الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6الصفحة 7
قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَسورة الأعراف الآية رقم 61
وَالضَّلَال وَالضَّلَالَة : الْعُدُول عَنْ طَرِيق الْحَقّ , وَالذَّهَاب عَنْهُ . أَيْ إِنَّا لَنَرَاك فِي دُعَائِنَا إِلَى إِلَه وَاحِد فِي ضَلَال عَنْ الْحَقّ .
أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَسورة الأعراف الآية رقم 62
بِالتَّشْدِيدِ مِنْ التَّبْلِيغ , وَبِالتَّخْفِيفِ مِنْ الْإِبْلَاغ . وَقِيلَ : هُمَا بِمَعْنًى وَاحِد لُغَتَانِ ; مِثْل كَرَّمَهُ وَأَكْرَمَهُ .


النُّصْح : إِخْلَاص النِّيَّة مِنْ شَوَائِب الْفَسَاد فِي الْمُعَامَلَة , بِخِلَافِ الْغَشّ . يُقَال : نَصَحْته وَنَصَحْت لَهُ نَصِيحَة وَنَصَاحَة وَنُصْحًا . وَهُوَ بِاللَّامِ أَفْصَح . قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَأَنْصَح لَكُمْ " وَالِاسْم النَّصِيحَة . وَالنَّصِيح النَّاصِح , وَقَوْم نُصَحَاء . وَرَجُل نَاصِح الْجَيْب أَيْ نَقِيّ الْقَلْب . قَالَ الْأَصْمَعِيّ : النَّاصِح الْخَالِص مِنْ الْعَسَل وَغَيْره . مِثْل النَّاصِع . وَكُلّ شَيْء خَلَصَ فَقَدْ نَصَحَ . وَانْتَصَحَ فُلَان أَقْبَلَ عَلَى النَّصِيحَة . يُقَال : انْتَصِحْنِي إِنَّنِي لَك نَاصِح . وَالنَّاصِح الْخَيَّاط . وَالنِّصَاح السِّلْك يُخَاط بِهِ . وَالنَّصَاحَات أَيْضًا الْجُلُود . قَالَ الْأَعْشَى : فَتَرَى الشُّرْب نَشَاوَى كُلّهمْ مِثْل مَا مُدَّتْ نِصَاحَات الرُّبَحْ الرُّبَحُ لُغَة فِي الرُّبَع , وَهُوَ الْفَصِيل . وَالرُّبَح أَيْضًا طَائِر . وَسَيَأْتِي لِهَذَا زِيَادَة مَعْنًى فِي " بَرَاءَة " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .
أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَسورة الأعراف الآية رقم 63
فُتِحَتْ الْوَاو لِأَنَّهَا وَاو عَطْف , دَخَلَتْ عَلَيْهَا أَلِف الِاسْتِفْهَام لِلتَّقْرِيرِ . وَسَبِيل الْوَاو أَنْ تَدْخُل عَلَى حُرُوف الِاسْتِفْهَام إِلَّا الْأَلِف لِقُوَّتِهَا .


أَيْ وَعْظ مِنْ رَبّكُمْ .


أَيْ عَلَى لِسَان رَجُل . وَقِيلَ : " عَلَى " بِمَعْنَى " مَعَ " , أَيْ مَعَ رَجُل وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْر مِنْ رَبّكُمْ مُنَزَّل عَلَى رَجُل مِنْكُمْ , أَيْ تَعْرِفُونَ نَسَبه . أَيْ عَلَى رَجُل مِنْ جِنْسكُمْ . وَلَوْ كَانَ مَلَكًا فَرُبَّمَا كَانَ فِي اِخْتِلَاف الْجِنْس تَنَافُر الطَّبْع .
فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمًا عَمِينَسورة الأعراف الآية رقم 64
وَ " الْفُلْك " يَكُون وَاحِدًا وَيَكُون جَمْعًا . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة "


وَ " عَمِينَ " أَيْ عَنْ الْحَقّ ; قَالَ قَتَادَة . وَقِيلَ : عَنْ مَعْرِفَة اللَّه تَعَالَى وَقُدْرَته , يُقَال : رَجُل عَمٍ بِكَذَا , أَيْ جَاهِل .
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَسورة الأعراف الآية رقم 65
أَيْ وَأَرْسَلْنَا إِلَى عَاد أَخَاهُمْ هُودًا . قَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْ اِبْن أَبِيهِمْ . وَقِيلَ : أَخَاهُمْ فِي الْقَبِيلَة . وَقِيلَ : أَيْ بَشَرًا مِنْ بَنِي أَبِيهِمْ آدَم . وَفِي مُصَنَّف أَبِي دَاوُد أَنَّ أَخَاهُمْ هُودًا أَيْ صَاحِبهمْ . وَعَاد مِنْ وَلَد سَام بْن نُوح . قَالَ اِبْن إِسْحَاق : وَعَاد هُوَ اِبْن عَوْص بْن إِرَم بْن شالخ بْن أَرْفَخْشَد بْن سَام بْن نُوح عَلَيْهِ السَّلَام . وَهُود هُوَ هُود بْن عَبْد اللَّه بْن رَبَاح بْن الجلود بْن عَاد بْن عَوْص بْن إِرَم بْن سَام بْن نُوح . بَعَثَهُ اللَّه إِلَى عَاد نَبِيًّا . وَكَانَ مِنْ أَوْسَطهمْ نَسَبًا وَأَفْضَلهمْ حَسَبًا . وَ " عَاد " مَنْ لَمْ يَصْرِفهُ جَعَلَهُ اِسْمًا لِلْقَبِيلَةِ , وَمَنْ صَرَفَهُ جَعَلَهُ اِسْمًا لِلْحَيِّ . قَالَ أَبُو حَاتِم : وَفِي حَرْف أُبَيّ وَابْن مَسْعُود " عَاد الْأُولَى " [ ق : 13 ] بِغَيْرِ أَلِف . وَ " هُود " أَعْجَمِيّ , وَانْصَرَفَ لِخِفَّتِهِ ; لِأَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَة أَحْرُف . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون عَرَبِيًّا مُشْتَقًّا مِنْ هَادَ يَهُود . وَالنَّصْب عَلَى الْبَدَل . وَكَانَ بَيْن هُود وَنُوح فِيمَا ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ سَبْعَة آبَاءٍ . وَكَانَتْ عَاد فِيمَا رُوِيَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ قَبِيلَةً , يَنْزِلُونَ الرِّمَالَ , رَمْل عَالِج . وَكَانُوا أَهْلَ بَسَاتِينَ وَزُرُوعٍ وَعِمَارَة , وَكَانَتْ بِلَادهمْ أَخْصَب الْبِلَاد , فَسَخِطَ اللَّه عَلَيْهِمْ فَجَعَلَهَا مَفَاوِز . وَكَانَتْ فِيمَا رُوِيَ بِنَوَاحِي حَضْرَمَوْت إِلَى الْيَمَن , وَكَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَام . وَلَحِقَ هُود حِين أُهْلِكَ قَوْمه بِمَنْ آمَنَ مَعَهُ بِمَكَّة , فَلَمْ يَزَالُوا بِهَا حَتَّى مَاتُوا .
قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَسورة الأعراف الآية رقم 66
" فِي سَفَاهَة " أَيْ فِي حُمْق وَخِفَّة عَقْل . قَالَ : مَشَيْنَ كَمَا اِهْتَزَّتْ رِمَاح تَسَفَّهَتْ أَعَالِيهَا مَرُّ الرِّيَاحِ النَّوَاسِم وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي " الْبَقَرَة " وَالرُّؤْيَة هُنَا وَفِي قِصَّة نُوح قِيلَ : هِيَ مِنْ رُؤْيَة الْبَصَر . وَقِيلَ : يَجُوز أَنْ يُرَاد بِهَا الرَّأْي الَّذِي هُوَ أَغْلَب الظَّنّ .
قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَسورة الأعراف الآية رقم 67
أَيْ لَيْسَ بِي حُمْق وَخِفَّة عَقْل . قَالَ : مَشَيْنَ كَمَا اِهْتَزَّتْ رِمَاح تَسَفَّهَتْ أَعَالِيهَا مَرُّ الرِّيَاح النَّوَاسِم الرُّؤْيَة هُنَا وَفِي قِصَّة نُوح قِيلَ : هِيَ مِنْ رُؤْيَة الْبَصَر . وَقِيلَ : يَجُوز أَنْ يُرَاد بِهَا الرَّأْي الَّذِي هُوَ أَغْلَب الظَّنّ .
أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌسورة الأعراف الآية رقم 68
بِالتَّشْدِيدِ مِنْ التَّبْلِيغ , وَبِالتَّخْفِيفِ مِنْ الْإِبْلَاغ . وَقِيلَ : هُمَا بِمَعْنًى وَاحِد لُغَتَانِ ; مِثْل كَرَّمَهُ وَأَكْرَمَهُ . النُّصْح : إِخْلَاص النِّيَّة مِنْ شَوَائِب الْفَسَاد فِي الْمُعَامَلَة , بِخِلَافِ الْغَشّ . يُقَال : نَصَحْته وَنَصَحْت لَهُ نَصِيحَة وَنَصَاحَة وَنُصْحًا . وَهُوَ بِاللَّامِ أَفْصَح . قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَأَنْصَح لَكُمْ " وَالِاسْم النَّصِيحَة . وَالنَّصِيح النَّاصِح , وَقَوْم نُصَحَاء . وَرَجُل نَاصِح الْجَيْب أَيْ نَقِيّ الْقَلْب . قَالَ الْأَصْمَعِيّ : النَّاصِح الْخَالِص مِنْ الْعَسَل وَغَيْره . مِثْل النَّاصِع . وَكُلّ شَيْء خَلَصَ فَقَدْ نَصَحَ . وَانْتَصَحَ فُلَان أَقْبَلَ عَلَى النَّصِيحَة . يُقَال : انْتَصِحْنِي إِنَّنِي لَك نَاصِح . وَالنَّاصِح الْخَيَّاط . وَالنِّصَاح السِّلْك يُخَاط بِهِ . وَالنَّصَاحَات أَيْضًا الْجُلُود . قَالَ الْأَعْشَى : فَتَرَى الشُّرْب نَشَاوَى كُلّهمْ مِثْل مَا مُدَّتْ نِصَاحَات الرُّبَح الرُّبَح لُغَة فِي الرُّبَع , وَهُوَ الْفَصِيل . وَالرُّبَح أَيْضًا طَائِر . وَسَيَأْتِي لِهَذَا زِيَادَة مَعْنًى فِي " بَرَاءَة " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .
أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَسورة الأعراف الآية رقم 69
" أَوَعَجِبْتُمْ " فُتِحَتْ الْوَاو لِأَنَّهَا وَاو عَطْف , دَخَلَتْ عَلَيْهَا أَلِف الِاسْتِفْهَام لِلتَّقْرِيرِ . وَسَبِيل الْوَاو أَنْ تَدْخُل عَلَى حُرُوف الِاسْتِفْهَام إِلَّا الْأَلِف لِقُوَّتِهَا . أَيْ وَعْظ مِنْ رَبّكُمْ . " عَلَى رَجُل مِنْكُمْ " أَيْ عَلَى لِسَان رَجُل . وَقِيلَ : " عَلَى " بِمَعْنَى " مَعَ " , أَيْ مَعَ رَجُل وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْر مِنْ رَبّكُمْ مُنَزَّل عَلَى رَجُل مِنْكُمْ , أَيْ تَعْرِفُونَ نَسَبه . أَيْ عَلَى رَجُل مِنْ جِنْسكُمْ . وَلَوْ كَانَ مَلَكًا فَرُبَّمَا كَانَ فِي اِخْتِلَاف الْجِنْس تَنَافُر الطَّبْع .


