالَ لِلسُّلْطَانِ : لَا تُسْرِفُوا , لَا تَأْخُذُوا بِغَيْرِ حَقّ ! فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَة بَيْن السُّلْطَان وَبَيْن النَّاس , يَعْنِي قَوْله : { كُلُوا مِنْ ثَمَره إِذَا أَثْمَرَ } . . . الْآيَة . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ نَهَى بِقَوْلِهِ : { وَلَا تُسْرِفُوا } عَنْ جَمِيع مَعَانِي الْإِسْرَاف , وَلَمْ يُخَصِّص مِنْهَا مَعْنًى دُون مَعْنًى . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ الْإِسْرَاف فِي كَلَام الْعَرَب : الْإِخْطَاء بِإِصَابَةِ الْحَقّ فِي الْعَطِيَّة , إِمَّا بِتَجَاوُزِ حَدّه فِي الزِّيَادَة وَإِمَّا بِتَقْصِيرٍ عَنْ حَدّه الْوَاجِب ; كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الْمُفَرِّقَ مَالَهُ مُبَارَاة وَالْبَاذِلَة لِلنَّاسِ حَتَّى أَجْحَفَتْ بِهِ عَطِيَّته , مُسْرِفٌ بِتَجَاوُزِهِ حَدّ اللَّه إِلَى مَا كَيَّفَتْهُ لَهُ , وَكَذَلِكَ الْمُقَصِّر فِي بَذْله فِيمَا أَلْزَمَهُ اللَّه بَذْله فِيهِ , وَذَلِكَ كَمَنْعِهِ مَا أَلْزَمَهُ إِيتَاءَهُ مِنْهُ أَهْل سُهْمَان الصَّدَقَة إِذَا وَجَبَتْ فِيهِ , أَوْ مَنَعَهُ مَنْ أَلْزَمَهُ اللَّه نَفَقَته مِنْ أَهْله وَعِيَاله مَا أَلْزَمَهُ مِنْهَا , وَكَذَلِكَ السُّلْطَان فِي أَخْذه مِنْ رَعِيَّته مَا لَمْ يَأْذَن اللَّه بِأَخْذِهِ . كُلّ هَؤُلَاءِ فِيمَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ مُسْرِفُونَ , دَاخِلُونَ فِي مَعْنَى مَنْ أَتَى مَا نَهَى اللَّه عَنْهُ مِنْ الْإِسْرَاف بِقَوْلِهِ : { وَلَا تُسْرِفُوا } فِي عَطِيَّتكُمْ مِنْ أَمْوَالكُمْ مَا يُجْحِف بِكُمْ , إِذْ كَانَ مَا قَبْله مِنْ الْكَلَام أَمْرًا مِنْ اللَّه بِإِيتَاءِ الْوَاجِب فِيهِ أَهْله يَوْم حَصَاده , فَإِنَّ الْآيَة قَدْ كَانَتْ تَنْزِل عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبٍ خَاصّ مِنْ الْأُمُور وَالْحُكْم بِهَا عَلَى الْعَامّ , بَلْ عَامَّة آي الْقُرْآن كَذَلِكَ , فَكَذَلِكَ قَوْله : { وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ } . وَمِنْ الدَّلِيل عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ مَعْنَى الْإِسْرَاف أَنَّهُ عَلَى مَا قُلْنَا قَوْل الشَّاعِر : أَعْطَوْا هُنَيْدَة يَحْدُوهَا ثَمَانِيَةٌ مَا فِي عَطَائِهِمْ مَنٌّ وَلَا سَرَفُ يَعْنِي بِالسَّرَفِ : الْخَطَأ فِي الْعَطِيَّة .
وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْ الْأَنْعَام حَمُولَة وَفَرْشًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْرهُ : وَأَنْشَأَ مِنْ الْأَنْعَام حَمُولَة وَفَرْشًا , مَعَ مَا أَنْشَأَ مِنْ الْجَنَّات الْمَعْرُوشَات وَغَيْر الْمَعْرُوشَات . وَالْحَمُولَة : مَا حُمِلَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِبِل وَغَيْرهَا , وَالْفَرْش : صِغَار الْإِبِل الَّتِي لَمْ تُدْرِك أَنْ يُحْمَل عَلَيْهَا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : الْحَمُولَة : مَا حُمِلَ عَلَيْهِ مِنْ كِبَار الْإِبِل وَمَسَانّهَا ; وَالْفَرْش : صِغَارهَا الَّتِي لَا يُحْمَل عَلَيْهَا لِصِغَرِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10928 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ عَبْد اللَّه , فِي قَوْله : { حَمُولَة وَفَرْشًا } قَالَ : الْحَمُولَة : الْكِبَار مِنْ الْإِبِل ; وَفَرْشًا : الصِّغَار مِنْ الْإِبِل . * وَقَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ أَبِي بَكْر الْهُذَلِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : الْحَمُولَة هِيَ الْكِبَار , وَالْفَرْش : الصِّغَار مِنْ الْإِبِل . 10929 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْحَمُولَة : مَا حَمَلَ مِنْ الْإِبِل , وَالْفَرْش : مَا لَمْ يَحْمِل . * وَبِهِ عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد : الْحَمُولَة : مَا حَمَلَ مِنْ الْإِبِل , وَالْفَرْش : مَا لَمْ يَحْمِل . - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { وَفَرْشًا } قَالَ : صِغَار الْإِبِل . - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ عَبْد اللَّه , فِي قَوْله : { حَمُولَة وَفَرْشًا } قَالَ : الْحَمُولَة : الْكِبَار , وَالْفَرْش : الصِّغَار . - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ اِبْن مَسْعُود فِي قَوْله : { حَمُولَة وَفَرْشًا } الْحَمُولَة : مَا حَمَلَ مِنْ الْإِبِل , وَالْفَرْش : هُنَّ الصِّغَار . - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص عَنْ عَبْد اللَّه , أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { حَمُولَة وَفَرْشًا } قَالَ : الْحَمُولَة : مَا حُمِلَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِبِل , وَالْفَرْش : الصِّغَار . قَالَ اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ مُحَمَّد , قَالَ شُعْبَة : إِنَّمَا كَانَ حَدَّثَنِي سُفْيَان عَنْ اِبْن إِسْحَاق . 10930 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : قَالَ الْحَسَن : الْحَمُولَة مِنْ الْإِبِل وَالْبَقَر . وَقَالَ بَعْضهمْ : الْحَمُولَة مِنْ الْإِبِل , وَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْحَمُولَة فَهُوَ الْفَرْش . 10931 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن : { حَمُولَة وَفَرْشًا } قَالَ : الْحَمُولَة : مَا حُمِلَ عَلَيْهِ , وَالْفَرْش : حَوَاشِيهَا , يَعْنِي صِغَارهَا . 10932 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنَا عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمِنْ الْأَنْعَام حَمُولَة وَفَرْشًا } فَالْحَمُولَة مَا حَمَلَ مِنْ الْإِبِل , وَالْفَرْش , : صِغَار الْإِبِل , الْفَصِيل وَمَا دُون ذَلِكَ مِمَّا لَا يَحْمِل . وَيُقَال : الْحَمُولَة : مِنْ الْبَقَر وَالْإِبِل , وَالْفَرْش : الْغَنَم . وَقَالَ آخَرُونَ : الْحَمُولَة : مَا حُمِلَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِبِل وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَغَيْر ذَلِكَ , وَالْفَرْش : الْغَنَم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10932 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمِنْ الْأَنْعَام حَمُولَة وَفَرْشًا } فَأَمَّا الْحَمُولَة : فَالْإِبِل وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحَمِير , وَكُلّ شَيْء يُحْمَل عَلَيْهِ ; وَأَمَّا الْفَرْش : فَالْغَنَم . 10934 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد اللَّه , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس : الْحَمُولَة مِنْ الْإِبِل وَالْبَقَر , وَفَرْشًا : الْمَعْز وَالضَّأْن . 10935 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَمِنْ الْأَنْعَام حَمُولَة وَفَرْشًا } قَالَ : أَمَّا الْحَمُولَة : فَالْإِبِل وَالْبَقَر . قَالَ : وَأَمَّا الْفَرْش : فَالْغَنَم . 10936 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , كَانَ غَيْر الْحَسَن يَقُول : الْحَمُولَة : الْإِبِل وَالْبَقَر , وَالْفَرْش : الْغَنَم . 10937 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَمِنْ الْأَنْعَام حَمُولَة وَفَرْشًا } أَمَّا الْحَمُولَة : فَالْإِبِل . وَأَمَّا الْفَرْش : فَالْفُصْلَان وَالْعَجَاجِيل وَالْغَنَم , وَمَا حُمِلَ عَلَيْهِ فَهُوَ حَمُولَة . 10938 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { حَمُولَة وَفَرْشًا } الْحَمُولَة : الْإِبِل , وَالْفَرْش , الْغَنَم . 10939 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ أَبِي بَكْر الْهُذَلِيّ , عَنْ الْحَسَن : { وَفَرْشًا } قَالَ : الْفَرْش : الْغَنَم . 10940 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { حَمُولَة وَفَرْشًا } قَالَ : الْحَمُولَة : مَا تَرْكَبُونَ , وَالْفَرْش : مَا تَأْكُلُونَ وَتَحْلُبُونَ , شَاة لَا تَحْمِل , تَأْكُلُونَ لَحْمهَا , وَتَتَّخِذُونَ مِنْ أَصْوَافهَا لِحَافًا وَفَرْشًا . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال : إِنَّ الْحَمُولَة : هِيَ مَا حَمَلَ مِنْ الْأَنْعَام , لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَتهَا إِذَا حَمَلَتْ , لَا أَنَّهُ اِسْم لَهَا كَالْإِبِلِ وَالْخَيْل وَالْبِغَال ; فَإِذَا كَانَتْ إِنَّمَا سُمِّيَتْ حَمُولَة لِأَنَّهَا تَحْمِل , فَالْوَاجِب أَنْ يَكُون كُلّ مَا حَمَلَ عَلَى ظَهْره مِنْ الْأَنْعَام فَحَمُولَة , وَهِيَ جَمْع لَا وَاحِد لَهَا مِنْ لَفْظهَا , كَالرَّكُوبَةِ وَالْجَزُورَة . وَكَذَلِكَ الْفَرْش إِنَّمَا هُوَ صِفَة لِمَا لَطَفَ فَقَرُبَ مِنْ الْأَرْض جِسْمه , فَيُقَال لَهُ الْفَرْش . وَأَحْسَبهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَمْثِيلًا لَهَا فِي اِسْتِوَاء أَسْنَانهَا وَلُطْفهَا بِالْفَرْشِ مِنْ الْأَرْض , وَهِيَ الْأَرْض الْمُسْتَوِيَة الَّتِي يَتَوَطَّؤُهَا النَّاس . فَأَمَّا الْحُمُولَة بِضَمِّ الْحَاء : فَإِنَّهَا الْأَحْمَال , وَهِيَ الْحُمُول أَيْضًا بِضَمِّ الْحَاء .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَات الشَّيْطَان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِين } . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , فَأَحَلَّ لَكُمْ ثَمَرَات حُرُوثِكُمْ وَغُرُوسكم وَلُحُوم أَنْعَامكُمْ , إِذْ حَرَّمَ بَعْض ذَلِكَ عَلَى أَنْفُسهمْ الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ , فَجَعَلُوا لِلَّهِ مَا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْث وَالْأَنْعَام نَصِيبًا , وَلِلشَّيْطَانِ مِثْله , فَقَالُوا : هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ , وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا . { وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَات الشَّيْطَان } كَمَا اِتَّبَعَهَا بَاحِرُو الْبَحِيرَة وَمُسِيبُو السَّوَائِب , فَتُحَرِّمُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ مِنْ طَيِّب رِزْق اللَّه الَّذِي رَزَقَكُمْ مَا حَرَّمُوهُ , فَتُطِيعُوا بِذَلِكَ الشَّيْطَان وَتَعْصُوا بِهِ الرَّحْمَن . كَمَا : 10941 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَات الشَّيْطَان } : لَا تَتَّبِعُوا طَاعَته هِيَ ذُنُوب لَكُمْ , وَهِيَ طَاعَة لِلْخَبِيثِ . إِنَّ الشَّيْطَان لَكُمْ عَدُوّ يَبْغِي هَلَاككُمْ وَصَدَّكُمْ عَنْ سَبِيل رَبّكُمْ , { مُبِين } قَدْ أَبَانَ لَكُمْ عُدْوَانه بِمُنَاصَبَتِهِ أَبَاكُمْ بِالْعَدَاوَةِ , حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْجَنَّة بِكَيْدِهِ وَخَدْعه , وَحَسَدًا مِنْهُ لَهُ وَبَغْيًا عَلَيْهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَات الشَّيْطَان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِين } . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , فَأَحَلَّ لَكُمْ ثَمَرَات حُرُوثِكُمْ وَغُرُوسكم وَلُحُوم أَنْعَامكُمْ , إِذْ حَرَّمَ بَعْض ذَلِكَ عَلَى أَنْفُسهمْ الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ , فَجَعَلُوا لِلَّهِ مَا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْث وَالْأَنْعَام نَصِيبًا , وَلِلشَّيْطَانِ مِثْله , فَقَالُوا : هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ , وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا . { وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَات الشَّيْطَان } كَمَا اِتَّبَعَهَا بَاحِرُو الْبَحِيرَة وَمُسِيبُو السَّوَائِب , فَتُحَرِّمُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ مِنْ طَيِّب رِزْق اللَّه الَّذِي رَزَقَكُمْ مَا حَرَّمُوهُ , فَتُطِيعُوا بِذَلِكَ الشَّيْطَان وَتَعْصُوا بِهِ الرَّحْمَن . كَمَا : 10941 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَات الشَّيْطَان } : لَا تَتَّبِعُوا طَاعَته هِيَ ذُنُوب لَكُمْ , وَهِيَ طَاعَة لِلْخَبِيثِ . إِنَّ الشَّيْطَان لَكُمْ عَدُوّ يَبْغِي هَلَاككُمْ وَصَدَّكُمْ عَنْ سَبِيل رَبّكُمْ , { مُبِين } قَدْ أَبَانَ لَكُمْ عُدْوَانه بِمُنَاصَبَتِهِ أَبَاكُمْ بِالْعَدَاوَةِ , حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْجَنَّة بِكَيْدِهِ وَخَدْعه , وَحَسَدًا مِنْهُ لَهُ وَبَغْيًا عَلَيْهِ .
ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ↑
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثَمَانِيَة أَزْوَاج مِنْ الضَّأْن اِثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْز اِثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اِشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَام الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } وَهَذَا تَقْرِيع مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْعَادِلِينَ بِهِ الْأَوْثَان مِنْ عَبَدَة الْأَصْنَام الَّذِي بَحَرُوا الْبَحَائِر وَسَيَّبُوا السَّوَائِب وَوَصَلُوا الْوَصَائِل , وَتَعْلِيم مِنْهُ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ , الْحُجَّة عَلَيْهِمْ فِي تَحْرِيمهمْ مَا حَرَّمُوا مِنْ ذَلِكَ , فَقَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ : { وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّات مَعْرُوشَات وَغَيْر مَعْرُوشَات } وَمِنْ الْأَنْعَام أَنْشَأَ حَمُولَة وَفَرْشًا . ثُمَّ بَيَّنَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْحَمُولَة وَالْفَرْش , فَقَالَ : { ثَمَانِيَة أَزْوَاج } وَإِنَّمَا نُصِبَ الثَّمَانِيَة , لِأَنَّهَا تَرْجَمَة عَنْ الْحَمُولَة وَالْفَرْش وَبَدَل مِنْهَا ; كَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَمِنْ الْأَنْعَام أَنْشَأَ ثَمَانِيَة أَزْوَاج ; فَلَمَّا قَدَّمَ قَبْل الثَّمَانِيَة الْحَمُولَة وَالْفَرْش بَيَّنَ ذَلِكَ بَعْد , فَقَالَ : { ثَمَانِيَة أَزْوَاج } عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى { مِنْ الضَّأْن اِثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْز اِثْنَيْنِ } فَذَلِكَ أَرْبَعَة , لِأَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْ الْأُنْثَيَيْنِ مِنْ الضَّأْن زَوْج , فَالْأُنْثَى مِنْهُ زَوْج الذَّكَر , وَالذَّكَر مِنْهُ زَوْج الْأُنْثَى , وَكَذَلِكَ ذَلِكَ مِنْ الْمَعْز وَمِنْ سَائِر الْحَيَوَان ; فَلِذَلِكَ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { ثَمَانِيهِ أَزْوَاج } كَمَا قَالَ : { وَمِنْ كُلّ شَيْء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } 51 49 لِأَنَّ الذَّكَر زَوْج الْأُنْثَى وَالْأُنْثَى زَوْج الذَّكَر , فَهُمَا زَوْجَانِ كَانَا اِثْنَيْنِ فَهُمَا زَوْجَانِ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجهَا لِيَسْكُن إِلَيْهَا } 7 189 وَكَمَا قَالَ : { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } 33 37 . وَكَمَا : 10942 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { مِنْ الضَّأْن اِثْنَيْنِ } ذَكَر وَأُنْثَى , { وَمِنْ الْإِبِل اِثْنَيْنِ } ذَكَر وَأُنْثَى , { وَمِنْ الْإِبِل اِثْنَيْنِ } ذَكَر وَأُنْثَى . وَيُقَال لِلِاثْنَيْنِ : هُمَا زَوْج كَمَا قَالَ لَبِيد : مِنْ كُلّ مَحْفُوف يُظِلّ عِصِيّه زَوْج عَلَيْهِ كِلَّة وَقِرَامهَا ثُمَّ قَالَ لَهُمْ : كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه مِنْ هَذِهِ الثِّمَار وَاللُّحُوم , وَارْكَبُوا هَذِهِ الْحَمُولَة أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , فَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَات الشَّيْطَان فِي تَحْرِيم مَا حَرَّمَ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَة بِغَيْرِ أَمْرِي إِيَّاهُمْ بِذَلِكَ . قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَرَّمُوا مَا حَرَّمُوا مِنْ الْحَرْث وَالْأَنْعَام , اِتِّبَاعًا لِلشَّيْطَانِ مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ اللَّه حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مُحَرِّمُونَ مِنْ ذَلِكَ : { آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ } رَبّكُمْ أَيّهَا الْكَذَبَة عَلَى اللَّه مِنْ الضَّأْن وَالْمَعْز , فَإِنَّهُمْ إِنْ اِدَّعَوْا ذَلِكَ وَأَقَرُّوا بِهِ , كَذَّبُوا أَنْفُسهمْ وَأَبَانُوا جَهْلهمْ , لِأَنَّهُمْ إِذَا قَالُوا : يُحَرِّم الذَّكَرَيْنِ مِنْ ذَلِكَ , أَوْجَبُوا تَحْرِيم كُلّ ذَكَرَيْنِ مِنْ وَلَد الضَّأْن وَالْمَعْز , وَهُمْ يَسْتَمْتِعُونَ بِلُحُومِ الذُّكْرَان مِنْهَا وَظُهُورهَا , وَفِي ذَلِكَ فَسَاد دَعْوَاهُمْ وَتَكْذِيب قَوْلهمْ . { أَمْ الْأُنْثَيَيْنِ } فَإِنَّهُمْ إِنْ قَالُوا : حَرَّمَ رَبُّنَا الْأُنْثَيَيْنِ , أَوْجَبُوا تَحْرِيم لُحُوم كُلّ أُنْثَى مِنْ وَلَد الضَّأْن وَالْمَعْز عَلَى أَنْفُسهمْ وَظُهُورهَا , وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا تَكْذِيب لَهُمْ , وَدَحْض دَعْوَاهُمْ أَنَّ رَبّهمْ حَرَّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , إِذْ كَانُوا يَسْتَمْتِعُونَ بِلُحُومِ بَعْض ذَلِكَ وَظُهُوره . { أَمَّا اِشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَام الْأُنْثَيَيْنِ } يَقُول : أَمْ حَرَّمَ مَا اِشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَام الْأُنْثَيَيْنِ , يَعْنِي أَرْحَام أُنْثَى الضَّأْن وَأُنْثَى الْمَعْز ; فَلِذَلِكَ قَالَ : أَرْحَام الْأُنْثَيَيْنِ . وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا لَوْ أَقَرُّوا بِهِ فَقَالُوا : حَرَّمَ عَلَيْنَا مَا اِشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَام الْأُنْثَيَيْنِ , بُطُول قَوْلهمْ وَبَيَان كَذِبِهِمْ , لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُقِرُّونَ بِإِقْرَارِهِمْ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّه حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ذُكُور الضَّأْن وَالْمَعْز وَإِنَاثهَا أَنْ يَأْكُلُوا لُحُومهَا أَوْ يَرْكَبُوا ظُهُورهَا , وَقَدْ كَانُوا يَسْتَمْتِعُونَ بِبَعْضِ ذُكُورهَا وَإِنَاثهَا , وَ " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { أَمَّا اِشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَام الْأُنْثَيَيْنِ } نَصْب عَطْفًا بِهَا عَلَى " الْأُنْثَيَيْنِ " . { نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ } يَقُول : قُلْ لَهُمْ : خَبِّرُونِي بِعِلْمٍ ذَلِكَ عَلَى صِحَّتِهِ , أَيّ ذَلِكَ حَرَّمَ رَبّكُمْ عَلَيْكُمْ وَكَيْف حَرَّمَ , { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } فِيمَا تَنْحَلُونَهُ رَبّكُمْ مِنْ دَعْوَاكُمْ وَتُضِيفُونَهُ إِلَيْهِ مِنْ تَحْرِيمكُمْ . وَإِنَّمَا هَذَا إِعْلَام مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيَّهُ أَنَّ كُلّ مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ فِي ذَلِكَ وَأَضَافُوهُ إِلَى اللَّه , فَهُوَ كَذِب عَلَى اللَّه , وَأَنَّهُ لَمْ يُحَرِّم شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ , وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا اِتَّبَعُوا فِي ذَلِكَ خُطُوَات الشَّيْطَان , وَخَالَفُوا أَمْرَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10943 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { ثَمَانِيَة أَزْوَاج مِنْ الضَّأْن اِثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْز اِثْنَيْنِ } . . . الْآيَة , إِنَّ كُلّ هَذَا لَمْ أُحَرِّم مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا ذَكَرًا وَلَا أُنْثَى . 10944 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { مِنْ الضَّأْن اِثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْز اِثْنَيْنِ } قَالَ : سَلْهُمْ { آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اِشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَام الْأُنْثَيَيْنِ } : أَيْ لَمْ أُحَرِّم مِنْ هَذَا شَيْئًا . { بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } فَذَكَرَ مَنْ الْإِبِل وَالْبَقَر نَحْو ذَلِكَ . 10945 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { ثَمَانِيَة أَزْوَاج } فِي شَأْن مَا نَهَى اللَّه عَنْهُ مِنْ الْبَحِيرَة . 10946 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { ثَمَانِيَة أَزْوَاج } قَالَ : هَذَا فِي شَأْن مَا نَهَى اللَّه عَنْهُ مِنْ الْبَحَائِر وَالسُّيَّب . قَالَ اِبْن جُرَيْج : يَقُول : مِنْ أَيْنَ حَرَّمْت هَذَا مِنْ قِبَل آلذَّكَرَيْنِ أَمْ مِنْ قِبَل الْأُنْثَيَيْنِ , أَمَّا اِشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَام الْأُنْثَيَيْنِ ؟ وَإِنَّهَا لَا تَشْتَمِل إِلَّا عَلَى ذَكَر أَوْ أُنْثَى , فَمِنْ أَيْنَ جَاءَ التَّحْرِيم ؟ فَأَجَابُوا هُمْ : وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ . 10947 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { ثَمَانِيَة أَزْوَاج مِنْ الضَّأْن اِثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْز اِثْنَيْنِ وَمِنْ الْبَقَر اِثْنَيْنِ وَمِنْ الْإِبِل اِثْنَيْنِ } , يَقُول : أَنْزَلْت لَكُمْ ثَمَانِيَة أَزْوَاج مِنْ هَذَا الَّذِي عَدَّدْت ذَكَر وَأُنْثَى , فَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمْت عَلَيْكُمْ أَمْ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اِشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَام الْأُنْثَيَيْنِ ؟ يَقُول : أَيْ مَا اِشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَام الْأُنْثَيَيْنِ مَا تَشْتَمِل إِلَّا عَلَى ذَكَر أَوْ أُنْثَى , فَمَا حَرَّمَتْ عَلَيْكُمْ ذَكَرًا وَلَا أُنْثَى مِنْ الثَّمَانِيَة , إِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا مِنْ أَجْل مَا حَرَّمُوا مِنْ الْأَنْعَام . 10948 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن : { أَمَّا اِشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَام الْأُنْثَيَيْنِ } قَالَ : مَا حَمَلَتْ الرَّحِم . 10949 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الْأُنْثَيَيْنِ } قَالَ : هَذَا لِقَوْلِهِمْ : { مَا فِي بُطُون هَذِهِ الْأَنْعَام خَالِصَة لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّم عَلَى أَزْوَاجنَا } . قَالَ : وَقَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { ثَمَانِيَة أَزْوَاج مِنْ الضَّأْن اِثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْز اِثْنَيْنِ } قَالَ : الْأَنْعَام : هِيَ الْإِبِل وَالضَّأْن وَالْمَعْز , هَذِهِ الْأَنْعَام الَّتِي قَالَ اللَّه ثَمَانِيَة أَزْوَاج . قَالَ : وَقَالَ فِي قَوْله : { هَذِهِ أَنْعَام وَحَرْث حِجْر } نَحْتَجِرها عَلَى مَنْ نُرِيد وَعَمَّنْ نُرِيد , وَقَوْله : { وَأَنْعَام حُرِّمَتْ ظُهُورهَا } قَالَ : لَا يَرْكَبهَا أَحَد , { وَأَنْعَام لَا يَذْكُرُونَ اِسْم اللَّه عَلَيْهَا } فَقَالَ : { آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الْأُنْثَيَيْنِ } أَيْ هَذَيْنِ حَرَّمَ عَلَى هَؤُلَاءِ , أَيْ أَنْ تَكُون لِهَؤُلَاءِ حِلًّا وَعَلَى هَؤُلَاءِ حَرَامًا . 10950 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { ثَمَانِيَة أَزْوَاج مِنْ الضَّأْن اِثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْز اِثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اِشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَام الْأُنْثَيَيْنِ } يَعْنِي : هَلْ تَشْتَمِل الرَّحِم إِلَّا عَلَى ذَكَر أَوْ أُنْثَى , فَهُمْ يُحَرِّمُونَ بَعْضًا وَيُحِلُّونَ بَعْضًا ؟ . 10951 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { ثَمَانِيَة أَزْوَاج مِنْ الضَّأْن اِثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْز اِثْنَيْنِ } فَهَذِهِ أَرْبَعَة أَزْوَاج , { وَمِنْ الْإِبِل اِثْنَيْنِ وَمِنْ الْبَحْر اِثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الْأُنْثَيَيْنِ } يَقُول : لَمْ أُحَرِّم شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ . { نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } يَقُول : كُلّه حَلَال . وَالضَّأْن : جَمْع لَا وَاحِد لَهُ مِنْ لَفْظه , وَقَدْ يُجْمَع الضَّأْن : الضَّئِين وَالضِّئِين , مِثْل الشَّعِير وَالشِّعِير , كَمَا يُجْمَع الْعَبْد عَلَى عَبِيد وَعِبِيد . وَأَمَّا الْوَاحِد مِنْ ذُكُوره فَضَائِن , وَالْأُنْثَى ضَائِنَة , وَجَمْع الضَّائِنَة : ضَوَائِن , وَكَذَلِكَ الْمَعْز جَمْع عَلَى غَيْر وَاحِد , وَكَذَلِكَ الْمِعْزَى ; وَأَمَّا الْمَاعِز , فَجَمْعه مَوَاعِز .
وَمِنَ الإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْ الْإِبِل اِثْنَيْنِ وَمِنْ الْبَقَر اِثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اِشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَام الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاء إِذْ وَصَّاكُمْ اللَّه بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ اِفْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاس بِغَيْرِ عِلْم إِنَّ اللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ } وَتَأْوِيل قَوْله : { وَمِنْ الْإِبِل اِثْنَيْنِ وَمِنْ الْبَقَر اِثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اِشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَام الْأُنْثَيَيْنِ } نَحْو تَأْوِيل قَوْله : { مِنْ الضَّأْن اِثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْز اِثْنَيْنِ } وَهَذِهِ أَرْبَعَة أَزْوَاج , عَلَى نَحْو مَا بَيَّنَّا مِنْ الْأَزْوَاج الْأَرْبَعَة قَبْل مِنْ الضَّأْن وَالْمَعْز , فَذَلِكَ ثَمَانِيَة أَزْوَاج كَمَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ . وَأَمَّا قَوْله : { أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاء إِذْ وَصَّاكُمْ اللَّه بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ اِفْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاس بِغَيْرِ عِلْم } فَإِنَّهُ أَمْر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُول لِهَؤُلَاءِ الْجَهَلَة مِنْ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَصَصَ قَصَصهمْ فِي هَذِهِ الْآيَات الَّتِي مَضَتْ , يَقُول لَهُ عَزَّ ذِكْره : قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد , أَيّ هَذِهِ سَأَلْتُكُمْ عَنْ تَحْرِيمه حَرَّمَ رَبّكُمْ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَزْوَاج الثَّمَانِيَة ؟ فَإِنْ أَجَابُوك عَنْ شَيْء مِمَّا سَأَلْتهمْ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ , فَقُلْ لَهُمْ : أَخَبَرًا قُلْتُمْ إِنَّ اللَّه حَرَّمَ هَذَا عَلَيْكُمْ أَخْبَرَكُمْ بِهِ رَسُول عَنْ رَبّكُمْ , أَمْ شَهِدْتُمْ رَبّكُمْ فَرَأَيْتُمُوهُ فَوَصَّاكُمْ بِهَذَا الَّذِي تُقُوِّلَ وَتَرُدُّونَ عَلَى اللَّه ؟ فَإِنَّ هَذَا الَّذِي تَقُولُونَ مِنْ إِخْبَاركُمْ عَنْ اللَّه أَنَّهُ حَرَام بِمَا تَزْعُمُونَ عَلَى مَا تَزْعُمُونَ , لَا يُعْلَم إِلَّا بِوَحْيٍ مِنْ عِنْده مَعَ رَسُول يُرْسِلهُ إِلَى خَلْقه , أَوْ بِسَمَاعٍ مِنْهُ , فَبِأَيِّ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ عَلِمْتُمْ أَنَّ اللَّه حَرَّمَ ذَلِكَ كَذَلِكَ بِرَسُولٍ أَرْسَلَهُ إِلَيْكُمْ ؟ فَأَنْبِئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ! أَمْ شَهِدْتُمْ رَبّكُمْ , فَأَوْصَاكُمْ بِذَلِكَ وَقَالَ لَكُمْ : حَرَّمْت ذَلِكَ عَلَيْكُمْ , فَسَمِعْتُمْ تَحْرِيمه مِنْهُ وَعَهْده إِلَيْكُمْ بِذَلِكَ ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَاحِد مِنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ اِفْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا } يَقُول : فَمَنْ أَشَدّ ظُلْمًا لِنَفْسِهِ وَأَبْعَد عَنْ الْحَقّ مِمَّنْ تَخَرَّصَ عَلَى اللَّه قِيلَ الْكَذِب وَأَضَافَ إِلَيْهِ تَحْرِيم مَا لَمْ يُحَرِّم وَتَحْلِيل مَا لَمْ يُحَلِّل . { لِيُضِلّ النَّاس بِغَيْرِ عِلْم } يَقُول : لِيَصُدّهُمْ عَنْ سَبِيله : { إِنَّ اللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ } يَقُول : لَا يُوَفِّق اللَّه لِلرُّشْدِ مَنْ اِفْتَرَى عَلَى اللَّه وَقَالَ عَلَيْهِ الزُّور وَالْكَذِب وَأَضَافَ إِلَيْهِ تَحْرِيم مَا لَمْ يُحَرِّم كُفْرًا بِاَللَّهِ وَجُحُودًا لِنُبُوَّةِ نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . كَاَلَّذِي : 10952 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاء إِذْ وَصَّاكُمْ اللَّه بِهَذَا } الَّذِي تَقُولُونَ 10953 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : كَانُوا يَقُولُونَ - يَعْنِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَّخِذُونَ الْبَحَائِر وَالسَّوَائِب - : إِنَّ اللَّه أَمَرَ بِهَذَا . فَقَالَ اللَّه : { فَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ اِفْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاس بِغَيْرِ عِلْم } .
قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ لَا أَجِد فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمهُ إِلَّا أَنْ يَكُون مَيْتَة أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْم خِنْزِير فَإِنَّهُ رِجْس أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ جَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْث وَالْأَنْعَام نَصِيبًا وَلِشُرَكَائِهِمْ مِنْ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد مِثْله وَالْقَائِلِينَ { هَذِهِ أَنْعَام وَحَرْث حِجْر لَا يَطْعَمهَا إِلَّا مَنْ نَشَاء بِزَعْمِهِمْ } وَالْمُحَرِّمِينَ مِنْ أَنْعَام أُخَر ظُهُورهَا , وَالتَّارِكِينَ ذِكْر اِسْم اللَّه عَلَى أُخَر مِنْهَا , وَالْمُحَرِّمِينَ بَعْض مَا فِي بُطُون بَعْض أَنْعَامهمْ عَلَى إِنَاثِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَمُحِلِّيهِ لِذُكُورِهِمْ , الْمُحَرِّمِينَ مَا رَزَقَهُمْ اللَّه اِفْتِرَاء عَلَى اللَّه , وَإِضَافَة مِنْهُمْ مَا يُحَرِّمُونَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى أَنَّ اللَّه هُوَ الَّذِي حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ : أَجَاءَكُمْ مِنْ اللَّه رَسُولٌ بِتَحْرِيمِهِ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ , فَأَنْبِئُونَا بِهِ , أَمْ وَصَّاكُمْ اللَّه بِتَحْرِيمِهِ مُشَاهَدَة مِنْكُمْ لَهُ فَسَمِعْتُمْ مِنْهُ تَحْرِيمه ذَلِكَ عَلَيْكُمْ فَحَرَّمْتُمُوهُ ؟ فَإِنَّكُمْ كَذَبَة إِنْ اِدَّعَيْتُمْ ذَلِكَ وَلَا يُمْكِنكُمْ دَعْوَاهُ , لِأَنَّكُمْ إِذَا اِدَّعَيْتُمُوهُ عَلِمَ النَّاس كَذِبَكُمْ , فَإِنِّي لَا أَجِد فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مِنْ كِتَابه وَآي تَنْزِيله شَيْئًا مُحَرَّمًا عَلَى آكِل يَأْكُلهُ مِمَّا تَذْكُرُونَ أَنَّهُ حَرَّمَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَنْعَام الَّتِي تَصِفُونَ تَحْرِيم مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ مِنْهَا بِزَعْمِكُمْ , إِلَّا أَنْ يَكُون مَيْتَة قَدْ مَاتَتْ بِغَيْرِ تَذْكِيَة أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا - وَهُوَ الْمُنْصَبّ - أَوْ إِلَّا أَنْ يَكُون لَحْم خِنْزِير . { فَإِنَّهُ رِجْس أَوْ فِسْقًا } يَقُول : أَوْ إِلَّا أَنْ يَكُون فِسْقًا , يَعْنِي بِذَلِكَ : أَوْ إِلَّا أَنْ يَكُون مَذْبُوحًا ذَبَحَهُ ذَابِح مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان لِصَنَمِهِ وَآلِهَته فَذَكَرَ عَلَيْهِ اِسْم وَثَنه , فَإِنَّ ذَلِكَ الذَّبْح فِسْق نَهَى اللَّه عَنْهُ وَحَرَّمَهُ , وَنَهَى مَنْ آمَنَ بِهِ عَنْ أَكْل مَا ذُبِحَ كَذَلِكَ , لِأَنَّهُ مَيْتَة . وَهَذَا إِعْلَام مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ جَادَلُوا نَبِيّ اللَّه وَأَصْحَابه فِي تَحْرِيم الْمَيْتَة بِمَا جَادَلُوهُمْ بِهِ أَنَّ الَّذِي جَادَلُوهُمْ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ هُوَ الْحَرَام الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّه , وَأَنَّ الَّذِي زَعَمُوا أَنَّ اللَّه حَرَّمَهُ حَلَال قَدْ أَحَلَّهُ اللَّه , وَأَنَّهُمْ كَذَبَهُ فِي إِضَافَتهمْ تَحْرِيمه إِلَى اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10954 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , فِي قَوْله : { قُلْ لَا أَجِد فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا } قَالَ : كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يُحَرِّمُونَ أَشْيَاء وَيُحِلُّونَ أَشْيَاء , فَقَالَ : قُلْ لَا أَجِد مِمَّا كُنْتُمْ تُحَرِّمُونَ وَتَسْتَحِلُّونَ إِلَّا هَذَا { إِلَّا أَنْ يَكُون مَيْتَة أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْم خِنْزِير فَإِنَّهُ رِجْس أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ } . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ مَعْمَر , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , فِي قَوْله : { قُلْ لَا أَجِد فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا } . . . الْآيَة , قَالَ : كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَسْتَحِلُّونَ أَشْيَاء وَيُحَرِّمُونَ أَشْيَاء , فَقَالَ اللَّه لِنَبِيِّهِ : { قُلْ لَا أَجِد فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا } مِمَّا كُنْتُمْ تَسْتَحِلُّونَ إِلَّا هَذَا وَكَانَتْ أَشْيَاء يُحَرِّمُونَهَا فَهِيَ حَرَام الْآن . 10955 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ : { قُلْ لَا أَجِد فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمهُ } قَالَ : مَا يُؤْكَل . قُلْت : فِي الْجَاهِلِيَّة ؟ قَالَ : نَعَمْ ! وَكَذَلِكَ كَانَ يَقُول : { إِلَّا أَنْ يَكُون مَيْتَة أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا } . قَالَ اِبْن جُرَيْج : وَأَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيم بْن أَبِي بَكْر , عَنْ مُجَاهِد : { قُلْ لَا أَجِد فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا } قَالَ : مِمَّا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة يَأْكُلُونَ , لَا أَجِد مُحَرَّمًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى طَاعِم يَطْعَمهُ , إِلَّا أَنْ يَكُون مَيْتَة أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا . وَأَمَّا قَوْله : { أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : أَوْ دَمًا مُسَالًا مُهْرَاقًا , يُقَال مِنْهُ : سَفَحْت دَمه : إِذَا أَرَقْته , أَسَفْحه سَفْحًا , فَهُوَ دَم مَسْفُوح , كَمَا قَالَ طَرَفَة بْن الْعَبْد : إِنِّي وَجَدِّك مَا هَجَوْتُك وَالْأَنْصَاب يُسْفَح فَوْقهنَّ دَم وَكَمَا قَالَ عُبَيْد بْن الْأَبْرَص : إِذَا مَا عَادَ مِنَّا نِسَاء سَفَحْنَ الدَّمْع مِنْ بَعْد الرَّنِين يَعْنِي : صَبَبْنَ , وَأَسَلْنَ الدَّمْع . وَفِي اِشْتِرَاطه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي الدَّم عِنْد إِعْلَامه عِبَاده تَحْرِيمه إِيَّاهُ الْمَسْفُوح مِنْهُ دُون غَيْره , الدَّلِيل الْوَاضِح أَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ مَسْفُوحًا فَحَلَال غَيْر نَجِس . وَذَلِكَ كَاَلَّذِي : 10956 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو , عَنْ عِكْرِمَة : { أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا } قَالَ : لَوْلَا هَذِهِ الْآيَة لَتَتَبَّعَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْعُرُوق مَا تَتَبَّعَتْ الْيَهُود . - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عِكْرِمَة بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : لَاتَّبَعَ الْمُسْلِمُونَ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عِكْرِمَة بِنَحْوِهِ . 10957 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا وَكِيع , عَنْ عِمْرَان بْن حُدَيْر , عَنْ أَبِي مِجْلَز , فِي الْقِدْر يَعْلُوهَا الْحُمْرَة مِنْ الدَّم , قَالَ : إِنَّمَا حَرَّمَ اللَّه الدَّم الْمَسْفُوح . - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثَنَا حَمَّاد , عَنْ عِمْرَان بْن حُدَيْر , عَنْ أَبِي مِجْلَز , قَالَ : سَأَلْته عَنْ الدَّم , وَمَا يَتَلَطَّخ بِالْمَذْبَحِ مِنْ الرَّأْس , وَعَنْ الْقِدْر يُرَى فِيهَا الْحُمْرَة , قَالَ : إِنَّمَا نَهَى اللَّه عَنْ الدَّم الْمَسْفُوح . 10958 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا } قَالَ : حُرِّمَ الدَّم مَا كَانَ مَسْفُوحًا ; وَأَمَّا لَحْم خَالَطَهُ دَم فَلَا بَأْس بِهِ . 10959 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { قُلْ لَا أَجِد فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِم يَطْعَمهُ إِلَّا أَنْ يَكُون مَيْتَة أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا } يَعْنِي مُهْرَاقًا . - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , أَخْبَرَنِي اِبْن دِينَار , عَنْ عِكْرِمَة : { أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا } قَالَ : لَوْلَا هَذِهِ الْآيَة لَتَتَبَّعَ الْمُسْلِمُونَ عُرُوق اللَّحْم مَا تَتَبَّعَهَا الْيَهُود . 10960 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثَنَا حَمَّاد , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد , عَنْ عَائِشَة : أَنَّهَا كَانَتْ لَا تَرَى بِلُحُومِ السِّبَاع بَأْسًا , وَالْحُمْرَة وَالدَّم يَكُونَانِ عَلَى الْقِدْر بَأْسًا . وَقَرَأَتْ هَذِهِ الْآيَة : { قُلْ لَا أَجِد فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِم يَطْعَمهُ } . . . الْآيَة . 10961 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , ثَنِي الْقَاسِم بْن مُحَمَّد , عَنْ عَائِشَة قَالَتْ , وَذَكَرَتْ هَذِهِ الْآيَة { أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا } قُلْت : وَإِنَّ الْبُرْمَة لَيُرَى فِي مَائِهَا الصُّفْرَة . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرِّجْس فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا , وَأَنَّهُ النَّجِس وَالنَّتِن , وَمَا يُعْصَى اللَّه بِهِ , بِشَوَاهِدِهِ , فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَكَذَلِكَ الْقَوْل فِي مَعْنَى الْفِسْق , وَفِي قَوْله : { أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ } قَدْ مَضَى ذَلِكَ كُلّه بِشَوَاهِدِهِ الْكَافِيَة مَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهِ عَنْ تَكْرَاره وَإِعَادَته . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { إِلَّا أَنْ يَكُون مَيْتَة } فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة وَالْبَصْرَة : { إِلَّا أَنْ يَكُون } بِالْيَاءِ { مَيْتَة } مُخَفَّفَة الْيَاء مَنْصُوبَة عَلَى أَنَّ فِي يَكُون مَجْهُولًا , وَالْمَيْتَة فِعْل لَهُ فَنُصِبَتْ عَلَى أَنَّهَا فِعْل يَكُون , وَذَكَّرُوا يَكُون لِتَذْكِيرِ الْمُضْمَر فِي " يَكُون " . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء أَهْل مَكَّة وَالْكُوفَة : " إِلَّا أَنْ تَكُون " بِالتَّاءِ " مَيْتَة " بِتَخْفِيفِ الْيَاء مِنْ الْمَيْتَة وَنَصْبهَا . وَكَأَنَّ مَعْنَى نَصْبِهِمْ الْمَيْتَة مَعْنَى الْأَوَّلَيْنِ , وَأَنَّثُوا تَكُون لِتَأْنِيثِ الْمَيْتَة , كَمَا يُقَال : إِنَّهَا قَائِمَة جَارِيَتك , وَإِنَّهُ قَائِم جَارِيَتك , فَيُذَكِّر الْمَجْهُول مَرَّة وَيُؤَنِّث أُخْرَى لِتَأْنِيثِ الِاسْم الَّذِي بَعْده . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض الْمَدَنِيِّينَ : " إِلَّا أَنْ تَكُون مَيْتَة " بِالتَّاءِ فِي " تَكُون " , وَتَشْدِيد الْيَاء مِنْ " مَيِّتَة " وَرَفْعهَا , فَجَعَلَ " الْمَيِّتَة " اِسْم " تَكُون " , وَأَنَّثَ " تَكُون " لِتَأْنِيثِ " الْمَيِّتَة " , وَجَعَلَ " تَكُون " مُكْتَفِيَة بِالِاسْمِ دُون الْفِعْل , لِأَنَّهُ قَوْله : " إِلَّا أَنْ تَكُون مَيِّتَة " اِسْتِثْنَاء , وَالْعَرَب تَكْتَفِي فِي الِاسْتِثْنَاء بِالْأَسْمَاءِ عَنْ الْأَفْعَال , فَيَقُولُونَ : قَامَ النَّاس إِلَّا أَنْ يَكُون أَخَاك , وَإِلَّا أَنْ يَكُون أَخُوك , فَلَا تَأْتِي لِيَكُونَ بِفِعْلٍ , وَتَجْعَلهَا مُسْتَغْنِيَة بِالِاسْمِ , كَمَا يُقَال : قَامَ الْقَوْم إِلَّا أَخَاك وَإِلَّا أَخُوك , فَلَا يُعْتَدّ الِاسْم الَّذِي بَعْد حَرْف الِاسْتِغْنَاء نَفْلًا . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدِي : { إِلَّا أَنْ يَكُون } بِالْيَاءِ { مَيْتَة } بِتَخْفِيفِ الْيَاء وَنَصْب الْمَيْتَة ; لِأَنَّ الَّذِي فِي " يَكُون " مِنْ الْمُكَنَّى مِنْ ذِكْر الْمُذَكَّر , وَإِنَّمَا هُوَ : قُلْ لَا أَجِد فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِم يَطْعَمهُ , إِلَّا أَنْ يَكُون ذَلِكَ مَيْتَة أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا . فَأَمَّا قِرَاءَة " مَيْتَة " بِالرَّفْعِ , فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْعَرَبِيَّة غَيْر خَطَأ فَإِنَّهُ فِي الْقِرَاءَة فِي هَذَا الْمَوْضِع غَيْر صَوَاب , لِأَنَّ اللَّه يَقُول : { أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا } فَلَا خِلَاف بَيْن الْجَمِيع فِي قِرَاءَهُ الدَّم بِالنَّصْبِ , وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مَصَاحِف الْمُسْلِمِينَ , وَهُوَ عَطْف عَلَى " الْمَيْتَة " . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَعْلُوم أَنَّ الْمَيْتَة لَوْ كَانَتْ مَرْفُوعَة لَكَانَ الدَّم وَقَوْله " أَوْ فِسْقًا " مَرْفُوعَيْنِ , وَلَكِنَّهَا مَنْصُوبَة فَيُعْطَف بِهِمَا عَلَيْهَا بِالنَّصْبِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبّك غَفُور رَحِيم } . وَقَدْ ذَكَرْنَا اِخْتِلَاف أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ } . الصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِيهِ عِنْدنَا فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا فِي سُورَة الْبَقَرَة بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع , وَأَنَّ مَعْنَاهُ : فَمَنْ اُضْطُرَّ إِلَى أَكْل مَا حَرَّمَ اللَّه مِنْ أَكْل الْمَيْتَة وَالدَّم الْمَسْفُوح أَوْ لَحْم الْخِنْزِير , أَوْ مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ , غَيْر بَاغٍ فِي أَكْله إِيَّاهُ تَلَذُّذًا , لَا لِضَرُورَة حَالَة مِنْ الْجُوع , وَلَا عَادٍ فِي أَكْله بِتَجَاوُزِهِ مَا حَدَّهُ اللَّه وَأَبَاحَهُ لَهُ مِنْ أَكْله , وَذَلِكَ أَنْ يَأْكُل مِنْهُ مَا يَدْفَع عَنْهُ الْخَوْف عَلَى نَفْسه بِتَرْكِ أَكْله مِنْ الْهَلَاك لَمْ يَتَجَاوَز ذَلِكَ إِلَى أَكْثَر مِنْهُ , فَلَا حَرَج عَلَيْهِ فِي أَكْلِهِ مَا أَكَلَ مِنْ ذَلِكَ . { فَإِنَّ اللَّه غَفُور } فِيمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ , فَسَائِر عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ عُقُوبَته عَلَيْهِ , وَلَوْ شَاءَ عَاقَبَهُ عَلَيْهِ . { رَحِيم } بِإِبَاحَتِهِ إِيَّاهُ أَكْل ذَلِكَ عِنْد حَاجَته إِلَيْهِ , وَلَوْ شَاءَ حَرَّمَهُ عَلَيْهِ وَمَنَعَهُ مِنْهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبّك غَفُور رَحِيم } . وَقَدْ ذَكَرْنَا اِخْتِلَاف أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ } . الصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِيهِ عِنْدنَا فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا فِي سُورَة الْبَقَرَة بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع , وَأَنَّ مَعْنَاهُ : فَمَنْ اُضْطُرَّ إِلَى أَكْل مَا حَرَّمَ اللَّه مِنْ أَكْل الْمَيْتَة وَالدَّم الْمَسْفُوح أَوْ لَحْم الْخِنْزِير , أَوْ مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ , غَيْر بَاغٍ فِي أَكْله إِيَّاهُ تَلَذُّذًا , لَا لِضَرُورَة حَالَة مِنْ الْجُوع , وَلَا عَادٍ فِي أَكْله بِتَجَاوُزِهِ مَا حَدَّهُ اللَّه وَأَبَاحَهُ لَهُ مِنْ أَكْله , وَذَلِكَ أَنْ يَأْكُل مِنْهُ مَا يَدْفَع عَنْهُ الْخَوْف عَلَى نَفْسه بِتَرْكِ أَكْله مِنْ الْهَلَاك لَمْ يَتَجَاوَز ذَلِكَ إِلَى أَكْثَر مِنْهُ , فَلَا حَرَج عَلَيْهِ فِي أَكْلِهِ مَا أَكَلَ مِنْ ذَلِكَ . { فَإِنَّ اللَّه غَفُور } فِيمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ , فَسَائِر عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ عُقُوبَته عَلَيْهِ , وَلَوْ شَاءَ عَاقَبَهُ عَلَيْهِ . { رَحِيم } بِإِبَاحَتِهِ إِيَّاهُ أَكْل ذَلِكَ عِنْد حَاجَته إِلَيْهِ , وَلَوْ شَاءَ حَرَّمَهُ عَلَيْهِ وَمَنَعَهُ مِنْهُ .
وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلّ ذِي ظُفُر } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَحَرَّمْنَا عَلَى الْيَهُود كُلّ ذِي ظُفُر , وَهُوَ مِنْ الْبَهَائِم وَالطَّيْر مَا لَمْ يَكُنْ مَشْقُوق الْأَصَابِع كَالْإِبِلِ وَالْأَنْعَام وَالْأَوِزّ وَالْبَطّ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10962 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , وَعَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَا : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلّ ذِي ظُفُر } وَهُوَ الْبَعِير وَالنَّعَامَة . - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلّ ذِي ظُفُر } قَالَ : الْبَعِير وَالنَّعَامَة وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ الدَّوَابّ . 10963 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ شَرِيك , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد : { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلّ ذِي ظُفُر } قَالَ : هُوَ لَيْسَ الَّذِي بِمُنْفَرِجِ الْأَصَابِع . - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحُسَيْن الْأَزْدِيّ , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ شَرِيك , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلّ ذِي ظُفُر } قَالَ : كُلّ شَيْء مُتَفَرِّق الْأَصَابِع , وَمِنْهُ الدِّيك . 10964 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : { كُلّ ذِي ظُفُر } : النَّعَامَة وَالْبَعِير . 10965 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , مِثْله . 10966 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلّ ذِي ظُفُر } فَكَانَ يُقَال : الْبَعِير وَالنَّعَامَة وَأَشْبَاهه مِنْ الطَّيْر وَالْحِيتَان . 10967 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , قَالَ : ثَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { كُلّ ذِي ظُفُر } قَالَ : الْإِبِل وَالنَّعَام , ظُفُر يَد الْبَعِير وَرِجْله , وَالنَّعَام أَيْضًا كَذَلِكَ , وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ أَيْضًا مِنْ الطَّيْر الْبَطّ وَشَبَهه , وَكُلّ شَيْء لَيْسَ بِمَشْقُوقِ الْأَصَابِع . 10968 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا كُلّ ذِي ظُفُر : فَالْإِبِل وَالنَّعَام . 10969 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا شَيْخ , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلّ ذِي ظُفُر } قُلْ : النَّعَامَة وَالْبَعِير شِقًّا شِقًّا , قَالَ : قُلْت : " مَا شِقًّا شِقًّا ؟ " قَالَ , كُلّ مَا لَمْ تُفَرَّجْ قَوَائِمه لَمْ يَأْكُلهُ الْيَهُود , الْبَعِير وَالنَّعَامَة ; وَالدَّجَاج وَالْعَصَافِير تَأْكُلهَا الْيَهُود لِأَنَّهَا قَدْ فُرِّجَتْ . - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { كُلّ ذِي ظُفُر } قَالَ : النَّعَامَة وَالْبَعِير شِقًّا شِقًّا , قُلْت لِلْقَاسِمِ بْن أَبَى بِزَّة وَحَدَّثَنِيهِ : " مَا شِقًّا شِقًّا ؟ " قَالَ : كُلّ شَيْء لَمْ يُفَرَّج مِنْ قَوَائِم الْبَهَائِم , قَالَ : وَمَا اِنْفَرَجَ أَكَلَتْهُ الْيَهُود , قَالَ : اِنْفَرَجَتْ قَوَائِم الدَّجَاج وَالْعَصَافِير , فَيَهُود تَأْكُلهَا . قَالَ : وَلَمْ تَنْفَرِج قَائِمَة الْبَعِير خُفّه وَلَا خُفّ النَّعَامَة وَلَا قَائِمَة الْوَزِين , فَلَا تَأْكُل الْيَهُود الْإِبِل وَلَا النَّعَام وَلَا الْوَزِين وَلَا كُلّ شَيْء لَمْ تَنْفَرِج قَائِمَته , وَكَذَلِكَ لَا تَأْكُل حِمَار وَحْش . وَكَانَ اِبْن زَيْد يَقُول فِي ذَلِكَ بِمَا : 10970 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلّ ذِي ظُفُر } الْإِبِل فَقَطْ . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمَنْ قَالَ بِمِثْلِ مَقَالَته ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ حَرَّمَ عَلَى الْيَهُود كُلّ ذِي ظُفُر , فَغَيْر جَائِز إِخْرَاج شَيْء مِنْ عُمُوم هَذَا الْخَبَر إِلَّا مَا أَجْمَعَ أَهْل الْعِلْم أَنَّهُ خَارِج مِنْهُ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ النَّعَام وَكُلّ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْبَهَائِم وَالطَّيْر مَا لَهُ ظُفُر غَيْر مُنْفَرِج الْأَصَابِع دَاخِلًا فِي ظَاهِر التَّنْزِيل , وَجَبَ أَنْ يُحْكَم لَهُ بِأَنَّهُ دَاخِل فِي الْخَبَر , إِذْ لَمْ يَأْتِ بِأَنَّ بَعْض ذَلِكَ غَيْر دَاخِل فِي الْآيَة خَبَر عَنْ اللَّه وَلَا عَنْ رَسُوله , وَكَانَتْ الْأُمَّة أَكْثَرهَا مُجْمِع عَلَى أَنَّهُ فِيهِ دَاخِل .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْ الْبَقَر وَالْغَنَم حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورهمَا } . اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الشُّحُوم الَّتِي أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ حَرَّمَهَا عَلَى الْيَهُود مِنْ الْبَقَر وَالْغَنَم , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ شُحُوم الثُّرُوب خَاصَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10971 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَمِنْ الْبَقَر وَالْغَنَم حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومهمَا } الثُّرُوب . ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : " قَاتَلَ اللَّه الْيَهُود حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ الثُّرُوب ثُمَّ أَكَلُوا أَثْمَانهَا " . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ كَانَ كُلّ شَحْم لَمْ يَكُنْ مُخْتَلِطًا بِعَظْمٍ وَلَا عَلَى عَظْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10972 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومهمَا } قَالَ : إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ الثَّرْب , وَكُلّ شَحْم كَدْن كَذَلِكَ لَيْسَ فِي عَظْم . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ شَحْم الثَّرْب وَالْكُلَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10973 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومهمَا } قَالَ : الثَّرْب وَشَحْم الْكُلْيَتَيْنِ . وَكَانَتْ الْيَهُود تَقُول : إِنَّمَا حَرَّمَهُ إِسْرَائِيل فَنَحْنُ نُحَرِّمهُ . 10974 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومهمَا } قَالَ : إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ الثُّرُوب وَالْكُلْيَتَيْنِ . هَكَذَا هُوَ فِي كِتَابِي عَنْ يُونُس , وَأَنَا أَحْسَب أَنَّهُ الْكُلَى . وَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَخْبَرَ أَنَّهُ كَانَ حَرَّمَ عَلَى الْيَهُود مِنْ الْبَقَر وَالْغَنَم شُحُومهَا إِلَّا مَا اِسْتَثْنَاهُ مِنْهَا مَا حَمَلَتْ ظُهُورهمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اِخْتَلَطَ بِعَظْمٍ , فَكُلّ شَحْم سِوَى مَا اِسْتَثْنَاهُ اللَّه فِي كِتَابه مِنْ الْبَقَر وَالْغَنَم , فَإِنَّهُ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ . وَبِنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل , تَظَاهَرَتْ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَذَلِكَ قَوْله : " قَاتَلَ اللَّه الْيَهُود حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُوم فَجَمَّلُوهَا ثُمَّ بَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانهَا " . وَأَمَّا قَوْله : { إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورهمَا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : إِلَّا شُحُوم الْجَنْب وَمَا عَلِقَ بِالظَّهْرِ , فَإِنَّهَا لَمْ تُحَرَّم عَلَيْهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10975 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورهمَا } يَعْنِي : مَا عَلِقَ بِالظَّهْرِ مِنْ الشُّحُوم . 10976 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورهمَا : فَالْأَلَيَات . 10977 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو أُسَامَة , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ أَبِي صَالِح , قَالَ : الْأَلْيَة مَا حَمَلَتْ ظُهُورهمَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ الْحَوَايَا } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْحَوَايَا جَمْع , وَاحِدهَا حَاوِيَاء وَحَاوِيَة وَحَوِيَّة : وَهِيَ مَا تَحَوَّى مِنْ الْبَطْن فَاجْتَمَعَ وَاسْتَدَارَ , وَهِيَ بَنَات اللَّبَن , وَهِيَ الْمَبَاعِر , وَتُسَمَّى الْمَرَابِض , وَفِيهَا الْأَمْعَاء . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَمِنْ الْبَقَر وَالْغَنَم حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومهمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورهمَا أَوْ مَا حَمَلَتْ الْحَوَايَا , فَالْحَوَايَا رَفْع عَطْفًا عَلَى الظُّهُور , وَ " مَا " الَّتِي بَعْد " إِلَّا " , نَصْب عَلَى الِاسْتِثْنَاء مِنْ الشُّحُوم . وَبِمِثْلِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10978 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أَوْ الْحَوَايَا } وَهِيَ الْمَبْعَر . 10979 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { أَوْ الْحَوَايَا } قَالَ : الْمَبْعَر . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : الْحَوَايَا : الْمَبْعَر وَالْمَرْبِض . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو أُسَامَة , عَنْ شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { أَوْ الْحَوَايَا } قَالَ : الْمَبْعَر . 10980 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { أَوْ الْحَوَايَا } قَالَ : الْمَبَاعِر . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ شَرِيك , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { أَوْ الْحَوَايَا } قَالَ : الْمَبَاعِر . 10981 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { أَوْ الْحَوَايَا } قَالَ : الْمَبْعَر . * حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { أَوْ الْحَوَايَا } قَالَ : الْمَبْعَر . 10982 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو أُسَامَة وَالْمُثَنَّى , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : الْمَبْعَر . 