قِيلَ : الْمُرَاد الَّذِينَ عَقَرُوا النَّاقَة . وَقِيلَ : التِّسْعَة الرَّهْط الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَلَا يُصْلِحُونَ . قَالَ السُّدِّيّ وَغَيْره : أَوْحَى اللَّه تَعَالَى إِلَى صَالِح : إِنَّ قَوْمك سَيَعْقِرُونَ نَاقَتك ; فَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ , فَقَالُوا : مَا كُنَّا لِنَفْعَل . فَقَالَ لَهُمْ صَالِح : إِنَّهُ سَيُولَدُ فِي شَهْركُمْ هَذَا غُلَام يَعْقِرهَا وَيَكُون هَلَاككُمْ عَلَى يَدَيْهِ ; فَقَالُوا : لَا يُولَد فِي هَذَا الشَّهْر ذَكَر إِلَّا قَتَلْنَاهُ . فَوُلِدَ لِتِسْعَةٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ الشَّهْر فَذَبَحُوا أَبْنَاءَهُمْ , ثُمَّ وُلِدَ لِلْعَاشِرِ فَأَبَى أَنْ يَذْبَح اِبْنه وَكَانَ لَمْ يُولَد لَهُ قَبْل ذَلِكَ . وَكَانَ اِبْن الْعَاشِر أَزْرَق أَحْمَر فَنَبَتَ نَبَاتًا سَرِيعًا ; وَكَانَ إِذَا مَرَّ بِالتِّسْعَةِ فَرَأَوْهُ قَالُوا : لَوْ كَانَ أَبْنَاؤُنَا أَحْيَاء لَكَانُوا مِثْل هَذَا . وَغَضِبَ التِّسْعَة عَلَى صَالِح ; لِأَنَّهُ كَانَ سَبَب قَتْلهمْ أَبْنَاءَهُمْ فَتَعَصَّبُوا وَتَقَاسَمُوا بِاَللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْله . قَالُوا : نَخْرُج إِلَى سَفَر فَتَرَى النَّاس سَفَرنَا فَنَكُون فِي غَار , حَتَّى إِذَا كَانَ اللَّيْل وَخَرَجَ صَالِح إِلَى مَسْجِده أَتَيْنَاهُ فَقَتَلْنَاهُ , ثُمَّ قُلْنَا مَا شَهِدْنَا مَهْلِك أَهْله وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ; فَيُصَدِّقُونَنَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّا قَدْ خَرَجْنَا إِلَى سَفَر . وَكَانَ صَالِح لَا يَنَام مَعَهُمْ فِي الْقَرْيَة وَكَانَ يَأْوِي إِلَى مَسْجِده , فَإِذَا أَصْبَحَ أَتَاهُمْ فَوَعَظَهُمْ , فَلَمَّا دَخَلُوا الْغَار أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا فَسَقَطَ عَلَيْهِمْ الْغَار فَقَتَلَهُمْ , فَرَأَى ذَلِكَ نَاس مِمَّنْ كَانَ قَدْ اِطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ , فَصَاحُوا فِي الْقَرْيَة : يَا عِبَاد اللَّه ! أَمَا رَضِيَ صَالِح أَنْ أَمَرَ بِقَتْلِ أَوْلَادهمْ حَتَّى قَتَلَهُمْ ; فَأَجْمَعَ أَهْل الْقَرْيَة عَلَى قَتْل النَّاقَة . وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق : إِنَّمَا اِجْتَمَعَ التِّسْعَة عَلَى سَبّ صَالِح بَعْد عَقْرهمْ النَّاقَة وَإِنْذَارهمْ بِالْعَذَابِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي سُورَة " النَّمْل " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .
هُوَ مِنْ السِّحْر فِي قَوْل مُجَاهِد وَقَتَادَة عَلَى مَا قَالَ الْمَهْدَوِيّ . أَيْ أُصِبْت بِالسِّحْرِ فَبَطَلَ عَقْلك ; لِأَنَّك بَشَر مِثْلنَا فَلِمَ تَدَّعِ الرِّسَالَة دُوننَا . وَقِيلَ : مِنْ الْمُعَلَّلِينَ بِالطَّعَامِ وَالشَّرَاب ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَالْكَلْبِيّ وَقَتَادَة وَمُجَاهِد أَيْضًا فِيمَا ذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ . وَهُوَ عَلَى هَذَا الْقَوْل مِنْ السَّحْر وَهُوَ الرِّئَة أَيْ بَشَر لَك سَحْر أَيْ رِئَة تَأْكُل وَتَشْرَب مِثْلنَا كَمَا قَالَ لَبِيد : فَإِنْ تَسْأَلِينَا فِيمَ نَحْنُ فَإِنَّنَا عَصَافِير مِنْ هَذَا الْأَنَام الْمُسَحَّر وَقَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : وَنُسْحَر بِالطَّعَامِ وَبِالشَّرَابِ
فِي قَوْلك .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : قَالُوا إِنْ كُنْت صَادِقًا فَادْعُ اللَّه يُخْرِج لَنَا مِنْ هَذَا الْجَبَل نَاقَة حَمْرَاء عُشَرَاء فَتَضَع وَنَحْنُ نَنْظُر , وَتَرِد هَذَا الْمَاء فَتَشْرَب وَتَغْدُو عَلَيْنَا بِمِثْلِهِ لَبَنًا . فَدَعَا اللَّه وَفَعَلَ اللَّه ذَلِكَ فَ " قَالَ هَذِهِ نَاقَة لَهَا شِرْب " أَيْ حَظّ مِنْ الْمَاء ; أَيْ لَكُمْ شِرْب يَوْم وَلَهَا شِرْب يَوْم ; فَكَانَتْ إِذَا كَانَ يَوْم شِرْبهَا شَرِبَتْ مَاءَهُمْ كُلّه أَوَّل النَّهَار وَتَسْقِيهِمْ اللَّبَن آخِر النَّهَار , وَإِذَا كَانَ يَوْم شِرْبهمْ كَانَ لِأَنْفُسِهِمْ وَمَوَاشِيهمْ وَأَرْضهمْ , لَيْسَ لَهُمْ فِي يَوْم وُرُودهَا أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ شِرْبهَا شَيْئًا , وَلَا لَهَا أَنْ تَشْرَب فِي يَوْمهمْ مِنْ مَائِهِمْ شَيْئًا . قَالَ الْفَرَّاء : الشِّرْب الْحَظّ مِنْ الْمَاء . قَالَ النَّحَّاس : فَأَمَّا الْمَصْدَر فَيُقَال فِيهِ شَرِبَ شَرْبًا وَشُرْبًا وَشِرْبًا وَأَكْثَرهَا الْمَضْمُومَة ; لِأَنَّ الْمَكْسُورَة وَالْمَفْتُوحَة يَشْتَرِكَانِ مَعَ شَيْء آخَر فَيَكُون الشِّرْب الْحَظّ مِنْ الْمَاء , وَيَكُون الشِّرْب جَمْع شَارِب كَمَا قَالَ : فَقُلْت لِلشَّرْبِ فِي دُرْنَا وَقَدْ ثَمِلُوا إِلَّا أَنَّ أَبَا عَمْرو بْن الْعَلَاء وَالْكِسَائِيّ يَخْتَارَانِ الشَّرْب بِالْفَتْحِ فِي الْمَصْدَر , وَيَحْتَجَّانِ بِرِوَايَةِ بَعْض الْعُلَمَاء أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّهَا أَيَّام أَكْل وَشَرْب ) .
لَا يَجُوز إِظْهَار التَّضْعِيف هَاهُنَا ; لِأَنَّهُمَا حَرْفَانِ مُتَحَرِّكَانِ مِنْ جِنْس وَاحِد .