" خُلَفَاء " جَمْع خَلِيفَة عَلَى التَّذْكِير وَالْمَعْنَى , وَخَلَائِف عَلَى اللَّفْظ . مِنْ عَلَيْهِمْ بِأَنْ جَعَلَهُمْ سُكَّان الْأَرْض بَعْد قَوْم نُوح .


وَيَجُوز " بَصْطَة " بِالصَّادِ لِأَنَّ بَعْدهَا طَاء ; أَيْ طُولًا فِي الْخَلْق وَعِظَم الْجِسْم . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ أَطْوَلهمْ مِائَة ذِرَاع , وَأَقْصَرهمْ سِتِّينَ ذِرَاعًا . وَهَذِهِ الزِّيَادَة كَانَتْ عَلَى خَلْق آبَائِهِمْ . وَقِيلَ : عَلَى خَلْق قَوْم نُوح . قَالَ وَهْب : كَانَ رَأْس أَحَدهمْ مِثْل قُبَّة عَظِيمَة , وَكَانَ عَيْن الرَّجُل يُفَرِّخ فِيهَا السِّبَاع , وَكَذَلِكَ مَنَاخِرهمْ . وَرَوَى شَهْر بْن حَوْشَب عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : إِنْ كَانَ الرَّجُل مِنْ قَوْم عَاد يَتَّخِذ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ حِجَارَة لَوْ اِجْتَمَعَ عَلَيْهَا خَمْسمِائَةِ رَجُل مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة لَمْ يُطِيقُوهُ , وَإِنْ كَانَ أَحَدهمْ لَيَغْمِز بِرِجْلِهِ الْأَرْض فَتَدْخُل فِيهَا . " فَاذْكُرُوا آلَاء اللَّه " أَيْ نِعَم اللَّه , وَاحِدُهَا إِلًى وَإِلْيٌ وَإِلْوٌ وَأَلًى . كَالْآنَاءِ وَاحِدهَا إِنًى وَإِنْيٌ وَإِنْوٌ وَأَنًى .
قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَسورة الأعراف الآية رقم 70
طَلَبُوا الْعَذَاب الَّذِي خَوَّفَهُمْ بِهِ وَحَذَّرَهُمْ مِنْهُ .
قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَسورة الأعراف الآية رقم 71
وَمَعْنَى وَقَعَ أَيْ وَجَبَ . يُقَال : وَقَعَ الْقَوْل وَالْحُكْم أَيْ وَجَبَ ! وَمِثْله : " وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمْ الرِّجْز " [ الْأَعْرَاف : 134 ] . أَيْ نَزَلَ بِهِمْ . " وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْل عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّة مِنْ الْأَرْض " [ النَّمْل : 82 ] . وَالرِّجْس الْعَذَاب وَقِيلَ : عُنِيَ بِالرِّجْسِ الرَّيْن عَلَى الْقَلْب بِزِيَادَةِ الْكُفْر .