10983 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { أَوْ الْحَوَايَا } يَعْنِي : الْبُطُون غَيْر الثُّرُوب . - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَوْ الْحَوَايَا } هُوَ الْمَبْعَر . 10984 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَوْ الْحَوَايَا } قَالَ : الْمَبَاعِر . وَقَالَ اِبْن زَيْد فِي ذَلِكَ , مَا : 10985 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { أَوْ الْحَوَايَا } قَالَ : الْحَوَايَا : الْمَرَابِض الَّتِي تَكُون فِيهَا الْأَمْعَاء تَكُون وَسَطهَا , وَهِيَ بَنَات اللَّبَن , وَهِيَ فِي كَلَام الْعَرَب تُدْعَى الْمَرَابِض .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ مَا اِخْتَلَطَ بِعَظْمٍ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَمِنْ الْبَقَر وَالْغَنَم حَرَّمْنَا عَلَى الَّذِينَ هَادُوا شُحُومهمَا سِوَى مَا حَمَلَتْ ظُهُورهمَا , أَوْ مَا حَمَلَتْ حَوَايَاهُمَا , فَإِنَّا أَحْلَلْنَا ذَلِكَ لَهُمْ , وَإِلَّا مَا اِخْتَلَطَ بِعَظْمٍ فَهُوَ لَهُمْ أَيْضًا حَلَال . فَرُدَّ قَوْله : { أَوْ مَا اِخْتَلَطَ بِعَظْمٍ } عَلَى قَوْله : { إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورهمَا } فَـ " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { أَوْ مَا اِخْتَلَطَ بِعَظْمٍ } فِي مَوْضِع نَصْب عَطْفًا عَلَى " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورهمَا } . وَعَنَى بِقَوْلِهِ : { أَوْ مَا اِخْتَلَطَ بِعَظْمٍ } شَحْم الْأَلْيَة وَالْجَنْب وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ . كَمَا : 10986 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { أَوْ مَا اِخْتَلَطَ بِعَظْمٍ } قَالَ : شَحْم الْأَلْيَة بِالْعُصْعُصِ , فَهُوَ حَلَال , وَكُلّ شَيْء فِي الْقَوَائِم وَالْجَنْب وَالرَّأْس وَالْعَيْن قَدْ اِخْتَلَطَ بِعَظْمٍ , فَهُوَ حَلَال . 10987 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَوْ مَا اِخْتَلَطَ بِعَظْمٍ } مِمَّا كَانَ مِنْ شَحْم عَلَى عَظْم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرهُ : فَهَذَا الَّذِي حَرَّمْنَا عَلَى الَّذِينَ هَادُوا مِنْ الْأَنْعَام وَالطَّيْر , ذَوَات الْأَظَافِير غَيْر الْمُنْفَرِجَة , وَمِنْ الْبَقَر وَالْغَنَم , مَا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ شُحُومهمَا الَّذِي ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْآيَة , حَرَّمْنَاهُ عَلَيْهِمْ عُقُوبَة مِنَّا لَهُمْ , وَثَوَابًا عَلَى أَعْمَالهمْ السَّيِّئَة وَبَغْيهمْ عَلَى رَبّهمْ . كَمَا : 10988 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } إِنَّمَا حُرِّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ عُقُوبَة بِبَغْيِهِمْ . 10989 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ } فَعَلْنَا ذَلِكَ بِهِمْ بِبَغْيِهِمْ . وَقَوْله : { وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } يَقُول : وَإِنَّا لَصَادِقُونَ فِي خَبَرنَا هَذَا عَنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُود عَمَّا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ الشُّحُوم وَلُحُوم الْأَنْعَام وَالطَّيْر الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ , وَفِي غَيْر ذَلِكَ مِنْ أَخْبَارنَا , وَهُمْ الْكَاذِبُونَ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا حَرَّمَهُ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا حَرَّمُوهُ لِتَحْرِيمِ إِسْرَائِيل إِيَّاهُ عَلَى نَفْسه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْ الْبَقَر وَالْغَنَم حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورهمَا } . اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الشُّحُوم الَّتِي أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ حَرَّمَهَا عَلَى الْيَهُود مِنْ الْبَقَر وَالْغَنَم , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ شُحُوم الثُّرُوب خَاصَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10971 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَمِنْ الْبَقَر وَالْغَنَم حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومهمَا } الثُّرُوب . ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : " قَاتَلَ اللَّه الْيَهُود حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ الثُّرُوب ثُمَّ أَكَلُوا أَثْمَانهَا " . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ كَانَ كُلّ شَحْم لَمْ يَكُنْ مُخْتَلِطًا بِعَظْمٍ وَلَا عَلَى عَظْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10972 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومهمَا } قَالَ : إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ الثَّرْب , وَكُلّ شَحْم كَدْن كَذَلِكَ لَيْسَ فِي عَظْم . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ شَحْم الثَّرْب وَالْكُلَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10973 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومهمَا } قَالَ : الثَّرْب وَشَحْم الْكُلْيَتَيْنِ . وَكَانَتْ الْيَهُود تَقُول : إِنَّمَا حَرَّمَهُ إِسْرَائِيل فَنَحْنُ نُحَرِّمهُ . 10974 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومهمَا } قَالَ : إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ الثُّرُوب وَالْكُلْيَتَيْنِ . هَكَذَا هُوَ فِي كِتَابِي عَنْ يُونُس , وَأَنَا أَحْسَب أَنَّهُ الْكُلَى . وَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَخْبَرَ أَنَّهُ كَانَ حَرَّمَ عَلَى الْيَهُود مِنْ الْبَقَر وَالْغَنَم شُحُومهَا إِلَّا مَا اِسْتَثْنَاهُ مِنْهَا مَا حَمَلَتْ ظُهُورهمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اِخْتَلَطَ بِعَظْمٍ , فَكُلّ شَحْم سِوَى مَا اِسْتَثْنَاهُ اللَّه فِي كِتَابه مِنْ الْبَقَر وَالْغَنَم , فَإِنَّهُ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ . وَبِنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل , تَظَاهَرَتْ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَذَلِكَ قَوْله : " قَاتَلَ اللَّه الْيَهُود حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُوم فَجَمَّلُوهَا ثُمَّ بَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانهَا " . وَأَمَّا قَوْله : { إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورهمَا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : إِلَّا شُحُوم الْجَنْب وَمَا عَلِقَ بِالظَّهْرِ , فَإِنَّهَا لَمْ تُحَرَّم عَلَيْهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10975 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورهمَا } يَعْنِي : مَا عَلِقَ بِالظَّهْرِ مِنْ الشُّحُوم . 10976 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورهمَا : فَالْأَلَيَات . 10977 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو أُسَامَة , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ أَبِي صَالِح , قَالَ : الْأَلْيَة مَا حَمَلَتْ ظُهُورهمَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ الْحَوَايَا } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْحَوَايَا جَمْع , وَاحِدهَا حَاوِيَاء وَحَاوِيَة وَحَوِيَّة : وَهِيَ مَا تَحَوَّى مِنْ الْبَطْن فَاجْتَمَعَ وَاسْتَدَارَ , وَهِيَ بَنَات اللَّبَن , وَهِيَ الْمَبَاعِر , وَتُسَمَّى الْمَرَابِض , وَفِيهَا الْأَمْعَاء . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَمِنْ الْبَقَر وَالْغَنَم حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومهمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورهمَا أَوْ مَا حَمَلَتْ الْحَوَايَا , فَالْحَوَايَا رَفْع عَطْفًا عَلَى الظُّهُور , وَ " مَا " الَّتِي بَعْد " إِلَّا " , نَصْب عَلَى الِاسْتِثْنَاء مِنْ الشُّحُوم . وَبِمِثْلِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10978 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أَوْ الْحَوَايَا } وَهِيَ الْمَبْعَر . 10979 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { أَوْ الْحَوَايَا } قَالَ : الْمَبْعَر . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : الْحَوَايَا : الْمَبْعَر وَالْمَرْبِض . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو أُسَامَة , عَنْ شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { أَوْ الْحَوَايَا } قَالَ : الْمَبْعَر . 10980 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { أَوْ الْحَوَايَا } قَالَ : الْمَبَاعِر . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ شَرِيك , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { أَوْ الْحَوَايَا } قَالَ : الْمَبَاعِر . 10981 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { أَوْ الْحَوَايَا } قَالَ : الْمَبْعَر . * حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { أَوْ الْحَوَايَا } قَالَ : الْمَبْعَر . 10982 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو أُسَامَة وَالْمُثَنَّى , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : الْمَبْعَر . 10983 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { أَوْ الْحَوَايَا } يَعْنِي : الْبُطُون غَيْر الثُّرُوب . - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَوْ الْحَوَايَا } هُوَ الْمَبْعَر . 10984 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَوْ الْحَوَايَا } قَالَ : الْمَبَاعِر . وَقَالَ اِبْن زَيْد فِي ذَلِكَ , مَا : 10985 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { أَوْ الْحَوَايَا } قَالَ : الْحَوَايَا : الْمَرَابِض الَّتِي تَكُون فِيهَا الْأَمْعَاء تَكُون وَسَطهَا , وَهِيَ بَنَات اللَّبَن , وَهِيَ فِي كَلَام الْعَرَب تُدْعَى الْمَرَابِض .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ مَا اِخْتَلَطَ بِعَظْمٍ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَمِنْ الْبَقَر وَالْغَنَم حَرَّمْنَا عَلَى الَّذِينَ هَادُوا شُحُومهمَا سِوَى مَا حَمَلَتْ ظُهُورهمَا , أَوْ مَا حَمَلَتْ حَوَايَاهُمَا , فَإِنَّا أَحْلَلْنَا ذَلِكَ لَهُمْ , وَإِلَّا مَا اِخْتَلَطَ بِعَظْمٍ فَهُوَ لَهُمْ أَيْضًا حَلَال . فَرُدَّ قَوْله : { أَوْ مَا اِخْتَلَطَ بِعَظْمٍ } عَلَى قَوْله : { إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورهمَا } فَـ " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { أَوْ مَا اِخْتَلَطَ بِعَظْمٍ } فِي مَوْضِع نَصْب عَطْفًا عَلَى " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورهمَا } . وَعَنَى بِقَوْلِهِ : { أَوْ مَا اِخْتَلَطَ بِعَظْمٍ } شَحْم الْأَلْيَة وَالْجَنْب وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ . كَمَا : 10986 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { أَوْ مَا اِخْتَلَطَ بِعَظْمٍ } قَالَ : شَحْم الْأَلْيَة بِالْعُصْعُصِ , فَهُوَ حَلَال , وَكُلّ شَيْء فِي الْقَوَائِم وَالْجَنْب وَالرَّأْس وَالْعَيْن قَدْ اِخْتَلَطَ بِعَظْمٍ , فَهُوَ حَلَال . 10987 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَوْ مَا اِخْتَلَطَ بِعَظْمٍ } مِمَّا كَانَ مِنْ شَحْم عَلَى عَظْم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرهُ : فَهَذَا الَّذِي حَرَّمْنَا عَلَى الَّذِينَ هَادُوا مِنْ الْأَنْعَام وَالطَّيْر , ذَوَات الْأَظَافِير غَيْر الْمُنْفَرِجَة , وَمِنْ الْبَقَر وَالْغَنَم , مَا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ شُحُومهمَا الَّذِي ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْآيَة , حَرَّمْنَاهُ عَلَيْهِمْ عُقُوبَة مِنَّا لَهُمْ , وَثَوَابًا عَلَى أَعْمَالهمْ السَّيِّئَة وَبَغْيهمْ عَلَى رَبّهمْ . كَمَا : 10988 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } إِنَّمَا حُرِّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ عُقُوبَة بِبَغْيِهِمْ . 10989 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ } فَعَلْنَا ذَلِكَ بِهِمْ بِبَغْيِهِمْ . وَقَوْله : { وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } يَقُول : وَإِنَّا لَصَادِقُونَ فِي خَبَرنَا هَذَا عَنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُود عَمَّا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ الشُّحُوم وَلُحُوم الْأَنْعَام وَالطَّيْر الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ , وَفِي غَيْر ذَلِكَ مِنْ أَخْبَارنَا , وَهُمْ الْكَاذِبُونَ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا حَرَّمَهُ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا حَرَّمُوهُ لِتَحْرِيمِ إِسْرَائِيل إِيَّاهُ عَلَى نَفْسه .
فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ كَذَّبُوك فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَة وَلَا يُرَدُّ يَأْسُهُ عَنْ الْقَوْم الْمُجْرِمِينَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَإِنْ كَذَّبُوك يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْيَهُود فِيمَا أَخْبَرَنَاك أَنَّا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ وَحَلَّلْنَا لَهُمْ كَمَا بَيَّنَّا فِي هَذِهِ الْآيَة , فَقُلْ : رَبّكُمْ ذُو رَحْمَة بِنَا وَبِمَنْ كَانَ بِهِ مُؤْمِنًا مِنْ عِبَاده وَبِغَيْرِهِمْ مِنْ خَلْقه , وَاسِعَة , تَسَعُ جَمِيع خَلْقه الْمُحْسِن وَالْمُسِيء , لَا يُعَاجِل مَنْ كَفَرَ بِهِ بِالْعُقُوبَةِ وَلَا مَنْ عَصَاهُ بِالنِّقْمَةِ , وَلَا يَدَع كَرَامَة مَنْ آمَنَ بِهِ وَأَطَاعَهُ وَلَا يَحْرِمهُ ثَوَاب عَمَله , رَحْمَة مِنْهُ بِكِلَا الْفَرِيقَيْنِ ; وَلَكِنْ بَأْسه , وَذَلِكَ سَطَوْته وَعَذَابه , لَا يَرُدّهُ إِذَا أَحَلَّهُ عِنْد غَضَبه عَلَى الْمُجْرِمِينَ بِهِمْ عَنْهُمْ شَيْء . وَالْمُجْرِمُونَ هُمْ الَّذِينَ أَجْرَمُوا فَاكْتَسَبُوا الذُّنُوب وَاجْتَرَحُوا السَّيِّئَات . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10900 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَإِنْ كَذَّبُوك } الْيَهُود . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَإِنْ كَذَّبُوك } الْيَهُود , { فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَة وَاسِعَة } . 10991 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : كَانَتْ الْيَهُود يَقُولُونَ : إِنَّمَا حَرَّمَهُ إِسْرَائِيل - يَعْنِي : الثَّرْب وَشَحْم الْكُلْيَتَيْنِ - فَنَحْنُ نُحَرِّمهُ , فَذَلِكَ قَوْله : { فَإِنْ كَذَّبُوك فَقُلْ رَبّكُمْ ذُو رَحْمَة وَاسِعَة وَلَا يُرَدُّ بَأْسه عَنْ الْقَوْم الْمُجْرِمِينَ } .
سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّه مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْء كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسنَا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا } وَهُمْ الْعَادِلُونَ بِاَللَّهِ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْش : { لَوْ شَاءَ اللَّه مَا أَشْرَكْنَا } يَقُول : قَالُوا اِحْتِجَازًا مِنْ الْإِذْعَان لِلْحَقِّ بِالْبَاطِلِ مِنْ الْحُجَّة لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقّ , وَعَلِمُوا بَاطِل مَا كَانُوا عَلَيْهِ مُقِيمِينَ مِنْ شِرْكِهِمْ , وَتَحْرِيمهمْ مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَ مِنْ الْحُرُوث وَالْأَنْعَام , عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَ تَعَالَى ذِكْره فِي الْآيَات الْمَاضِيَة قَبْل ذَلِكَ : { وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْث وَالْأَنْعَام نَصِيبًا } وَمَا بَعْد ذَلِكَ : لَوْ أَرَادَ اللَّه مِنَّا الْإِيمَان بِهِ وَإِفْرَاده بِالْعِبَادَةِ دُون الْأَوْثَان وَالْآلِهَة وَتَحْلِيل مَا حَرَّمَ مِنْ الْبَحَائِر وَالسَّوَائِب وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالنَا , مَا جَعَلْنَا لِلَّهِ شَرِيكًا , وَلَا جَعَلَ ذَلِكَ لَهُ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلنَا , وَلَا حَرَّمْنَا مَا نُحَرِّمهُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي نَحْنُ عَلَى تَحْرِيمهَا مُقِيمُونَ ; لِأَنَّهُ قَادِر عَلَى أَنْ يَحُول بَيْننَا وَبَيْن ذَلِكَ , حَتَّى لَا يَكُون لَنَا إِلَى فِعْل شَيْء مِنْ ذَلِكَ سَبِيل , إِمَّا بِأَنْ يَضْطَرّنَا إِلَى الْإِيمَان وَتَرْك الشِّرْك بِهِ وَإِلَى الْقَوْل بِتَحْلِيلِ مَا حَرَّمْنَا ; وَإِمَّا بِأَنْ يَلْطُف بِنَا بِتَوْفِيقِهِ فَنَصِير إِلَى الْإِقْرَار بِوَحْدَانِيِّتِهِ وَتَرْك عِبَادَة مَا دُونه مِنْ الْأَنْدَاد وَالْأَصْنَام , وَإِلَى تَحْلِيل مَا حَرَّمْنَا . وَلَكِنَّهُ رَضِيَ مِنَّا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَة الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , وَاِتِّخَاذ الشَّرِيك لَهُ فِي الْعِبَادَة وَالْأَنْدَاد , وَأَرَادَ مَا نُحَرِّم مِنْ الْحُرُوث وَالْأَنْعَام , فَلَمْ يَحُلْ بَيْنَنَا وَبَيْن مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ اللَّه مُكَذِّبًا لَهُمْ فِي قِيلِهِمْ : إِنَّ اللَّه رَضِيَ مِنَّا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ الشِّرْك وَتَحْرِيم مَا نُحَرِّم , وَرَادًّا عَلَيْهِمْ بَاطِل مَا اِحْتَجُّوا بِهِ مِنْ حُجَّتهمْ فِي ذَلِكَ : { كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } يَقُول : كَمَا كَذَّبَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَا مُحَمَّد مَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ الْحَقّ وَالْبَيَان , كَذَّبَ مَنْ قَبْلهمْ مِنْ فَسَقَة الْأُمَم الَّذِينَ طَغَوْا عَلَى رَبّهمْ مَا جَاءَتْهُمْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ مِنْ آيَات اللَّه وَوَاضِح حُجَجه , وَرَدُّوا عَلَيْهِمْ نَصَائِحهمْ . { حَتَّى ذَاقُوا بَأْسنَا } يَقُول : حَتَّى أَسْخَطُونَا فَغَضِبْنَا عَلَيْهِمْ , فَأَحْلَلْنَا بِهِمْ بَأْسنَا فَذَاقُوهُ , فَعَطِبُوا بِذَوْقِهِمْ إِيَّاهُ , فَخَابُوا وَخَسِرُوا الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , يَقُول : وَهَؤُلَاءِ الْآخَرُونَ , مَسْلُوك بِهِمْ سَبِيلهمْ , إِنْ هُمْ لَمْ يُنِيبُوا فَيُؤْمِنُوا وَيُصَدِّقُوا بِمَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّهمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10992 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَوْ شَاءَ اللَّه مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا } وَقَالَ : { كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } , ثُمَّ قَالَ : { وَلَوْ شَاءَ اللَّه مَا أَشْرَكُوا } فَإِنَّهُمْ قَالُوا : عِبَادَتنَا الْآلِهَة تُقَرِّبنَا إِلَى اللَّه زُلْفَى , فَأَخْبَرَهُمْ اللَّه أَنَّهَا لَا تُقَرِّبهُمْ , وَقَوْله : { وَلَوْ شَاءَ اللَّه مَا أَشْرَكُوا } يَقُول اللَّه سُبْحَانه : لَوْ شِئْت لَجَمَعْتهمْ عَلَى الْهُدَى أَجْمَعِينَ . 10993 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَحِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْء } قَالَ : قَوْل قُرَيْش , يَعْنِي : أَنَّ اللَّه حَرَّمَ هَذِهِ الْبَحِيرَة وَالسَّائِبَة . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْء } قَوْل قُرَيْش بِغَيْرِ يَقِين : أَنَّ اللَّه حَرَّمَ هَذِهِ الْبَحِيرَة وَالسَّائِبَة . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا بُرْهَانُك عَلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى إِنَّمَا كَذَّبَ مِنْ قِيل هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ قَوْلهمْ : رَضِيَ اللَّه مِنَّا عِبَادَة الْأَوْثَان , وَأَرَادَ مِنَّا تَحْرِيم مَا حَرَّمْنَا مِنْ الْحُرُوث وَالْأَنْعَام , دُون أَنْ يَكُون تَكْذِيبه إِيَّاهُمْ كَانَ عَلَى قَوْلهمْ : { لَوْ شَاءَ اللَّه مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْء } وَعَلَى وَصْفِهِمْ إِيَّاهُ بِأَنَّهُ قَدْ شَاءَ شِرْكهمْ وَشِرْك آبَائِهِمْ , وَتَحْرِيمهمْ مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَ ؟ قِيلَ لَهُ : الدَّلَالَة عَلَى ذَلِكَ . قَوْله : { كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ سَلَكُوا فِي تَكْذِيبهمْ نَبِيّهمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا آتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ النَّهْي عَنْ عِبَادَة شَيْء غَيْر اللَّه تَعَالَى , وَتَحْرِيم غَيْر مَا حَرَّمَ اللَّه فِي كِتَابه وَعَلَى لِسَان رَسُوله مَسْلَك أَسْلَافهمْ مِنْ الْأُمَم الْخَالِيَة الْمُكَذِّبَة اللَّه وَرَسُوله . وَالتَّكْذِيب مِنْهُمْ إِنَّمَا كَانَ لِمُكَذَّبٍ , وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ خَبَرًا مِنْ اللَّه عَنْ كَذِبهمْ فِي قِيلهمْ : { لَوْ شَاءَ اللَّه مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا } لَقَالَ : " كَذَلِكَ كَذَبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ " بِتَخْفِيفِ الذَّال , وَكَانَ يَنْسُبهُمْ فِي قِيلهمْ ذَلِكَ إِلَى الْكَذِب عَلَى اللَّه لَا إِلَى التَّكْذِيب . مَعَ عِلَل كَثِيرَة يَطُول بِذِكْرِهَا الْكِتَاب , وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَة لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ هَلْ عِنْدكُمْ مِنْ عِلْم فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام الْمُحَرِّمِينَ مَا هُمْ لَهُ مُحَرِّمُونَ مِنْ الْحُرُوث وَالْأَنْعَام , الْقَائِلِينَ : { لَوْ شَاءَ اللَّه مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْء } وَلَكِنْ رَضِيَ مِنَّا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ الشِّرْك وَتَحْرِيم مَا نُحَرِّم : هَلْ عِنْدكُمْ بِدَعْوَاكُمْ مَا تَدَّعُونَ عَلَى اللَّه مِنْ رِضَاهُ بِإِشْرَاكِكُمْ فِي عِبَادَته مَا تُشْرِكُونَ وَتَحْرِيمكُمْ مِنْ أَمْوَالكُمْ مَا تُحَرِّمُونَ عِلْم يَقِين مِنْ خَبَر مَنْ يَقْطَعُ خَبَره الْعُذْر , أَوْ حُجَّة تُوجِب لَنَا الْيَقِين مِنْ الْعِلْم فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ؟ يَقُول : فَتُظْهِرُوا ذَلِكَ لَنَا وَتُبَيِّنُوهُ , كَمَا بَيَّنَّا لَكُمْ مَوَاضِع خَطَأ قَوْلكُمْ وَفِعْلكُمْ , وَتَنَاقُض ذَلِكَ وَاسْتِحَالَته فِي الْمَعْقُول وَالْمَسْمُوع . { إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنّ } يَقُول لَهُ : قُلْ لَهُمْ : إِنْ تَقُولُونَ مَا تَقُولُونَ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ وَتَعْبُدُونَ مِنْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام مَا تَعْبُدُونَ وَتُحَرِّمُونَ مِنْ الْحُرُوث وَالْأَنْعَام مَا تُحَرِّمُونَ إِلَّا ظَنًّا وَحُسْبَانًا أَنَّهُ حَقّ , وَأَنَّكُمْ عَلَى حَقّ وَهُوَ بَاطِل , وَأَنْتُمْ عَلَى بَاطِل . { وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ } يَقُول : وَإِنْ أَنْتُمْ , وَمَا أَنْتُمْ فِي ذَلِكَ كُلّه إِلَّا تَخْرُصُونَ , يَقُول : إِلَّا تَتَقَوَّلُونَ الْبَاطِل عَلَى اللَّه ظَنًّا بِغَيْرِ يَقِين عِلْم وَلَا بُرْهَان وَاضِح .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ هَلْ عِنْدكُمْ مِنْ عِلْم فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام الْمُحَرِّمِينَ مَا هُمْ لَهُ مُحَرِّمُونَ مِنْ الْحُرُوث وَالْأَنْعَام , الْقَائِلِينَ : { لَوْ شَاءَ اللَّه مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْء } وَلَكِنْ رَضِيَ مِنَّا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ الشِّرْك وَتَحْرِيم مَا نُحَرِّم : هَلْ عِنْدكُمْ بِدَعْوَاكُمْ مَا تَدَّعُونَ عَلَى اللَّه مِنْ رِضَاهُ بِإِشْرَاكِكُمْ فِي عِبَادَته مَا تُشْرِكُونَ وَتَحْرِيمكُمْ مِنْ أَمْوَالكُمْ مَا تُحَرِّمُونَ عِلْم يَقِين مِنْ خَبَر مَنْ يَقْطَعُ خَبَره الْعُذْر , أَوْ حُجَّة تُوجِب لَنَا الْيَقِين مِنْ الْعِلْم فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ؟ يَقُول : فَتُظْهِرُوا ذَلِكَ لَنَا وَتُبَيِّنُوهُ , كَمَا بَيَّنَّا لَكُمْ مَوَاضِع خَطَأ قَوْلكُمْ وَفِعْلكُمْ , وَتَنَاقُض ذَلِكَ وَاسْتِحَالَته فِي الْمَعْقُول وَالْمَسْمُوع . { إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنّ } يَقُول لَهُ : قُلْ لَهُمْ : إِنْ تَقُولُونَ مَا تَقُولُونَ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ وَتَعْبُدُونَ مِنْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام مَا تَعْبُدُونَ وَتُحَرِّمُونَ مِنْ الْحُرُوث وَالْأَنْعَام مَا تُحَرِّمُونَ إِلَّا ظَنًّا وَحُسْبَانًا أَنَّهُ حَقّ , وَأَنَّكُمْ عَلَى حَقّ وَهُوَ بَاطِل , وَأَنْتُمْ عَلَى بَاطِل . { وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ } يَقُول : وَإِنْ أَنْتُمْ , وَمَا أَنْتُمْ فِي ذَلِكَ كُلّه إِلَّا تَخْرُصُونَ , يَقُول : إِلَّا تَتَقَوَّلُونَ الْبَاطِل عَلَى اللَّه ظَنًّا بِغَيْرِ يَقِين عِلْم وَلَا بُرْهَان وَاضِح .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّة الْبَالِغَة فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , الْقَائِلِينَ عَلَى رَبّهمْ الْكَذِب فِي تَحْرِيمهمْ مَا حَرَّمُوا مِنْ الْحُرُوث وَالْأَنْعَام , إِنْ عَجَزُوا عَنْ إِقَامَة الْحُجَّة عِنْد قِيلك لَهُمْ : هَلْ عِنْدكُمْ مِنْ عِلْم بِمَا تَدَّعُونَ عَلَى رَبّكُمْ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا , وَعَنْ إِخْرَاج عِلْم ذَلِكَ لَك وَإِظْهَاره , وَهُمْ لَا شَكَّ عَنْ ذَلِكَ عَجَزَة , وَعَنْ إِظْهَاره مُقَصِّرُونَ , لِأَنَّهُ بَاطِل لَا حَقِيقَة لَهُ . { فَلِلَّهِ } الَّذِي حَرَّمَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا , وَأَنْ تَتَّبِعُوا خُطُوَات الشَّيْطَان فِي أَمْوَالكُمْ مِنْ الْحُرُوث وَالْأَنْعَام , { الْحُجَّة الْبَالِغَة } دُونكُمْ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ . وَيَعْنِي بِالْبَالِغَةِ : أَنَّهَا تَبْلُغ مُرَاده فِي ثُبُوتهَا عَلَى مَنْ اِحْتَجَّ بِهَا عَلَيْهِ مِنْ خَلْقه , وَقَطْع عُذْره إِذَا اِنْتَهَتْ إِلَيْهِ فِيمَا جُعِلَتْ حُجَّة فِيهِ . { فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } يَقُول : فَلَوْ شَاءَ رَبّكُمْ لَوَفَّقَكُمْ أَجْمَعِينَ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى إِفْرَاده بِالْعِبَادَةِ وَالْبَرَاءَة مِنْ الْأَنْدَاد وَالْآلِهَة وَالدَّيْنُونَة , بِتَحْرِيمِ مَا حَرَّمَ اللَّه وَتَحْلِيل مَا حَلَّلَهُ اللَّه , وَتَرْك اِتِّبَاع خُطُوَات الشَّيْطَان , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ طَاعَاته . وَلَكِنَّهُ لَمْ يَشَأْ ذَلِكَ , فَخَالَفَ بَيْن خَلْقه فِيمَا شَاءَ مِنْهُمْ , فَمِنْهُمْ كَافِر وَمِنْهُمْ مُؤْمِن . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10994 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : لَا حُجَّة لِأَحَدٍ عَصَى اللَّه , وَلَكِنْ لِلَّهِ الْحُجَّة الْبَالِغَة عَلَى عِبَاده . وَقَالَ : { فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } قَالَ : { لَا يُسْأَل عَمَّا يَفْعَل وَهُمْ يُسْأَلُونَ } 21 23 .
قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّه حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَد مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاَلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ عَلَى رَبّهمْ مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان , الزَّاعِمِينَ أَنَّ اللَّه حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مُحَرِّمُوهُ مِنْ حُرُوثِهِمْ وَأَنْعَامهمْ : { هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ } يَقُول : هَاتُوا شُهَدَاءَكُمْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عَلَى اللَّه أَنَّهُ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ مَا تَزْعُمُونَ أَنَّهُ حَرَّمَهُ عَلَيْكُمْ . وَأَهْل الْعَالِيَة مِنْ تِهَامَة تُوَحِّد " هَلُمَّ " فِي الْوَاحِد وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْع , وَتُذَكِّر فِي الْمُؤَنَّث وَالْمُذَكَّر , فَتَقُول لِلْوَاحِدِ : هَلُمَّ يَا فُلَان وَلِلِاثْنَيْنِ وَالْجَمْع كَذَلِكَ , وَلِلْأُنْثَى مِثْله ; وَمِنْهُ قَوْل الْأَعْشَى : وَكَانَ دَعَا قَوْمه دَعْوَة هَلُمَّ إِلَى أَمْرِكُمْ قَدْ صُرِمَ يُنْشَد " هَلُمَّ " وَ " هَلُمُّوا " . وَأَمَّا أَهْل السَّافِلَة مِنْ نَجْد فَإِنَّهُمْ يُوَحِّدُونَ لِلْوَاحِدِ وَيُثَنُّونَ لِلِاثْنَيْنِ وَيَجْمَعُونَ لِلْجَمِيعِ , فَيُقَال لِلْوَاحِدِ مِنْ الرِّجَال : هَلُمَّ , وَلِلْوَاحِدَةِ مِنْ النِّسَاء : هَلُمِّي , وَلِلِاثْنَيْنِ : هَلُمَّا , وَلِلْجَمَاعَةِ مِنْ الرِّجَال هَلُمُّوا , وَلِلنِّسَاءِ : هَلْمُمْنَ . قَالَ اللَّه لِنَبِيِّهِ : { فَإِنْ شَهِدُوا } يَقُول : يَا مُحَمَّد , فَإِنْ جَاءُوك بِشُهَدَاء يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّه حَرَّمَ مَا يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّه حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ . { فَلَا تَشْهَد مَعَهُمْ } فَإِنَّهُمْ كَذَبَة وَشُهُود زُور فِي شَهَادَتهمْ بِمَا شَهِدُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى اللَّه . وَخَاطَبَ بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْمُرَاد بِهِ أَصْحَابه وَالْمُؤْمِنُونَ بِهِ . { وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا } يَقُول : وَلَا تُتَابِعهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ التَّكْذِيب بِوَحْيِ اللَّه وَتَنْزِيله فِي تَحْرِيم مَا حَرَّمَ وَتَحْلِيل مَا أَحَلَّ لَهُمْ , وَلَكِنْ اِتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْك مِنْ كِتَاب رَبّك الَّذِي لَا يَأْتِيه الْبَاطِل مِنْ بَيْن يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفه . { وَاَلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ } يَقُول : وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ , فَتُكَذِّب بِمَا هُمْ بِهِ مُكَذِّبُونَ مِنْ إِحْيَاء اللَّه خَلْقه بَعْد مَمَاتهمْ وَنَشْره إِيَّاهُمْ بَعْد فَنَائِهِمْ . { وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } يَقُول : وَهُمْ مَعَ تَكْذِيبهمْ بِالْبَعْثِ بَعْد الْمَمَات وَجُحُودهمْ قِيَام السَّاعَة بِاَللَّهِ يَعْدِلُونَ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , فَيَجْعَلُونَهَا لَهُ عِدْلًا , وَيَتَّخِذُونَهَا لَهُ نِدًّا يَعْبُدُونَهَا مَنّ دُونه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10995 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّه حَرَّمَ هَذَا } يَقُول : قُلْ أَرُونِي الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّه حَرَّمَ هَذَا مِمَّا حَرَّمَتْ الْعَرَب , وَقَالُوا : أَمَرَنَا اللَّه بِهِ . قَالَ اللَّه لِرَسُولِهِ : { فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَد مَعَهُمْ } . 10996 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّه حَرَّمَ هَذَا } قَالَ : الْبَحَائِر وَالسُّيَّب .