جَوَاب النَّهْي , وَلَا يَجُوز حَذْف الْفَاء مِنْهُ , وَالْجَزْم كَمَا جَاءَ فِي الْأَمْر إِلَّا شَيْئًا رُوِيَ عَنْ الْكِسَائِيّ أَنَّهُ يُجِيزهُ .
جَوَاب النَّهْي , وَلَا يَجُوز حَذْف الْفَاء مِنْهُ , وَالْجَزْم كَمَا جَاءَ فِي الْأَمْر إِلَّا شَيْئًا رُوِيَ عَنْ الْكِسَائِيّ أَنَّهُ يُجِيزهُ .
أَيْ عَلَى عَقْرهَا لَمَّا أَيْقَنُوا بِالْعَذَابِ . وَذَلِكَ أَنَّهُ أَنْظَرَهُمْ ثَلَاثًا فَظَهَرَتْ عَلَيْهِمْ الْعَلَامَة فِي كُلّ يَوْم , وَنَدِمُوا وَلَمْ يَنْفَعهُمْ النَّدَم عِنْد مُعَايَنَة الْعَذَاب . وَقِيلَ : لَمْ يَنْفَعهُمْ النَّدَم لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتُوبُوا , بَلْ طَلَبُوا صَالِحًا عَلَيْهِ السَّلَام لِيَقْتُلُوهُ لَمَّا أَيْقَنُوا بِالْعَذَابِ . وَقِيلَ : كَانَتْ نَدَامَتهمْ عَلَى تَرْك الْوَلَد إِذْ لَمْ يَقْتُلُوهُ مَعَهَا . وَهُوَ بَعِيد .
إِلَى آخِره تَقَدَّمَ . وَيُقَال : إِنَّهُ مَا آمَنَ بِهِ مِنْ تِلْكَ الْأُمَم إِلَّا أَلْفَانِ وَثَمَانمِائَةِ رَجُل وَامْرَأَة . وَقِيلَ : كَانُوا أَرْبَعَة آلَاف . وَقَالَ كَعْب : كَانَ قَوْم صَالِح اِثْنَيْ عَشَر أَلْف قَبِيل كُلّ قَبِيل نَحْو اِثْنَيْ عَشَر أَلْفًا مِنْ سِوَى النِّسَاء وَالذُّرِّيَّة , وَلَقَدْ كَانَ قَوْم عَاد مِثْلهمْ سِتّ مَرَّات .
يُرِيد الْمَنِيع الْمُنْتَقِم مِنْ أَعْدَائِهِ , الرَّحِيم بِأَوْلِيَائِهِ .
أَيْ اِبْن أَبِيهِمْ وَهِيَ أُخُوَّة نَسَب لَا أُخُوَّة دِين . وَقِيلَ : هِيَ أُخُوَّة الْمُجَانَسَة . قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَوْمه " [ إِبْرَاهِيم : 4 ] وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي " الْأَعْرَاف " . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل الْعَرَب يَا أَخَا بَنِي تَمِيم . يُرِيدُونَ يَا وَاحِدًا مِنْهُمْ . الزَّمَخْشَرِيّ : وَمِنْهُ بَيْت الْحَمَاسَة : لَا يَسْأَلُونَ أَخَاهُمْ حِين يَنْدُبهُمْ فِي النَّائِبَات عَلَى مَا قَالَ بُرْهَانَا
أَيْ أَلَا تَتَّقُونَ اللَّه فِي عِبَادَة الْأَصْنَام .
أَيْ أَلَا تَتَّقُونَ اللَّه فِي عِبَادَة الْأَصْنَام .
أَيْ صَادِق فِيمَا أُبَلِّغكُمْ عَنْ اللَّه تَعَالَى . وَقِيلَ : " أَمِين " فِيمَا بَيْنكُمْ ; فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَرَفُوا أَمَانَته وَصِدْقه مِنْ قَبْل كَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُرَيْش .
أَيْ فَاسْتَتِرُوا بِطَاعَةِ اللَّه تَعَالَى مِنْ عِقَابه .
فِيمَا آمُركُمْ بِهِ مِنْ الْإِيمَان .
فِيمَا آمُركُمْ بِهِ مِنْ الْإِيمَان .
أَيْ لَا طَمَع لِي فِي مَالكُمْ .
أَيْ مَا جَزَائِي " إِلَّا عَلَى رَبّ الْعَالَمِينَ " .
أَيْ مَا جَزَائِي " إِلَّا عَلَى رَبّ الْعَالَمِينَ " .
كَانُوا يَنْكِحُونَهُمْ فِي أَدْبَارهمْ وَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِالْغُرَبَاءِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ " فِي الْأَعْرَاف " .
يَعْنِي فُرُوج النِّسَاء فَإِنَّ اللَّه خَلَقَهَا لِلنِّكَاحِ . قَالَ إِبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر : قَالَ لِي مُجَاهِد كَيْف يَقْرَأ عَبْد اللَّه : " وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبّكُمْ مِنْ أَزْوَاجكُمْ " قُلْت : " وَتَذَرُونَ مَا أَصْلَحَ لَكُمْ رَبّكُمْ مِنْ أَزْوَاجكُمْ " قَالَ : الْفَرْج ; كَمَا قَالَ : " فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّه " [ الْبَقَرَة : 222 ] .
أَيْ مُتَجَاوِزُونَ لِحُدُودِ اللَّه .
أَيْ مُتَجَاوِزُونَ لِحُدُودِ اللَّه .
عَنْ قَوْلك هَذَا .
أَيْ مِنْ بَلَدنَا وَقَرْيَتنَا .
أَيْ مِنْ بَلَدنَا وَقَرْيَتنَا .
يَعْنِي اللِّوَاط
أَيْ الْمُبْغِضِينَ وَالْقَلْي الْبُغْض ; قَلَيْته أَقْلِيه قِلًى وَقَلَاءً . قَالَ : فَلَسْت بِمُقَلِّي الْخِلَال وَلَا قَالِي وَقَالَ آخَر : عَلَيْك السَّلَام لَا مُلِلْت قَرِيبَة وَمَالك عِنْدِي إِنْ نَأَيْت قَلَاء
أَيْ الْمُبْغِضِينَ وَالْقَلْي الْبُغْض ; قَلَيْته أَقْلِيه قِلًى وَقَلَاءً . قَالَ : فَلَسْت بِمُقَلِّي الْخِلَال وَلَا قَالِي وَقَالَ آخَر : عَلَيْك السَّلَام لَا مُلِلْت قَرِيبَة وَمَالك عِنْدِي إِنْ نَأَيْت قَلَاء
أَيْ مِنْ عَذَاب عَمَلهمْ . دَعَا اللَّه لَمَّا أَيِسَ مِنْ إِيمَانهمْ أَلَّا يُصِيبهُ مِنْ عَذَابهمْ .
وَلَمْ يَكُنْ إِلَّا اِبْنَتَاهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي " هُود " .
رَوَى سَعِيد عَنْ قَتَادَة قَالَ : غَبَرَتْ فِي عَذَاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَيْ بَقِيَتْ . وَأَبُو عُبَيْدَة يَذْهَب إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى مِنْ الْبَاقِينَ فِي الْهَرَم أَيْ بَقِيَتْ حَتَّى هَرِمَتْ . قَالَ النَّحَّاس : يُقَال لِلذَّاهِبِ غَابِر وَالْبَاقِي غَابِر كَمَا قَالَ : لَا تَكْسَع الشَّوَل بِأَغْبَارِهَا إِنَّك لَا تَدْرِي مَنْ النَّاتِج وَكَمَا قَالَ : فَمَا وَنَى مُحَمَّد مُذْ أَنْ غَفَرْ لَهُ الْإِلَه مَا مَضَى وَمَا غَبَرَ أَيْ مَا بَقِيَ . وَالْأَغْبَار بَقِيَّات الْأَلْبَان .