يَعْنِي الْأَصْنَام الَّتِي عَبَدُوهَا , وَكَانَ لَهَا أَسْمَاء مُخْتَلِفَة . فَالِاسْم هُنَا بِمَعْنَى الْمُسَمَّى . نَظِيره " إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا " [ النَّجْم : 23 ] . وَهَذِهِ الْأَسْمَاء مِثْل الْعُزَّى مِنْ الْعِزّ وَالْأَعَزّ وَاللَّاتَ , وَلَيْسَ لَهَا مِنْ الْعِزّ وَالْإِلَهِيَّة شَيْء . " مَا نَزَّلَ اللَّه بِهَا مِنْ سُلْطَان " أَيْ مِنْ حُجَّة لَكُمْ فِي عِبَادَتهَا .
فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَسورة الأعراف الآية رقم 72
" دَابِر " آخِر . وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ بَقِيَّة .
وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌسورة الأعراف الآية رقم 73
وَهُوَ ثَمُود بْن عَاد بْن إِرَم بْن سَام بْن نُوح . وَهُوَ أَخُو جَدِيس , وَكَانُوا فِي سَعَة مِنْ مَعَايِشهمْ ; فَخَالَفُوا أَمْر اللَّه وَعَبَدُوا غَيْره , وَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْض . فَبَعَثَ اللَّه إِلَيْهِمْ صَالِحًا نَبِيًّا , وَهُوَ صَالِح بْن عُبَيْد بْن آسف بْن كَاشِح بْن عُبَيْد بْن حَاذِر بْن ثَمُود . وَكَانُوا قَوْمًا عَرَبًا . وَكَانَ صَالِح مِنْ أَوْسَطهمْ نَسَبًا وَأَفْضَلهمْ حَسَبًا فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّه تَعَالَى حَتَّى شَمِطَ وَلَا يَتَّبِعهُ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيل مُسْتَضْعَفُونَ . وَلَمْ يَنْصَرِف " ثَمُود " لِأَنَّهُ جُعِلَ اِسْمًا لِلْقَبِيلَةِ . وَقَالَ أَبُو حَاتِم : لَمْ يَنْصَرِف , لِأَنَّهُ اِسْم أَعْجَمِيّ . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا غَلَط ; لِأَنَّهُ مُشْتَقّ مِنْ الثَّمَد وَهُوَ الْمَاء الْقَلِيل . وَقَدْ قَرَأَ الْقُرَّاء أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ " [ هُود : 68 ] عَلَى أَنَّهُ اِسْم لِلْحَيِّ . وَكَانَتْ مَسَاكِن ثَمُود الْحِجْر بَيْن الْحِجَاز وَالشَّام إِلَى وَادِي الْقُرَى . وَهُمْ مِنْ وَلَد سَام بْن نُوح . وَسُمِّيَتْ ثَمُود لِقِلَّةِ مَائِهَا . وَسَيَأْتِي بَيَانه فِي " الْحِجْر " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .


أَخْرَجَ لَهُمْ النَّاقَة حِين سَأَلُوهُ مِنْ حَجَر صَلْد ; فَكَانَ لَهَا يَوْم تَشْرَب فِيهِ مَاء الْوَادِي كُلّه , وَتَسْقِيهِمْ مِثْله لَبَنًا لَمْ يُشْرَب قَطُّ أَلَذّ وَأَحْلَى مِنْهُ . وَكَانَ بِقَدْرِ حَاجَتهمْ عَلَى كَثْرَتهمْ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُوم " [ الشُّعَرَاء : 155 ] . وَأُضِيفَتْ النَّاقَة إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى جِهَة إِضَافَة الْخَلْق إِلَى الْخَالِق . وَفِيهِ مَعْنَى التَّشْرِيف وَالتَّخْصِيص .


أَيْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ رِزْقهَا وَمَئُونَتهَا .
وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَسورة الأعراف الآية رقم 74
فِيهِ مَحْذُوف , أَيْ بَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْض مَنَازِل .


أَيْ تَبْنُونَ الْقُصُور بِكُلِّ مَوْضِع .



اِتَّخَذُوا الْبُيُوت فِي الْجِبَال لِطُولِ أَعْمَارهمْ ; فَإِنَّ السُّقُوف وَالْأَبْنِيَة كَانَتْ تَبْلَى قَبْل فَنَاء أَعْمَارهمْ . وَقَرَأَ الْحَسَن بِفَتْحِ الْحَاء , وَهِيَ لُغَة . وَفِيهِ حَرْف مِنْ حُرُوف الْحَلْق ; فَلِذَلِكَ جَاءَ عَلَى فَعَلَ يَفْعَل . اِسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَة مَنْ أَجَازَ الْبِنَاء الرَّفِيع كَالْقُصُورِ وَنَحْوهَا , وَبِقَوْلِهِ : " قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَة اللَّه الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَات مِنْ الرِّزْق " [ الْأَعْرَاف : 32 ] . ذُكِرَ أَنَّ اِبْنًا لِمُحَمَّدِ بْن سِيرِينَ بَنَى دَارًا وَأَنْفَقَ فِيهَا مَالًا كَثِيرًا ; فَذُكِرَ ذَلِكَ لِمُحَمَّدِ بْن سِيرِينَ فَقَالَ : مَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَبْنِي الرَّجُل بِنَاء يَنْفَعهُ . وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ : ( إِذَا أَنْعَمَ اللَّه عَلَى عَبْد أَحَبَّ أَنْ يَرَى أَثَر النِّعْمَة عَلَيْهِ ) . وَمِنْ آثَار النِّعْمَة الْبِنَاء الْحَسَن , وَالثِّيَاب الْحَسَنَة . أَلَا تَرَى أَنَّهُ إِذَا اِشْتَرَى جَارِيَة جَمِيلَة بِمَالٍ عَظِيم فَإِنَّهُ يَجُوز وَقَدْ يَكْفِيه دُون ذَلِكَ ; فَكَذَلِكَ الْبِنَاء . وَكَرِهَ ذَلِكَ آخَرُونَ , مِنْهُمْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَغَيْره . وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام : ( إِذَا أَرَادَ اللَّه بِعَبْدٍ شَرًّا أَهْلَكَ مَالَهُ فِي الطِّين وَاللَّبِن ) . وَفِي خَبَر آخَر عَنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ : ( مَنْ بَنَى فَوْق مَا يَكْفِيه جَاءَ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة يَحْمِلهُ عَلَى عُنُقه ) . قُلْت : بِهَذَا أَقُول ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام : ( وَمَا أَنْفَقَ الْمُؤْمِن مِنْ نَفَقَة فَإِنَّ خَلَفهَا عَلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا مَا كَانَ فِي بُنْيَان أَوْ مَعْصِيَة ) . رَوَاهُ جَابِر بْن عَبْد اللَّه وَخَرَّجَهُ الدَّار قُطْنِيّ . وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( لَيْسَ لِابْنِ آدَم حَقّ فِي سِوَى هَذِهِ الْخِصَال بَيْت يَسْكُنهُ وَثَوْب يُوَارِي عَوْرَته وَجِلْف الْخُبْز وَالْمَاء ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ . قَوْله تَعَالَى : " فَاذْكُرُوا آلَاء اللَّه " أَيْ نِعَمه . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّار مُنْعَم عَلَيْهِمْ . وَقَدْ مَضَى فِي " آل عِمْرَان " الْقَوْل فِيهِ . " وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ " تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة " وَالْعِثِيّ وَالْعُثُوّ لُغَتَانِ . وَقَرَأَ الْأَعْمَش " تِعْثَوْا " بِكَسْرِ التَّاء أَخَذَهُ مِنْ عَثِيَ يَعْثَى لَا مِنْ عَثَا يَعْثُو .
قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَسورة الأعراف الآية رقم 75
" قَالَ الْمَلَأ الَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمه لِلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ " الثَّانِي بَدَل مِنْ الْأَوَّل , لِأَنَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ . وَهُوَ بَدَل الْبَعْض مِنْ الْكُلّ .
قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَسورة الأعراف الآية رقم 76
فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَسورة الأعراف الآية رقم 77
الْعَقْر الْجَرْح . وَقِيلَ : قَطْع عُضْو يُؤَثِّر فِي النَّفْس . وَعَقَرْت الْفَرَس : إِذَا ضَرَبْت قَوَائِمه بِالسَّيْفِ . وَخَيْل عَقْرَى . وَعَقَرْت ظَهْر الدَّابَّة : إِذَا أَدْبَرْته . قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : تَقُولُ وَقَدْ مَالَ الْغَبِيطُ بِنَا مَعًا عَقَرْت بَعِيرِي يَا اِمْرَأَ الْقَيْس فَانْزِلِ أَيْ جَرَحْته وَأَدْبَرْته قَالَ الْقُشَيْرِيّ : الْعَقْر كَشْف عُرْقُوب الْبَعِير ; ثُمَّ قِيلَ لِلنَّحْرِ عَقْر ; لِأَنَّ الْعَقْر سَبَب النَّحْر فِي الْغَالِب . وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي عَاقِر النَّاقَة عَلَى أَقْوَال . أَصَحّهَا مَا فِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن زَمْعَة قَالَ ; خَطَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ النَّاقَة وَذَكَرَ الَّذِي عَقَرَهَا فَقَالَ : ( إِذْ اِنْبَعَثَ أَشْقَاهَا اِنْبَعَثَ لَهَا رَجُل عَزِيز عَارِم مَنِيع فِي رَهْطه مِثْل أَبِي زَمْعَة ) وَذَكَرَ الْحَدِيث . وَقِيلَ فِي اِسْمه : قُدَار بْن سَالِف . وَقِيلَ : إِنَّ مُلْكَهُمْ كَانَ إِلَى اِمْرَأَة يُقَال لَهَا مُلْكِي , فَحَسَدَتْ صَالِحًا لَمَّا مَالَ إِلَيْهِ النَّاس , وَقَالَتْ لِامْرَأَتَيْنِ كَانَ لَهُمَا خَلِيلَانِ يَعْشَقَانِهِمَا : لَا تُطِيعَاهُمَا وَاسْأَلَاهُمَا عَقْر النَّاقَة ; فَفَعَلَتَا . وَخَرَجَ الرَّجُلَانِ وَأَلْجَآ النَّاقَة إِلَى مَضِيق وَرَمَاهَا أَحَدهمَا بِسَهْمٍ وَقَتَلَاهَا . وَجَاءَ السَّقْب وَهُوَ وَلَدهَا إِلَى الصَّخْرَة الَّتِي خَرَجَتْ النَّاقَة مِنْهَا فَرَغَا ثَلَاثًا وَانْفَرَجَتْ الصَّخْرَة فَدَخَلَ فِيهَا . وَيُقَال : إِنَّهُ الدَّابَّة الَّتِي تَخْرُج فِي آخِر الزَّمَان عَلَى النَّاس ; عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي " النَّمْل " . وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق : أَتْبَعَ السَّقْب أَرْبَعَة نَفَر مِمَّنْ كَانَ عَقَرَ النَّاقَة , مِصْدَع وَأَخُوهُ ذُؤَاب . فَرَمَاهُ مِصْدَع بِسَهْمٍ فَانْتَظَمَ قَلْبه , ثُمَّ جَرَّهُ بِرِجْلِهِ فَأَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ , وَأَكَلُوهُ مَعَهَا . وَالْأَوَّل أَصَحّ ; فَإِنَّ صَالِحًا قَالَ لَهُمْ : إِنَّهُ بَقِيَ مِنْ عُمْركُمْ ثَلَاثَة أَيَّام , وَلِهَذَا رَغَا ثَلَاثًا . وَقِيلَ : عَقَرَهَا عَاقِرهَا وَمَعَهُ ثَمَانِيَة رِجَال , وَهُمْ الَّذِينَ قَالَ اللَّه فِيهِمْ : " وَكَانَ فِي الْمَدِينَة تِسْعَة رَهْط " [ النَّمْل : 48 ] عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي " النَّمْل " . وَهُوَ مَعْنَى قَوْله " فَنَادَوْا صَاحِبهمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ " . [ الْقَمَر : 29 ] . وَكَانُوا يَشْرَبُونَ فَأَعْوَزَهُمْ الْمَاء لِيَمْزُجُوا شَرَابهمْ , وَكَانَ يَوْم لَبَن النَّاقَة , فَقَامَ أَحَدهمْ وَتَرَصَّدَ النَّاس وَقَالَ : لَأُرِيحَن النَّاس مِنْهَا ; فَعَقَرَهَا .