أَيْ أَهْلَكْنَاهُمْ بِالْخَسْفِ وَالْحَصْب ; قَالَ مُقَاتِل : خَسَفَ اللَّه بِقَوْمِ لُوط وَأَرْسَلَ الْحِجَارَة عَلَى مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنْ الْقَرْيَة .
يَعْنِي الْحِجَارَة
وَقِيلَ : إِنَّ جِبْرِيل خَسَفَ بِقَرْيَتِهِمْ وَجَعَلَ عَالِيهَا سَافِلهَا , ثُمَّ أَتْبَعَهَا اللَّه بِالْحِجَارَةِ .
وَقِيلَ : إِنَّ جِبْرِيل خَسَفَ بِقَرْيَتِهِمْ وَجَعَلَ عَالِيهَا سَافِلهَا , ثُمَّ أَتْبَعَهَا اللَّه بِالْحِجَارَةِ .
لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُؤْمِن إِلَّا بَيْت لُوط وَابْنَتَاهُ .
يُرِيد الْمَنِيع الْمُنْتَقِم مِنْ أَعْدَائِهِ , الرَّحِيم بِأَوْلِيَائِهِ .
الْأَيْك الشَّجَر الْمُلْتَفّ الْكَثِير الْوَاحِدَة أَيْكَة . وَمَنْ قَرَأَ : " أَصْحَاب الْأَيْكَة " فَهِيَ الْغَيْضَة . وَمَنْ قَرَأَ : " لَيْكَة " فَهُوَ اِسْم الْقَرْيَة . وَيُقَال : هُمَا مِثْل بَكَّة وَمَكَّة ; قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ . وَقَالَ النَّحَّاس : وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر وَنَافِع : " كَذَّبَ أَصْحَاب لَيْكَة الْمُرْسَلِينَ " وَكَذَا قَرَأَ : فِي " ص " . وَأَجْمَعَ الْقُرَّاء عَلَى الْخَفْض فِي الَّتِي فِي سُورَة " الْحِجْر " وَاَلَّتِي فِي سُورَة " ق " فَيَجِب أَنْ يُرَدّ مَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ إِذْ كَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا . وَأَمَّا مَا حَكَاهُ أَبُو عُبَيْد مِنْ أَنَّ " لَيْكَة " هِيَ اِسْم الْقَرْيَة الَّتِي كَانُوا فِيهَا وَأَنَّ " الْأَيْكَة " اِسْم الْبَلَد فَشَيْء لَا يَثْبُت وَلَا يُعْرَف مَنْ قَالَهُ فَيَثْبُت عِلْمه , وَلَوْ عُرِفَ مَنْ قَالَهُ لَكَانَ فِيهِ نَظَر ; لِأَنَّ أَهْل الْعِلْم جَمِيعًا مِنْ أَهْل التَّفْسِير وَالْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب عَلَى خِلَافه . وَرَوَى عَبْد اللَّه بْن وَهْب عَنْ جَرِير بْن حَازِم عَنْ قَتَادَة قَالَ : أُرْسِلَ شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى أُمَّتَيْنِ : إِلَى قَوْمه مِنْ أَهْل مَدْيَن , وَإِلَى أَصْحَاب الْأَيْكَة ; قَالَ : وَالْأَيْكَة غَيْضَة مِنْ شَجَر مُلْتَفّ . وَرَوَى سَعِيد عَنْ قَتَادَة قَالَ : كَانَ أَصْحَاب الْأَيْكَة أَهْل غَيْضَة وَشَجَر وَكَانَتْ عَامَّة شَجَرهمْ الدَّوْم وَهُوَ شَجَر الْمُقْل . وَرَوَى اِبْن جُبَيْر عَنْ الضَّحَّاك قَالَ : خَرَجَ أَصْحَاب الْأَيْكَة - يَعْنِي حِين أَصَابَهُمْ الْحَرّ - فَانْضَمُّوا إِلَى