أَيْ اِسْتَكْبَرُوا . عَتَا يَعْتُو عُتُوًّا أَيْ اِسْتَكْبَرَ . وَتَعَتَّى فُلَان إِذَا لَمْ يُطِعْ . وَاللَّيْل الْعَاتِي : الشَّدِيد الظُّلْمَة ; عَنْ الْخَلِيل .



" اِئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا " أَيْ مِنْ الْعَذَاب .
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَسورة الأعراف الآية رقم 78
أَيْ الزَّلْزَلَة الشَّدِيدَة . وَقِيلَ : كَانَ صَيْحَة شَدِيدَة خَلَعَتْ قُلُوبهمْ ; كَمَا فِي قِصَّة ثَمُود فِي سُورَة " هُود " فِي قِصَّة ثَمُود فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَة . يُقَال : رَجَفَ الشَّيْء يَرْجُف رَجْفًا وَرَجَفَانًا . وَأَرْجَفَتْ الرِّيح الشَّجَر حَرَّكَتْهُ . وَأَصْله حَرَكَة مَعَ صَوْت ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى " يَوْم تَرْجُف الرَّاجِفَة " [ النَّازِعَات : 6 ] قَالَ الشَّاعِر : وَلَمَّا رَأَيْت الْحَجَّ قَدْ آنَ وَقْتُهُ وَظَلَّتْ مَطَايَا الْقَوْمِ بِالْقَوْمِ تَرْجُفُ


أَيْ بَلَدهمْ . وَقِيلَ : وُحِّدَ عَلَى طَرِيق الْجِنْس , وَالْمَعْنَى : فِي دُورِهِمْ . وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر : " فِي دِيَارهمْ " [ هُود : 67 ] أَيْ فِي مَنَازِلِهِمْ .


أَيْ لَاصِقِينَ بِالْأَرْضِ عَلَى رُكَبِهِمْ وَوُجُوههمْ ; كَمَا يَجْثُم الطَّائِر . أَيْ صَارُوا خَامِدِينَ مِنْ شِدَّة الْعَذَاب . وَأَصْل الْجُثُوم لِلْأَرْنَبِ وَشَبَههَا , وَالْمَوْضِع مَجْثَم . قَالَ زُهَيْر : بِهَا الْعِين وَالْآرَام يَمْشِينَ خِلْفَة وَأَطْلَاؤُهَا يَنْهَضْنَ مِنْ كُلّ مَجْثِم وَقِيلَ : اِحْتَرَقُوا بِالصَّاعِقَةِ فَأَصْبَحُوا مَيِّتِينَ , إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا كَانَ فِي حَرَم اللَّه ; فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ الْحَرَم أَصَابَهُ مَا أَصَابَ قَوْمه .
فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَسورة الأعراف الآية رقم 79
أَيْ عِنْد الْيَأْس مِنْهُمْ .


يَحْتَمِل أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ قَبْل مَوْتهمْ . وَيَحْتَمِل أَنَّهُ قَالَهُ بَعْد مَوْتهمْ ; كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام لِقَتْلَى بَدْر : ( هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبّكُمْ حَقًّا ) فَقِيلَ : أَتُكَلِّمُ هَؤُلَاءِ الْجِيَف ؟ فَقَالَ : ( مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَع مِنْهُمْ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْجَوَاب ) . وَالْأَوَّل أَظْهَر . يَدُلّ عَلَيْهِ


أَيْ لَمْ تَقْبَلُوا نُصْحِي .
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَسورة الأعراف الآية رقم 80
قَالَ الْفَرَّاء : لُوط مُشْتَقّ مِنْ قَوْلهمْ : هَذَا أَلْيَط بِقَلْبِي , أَيْ أَلْصَق . وَقَالَ النَّحَّاس : قَالَ الزَّجَّاج زَعَمَ بَعْض النَّحْوِيِّينَ - يَعْنِي الْفَرَّاء - أَنَّ لُوطًا يَجُوز أَنْ يَكُون مُشْتَقًّا مِنْ لُطْت إِذَا مَلَّسْته بِالطِّينِ . قَالَ : وَهَذَا غَلَط ; لِأَنَّ الْأَسْمَاء الْأَعْجَمِيَّة لَا تُشْتَقّ كَإِسْحَاق , فَلَا يُقَال : إِنَّهُ مِنْ السُّحْق وَهُوَ الْبُعْد . وَإِنَّمَا صُرِفَ لُوط لِخِفَّتِهِ لِأَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَة أَحْرُف وَهُوَ سَاكِن الْوَسَط . قَالَ النَّقَّاش : لُوط مِنْ الْأَسْمَاء الْأَعْجَمِيَّة وَلَيْسَ مِنْ الْعَرَبِيَّة . فَأَمَّا لُطْت الْحَوْض , وَهَذَا أَلْيَط بِقَلْبِي مِنْ هَذَا , فَصَحِيح . وَلَكِنَّ الِاسْم أَعْجَمِيّ كَإِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق . قَالَ سِيبَوَيْهِ : نُوح وَلُوط أَسْمَاء أَعْجَمِيَّة , إِلَّا أَنَّهَا خَفِيفَة فَلِذَلِكَ صُرِفَتْ . بَعَثَهُ اللَّه تَعَالَى إِلَى أُمَّة تُسَمَّى سَدُوم , وَكَانَ اِبْن أَخِي إِبْرَاهِيم . وَنَصْبه إِمَّا بِـ " أَرْسَلْنَا " الْمُتَقَدِّمَة فَيَكُون مَعْطُوفًا . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَنْصُوبًا بِمَعْنَى وَاذْكُرْ .


يَعْنِي إِتْيَان الذُّكُور . ذَكَرَهَا اللَّه بِاسْمِ الْفَاحِشَة لِيُبَيِّنَ أَنَّهَا زِنًى ; كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَة " [ الْإِسْرَاء : 32 ] . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَا يَجِب عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْد إِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَحْرِيمه ; فَقَالَ مَالِك : يُرْجَم ; أَحْصَنَ أَوْ لَمْ يُحْصِن . وَكَذَلِكَ يُرْجَم الْمَفْعُول بِهِ إِنْ كَانَ مُحْتَلِمًا . وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا : يُرْجَم إِنْ كَانَ مُحْصَنًا , وَيُحْبَس وَيُؤَدَّب إِنْ كَانَ غَيْر مُحْصَن . وَهُوَ مَذْهَب عَطَاء وَالنَّخَعِيّ وَابْن الْمُسَيِّب وَغَيْرهمْ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : يُعَذَّر الْمُحْصَن وَغَيْره ; وَرُوِيَ عَنْ مَالِك . وَقَالَ الشَّافِعِيّ : يُحَدّ حَدّ الزِّنَى قِيَاسًا عَلَيْهِ . اِحْتَجَّ مَالِك بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَة مِنْ سِجِّيل " [ الْحِجْر : 74 ] . فَكَانَ ذَلِكَ عُقُوبَة لَهُمْ وَجَزَاء عَلَى فِعْلهمْ . فَإِنْ قِيلَ : لَا حُجَّة فِيهَا لِوَجْهَيْنِ ; أَحَدهمَا - أَنَّ قَوْم لُوط إِنَّمَا عُوقِبُوا عَلَى الْكُفْر وَالتَّكْذِيب كَسَائِرِ الْأُمَم . الثَّانِي : أَنَّ صَغِيرهمْ وَكَبِيرهمْ دَخَلَ فِيهَا ; فَدَلَّ عَلَى خُرُوجهَا مِنْ بَاب الْحُدُود . قِيلَ : أَمَّا الْأَوَّل فَغَلَط ; فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانه أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى مَعَاصٍ فَأَخَذَهُمْ بِهَا ; مِنْهَا هَذِهِ . وَأَمَّا الثَّانِي فَكَانَ مِنْهُمْ فَاعِل وَكَانَ مِنْهُمْ رَاضٍ , فَعُوقِبَ الْجَمِيع لِسُكُوتِ الْجَمَاهِير عَلَيْهِ . وَهِيَ حِكْمَة اللَّه وَسُنَّته فِي عِبَاده . وَبَقِيَ أَمْر الْعُقُوبَة عَلَى الْفَاعِلِينَ مُسْتَمِرًّا . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالدَّار قُطْنِيّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَل عَمَل قَوْم لُوط فَاقْتُلُوا الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ ) . لَفْظ أَبِي دَاوُد وَابْن مَاجَهْ . وَعِنْد التِّرْمِذِيّ ( أَحْصَنَا أَوْ لَمْ يُحْصِنَا ) . وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالدَّار قُطْنِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي الْبِكْر يُوجَد عَلَى اللُّوطِيَّة قَالَ : يُرْجَم . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ حَرَّقَ رَجُلًا يُسَمَّى الْفُجَاءَة حِين عَمِلَ عَمَل قَوْم لُوط بِالنَّارِ . وَهُوَ رَأْي عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب ; فَإِنَّهُ لَمَّا كَتَبَ خَالِد بْن الْوَلِيد إِلَى أَبِي بَكْر فِي ذَلِكَ جَمَعَ أَبُو بَكْر أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَشَارَهُمْ فِيهِ ; فَقَالَ عَلِيّ : إِنَّ هَذَا الذَّنْب لَمْ تَعْصِ بِهِ أُمَّة مِنْ الْأُمَم إِلَّا أُمَّة وَاحِدَة صَنَعَ اللَّه بِهَا مَا عَلِمْتُمْ , أَرَى أَنْ يُحَرَّق بِالنَّارِ . فَاجْتَمَعَ رَأْي أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُحْرَق بِالنَّارِ . فَكَتَبَ أَبُو بَكْر إِلَى خَالِد بْن الْوَلِيد أَنْ يُحْرِقَهُ بِالنَّارِ فَأَحْرَقَهُ . ثُمَّ أَحْرَقَهُمْ اِبْن الزُّبَيْر فِي زَمَانه . ثُمَّ أَحْرَقَهُمْ هِشَام بْن الْوَلِيد . ثُمَّ أَحْرَقَهُمْ خَالِد الْقَسْرِيّ بِالْعِرَاقِ . وَرُوِيَ أَنَّ سَبْعَة أُخِذُوا فِي زَمَن اِبْن الزُّبَيْر فِي لِوَاط ; فَسَأَلَ عَنْهُمْ فَوَجَدَ أَرْبَعَة قَدْ أَحْصَنُوا فَأَمَرَ بِهِمْ فَخَرَجُوا بِهِمْ مِنْ الْحَرَم فَرُجِمُوا بِالْحِجَارَةِ حَتَّى مَاتُوا , وَحُدَّ الثَّلَاثَة ; وَعِنْده اِبْن عَبَّاس وَابْن عُمَر فَلَمْ يُنْكِرَا عَلَيْهِ . وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيّ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَاَلَّذِي صَارَ إِلَيْهِ مَالِك أَحَقّ , فَهُوَ أَصَحّ سَنَدًا وَأَقْوَى مُعْتَمَدًا . وَتَعَلَّقَ الْحَنَفِيُّونَ بِأَنْ قَالُوا : عُقُوبَة الزِّنَى مَعْلُومَة ; فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمَعْصِيَة غَيْرهَا وَجَبَ أَلَّا يُشَارِكهَا فِي حَدّهَا . وَيَأْثُرُونَ فِي هَذَا حَدِيثًا : ( مَنْ وَضَعَ حَدًّا فِي غَيْر حَدّ فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ ) . وَأَيْضًا فَإِنَّهُ وَطْء فِي فَرْج لَا يَتَعَلَّق بِهِ إِحْلَال وَلَا إِحْصَان , وَلَا وُجُوب مَهْر وَلَا ثُبُوت نَسَب ; فَلَمْ يَتَعَلَّق بِهِ حَدّ . فَإِنْ أَتَى بَهِيمَة فَقَدْ قِيلَ : لَا يُقْتَل هُوَ وَلَا الْبَهِيمَة . وَقِيلَ : يُقْتَلَانِ ; حَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن . وَفِي الْبَاب حَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّار قُطْنِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَة فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَة مَعَهُ ) . فَقُلْنَا لِابْنِ عَبَّاس : مَا شَأْن الْبَهِيمَة ؟ قَالَ : مَا أُرَاهُ قَالَ ذَلِكَ , إِلَّا أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُؤْكَل لَحْمهَا وَقَدْ عَمِلَ بِهَا ذَلِكَ الْعَمَل . قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : إِنْ يَكُ الْحَدِيث ثَابِتًا فَالْقَوْل بِهِ يَجِب , وَإِنْ لَمْ يَثْبُت فَلْيَسْتَغْفِر اللَّه مِنْ فِعْل ذَلِكَ كَثِيرًا , وَإِنْ عَزَّرَهُ الْحَاكِم كَانَ حَسَنًا . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ قَتْل الْبَهِيمَة لِئَلَّا تُلْقِي خَلْقًا مُشَوَّهًا ; فَيَكُون قَتْلهَا مَصْلَحَة لِهَذَا الْمَعْنَى مَعَ مَا جَاءَ مِنْ السُّنَّة . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَيْسَ عَلَى الَّذِي زَنَى بِالْبَهِيمَةِ حَدّ . قَالَ أَبُو دَاوُد : وَكَذَا قَالَ عَطَاء . وَقَالَ الْحَكَم : أَرَى أَنْ يُجْلَد وَلَا يُبْلَغ بِهِ الْحَدّ . وَقَالَ الْحَسَن : هُوَ بِمَنْزِلَةِ الزَّانِي . وَقَالَ الزُّهْرِيّ : يُجْلَد مِائَة أَحْصَنَ أَوْ لَمْ يُحْصِن . وَقَالَ مَالِك وَالثَّوْرِيّ وَأَحْمَد وَأَصْحَاب الرَّأْي يُعَزَّر . وَرُوِيَ عَنْ عَطَاء وَالنَّخَعِيّ وَالْحَكَم . وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَة عَنْ الشَّافِعِيّ , وَهَذَا أَشْبَه عَلَى مَذْهَبه فِي هَذَا الْبَاب . وَقَالَ جَابِر بْن زَيْد : يُقَام عَلَيْهِ الْحَدّ , إِلَّا أَنْ تَكُون الْبَهِيمَة لَهُ .