الْغَيْضَة وَالشَّجَر , فَأَرْسَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ سَحَابَة فَاسْتَظَلُّوا تَحْتهَا , فَلَمَّا تَكَامَلُوا تَحْتهَا أُحْرِقُوا . وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : وَ " الْأَيْكَة " الشَّجَر . وَلَا نَعْلَم بَيْن أَهْل اللُّغَة اِخْتِلَافًا أَنَّ الْأَيْكَة الشَّجَر الْمُلْتَفّ , فَأَمَّا اِحْتِجَاج بَعْض مَنْ اِحْتَجَّ بِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ فِي هَذَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ بِالْفَتْحِ أَنَّهُ فِي السَّوَاد " لَيْكَة " فَلَا حُجَّة لَهُ ; وَالْقَوْل فِيهِ : إِنَّ أَصْله الْأَيْكَة ثُمَّ خُفِّفَتْ الْهَمْزَة فَأُلْقِيَتْ حَرَكَتهَا عَلَى اللَّام فَسَقَطَتْ وَاسْتَغْنَتْ عَنْ أَلِف الْوَصْل ; لِأَنَّ اللَّام قَدْ تَحَرَّكَتْ فَلَا يَجُوز عَلَى هَذَا إِلَّا الْخَفْض ; كَمَا تَقُول بِالْأَحْمَرِ تُحَقِّق الْهَمْزَة ثُمَّ تُخَفِّفهَا بِلَحْمَرِ ; فَإِنْ شِئْت كَتَبْته فِي الْخَطّ عَلَى مَا كَتَبْته أَوَّلًا , وَإِنْ شِئْت كَتَبْته بِالْحَذْفِ ; وَلَمْ يَجُزْ إِلَّا الْخَفْض ; قَالَ سِيبَوَيْهِ : وَاعْلَمْ أَنَّ مَا لَا يَنْصَرِف إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْأَلِف وَاللَّام أَوْ أُضِيفَ اِنْصَرَفَ ; وَلَا نَعْلَم أَحَدًا خَالَفَ سِيبَوَيْهِ فِي هَذَا . وَقَالَ الْخَلِيل : " الْأَيْكَة " غَيْضَة تُنْبِت السِّدْر وَالْأَرَاك وَنَحْوهمَا مِنْ نَاعِم الشَّجَر .
وَلَمْ يَقُلْ أَخُوهُمْ شُعَيْب ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَخًا لِأَصْحَابِ الْأَيْكَة فِي النَّسَب , فَلَمَّا ذَكَرَ مَدْيَن قَالَ : " أَخَاهُمْ شُعَيْبًا " [ الْأَعْرَاف : 85 ] ; لِأَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ . وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " الْقَوْل فِي نَسَبه . قَالَ اِبْن زَيْد : أَرْسَلَ اللَّه شُعَيْبًا رَسُولًا إِلَى قَوْمه أَهْل مَدْيَن , وَإِلَى أَهْل الْبَادِيَة وَهُمْ أَصْحَاب الْأَيْكَة ; وَقَالَ قَتَادَة . وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ .
تَخَافُونَ اللَّه
تَخَافُونَ اللَّه
أَيْ صَادِق فِيمَا أُبَلِّغكُمْ عَنْ اللَّه تَعَالَى .
وَإِنَّمَا كَانَ جَوَاب هَؤُلَاءِ الرُّسُل وَاحِدًا عَلَى صِيغَة وَاحِدَة ; لِأَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى الْأَمْر بِالتَّقْوَى , وَالطَّاعَة وَالْإِخْلَاص فِي الْعِبَادَة , وَالِامْتِنَاع مِنْ أَخْذ الْأَجْر عَلَى تَبْلِيغ الرِّسَالَة .