" مِنْ " لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْس , أَيْ لَمْ يَكُنْ اللِّوَاط فِي أُمَّة قَبْل قَوْم لُوط . وَالْمُلْحِدُونَ يَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلهمْ . وَالصِّدْق مَا وَرَدَ بِهِ الْقُرْآن . وَحَكَى النَّقَّاش أَنَّ إِبْلِيس كَانَ أَصْل عَمَلِهِمْ بِأَنْ دَعَاهُمْ إِلَى نَفْسه لَعَنَهُ اللَّه , فَكَانَ يَنْكِح بَعْضهمْ بَعْضًا . قَالَ الْحَسَن : كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِالْغُرَبَاءِ , وَلَمْ يَكُنْ يَفْعَلهُ بَعْضهمْ بِبَعْضٍ . وَرَوَى اِبْن مَاجَهْ عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَخْوَف مَا أَخَاف عَلَى أُمَّتِي عَمَل قَوْم لُوط ) . وَقَالَ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ : لَيْسَ شَيْء مِنْ الدَّوَابّ يَعْمَل عَمَل قَوْم لُوط إِلَّا الْخِنْزِير وَالْحِمَار .
إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَسورة الأعراف الآية رقم 81
قَوْله تَعَالَى : " إِنَّكُمْ " قَرَأَ نَافِع وَحَفْص عَلَى الْخَبَر بِهَمْزَةٍ وَاحِدَة مَكْسُورَة , تَفْسِيرًا لِلْفَاحِشَةِ الْمَذْكُورَة , فَلَمْ يَحْسُن إِدْخَال الِاسْتِفْهَام عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ يَقْطَع مَا بَعْده مِمَّا قَبْله . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِهَمْزَتَيْنِ عَلَى لَفْظ الِاسْتِفْهَام الَّذِي مَعْنَاهُ التَّوْبِيخ , وَحَسُنَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ مَا قَبْله وَبَعْده كَلَام مُسْتَقِلّ . وَاخْتَارَ الْأَوَّل أَبُو عُبَيْد وَالنَّسَائِيّ وَغَيْرهمَا ; وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : " أَفَإِنْ مِتّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ " [ الْأَنْبِيَاء : 34 ] وَلَمْ يَقُلْ أَفَهُمْ . وَقَالَ : " أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ " [ آل عِمْرَان : 144 ] وَلَمْ يَقُلْ أَنْقَلَبْتُمْ . وَهَذَا مِنْ أَقْبَح الْغَلَط لِأَنَّهُمَا شَبَّهَا شَيْئَيْنِ بِمَا لَا يَشْتَبِهَانِ ; لِأَنَّ الشَّرْط وَجَوَابه بِمَنْزِلَةِ شَيْء وَاحِد كَالْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَر ; فَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون فِيهِمَا اِسْتِفْهَامَانِ . فَلَا يَجُوز : أَفَإِنْ مِتّ أَفَهُمْ , كَمَا لَا يَجُوز أَزَيْد أَمُنْطَلِق . وَقِصَّة لُوط عَلَيْهِ السَّلَام فِيهَا جُمْلَتَانِ , فَلَك أَنْ تَسْتَفْهِم عَنْ كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا . هَذَا قَوْل الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ , وَاخْتَارَهُ النَّحَّاس وَمَكِّيّ وَغَيْرهمَا " شَهْوَة " نَصْب عَلَى الْمَصْدَر , أَيْ تَشْتَهُونَهُمْ شَهْوَة . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَصْدَرًا فِي مَوْضِع الْحَال . " بَلْ أَنْتُمْ قَوْم مُسْرِفُونَ " نَظِيرَهُ " بَلْ أَنْتُمْ قَوْم عَادُونَ " [ الشُّعَرَاء : 166 ] فِي جَمْعكُمْ إِلَى الشِّرْك هَذِهِ الْفَاحِشَة .
وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَسورة الأعراف الآية رقم 82
أَيْ لُوطًا وَأَتْبَاعه .


عَنْ الْإِتْيَان فِي هَذَا الْمَأْتَى . يُقَال : تَطَهَّرَ الرَّجُل أَيْ تَنَزَّهَ عَنْ الْإِثْم . قَالَ قَتَادَة : عَابُوهُمْ وَاَللَّهِ بِغَيْرِ عَيْب .
فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَسورة الأعراف الآية رقم 83
أَيْ الْبَاقِينَ فِي عَذَاب اللَّه ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة . غَبَرَ الشَّيْء إِذَا مَضَى , وَغَبَرَ إِذَا بَقِيَ . وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَاد . وَقَالَ قَوْم : الْمَاضِي عَابِر بِالْعَيْنِ غَيْر مُعْجَمَة . وَالْبَاقِي غَابِر بَالْغَيْن مُعْجَمَة . حَكَاهُ اِبْن فَارِس فِي الْمُجْمَل . وَقَالَ الزَّجَّاج : " مِنْ الْغَابِرِينَ " أَيْ مِنْ الْغَائِبِينَ عَنْ النَّجَاة وَقِيلَ : لِطُولِ عُمْرهَا . قَالَ النَّحَّاس : وَأَبُو عُبَيْدَة يَذْهَب إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى مِنْ الْمُعَمِّرِينَ ; أَيْ أَنَّهَا قَدْ هَرِمَتْ . وَالْأَكْثَر فِي اللُّغَة أَنْ يَكُون الْغَابِر الْبَاقِي ; قَالَ الرَّاجِز : فَمَا وَنَى مُحَمَّد مُذْ أَنْ غَفَرْ لَهُ الْإِلَه مَا مَضَى وَمَا غَبَرْ
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَسورة الأعراف الآية رقم 84
سَرَى لُوط بِأَهْلِهِ كَمَا وَصَفَ اللَّه " بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْل " [ هُود : 81 ] ثُمَّ أُمِرَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَأَدْخَلَ جَنَاحَهُ تَحْت مَدَائِنهمْ فَاقْتَلَعَهَا وَرَفَعَهَا حَتَّى سَمِعَ أَهْل السَّمَاء صِيَاح الدِّيَكَة وَنُبَاح الْكِلَاب , ثُمَّ جَعَلَ عَالِيَهَا سَافِلهَا , وَأُمْطِرَتْ عَلَيْهِمْ حِجَارَة مِنْ سِجِّيل , قِيلَ : عَلَى مَنْ غَابَ مِنْهُمْ . وَأَدْرَكَ اِمْرَأَة لُوط , وَكَانَتْ مَعَهُ حَجَر فَقَتَلَهَا . وَكَانَتْ فِيمَا ذُكِرَ أَرْبَع قُرًى . وَقِيلَ : خَمْس فِيهَا أَرْبَعمِائَةِ أَلْف . وَسَيَأْتِي فِي سُورَة " هُود " قِصَّة لُوط بِأَبْيَن مِنْ هَذَا , إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَسورة الأعراف الآية رقم 85
قِيلَ فِي مَدْيَن : اِسْم بَلَد وَقُطْر . وَقِيلَ : اِسْم قَبِيلَة كَمَا يُقَال : بَكْر وَتَمِيم . وَقِيلَ : هُمْ مِنْ وَلَد مَدْيَن بْن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام . فَمَنْ رَأَى أَنَّ مَدْيَن اِسْم رَجُل لَمْ يَصْرِفْهُ ; لِأَنَّهُ مَعْرِفَة أَعْجَمِيّ . وَمَنْ رَآهُ اِسْمًا لِلْقَبِيلَةِ أَوْ الْأَرْض فَهُوَ أَحْرَى بِأَلَّا يَصْرِفَهُ . قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَيُرْوَى أَنَّهُ كَانَ اِبْن بِنْت لُوط . وَقَالَ مَكِّيّ : كَانَ زَوْج بِنْت لُوط . وَاخْتُلِفَ فِي نَسَبِهِ ; فَقَالَ عَطَاء وَابْن إِسْحَاق وَغَيْرهمَا : وَشُعَيْب هُوَ اِبْن ميكيل بْن يَشْجُر بْن مَدْيَن بْن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام . وَكَانَ اِسْمه بِالسُّرْيَانِيَّةِ بَيْرُوت . وَأُمّه مِيكَائِيل بِنْت لُوط . وَزَعَمَ الشَّرْقِيّ بْن الْقُطَامِيّ أَنَّ شُعَيْبًا بْن عَيْفَاء بْن يَوْبَبَ بْن مَدْيَن بْن إِبْرَاهِيم . وَزَعَمَ اِبْن سَمْعَان أَنَّ شُعَيْبًا بْن جَزَى بْن يَشْجُر بْن لَاوَى بْن يَعْقُوب بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم . وَشُعَيْب تَصْغِير شَعْب أَوْ شِعْب . وَقَالَ قَتَادَة : هُوَ شُعَيْب بْن يَوْبَبَ . وَقِيلَ : شُعَيْب بْن صَفْوَان بْن عَيْفَاء بْن ثَابِت بْن مَدْيَن بْن إِبْرَاهِيم . وَاَللَّه أَعْلَم . وَكَانَ أَعْمَى ; وَ لِذَلِكَ قَالَ قَوْمه : " وَإِنَّا لَنَرَاك فِينَا ضَعِيفًا " [ هُود : 91 ] . وَكَانَ يُقَال لَهُ : خَطِيب الْأَنْبِيَاء لِحُسْنِ مُرَاجَعَتِهِ قَوْمَهُ . وَكَانَ قَوْمه أَهْل كُفْر بِاَللَّهِ وَبَخْس لِلْمِكْيَالِ وَالْمِيزَان .


أَيْ بَيَان , وَهُوَ مَجِيء شُعَيْب بِالرِّسَالَةِ . وَلَمْ يُذْكَر لَهُ مُعْجِزَة فِي الْقُرْآن . وَقِيلَ : مُعْجِزَته فِيمَا ذَكَرَ الْكِسَائِيّ فِي قَصَص الْأَنْبِيَاء .


الْبَخْس النَّقْص . وَهُوَ يَكُون فِي السِّلْعَة بِالتَّعْيِيبِ وَالتَّزْهِيد فِيهَا , أَوْ الْمُخَادَعَة عَنْ الْقِيمَة , وَالِاحْتِيَال فِي التَّزَيُّد فِي الْكَيْل وَالنُّقْصَان مِنْهُ . وَكُلّ ذَلِكَ مِنْ أَكْل الْمَال بِالْبَاطِلِ , وَذَلِكَ مَنْهِيّ عَنْهُ فِي الْأُمَم الْمُتَقَدِّمَة وَالسَّالِفَة عَلَى أَلْسِنَة الرُّسُل صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَى جَمِيعهمْ وَحَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل .


عَطْف عَلَى " وَلَا تَبْخَسُوا " . وَهُوَ لَفْظ يَعُمّ دَقِيق الْفَسَاد وَجَلِيله . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَتْ الْأَرْض قَبْل أَنْ يَبْعَث اللَّه شُعَيْبًا رَسُولًا يُعْمَل فِيهَا بِالْمَعَاصِي وَتُسْتَحَلّ فِيهَا الْمَحَارِم وَتُسْفَك فِيهَا الدِّمَاء . قَالَ : فَذَلِكَ فَسَادهَا . فَلَمَّا بَعَثَ اللَّه شُعَيْبًا وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّه صَلَحَتْ الْأَرْض . وَكُلّ نَبِيّ بُعِثَ إِلَى قَوْمه فَهُوَ صَلَاحُهُمْ .
وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَسورة الأعراف الآية رقم 86
نَهَاهُمْ عَنْ الْقُعُود بِالطُّرُقِ وَالصَّدّ عَنْ الطَّرِيق الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى طَاعَة اللَّه , وَكَانُوا يُوعِدُونَ الْعَذَاب مَنْ آمَنَ . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَى قُعُودهمْ عَلَى الطُّرُق عَلَى ثَلَاثَة مَعَانٍ ; قَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَمُجَاهِد وَالسُّدِّيّ : كَانُوا يَقْعُدُونَ عَلَى الطُّرُقَات الْمُفْضِيَة إِلَى شُعَيْب فَيَتَوَعَّدُونَ مَنْ أَرَادَ الْمَجِيء إِلَيْهِ وَيَصُدُّونَهُ وَيَقُولُونَ : إِنَّهُ كَذَّاب فَلَا تَذْهَب إِلَيْهِ ; كَمَا كَانَتْ قُرَيْش تَفْعَلهُ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهَذَا ظَاهِر الْآيَة . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : هَذَا نَهْي عَنْ قَطْع الطَّرِيق , وَأَخْذ السَّلَب ; وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلهمْ . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( رَأَيْت لَيْلَة أُسْرِيَ بِي خَشَبَة عَلَى الطَّرِيق لَا يَمُرّ بِهَا ثَوْب إِلَّا شَقَّتْهُ وَلَا شَيْء إِلَّا خَرَقَتْهُ فَقُلْت مَا هَذَا يَا جِبْرِيل قَالَ هَذَا مَثَل لِقَوْمٍ مِنْ أُمَّتك يَقْعُدُونَ عَلَى الطَّرِيق فَيَقْطَعُونَهُ - ثُمَّ تَلَا - " وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاط تُوعِدُونَ " الْآيَة . وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي اللُّصُوص وَالْمُحَارَبِينَ , وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَقَالَ السُّدِّيّ أَيْضًا : كَانُوا عَشَّارِينَ مُتَقَبِّلِينَ . وَمِثْلهمْ الْيَوْم هَؤُلَاءِ الْمَكَّاسُونَ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ مَا لَا يَلْزَمهُمْ شَرْعًا مِنْ الْوَظَائِف الْمَالِيَّة بِالْقَهْرِ وَالْجَبْر ; فَضَمِنُوا مَا لَا يَجُوز ضَمَان أَصْله مِنْ الزَّكَاة وَالْمَوَارِيث وَالْمَلَاهِي . وَالْمُتَرَتِّبُونَ فِي الطُّرُق إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا قَدْ كَثُرَ فِي الْوُجُود وَعُمِلَ بِهِ فِي سَائِر الْبِلَاد . وَهُوَ مِنْ أَعْظَم الذُّنُوب وَأَكْبَرهَا وَأَفْحَشهَا ; فَإِنَّهُ غَصْب وَظُلْم وَعَسْف عَلَى النَّاس وَإِذَاعَة لِلْمُنْكَرِ وَعَمَل بِهِ وَدَوَام عَلَيْهِ وَإِقْرَار لَهُ , وَأَعْظَمه تَضْمِين الشَّرْع وَالْحُكْم لِلْقَضَاءِ , فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ! لَمْ يَبْقَ مِنْ الْإِسْلَام إِلَّا رَسْمه , وَلَا مِنْ الدِّين إِلَّا اِسْمه . يُعَضِّد هَذَا التَّأْوِيل مَا تَقَدَّمَ مِنْ النَّهْي فِي شَأْن الْمَال فِي الْمَوَازِين وَالْأَكْيَال وَالْبَخْس .


الضَّمِير فِي " بِهِ " يَحْتَمِل أَنْ يَعُود عَلَى اِسْم اللَّه تَعَالَى , وَأَنْ يَعُود إِلَى شُعَيْب فِي قَوْل مَنْ رَأَى الْقُعُود عَلَى الطَّرِيق لِلصَّدِّ , وَأَنْ يَعُود عَلَى السَّبِيل . " عِوَجًا " قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَالزَّجَّاج : كَسْر الْعَيْن فِي الْمَعَانِي . وَفَتْحهَا فِي الْأَجْرَام .

أَيْ كَثَّرَ عَدَدكُمْ , أَوْ كَثَّرَكُمْ بِالْغِنَى بَعْد الْفَقْر . أَيْ كُنْتُمْ فُقَرَاء فَأَغْنَاكُمْ .
وَإِن كَانَ طَائِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَّمْ يُؤْمِنُواْ فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَسورة الأعراف الآية رقم 87
" فَاصْبِرُوا " لَيْسَ هَذَا أَمْرًا بِالْمَقَامِ عَلَى الْكُفْر , وَلَكِنَّهُ وَعِيد وَتَهْدِيد . وَقَالَ : " وَإِنْ كَانَ طَائِفَة مِنْكُمْ " فَذَكَّرَ عَلَى الْمَعْنَى , وَلَوْ رَاعَى اللَّفْظ قَالَ : كَانَتْ .
قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَسورة الأعراف الآية رقم 88
وَالْمَلَأ : الْأَشْرَاف مِنْ النَّاس , كَأَنَّهُمْ مُمْتَلِئُونَ شَرَفًا . وَقَالَ الزَّجَّاج : سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ مُمْتَلِئُونَ مِمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ . وَالْمَلَأ فِي هَذِهِ الْآيَة الْقَوْم ; لِأَنَّ الْمَعْنَى يَقْتَضِيه . وَالْمَلَأ : اِسْم لِلْجَمْعِ كَالْقَوْمِ وَالرَّهْط . وَالْمَلَأ أَيْضًا : حُسْن الْخُلُق , وَمِنْهُ الْحَدِيث ( أَحْسِنُوا الْمَلَأ فَكُلّكُمْ سَيَرْوَى ) خَرَّجَهُ مُسْلِم .


أَيْ لَتَصِيرُنَّ إِلَى مِلَّتنَا وَقِيلَ : كَانَ أَتْبَاع شُعَيْب قَبْل الْإِيمَان بِهِ عَلَى الْكُفْر , أَيْ لَتَعُودُنَّ إِلَيْنَا كَمَا كُنْتُمْ مِنْ قَبْل . قَالَ الزَّجَّاج : يَجُوز أَنْ يَكُون الْعَوْد بِمَعْنَى الِابْتِدَاء ; يُقَال : عَادَ إِلَيَّ مِنْ فُلَان مَكْرُوه , أَيْ صَارَ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَقَهُ مَكْرُوه قَبْل ذَلِكَ , أَيْ لَحِقَنِي ذَلِكَ مِنْهُ . فَقَالَ لَهُمْ شُعَيْب :


أَيْ وَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ تَجْبُرُونَنَا عَلَيْهِ , أَيْ عَلَى الْخُرُوج مِنْ الْوَطَن أَوْ الْعَوْد فِي مِلَّتكُمْ . أَيْ إِنْ فَعَلْتُمْ هَذَا أَتَيْتُمْ عَظِيمًا .
قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَسورة الأعراف الآية رقم 89
إِيَاس مِنْ الْعَوْد إِلَى مِلَّتهمْ .


قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج : أَيْ إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , قَالَ : وَهَذَا قَوْل أَهْل السُّنَّة ; أَيْ وَمَا يَقَع مِنَّا الْعَوْد إِلَى الْكُفْر إِلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه ذَلِكَ . فَالِاسْتِثْنَاء مُنْقَطِع . وَقِيلَ : الِاسْتِثْنَاء هُنَا عَلَى جِهَة التَّسْلِيم لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ; كَمَا قَالَ : " وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاَللَّهِ " [ هُود : 88 ] . وَالدَّلِيل عَلَى هَذَا أَنَّ بَعْده " وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْء عِلْمًا عَلَى اللَّه تَوَكَّلْنَا " . وَقِيلَ : هُوَ كَقَوْلِك : لَا أُكَلِّمك حَتَّى يَبْيَضّ الْغُرَاب , وَحَتَّى يَلِج الْجَمَل فِي سَم الْخِيَاط . وَالْغُرَاب لَا يَبْيَضّ أَبَدًا , وَالْجَمَل لَا يَلِج فِي سَم الْخِيَاط .


أَيْ عَلِمَ مَا كَانَ وَمَا يَكُون . " عِلْمًا " نَصْب عَلَى التَّمْيِيز . وَقِيلَ الْمَعْنَى : " وَمَا يَكُون لَنَا أَنْ نَعُود فِيهَا " أَيْ فِي الْقَرْيَة بَعْد أَنْ كَرِهْتُمْ مُجَاوَرَتَنَا , بَلْ نَخْرُج مِنْ قَرْيَتِكُمْ مُهَاجِرِينَ إِلَى غَيْرِهَا . " إِلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه " رَدَّنَا إِلَيْهَا . وَفِيهِ بُعْد ; لِأَنَّهُ يُقَال : عَادَ لِلْقَرْيَةِ وَلَا يُقَال عَادَ فِي الْقَرْيَة .


أَيْ اِعْتَمَدْنَا . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي غَيْر مَوْضِع


قَالَ قَتَادَة : بَعَثَهُ اللَّه إِلَى أُمَّتَيْنِ : أَهْل مَدْيَن , وَأَصْحَاب الْأَيْكَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَكَانَ شُعَيْب كَثِير الصَّلَاة , فَلَمَّا طَالَ تَمَادِي قَوْمِهِ فِي كُفْرهمْ وَغَيِّهِمْ , وَيَئِسَ مِنْ صَلَاحِهِمْ , دَعَا عَلَيْهِمْ فَقَالَ : " رَبَّنَا اِفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْن قَوْمنَا بِالْحَقِّ " وَأَنْتَ خَيْر الْفَاتِحِينَ " فَاسْتَجَابَ اللَّه دُعَاءَهُ فَأَهْلَكَهُمْ بِالرَّجْفَةِ .
وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذَاً لَّخَاسِرُونَسورة الأعراف الآية رقم 90
أَيْ قَالُوا لِمَنْ دُونهمْ .



أَيْ هَالِكُونَ .
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6الصفحة 7